رسالتان حول العصمة

اشارة

مولف:لطف الله الصافي

ناشر:دارالقرآن الكريم

الاستدلال بآية التطهير علي عصمة اهل البيت

اشاره

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيد رسله أبي القاسم محمد وآله المطهرين المعصومين. من الآيات التي استدل بها علي عصمة سادتنا الأئمة الهداة الميامين عليهم أفضل صلاة المصلين، وطهارتهم عن كل رجس آية التطهير. قال الله تعالي: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [1] . وجه الاستدلال بها مضافا إلي أخبار الكثيرة التي أخرجها أعلام المحدثين وأكابر المفسرين من العامة والخاصة في كتب الحديث والجوامع والمسانيد وكتب التفسير عن النبي صلي الله عليه وآله وأهل بيته وأصحابه أن لفظة " إنما " محققة لما ثبت بعدها نافية لما لم يثبت، والإرادة التي. [ صفحه 69] جاءت في الآية الكريمة هي الإرادة الحتمية والتكوينية التي يتبعها التطهير دون الإرادة المحضة والمطلقة التي ربما يعبر عنها بالإرادة التشريعية. وذلك لأنه تعالي أراد التطهير عن الأرجاس عن جميع المكلفين بالإرادة المطلقة والتشريعية وأمرهم بكل ما ينبغي أن يفعلوه ونهاهم عن كل ما ينبغي أن يتركوه، والآية الكريمة تدل علي اختصاص الإرادة المذكورة فيها بأهل البيت عليهم السلام دون غيرهم فلا تكون الإرادة إلا الإرادة الحتمية التي يتبعها التطهير لا محالة. وأيضا لا ريب في أن هذا التعبير الصريح في اختصاصهم بهذه الإرادة صريح في المدح والتعظيم لأهل البيت عليهم السلام، وإذا كانت الإرادة غير حتمية لا مدح لهم بها، ويختل نظام الكلام المنزه عنه كلام العقلاء فضلا عن الله تعالي.

اثبات أن الإرادة هي المستتبعة للتطهير و إذهاب الرجس

وعليه لا مناص من القول بأن المراد منها هي الإرادة المستتبعة التطهير وإذهاب الرجس. وبذلك يدفع توهم شمول الآية لغير أهل البيت عليهم السلام ممن ثبت عدم عصمتهم كأزواج النبي صلي الله عليه وآله. ومما يدل

علي أن الإرادة هي الإرادة الحتمية أن متعلق الإرادة في الآية إذهاب الرجس عنهم الذي هو فعل الله تعالي، والإرادة التي تتعلق بفعله تعالي حتمية لا تتخلف عن المراد، ففرق بين ما يكون المراد فعله تعالي، وبين ما يكون فعل الغير المختار، فإذا كان متعلق الإرادة فعل غيره المختار يصح أن تكون هي التشريعية كما يجوز أن تكون [ صفحه 70] التكوينية، وإن كان الظاهر من موارد الاستعمالات بلا قرينة صارفة الأولي. وإذا كان متعلق الإرادة فعل الله تعالي أو صدور الفعل عن غيره المختار بدون اختياره تكون الإرادة حتمية لا تتخلف عن المراد وإلا لزم إسناد العجز إلي الباري سبحانه وتعالي شأنه المنزه عن كل عجز ونقص، والمتعالي عن ذلك علوا كبيرا. ولا يخفي عليك أن في الآية ضروبا من التأكيد في المدح والتعظيم لأهل البيت عليهم السلام كما يدل قوله (تطهيرا) أيضا علي عظم شأن هذا التطهير. إن قلت: علي هذا إذا كان إذهاب الرجس عنهم بفعل الله تعالي وإرادته الحتمية كيف يوجه مدحهم، وتفضيلهم علي غيرهم لأمر لم يكن من فعلهم ولا باختيارهم؟ قلت: إن عنايات الله الخاصة بل والعامة لا تشمل إلا من له قابلية قبولها، وهو عز وجل أعلم بمحالها ومواردها. قال الله تعالي: وإن منشئ إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم [2] . وقال جل شأنه: الله أعلم حيث يجعل رسالته [3] . وقال سبحانه تعالي: أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم [4] . . [ صفحه 71] وهذا كالتوفيق والخذلان فلا يفوز بالتوفيق من الله الذي هو ولي التوفيق إلا من كانت له أهلية ذلك كما لا يصيب الخذلان إلا من جعل نفسه في

معرضه. قال الله تعالي: ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأي أن كذبوابآيات الله وكانوا بها يستهزئون [5] . فهذه أمور مرتبطة بالشئون الربوبية، واستصلاح حال العباد وما تقتضيه الحكمة الإلهية، وهو العالم بها وبمواردها، وهو الحكيم العليم الفياض الوهاب الجواد الذي لا يبخل، ولا ينفد خزائنه ولا يمنع فيضه ممن له أهلية ذلك. ألا تري اختلاف الناس في الاستعدادات، والقوي النفسانية والجسمانية. فالله تعالي أعطي من أعطاه من قوة الدرك والشعور بحكمته، ولأنه أهل لقبول عطيته وأخذ موهبته ولم يحرم من لم يعطه ذلك، ولم يبخس حقه بل أعطاه بقدر استعداده وظرفيته، ونعم ما قاله الشاعر - بالفارسية: آنكه هفت إقليم عالم را نهاد هر كسي را آنچه لايق بود، داد گر بريزي آب را در كوزه اي چند گنجد قسمت يكروزه اي آب كم جو تشنگي آور بدست تا بجو شد آبت از بالا وپست. ثم أن بعض أهل الأهواء، والمغترين بالثقافة الغربية ومن يحذو. [ صفحه 72] حذوهم ممن نعتوا أنفسهم بالثقافة والتنور الفكري وما هم بذلك زعم أن الإرادة لو كانت تشريعية ليكون أهل العصمة وغيرهم سواء لكان اجتنابهم عن المعاصي والقبائح بالاختيار أدل علي أفضليتهم، وكمال نفوسهم من اجتنابهم عن المعصية بصفة أنهم معصومون وأن الله أراد عصمتهم عن المعاصي، وبهذا البيان المزخرف أراد نفي دلالة آية التطهير علي عصمتهم، وإنكارها من الأصل.

لا ملازمة بين العصمة و عدم الاختيار

والجواب عن هذا الزعم الفاسد: أنه لا ملازمة بين العصمة وعدم الاختيار، ولا منافاة بينها وبينه فإن إرادة الحتمية والتكوينية تارة تتعلق بفعله، وما يصدر عنه بلا واسطة أمر بينه وبين المراد، وبعبارة تتعلق بوقوع أمر بدون واسطة أمر آخر سواء كان في خارج عالم الاختيار والأسباب

والمسببات أو في عالم الاختيار والأسباب فلا يتخلف الإرادة عن المراد حتي إذا كانت متعلقة بأمر اختياري لولا هذه الإرادة، وبما له أسباب كثيرة لأنه بعد ما أراد وقوعه مطلقا بدون واسطة الأسباب واختيار فاعل مختار يقع لا محالة كما أراد. وأخري تتعلق بما يصدر عن العبد بالاختيار أو بوقوع ما يكون له أسباب متعددة كذلك أعني باختياره وبواسطة الأسباب ففي مثله حصول المراد وتحققه، وعدم تخلف الإرادة عن المراد إنما يكون بصدوره عن العبد بالاختيار وبكون مسببا لهذه الأسباب ففي هذه الصورة لا تنافي بين إرادته المتعلقة بما يقع في عالم الاختيار والأسباب والمسببات وتوسط الوسائط والأسباب بل لو وقع بغير اختيار العبد أو تأثر الأسباب لكان من تخلف المراد عن إرادته. [ صفحه 73] وبناء علي هذا نقول: إن قضية إذهاب الرجس عنهم عليهم السلام وتعلق إرادته تعالي به التي لا تتخلف عن مراده هي عصمتهم، وعدم صدور القبائح منهم، وطهارتهم عن الأرجاس حال كونهم مختارين في الفعل والترك غير مقهورين محفوفين بشواغل عالم الطبيعة مما يدعو النفوس إلي الانصراف عن الملأ الأعلي والاشتغال بذكر الله تعالي.

تحقيق دقيق، مقتبس من دروس آية الله البروجردي

ولنا تحقيق دقيق في سد ثغور دلالة هذه الآية علي عصمة الأئمة عليهم السلام ألهمنا الله تعالي ببركة ما حققه الرجل الإلهي الفريد في عصره الإمام في العلوم الإسلامية، سيدنا الأستاذ البروجردي أعلي الله في الفردوس مقامه في مباحثه في أصول الفقه في مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، ورفع التنافي المتوهم بينهما تذكرة مماشاة لمن يصر علي كون الإرادة في الآية تشريعية. فنقول مستمدين العون من الله تعالي: إعلم أن الإرادة التشريعية هي عبارة عن الحكم بالشئ بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل

أعني الأمر والنهي والطلب والزجر ليكون الأمر داعيا له إلي ما أمر به، وزاجرا له عن فعل ما نهي عنه وبعبارة أخري هي إنشاء ما يصلح لأن يكون داعيا له إلي فعل المأمور به وزاجرا عن فعل المنهي عنه لأن ينبعث نحو الفعل من ينبعث بأمره وينتهي عن المنهي عنه من ينتهي عن نهيه، ويتم الحجة علي غيره ممن [ صفحه 74] يستخف بأمره، ولا يعتني به. وهذا أمر يجتمع مع الإرادة الحقيقية والجدية التي هي روح الحكم تارة ويفارقها أخري فإذا علم المولي من حال عبده أنه ينبعث بأمره وينزجر بنهيه، وإن أمره يدعوه إلي إطاعته وامتثاله، يريد منه بالإرادة الجدية والطلب الحقيقي فعل ما أمره به وترك ما نهاه عنه، فأمره ونهيه بالنسبة إلي هذا العبد يكون حقيقيا جديا. وإذا علم من حاله أنه لا يؤثر فيه أمر المولي ولا يحركه بشئ ولا يصير داعيا له نحو الإطاعة والامتثال فلا يعقل أن يكون أمره ونهيه بالنسبة إلي هذا العبد حقيقيا ولا يقترن مثل هذا الأمر والنهي، بإرادة الآمر والناهي الجدية، فالأمر والطلب في الصورة الأولي يكون حقيقيا مجامعا مع الإرادة الجدية وفي الصورة الثانية يكون صوريا، ولإتمام الحجة وقطع العذر. وبالجملة فلا يعقل إرادة الانبعاث الجدية والطلب الحقيقي ممن يعلم أنه لا ينبعث بأمر المولي، فلا يعقل أن يقول (قم) أو (لا تزن) أو (لا تشرب الخمر) ويريد القيام وترك الزنا وترك الخمر بالإرادة الجدية ممن يعلم أنه لا ينبعث بهذا الأمر ولا يأتمر به، ولا ينزجر عن الزنا وشرب الخمر ولا ينتهي بنهيه عنهما حتي لو كان المولي من الموالي العرفيين ولم يعلم ذلك من العبد واحتمل في حقه تأثير أمره فيه،

وانبعاثه به وتحريكه نحو الفعل لا تتأتي منه الإرادة الجدية بمجرد ذلك الاحتمال بل إنما يأمر، وينهي برجاء انبعاث عبده أو انتهائه. والحاصل أنه لا يعقل تعلق الإرادة الجدية والطلب الحقيقي بصدور [ صفحه 75] فعل عمن يعلم المريد أنه لا يفعله والأمر أو النهي في هذه الصورة لا يكون إلا صوريا. وما ذكرناه يستفاد من كثير من الآيات القرآنية الكريمة كقوله تعالي: لينذر من كان حيا ويحق القول علي الكافرين [6] . وقوله: إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم [7] وقوله تعالي: رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس علي اللهحجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما [8] . وقوله سبحانه: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حيي عن بينة " [9] فإرادة " قبول الإنذار من المنذر، والإنذار بقصد أن ينذر المنذر لا يكون حقيقيا إلا إذا كان المنذر ممن اتبع الذكر، وخشي الرحمان بالغيب، ويؤثر فيه الانذار. أما من لم يؤثر فيه ذلك، ولا ينذر بالإنذار فإنذاره ليس إلا صوريا ولرفع عذره ولئلا يكون له علي الله حجة. هذا وإن شئت قلت: إن الإرادة التشريعية علي ضربين، ضرب منهما ما يعلم المريد من حال المراد منه أنه ينبعث نحو المأمور به بأمره [ صفحه 76] ويحركه ويصير داعيا له فيطلب منه ذلك بالطلب الحقيقي والإرادة الجدية وضرب منهما ما يعلم المريد من حال المراد منه أنه لا يتأثر بأمره فيحكم بأمره أو نهيه بما ينبغي أن يفعل أو لا يفعل وينشأ ما يصلح أن يكون داعيا له ولكن لا طلب له حقيقيا في هذه الصورة ولا يريد انبعاث المأمور بهذا الأمر بالإرادة الجدية بل لا

يصح إطلاق الطلب والإرادة علي ذلك بنحو الحقيقة إلا مجازا وبالتمحل بخلاف الأول فإن إطلاق الطلب والإرادة وأنه مريد وطالب يكون علي نحو الحقيقة. وعلي هذا نقول: إن الإرادة المذكورة في الآية وإن كانت تشريعية إلا أنها من النوع الأول الذي أراد الآمر والناهي بالإرادة الجدية والطلب الحقيقي انبعاث المأمور وأمره ونهيه يصدر منه بداعي انبعاثه وصراحة الآية في ذلك وإن الإرادة المذكورة جدية وليست من النوع الثاني في غاية الوضوح. وإن أبي المعاند عن كل ذلك أيضا، وقال: إن الإرادة التشريعية عامة تشمل جميع المكلفين المطيعين والعاصين علي السواء، قلنا لا تنازع في الألفاظ والأسماء والاصطلاحات، وقد قيل من قديم لا مشاحة في الاصطلاح فعرف الإرادة التشريعية بما شئت، وقل إن الإرادة التشريعية هي جعل ما يصلح لأن يكون داعيا للعبد أو زاجرا، وإنشاء ما له قابلية الداعوية وبعث العبد نحو الفعل أو الترك. إلا أنك تعلم أن هذا مجرد اصطلاح ولا يحصر مفهوم الإرادة في ذلك ولا ينفي ما هو واقع الأمر وهو أن المولي إذا علم من حال عبده أنه ينبعث بأمره ويتحرك بإرادته التشريعية يطلب منه ما أمره به بالطلب [ صفحه 77] الحقيقي وبالإرادة الجدية وإذا علم من حاله أنه لا ينبعث بذلك ولا يؤثر أمره ونهيه في تحريكه أو امتناعه لا يطلب منه ما أراده بالإرادة التشريعية حقيقة ولا يدعوه نحو فعل ما أمره به بداعي أن يفعله بل يدعوه بداعي أن يتم عليه الحجة وهذا ما نسميه بالأمر الصوري ومن راجع وجدانه يعرف منه ذلك. بل يصح أن نقول إن إطلاق الإرادة علي التشريعية إطلاق مجازي بخلافه علي الإرادة الجدية فإنه إطلاق حقيقي. وبالجملة فهل يمكنك إنكار الإرادة

الجدية بالمعني الذي تلوناه عليك؟ وهل يمكنك أن تقول إنها تتعلق بما لا تؤثر الإرادة التشريعية في الانبعاث نحوه وهل يمكنك إنكار تعلقها حقيقة بالانبعاث وبوقوع الفعل عن العبد إذا كان الأمر والطلب والإرادة التشريعية مؤثرا في بعث العبد أو زجره؟ وهل يمكنك أن تقول بعد ذلك بظهور الإرادة المذكورة في الآية في الإرادة التشريعية دون الإرادة الجدية مع عدم وجود قرينة صارفة عن المعني الحقيقي ووجود الشواهد في الكلام علي أن المراد بالإرادة هي الجدية: وإن شئت قل إن الإرادة علي قسمين جدية وتشريعية، فالتشريعية عبارة عن طلب التكاليف عن جميع المكلفين علي السواء بإنشاء ما يصلح أن يكون داعيا لهم والحكم بما ينبغي أو يجب أن يفعل أو لا يفعل، والجدية علي ضربين تكوينية وغير تكوينية فالتكوينية منهما ما يتعلق بكون شئ بدون واسطة فعل فاعل مختار وغير التكوينية ما يتعلق بفعل فاعل مختار إذا علم من حاله تحريكه وانبعاثه بالي لب منه. [ صفحه 78] وبعد كل ذلك نقول: إن الله تعالي وإن قطع بالإرادة التشريعية عذر عباده وأنشأ بأوامره ونواهيه ما يصلح أن يكون داعيا للجميع نحو الفعل المأمور به أو زاجرا لهم عن الفعل المنهي عنه، وجعل الكل في ذلك سواء إلا أن المستفاد من الآية الشريفة أنه لعلمه لحال هذه الذوات المقدسة وأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وما يشاؤن إلا أن يشاء الله. أراد بالإرادة الجدية (لا التكوينية) انبعاثهم نحو جميع الطاعات وانزجارهم عن جميع المنهيات فأمرهم بما أمرهم ونهاهم عما نهاهم لا لأن يكون هذا الأمر والنهي لقطع العذر وإتمام الحجة عليهم بل لانبعاثهم نحو ما أمروا به، وانزجارهم عما نهوا عنه وليكون باعثا

وداعيا لهم للامتثال تطهيرا لهم عن جميع الأرجاس وقد أخبرنا بذلك في هذه الآية الكريمة إعلاما بجلالة قدرهم وعلو شأنهم وسمو مقامهم وكمال نفوسهم وعلي هذا دلت الآية الشريفة علي أن فيهم ملكة قبول كل ما أمر الله تعالي به ونهي عنه والاهتداء بهديه، ومن كان حاله هذا يريد الله تعالي إذهاب الرجس عنه، ويوفر له أسباب التوفيق ويخصه بعناياته الخاصة، ويجعله تحت رعايته الكاملة يلهمه كل خير ويميز له كل شر لا يدعه في حال من الحالات، ولا في شأن من الشؤون يختاره، ويصطفيه من بين عباده، وهو القادر علي ما يريد، وبكل شئ عليم لا يسئل عنا يفعل وهم يسئلون. لا يقال ما ذكرت حاصل لغير هؤلاء الذوات الكريمة أيضا من الذين يخشون الرحمان بالغيب، ويتبعون الذكر، ويقبلون المواعظ [ صفحه 79] بحسب مراتبهم ودرجاتهم. فإنه يقال نعم ونحن نعرف كثيرا من الناس علي بعض مراتب تلك الصفة السامية والملكة العالية القدسية مطيعين لله خائفين منه أهل الخضوع، والخشوع، وقيام الليل معروفين بالعدالة، والزهد ولكن لا نعرف علي صفة العصمة غير من شهد الله تعالي له بذلك لأن العصمة المطلقة لا تعرف إلا من طريق الوحي والارتباط بعالم القدس والملكوت الأعلي وقد عرفنا الله تعالي في هذه الآية أهل البيت عليهم السلام، وأخبرنا بطهارتهم عن الأرجاس، وعصمتهم صلوات الله عليهم أجمعين ورزقنا الله اتباعهم والاقتداء بهم وأماتنا بحبهم وولايتهم، ولا يفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة إنه الكريم المتفضل الوهاب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 16 صفر الخير 1403 حرره تراب أقدام محبي أهل البيت عليهم السلام لطف الله الصافي الگلپايگاني. [ صفحه 81] تحت إشراف لجنة التحقيق

في مؤسسة الإمام الصادق (ع) رسالة قيمة حول عصمة الأنبياء والأئمة تأليف العلامة الحجة آية الله الشيخ لطف الله الصافي دام ظله من منشورات دار القرآن الكريم قم المقدسة 1403 ه ق. [ صفحه 82] بسم الله الرحمن الرحيم وردت إلينا رسالة من رئيس الجماعة الإسلامية (عادل جوهر " في أمريكا وكندا، تتضمن ثلاثة أسئلة ترجع كلها إلي مسألة العصمة في الأئمة الأطهار من أهل البيت النبوي، وقد رفعنا وهذه الأسئلة إلي العلامة الحجة آية الله الشيخ لطف الله الصافي دام ظله علما بأن سماحته أحد الأبطال في المباحث الاعتقادية وخاصة ما يتعلق منها بالولاية. فتفضل دام ظله بتدوين رسالة مفصلة وافية بالمراد وشافية لغليل السائل، وقد سلمنا نسخة من هذه الرسالة إلي مندوب الجماعة، حتي يبعثها إلي الجماعة الإسلامية. ونظرا لأهمية محتويات هذه الرسالة العقائدية قد قمنا بنشرها ملحقة بكتاب أقطاب الدوائر التي تدور مسائلها حول آية التطهير التي هي من أوضح دلائل العصمة في أهل البيت. ونحن ما نقوم بطبع هذه الرسالة الجوابية القيمة ننشر معها [ صفحه 83] نص رسالة الجماعة تدليلا علي اهتمامهم بهذه الأمور وإلفاتا لنظر المفكرين الإسلاميين إلي ما يدور في أذهان المسلمين القاطنين في تلكم الديار. والله نسأل التوفيق والهداية، إنه سميع الدعاء. 17 ربيع الأول / 1403 هجرية جعفر السبحاني [ صفحه 84]

رسالة رئيس جماعة الاسلامية إلي أحد الأساتذة

اشاره

بسمه تعالي - الثلاثاء 14 جمادي الآخرة سنة 1402 سماحة العلامة الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني - دامت إفاضاته. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: إننا في الجماعة الإسلامية في أمريكا وكندا نعتز أشد الاعتزاز بورثة الأنبياء والعترة الطاهرة عليهم السلام علمائنا الأعلام، حفظهم الله تعالي. ومن جملة النشاطات التي نقوم بها إصدار مجلة

إسلامية " الرسالة " كي نقوم بجزء يسير من الأعباء والمسؤوليات الكبيرة الملقاة علي عاتقنا في بلاد الغربة. وإننا في الحقيقة بحاجة ماسة إلي البحوث والمقالات الإسلامية وبحاجة إلي مشاركة العلماء الأجلاء في دعم تطور مجلة " الرسالة ".

الاسئلة الواردة في هذه الرسالة

وإننا نود من سماحتكم التفضل بالإجابة علي الأسئلة التالية، ويفضل أنه تكون الإجابة علي هيئة بحث علمي كما نود أن تجيزونا بنشرها. 1 - ما هي أدلة عصمة الأئمة من مصادر التشريع الإسلامي وما هو [ صفحه 85] نوعها، وما هو الفرق بينها وبين عصمة الأنبياء؟ 2 - هل يزداد علم الإمام المعصوم عليه السلام مع الأيام وهل أن علمه عليه السلام قبل تولية الإمامة يختلف عنه قبل ذلك؟. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكننا والحالة هذه، الحكم بأفضلية الإمام علي عليه السلام علي الإمام الجواد، الذي تولي الإمامة وهو ابن تسع سنين. 3 - كيف يمكننا درء الشبهة القائلة باختلاف مستويات الأئمة إيمانا وعلما وخلقا وذلك باعتبار ما يرويه لنا التاريخ من سيرهم؟ وختاما أسأل الله عز وجل أن يتسع وقتكم للإجابة علي هذه الأسئلة التي تتخذ أهمية بالغة في مثل ظروفنا الحالية وأسأله تعالي أن يوفقكم وإيانا لتحقيق ما فيه رضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته رئيس الجماعة الإسلامية عادل جوهر [ صفحه 86]

الاجابة عن هذه الأسئلة

اشاره

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي عباده الذين اصطفي سيما سيدهم أبي القاسم محمد وآله الطاهرين المعصومين. وبعد فهذه رسالة وجيزة في الجواب عن أسئلة أرسلها بعض الإخوان الأزكياء من أهل الدعوة إلي هدي الإسلام في أمريكا إلي أحد أصدقائي من العلماء وأساتذة الحوزة العلمية كتبتها التماسا للثواب وامتثالا لأمر الصديق العزيز أدام الله أيامه ونفع المسلمين بعلومه وبركاته. والكلام بالنظر إلي الأسئلة يقع في مباحث.

في عصمة الأنبياء والأئمة

اشاره

وهذا سؤاله بلفظه عنها: ما هي أدلة عصمة الأئمة عليهم السلام من مصادر التشريع الإسلامي وما هو نوعها وما هو الفرق بينها وبين عصمة الأنبياء؟ والجواب علي هذا السؤال يأتي في طي مسائل: الأولي ما هي العصمة؟ [ صفحه 87] والجواب أن العصمة قوة قدسية وبصيرة ملكوتية ونورانية ربانية راسخة في النفس يحفظ بها صاحبها نفسها عن القبائح إتيان كل ما في فعله انصراف عن الحق ونسيان المولي. وإن شئت قلت: حضور خاص للعبد عند مولاه لا يرتكب معه ما ينافي هذا الحضور فلا يشتغل في هذا الحضور إلا بما يناسبه ففي مثل هذا الموقف الأقدس لا ذنب، ولا معصية، ولا انصراف عن الله تعالي. وهذا مقام رفيع لا يناله، ولا يفوز به إلا عباد الله المخلصين الكاملين الذين ليس لغير الله سلطان عليهم وهم الأنبياء والأئمة عليهم السلام. وإن شئت مثالا لذلك والمثال لا يسئل عنه. فانظر إلي نفسك إذا كنت طالبا سلعة تذهب إلي السوق لشرائها فيعرضها بايع لك بدينار، وآخر بدينارين، ولا شك أنك مختار في اشترائها من الأول أو الثاني لكن لا تشتريها إلا من الأول لما فيك من قوة التميز بين نفعك وضررك، والمعصوم في صفاء النفس والاتصال

بعالم الغيب وقوة الدرك حتي في ترك الأولي كترك المستحبات وفعل المكروهات أصفي نفسا منك ومن غيرك. وبالجملة فالحضور ضد الغياب، والتوجه ضد الانصراف فمن كان في محضر المولي ليس بغائب عنه ومن ذاق حلاوة قربه ومؤانسته لا يبتغي عنها بدلا، ومن جلس علي بساط عبادته وأدرك لذة مناجاته يقول كما قال زين العابدين عليه السلام: متي راحة من نصب لغيرك بدنه ومتي فرح من قصد سواك بنيته قال العلامة الجليل السيد عبد الله شبر. [ صفحه 88]

ما هي العصمة

العصمة عبارة عن قوة العقل من حيث لا يغلب مع كونه قادرا علي المعاصي كلها كجائز الخطاء وليس معني العصمة أن الله يجبره علي ترك المعصية بل يفعل به ألطافا يترك معها المعصية باختياره مع قدرته عليها كقوة العقل، وكما الفطانة، والذكاء ونهاية صفاء النفس وكمال الاعتناء بطاعة الله تعالي، ولو لم يكن قادرا علي المعاصي بل كان مجبورا علي الطاعات لكان منافيا للتكليف، ولا إكراه في الدين والنبي صلي الله عليه وآله أول من كلف حيث قال: فأنا أول العابدين [10] وأنا أول المسلمين [11] وقال تعالي: واعبد ربك حتي يأتيك اليقين [12] ولأنه لو لم يكن قادرا علي المعصية لكان أدني مرتبة من صلحاءالمؤمنين القادرين علي المعاصي التاركين لها [13] . وقال الشارح للصحيفة الشريف الأجل. العصمة في اللغة اسم من عصمة الله من المكروه يعصمه باب ضرب بمعني حفظه ووقاه. وفي العرف: فيض إلهي يقوي به العبد علي تحري الخير وتجنب الشر الخ [14] . وقال الراغب: وعصمة الأنبياء حفظه إياهم أولا بما خصهم به. [ صفحه 89] من صفاء الجوهر ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية ثم بالنصرة وبتثبيت أقدامهم، ثم

بإنزال السكينة عليهم وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق [15] . وقال الشيخ الأكبر المفيد قدس سره: العصمة من الله لحججه هي التوفيق، واللطف والاعتصام من الحجج بها من الذنوب والغلط في دين الله تعالي والعصمة تفضل من الله تعالي علي من علم أنه يتمسك بعصمته، والاعتصام فعل المعتصم وليست القدرة مانعة من القدرة علي القبيح ولا مضطرة للمعصوم علي الحسنولا ملجئة له إليه [16] . وقال أيضا رضوان الله عليه. العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمنع عنه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليها [17] وقال العلامة الحلي رحمه الله تعالي: هي ما يمتنع المكلف معه من المعصية متمكنا فيها ولا يمتنع فيها عدمها [18] . وقال الفاضل السيوري قدس سره.. [ صفحه 90] قال أصحابنا ومن وافقهم من العدلية: هي لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمتنع المعصية لانتفاء داعيه ووجود صارفه مع قدرته عليها ووقوع المعصية ممكن نظرا إلي قدرته وممتنع نظرا إلي عدم الداعي ووجود الصارف، وإنما قلنا بقدرته عليها لأنه لو لاه لما استحق مدحا ولا ثوابا إذ لا اختيار له حينئذ لأنهما يستحقان علي فعل الممكن وتركه لكنه يستحق المدح والثواب لعصمته إجماعا فيكون قادرا. وقال الأشاعرة: هي القدرة علي الطاعة وعدم القدرة علي المعصية [19] . وقال بعض الحكماء: إن المعصوم خلقه الله جبلة صافية، وطينة نقية، ومزاجا قابلا وخصه بعقل قوي وفكر سوي، وجعل له ألطافا زائدة فهو قوي بما خصه علي فعل الواجبات واجتناب المقبحات والالتفات إلي ملكوت السماوات والإعراض عن عالم الجهات فيكون النفس الأمارة مأسورة مقهورة في حيز النفس العاقلة. وقيل: هو المختص بنفس هي أشرف النفوس الإنسانية، ولها عناية خاصة، وفيض يتمكن به من أسر القوة

الوهمية والخيالة الموجبتين للشهوة والغضب المتعلق كل ذلك بالقوة الحيوانية. ولبعضهم كلام حسن جامع هنا قالوا: العصمة ملكة نفسانية يمنع المتصف بها من الفجور مع قدرته. [ صفحه 91] عليه، ويتوقف هذه الملكة علي العلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات لأن العفة متي حصلت في جوهر النفس وانضاف إليها العلم التام بما في المعصية من الشقاوة والطاعة من السعادة صار ذلك العلم موجبا لرسوخها في النفس فتصير ملكة، ثم إن تلك الملكة إنما يحصل له بخاصية نفسية أو بدنية تقتضيها، وإلا لكان اختصاصه بتلك الملكة دون بني نوعه ترجيحا من غير مرجح، ويتأكد ذلك بتواتر الوحي وأن يعلم المؤاخذة علي ترك الأولي [20] . أقول لا ريب أن الاختصاص بتلك الملكة إنما يكون بجهة مرجحة يعلمها الله تعالي، وليس علينا السؤال عن هذه الجهة وهذا كاختصاص كثير من المخلوقات بل كلها بأوصاف خاصة واختلافهم في الأنواع والأفراد، واختصاص السماء والأرض بالخلق وغير ذلك، وما هو المعلوم عقلا وشرعا أن كل ذلك لم يكن عبثا، ومن خلق هذا الخلق وجعل هذا النظام الحاكم علي عالم الإنسان، والحاكم علي عالم الحيوان والنباتات بأنواعها، والجمادات كلها تشهد بحكمه وتقدسه عن اللغو والعبث، وقال سبحانه وتعالي في وصف أولي الألباب: ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاسبحانك فقنا عذاب النار [21] . وقال تعالي جده. ما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا. [ صفحه 92] فويل للذين كفروا من النار [22] . وقال عز من قائل: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينالا ترجعون [23] . وهذا لا يمنع عن القول بأشرفية البعض من البعض، وأفضليته بل غاية ما يقال فيه: إن ذلك بتقديره

وحكمته. فالسؤال الذي ربما يختلج بالبال في اصطفاء من اصطفاه الله من الأنبياء والأئمة عليهم السلام هو السؤال عن اختصاص كل ذي فضل في هذا العالم بنوعه أو فرده علي غيره. والجواب علي النحو العام هو أن أفعال الله تعالي كلها متقنة محكمة صدرت منه لأغراض متعالية والتفضيل المشاهد في العالم إما حصل لعلل يقتضيها ضيق عالم المادة وما جعل الله في كل جزء من أجزاء هذا العالم بتقديره من التأثير في غيره أو التأثير منه، وإما يحصل لعلل اختيارية تؤثر في كمال النفس وفضلها، وتؤثر في تفضيل بعض الأفراد من الإنسان والحيوان، والنبات علي غيرها، وقد يحصل لعلل أخري اختيارية للعبد، وغير اختيارية مما يوجب الترجيح ويؤثر فيه، والجهات المرجحة كثيرة لا يمكننا إحصائها ومعرفة تفاصيلها فإذا وجد بإذن الله تعالي وتقديره شخص قابل للإفاضة الغيبية والعناية الربانية كالعصمة والعلوم اللدنية لا يحرم منها ويستحيل أن يمنع الله تعالي ذلك عنه والله تعالي أعلم بموارد عناياته وإفاضاته.. [ صفحه 93] هذا ولنا أن نقول أن النظام لا يتم بل لا يقوم إلا علي التفضيل والاختصاص والاصطفاء فاختصاص العين بالرؤية والأذن بالسمع وسائر الأعضاء كلها بخاصية معينة، وكذا اختصاص هذا الشجر بهذا الثمر وهذا بهذا هو المقوم لهذا النظام بإذن الله تعالي ولو لم يكن هذا الاختصاص لم يكن هذا العالم " وذلك تقدير العزيز العليم ". [24] فالاصطفاء والاختصاص والتفضيل أمر واقع في عالم التكوين مهما كانت علله ومعلومة كانت لنا أو مجهولة عندنا. نري ذلك بالعيان، ونقرأه في تراجم الأنبياء والأولياء وأرباب العقول الكبيرة وغيرها، كما نلبس عصمة الأنبياء والأولياء من خلال سيرتهم وعباداتهم، وخصائصهم وأخلاقهم لا يمكننا إنكار الواقعيات، القرآن المجيد أيضا

ناطق باصطفاء بعض الناس علي بعض، وبعض الأنواع علي بعض قال الله تعالي:" ولقد فضلنا بعض النبيين علي بعض [25] . وقال سبحانه: " تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم علي بعض درجات [26] وقال عز من قائل: وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين [27] (أي عالمي زمانها كما ورد. [ صفحه 94] في التفاسير). وقال جل شأنه: " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم علي العالمين [28] (أي عالمي زمانها). وقال الله تعالي: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحرورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا [29] . وقال تعالي جده: " إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين [30] . وقال تعالي شأنه: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا [31] وقال تعالي: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض [32] نعم يستفاد من بعض الآيات الدالة علي التفضيل وجهه أيضا كقوله تعالي: فضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما [33] وقوله عز شأنه: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [34] . حيث يستفاد من الآية الأولي أن وجه تفضيل المجاهدين علي القاعدين هو جهادهم، ومن الثانية أن وجه رفع درجات المؤمنين. [ صفحه 95] والعلماء هو إيمانهم، وعلمهم كما يستفاد من البعض الآخر جهة التفضيل. كقوله تعالي: منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات وآتينا عيسي بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس [35] حيث يستفاد منه أن جهة تفضيل موسي علي بعض الأنبياء أنه كلم الله، وجهة تفضيل عيسي

البينات وتأييده من جانب الله تعالي بروح القدس وكما يستفاد من البعض الآخر أن التفضيل إنما يكون لحكمة أخري خارجة عن المفضل والمفضل عليه وإن كان فائدته يرجع إليها وإلي النظام. كقوله تعالي: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا [36] . إذا فلا استبعاد في اختصاص بعض الناس بالاصطفاء والعصمة وغيرها من الفضائل بعد ما يري مثلها في نظام الله تعالي في خلقه وبعد ما جري عليه عادته وسنته فلا يجوز السؤال عنه حسدا واعتراضا ولا فائدة فيه. قال الله تعالي: أم يحسدون الناس علي ما آتيهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما [37] . وروي شيخنا ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن عبد الله. [ صفحه 96] الكاهلي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه رسول الله صلي الله عليه وآله إلا صنع خلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الآية فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [38] . ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: عليكم بالتسليم [39] .

انواع العصمة

ما هي أنواع العصمة؟ وما هو النوع الذي يجب أن يكون النبي والإمام متصفين به؟ والجواب: إن العصمة تارة تطلق، ويراد منها العصمة عن الكفر والكذب في تبليغ الرسالة والإخبار عن أحكام الله والمعارف

الدينية وتارة يراد منها العصمة عن الكفر ومطلق الكذب بعد النبوة أو مع قبلها، وتارة يراد منها العصمة عن المعاصي وكلما ينفر عنه وعن ترك الأولي أيضا بعد النبوة أو مع قبلها. فهذه سبعة أنواع كل نوع أوسع وأشمل حتي يصل إلي النوع السابع وهو العصمة عن المعاصي وترك الأولي وكلما ينفر عنه قبل النبوة وبعدها. [ صفحه 97] ولا ريب أن الدليل عليه دليل علي الجميع، والأقوال في النوع المعتبر في النبي والإمام مختلف لا فائدة في ذكرها هنا من أراد الاطلاع عليها فليراجع كتاب تنزيه الأنبياء والكتب المؤلفة في الكلام والفرق والذي نقول ونعتقده عصمة الأنبياء عن جميع المعاصي وعما ينفر عنه قبل النبوة وبعدها وعن الخطأ والسهو والاشتباه في كل ما يرجع إلي تبليغ رسالات الله تعالي وعصمة نبينا محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام عن جميع ذلك وعن ترك الأولي وعن الخطأ والسهو في جميع الأمور.

الادلة التي تقام علي عصمة الأنبياء والأئمة هل هي عقلية أو سمعية؟

وأعني بالثانية ما يستفاد من مصادر التشريع الإسلامي، وهل الأصل في إثبات هذا الموضوع هو العقل أو النقل يكفي في ذلك فإن لم تقم الأدلة العقلية عليه يجوز إثباته بالنقل؟ والجواب: أما عن الأول فنقول: قد دل العقل والنقل علي وجوب عصمة الإمام، وأدلتها العقلية والنقلية كثيرة جدا فهذا كتاب (الألفين) لنابغة علوم المعقول والمنقول العلامة الحلي رضوان الله تعالي عليه، والنسخة المطبوعة منه وإن كان ناقصة مشتملة علي ما يتجاوز عن ألف دليل عقلي وسمعي علي أن الإمام يجب أن يكون معصوما. وأما الجواب عن الثاني: فالأصل في الاعتقاد بعصمة النبي والإمام ووجوب كون الإمام معصوما هو حكم العقل والشرع يؤيد العقل [ صفحه 98] في حكمه

هذا وذلك لأن العقل قاطع بوجوب اتصاف النبي والإمام بالعصمة والشرع إنما يكون المرجع الأول في كل مورد لو حكم فيه بالإيجاب أو السلب لم يكن حكمه بأيهما مغايرا لحكم العقل. وبعبارة أخري الشرع هو المرجع الأول في كل مورد لم يكن للعقل فيه بالإيجاب أو السلب حكم بحيث يكون حكم الشرع بالسلب أو الايجاب موضوعا لحكم العقل به أيضا أو لحكمه الآخر كحكمه برمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة فإن العقل بعد حكم الشرع به يحكم به كما يحكم بوجوب إطاعته ووجوب الأمر به وذم تاركه وضابطة أخري في ذلك: أن لا يكون حكم الشرع في مورد تكون حجته حكم الشرع أو أصل الشرع متوقفة علي حكم العقل به. ففي مسألة عصمة الأنبياء العقل هو المرجع الأول ويحكم بوجوب كون النبي معصوما لأدلته، وأما الشرع فالعلم بأصله متوقف علي العلم بلزوم بعث النبي وشرايطه وأوصافه، والعلم بهذه لو كان ممكن الحصول من جانب الشرع لزم الدور لأن العلم بالشرع، وما يخبر عنه النبي متوقف علي العلم بأوصافه ولو كان العلم بأوصافه متوقفا علي إخبار النبي لزم الدور. فقد اتضح من ذلك أن ما في دائرة حكم الشرع به والشرع هو المرجع الأول فيه هو كلما لم يكن للعقل فيه حكم إيجابي أو سلبي ولم يكن مما يتوقف عليه العلم بالشرع وإثبات اشتراط العصمة في النبي خارج عن ذلك، وكذا إثبات اشتراط عصمة الإمام فإنه وإن لم يكن مما يتوقف عليه العلم بالشرع ولكن العقل حاكم به بالإيجاب وعليه [ صفحه 99] يكون الشرع فيه مرشدا إلي حكم العقل ومؤيدا ومقررا له، ومن هنا يعلم أن الحكم بوجوب إطاعة الله تعالي عقلي وإرشادي كما أن

الحكم بوجوب إطاعة النبي والإمام شرعي ومولوي. فإن قلت: إذا كان العقل هو المرجع الأول في تلك المسألة فمن أي طريق تعرف عصمة النبي وأن المعجزة التي أتي بها دليل علي صدقه ونبوته وبالتالي علي عصمته، وبعبارة أخري صدق مدعي النبوة يثبت بالمعجزة إذا كان معصوما ومن المعلوم عدم وجود دليل علي عصمة مدعيها إلا أن يقال إن المعجزة كما تدل علي صدق مدعي النبوة تدل علي عصمته أيضا وعليه كيف يكون العقل هو المرجع الأول. قلت: أولا ما قلنا بأن العقل هو المرجع الأول فيه هو لزوم العصمة في النبي والإمام وفرق بين مسألة وجوب كون النبي والإمام معصومين وبين مسألة طريق معرفة المعصوم، والمعجزة دليل علي صدق مدعي النبوة وعصمته بحكم العقل فما يدل عليه العقل أولا بدون الاستعانة بالمعجزة هو لزوم بعث النبي ونصب الإمام ولزوم اتصافها بالعصمة وما يحكم به العقل بالمعجزة هو كون هذا الشخص المعين هو النبي المعصوم والإمام المعصوم. ثانيا: المعجزة وإن يثبت بها صدق النبي وعصمته ليست من الأدلة السمعية والشرعية بل هي مما يثبت بها الشرع وحجية السمع، فمعجزات الأولياء والأنبياء خارجة عن أدلة السمعية الشرعية ومدلولها ليس من الأمور التي تثبت بإخبار النبي والإمام. فظهر بذلك أن لا منافاة بين كون العقل حاكما بلزوم العصمة [ صفحه 100] في النبي والإمام وبين كون المعجزة دليلا علي صدق النبي وعصمته وكذلك الإمام وإن هذا أيضا حكم العقل وليس من الشرع وما يثبت حجيته وحقيته بالمعجزة بشئ. نعم هنا أمر لا بأس بالإشارة إليه وهو أن المعجزة إنما تكون دليلا علي العصمة إذا لم يكن في مدعي النبوة عملا وخلقا وخلقا ما ينافي العصمة وإذا كان فيه

ما ينافي ذلك كارتكاب القبائح، وسوء الأخلاق فهو الدليل علي أن ما يظهره بعنوان المعجزة ليس معجزة لأن الله لا يؤيد عمل المبطلين ولا يصلح عمل المفسدين، وهكذا يجيئ الكلام في النص الصادر من النبي علي نبوة من يأتي بعده أو إمامته فإذا كان المدعي لورود النص عليه غير مرضي الأخلاق والأفعال لا يعتني بما يدعيه ويعلم من ذلك أن ما يدعيه من النص لم يصدر أو صدر في حق غيره.

ما هي الدلائل العقلية علي عصمة الأنبياء والأئمة

الجواب: أدلتها كثيرة نذكر نموذجا منها مما يدل علي المعتقد الحق. فمنها: أنهم لو لم يكونوا معصومين عن المعاصي عمدا وسهوا، وعن الخطأ والنسيان والسهو في كل ما يرجع إلي ما يجب اتباعهم من أقوالهم وأفعالهم وسيرهم وسلوكهم ليرفع الاطمينان والاعتماد عن اتباعهم والاقتداء والتأسي بهم، وتبطل فائدة بعث الأنبياء ونصب الأئمة وينقض الغرض الباعث إلي إرسال الرسل [ صفحه 101] بل خطأهم ونسيانهم في الأمور العادية أيضا يضعف ذلك الاعتماد، تنزههم عنه يقوي ذلك ويؤكده غاية التأكيد فاللطف والحكمة يقتضي اختصاصهم بعنايات وألطاف تدفع عنهم السهو والنسيان. لا يقال: إن ذلك غلو فيهم، وأنهم ما فوق الإنسان وأعلي منه لأنه يقال: اختصاصهم بتلك العنايات وكون ذكرهم وتوجههم دائميا ليس فوق حد الإنسان ولا يقول ذلك إلا من قصر عن معرفة الإنسان ومراتب كماله، وما يصل إليه في سيره إلي الله تعالي. قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام علي ما روي عنه: الصورة الإنسانية هي أكبر حجج الله علي خلقه، وهي الهيكل الذي بناه بحكمته وهي مجموع صور العالمين وهي المختصر من العلوم في اللوح المحفوظ. وينسب إلي أمير المؤمنين عليه السلام. وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر الغلو إنما يحصل

برفعهم من مرتبة العبودية والمخلوقية، والفقر الذاتي إلي مرتبة المعبودية والخالقية والغني الذاتي، والفضائل وكثير من الصفات وما يتقرب العبد إلي المولي، ويتخلق بأخلاقه مشتركة بين الإنسان والملائكة فلم يدل دليل علي امتناع اتصاف البشر بها وإن لم تحصل إلا للأوحدي من الناس، وإثباتها لهم ليس غلوا فيهم، و غاية ما يقال فيهم أن هذه الصفات في الملائكة فعلية، وليست بالاستعداد وبالقوة، والإنسان لا بشرط في ذلك عن الفعلية والاستعداد فبعض أفراد الإنسان فيه هذا بالقوة وبعضهم فيه بالفعلية. [ صفحه 102] هذا مضافا إلي أن القول: بأنهم ما فوق الإنسان إن أريد به رفعهم إلي مرتبة الملائكة، وإثبات هويتهم لهم فليس هذا رفعا لهم من مرتبتهم إن لم يكن إثباتا لقصر لهم إذ الأنبياء والأئمة أفضل من الملائكة لأن عصمتهم عن المعاصي ليس معناها عدم تمكنهم منها أو نفي ما كان يمكن أن يكون داعيا لهم، وكم فرق بين من لا يتحقق له الداعي إلي الأكل لعدم إمكان ذلك له فلا يسند إليه ترك الأكل حقيقة وإن أسند إليه فلا يكون إلا مجازا كقول القائل إن الحجر لا يأكل فامتناعه عن الأكل ليس عن عمد واختيار بل لا يصح أن يسند إليه الامتناع عن ترك الأكل وبين من يمتنع عنه بالاختيار ويسند إليه كسائر أفعاله وتروكه الاختيارية ولأجل هذا يقول المحقق الطوسي قدس سره القدوسي في أفضلية الأنبياء علي الملائكة: والأنبياء أفضل لوجود المضار.وأما قوله تعالي: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي [40] . وقوله تعالي: قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا [41] . فليس مفادهما أن إثبات صفات الملائكة لهم غلو ورفع عن درجة الإنسان إلي درجة أعلي بل المراد

نفي الغلو بإثبات صفات الله المختصة لهم، وإثبات الاستقلال لهم في عرض إرادة الله ومشيته فهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. ليس لهم الإتيان بأية إلا بإذن الله تعالي، فمثل النبي الخاتم صلي الله عليه وآله الذي:. [ صفحه 103] فاق النبيين في خلق وفي خلق ولم يدانوه في علم ولا كرم وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من اليم أو رشفا من الديم وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي [42] وأيضا مثل هاتين الآيتين رد علي من يطلب من النبي صلي الله عليه وآله ترك ما هو ضرورة الإنسان كالأكل، والشرب والمشي في الأسواق زعما منه أن ترك ذلك كمال النبي صلي الله عليه وآله ولذا قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق [43] وقال سبحانه وتعالي: وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جائهم الهدي إلا أن قالوا بعث الله بشرا رسولا. قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا [44] ومن الأدلة التي أقيمت علي عصمة الأنبياء والأئمة عليهم السلام أنه يجب في النبي والإمام قوة الرأي والبصيرة وعدم السهو، وكلما ينفر عنه، ومن المعلوم أن المعصية كبيرة كانت أو صغيرة من أعظم ما ينفر عنه، ومن أقوي الشواهد علي ضعف الرأي، والسهو أيضا يذهب بمكانته الاجتماعية وربما يصير سببا لاستهزاء الناس به، وإنكاره ما عليه وادعائه ما ليس له وكل ذلك ينافي مصلحة النبوات. ومنها أنه يجب متابعتهم وإطاعتهم، ولو لم يكونوا معصومين جاز أن يأمروا بالمعصية، وما فيه المفسدة، وينهوا عن الطاعة وما فيه. [ صفحه 104] المصلحة وذلك يؤدي إلي إغواء الناس وإضلالهم، وهذا ضد المقصود

من بعث الرسل لأن الغرض فيه هداية العباد والبشارة والإنذار. ومنها غير ذلك من الأدلة التي تعد بالمئات ذكرها العلامة في الألفين وفي سائر كتبه في الكلام والإمامة، وذكر طائفة منها غيره أيضا من شاء أكثر من ذلك فليراجع هذه الكتب. المسألة الخامسة: ما هي أدلة عصمتهم من مصادر التشريع الإسلامي؟! الجواب: إن الأدلة الدالة عليها من القرآن المجيد قوله تعالي وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [45] فهذه الآية الكريمة صريحة في عظم أمر الإمامة وأنها عهد الله تعالي لا ينال الظالمين، والظلم عنوان عام لكل ما لا يجوز فعله شرعا أو عقلا كما تعرف ذلك من موارد استعمالاته في الكتاب والسنة واللغة. لا يقال إن الآية لا تدل علي أكثر من عدم لياقة الظالم لنيل منصب الإمامة في حال تلبسه بالظلم ولا تدل علي عدم نيله إذا كان متلبسا به فيما مضي. لأنه يقال: أولا لا نسلم كون المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدأ في الحال أي في حال الجري والنسبة بل هو أعم منه ومما انقضي عنه المبدأ. وثانيا ما هو الملاك في عدم نيل الظالم الإمامة هو صدور الظلم. [ صفحه 105] عنه فما يمنع شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة والسارق وغيرهم من الظالمين عن التشرف بمقام الإمامة هو شرب الخمر وقتل النفس والسرقة وإن صدر عنهم في الماضي وتابوا بعده، وليس المراد أن شارب الخمر أو الزاني أو عابد الأصنام في حال تلبسه بالزنا، والطارق في حال تلبسه بالسرقة وعابد الأصنام في حال تلبسه بعبادة الأصنام وعدم توبته عن هذه الأفعال غير صالح لهذا المقام أما بعد هذا

الحال ولو بساعة ولحظة وبعد التوبة لا تقدح هذه المعاصي في صلاحيته، وهذا واضح يعرف بأدني تأمل. إن قلت: فما معني قوله صلي الله عليه وآله: الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها وقوله صلي الله عليه وآله: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. قلت: لا ريب في ذلك ولكن قد بينا لك أن الشرع إنما يحكم تأسيسا وهو المرجع الأول فيما لا حكم فيه للعقل: ففي دائرة الأحكام والتكاليف الشرعية وضعية كانت أو تكليفية الإسلام يجب ما قبله، ويذهب بالآثار الشرعية المترتبة علي الأفعال التي ارتكبها الشخص قبل إسلامه علي التفصيل المذكور في الفقه، أما الآثار الوضعية الحقيقية فليست بتشريعية ولا تنالها يد الانشاء والاعتبار فليست قابلة للمحو بالإسلام والتوبة. فتنفر الطباع عمن ارتكب قبائح الأعمال والشرور وعبد الأصنام قبل إسلامه وتوبته لا يزول بهما وكذا عدم الاعتماد علي الكذابين، والخائنين وأهل الفجور والشر والفساد أمر طبيعي ل يمكن رفعه بالإنشاء [ صفحه 106] ومصلحة النبوات وتربية العباد وسياسة أمورهم تقتضي أن يكون النبي والإمام من غيرهم، وكم فرق بين من لم يكفر بالله طرفة عين، وكان له في سوالف عمره سوابق حسنة وكانت حياته مضيئة بالخيرات مشرقة بالصلح والسلم، والكرامة الإنسانية والرشد والصلاح ومنع الظلم ورحمة الأيتام والضعفاء والمستضعفين وبين من مضي برهة من عمره في عبادة الأصنام والارتكاب للقبائح حتي وأد البنات بقساوة شديدة قلما يري مثلها في تاريخ الإنسان [46] . وثالثا عدم نيل عهد الله تعالي الظالم في حال ظلمه سيما إذا كان ظلمه عبادة الأصنام وارتكاب الفجور والظلم علي العباد بالاستعلاء عليهم واستضعافهم واضح لا يحتاج توهمه إلي دافع، سيما إذا كان السائل

نبيا جليلا كإبراهيم الخليل الذي بلغ في معرفة الله تعالي الغاية القصوي، ودفع توهمه خلاف البلاغة فإذا ليس المراد منه إلا مطلق من صدر عنه الظلم بل خصوص من صدر منه الظلم في الماضي أو يعلم الله بصدوره منه في المستقبل، وأما المتلبس بالظلم فعدم لياقته معلوم بالضرورة لا حاجة إلي التنبيه عليه.. [ صفحه 107] نعم هذه الآية لا تدل علي أزيد من عصمتهم عن المعاصي. ومن هذه الآيات قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وهذه الآية دلت علي إطاعة الرسول، وأولي الأمر في كل ما يأمرون به وينهون عنه، ولو لم يكونوا معصومين لزم الأمر بإطاعة غير المعصوم، والأمر بإطاعة غير المعصوم، والأمر بإطاعته قبيح لكونه معرضا للأمر بالقبيح والنهي عن الحسن. ومنها قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين [47] . فإنه يدل علي وجوب الكون مع الصادقين، والكون معهم عبارة عن متابعة أقوالهم، والاقتداء بأفعالهم، والتزام سيرتهم وعدم مفارقتهم، فيجب أولا عدم خلو الزمان منهم، وثانيا كونهم معصومين عن المعاصي والخطأ والسهو بل وترك الأولي وقد روي من طرق الشيعة وأهل السنة أن الصادقين هم أئمة أهل البيت عليهم السلام [48] . وللفخر الرازي في تفسيره الكبير كلام حول تفسير هذه الآية. [ صفحه 108] يؤيد بالإفصاح مذهب الشيعة الإمامية، وكلامه في غاية التحقيق، ولا عبرة بما قال في ذيل كلامه من الجواب عما تفطن به فإنه في غاية الضعف ويستبعد خفاء ضعفه عن مثله فلعله إنما قاله خوفا من النواصب الذين يرون إنكار فضائل أهل البيت عليهم السلام وبغضهم من علائم كون الشخص من أهل السنة مع أن النبي

صلي الله عليه وآله قال:لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن [49] . وقال علي عليه السلام: عهد إلي النبي صلي الله عليه وآله أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق [50] ومن الآيات الدالة علي عصمتهم قوله تعالي حكاية عن إبليس: فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [51] . وقوله تعالي: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [52] وقوله سبحانه: أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون [53] وقوله عز وجل: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [54] . [ صفحه 109] وقوله عز من قائل: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [55] وغيرها مما يطول بنا المقام بذكرها وبيان الاستدلال بها. إن قلت: إذا كان الأمر بإطاعة غير المعصوم قبيحا لا يصدر عن الحكيم كما ذكرتم في بيان الاستدلال بقوله تعالي: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فما تقولون في أمراء السرايا، وحكام البلاد، والمفتي والقاضي مع أن الأمة اتفقت علي وجوب إطاعتهم وعدم عصمتهم؟ قلت: أولا أنهم وإن كانوا ممن تجب طاعته فيما علم بعدم خطأهم وفيما لا طريق إلي العلم بخطأهم إلا أنه لو علم بخطأهم لم تجب إطاعتهم لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وليس أمر أمراء السرايا وحكم حكام البلاد بحيث لا يمكن تخلفه عن الواقع وفرض الخطأ فيه كما هو الأمر في أمر النبي والإمام وحكمها لأنه لا يتخلف عن الواقع ودليل علي الشرع يعرف به كما يعرف بغيره من مصادر التشريع. وثانيا: أن النبي والإمام إذا أخطئا ليس من ورائها نبي أو إمام من ورائها نبي

أو إمام ينبه علي خطاهم بخلاف أمراء السرايا والحكام فإن النبي والإمام من ورائهم يحفظان الشريعة من التحريف والتغيير، وينبها علي خطأ أمراء السرايا والعمال. وثالثا: نقول إما أن نقول بوجوب إطاعة النبي في جميع. [ صفحه 110] الأوقات، أو يخصص عمومه ببعض الأوقات لا سبيل إلي الثاني فإن الأمة اتفقت علي وجوب إطاعته مطلقا وفي جميع الأوقات وعلي هذا لو فرض كون الإمام غير معصوم يمكن أن يقع في الخطأ في وقت ما ويأمر علي خلاف أمر به النبي فحينئذ إما أن يجب إطاعته ومخالفة النبي فهذا باطل قطعا وإما أن يجب إطاعة النبي ومخالفة الإمام فهو مخالف لوجوب إطاعة كل واحد منها لأن الله ساوي بينهما في الأمر بإطاعتهما. وإما أن تجب إطاعة كل منها فهو محال وتكليف بما لا يطاق فلا يبقي إلا الأمر الرابع وهو عصمة الإمام كالنبي وعدم وقوع المخالفة بينهما. وعلي هذا فنقول: فرق واضح بين إطاعة الإمام وإطاعة أمراء السرايا والحكام فإن الله لم يساو بين إطاعتهم وإطاعة الإمام والنبي، وإنما وجبت إطاعتهم بأمر النبي أو الإمام وتبعيتهما إياهم لهذه المناصب ولذا يجب أن يكون الإمام كالنبي معصوما دون غيرهما من أمراء السرايا والحكام. هذا بعض الأدلة التي أقيمت علي عصمة الأنبياء والأئمة عليهم السلام من القرآن المجيد المصدر الأول للتشريع الإسلامي بتقرير منا. وهنا أيضا أدلة كثيرة من السنة التي هي المصدر الثاني للتشريع نشير إلي طائفة منها فمنها: الأحاديث المتواترة المشهورة بين الفريقين بأحاديث الثقلين [56] وهذه الأحاديث علي كثرتها وتواترها، وكثرة [ صفحه 111] مخرجيها، ورواتها من الصحابة قد دلت علي عدم خلو الزمان من إمام معصوم عن المعصية والخطاء وحصر طريق الأمن، من الضلال

والاختلاف بالتمسك بالكتاب والعترة الهادية المعصومة. ومنها أحاديث السفينة [57] الدالة علي أن مثل أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وآله كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. ومنها الأحاديث الأمان [58] وهذه الأحاديث أيضا دلت علي عدم خلو الزمان من معصوم من أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله يكون وجوده أمانا لأهل الأرض والتمسك به أمانا من الضلالة والاختلاف وقد أشبعنا الكلام حول هذه الأحاديث (أحاديث الثقلين، أحاديث السفينة، أحاديث الأمان) وأسنادها ومتونها ودلالتها في كتابنا (أمان. [ صفحه 112] الأمة من الضلالة والاختلاف). ولا يخفي عليك أن الأحاديث في عصمة النبي والإمام كثيرة جدا والأحاديث المذكورة وإن لم تدل علي عصمة النبي إلا أنه بعد الدلالة علي عصمة الإمام تدل علي عصمة النبي بالطريق الأولي، وإنما استشهدنا بهذه الأحاديث لتواترها وشهرتها بين الفريقين ومن أراد أكثر من ذلك فليراجع الموسوعات والجوامع كالكافي والبحار. وقد ثبت بالأدلة العقلية والنقلية عصمة النبي والإمام عن جميع المعاصي عمدا وخطأ وسهوا، وعن السهو والنسيان فيما يؤل إلي تبليغ أحكام الله تعالي وشئون الرسالة والإمامة، وأما العصمة عن الخطأ والنسيان والسهو في الأمور العادية وترك الأولي لغير نبينا والأئمة عليهم السلام من الأنبياء الماضين فغير ثابتة بل ربما يستظهر من بعض الآيات والأحاديث صدور هذه الأمور من بعضهم، وهذا وإن كان قابلا للتأويل إلا أنه ليس في البحث عنه كثير فائدة لأن مثل ذلك غير مضر بشؤون رسالاتهم ومقاماتهم العلية. الثابتة، وليس من الأمور الاعتقادية التي تجب معرفتها فيكفينا الاعتقاد في ذلك إن قيل بوجوب الاعتقاد فيه بما هو الواقع. نعم لما قلنا إن العصمة هي أعلي مراتب حضور العبد عند مولاه ونورانية نفسانية

ملكوتية تذهب بكل الظلام، وتشرق كل وجود صاحبها فلا شك أن لهذه النورانية مراتب درجات أعلاها ما حصل للنبي والأئمة عليهم السلام، وأدناها ما يصون الشخص عن المعاصي عمدا وسهوا وعن الاشتباه والسهو والنسيان في أمر الرسالة وشئونها، فعلي هذا يمكن أن يوجد في عظماء الأنبياء نورانية وعناية [ صفحه 113] ربانية دائمة تصرفهم عن ترك الأولي وتدفع عن قلبهم غطاء السهو و حجاب النسيان. وأما بالنسبة إلي نبينا صلي الله عليه وآله وأوصيائه وخلفائه الاثني عشر عليهم السلام فحيث أنهم في أعلي مراتب القوة القدسية والنورانية الربانية، ولا تفوق رتبتهم في الحضور عند المولي والجلوس علي بساط قربه وأنسه رتبة، فعدم صدور ترك الأولي عنهم كعدم صدور المعاصي في نهاية الوضوح يظهر ذلك لكل من درس تاريخ حياتهم النورانية وأخلاقهم الإلهية، وأدعيتهم ومناجاتهم، وخشيتهم من الله تعالي وإنابتهم إليه وانقطاعهم عن الخلق فهم أكمل المظاهر لإخلاص العبد وترك الاشتغال بغير الله تعالي لا يصدرون إلا عن أمره كل فعالهم محمودة مرضية وكل حالاتهم حميدة شريفة لا تؤثر في وجودهم الدواعي إلا داعي الله وعن الاشتغال بغيره وامتثال أوامره ونواهيه، قد خرقت أبصار قلوبهم حجب النور فوصلت إلي معدن العظمة، وصارت أرواحهم معلقة بعز قدسه، جباههم ساجدة لعظمته وعيونهم ساهرة في خدمته، ودموعهم سائلة من خشيته وقلوبهم متعلقة بمحبته وأفئدتهم منخلعة من مهابته انقطعت همتهم إليه، وانصرفت رغبتهم نحوه، لقائه قرة أعينهم وقربه غاية سؤلهم. إذا فكيف يصدر ترك الأولي ممن بعض شؤونه وحالاته ما سمعت رزقنا الله تعالي محبتهم وولايتهم وشفاعتهم وحشرنا في زمرتهم. ولا يخفي عليك: أن ترك الأولي ليس معناه ترك المستحب أو فعل المكروه فحسب بل ربما يكون بترك المستحب أو

فعل المكروه، [ صفحه 114] وربما يكون بفعل المستحب وترك المكروه والنبي والإمام أعلم بموارد ترك الأولي فلا يجوز نسبة ترك الأولي إلي النبي والولي بل إلي غيرهما من الفقهاء العارفين بأحكام الله تعالي وموارد تزاحم المستحبات والمكروهات بعضها مع بعض بمجرد ترك المستحب أو فعل المكروه بل يمكن الاستدلال بفعلها علي عدم كون هذا الفعل أو الترك مستحبا أو مكروها بقول مطلق وإلا فلم يصدر منها. ثم إنه قد بقي هنا مطلب آخر، وهو النظر في الآيات والأحاديث التي توهم منه عدم عصمة الأنبياء ولئلا يطول بنا المقام نحيل الباحثين إلي التفاسير المأثورة عن أهل بيت النبوة أعدال القرآن الكريم، وكتاب تنزيه الأنبياء والشافي وتلخيصه، واللوامع الإلهية، وبحارالأنوار وغيرها من كتب الكلام والحديث، ومجمل القول في الآيات أنها غير ظاهرة في عدم عصمة الأنبياء ولو سلم ظهور لبعضها يجب تأويله وحمله علي عدم إرادة ظاهرها. وأما الأحاديث فأكثرها من الإسرائيليات ومخرجة في كتب العامة فهي أما موضوعة لا سند لها ولا أصل كخبر الغرانيق والإسرائيليات التي أخذت من اليهود مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه في قصص الأمم الماضية وأنبيائهم تجد فيها من الخرافات والأعاجيب ما يضحك به الثكلي، وأما ضعيفة السند لا يعتمد عليها سيما في أصول الدين ومعارضة بأحاديث أخري صحيحة معتضد بحكم العقل. وبالجملة فلا تجد في الأخبار ما يصح التعويل عليه والركون إليه في نفي العصمة للأنبياء صلوات الله علي نبينا وعليهم أجمعين والله [ صفحه 115] الهادي إلي الصواب.

في علم الإمام

اشاره

وإليك سؤال السائل العزيز بلفظه: هل يزداد علم الإمام المعصوم عليه السلام مع الأيام وهل أن علمه (ع) قبل (بعد ظ) توليه الإمامة يختلف عنه قبل ذلك؟ وإذا كان

الأمر كذلك فكيف يمكننا والحالة هذه الحكم بأفضلية الإمام علي (ع) علي الإمام الجواد (ع) الذي تولي الإمامة وهو ابن تسع سنين؟ الجواب: قد عقد إمام المحدثين ثقة الإسلام الكليني رضي الله عنه في كتاب الحجة من الجامع الكافي أبوابا في علومهم باب لولا أن الأئمة عليهم السلام يزدادون لنفد ما عندهم. وإبداء الرأي في هذه الأبواب لو لم نقل يكون بعضها من متشابهات كلامهم وأسرارهم عليهم السلام موقوف علي ملاحظة جميعها، وما فيها من الأحاديث، ورد مجملها علي مفصلها وظاهرها علي صريحها، وملاحظة أسنادها ثم شرحها وتفسيرها بما لا يخالف أصول المذهب كأفضلية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من سائر الأئمة عليهم السلام وأفضلية رسول الله صلي الله عليه وآله من الجميع فلو فرض وجود حديث معتبر يدل بلازمه الخفي مثلا علي أفضلية بعض الأئمة عليهم السلام من أمير المؤمنين عليه السلام لا يحتج به لأن المعلوم من ضرورة المذهب وما يعرفه الخاص والعام من مذهب أهل البيت عليهم السلام اتفاقهم علي أفضلية [ صفحه 116] أمير المؤمنين من غيره من الأئمة. فمثل هذا اللازم ليس المراد قطعا، وهذه القرينة القطعية تكفي في تعيين المراد، وعدم اعتبار مثل هذه اللوازم بل الظواهر. إذا أعرضت هذه الأحاديث علي أهل الفن وعلي من له أنس بأحاديثهم ومعرفة مذاهبهم لا يعتني بمثل هذه الاحتمالات كما أنك لا تحتمل إذا سمعت قائلا يقول (رأيت أسدا يرمي) أن مراده من الأسد هو الحيوان المفترس. وبعد هذه المقدمة نقول: إن ازدياد علم الإمام المعصوم أمر ممكن معقول قد ورد في الأحاديث، ولا شك في أن الأنبياء والأئمة عليهم السلام وإن علموا الأسماء وأن الأئمة عليهم السلام علموا علم ما كان

وما يكون [59] . [ صفحه 117]

الامام كالنبي في حركته الكمالية فهي لا تقف

إلا أنه لا شك في أن علم الجميع عند علم الله ليس إلا كما قال الله تعالي: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [60] . ولذا خاطب نبيه الذي علمه ما لم يكن يعلم وقال: وقل رب زدني علما [61] فالإمام كالنبي في حركته الكمالية وسيره إلي الله تعالي لا يقف علي حد كما أن أسير إلي الله تعالي في عين أنه في كل مرحلة من مراحله مرتبة من الوصول، ونيل للمقصود لا نهاية له ولا ينتهي إلي حد ففي هذا السير يسير الإمام دائما إلي الأمام، ولا يتساوي يوماه بل كل يوم من أيامه أفضل من أمسه وليس ابتداء هذا السير من حين الولادة الجسمانية بل يبتدء من حين وجوده النوري، ويستمر في العوالم، والنشئات التي يسار به قبل هذا العالم كما أن أمده لا ينتهي بارتحاله من هذه الدنيا، ولعل سائر الناس من العلماء والصلحاء في عالم البرزخ كان هذا حالهم لا ينتهي سيرهم الكمالي بالموت العنصري بل يمكن أن يكون الموت لهم بحسب صلاحياتهم وقابلياتهم مبدءا لمثل هذا السير والله أعلم. والحاصل أن مثل هذا السير لازم لكل سالك إلي الله ولا نهاية له فهو لا يزال في حال الرجوع إلي الله تعالي: قال الله سبحانه.. [ صفحه 118] إنا لله وإنا إليه راجعون [62] وقال: ألا وإلي الله تصير الأمور [63] ولو فرض لسلوكه وسيره ورجوعه هذا انتهاء فلا دخل لطول حياته العنصرية وقصرها فيه ولا يخفي عليك: أنا وإن عجزنا عن درك حقيقة هذا الشأن، والعلوم التي تفاض علي الإمام إلا أنه لا وجه لاستبعاد مثل هذا الشأن لهم وكم لهم من

الشؤون بل لغيرهم مما لا ندرك حقيقته ولكن نعرفه بآثاره ونلمسه بعينه. إذا فلا دخل لتولي الإمام وعدمه في العلم الذي يزداد الإمام حتي يشكل الحكم بأفضلية الإمام علي عليه السلام علي الإمام الجواد عليه السلام. نعم في العلوم المشار إليها بقوله سبحانه: وعلم آدم الأسماءكلها [64] . وفيما هو من مؤهلات الإمامة، الأئمة عليهم السلام سواء لا يتفاوت علمهم هذا بعد توليه الإمامة عن قبلها ولا يزدادون فيه بتوليهم وعلي هذا يدفع توهم الإشكال في أفضلية الإمام علي عليه السلام من الإمام الجواد عليه السلام لتوليه الإمامة في صغر سنه لعدم ثبوت فضيلة له علي سائر الأئمة بذلك. ومسألة تولي الإمامة أمر نظامي يرجع إلي الحكم والإدارة، لا تنحصر شؤون الإمامة فيه، والإمام صاحب هذه الشؤون قبل الإمامة. [ صفحه 119] كبعد توليه فمن جملة هذه الشؤون حجية أقواله وأفعاله في الأحكام الشرعية والمعارف الإسلامية فهذه ثابتة له مطلقا ولا دخل لتوليه الإمامة في ذلك. فالإمام الحسن عليه السلام إمام وأسوة، وأقواله وأفعاله وسيرته وهداه حجة يجب الأخذ بها ويحرم ردها في حياة أبيه وقبل توليه الإمام والنظام، كما أن الحسين عليه السلام أيضا قبل توليه الأمور في عصر أبيه وعصر أخيه كان إماما كما نص علي ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وقال: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا. فهما إمامان حتي في عصر النبي (ص) وفي صغر سنهما. والإمام علي عليه السلام أيضا كان إماما ووليا قبل توليه الإمامة والولاية في عصر الرسالة أيضا ولا ينافي ذلك كونه مأمورا بإطاعة النبي صلي الله عليه وآله وكون النبي متبوعا ونبيا وحاكما عليه والإمام عليه السلام تابعا له ومقتديا به وواحدا من أمته

ومستضيئا من أنوار علومه ومتبعا بشريعته وكون إمامة الإمام وسائر الأئمة (ع) أيضا جزء من شريعته ورسالاته. ويدل علي ذلك الحديث الأول من (باب حالات الأئمة (ع) في صغر السن من كتاب الحجة من الكافي) والحديث طويل أخرجه بإسناده عن الكناسي قال سألت أبا جعفر عليه السلام.... (إلي أن قال، فقلت جعلت فداك أكان علي عليه السلام حجة من الله ورسوله علي هذه الأمة في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله؟ فقال: نعم يوم أقامه للناس ونصبه علما ودعاهم إلي ولايته وأمرهم [ صفحه 120] بطاعته قلت: وكانت طاعة علي عليه السلام واجبة علي الناس في حياة رسول الله وبعد وفاته؟ فقال: نعم ولكنه صمت فلم يتكلم مع رسول الله صلي الله عليه وآله كانت الطاعة لرسول الله صلي الله عليه وآله علي أمته وعلي علي عليه السلام في حياة رسول الله كانت الطاعة من الله ومن رسوله علي الناس كلهم لعلي عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وكان علي عليه السلام حكيما عالما. ثم إن لنا كلاما في المقام لا بأس بالإشارة إليه وهو أن أفضلية بعض الناس من بعض وبعض الأنبياء من بعض، وبعض الأئمة من بعض إنما يكون بقوله مطلق في الصفات النفسية والخصائص الذاتية، والتخلق بالأخلاق الإلهية إذا كان المفضل في كل هذه الكمالات أقوي وأفضل من غيره أما في غيرها من الفضائل فربما لا يوجد من يكون باعتبار جميع العناوين والأوصاف أفضل من غيره فإن الإمام علي عليه السلام أفضل من ابنيه سبطي نبي الرحمة من جهة أنه ابن عم الرسول وزوج البتول وأبو السبطين فليس لهما ابن عم كابن عم أبيهما، وزوجة كزوجته، وابنتين

كابنيه، وهما أفضل من الإمام عليه السلام من جهة أن لهما أب مثل الإمام، وجد مثل الرسول صلي الله عليه وآله وأم مثل سيدة نساء العالمين وليس للأمير عليه السلام هذه الفضائل، وجعفر الطيار الشهيد أفضل من أخيه الإمام من جهة أن له أخا كالإمام وليس للإمام أخ كأخ جعفر رضي الله عنه. ومسألة تولية الإمام الجواد عليه السلام الإمامة في صغر السن فضيلة، وإن شئت قل أفضلية من هذا القبيل فالإمام أبو الحسن الرضا عليه السلام [ صفحه 121] استشهد وابنه الإمام الجواد عليه السلام في صغر السن لا بد له من تولي الإمامة بعد أبيه وقيامه مقامه لأنه وسائر الأئمة عليهم السلام في مؤهلات تولي الأمر في حال صغرهم وكبرهم سواء، ومن هنا يعلم أن نبوة عيسي ويحيي في صغرهما وكونهما صبيين لا يدل علي أفضليتهما من غيرهما من الأنبياء لأن نبوتهما في حال الصغر ليس لأنهما استأهلا لذلك، وغيرهما ممن صار نبيا بعد ما بلغ أشده لم يستأهل لذلك في حال الصغر. بل ربما ذلك كان لحكمة ومصلحة اقتضت ذلك فيهما، وتلك في غيرها فبقاء النبي في القوم أربعين سنة، وظهور صدقه وأمانته، ومكارم أخلاقه في الناس ربما كان هو المصلحة الموجبة لتأخر بعثه ومأموريته للدعوة إلي الله تعالي كما ربما يكون ذلك لحصول الاستعداد اللازم في الناس لقبول الإسلام وغير ذلك من المصالح التي لا يعلمها إلا الله. والراسخون في العلم" والله أعلم حيث يجعل رسالته " [65] .

في اختلاف مستويات الأئمة في الإيمان والعلم والأخلاق

قال السائل المحترم زاد الله في سداده ورشاده: كيف يمكننا درء الشبهة القائلة باختلاف مستويات الأئمة (ع) إيمانا وعلما وأخلاقا، وذلك باعتبار ما يرويه لنا التاريخ من سيرهم؟ أقول: إن كان

المراد من المستويات، مقومات الأهلية للإمامة وتولية الإمامة والزعامة والقيادة، فكل واحد منهم عليهم السلام واجد لتلك. [ صفحه 122] المرتبة وإن كان المراد اختلاف مستوياتهم في الزايد علي هذه المرتبة فالذي دل عليه دليل هو أفضلية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من سائر الأئمة وأنبياء السلف عليه السلام. ويستفاد من بعض الأحاديث أن مولينا المهدي عليه السلام وهو تاسع الأئمة التسعة من ذرية الحسين عليه السلام أفضل التسعة كما أن الأحاديث الكثيرة دلت علي أنه عليه السلام يؤم عيسي علي نبينا وآله وعليه السلام. وإن كان المراد أن سيرهم التاريخية دلت علي اختلاف مستوياتهم فنقول: أولا: إن سيرهم التاريخية إنما دلت علي علو مستوي أرباب هذه السير، ولم نجد فيما بأيدينا ما يدل علي اختلاف مستوياتهم ومجرد عدم حفظ التاريخ سيرة بعضهم وما صدر منه من العلوم لا يدل علي أن مستوي غيره ممن حفظ عنه التاريخ ذلك، كان أرفع وأعلي منه لا سيما مع ما نعلم بأن السبب الوحيد في عدم حفظ ما صدر من بعض الأئمة عليهم السلام مثل الإمامين السبطين (ع) إلا النزر اليسير هو السياسات الغاشمة الجبارة الحاكمة علي المسلمين. وإن شئت أن تعرف أفاعيل السياسة في ذلك والخسارات العلمية التي منيت بها هذه الأمة من أرباب هذه السياسات التي حرمت الناس حرياتهم في أخذ العلوم الإسلامية من منابعها الأصلية، ومصادرها الأولية راجع كتب التاريخ، وكتاب النصايح الكافية وكتابنا أمان الأمة. نعم مرت علي هذه الأمة أزمنة كان أخذ العلم عن أهل البيت [ صفحه 123] عليهم السلام وروايته من أعظم الجرائم السياسية يعذب محبيهم وشيعتهم شر تعذيب وينكل بهم أشد التنكيل يقطعون أيديهم وألسنتهم ويقتلونهم شر قتلة، ويسبون بطل

الإسلام، ونفس الرسول وباب علمه، وخليفته ووصيه علي المنابر التي لم تقم في الإسلام إلا بمجاهداته وتضحياته وبطولاته. ففي هذه الظروف والأحوال لم تسمح الفرص لبعض الأئمة عليه السلام القيام ببث العلم كما سمحت للبعض الآخر مثل الإمام الباقر والإمام جعفر الصادق عليهما السلام ومع ذلك فما في أيدينا منهم يكفي في الدلالة علي علومهم اللدنية وأن مستوي كل واحد منهم والجميع سواء فهذا الإمام جعفر الصادق عليه السلام قد أخذ العلم منه جماعة يربو عددهم علي أربعة آلاف رجل حتي أن الحافظ الشهير ابن عقدة (المتوفي سنة 333) صنف كتابا في أسماء الرجال الذين رووا عنه أربعة آلاف رجل وأخرج لكل رجل حديثا وعلما رواه عن الصادق عليه السلام وله أيضا كتاب من روي عن أمير المؤمنين وكتاب من روي عن الحسن والحسين عليهما السلام، وكتاب من روي عن علي بن الحسين عليه السلام وكتاب من روي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام وهو الذي قال في مجلس مناظرته إنه يجيب بثلاثمأة ألف حديث من أحاديث أهل البيت عليهم السلام. ومن سبر كتب الحديث وأصول الشيعة وكتب التراجم والرجال وما بقي مما صدر عنهم في الأجواء المملوءة بالاضطهاد والاختناق في جميع حاجيات الإنسان المعنوية والمادية يعرف أن مستوياتهم في جميع الكمالات أعلي وأنبل من أن يقاس إليهم أحد من الناس جعلنا الله [ صفحه 124] تعالي من شيعتهم، ووفقنا لمتابعتهم والاقتداء بهم ومن المنتظرين لفرج قائمهم صلي الله علي محمد وآله الطاهرين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ليلة السابع عشر من رجب المرجب سنة 1403 ه ق.

پاورقي

[1] سورة الأحزاب الآية 33.

[2] سورة الحجر الآية 21.

[3] سورة الأنعام الآية

124.

[4] سورة الزخرف الآية 32.

[5] سورة الروم الآية 10.

[6] سورة يس / 70.

[7] سورة يس / 11.

[8] سورة النساء / 156.

[9] سورة الأنفال 42.

[10] الزخرف 81.

[11] الأنعام 163.

[12] سورة الحجر آية 99.

[13] حق اليقين ج 1 ص 90.

[14] رياض السالكين الروضة السادسة عشرة.

[15] مفردات القرآن في (عصم).

[16] تصحيح الاعتقاد ص 214.

[17] النكت الاعتقادية ص 45.

[18] كتاب الألفين المبحث السابع وراجع في ذلك كلامه في شرحتجريد الاعتقاد في المسألة الثانية من المقصد الخامس.

[19] لا يخفي عليك بطلان هذه المقالة لأن القدرة علي الطاعة لا تحققإلا مع القدرة علي تركها، والقدرة علي ترك الطاعة هي القدرة علي المعصية.

[20] اللوامع الإلهية اللامع العاشر ص 169، 170.

[21] آل عمران 191.

[22] سورة ص 27.

[23] المؤمنون 115.

[24] يس 38.

[25] الإسراء 55.

[26] البقرة 253.

[27] آل عمران 42.

[28] البقرة 40.

[29] الإسراء 70.

[30] آل عمران 33.

[31] الفاطر 32.

[32] النساء 32.

[33] النساء 95.

[34] المجادلة 11.

[35] البقرة 253.

[36] الزخرف 32.

[37] النساء 54.

[38] النساء 65.

[39] مرآة العقول ج 4 ص 280.

[40] سورة الكهف 110.

[41] الإسراء 93.

[42] النجم 3.

[43] الفرقان - 7.

[44] الإسراء 94، 95.

[45] البقرة - 124.

[46] وهذا عمر بن الخطاب قد دفن فيما روي ستا من بناته في الجاهلية وإن كان ليحضر لإحداهن الحفرة يريد أن يئدها فيها فيتخلله غبار الحفر فتنفض البنت عن أبيها غباره، وتمشط لحيته بأصابعها حنانا ورقة فلا يلين ذلك من قلبه شيئا حتي إذا انتهي، زجها في قبرها وأهال التراب بين بكائها وعويلها واستنجادها به يا أبتاه! (الأستاذ محمد سعيدالأفغاني - مجلة حضارة الإسلام طبع دمشق) (ع 2 س 22 ص 21).

[47] التوبة - 119.

[48] يراجع في ذلك شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 ص 262 - 259 والدر المنثور للسيوطي

ج 3 ص 90 وخصائص الوحي المبين لابن بطريق الفصل الثالث والعشرون ص 136 وغيرها من كتب أعلام الشيعة وأهل السنة ولابن بطريق هنا استدلال علي أن الإيمان والتقوي لا ينفعان إلا بعد الكون مع أمير المؤمنين علي (ع).

[49] أخرجه الترمذي وأحمد فراجع.

[50] راجع مسند أحمد ج 1 ص 84 و 95 و 128 وغيره من الجوامع كسنن النسائي وابن ماجة والترمذي.

[51] سورة ص 83.

[52] سورة الحجر 42.

[53] يونس 35.

[54] آل عمران 31.

[55] الأحزاب 33.

[56] منها ما أخرجه عبد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (ص): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض (إحياء الميت بفضائل أهل البيت ج 7) ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده (ج 3 ص 17): إني أوشك أن أدعي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما.

[57] أخرج هذه الأحاديث من أعلام العامة ما يربو علي المائة عن جمع من الصحابة ولفظها في بعض طرقها هكذا مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

[58] ولفظها في بعض طرقها هكذا: النجوم أمان لأهل الأرض وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف الخ.

[59] عقد في الكافي بابا بهذا العنوان: (باب أن الأئمة (ع) يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفي عليهم الشئ كما عقد بابا بهذا العنوان: باب أن الأئمة (ع) يعلمون جميع العلوم التي أخرجت إلي الملائكة

والأنبياء والرسل (ع) وقال مولانا أمير المؤمنين (ع) علي ما في نهج البلاغة (خطبة 175): والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه، وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في برسول الله (ص) ألا وإني مفضية إلي الخاصة ممن يؤمن ذلك منه والذي بعثه بالحق واصطفاه علي الخلق ما أنطق إلا صادقا وقد عهد إلي ذلك كله وبمهلك من يهلك، ومنجي من ينجو، ومآل هذا الأمر، وما بقي شيئا يمر علي رأسي إلا أفرغه في أذني وأفضي به إلي. وقال (ع) (خطبة 1). فاسئلوني قبل أن تفقدوني فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مأة وتضل مأة إلا أنبأتك بناعقها وقاعدها وسائقها ومناخ ركابها، ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلا ويموت فيها موتا.

[60] الإسراء - 85.

[61] سورة طه - 184.

[62] البقرة 156.

[63] الشوري 53.

[64] البقرة 31.

[65] الأنعام - 124.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.