دراسة نقدية لتوحيد السلفية

اشارة

مولف:لجنة البحوث و الدراسات بالطريقة العزمية

الافتتاحية

اشاره

الحمدلله الفاشي حمده، و الغالب جنده، و المتعالي جده، الذي عظم حلمه فعفا، و عدل في كل ما قضي. و الصلاة و السلام علي النور المشرق علي القلوب بحقيقة التوحيد، و السر المباشر للسريرة بكمال اليقين، و الروح الممدة لكل العوالم بالحق المبين.. سيدنا و مولانا محمد. اللهم صل و سلم و بارك عليه و آله صلاة تنور بها قلوبنا باليقين، و سريرتنا بالتمكين، و أرواحنا بالبهجة بالقرب من حضرتك العلية، و الرضوان الأكبر منك يا ذاالفضل العظيم عنا، و كمال الرضا منا عن جنابك العلي يا ذاالكرم العميم.. أما بعد: بعد صدور كتاب (الملحوظات علي كتاب كشف الشبهات) جاءت رسائل عديدة تشكر الأسلوب المحايد و العقلاني في مناقشة فكر محمد بن عبدالوهاب، و طالبت بالمزيد من هذا النهج، فتلبية لرغبات القراء كان هذا [ صفحه 5] الكتاب الذي يدرس التوحيد عند ابن‌عبدالوهاب. و بداية نود القاء الضوء علي شخصية محمد بن عبدالوهاب، فنقول: ان محمد بن عبدالوهاب، رغم ما قيل من الكلام الكثير فيه مدحا و قدحا، الا أنه من الواضح أنه كان مخلصا لدعوته، شديد العزيمة، ولكنه استخدم السلطة في خدمة الدعوة، فأثر هذا كثيرا علي شخصيته الحدية أيضا، فأصبح لا يقبل بأنصاف الحلول، و لا بالاعتذارات، فدفعه هذا الي الاستعجال في رؤية النتيجة السريعة، فاندفع للدعوة بحماس و مجازفات و اصرار، مع قلة علم و قلة ورع، و اذا اجتمعتا كان لهما الأثر الكبير علي تصرفات الشخص، فيزداد حدة و غلوا فيما يطالب به و خاصة اذا توجهت له الأمور. و من خلال قراءة فكر ابن‌عبدالوهاب وجدناه ليس بذاك العالم المحقق المدقق، مع ضعف ظاهر في الحديث و التاريخ (و منهما يتشكل الوعي عند العالم المسلم)، فلذلك أخذ يقمش كل التشددات في الحكم علي الأمور بشرك أو بدعة، فيستشهد بمطلقات النصوص الصحيحة [ صفحه 6] و صريحات النصوص الضعيفة، و أكثر من بناء الأحكام التكفيرية الصريحة علي حديث ضعيف أو أثر موضوع أو قياس فاسد مع ابهام نية وقوة عبادة و همة تدفع الجبال، و كثيرا ما تجد منه مبالغة و تعسفا في تحميل الصحيح من النصوص الشرعية ما لم تحتمله من تكفير أو تبديع، و هو يركز علي كلمة الشرك أكثر، و لا يراعي ضوابط التكفير، و يستشهد لآرائه بما شذ من الأقوال و عسر من الاستنباط و أفرزته اللحظة، ثم يجمع بينها للعوام التابعين أو العلماء الخاضعين، فيخيل للقاري‌ء البسيط منهم - و هم أغلبية أتباعه - أن هذا علم عظيم، و أن العلماء في وقتهم خانوا أمانتهم و لم يحذروهم من الشرك، و أن الناس قد عادوا لجاهليتهم الأولي، و أنه لافرق يومئذ بين المصلين الصائمين و بين من يعبد اللات و العزي، فانطلقوا معه لا يلتفتون الي غيره، لأنه قد حذرهم من العلماء و العوام علي حد سواء، فزعم أن العلماء كعلماء بني‌اسرائيل (أصبحوا أحبارا و رهبانا اتخذهم الناس أربابا)، فتبعه البدو و أعملوا سيوفهم في الدماء مع طمع، و ألسنتهم في [ صفحه 7] التكفير مع لكنة! و ساعدتهم الظروف و اتجه لهم الزمان، من ضعف الدولة العثمانية و تفرق الأمراء بنجد، واستخفاف المجاور القوي، اذ ظنوهم سحابة صيف تنقشع عن قريب، و ثورة أعراب محصورة، في وسط نجد القاحلة، الي أن تمكنوا من الاستيلاء علي نجد كلها، و صاغوا الناس بعقيدتهم في كل بلدة تتبعهم، ثم انتشروا يعتدون علي بلاد المسلمين حولهم شرقا و غربا، و كان من المفترض أنه بعد أن هدأت الأمور و تشكل الكيان السياسي أن تتم مراجعة الماضي و التخلي عن الغلو و نصر الاعتدال، فالهدف قد تحقق و الحجة قد بلغت، لكن الغلو استمر، و انصرفت الهمة الي نشر هذا الفكر و التخندق حوله، و مواصلة ذم ما يخالفه من قراءات و اجتهادات، بل تم تدعيم التباهي به و التزهيد في غيره، و فتح مراكز في شرق الأرض و غربها، تدندن حول تقسيم المسلمين لمشرك و موحد، الي أن بدأ الانقسام بين السلطة و الدعوة، اذ وجد الوهابية (الأصليون مساوي المطردون مع الثورة و التكفير الوهابي و السلفي) أن ما يكفرون به المسلمين من [ صفحه 8] دقائق الأمور موجود بأضعاف بين أضهرهم، داخل السلطة التي يعتبرونها سلفية، فكفروها، و يظهر لنا أن الدولة السعودية كانت مطمئنة لنظرية سلفية أخري (و هي الطاعة و ان ضرب ظهرك و أخذ مالك)! و لم تنتبه الدولة الي أن السلفية (سلفيات) و الوهابية (وهابيات)، و الخير كل الخير في العدل و الاعتدال، فلا تحكم فئة علي جميع الفئات و المذاهب، كان من المفترض أن يتم الاعتراف بالمذاهب و الطوائف و التيارات السلمية، و عدم ارضاء الأقلية علي حساب هضم الأغلبية. اذن فهناك سلفية و وهابية ثورة، و الطاعة تغلب في السلفية، كما أن الثورة تغلب في الوهابية، و يلتقيان في التكفير و الاقصاء و عدم الاعتراف بالآخر، و مع الأيام خرج من تحت عباءة الوهابية (الاخوان) أصحاب الدويش، ثم خرج من عباءة السلفية (جماعة جهيمان) ثم خرج من الفئتين (أصحاب العنف و التكفير الحاليين) فظهر للدولة أن الأمور معقدة و متشابكة و ليست كما يشرحه (وهابيو البلاط) من أن الخير كل الخير في [ صفحه 9] (السلفية و الوهابية)، فكان هذا التطمين غير صحيح، لأن من راجع التكفير السلفي و ضخامته و تشعبه و تفرعه عرف بيقين أنه متي ما احتاج السلفي للتكفير - في أي زمان و مكان - كان هذا أسهل عليه من بلع ريقه و أقرب اليه من حبل وريده! و الوهابي أبلغ. و هؤلاء المكفرون رغم خطئهم الفادح لكنهم مطردون مع التكفير السلفي للمسلمين و مع الثورة الوهابية ضد المشركين و الكفار في جزيرة العرب! لكن رأي بعض الوهابيين - بعلم أو بجهل - أن المصلحة تقتضي التخلي عن أكثر ما قرره ابن‌عبدالوهاب (من تكفير و ثورة) و التمشي مع الشق المسالم للسلطان من النظرية السلفية السلبية التي بدأت من مقولة (نحن مع من غلب)، فاصطدم الشقان (المسالم و التكفيري) عند أبواب السلطة، هذه تريد الخروج بلا عودة، و هذه تريد الدخول بلا رجعة، هذا (سلفي) يقلد السلفية المدمرة تكفيرا و قتالا، و هذا (سلفي) اختار سلفية الطاعة العمياء، و كلا المنهجين بين تكفير و سلبية. [ صفحه 10] نعم للاستقلالية و الحرية و الصدق في القول و نصرة المعرفة و العلم و حفظ الحقوق و المطالبة بها، و احترام الانسان و الغوص المعرفي، و التشابك مع العالم فيما يعود بالنفع، و التخلي عن القراءة الساذجة لهذا الدين العظيم. لكن لا و ألف لا، لسفك الدماء و العنف و الظلم و ضيق الأفق و ضياع الحقوق و الغلو في الدين، خاصة و أن الثائر لا يملك مشروعا سياسيا عادلا، و انما اضطهاد مضاعف، و ما نموذج (طالبان) منا ببعيد، و في الحالتين، يظهر أن الدولة السعودية رأت الاستفادة من السلبية السلفية داخليا الي سلفية ايجابية خارجيا، فكان هذا صوابا سياسيا علي المستوي التكتيكي، و خطأ شرعيا علي المستوي الاستراتيجي. و اليوم بعد أن تكشف للدولة ما لم يكن من قبل، فهي مطالبة بالتحديث الثقافي أولا، فالمعلومة و المعرفة يجب أن تكون هدفا في حد ذاتها، دون سؤال: ماذا سنستفيد من هذه المعرفة أو هذه المعلومة. المعرفة لا تخون، و ان أحزنتك ساعة أفرحتك دهرا، [ صفحه 11] و هي أساس التنمية و الحضارة، و هو الضمان الاستراتيجي للاستقرار و النمو و التقدم، فللمعرفة سلطة علي العقول و القلوب و التصرفات. و السلفية و الوهابية و كل المذهبيات التي لا تقبل الآخر تسهم في ظلم المعرفة، و محاربتها، و حرمان الناس منها، و لذلك نجد أن ما يحدث من تعليم في السعودية يصب كثير منه في التجهيل للأسف، و كانت آخر نتائجه هو هذا العنف الأعمي، و هذا طبيعي، فلا نطمع من تيارات الغلو أن يعرفوا حقوق غير المسلمين، اذا كانوا يجهلون حقوق المسلمين، لا نطمع معهم في العدل مع كافر مسالم اذا كان التعليم العام و الجامعي و الخطب و المواعظ و المؤلفات و الفتاوي تدور حول وجوب اهدار حقوق المسلمين، فاذا استمر هذا التجهيل عقودا فلا نظن أنه سيزول بفتوي نستخرجها من بين كل هذا الركام المتكدس عبر القرون.

مصطلح الوهابية

مع أن كلمة (الوهابية) ليست صفة ذم و لا مدح، [ صفحه 12] فليست ذما حتي لو اعترفت الوهابية أنها مذهب، فالمذهب الذي يعتمد علي أدلة صحيحة لن يضره الاسم الجديد و لا تسمية الناس له، و ليس من شرط المذهب أن يكون في القرون الثلاثةالأولي، كما أن التيار أو المذهب الذي يبني فكره و عمله علي أدلة ضعيفة؛ لن ينفعه التسمي بأحسن الأسماء و لو كان في القرن الأول، فالعبرة بصحة العلم و صفاء الايمان و حسن العمل و ليس بالتسمي و لا بالتمني. و نعجب ممن يكرر من المقلدين بأن لفظة (الوهابية) انما أطلقها الخصوم، و يدندنون حول اللقب و التسمية مع أن اللفظة أو التسمية خارج النزاع.. هذا أمر. أما الأمر الثاني: فقد كان علماء الدعوة الوهابية يجيزون استخدام (الوهابية) و يرددونها في كتبهم دون خوف من اتهام بمذهب، بل ربما ألفوا الكتب و الرسائل في عقائد الوهابية و دعوتهم و لا ضير في ذلك. و من علماء الدعوة الوهابية الذين استخدموا مصطلح (الوهابية) سليمان بن سحمان، و قبله محمد بن عبداللطيف (الدرر السنية 433/8) و غيرهما، و كذا المدافعون [ صفحه 13] عنها، و منهم: حامد الفقي مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر، و محمد رشيد رضا و عبدالله القصيمي و سليمان الدخيل و أحمد بن حجر أبوطامي و مسعود الندوي و ابراهيم بن عبيد صاحب التذكرة و غيرهم، يستخدمونها، مع أن حامد الفقي قد حاول أن يشكك في نيات كل من استخدم هذا المصطلح و اقترح أن يطلق عليها (الدعوة المحمدية) لأنها تنسب الي محمد بن عبدالوهاب! و ليس الي والده (عبدالوهاب) و قد قلده من المتأخرين صالح الفوزان في انكاره علي أبي‌زهرة و غيره، و مطالبة الفقي و الفوزان بأن نطلق علي الوهابية (الدعوة المحمدية لا الوهابية) لأن الشيخ اسمه (محمد) هذا اقتراح منهما غريب عجيب، لسبب يسير و هو: أن أغلب المذاهب المشهورة لا تسمي بأسماء أصحابها، و انما تسمي بأسماء آباء أو أجداد أصحاب المذاهب، فالمذهب الحنبلي مثلا نسبة لحنبل و حنبل هذا هو جد أحمد بن حنبل (اسمه أحمد بن محمد بن حنبل)، و الفوزان أو الفقي و من تابعهما لا يعترضون علي تسمية (الحنابلة) بهذا [ صفحه 14] الاسم، و لا يطلقون علي المذهب الحنبلي (المذهب الأحمدي)!، و كذلك المذهب الشافعي نسبة لشافع (و شافع هذا جد الشافعي الرابع فالشافعي اسمه: محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع)، فلماذا لا يطلقون علي المذهب الشافعي (المذهب المحمدي)! و كذلك الحنفية نسبة لأبي‌حنيفة، و حنيفة ليس اسم صاحب المذهب، و انما اسمه النعمان بن ثابت، و كذلك الأشاعرة المنتسبين لأبي‌الحسن الأشعري، فالأشعر جد قديم لقبيلة الأشاعرة كلهم الذين منهم أبوالحسن، فهو: الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، فهذا جد قبيلة الأشاعرة، الذي بينه و بين أبي‌الحسن الأشعري صاحب المذهب عشرات الآباء.. و كذلك (الاباضية) نسبة لعبد الله بن اباض،... و هكذا لا تكاد تجد مذهبا يسمي باسم صاحبه الا في النادر، كالمالكي نسبة ل(مالك بن أنس) و الزيدية لسيدنا (زيد بن علي) و الجعفرية لسيدنا (جعفر الصادق)، فالذي يطلق الوهابية علي مذهب محمد بن عبدالوهاب ليس أبعد عن الصواب ممن يطلق [ صفحه 15] الحنابلة علي أتباع أحمد بن محمد بن حنبل، فضلا عن غيره. ثم صالح الفوزان مثلا يطلق علي أتباع محمد بن سرور بن نايف زين‌العابدين كلمة (السرورية) فلماذا لا يسميها (المحمدية) أيضا! و نحن نسمع بين أدعياء السلفية اليوم ألقابا يتنابزون بها كالجاميين و المدخليين و البازيين و الألبانيين و القطبيين و البنائيين... الخ.

من العلماء المعاصرين لمحمد بن عبدالوهاب

و من أشهر معاصريه من العلماء و المصلحين: 1- الحسين بن محمد المغربي الصنعاني (1119 ه -)، صاحب (بدر التمام) و عليه اعتمد ابن الأمير في كتابه المشهور سبل السلام. 2- و الحسيني الدمشقي (1120 ه -) صاحب كتاب أسباب ورود الحديث. 3- و أبوالمواهب الدمشقي مفتي الحنابلة (1126 ه -). [ صفحه 16] 4- و الشيخ تقي الدين الحصني الدمشقي الشافعي (1128 ه -). 5- و الشيخ عبدالله سالم البصري ثم المكي (1134 ه -). 6- و شيخ الجامع الأزهر ابراهيم الفيومي (1137 ه -). 7- و المحدث أحمد بن القاسم البوني التميمي (1139 ه -). 8- و علي بن مراد العمري مفتي الموصل (1147 ه -). 9- و يهيي بن عمر الأهدل الزبيدي (1147 ه -). 10- و العجلوني الكبير من فقهاء المحدثين بدمشق (1148 ه -). 11- و الشيخ عبدالغني البرهاني شارح البيقونية (1151 ه -). 12- و الشيخ أحمد السملالي المغربي (1152 ه -). 13- و يوسف الحسيني مفتي الحنفية بحلب [ صفحه 17] (1153 ه -). 14- و الشيخ عبدالمعطي الخليلي مفتي الشافعية بالقدس (1154 ه -). 15- و الشيخ المجتهد أحمد اللمطي (1157 ه -). 16- و التهانوي الهندي صاحب اصطلاحات الفنون (1158 ه -). 17- و المنصور الحسين بن القاسم اليماني (1161 ه -). 18- و العجلوني من أهل الحديث، صاحب كشف الغطا (1162 ه -). 19- و الشيخ محمد حياة السندي من علماة المدينة (1163 ه -). 20- و محمد بن عبدالرحمن الغزي مفتي الشافعية بدمشق (1167 ه -). 21- و سالم النفراوي (1168 ه -). 22- و ابراهيم الويداني مفتي النوازل (1168 ه -). 23- و سليمان المنصوري الحنفي (1169 ه -). [ صفحه 18] 24- و حامد العمادي مفتي دمشق و ابن‌مفتيها (1171 ه -). 25- و عبدالله الشبراوي شيخ الأزهر (1171ه-). 26- و اسحاق المتوكل اليماني (1173 ه -). 27- و عبدالمنعم القلعي مفتي مكة (1174 ه -). 28- و محمد سعيد سنبل الشافعي المكي (1175 ه -). 29- و أحمد بن عبدالعزيز الهلالي (1175 ه -). 30- و شاه ولي الله الدهلوي من أكبر المجددين في الهند (1176 ه -). 31- و البرزنجي مفتي الشافعية بالمدينة (1177 ه -). 32- و عبدالكريم الشراباتي محدث حلب (1178 ه -). 33- و أحمد بن محمد الورزازي حبر تطوان (1179 ه -). 34- و عبدالرحمن بن ادريس الحسني شيخ المغرب (1179 ه -). 35- و عبدالمحسن بن أسعد الأسعد مفتي المدينة [ صفحه 19] (1183 ه -). 36- و علي بن محمد المرادي أحد علماء عصره بدمشق (1183 ه -). 37- و عبدالمحسن بن علي الأشيقري تولي الافتاء في الزبير (1187 ه -). 38- و حمد بن أحمد السفاريني صاحب المنظومة في العقيدة (1188 ه -). 39- و أحمد بن يوسف الحديث اليماني (1191 ه -). 40- و محمد التافلاتي مفتي الحنفية بالقدس (1191 ه -). 41- و محمد بن سليمان الكردي مفتي الشافعية بالحجاز (1194 ه -). 42- و سليمان الأهدل محدث اليمن (1197 ه -). 43- و علي بن محمد الشرواني رئيس علماء الحنفية بالمدينة (1200 ه -). 44- و عبدالسلام الداغستاني (1201 ه -). 45- و عبدالوهاب الأحسائي الحنبلي (1205 ه -). [ صفحه 20] 46- و الزبيدي صاحب تاج العروس (1205 ه -). 47- و المرادي مفتي الشام صاحب سلك الدرر (1206 ه -). 48- و عبدالقادر الكوكباني الزيدي المحدث شيخ الشوكاني (1207 ه -). 49- و سليمان بن عبدالوهاب أخو محمد بن عبدالوهاب في حريملاء. 50- و عبدالله بن سحيم في الرياض. 51- و أخوه سليمان بن سحيم. و غيرهم كثيرا جدا - و قد سبق بعض العلماء من معارضي ابن‌عبدالوهاب لم نذكرهم هنا - و قد تركنا العشرات من العلماء المعاصرين له، بل هناك كتب مؤلفة في تراجم علماء القرن الثاني‌عشر أشهرها (سلك الدرر في تراجم علماء القرن الثاني‌عشر)، و هذا دليل علي أن الوضع في العالم الاسلامي ليس ممعنا في الجهل فضلا عن الشرك الأكبر! كما يتصوره البعض بناء علي ما كتبه بعض علماء الدعوة الوهابية و مؤرخيها، كما أنه ليس من [ صفحه 21] العدل أن نهمل كل جهود هؤلاء أو نزدريهم، و للأسف أن هؤلاء علي مقتضي كلام غلاة الوهابية مشركون شركا أكبر! و كأن الاسلام كان قد انطفأ حتي بعثة ابن‌عبدالوهاب مجددا، و هذا خلاف الواقع، لكنه ظن كثير من أتباع ابن‌عبدالوهاب للأسف. و هذا السلوك من المتعصبين و المغالين هو السبب فيما وصلت اليه الأمة من هوان، فنسأل الله أن يجمع أمرنا، و يهدي ضالنا، و يوفقنا لما يحب و يرضي. لجنة البحوث و الدراسات بالطريقة العزمية [ صفحه 22]

الغلاة في ابن عبدالوهاب علي خلاف ما نهي عنه

اشاره

و من دلائل ذلك أن معظم ما نهي عنه ابن‌عبدالوهاب في كتبه - و أشهرها الغلو في الصالحين - قد تحققت في أتباعه بغلوهم في شيخهم غلوا عظيما، كما أنهم لم يستفيدوا من التقريرات التي كتبها في النهي عن التقليد و الاعراض عن الحق، فكان تعصبهم لشيخهم خاليا من أكثر ما ينهي عنه، و لعلنا نأخذ نموذجا من ذلك و هي تلك (المسائل الجاهلية) التي ذكر محمد بن عبدالوهاب أن النبي صلي الله عليه و سلم جاء و أبطلها، و كانت من الأسباب الرئيسة في عدم قبول كفار قريش للحق، و تلك الخصال نراها اليوم بوضوح في الغلاة من أتباع ابن‌عبدالوهاب و منها - مع اختصار و تصرف -: 1- قول ابن‌عبدالوهاب: ان دينهم - يعني أهل الجاهلية - مبني عل أصول أعظمها التقليد!! فهو القاعدة [ صفحه 23] الكبري لجميع الكفار أولهم و آخرهم... قلنا: و التقليد في غلاة الوهابية أظهر من أن تمثل له و خاصة في العقائد، فهم ينزلون أقوال العلماء في العقائد منزلة النصوص الشرعية تماما ان لم يكن أعظم، و يكفي أحدهم في الاستدلال أن يقول: قال الامام أحمد... أو قال شيخ الاسلام ابن‌تيمية... أو قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب... و كأنه يستدل بنص شرعي قطعي الدلالة و الثبوت! و هذا خلل كبير جدا لا نري من يهتم به الا القليل جدا من العلماء قديما و حديثا فضلا عن غيرهم، بل حتي المنكرين علي أهل التقليد انما ينكرون عليهم التقليد الفقهي و يتجنبون انكار التقليد العقدي و هو أكثر فتكا في الأمة من التقليد الفقهي، لأن المتفقهين يقبلون التعايش مع بعضهم، أما المقلدون في العقائد فهم يرثون أقوالا في تكفير من لم ير هذا الرأي أو رأي ذاك، و يورثونها لمن بعدهم 2- قول ابن‌عبدالوهاب: و من أكبر قواعدهم - يعني أهل الجاهلية - الاغترار بالأكثر! و يحتجون به علي صحة [ صفحه 24] الشي‌ء، و يستدلون علي بطلان الشي‌ء بغربته و قلة أهله!. قلنا: و هذا ظاهر في كثير من غلاة الوهابية من مقلدي ابن‌عبدالوهاب و من السلفيين عند قوتهم و كثرتهم، و ان شعروا بالضعف و القلة جأروا (طوبي للغرباء)! 3- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: الاحتجاج بالمتقدمين كقوله تعالي - حاكيا حجة فرعون -: (فما بال القرون الأولي)؟! قلنا: و هذا في غلاة السلفية أيضا مثل قول بعضهم - عندما ترشدهم لبعض أخطائهم -: (من سبقك الي هذا؟!) بينما لا يسألون عن من سبقهم الي أخطائهم. 4- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: الاستدلال بقوم أعطوا قوي في الأفهام و الأعمال. قلنا: و كذا بعض مقلدي ابن‌تيمية مثلا عندما يقولون: من أنت حتي تستدرك علي ابن‌تيمية! و هو صاحب الذكاء و المنطق و الفلسفة و كذا و كذا.. الخ. 5- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: الاستدلال علي بطلان الشي‌ء بأنه لم يتبعه الا الضعفاء! [ صفحه 25] قلنا: و هذا يفعله بعض المغالين اليوم عندما يقولون: ما يتبع هؤلاء الا القلة ممن لا وزن لهم و لا شهادات و لا مناصب..، و كذلك لما تحدثهم عن أحد العلماء أو الباحثين، يبادرونك: بأنه لا يعرفه أحد و لم يذكره العلماء بخير! 6- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: الغلو في العلماء و الصالحين. قلنا: و هذا أمثلته كثيرة، و لو يقرأ المنصف ما يكتبه الغلاة عن الامام أحمد و ابن‌تيمية و ابن‌عبدالوهاب، لتخيل أنهم يتحدثون عن مخلوقات خارقة ليست من الجن و لا الانس و لا الملائكة، فهذا يعلم تنزل الأمر بين طبقات السماء و الأرض، و هذا ينتهر منكر و نكير، و هذا يخبر بمسير التتار قبل أن يتحركوا من مواطنهم.. ثم بعد هذا نجد هؤلاء الغلاة الذين يقبلون هذه الخزعبلات من أشد الناس ذما للغلو و أهله. 7- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: اتباع الهوي و الظن و الاعراض عما أتاهم الله. [ صفحه 26] قلنا: و هذا ما يفعله بعض غلاة الوهابية اليوم عندما تأتيه بالدليل الشرعي فيجيبك بأن ابن‌تيمية أو ابن‌القيم يري كذا و كذا.. و أن العلماء يقولون كذا..، و لو أن قائل هذه الأقوال من العوام لهان الأمر، لكن نجد الوصية بالعلماء المقلدين بين طلبة علم متمكنين هم أول من يعلم أن الأفضل من العلماء يتبع للأقل علما و الأكثر تعصبا، و الا فنحن نعرف أن في المملكة العربية السعودية مثلا علماء بحق لكن لا صوت لهم، و هم تابعون خاضعون لعلماء آخرين لاحظ لهم في تحقيق و لا انصاف، و هنا يكون قبض العلم عندما يتخذ الناس رؤساء جهالا فيضلون و يضلون.. 8- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: اعتذارهم عن اتباع ما أتاهم الله بعدم الفهم (و قالوا قلوبنا غلف)؟ قلنا: و هذا رأيناه من بعضهم عندما تحاورنا بخصوص قولهم: ان زيارة البقيع سنة و زيارة النبي غير واجبة، فقال: اعتبرنا أغبياء لا نفهم!. 9- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: نسبة باطلهم الي [ صفحه 27] الأنبياء. قلنا: و هذا في غلاة السلفية و الوهابية، ينسبون التكفير لله و رسوله. 10- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: تناقضهم في الانتساب، فيدعون الانتساب الي النبي صلي الله عليه و سلم و يتركون اتباعه؟!. قلنا: و هذا أيضا في بعض غلاة الوهابية عندما تقول له: ان النبي صلي الله عليه و سلم قال كذا، فيتعذرون بأن بعض الفقهاء قال كذا، و أنهم أكثر فهما للحديث منا! بينما ان كان الموضوع في صالحهم تراهم يجأرون بقول مالك: (كل يؤخذ من قوله و يرد الا صاحب هذا القبر)!. 11- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: قدحهم في بعض الصالحين بفعل بعض المنتسبين. قلنا: و هذا في بعض غلاة الوهابية كقدحهم في الصوفية بفعل البعض، و قدحهم في الشيعة بفعل البعض، بل قبل ذلك قدحهم في الامام علي أو الامام جعفر الصادق بفعل بعض الشيعة، حتي أن رجلا من غلاة [ صفحه 28] السلفية يزعم بأن الامام عليا قاتل للرياسة لا للديانة! و يصرح آخر بأن الامام جعفر الصادق ماسوني كذاب!. و نقول هنا: لا يجوز أن تتهم الوهابية أهل البيت بالباطل و نترك الشيعة فقط ليدافعوا عنهم! فالصادق مثلا حاشالله أن يكون ماسونيا أو كاذبا كما يزعم الجبهان، فالغريب في أبواق الوهابية سكوتهم المطبق في الرد علي هؤلاء، بينما نشاطهم و حماسهم لا يباري في الرد علي من خطأ ابن‌تيمية أو البربهاري أو محمد بن عبدالوهاب، و هذا تناقض في المواقف و دليل علي تأثرهم بردة الفعل، أو خشيتهم من اتهام البشر و أمنهم من اتهام رب البشر. 12- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: أن الحياة الدنيا غرتهم فظنوا أن عطاء الله منها يدل علي رضاه!! (نحن أكثر أموالا و أولادا و ما نحن بمسبوقين)؟!. قلنا: و هذا أيضا في بعض غلاة الوهابية عندما يحتجون علي من خالفهم بقولهم: ألا تري أن الله أنعم علينا بالمال و المنصب - و خصوصا بعد ظهور البترول - [ صفحه 29] .. و الخ، و اذا أصاب غيرهم المنصب و المال قالوا: (هذه الدنيا أعطاهم الله اياها لتكون عليهم حسرة يوم القيامة)! و هذا شائع في جميع الغلاة، فاذا أصابهم مكروه قالوا: هذا ابتلاء! (فالله اذا أحب قوما ابتلاهم)! و اذا أصاب خصومهم مكروه، قالوا: (هذه عقوبة الله و ما ينتظره أعظم) و هذا كله من التألي علي الله، فلا أحد يعرف سر هذا المكروه أو هذه النعمة الا هو أو من عرفه الله، و الواجب علي المسلم ان أصابته سراء أو أصابت خصمه المسلم أن لا يجزم بشي‌ء من هذا أو هذا، و انما يرجو لنفسه و يخشي عليها، و كذا يرجو للمسلمين و يخشي عليهم و لو كانوا من ألد خصومه. 13- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: ترك الدخول في الحق اذا سبقهم اليه الضعفاء تكبرا أو أنفة!. قلنا: و هذا سبق التمثيل عليه. 14- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: الاستدلال علي بطلان الحق بسبق الضعفاء كحال المشركين الذين قالوا: (لو كان خيرا ما سبقونا اليه). [ صفحه 30] قلنا: و قد سبق شي‌ء من هذا. 15- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: أنهم لا يعقلون من الحق الا الذي مع طائفتهم! قلنا: و هذا في غلاة الوهابية من أوضح الأمور، عندما تأتيهم بدليل فيقولون: هذا لم نسمع به من مشايخنا و ليس موجودا في مصادرنا، مع أن الحق لا يشترط أن يكون كله مذكورا عندهم، و قديما حارب الغلاة العلوم المفيدة من هذا الباب كفضل المنطق مثلا. 16- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: أنهم مع ذلك لا يعملون بما تقوله طائفتهم!. قلنا: و هذا أيضا في غلاة الوهابية، فهم لا يعرفون أن ابن‌تيمية لا يكفر الجهمية و لا الرافضة! و أنه لا يجوز أن يجزم الشخص بأن الطائفة الفلانية ناجية و الطائفة الفلانية هالكة لأن هذا من التألي علي الله، و لا يعرف بعضهم أن بعض متقدمي الحنابلة كانوا يكفرون أباحنيفة! و أن أحمد ابن‌حنبل لم يكن يكفر بالتبرك بروضة النبي صلي الله عليه و سلم و منبره. 17- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: كفرهم بالحق اذا [ صفحه 31] كان مع من لا يهوونه!. قلنا: و هذا ظاهر في بعض غلاة الوهابية تجدهم يردون عليك الحق اذا قال به فلان، فاذا علموا أن فلانا - ممن يحبونه - قد قال بهذا القول سهل عليهم الأمر و صوبوه و هدأت نفوسهم. 18- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: انكارهم ما أقروا أنه من دينهم. قلنا: و هذا كانكار بعض غلاة الوهابية أن من ديننا ذم الظلم و البغي و أنه لا حجة الا في قول الله و رسوله، و أن منهج الجرح و التعديل يكشف أن في مصادرنا في العقيدة أحاديث موضوعة و هكذا.. الخ.. 19- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: أن كل فرقة تدعي أنها الناجية فأكذبهم الله بقوله: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين). قلنا: و هذا واضح في جزم غلاة الوهابية بأنهم هم الناجون فقط و غيرهم من الفرق الاسلامية ممن لا يتابعهم - علي ما يرون - هالكون و في النار! لكن البعض [ صفحه 32] يستدرك بأن غيرهم من المسلمين (الهالكين عندهم) يمكن أن يخرجوا من النار بالشفاعة لكنه يبقي احتمالا ضعيفا!!. 20- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: التعبد بتحريم الحلال!. قلنا: و كم من حلال يحرمه غلاة الوهابية، و قد سبق أنه وصل تحريمهم الي تحريم التعليم في وقت من الأوقات، و لو لا فرض السلطة لكثير من الحلال بالقوة لما استطاع أحد أن يقنعهم و لو جاء بأوضح الأدلة الشرعية، فهم لا يقنعون الا بما قالته طائفتهم. 21- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: التعبد باتخاذ الأحبار و الرهبان أربابا من دون الله!؟ قلنا: هذا كلام ابن‌عبدالوهاب كان يرد به علي من يري أنهم مقلدون يردون الحق الذي جاء به ابن‌عبدالوهاب بذكر فقهاء آخرين قالوا بخلافه، و رغم أن عبارة ابن‌عبدالوهاب فيها قسوة، لكن ألا ترون أن الحالة التي يشكو منها ابن‌عبدالوهاب، قد عادت، ففي هذه المرة هم [ صفحه 33] الذين يقلدون و يأبون المراجعة. 22- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: معارضة شرع الله بقدره!. قلنا: هذا في غلاة الوهابية، فهم يقولون سلط الله الحجاج علي أهل العراق، و لا يقولون سلط الله محمد علي باشا علي الوهابية، و لا يقولون سلط الله أمريكا علي طالبان.. فيحتجون بالقدر فيما يحبون من مصائب الآخرين، و ينفونه في ما يكرهون من مصائبهم. 23- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: التعصب للمذهب. قلنا: الأمثلة واضحة. 24- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: تحريف الكلم عن مواضعه. قلنا: هذا من أوضح الأمور في غلاة الوهابية، فتحريفهم الكلم عن مواضعه لا نجد له مثيلا في طائفة من الطوائف أو منافسا. 25- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: تلقيب المخالفين بألقاب باطلة. [ صفحه 34] قلنا: و هذا أيضا في غلاة الوهابية من أظهر الأمور، كوصفهم كل من دافع عن الامام علي من مظالمهم أو ذم البغي بالتشيع و الرفض، و وصفهم من نفي التجسيم و التشبيه بالجهمية، و وصفهم من نقد منهج الوهابية في التكفير بالارجاء و القبورية. 26- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: التكذيب بالحق. قلنا: و هذا ظاهر في غلاة الوهابية من تكذيبهم كل حق يقوله مخالفوهم و مكابرتهم في عدم قبوله. 27- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: افتراء الكذب علي الله. قلنا: مثل قول بعض غلاة الوهابية في الماضي و الحاضر بأن الله أثني علي كل من رأي النبي صلي الله عليه و سلم، و أن الله و عدهم كلهم بالجنة! مع أن فيهم من ارتد و نافق و أساء السيرة، و قد ثبت أن هذا القول قول علي الله بغير علم، و اعتساف في تأويل الآيات الكريمة التي لم تنزل الا في فضل المهاجرين و الأنصار و من في حكمهم ثم من أحسن العمل يدخل في التابعين باحسان. [ صفحه 35] 28- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: كونهم اذا غلبوا بالحجة فزعوا الي الشكوي للملوك كما قال: (أتذر موسي و قومه ليفسدوا في الأرض)؟!. قلنا: و هذا في غلاة الوهابية ظاهر جدا، فهم يستعينون بالسلطة عند ضعف الحجة لكبت خصومهم و منعهم من النشر، و منع كتبهم من الدخول، و منعهم من السفر، و ربما طالبوا بالتصفية الجسدية لبعض مخالفيهم لمنع الفساد في الأرض! و حماية الناشئة!. 29- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: رميهم الصالحين بانتقاص دين الملك. قلنا: كقول بعض غلاة الوهابية بأن من خالف العقيدة السلفية فان قلبه معقود علي الخروج علي ولي الأمر! و هذا ليس بلازم فقد خرج قوم من جميع الطوائف بما فيهم الحنابلة قديما.. و حديثا الوهابية، فالمسألة لا يجوز فيها المزايدة، و نحن قد نبهنا علي هذا الكلام قبل أحداث العنف و التكفير الأخيرة في المملكة، و كانت وقتها المملكة من أهدأ الدول و أبعدها عن العنف، لكننا كنا نعرف أن [ صفحه 36] المنهج السلفي الحنبلي و الوهابي منهج يحمل في داخله التفكك، لأنه يدعو لكراهية المسلم لأدني مخالفة، فكيف بما يرونه من كفر الحكام و الحكومات؟ من رأي تكفير مثل الامام أبي‌حنيفة و العلامة ابن‌فيروز فلا نستغرب منه تكفير فلان و فلان.. 30- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: رميهم اياهم بتبديل الدين.. قلنا: و هذا واضح في ردود غلاة الوهابية، فكل ردودهم علي مخالفيهم من المسلمين يرمونهم فيها بتبديل الدين. 31- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: تركهم الواجب ورعا!. قلنا: كترك بعض غلاة الوهابية تصويب الامام علي ورعا!، و تركهم ذم الظالمين ورعا!! و تركهم الحكم للمسلمين - سواهم - بالنجاة ورعا!. 32- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: تعبدهم بترك الطيبات من الرزق. [ صفحه 37] قلنا: سبق هذا. 33- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: دعاؤهم الناس الي الضلال بغير علم. قلنا: هذا في غلاة الوهابية ظاهر، كدعوتهم للتكفير و التبديع بغير علم، مع جهلهم بضوابط التكفير و مثله التبديع، و اليوم أحسن - الي حد ما - وهابيو البلاط في مراعاة ضوابط التكفير و موانعه، لأن السلطة أرادت منهم ذلك، و حسنا فعلت و فعلوا، و يكون الأجر علي قدر النية، لكن علي السلطة أن تكمل شيئا لله، و هو أن يطلبوا من العلماء مراعاة ضوابط التبديع أيضا، لأن الغلاة - و في العلماء غلاة - يبغضون من يظنون أنه مبتدع أكثر من بغضهم لليهود و النصاري، و فتاواهم لا تحصر في ذم و بغض المبتدعة، و هم عندهم كل من سواهم، و اليوم قد حصل الكفار علي حقوقهم في فتاوي الغلاة و محاضراتهم و ندواتهم و خطبهم و هذا شي‌ء حسن، ولكن بقيت حقوق المسلمين، فالواجب علي الدولة أن تدعوا العلماء علي مراعاة ضوابط التبديع، و مثلما هناك موانع من الجهل [ صفحه 38] و التأويل في مسألة الكفر، فالموانع نفسها يجب أن تكون في مسألة البدعة، علما بأنه لا يوجد مسلما غالبا الا و فيه خليط من بدعة و سنة، و هذا ما قرره ابن‌تيمية نفسه. 34- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: دعواهم محبة الله مع تركهم شرعه. قلنا: من شرع الله ألا تكفر مسلما، و لا تغتاب، و لا تتكبر، و لا تكذب علي الناس، و لا تستحل أعراض المسلمين، و لا تفتخر بنسب أو بمنطقة.. و هذا للأسف في غلاة الوهابية. 35- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: المكر الكبار. قلنا: و هذا يفعله غلاة الوهابية كثيرا، و خاصة في المواطن البعيدة عن رقابة السلطة، و خاصة في الجامعات الاسلامية فمكرهم كبار في كبار! يمكرون ببعض التلاميذ السذج و يطلبون منهم مذكراتهم ليستفيدوا منها! ثم يعطونها لثلاثة! ثم يفصل الطالب المسكين! بعد حرمانه في ثلاث مواد!. هكذا مكر بسلاسة؟..!. [ صفحه 39] 36- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: أن أئمتهم اما عالم فاجر أو عابد جاهل. قلنا: قول ابن‌عبدالوهاب السابق فيه قصر حاد لا نرتضيه، لكن نري غلاة الوهابية يلجئون لبعض الشيوخ ممن لا يخشي الله في الآخرين، أو ممن لا يفهم الموضوع مثار الاختلاف فيفتون في السؤال، ليأتي الجواب العضال!. 37- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: تمنيهم الأماني الكاذبة. قلنا: كتمنيهم بأنهم سيكونون في الفردوس و غيرهم في جهنم (تلك أمانيهم)! فلا يجوز التألي علي الله، فان أبوا نقول لهم: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين). 38- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: دعواهم أنهم أولياء الله من دون الناس. قلنا: و من زعم أنه و طائفته هم الناجون و غيرهم هم الهالكون فقد وافق قول ابن‌عبدالوهاب هنا، و أتباعه في هذا رأس. [ صفحه 40] 39- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: الفخر بالأحساب. 40- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: الطعن في الأنساب. قلنا: أمثلة هذه النقاط واضحة في غلاة الوهابية، مع أنه فخر بلا علم، و الفخر بالحسب و النسب بحسب الهدف منه، فاذا كان الهدف منه الحث علي الخير فهو حسن، و ان كان الهدف منه اضفاء مزايا علي بقية الناس فهذا قبيح، و أما الطعن في النسب فمذموم علي كل حال، لكن من انتسب الي غير أهله، فيجب بيان ذلك عند أهل النسب، لأنه محرم، و معيار الشرع في الفضل هو التقوي، و التقوي أصبحت كلمة، و عندالله الميزان. 41- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: أن الذي لابد منه عندهم تعصب الانسان لطائفته، و نصر من هو منها ظالما أو مظلوما. 42- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: أن دينهم أخذ الرجل بجريمة غيره. 43- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: تعيير الرجل بما [ صفحه 41] في غيره. 44- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: عظمة الدنيا في قلوبهم. 45- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: رميهم أتباع الرسل بعدم الاخلاص و طلب الدنيا. قلنا: و هذه النقاط في بعض غلاة الوهابية من أخذهم الرجل بجريرة غيره، و التعصب للطائفة أو القبيلة أو المنطقة، و رميهم المؤمنين بحب الدنيا و هم من أحرص الناس علي الدنيا... الخ. 46- و ذكر منها: لبس الحق بالباطل. قلنا: و هذا من أوضح الأمور في غلاة الوهابية، فاذا قال الواحد منا قولا ألبسوه لباسا غير لباسه، و قدموه ليستفتوا فيه بعض الناس، و هذه المسألة من أوضح السمات في غلاة الوهابية، و هي سمة عامة في كل غلاة الفرق الاسلامية. 47- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب: كتمان الحق مع العلم به. [ صفحه 42] قلنا: و هذا في بعض غلاة الوهابية و معتدليها، و يرددون في ذلك بعض الشعارات الصحيحة لكن في غير موضعها مثل: ما كل ما يعلم يقال! و حدثوا الناس بما يعرفون! التدرج في الدعوة! و غير ذلك من الأعذار التي يعطلون بها واجب انكار ما تحتويه الكتب من تكفير و استهانة بحقوق المسلم، كما يتم كتم العلم الصحيح و مجاملة الباطل بمثل هذه الشعارات التي ينزلونها في غير مواقعها، و اذا كانوا قد أنزلوا الآيات الكريمة في غير ما أنزلت له فسواها من باب أولي. 48- و ذكر منها: القول علي الله بلا علم. قلنا: و هذا كثير جدا، فهم يرددون أن الله أراد كذا و فعل كذا لأجل كذا... و حرم كذا و أباح كذا... الخ. 50- و ذكر منها: التناقض الواضح. قلنا: مثل غلو غلاة الوهابية في تكفير و تبديع الفرق الاسلامية بأقوال هي دون ما يقولها بعض سلفهم، فاذا جئت لهم بأقوال قالها بعض سلفهم تقتضي علي منهجهم التكفير أو التبديع كأقوال البربهاري و أبي‌يعلي و ابن‌تيمية [ صفحه 43] في عقيدة الشاب الأمرد - أن الله جاء للنبي في صورة شاب أمرد - مثلا، أخذوا في الارجاء و الاعتذارات بأعذار هي دون أعذار من يبدعونهم و يضللونهم، و كذا تجدهم يبالغون في ذم الخارجين علي سيدنا عثمان و تكفيرهم، مع غلوهم في الثناء علي كل الصحابة و خاصة الطلقاء! مع أنه كان في رؤوس الخارجين علي عثمان صحابة رضوانيون! بل في معارضيه بدريون، و هم أولي بالدفاع من الطلقاء! و من التناقضات المشهورة تشنيعهم علي من اتهم ابن‌تيمية بالنصب، و سكوتهم عمن اتهم أباحنيفة بالكفر و الذندقة! 51- و ذكر منها: الايمان ببعض المنزل دون بعض. قلنا: كايمان بعض غلاة الوهابية ب(تلك أمة قد خلت)! و تركهم الايمان ب(فقاتلوا التي تبغي)! مع أن الآية الأولي ليست قطعية الدلالة علي ما يزعمون لنزولها في سياق الرد علي اليهود في انشغالهم بنسبة هذا النبي و ذاك الي اليهودية و تركهم العمل، بعكس الأخيرة. 52- و ذكر منها: مخالفتهم و مجادلتهم فيما ليس لهم به [ صفحه 44] علم!! قلنا: كجدال بعض غلاة الوهابية في التاريخ - عبدالله ابن‌سبأ و القعقاع نموذجا - و هو لا يعرف عن الروايات في الموضوع، و لا تحرير المسألة، و لا محل الخلاف. 53- و ذكر منها: دعواهم اتباع السلف! مع التصريح بمخالفتهم. قلنا: و كذا غلاة الوهابية فهم يزعمون أنهم علي منهج السلف الصالح، و يقصرون السلف الصالح علي أربعة أو خمسة في القرنين الثالث و الرابع، و اثنين في القرن الثامن، و يهملون السلف الحقيقي و هم المهاجرون و الأنصار مع كبار التابعين باحسان، و تابعيهم من السادة الصوفية باحسان أيضا، لكن معظم الأمور التي يدندنون حولها من تكفير و تجسيم و تشبيه و غلو في العلماء و غير ذلك... لم يكن عليها السلف الحقيقي و انما نشأت مع شذاذ الحنابلة من عهد المتوكل في منتصف القرن الثالث. و أخيرا نقول: هكذا كثير من المسائل التي عدها محمد ابن‌عبدالوهاب من مسائل الجاهلية هي موجودة اليوم [ صفحه 45] بين الغلاة من أتباعه، فأصبح الغلاة الذين يمنعون من تخطئته و لو بالدليل و البرهان من أبعد الناس عن دعوته و منهجه، و ربما لو كان حيا لبدأ بتكفيرهم و قتالهم! و لأثني علي من يظنونه خصما له، مثلما تظن الوهابية أن الامام عليا لو كان حيا لبدأ بالانكار علي الغلاة من الشيعة و لجلدهم.

الخلاصة في هذا الفصل

أن الغلاة غالبا من وهابية و غيرهم، يوصون بالعدل و يظلمون، يأمرون بكل بر و ينسون أنفسهم، يحكمون بالاسلام، و لا يحكمون به، و ليس أكثر طرفة من مدحهم العقل و أمرهم بالتفكر و التدبر، مع ثنائهم علي الرحمة و الاحسان، و هكذا لا تكاد تجد لهم أمرا الا خالفوه، و لا يدركون هذه المخالفة. و هم بحاجة قبل أن ينصحوا غيرهم أن يراجعوا أنفسهم، و لن يستطيعوا الا بهدوء نفس و تعوذ من الشيطان، و اعتراف بأن نفوسهم كسائر النفوس البشرية [ صفحه 46] يعتريها النقص، فليتم بدلا من هذا الجري في مضمار الخصومة و الردود و التلفيق أن يأخذوا قسطا من الراحة للمراجعة و التقييم، فهما كثرت الردود لهم أو عليهم ان لم تقترن ببرهنة واضحة علي التجرد و الانصاف سيشعرون يوما بعد بانقشاع الناس من حولهم و ان جاملوهم في الوجوه، فمن العقل أن تتم المراجعة في وقت القوة المتبقية، و يتم بيان بعض الأخطاء سواء في المنهج أو المضمون البشري المتوارث، مع حسن الظن بالمخالف، و العلم بأن سوء التصرف مع المختلفين معهم في الرأي هو الذي أكثر من عدد المخالفين، و أحد أنيابهم و ألهب حماسهم. الرجوع عن الباطل اليوم فضيلة قبل أن يكون الرجوع عشوائيا من حق و باطل الي حق و باطل آخرين!!. [ صفحه 47]

الزيدية

الزيدية مذهب كغيرهم من المذاهب يؤخذ منهم و يرد، و هم من جملة الفرق المظلومة عند غلاة السلفية، و في الزيدية علماء و فضلاء و زهاد و لهم فضل كبير في تاريخ الاسلام الفكري و السياسي، و عندما نعترف باسلامهم و فضلهم، أو باسلام و فضل الشافعية و الحنفية و المالكية و غيرهم، لا يعني هذا أن ننتسب لواحد من هذه المذاهب، علما بأن الانتساب لأحد المذاهب الأربعة أو للزيدية أو للظاهرية أو الجعفرية أو الاباضية ليس محرما شرعيا و لا عيبا قبليا حتي يذمه هؤلاء الغلاة، بل لو كان الأمر كما يصور هؤلاء لكان الانتساب لمذهب رجل من أبناء رسول الله صلي الله عليه و سلم (الذين هم خيار من خيار من خيار، و الذين نصلي عليهم في كل تشهد) أفضل من الانتساب لمذهب رجل من بكر وائل أو بني‌تميم أو الأصابح، ثم الزيزية و خاصة المتقدمين منهم، كانوا أئمة أهل السنة فالامام زيد بن علي رضي الله عنه و كذا النفس الزكية رضي الله عنه ناصرهم أكثر أهل [ صفحه 48] الحديث و الفقه في زمنهم، بل ان ثلاثة من الأئمة الأربعة (أبوحنيفة و مالك و الشافعي) كانوا من أتباع أئمة الزيدية في زمنهم، فأبوحنيفة كان من أتباع و تلاميذ سيدنا زيد بن علي، ثم من أتباع النفس الزكية بعده، (و قد سمه المنصور لهذا السبب)، و كذا كان الامام مالك يفتي بالخروج مع النفس الزكية و قد سجن لأجل ذلك بسبب فتواه (ليس علي مستكره بيعة)، و كان الشافعي مع أحد أئمة الزيدية في اليمن؛ و كاد الرشيد أن يفتك به، و كان معهم أيضا من كبار علماء أهل السنة محدثون و فقهاء كبار كمنصور بن المعتمر، و سلمة بن كهيل، و سفيان الثوري (و كان يقول بعد قتل ابراهيم بن عبدالله الزيدي: ما أظن الصلاة تقبل الا أن فعلها خير من تركها) و هذا يدل علي شدة تأثره و تأنيبه نفسه، و ناصرهم أيضا الأعمش، و عباد بن العوام، و يزيد بن هارون، و هشيم بن بشير (أول شيوخ الامام أحمد)، و العوام بن حوشب، و مسعر بن كدام، و شعبة بن الحجاج أميرالمؤمنين في الحديث (و كان يسمي القتال مع الزيدية: بدر الصغري)، [ صفحه 49] و الحسن بن سعد الفقيه، و يزيد بن أبي‌زياد، و محمد بن ليلي، و قيس بن ربيع، و أبوعمرو بن العلاء اللغوي القاري‌ء المشهور، و سلام الحذاء، و أبوداود الطهوي، و فطر بن خليفة، و عيسي بن أبي‌اسحاق السبيعي، و أخوه يونس، و أبوخالد الأحمر، و عبدالله بن جعفر والد علي ابن المديني، و أسامة بن زيد (و هو محدث و ليس الصحابي)، و مسلم بن سعيد، و خليفة بن حسان، و اسحاق ابن يوسف الأزرق، و الأصبغ بن زيد، و هشام بن حسان، و صالح المروزي، و الحجاج بن بشير، و أبوالعوام القطان، و عبد ربه بن زيد، و عبدالحميد بن المحبق، و الحكم بن موسي و عمران بن شبيب، و عباد بن منصور، و خالد بن عبدالله الواسطي، (و ليس القسري الأمير المشهور بالظلم)، و يونس بن أرقم، و المفضل الضبي، و عمر بن عوان، و مومل بن اسماعيل - و الحسن ابن صالح بن حي، و أخوه علي بن صالح، بل كانا زيديين - و غيرهم كثير من أهل العلم و الفضل و الفقه، يمكن لمن شاء مراجعة تاريخ الطبري (الأعوام 122 ه -، [ صفحه 50] 145 ه -)، و مقاتل الطالبيين للأصفهاني و غيرهما من المصادر، و فيها بعض الروايات تذكر اجماع المحدثين و الفقهاء علي نصرة الزيدية في تلك الأزمان و لا يستثنون الا أفرادا. اذن فالانتساب للمذهب الزيدي لو أراد أحد الانتساب له لا يمنع، فقد انتسب اليه أو نصر أصحابه من هو أفضل و أعلم، بل من هو أعلم و أفضل من أحمد بن حنبل و ابن‌تيمية و محمد بن عبدالوهاب، فضلا عن البربهاري و ابن‌بطة و أبي‌يعلي و أمثالهم. لكن ما ندري لماذا افتخار غلاة السلفية علي الزيدية و ليس عندهم نسبهم الشريف، و لا تدينهم الرصين، و لا عقلهم الصريح، و لا زهدهم في الدنيا، و لا نضالهم من أجل الحرية و العدالة، و لا تاريخهم البطولي؟! و لا نرجع هذا الهضم من السلفية للزيدية الا الي الجهل بالذات قبل الجهل بالآخر، و الناس أعداء ما جهلوا، حتي أن غلاة السلفية يعدون كلمة (زيدي) عارا و سبة؟! حقا ان الأمر غريب! [ صفحه 51] و كأن المفتخرين من غلاة السلفية يوازون الزيدية علما و أعلاما، و عقلا و فضلا، و تاريخا و نسبا!.

تكفير باطل

معظم الأمور التي يكفر بها ابن‌عبدالوهاب و أتباعه المسلمين ليست مكفرة، بل يري جوازها جمهرة من علماء المسلمين، بل الحنابلة أنفسهم علي تشددهم يرون جواز هذا، كالامام أحمد بن حنبل، و ابراهيم الحربي الحنبلي، و عبدالله بن أحمد بن حنبل... و العلماء الذين يرون جواز هذا عند غيرهم من باب أولي، و يحسن بنا هنا أن نوثق بعض ما سبق.

التبرك بروضات الصالحين

1- التبرك بالقبور و التمسح بها يجعله ابن‌عبدالوهاب (شركا أكبر)، ولكنه عند أحمد بن حنبل امام المذهب (لا بأس به)! ففي كتاب العلل و معرفة الرجال (492/2) لعبدالله بن أحمد بن حنبل قال: (سألته - يقصد أباه - عن الرجل يمس منبر النبي صلي الله عليه و سلم و يتبرك بمسه و يقبله [ صفحه 52] و يفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب الي الله عزوجل؟ فقال (أحمد بن حنبل): لا بأس بذلك! فابن عبدالوهاب و أتباعه هنا، بين عدة خيارات اما أن يقولوا: ان هذا لا يصح عند أحمد، و علي هذا يلزمهم تكذيب عبدالله بن أحمد، و طرح كتب أحمد ابن حنبل التي انفرد عبدالله بروايتها كالمسند و فضائل الصحابة و العلل، و هذا ما لا يستطيعونه. - و اما أن يقولوا: ان أحمد بن حنبل رضي الله عنه بهذا القول هو مشرك شركا أكبر ينقل عن الملة! و هذا لن يقولوه و لا يحق لهم و لا يتسطيعون.. - و اما ان يقولوا: أن هذا ليس بشرك و أن صاحبه لا يكفر، و هنا يلزمهم الحكم بالاسلام لمن كفرهم محمد بن عبدالوهاب و أتباعه، لأن غاية ما نعلم عنهم أنهم يرون التبرك و التمسح بروضات الصالحين و الأولياء و ما سوي ذلك فدعاوي و الزامات خصومهم الوهابيين. و علي هذا اذا كان الخلاف كبيرا بين الامام أحمد و ابن‌عبدالوهاب فأحدهما يقول: (لا بأس به) و الآخر يقول: [ صفحه 53] (شرك أكبر) فهذا خلاف واسع جدا لا يصلح بعده أن يقول ابن‌عبدالوهاب و مقلدوه: انهم علي منهج أحمد بن حنبل في العقيدة. ثم معاصر و ابن‌عبدالوهاب من العلماء قد يرون التبرك بروضات الصالحين علي هذا النحو، و لا يرون هذه عبادة لغير الله و لا شركا، بل ربما رأوا رأي أحمد ابن حنبل بأن هذا ليس محرما و لا مكروها أصلا. و حجة أحمد بن حنبل و غيره من العلماء - الذين خالفهم الوهابية - الذين هم جمهرة علماء المسلمين، في هذا القول بأنه: (لا بأس به أو مباح أو مندوب) أن بعض الصحابة كأبي‌أيوب الأنصاري و ابن‌عمر كانوا يفعلون مثل هذا عند المنبر أو الروضة وسط الصحابة، و لم ينكر عليهم أحد من الصحابة، مما يدل علي أن هذا اجماع سكوتي. فان قال قائل: هناك فرق بين روضة النبي صلي الله عليه و سلم ففي تربته بركة و أما من سواه فلا...! نقول: ابن‌عبدالوهاب يجعل هذا عبادة، و عبادة [ صفحه 54] الأنبياء لا تجوز، و هو يكرر أن من عبد نبيا أو وليا فهو مشرك، و هو صادق في هذا القول، لكنه غير صادق بأن من تبرك فقد أشرك، فهناك فرق كبير جدا بين قول ابن‌عبدالوهاب العام الذي يوافقه عليه كل المسلمين، لكنه مخطي‌ء في ادخال صور كثيرة و ممارسات ضمن الشرك و هي ليست بشرك أصلا، لا أكبر و لا أصغر، لا يبيح عبادة الأنبياء و الجميع يتفق معه في هذه المقدمة، فهذه ليس فيها نقاش، انما النقاش و الانكار جعل التبرك و التوسل شركا أكبر، و قد فعله صحابة من أهل بدر و الرضوان و لم ينكره عليهم أحد من الصحابة و لا التابعين، فعلي هذا يلزمكم تكفير أبي‌أيوب الأنصاري و ابن‌عمر و أحمد بن حنبل، بل و تكفير الصحابة الذين لم ينكروا عليهم هذا، مع الشهادة بالتوحيد في عصر الصحابة لمروان بن الحكم فقط! فهو الوحيد الذي أنكر علي أبي‌أيوب وضع خده علي الروضة الشريفة. (و هنا نقطة: و هي أننا نجد كل أمورنا مصبها في بني‌أمية! حتي في مثل التشددات العقدية التي نلقاها عند [ صفحه 55] مروان بن الحكم، و التشدد الفقهي في وصلات شعر النساء و الركعتين بعد العصر و الاتمام في الحج، نجده عند معاوية، و غلاة السلفية و منهم غلاة الوهابية يسيرون سيرهم حذو النعل بالنعل... فلا يهمهم عدل و لا حقوق انسان و لا رفع ظلم و لا تخفيف أثرة، اللهم الا ما جاء عرضا أو ندرة أو مضاهاة للأخرين، انما همهم الأول في هذه الأمور التي فرقوا بها عبادالله بين مشرك و موحد، مهتد و ضال)... 2- ابراهيم الحربي الحنبلي - و هو من كبار تلاميذ الامام أحمد بن حنبل - قال: قبر معروف الكرخي الترياق المجرب (أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي 343/9)، و أقره الذهبي، بل زاد الذهبي شارحا هذا بقوله: (يريد اجابة دعوة المضطر عنده - أي عند القبر - لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء، كما أن الدعاء في السحر مرجو، و دبر المكتوبات، و في المساجد..). قلنا: و علي هذا لو كان أحمد بن حنبل و ابراهيم الحربي و الذهبي معاصرين لابن عبدالوهاب لكانوا [ صفحه 56] بأقوالهم السابقة كفارا كفرا أكبر ينقل عن الملة! و لو سردنا أسماء العلماء الذين يرون الرأي السابق و نحوه مما يجعله الوهابية شركا أكبر لطال بنا المقام. و حقيقة الخلاف هو أن ابن‌عبدالوهاب لم يحرر المعني الشرعي لأكثر المصطلحات التي يستخدمها كالشرك و العبادة و الاستعانة و الدعاء و التوحيد و الايمان بل و الاسلام... الخ. فتجده ينتصر لتعريف حاد لهذا المصطلح أو ذاك، ثم يسوق الناس بعصاه ليأطرهم علي هذا التعريف و تكفير من يخالفه. و قد يجد له سلف في حدية التعريف كابن‌تيمية و ابن‌القيم، أو بعض أهل اللغة، لكن لا يجد له موافقا علي تنزيل هذا التعريف الحاد علي واقع المسلمين، لأن التعريف ظني أولا، و لأن هناك موانع ثانيا... و لأن... و لأن... الخ. فمثلا: العبادة لو نرجع لتعريفها عند ابن‌عبدالوهاب بل و عند علماء اللغة سنجدها تدور حول معني واحد [ صفحه 57] و هو: (الخضوع و التذلل) لكن هل نطبقه مطلقا بحيث ان من خضع لسلطان ظالم، أو تذلل لأبويه، أو لمعشوقته... هل نجد هؤلاء عابدين لغيرالله؟! كلا.. فالله قد أمر بالخضوع و التذلل للوالدين (و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة) فهل هذا الخضوع و التذلل عبادة لهما؟. و وصف الله المؤمنين مادحا لهم بقوله (أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين) فهل المؤمنون يعبدون المؤمنين؟. و قال عن أخوة يوسف: (و خروا له سجدا). فهل عبدوه بهذا؟ ألم يرسل الله كل الأنبياء - كما يقول ابن‌عبدالوهاب - بتوحيد الألوهية؟ كيف و يعقوب عليه‌السلام والد يوسف عليه‌السلام نبي‌مرسل؟ فهل كان مشركا لما رضي بهذا السجود؟ نعوذ بالله من هذا القول. اذن فهناك فرق كبير بين من يخضع لصنم أو شخص معتقدا فيه الألوهية، و من يخضع تكريما أو حبا أو خوفا أو طمعا معتقدا فيه البشرية و أن الألوهية: لله وحده. و كفار قريش كانوا يظنون أن الأصنام آلهة، و أنها [ صفحه 58] تضر و تنفع و ترزق و تشفع أذن الله أو لم يأذن، و أنها مستحقة للعبادة، و أن العبادة لا تأتي الا لها، فكل عبادتهم لها و دعاؤهم و رجاؤهم و ذبحهم و نذرهم... و لا ينال الله من رجائهم و خوفهم و عبادتهم و نذرهم شي‌ء، فأصبح الله عندهم مجرد اسم، له الخلق فقط، و هذا لم يكن موجودا في المسلمين الذين قتلهم الوهابيون و هم يصلون الجمعة في مسجد العيينة باعتراف الوهابية أنفسهم، فهل يا تري كانوا يؤدون الصلاة لهبل و اللات و مناة؟!. اذن فالمسلمون هم يعرفون أن الله وحده هو الذي بيده كل شي‌ء، ولكنهم عند خضوعهم لبشر أو طلبهم شفاعته لا يقولون ذلك و هم معتقدون فيهم الألوهية، و هذا فرق كبير بين العبادة الشركية التي تجعل من المطلوب بشرا منحه الله شفاعة أو بركة و الا فلا يملك لنفسه شي‌ء الا بفضل الله و رحمته و تأييده و اذنه، و أن الأمر كله لله. و هكذا كثير من الآيات التي يستدل بها ابن‌عبدالوهاب لا يذكر الآيات الأخري التي تمنع فهمه الحاد لهذه الآية أو تلك. [ صفحه 59]

احاديث ذم نجد بين العراق و نجد

ان حجة خصوم الوهابية في وصفهم بالخوارج أسهل من حجة الوهابية في تفضيل كفار قريش علي مسلمي زمانهم، و من الأحاديث التي استدل بها خصوم الوهابية في التشنيع علي الوهابية حديث (هناك الزلازل و الفتن و منها يطلع قرن الشيطان) الذي أوله الوهابية بأن المراد نجد العراق، و أوله السلفية المتقدمون بهذا لأجل ذم الشيعة و أهل الرأي و المعتزلة، و هذه دلائل علي أن نجد المقصودة في الحديث هي نجد الحالية، و هذا لا يعني تعميم الذم بكل أهل نجد و لا انزاله علي كل زمان، فمن حجج من يري أن نجد الحديث هي نجد المعروفة اليوم: 1- أن (نجد) اذا أطلقت نجد فلا تعني الا نجد المعروفة وسط الجزيرة، مثلما نطلق الحجاز علي الحجاز المعروف علي ساحل البحر الأحمر الذي يمتد علي طول البحر الأحمر و يكون مركزه شاملا لمكة المكرمة و المدينة المنورة وجدة...، و ليس كل ما حجز بين بحر و جبل [ صفحه 60] يكون (حجازا) في الناحية العرفية و ان جاز هذا من الناحية اللغوية، و لهذا ف(نجد) اذا أطلقت انصرف المعني علي العرف كما نطلق الحجاز و ينصرف هذا علي العرف، و العرف مقدم علي الوضع اللغوي بالاجماع، أما نجد من حيث الوضع اللغوي فصحيح أنها تشمل كل ما ارتفع من الأرض، و كذا الحجاز لغويا تشمل كل ما حجز بين بحر و جبل. 2- مما يدل علي أن نجد غير العراق - و أن نجد المعروفة عرفا هي نجد المعروفة اليوم - أن هناك ميقاتين من مواقيت الحج، ميقات أهل نجد و ميقات أهل العراق، و لو كانت نجد و العراق مختلطة لقيل ميقات نجد الأولي و نجد الثانية، كما يقال في الثغور الاسلامية عن أرمينيا الأولي و الثانية و الثالثة و الرابعة. 3- و من الدلائل علي ضعف هذا التأويل أن شرق المدينة هو نجد الحالية، و قد جاء في الحديث أن النبي صلي الله عليه و سلم أشار بيده نحو المشرق، و كان يوم أشار يخطب في المسجد النبوي، فشرق المدينة هو نجد المعروفة، و ليس [ صفحه 61] العراق، و من شاء أن يتأكد فيلفتح خريطة الجزيرة العربية و يستعين بمدار السرطان - الذي لم يضعه الوهابية و لا مخالفوهم - فهو يمر جنوب المدينة المنورة و جنوب الرياض، فلو أخذت خطا مستقيما علي الخريطة و اتجهت به من المدينة شرقا فلن يخطي‌ء الدرعية أو البطحاء أو ما بينهما! فاذا ثبت أن النبي صلي الله عليه و سلم أشار بيده نحو الشرق - و الحديث في الصحيحين - و قال: (هناك الزلازل و الفتن و منها يطلع قرن الشيطان) فشرق المدينة هو وسط نجد المعروفة و هي المقصودة و ليس وسط العراق، و هذا لا يعني ذم كل نجدي في كل الأزمان، كما أن مدح المدينة لا يعني الثناء علي كل مدني، و انما العبرة بالأغلب أو بفترة دون فترة، أو أن الذم مخصوص بظهور الردة... الخ. 4- ظهور العلم بالعراق دون نجد فمعظم أهل الحديث و أئمة الفقه و اللغة عراقيون... و هذا يؤكد أن العراق فيه من الخير و العلم و الحضارة الاسلامية بشتي معالمها ما ليس في نجد، فأئمة المسلمين في الحديث و الفقه و التفسير [ صفحه 62] و اللغة و المنطق عراقيون... فان صححنا حديث الصحيحين في ذم نجد فنجد العرف أولي من الزاق هذا الذم بنجد اللغة، ثم تخصيص نجد من هذا النجود اللغوية و جعله خاصا بالعراق... فهذا تكلف كبير في تأويل الحديث و صرفه عن مدلوله... [1] . و علي هذا فقرن الشيطان خرج بنجد و لعل المراد بذلك مسيلمة الكذاب، و تبعهم الخوارج، و تبعهم القرامطة... الخ، [ صفحه 63] فلماذا كل هذا الحماس في رد دلالة الحديث، ألا يخشي المؤولون أن يكون هذا الاصرار في الرد و التأويل من (تلك الزلازل و الفتن) و من (تزيين الشيطان)؟!. ثم سبق أن قلنا أن ذم منطقة و مدح أخري انما هي بخصوص سبب أو حسب الأغلب أو نحو ذلك، فلو سمعنا بأن نجد المذمومة هي العراق أليس في العراق فضلاء و صالحون في الماضي و الحاضر؟ ألم يكن في العراق كثير من الصحابة و التابعين و الفقهاء و المحدثين، فمن الصحابة بالعراق: الامام علي بن أبي‌طالب، و حذيفة بن اليمان، و عمار بن ياسر، و عمران بن حصين، و سعد بن أبي‌وقاص، و أمثالهم، بل نزل الكوفة مع الامام علي بن أبي‌طالب ثمانمائة من الأنصار، ثم تبع هذه الطبقة طبقة كبار علماء التابعين، كأويس القرني خير التابعين، و علقمة ابن‌قيس، و عبيدة السلماني، و أبوعبدالرحمن السلمي، و عبدالرحمن بن أبي‌ليلي، و شريح بن الحارث قاضي الأمة، و الربيع بن خثيم، و سويد بن غفلة، و الحارث الأعور، و أبووائل، وزر بن حبيش، و الأسود بن يزيد، [ صفحه 64] و سعيد بن جبير، ثم ابراهيم النخعي و من في طبقته كالشعبي و سالم بن أبي‌الجعد، و الحكم بن عتيبة، و سلمة بن كهيل، و حماد بن أبي‌سليمان امام أهل الرأي، و أبواسحاق السبيعي، ثم أبوحنيفة و طبقته كالأعمش و ابان بن تغلب، و عاصم بن أبي‌النجود القاري‌ء المشهور، و منصور بن المعتمر، و مسعر بن كدام، و الحسن بن صالح بن حي، و سفيان الثوري، و الامام زفر، و القاضي أبويوسف، و محمد بن الحسن الشيباني، ثم وكيع و طبقته كأبي‌معاوية الضرير، و ابن‌فضيل، و حفص بن غياث، و أبي‌بكر بن عياش، و أبي‌نعيم الفضل بن دكين، و عبيدالله بن موسي العبسي شيخ البخاري و طبقته، ثم كان معظم أهل الحديث من الكوفة فضلا عن بقية العراق كالبصرة و بغداد و واسط و الأهواز و الموصل... و بالعراق من غير الكوفيين الحسن البصري و ابن‌سيرين، و قتادة و أحمد بن حنبل و الخطيب البغدادي و ابن‌الجوزي و نحوهم، و من أهل اللغة سيبوية و أبي‌عمرو بن العلاء و الأخفش، و من الشعراء المتنبي و البحتري و أبي [ صفحه 65] تمام... الخ. بينما لم يطأ الصحابة و التابعون وسط نجد الا مقاتلين لأهل الردة - باستثناء قلائل كثمامة بن أثال - و لم يظهر بها من أهل العلم المشهورين غير يحيي بن أبي‌كثير الطائي من شيوخ معمر و طبقته و هو مع هذا غامض الا عند الخاصة، ثم استمرت فترات كبيرة من الجهل، و لعل أصلح أحوالها هي تلك المرحلة التي سبقت محمد بن عبدالوهاب فقد كان فيها عدد كبير من القضاة و العلماء، و مع ذلك فتلك الفترة ذمها الوهابية أشد الذم و كفروا عامتها و خاصتها، و جعلوهم أكفر من كفار قريش، فاذا كانت هذه حالتها و هي في أحسن أحوالها - و نحن لا نوافق أبدا علي هذا التكفير - فهي أولي بالحديث من العراق التي خرج منها نصف علماء الأمة، و من شك فليعمل استبيانا بعدد العراقيين من العلماء فليجعلهم في كفة و بقية الأمة - من حجازيين و شاميين و مصريين و مغاربة و أندلسيين و يمنيين و خراسانيين و نيسابوريين و قزوينيين و فارسيين و سجستانيين و بخاريين و سمرقنديين و جيلانيين و ديلميين [ صفحه 66] و مروزيين و أصفهانيين... الخ - في كفة و لينظر النتيجة ثم ليعيد قراءة الحديث! و لينظر هل الأولي تطبيق حديث (نجد) علي العراق أم علي (نجد)؟!!. [ صفحه 67]

قراءة في كتاب التوحيد لمحمد بن عبدالوهاب

تمهيد

هذا الكتاب الصغير و كتاب كشف الشبهات من أشهر كتب ابن‌عبدالوهاب، بل لعلهما أشهر كتبه علي الاطلاق [2] ، و قد ألفه ابن‌عبدالوهاب في بداية الدعوة، [ صفحه 68] فهو من أول ما ألفه. و قد أسهم الكتاب في رفع درجة الغلو في السنوات الأخيرة، لأنه تم تقريره مقررا دراسيا لكل مراحل التعليم العام في المملكة، فهو مقرر في مدارس التعليم العام من الصف الأول ابتدائي الي الصف الثالث ثانوي، مع زيادة موضوعات ثقافية في الصفوف الثانوية فقط، أما المتوسطة (الاعدادية) فالكتاب - مع زيادة شروحات (تخفيفية) و تغيير بعض العناوين بحيث تكون أكثر [ صفحه 69] هدوءا - هو المقرر نفسه و بالعنوان نفسه (كتاب التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد) و أما الابتدائية فالمقرر مختصر منه. و قد تعبنا في التنبيه علي هذا الموضوع من قديم، لكن وزارة التربية و التعليم في المملكة يظهر أنه لا صلاحية لها في تغيير المقرر، أو تشكيل لجنة تأليف شرعية مستقلة معتدلة، لأن مجرد شكوي واحدة من العلماء للسلطة السياسية كفيلة بالاطاحة بهذه اللجنة و اعتدالها. فلذلك تجتهد وزارة التربية و التعليم في اقناع بعض العلماء و عرض المقررات عليهم من وقت لآخر، لاستجداء موافقة لتعديلات ملحة.. و لكم أن تتصوروا ردة فعل العلماء الذين يرون هذا الكتاب حقا مطلقا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، هذا يشبه أن تطلب الوزارة من العلماء السماح لها بتعديلات في القرآن الكريم، للأسف أن الغلو عند الوهابية قد بلغ درجة يمكننا أن نقول: انه اقترب من هذه الحالة. و كل من اقترح أو حاول أن ينقد مقررات التوحيد - [ صفحه 70] و لو كان نقدا طفيفا في صياغة المقرر و مناسبته عمر الطالب - فانه يكون عرضة لعقوبات (سرية) بالغة!

علي كل نعود لكتاب التوحيد

الكتاب يتكون من (108) صفحات من القطع الصغير، و (65) بابا. و سنذكر هنا نموذجا من الملحوظات، لارتباطه الشديد بفكر ابن‌عبدالوهاب و منهجه، و كونه أول ما ألفه من كتبه، و كونه - مع كشف الشبهات [3] - أشهر كتب الوهابية علي الاطلاق. و سوف نبدأ بسرد بعض الملحوظات علي كتاب التوحيد. الملحوظة الأولي بدأ ابن‌عبدالوهاب الكتاب (ص 5) بسرد الآيات في [ صفحه 71] وجوب عبادة الله وحده لا شريك له.. و هذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين، و لو أن الكتاب موجه لمشركين يعبدون غير الله لكان هذا صحيحا، لكن المراد به - للأسف - هم مخالفو الوهابية من المسلمين الذين يفعلون بعض الأمور التي تراها شركا، و هو في الواقع بين أمر مختلف فيه، أو ممارسات خاطئة يفعلها بعضهم سواء كانت مباحة أو بدعا أو شركيات صغري.. أما الشركيات الكبري فنادرة جدا ان لم تكن معدومة.. ثم هذه المخالفات و الخرافات و البدع ليست خاصة بعصرنا فهي قديمة، و هذا لا يعني ترك نقدها و بيانها و التحذير منها، و انما يجب التحرز من الغلو في انكارها الي أن يصل الأمر لتكفير المسلمين. فغاية ما في الأمر أن نعلم أنه: لن يخلو مجتمع مسلم من شذوذ فكري لبعض أفراده، هذا أمر طبيعي في كل أمة و كل شعب، لكن أن نتخذ هذه المخالفات مسوغا للاضرار بآخرين و نبالغ في الخصومة حتي نستعين بالسلطة و المقرر و الخطبة و الاعلام و المنبر و الجمرك و الوظيفة و الرزق.. فهذه المبالغة في الانتصار لأمور [ صفحه 72] أكثرها خلافية هو عين البدعة و الظلم. الملحوظة الثانية ثم ذكر ابن‌عبدالوهاب أثرا عن ابن‌مسعود نصه: (من أراد أن ينظر الي وصية محمد صلي الله عليه و سلم التي عليها خاتمة فليقرأ قوله تعالي: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا - الي قوله - و أن هذا صراطي مستقيما) أ ه -. هكذا لم يذكر ابن‌عبدالوهاب نص الآيتين، و لا ذكر مصدر الأثر، لكن يهمنا الآيات الكريمة هنا، بغض النظر عن كونها وصية النبي صلي الله عليه و سلم أم لا، فيكفي أن الله قد أسمي هذه النواهي و الأوامر علي رأي، أو المصطفي صلي الله عليه و سلم علي رأي آخر - الآيات 152 ، 151 من سورة الأنعام - صراطه المستقيم.. و الآيتان بعد العودة اليهما نجد فيهما مايلي: 1- النهي عن الشرك. 2- الأمر بالاحسان الي الوالدين. 3- النهي عن قتل الأبناء خشية املاق. [ صفحه 73] 4- النهي عن الفواحش ما ظهر منها و ما بطن. 5- النهي عن قتل النفس التي حرم الله الا بالحق. 6- النهي عن أكل مال اليتيم. 7- الأمر بالوفاء بالكيل و الميزان بالقسط. 8- الأمر بالعدل في القول و لو كان ذاقربي. 9- الأمر بالوفاء بالعهد. و قد أحسن ابن‌عبدالوهاب في النهي عن الشرك (صغيرا كان أو كبيرا) مع التحفظ علي كثير من الأمور التي أدخلها في الشرك و ليست بشرك، ولكن لو تجاوزنا هذا سنجد بعض أوامر هذه الآية تم اهمالها من الوهابية نفسها مثل (النهي عن قتل النفس التي حرم الله الا بالحق)، و قد قتلت الوهابية كثيرا من المسلمين بلا حق، حتي وصل قتلهم لهم أثناء أداء الصلوات داخل المساجد، كما لم يعدلوا في اطلاق الكفر الأكبر المخرج من الملة علي علماء و عوام زمنهم [4] - من حنابلة و سنة فضلا [ صفحه 74] عن غيرهم! - و من (العدل في القول و لو كان ذاقربي) أن نعترف بهذه الحقيقة عندما نري الأدلة الكافية علي ثبوتها. و ابن‌عبدالوهاب - و علي هذا أتباعه - يركزون علي الوصية الأولي في هذه الآية و هو (النهي عن الشرك) رغم قلة الشرك أو عدمه في الأمة، مع مبالغة في ادخال ما ليس شركا في الشرك، بينما يهملون - بمبالغة أيضا - الأوامر و النواهي الأخري في الآية نفسها رغم وجود ما يدعو لها - فضلا عن الأوامر و النواهي في القرآن الكريم كله - و أهمهما (حرمة الدماء و الأعراض) فلا حرمة لدماء المسلمين [5] ، و لا عدل في القول و الحكم علي المخالفين من المسلمين علماء و عامة. [ صفحه 75] الملحوظة الثالثة ثم ذكر ابن‌عبدالوهاب ص (5) أثر معاذ بن جبل الذي فيه قول النبي صلي الله عليه و سلم له: (يا معاذ أتدري ما حق الله علي العباد و حق العباد علي الله؟... حق الله علي العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا، و حق العباد علي الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا..). نقول: أولا: هناك فلسفة كبيرة حول الاحتجاج بالأحاديث النبوية التي ظاهرها يخالف القرآن الكريم، و لا نريد أن ندخل هنا فيها، و لا أن نقول ان حديث معاذ منها، الا أنه مهما بلغ بنا الأمر، فتعطيلنا لحديث آحاد (ثبوته ظني) يبقي أسهل من تعطيل آيات كريمة قطعية الثبوت و الدلالة (كما سيأتي). و ابن‌عبدالوهاب و كذا التيار الوهابي - من ظاهر ما نقرأ و نفهم عنهم - يفهمون الناس من هذا الحديث أن المسلم اذا لم يشرك فلن يعذبه الله، و يعنون بالشرك هنا شيئين: الشرك الأصلي و الممارسات الأخري التي= [ صفحه 76] ألحقوها بالشرك و فيها خلاف. و هذا أولا خطأ منهجي ناتج من اتباع دليل ظني الثبوت أو الدلالة و اهمال أدلة أخري أقوي و أصرح - و هي مصيبة عامة في المسلمين ليست خاصة بالوهابية [6] فلا يجوز أن نحتج بحديث معارض لنصوص قرآنية [ صفحه 77] مهما كان صحيحا، أو يجب علينا علي الأقل أن نصحح فهمنا للحديث، أما أن نأتي بحديث ثم نفهم ظاهره فهما قاصرا ثم نسير خلفه غير ملتفتين الي أهمية تحديد معناه بما لا يختلف أو يتناقض مع ما هو أصح منه، ثم نخالف في هذا (السير الرسيع) كما كبيرا من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية و القواطع الاسلامية فهذا جهل أو هوي يوقعنا في التناقض، و يتيح لنا الانتقاء و ما يتبعه من أخطاء في التصور أو الحكم أو الممارسة. العبادة في الحديث - ان صح لفظه [7] - هي طاعة الله [ صفحه 78] في أوامر الاسلام الكبري و نواهيه الكبري، و لا يجوز أن نفهم الحديث - سواء هذا أو غيره - فهما مفصولا عن الآيات و الأحاديث الثانية، لا سيما و أن الحديث لو أخذناه حسب ظاهره لكان مناقضا للقرآن الكريم مناقضة صريحة، فلو أن هناك رجلا لا يشرك بالله شيئا لكنه يقتل النفس المحرمة فهل نقول له: اطمئن فما دمت أنك [ صفحه 79] لاتشرك بالله شيئا فلن يعاقبك علي قتل الناس و ظلمهم و أكل أموالهم؟! كلا. بل نقوله له: القرآن الكريم - قبل حديث الآحاد هذا - ينص علي أن قاتل النفس المحرمة موعود بالنار كما في قوله تعالي: (و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما) (سورة النساء: 93)، فهل نترك الآية الصريحة لنقل سلسلة من رواة الحديث لا نأمن نسيان هذا أو وهم ذاك؟ [8] ثم ابن‌عبدالوهاب نفسه و تيار الوهابية لا يكتفون [ صفحه 80] بأن يعبد الشخص الله لايشرك به شيئا، و انما كفروا من لم يهاجر اليهم اذا لم يستطع انكار المنكر ببلده، و كفروا من لم يوافقهم علي تكفير المسلمين و قاتلوه، و كفروا من أسماهم خوارج و قاتلوه و جعلوه سابا لدين الرسول! (و قد سبقت توثيقات الشواهد علي هذه و أمثالها في كتب سلسلة الفتوحات العزمية)، اذن فهم من حيث التطبيق توسعوا في اطلاق الشرك و اطلاق الأحكام و اطلاق السيف. الملحوظة الرابعة ثم ذكر ابن‌عبدالوهاب ص (6) مسائل مستفادة من الحديث و منها: 1- (العبادة هي التوحيد لأن الخصومة فيه). [ صفحه 81] قلنا: هذا قصر للعبادة ببعضها، لأن مخالفي ابن‌عبدالوهاب كانوا يقولوا: نحن لا نعبد الا الله فلماذا تكفروننا؟ فيقول لهم القول السابق، اذ يحصر العبادة في التوحيد، ثم يحصر التوحيد في قائمة طويلة من شروط لا اله الا الله و نواقضها، بحيث يستحيل أن يبقي مخالفه مسلما الا اذا اتبعه علي رأيه و اجتهاده في التعريف المتشدد للتوحيد و الشرك.. فبادي‌ء الأمر يظنه طالب العلم صحيحا، و لذلك نجد بعض العلماء كالأمير الصنعاني و الشوكاني و غيرهم يشهدون أن ما يقوله ابن‌عبدالوهاب صحيح! لأن ابن‌عبدالوهاب و أتباعه من بعده عندما يراسلون هؤلاء العلماء يقولون لهم: نحن ندعو لعبادة الله وحده و ترك الشرك! فلا يملك العلماء الآخرون الا أن يقولوا: هذا دين الله و نحن معكم، و قد يكاتبون ابن‌عبدالوهاب أو من بعده، و قد يمدحون شعرا و نثرا.. لكن لو علم هؤلاء العلماء أن كلمة (التوحيد) هنا لها عند الوهابية شروط طويلة عريضة دقيقة و نواقض كثيرة غير صحيحة لما أيدوا ابن‌عبدالوهاب.. و لذلك نجد الأمير الصنعاني [ صفحه 82] يرجع عن مدح ابن‌عبدالوهاب الي نقده نقدا لاذعا عندما أطلعه مربد التميمي (و قد قتله الوهابيون في رغبة سنة 1171 ه -) علي كتب ابن‌عبدالوهاب المطولة و المفسرة للاجمال الذي وصل الصنعاني. - و خلاف العلماء مع ابن‌عبدالوهاب ليس في الدعوة للتوحيد و النهي عن الشرك - فهذا أمر لا يخالف فيه مسلم عامي فكيف بعلماء عصره في نجد و الحجاز و العراق و اليمن - و انما خلافهم معه في هذه القوائم الطويلة من الشروط و النواقض التي يشترطها ابن‌عبدالوهاب في (التوحيد و السلامة من الشرك). اذا فهمنا هذا جيدا عرفنا سبب معارضة العلماء له و مطاوعة العوام، و ابن‌عبدالوهاب قد اشتكي أن مخالفيه هم من العلماء و الخاصة و ليسوا من العامة. لأن العامة عامة اذا سمعوا حديثا و لو ضعيفا أو قول عالم و لو مبتورا اعتقدوا ما فيه من ترغيب أو ترهيب، و انطلقوا يستعرضون المسلمين طولا و عرضا.. لأن علماءهم قد قالوا لهم: ان هؤلاء مشركون شركا أكبر من [ صفحه 83] شرك أبي‌جهل!! - كما كان يفعل ابن‌عبدالوهاب في وصفه لمخالفيه من العلماء - [9] . ثم اذا كان ابن‌عبدالوهاب يقصد بأن الخصومة بين الأنبياء و الناس كانت في التوحيد فقط فهذا غير صحيح، و هذا قصر للرسالة علي بعض مادعت اليه، و انما كانت هناك ذنوب كثيرة كان الناس يفعلونها فحذرت منها الرسل كالظلم، و التطفيف في الميزان، و قتل النفس المحرمة، و قد ألف ابن‌عبدالوهاب كتاب (مسائل الجاهلية، التي خالف فيها الرسول صلي الله عليه و سلم أهل الجاهلية فبلغت أكثر من سبعين)، فكل ما نهي عنه القرآن الكريم كان في بعض الكفار علي الأقل. أما ان قصد ابن‌عبدالوهاب أن الخصومة بينه و بين علماء عصره كانت في التوحيد فقط فهذا أيضا غير صحيح، فقد كانوا يخاصمونه في مسألتين كبيرتين: [ صفحه 84] التكفير و القتال. فالحاصل أن قصر ابن‌عبدالوهاب للعبادة في التوحيد خطأ، و قوله بأن الخصومة كانت في التوحيد فقط خطأ آخر، لكن هذين الخطأين لم يكن ليكتشفهما الأعراب و البدو فلذلك كانوا علي حماسة كبيرة في قتال المسلمين لأنهم يظنون - كما قال ابن‌عبدالوهاب - مشركين شركا أكبر من شرك كفار قريش! 2- و ذكر ابن‌عبدالوهاب من تلك المسائل: (ان من لم يأت بالتوحيد لم يعبد الله...). و هذا من حيث النظرية صحيح، لكن ليس الخلاف في هذا بين ابن‌عبدالوهاب و علماء عصره في نجد و الحجاز و غيرهما، انما الخلاف في معني التوحيد الذي اشترط له ابن‌عبدالوهاب شروطا طويلة ظنية أو خاطئة أو خالف فيها غيره من العلماء، فمن لم يأت بها فهو عنده مشرك و عندهم مسلم. فنقل الخلاف من موضعه الي موضوع ليس محل خلاف ففيه تلبيس بغض النظر عن الدافع هل هو الحماس [ صفحه 85] أو الاجتهاد و النية الصالحة أو الخصومة المفضية الي التظالم. 3- و ذكر ابن‌عبدالوهاب من تلك المسائل: (أن عبادة الله لا تحصل الا بالكفر بالطاغوت) قلنا: و هذا صحيح و ليس محل خلاف، لأن مخالفي ابن‌عبدالوهاب لم يقولوا: نحن نؤمن بالله و الطاغوت... و انما اجتهد ابن‌عبدالوهاب في وصف أشياء بأنها طاغوت من توسل و ممارسات أغلبها من وجهة نظره خاطي‌ء، و مخالفوه يقولون: (هذه بين مباحة أو مكروهة أو محرمة، و لا يصح أن نقول فيها: انها الطاغوت، ثم نرتب علي ذلك أن من لم يجعلها شركا فهو مؤمن بالطاغوت و يجب قتاله). فأنت تلاحظون أن الكلام العام لا خلاف فيه، و انما الخلاف عند تنزيل هذا الكلام العام في من لا يستحقه، و من هنا بدأ الافتراق بين ابن‌عبدالوهاب و علماء نجد في زمانه، ثم بينه و بين علماء الحجاز و العراق... ثم اليوم بين الوهابية و بين العالم كله! [ صفحه 86] 4- و ذكر منها: (أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله) نقول: و هذا صحيح، لكن هناك أمورا: منها معني العبادة، و هل تأتي عبادة غير الله بالمعني المجازي نتيجة جهل أو تأويل؟ و علي هذا فلا يجوز أن نكفر المقلدين بدعوي أنهم اتخذوا علماءهم أربابا من دون الله (كما يفعل ابن‌عبدالوهاب مع مقلدي العلماء المخالفين له) و لو جاز ذلك لجاز لنا أن نكفر من يستنكر علينا هذا البحث لأننا سنتهمه بأنه اتخذ ابن‌عبدالوهاب ربا من دون الله! فالاطلاق العام في بعض النصوص لا يؤخذ حسب ظاهره، و انما يجمع مع النصوص الأخري المحذرة من تكفير المسلم و المراعية لموانع التكفير كالجهل و التأويل و الاكراه و الاضطراب.. و لو جاز لكل من طرح رأيا أن يتهم من لم يتابعه بأنه يعبد علماء آخرين لما بقي مسلم علي وجه الأرض الا اتهمناه بالكفر و عبادة غير الله. الأمر الثاني: أن مخالفي ابن‌عبدالوهاب الذين كتب هذا الكتاب في الاحتجاج عليهم ينازعونه في أن بعض [ صفحه 87] الأمور التي يسميها ايمانا بالطاغوت ليست كذلك، و انما هي بين المباح و المكروه و المحرم و البدعة.. الخ، و ان سلموا له بوجود شي‌ء من الشرك الأصغر (الرياء مثلا) في الأمة، فلا يسلمون له بأن ذلك الشرك عام كما يقو، فهو يزعم أن الشرك الأكبر قد عم البسيطة! وعاد الناس الي عبادة اللات و العزي! و أنه ما من بلدة من بلدان نجد الا و فيها صنم معبود من دون الله! و أن الشرك الأكبر قد أطبق علي جزيرة العرب! و أن أكثر الناس في عهده بنجد و الحجاز علي انكار البعث!... الي غير ذلك من الأمور الكبيرة التي كان يطلقها. فهم ان سلموا بوجود شرك فهم يرونه في أفراد و ليس عاما... مثلما اليوم لا نستبعد وجود شرك في بلاد المسلمين، لكن ان وجد فهو عند أفراد قليلين و ليس عاما، و لا نستطيع متابعة من يقول بأنه الشرك عام في المسلمين. 5- و ذكر من هذه المسائل: (أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة)! [ صفحه 88] نقول: اذا كان ابن‌عبدالوهاب يقصد بالمسألة الحديث نفسه بأن أكثر الصحابة لا يعلمونه، لأن النبي صلي الله عليه و سلم أمر معاذا بكتمه فهذا صحيح، و ان كان يقصد أن المسائل التي تضمنها الحديث لا يعرفها أكثر الصحابة فهذا غير صحيح، بل هذه العلة من علل (متن الحديث) اذ لا يجوز لنبي أن يكتم عن أصحابه مسألة من أهل المسائل! ثم اذا كان أكثر الصحابة لا يعلمون هذه المسألة فكيف يريد ابن‌عبدالوهاب أن يعلمها كل المسلمين في عهده؟! و من لا يعلمها فقد يكون تحت مطرقة التكفير.. ثم كيف نردد بأن الصحابة أعلم منا، و نحن نزعم أن أكثرهم لا يعلمون مسألة مهمة علمها أهل الدرعية؟!

تناقضات لا تنتهي

1- و ذكر منها ابن‌عبدالوهاب من تلك المسائل (جواز كتمان العلم للمصلحة). و يقصد أمر النبي معاذا بكتم هذا الحديث، ولكن كيف جعله ابن‌عبدالوهاب أول دعوته؟ ثم هل كان ابن عبد [ صفحه 89] الوهاب يري أن مخالفيه مسلمون ولكنه يكتم هذا للمصلحة؟ و لأن الناس لن يتحمسوا لقتالهم اذا حكموا لهم بالاسلام؟ ثم اذا كان النبي صلي الله عليه و سلم قد خشي علي الصحابة أن يتكلموا فكتمه، فابن‌عبدالوهاب جعل من الحديث أن أكثر الناس يحبط و لا يتكل! و لو كان يريد النبي صلي الله عليه و سلم من معني الحديث ما فهمه ابن‌عبدالوهاب لأمر بكتمه حتي لا يحبط الناس و ليس حتي لا يتكلوا!! فهذا يبين لنا مدي انحراف فهم ابن‌عبدالوهاب للحديث لأنه قصر العبادة المذكورة في الحديث علي التوحيد، ثم وضع للتوحيد شروطا و نواقض كثيرة، بحيث تحول الحديث من داع الي التواكل الي داع الي الاحباط. ثم الحديث كما قلنا اما أنه يخالف القرآن.. و اما أنه يتفق مع القرآن. فان كان يتفق مع القرآن فيجب أن نفسره تفسيرا لا يخالف ما في القرآن، فلا نحصر الرسالة في التوحيد، و لا نجعل للتوحيد شروطا بحيث لا يدخل فيه الا رأي تكفير المسلمين. [ صفحه 90] و ان كان يخالف القرآن الكريم فيجب تنزيه النبي أن يكون قاله، و أن نحمله أوهام الناس و نقولاتهم الشفوية عن بعضهم قبل التدوين، و ما يمكن - عقلا و عرفا و واقعا - أن يصاحب هذا النقل الشفوي من نقص لسبب واحد فقط و هو أن الرواة غير معصومين من الوهم و الخطأ و النسيان. فقد ينسي أحدهم لفظة واحدة تغير معني الحديث، أو تؤثر في معناه بحيث يعود للاتفاق مع نصوص القرآن الكريم. فبين معاذ بن جبل الراوي المباشر له و بين كل من البخاري و مسلم قرنان و الزمان، لا نأمن ألا يحدث أثناء تناقل الحديث و هم و لا خطأ و لا نسيان من أحد الرواة رغم توثيقهم في الجملة. و كم رأينا في زمننا هذا من أناس لا نشك في ثقتهم و صلاحهم و قد يهمون في النقل عن شخص، فكيف بالنقل عن شخص آخر عن ثالث عن رابع...؟ نحن هنا لا نقول برد الحديث الا اذا تبين مخالفته [ صفحه 91] للقرآن الكريم، و أهل الحديث من حيث النظرية يعترفون في كل كتب المصطلح بأن الحديث قد يكون صحيح الاسناد باطل المتن اذا خالف القرآن الكريم و لم يمكن الجمع. أما المعتزلة فيقولون: اذا خالف الحديث القرآن فلا نحتاج لتكلف الجمع، و انما يتم رده و تقديم القرآن و الجزم بأن الرواة قد أخطؤوا في النقل، و أن هذا ليس من كلام النبي صلي الله عليه و سلم، لأن النبي لا يخالف القرآن الكريم. اذن فسواء صححنا اسناد الحديث مع متنه، أو رددناهما لا يجوز أن نفهمه منفردا مع اهمال النصوص الأقوي و لا سيما القرآنية. و العقلية النقلية الحديثة للأسف لم تتعرض لنقد داخلي ذاتي من أهل الحديث أنفسهم. 2- و ذكر ابن‌عبدالوهاب من تلك الفوائد (جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض). نقول: و هذه عند أهل الحديث محل نظر، لأنه لا يجوز كتم الأمة علما تحتاج اليه، انما يجوز كتمها علما لا [ صفحه 92] تحتاج اليه، و هذه من الأشياء التي أخذها (منتقدو أهل الحديث) عليهم، و تحتاج لبحث. 3- و ذكر ابن‌عبدالوهاب في آخر هذه الفوائد المستنبطة من حديث معاذ (عظم شأن هذه المسألة). نقول: و هذه من علل متن الحديث، فالنبي صلي الله عليه و سلم لن يكتم الأمة شيئا عظيما ثم يأمر بكتمه... النبي صلي الله عليه و سلم مبلغ للناس عامة، و الاسلام ليس فيه سرية بل هو دين علني، و من هذا الباب دخلت الباطنية و زعمت ما زعمت. و بعض السلفية يخالفون هذا و يزعمون (كفر من زعم أن النبي صلي الله عليه و سلم كتم أمرا عن الأمة)، فهل نصدقهم أم نصدق شيخهم ابن‌عبدالوهاب؟!!. الملحوظة الخامسة عقد ابن‌عبدالوهاب الباب الأول ص (9) (باب فضل التوحيد و ما يكفر من الذنوب) و أورد عدة أحاديث، و منها حديث عبادة بن الصامت: (من شهد أن لا اله الا الله و أن محمدا عبده و رسوله، و أن عيسي عبدالله و رسوله و كلمته [ صفحه 93] ألقاها الي مريم و روح منه، و الجنة حق، و النار حق، أدخله الله الجنة علي ما كان من عمل)!! قلنا: سنذكر هنا نموذجا متقدما في نقد الأحاديث، و ليس عليه أكثر أهل الحديث من الناحية التطبيقية و ان كانوا عليه من الناحية النظرية، و هذا التباين بين نظرية أهل الحديث و تطبيقهم أمر ملحوظ و سهل لمن امتلك ثلاثة أمور: الأول: معرفة نظرية أهل الحديث (المصطلح مع علم العلل)، و العلم بهذه المسألة كثير بين طلبة علم الحديث خاصة. الثاني: محاكمة انتاج أهل الحديث (كتب الحديث) الي النظرية التي وضعوها هم أنفسهم، و هذه نادرة الوجود الا في أحاديث مشهورة الضعف، أو تشهد لآراء خصوم أهل الحديث، و شذ من هذا الضعف التطبيقي للنظرية بعض الأفراد كالدار قطني و الألباني [10] و أحمد الغماري، [ صفحه 94] فضعفوا أحاديث في الصحيحين أو أحدهما، مع استحياء و تردد. الثالث: الشجاعة العلمية بحيث لا يخشي طالب العلم في العلم لومة لائم، و لا حكم أحد من الناس عليه ببدعة أو ضلالة أو كفر، انما عليه أن يخلص نيته لله ثم للحقيقة، ثم ليصدع بالحق الذي يراه، فالعلم قسمان، قسم معلومة، و قسم شجاعة في طرح المعلومة. ثم نقول: الحديث السابق الذي أورده ابن‌عبدالوهاب في صحيح البخاري ولكن لا يصح نسبته الي النبي صلي الله عليه و سلم [11] ، للأسباب التي سنوردها هنا. [ صفحه 95] فظاهر الحديث أولا مخالف القرآن الكريم مخالفة صريحة... فلو أن مسلما شهد بهذه الأمور ثم أساء السيرة و ظلم الناس و سرق وزنا و أكل مال اليتيم و ترك الصلاة و الزكاة، و الحج و الصوم، و أتي محارمه و فعل الكبائر فمثل هذا نص القرآن الكريم علي أنه يدخل النار لا الجنة. و لذلك سبق أن كررنا: اننا اتخذنا القرآن مهجورا... أصبح القرآن آخر ما نستدل به، ونثق بروايات منسوبة الي النبي صلي الله عليه و سلم، و لعل في رواتها الواهم و الناسي و كثير الخطأ، هذا ان سلمت من تعمد كذب لمصلحة أو سياسة أو مذهب أو رأي،... و لا نحتاج في مثل هذا الحديث أن ننظر في الاسناد، و انما يتم تذكر الآيات الكريمة التي تتوعد من يرتكب الكبائر، بالنار، ثم ننظر للحديث فاذا هو لا يلزم منه [ صفحه 96] اجتناب تلك الكبائر، اذن فنسبته بهذا الفظ الي النبي صلي الله عليه و سلم نسبة باطلة و ان كان في الصحيح.

نقد سند الحديث

علة الحديث الرئيسة هو الوليد بن مسلم، فهو شامي دمشقي من موالي بني‌أمية، و لم يكن أهل الشام أصحاب حديث و لا يهتمون به، ثم كونه مولي لبني‌أمية هو مظنة الارجاء، فقد عمل بنوأمية علي نشر الجبر و الارجاء بالشام، و الأهم من هذا كله و مما يدل علي أنه علة هذا الحديث هو أنه متهم بالكذب في الأسانيد، فهو يروي عن كذابين و ضعفاء بينه و بين الأوزاعي، ثم عند روايته للحديث يحذف أسماءهم و قد يحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء و يجعل مكانهم ثقات لأنه بزعمه (ينزه الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء الضعفاء و الكذابين)! و قد اتهم بأنه أفسد حديث الأوزاعي. و لندع ما ذكروا فيه من توثيق عام، و نذكر ما ذكروا فيه من جرح خاص. فقد قال فيه الامام أحمد: (هو كثير [ صفحه 97] الخطأ). و (كان رفاعا)! و قال عنه مواطنه و معاصره أبومسهر الدمشقي الشامي (كان الوليد يأخذ من ابن أبي‌السفر حديث الأوزاعي، و كان ابن أبي‌السفر كذابا و هو يقول فيها: قال الأوزاعي)! و قال أبومسهر أيضا: (كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي يأخذها عن الكذابين ثم يدلسها عنهم - أي يسقط أسماءهم -). و قال الهيثم بن خارجة للوليد بن مسلم: (قد أفسدت حديث الأوزاعي...) ثم ذكر له كيف حدث ذلك بأن الأوزاعي يروي عن ضعفاء عن مثل الزهري، و نافع فيأتي الوليد و يحذف هؤلاء الضعفاء من الاسناد، فقال الوليد - ببرود - جوابا علي هذه التهمة الخطيرة: (أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء)! ثم ذكر الهيثم أن الوليد لم يلتفت الي نصيحته! و قال الدار قطني: (الوليد بن مسلم يرسل و يروي عن الأوزاعي أحاديث، هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء [ صفحه 98] عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع و عطاء و الزهري فيسقط أسماء الضعفاء و يجعلها عن الأوزاعي عن نافع، و عن الأوزاعي عن عطاء و الزهري...)!! و قال أبوداود: (روي الوليد بن مسلم عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل)!. و قال الحافظ ابن حجر: (ثقة لكنه كثير التدليس و التسوية) و أورده في كتاب المدلسين [12] في الطبقة الرابعة منهم و هي (التي اتفق علي أنه لا يحتج بشي‌ء من حديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم عن الضعفاء و المجهولين)!. قلنا: هذا الحديث عنعن فيه الوليد فهو مظنة التدليس و التسوية، و لا يؤخذ عن الوليد الا ما صرح فيه بالتحديث. [ صفحه 99] و قد حاول الذهبي الدفاع عن الوليد و تدليسه (رغم اعترافه بأنه ردي‌ء التدليس!) بدعوي منتشرة عند المتأخرين من أهل الحديث في كل ضعيف روي عنه البخاري أو مسلم فقال: (البخاري و مسلم قد احتجا به لكنهما ينتقيان حديثه و يتجنبان ما ينكر له) [13] . قلنا: أما كون البخاري و مسلم قد احتجا به رغم هذه الطوام، فهو دليل لنا بأن نقد المنظومة الحديثية له مبرراته حماية لجانب النبي صلي الله عليه و سلم أن ينسب له ما لم يقل. و أما زعم الذهبي أن البخاري و مسلم ينتقيان من أحاديثه و يتركان المنكر منها فهذه دعوي يدحضها وجود هذا الحديث نفسه المخالف للقرآن الكريم. صحيح أن البخاري و مسلم من أفضل من ألف في الأحاديث الصحيحة لكن العقلية القرآنية - ان صح [ صفحه 100] التعبير - غائبة غيابا شبه كلي عن أهل الحديث، و لذلك يروون مثل هذا الحديث... الذي لا يقول بمضمونه مسلم لا محدث و لا معتزلي، لا الوهابية و لا مخالفوهم. ثم كيف نجزم أن البخاري و مسلم ينتقيان مطلقا و ننسي أنهما قد يهمان و يظنان في حديث ما أنه من صحيح حديث فلان ثم لا يكون؟.. لابد من برهان.

والخلاصة

أن هذا الحديث الذي رواه البخاري - و تجنبه مسلم - حديث باطل لا يصح نسبته الي النبي صلي الله عليه و سلم لمخالفته القرآن الكريم متنا و لضعفه اسنادا. ثم كل الذين يكفرهم ابن‌عبدالوهاب يشهدون الشهادتين و يؤمنون بالخصال الموجودة في هذا الحديث. ثم لو كان الشخص ملتزما بشروطهم في تحقيق التوحيد لكنه يري تأويل الصفات، أو يري التبرك و التوسل بالصالحين، أو بفضل عليا علي أبي‌بكر أو نحو هذا لبدعوه و اتهموه بالجهمية أو الشرك أو الرفض، فالخصال اذن المذكورة في هذا الحديث لا يلتزمون بها، [ صفحه 101] و قصر الدين عليها خطأ، لأنها تتعلق بالايمان اللساني و القلبي دون العمل، و هذا ارجاء يذمه هؤلاء ذما شديدا، بل اعتذر بعض السلفية المعاصرين عن تكفير الحنابلة لأبي‌حنيفة بزعمهم أن فيه نوعا من الارجاء (ارجاء أهل السنة العراقي كان يعني التورع في التكفير في الجملة... ليس كالارجاء الشامي التابع للسلطة و المسوغ لها)، و أرجاء الكوفيين الذين منهم أبوحنيفة أخف بكثير من أرجاء الشاميين (المرجئة الأصليين) فارجاؤهم قبيح جدا [14] . [ صفحه 102]

و أخيرا

هذا نموذج من نقد كتاب التوحيد لمحمد بن عبدالوهاب أعطيناك أمثلة منه، و قس علي ذلك باقي الكتاب الذي يظن غلاة الوهابية أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه [15] ، و أثرنا أن نجمع أمر توحيدهم في عدة ركائز في الفصل القادم. [ صفحه 103]

ركائز التوحيد في مدرسة محمد بن عبدالوهاب

الركيزة 01

ادعاء عودة الأمة الي الشرك

خمس رسائل لعبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (الرسالة الرابعة).. دارالأصفهاني بجدة سنة 1393 ه -. أن الأمة في عصر محمد بن عبدالوهاب قد ارتدت الي الشرك، و أصبحت تحتاج الي من يعيدها الي التوحيد.. فمصر أصبحت بلادا مشركة، حيث يوجد بها السيد البدوي و الدسوقي و الامام الحسين و غيرهم، و أصبح المسلمون في مصر عباد القبور، و كذلك سوريا و الجزائر و باكستان و غيرها. كيف تثبت مدرسة محمد بن عبدالوهاب ذلك؟ [ صفحه 104] يقولون: [16] . ان التوحيد الذي جاءت به الرسل انما هو اثبات الالهية لله وحده، و الاله هو المألوه المعبود، و ليس هو الاله بمعني القادر علي الاختراع كما يقوله المنسوبون الي أبي‌الحسن الأشعري، و هم بذلك لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله صلي الله عليه و سلم، لأن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شي‌ء، و كانوا مع هذا مشركين، لأنهم لم يوحدوا الله في العبادة، أي: أنهم وحدوا الله توحيد ربوبية و لم يوحدوا توحيد ألوهية، لذلك هم مشركون.. و يستدلون بآيات أربعة، هي: قوله تعالي: (و ما يؤمن أكثرهم بالله الا و هم مشركون) (يوسف: 106)، (قل لمن الأرض و من فيها ان كنتم تعلمون - سيقولون لله قل أفلا تذكرون) (المؤمنون: 85 - 84)، (قل من رب [ صفحه 105] السموات السبع و رب العرش العظيم - سيقولون لله) (المؤمنون: 87 - 86)، (قل من بيده ملكوت كل شي‌ء و هو يجير و لا يجار عليه ان كنتم تعلمون - سيقولون لله) (المؤمنون: 88). ثم يربطون بين هذا و بين حال المسلمين من عصر محمد بن عبدالوهاب حتي اليوم، فان المسلمين يوحدون الله توحيد ربوبية كمشركي قريش تماما، ولكنهم لم يوحدوا الله توحيد ألوهية، و هو الذي جاء به النبي صلي الله عليه و سلم. بل ان مشركي مكة أهون شركا من المسلمين اليوم! كيف؟. يقول في شرح قوله تعالي: (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله) [17] (الزمر: 38): اعتقد عباد القبور و المشاهد (يقصد المسلمين اليوم) نقيض ما أخبر به الله تعالي، و اتخذوهم شركاء لله في ربوبيته و الهيته، و هذا فوق شرك كفار العرب القائلين: (ما نعبدهم الا ليقربونا الي الله [ صفحه 106] زلفي) (الزمر: 3)، (هؤلاء شفعاؤنا عندالله) (يونس: 18)، فان أولئك يدعونهم ليشفعوا لهم و يقربوهم الي الله، و كانوا يقولون في تلبيتهم: (لبيك لا شريك لك، الا شريكا لك، تملكه و ما ملك)، و أما هؤلاء المشركون (يقصد المسلمين اليوم) فاعتقدوا في أهل القبور و المشاهد ماهو أعظم من ذلك، فجعلوا لهم نصيبا من التصرف و التدبير، و جعلوهم معاذا لهم و ملاذا في الرغبات و الرهبات (سبحان الله عما يشركون) (الطور: 43)، (الحشر: 23). يقول مفتي الوهابية عبدالعزيز بن باز: [18] ان من تحقق من محبة مشركي زماننا لآلهتهم التي يسمونها ب(الاولياء) يعلم يقينا أنهم يحبونها أكثر محبة من محبتهم لله، و يتصدقون لوجوهها بما لا يقدرون أن يتصدقوا بعشره لوجه الله. و علي هذا.. فهم يصورون أو يتخيلون أن محمد بن [ صفحه 107] عبدالوهاب ولد و الأمة الاسلامية كانت قد عادت الي الشرك، فدعاهم الي التوحيد فحاربوه كما حارب المشركون الأوائل رسول الله صلي الله عليه و سلم، و في النهاية نصره الله بفضل الأمير محمد بن سعود كما نصر نبيه محمدا صلي الله عليه و سلم بأهل يثرب. و اليوم لا يوجد في العالم الاسلامي موحدون توحيدا صحيحا الا محمد بن عبدالوهاب و مدرسته، حيث انه الذي قام برفع راية التوحيد كما قام الرسول صلي الله عليه و سلم بنشر التوحيد بين المشركين.

و حين ننظر و نقارن نجد أنه

1- قبل أن يمر مائة عام علي هجرة الرسول صلي الله عليه و سلم كان الاسلام قد انتشر في أنحاء العالم، و صارت الدولة الاسلامية هي الدولة العظمي في العالم، و صارت الأمم تابعة لها حضاريا و علميا و تكنولوجيا. 2- قامت الدولة الأموية بالاتساع الأفقي للعالم الاسلامي، و أدخلت أرضا شامخة الي رقعة الاسلام. [ صفحه 108] 3- قامت الدولة العباسية برفع راية الحضارة الاسلامية في جميع المجالات، و صارت بفضلها الحضارة الاسلامية هي النموذج الأول في العالم. 4- قامت الدولة السلجوقية و دولة المماليك و دولة الموحدين بتجديد شباب الاسلام حين ساد التمزق أرجاء العالم الاسلامي و بدأ ضعف الأمة، و بدأ الانقضاض عليها من خلال الدولة البيزنطية بالحملات الصليبية و من خلال دولة الأندلس. و هنا قامت دولة السلاجقة في العراق و فارس و آسيا الصغري، و دولة الموحدين في المغرب، و دولة المماليك في مصر و الشام، فتكونت قوة ضخمة جددت شباب الأمة وردت عن الاسلام القوي المعادية الثلاث: الصليبيين في الشام، و الفرنجة في المغرب و الأندلس، و التتار في الشرق.. و قد نجحت هذه الدول في التصدي لأعداء الاسلام و القضاء عليهم تماما. 5- و بعد قرون من قوة و بأس الأمة الاسلامية عادت [ صفحه 109] الي الضعف و الانقسام، ثم تجدد شباب الاسلام مرة أخري في موجة من القوة تمثلت في الدولة العثمانية الشابة التي حملت راية الاسلام من جديد في ظل عصر الوحدة الاسلامية العثمانية، و التي استمرت طيلة أربعة قرون و نصف في قوة حضارية متمكنة، استطاعت خلالها أن تقضي علي الدولة المسيحية الشرقية و تستولي علي القسطنطينية، بل و صار حكام البندقية في ايطاليا يدفعون الجزية الي خليفة المسلمين في العاصمة العثمانية، و أدخلت الاسلام الي قلب أوروبا. ثم ضعفت الدولة العثمانية بعد ذلك حتي مزقها الغزو الاستعماري الغربي عقب الحرب العالمية الأولي. 6- ثم كان أمل الأمة الاسلامية في القيادت الشابة المستقلة في القرن العشرين و خصوصا بعد ظهور البترول الذي وفر لها من الامكانات المادية و السياسية ما يجعلها تنطلق لتصبح المركز الحضاري و الثقافي و العلمي و التكنولوجي للعالم. ولكن.. [ صفحه 110] ما أن مرت السنون - و كما يقولون: العبرة بالنتائج - حتي وجدنا مدرسة ابن‌عبدالوهاب تحصر نفسها في بضع نقاط لا تخرج عنها، و تريد فرضها بكل ما أوتيت من قوة و مال، تلك النقاط التي تنحصر في تلك السطور التي كتبها محمد بن عبدالوهاب و المنشورة باسم كتاب (التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد) و الذي أغرق العالم الاسلامي به علي سبيل الهدايا و التوزيع المجاني، و تركت الدولة البترولية الأولي في العالم أسباب القوة التي أمر الله تعالي بها، و التي جاء بها نبينا سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم، حتي انتهي بها الحال الي الوقوع في مصيدة اليهود و النصاري.. - ان الحكم بأن الشرك انتشر في أمة الاسلام و تصديق ذلك انما هو تكذيب الرسول صلي الله عليه و سلم الذي قال: (ان الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم) [19] ، كما قال صلي الله عليه و سلم: (ألا و اني لست [ صفحه 111] أخشي عليكم أن تشركوا، ولكن أخشي عليكم الدنيا أن تنافسوها) [20] . نسأل الله تعالي أن تزول المحنة، و تمر الأزمة، و تفيق الأمة من غفلتها.

الركيزة 02

أن سيدنا محمدا صلي الله عليه و سلم بشر كلفه الله برسالة فبلغها و أداها بكل أمانة، و بعد اتمام النعمة و كمال‌الدين مات، و بموته أصبح لا يفيد و لا ينفع و لا يضر، و انحصرت أهميته في اتباع ما جاء به من قرآن و سنة.. و ينبني علي ذلك: 1- أنه لا يجوز شد الرحال لزيارته. 2- أنه لا يجوز الاستغاثة به و لا الاستعانة به و لا حتي طلب الشفاعة. 3- أن محبته تنحصر فقط في محبة سنته و اتباعها. [ صفحه 112] 4- و هذا من باب أولي ينطبق علي الأولياء و الصالحين من المسلمين. و هذه بعض النصوص الواردة عنهم: أ- يقول ابن‌عبدالوهاب في كتاب (التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد): [21] . و عن عمر أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: (لا تطروني كما أطرت النصاري ابن‌مريم، انما أنا عبد، فقولوا: عبدالله و رسوله).. و يري أن معناه: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصاري في عيسي فادعوا فيه الالهية، و اما أنا عبدالله و رسوله، فصفوني بذلك كما وصفني ربي، فقولوا: عبدالله و رسوله.. فأبي‌المشركون (يقصد المسلمين اليوم) الا مخالفة أمره و ارتكاب نهيه، و عظموه بما نهاهم عنه و حذرهم منه، و ناقضوه أعظم مناقضة، و ضاهوا النصاري في [ صفحه 113] غلوهم و شركهم، و وقعوا في المحذور، و جري منهم الغلو و الشرك شعرا و نثرا ما يطول عده، و صنفوا فيه مصنفات.. فناقضوا الرسول صلي الله عليه و سلم بارتكاب ما نهي عنه أعظم مناقضة، و شاقوا الله و رسوله أعظم مشاقة، و ذلك أن الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم في قالب محبة النبي صلي الله عليه و سلم و تعظيمه، و أظهر لهم التوحيد و الاخلاص الذي بعثه الله به في قالب تنقيصه.. و هؤلاء المشركون (يقصد المسلمين اليوم) هم المتنقصون الناقصون، أفرطوا في تعظيمه بما نهاهم عنه أشد النهي، و فرطوا في متابعته، فعكس أولئك المشركون (يقصد المسلمين اليوم) ما أراد الله و رسوله علما و عملا، و ارتكبوا ما نهي عنه الله و رسوله، فالله المستعان. ب- يقول ابن‌قيم الجوزية في كلامه علي آيات الشفاعة: و من أنواع الشرك: طلب الحوائح من الموتي و الاستغاثة بهم، و هذا أصل شرك العالم، فان الميت انقطع عمله، و هو لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا، فضلا عمن [ صفحه 114] استغاث به و سأله أن يشفع له الي الله. ج- يقول ابن‌عبدالوهاب في كتابه التوحيد: باب: ما جاء أن سبب كفر بني‌آدم و تركهم دينهم هو الغلو في الصالحين: و قول الله عزوجل: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم و لا تقولوا علي الله الا الحق) (النساء: 171). قال الشارح في «فتح المجيد»: [22] فكل من دعا نبيا أو وليا من دون الله فقد اتخذه الها وضاهأ النصاري في شركهم، وضاهأ اليهود في تفريطهم. و يقول ابن‌باز معلقا: في «قرة العيون»: و قد وقع ذلك الشرك في العبادة في هذه الأمة نظما و نثرا: كا في كلام البوصيري و البرعي و غيرهما، و فيما فعلوه من الغلو و الشرك محادة لله و لكتابه و لرسوله. و يقول ابن‌باز في نفس المصدر السابق: [23] فصارت [ صفحه 115] الأصنام بهذا التصوير علي صور الصالحين سلما الي عبادتها، و كل ما عبد من دون الله من قبر أو مشهد أو صنم، أو طاغوت فالأصل في عبادته الغلو كما لا يخفي علي أهل البصائر: كما جري لأهل مصر و غيرهم، فان أعظم آلهتهم أحمد البدوي، و هو لا يعرف له أصل، و لا فصل، و لا علم، و لا عبادة، و مع هذا صار أعظم آلهتهم، انه لا يعرف الا أنه دخل المسجد يوم الجمعة فبال فيه ثم خرج و لم يصل، فزين لهم الشيطان عبادته، فاعتقدوا أنه يتصرف في الكون و يطفي‌ء الحريق و ينجي الغريق، و صرفوا له الالهية و الربوبية و علم الغيب، و فيهم من يسجد علي عتبة حضرته. و كان أهل العراق و من حولهم - كأهل عمان - يعتقدون في عبدالقادر الجيلاني كما يعتقد أهل مصر في البدوي، و عبدالقادر من متأخري الحنابلة، و غيره ممن قبله و بعده من الحنابلة أفضل منه في العالم و الزهد. و أعظم من هذا عبادة أهل الشام لابن‌عربي، و هو امام أهل الوحدة الذين هم أكفر أهل الأرض، و أكثر من يعتقد [ صفحه 116] فيه هؤلاء لا فضل له و لا دين: كأناس بمصر و غيره. و يقول: فكم من عباد صالحين من الصحابة و أفاضل من العلماء الذين كان لهم قدم صدق في الاسلام مدفونون في مقابر مصر و الشام و غيرها، هم أفاضل آلاف المرات من أمثال البدوي و الدسوقي - بل نعالهم أشرف و أكرم من هذا البدوي و أضرابه - لا يعرفهم أولئك المشركون، فنسألك اللهم أن تعجل بهدم هذه الأوثان و تطهير الأرض منها كلها، تحقيقا لما أمر به نبيك و بعث علي به الي اليمن، صيانة للتوحيد من قذر الشرك الذي أعظم أسبابه هذه القبور. و هم بذلك يصلون الي نتائج: 1- يضخمون بشرية رسول الله صلي الله عليه و سلم و ينتقصون من (يوحي الي) (الكهف: 110)، رغم أن كلمة (يوحي الي) (الكهف: 110) هي التي ميزت رسول الله صلي الله عليه و سلم عن سائر البشر، و سمي بها الي أعلي مقام (دنا فتدلي - فكان قاب قوسين أو أدني - فأوحي الي عبده ما أوحي) (النجم: 10 - 8). [ صفحه 117] 2- يقطعون الصلة القلبية بين الأمة و بين رسول الله صلي الله عليه و سلم فالمحبة ليست هي الاتباع، ولكن الاتباع جزء من آثار المحبة.. فالمحبة تشمل استيلاء المحبوب علي قلب المحب، و هذا حاديث لكثير من الصحابة الذين كانوا يحبون رسول الله صلي الله عليه و سلم مل‌ء قلوبهم، و لم يكونوا يستغنون عن مشاهدته بالليل أو النهار. أما الاتباع فهو أثر من آثار المحبة، فالاتباع دون المحبة القلبية الخالصة يتحول الي قوالب جامدة من الأوامر و النواهي. 3- يسمون النبي صلي الله عليه و سلم بلفظ «محمد» هكذا مجردا، بحجة أنه قال: (.. لا تطروني.. انما أنا عبد، فقولوا: عبدالله و رسوله).. بينما نجدهم يطرون ابن‌تيمية: ففي الفتاوي الكبري (الفتوي رقم 314) ما نصه: و قال الشيخ، الامام، العلامة، القدوة، الفقيه، الحافظ، الزاهد، العابد، السالك، الناسك، مفتي الفرق، ركن الشريعة، عالم العصر، فريد [ صفحه 118] الدهر، ترجمان القرآن، وارث الأنبياء، آخر المجتهدين، تقي الدين أبوالعباس، أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني تغمده الله برحمته: فصل في أقسام القرآن.. الخ.. و هكذا في غالب الفتاوي. و في غالب الأسئلة: سئل شيخ‌الاسلام أبوالعباس تقي‌الدين بن تيمية قدس الله روحه، بل الأعجب في مدحهم لبعض أمرائهم الزناة و لا عبي القمار و شاربي الخمر!!. 4- اذا كانت هذه نظرتهم للحبيب المصطفي صلي الله عليه و سلم فان ما نراهم يفعلونه مع العلماء و الأولياء من سب و شتم و انتقاص يعد أمرا طبيعيا، فهم ينظرون الي الكل علي أنهم بشر يموتون، و اذا ماتوا فلا فائدة و لا حس و لا خبر.

الركيزة 03

(الشفاعة) يقولون: الشفاعة ملك لله تعالي، لا تطلب الا منه دون سواه، لأن ذلك عبادة و تأليه لا يصلح الا لله، لقوله تعالي: [ صفحه 119] (قل لله الشفاعة جميعا) [24] [25] . و لأن الله تعالي مالك الملك، فاندرج في ذلك ملك الشفاعة، فاذا كان هو مالكها بطل أن تطلب ممن لا يملكها.. و لذلك لا تطلب الشفاعة من أحد، و لا من سيدنا و مولانا محمد صلي الله عليه و سلم، و انما تطلب من الله. و الأسباب التي تنال بها الشفاعة هي تجريد التوحيد، لقول النبي صلي الله عليه و سلم حين سأل أبوهريرة: (من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (من قال: «لا اله الا الله» خالصا من قلبه) [26] ، و الله لا يأذن في الشفاعة الا لمن ارتضي، و هو لا يرضي من القول و العمل الا توحيده و أتباع رسوله.. يقول ابن‌القيم: 1- أعظم الأسباب التي تنال بها الشفاعة تجريد [ صفحه 120] التوحيد. 2- و لا شفاعة الا باذن الله، و هو لا يأذن في الشفاعة الا لمن رضي قوله و عمله. 3- و لا يشفعون الا لمن ارتضي، و هو لا يرضي من القول و العمل الا توحيده و اتباع رسوله.. و هذه الثلاثة تقطع شجرة الشرك من قلب من علقها و وعاها [27] . و نتيجة ذلك: أنه لا تنفع الشفاعة الا لمحمد بن عبدالوهاب و من سار علي نهجه!. فرع من ذلك: و يتفرع من ذلك: أن الاستعاذة بغيرالله أو الاستغاثة بغيرالله أو طلب المدد أو الدعاء، كل هذا شرك أكبر.. يقول ابن‌عبدالوهاب في كتاب (التوحيد): - باب: من الشرك الاستعاذة بغيرالله: و يستدل بقوله تعالي: (و أنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من [ صفحه 121] الجن فزادوهم رهقا) (الجن: 6). - باب: من الشرك أن يستغيث بغيرالله أو يدعو غيره و يستدل بقول الله تعالي: (و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك فان فعلت فانك اذا من الظالمين - و ان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو) (يونس: 107 - 106). و قوله تعالي: (فابتغوا عندالله الرزق و اعبدوه) (العنكوبت: 17). و يستنتج محمد بن عبدالوهاب من ذلك أن الاستغاثة أو الدعاء أو الاستعانة بغيرالله من الشرك، و أن طلب الرزق لا ينبغي الا من الله، كما أن الجنة لا تطلب الا منه، و أنه لا أضل ممن دعا غير الله. و يستدل في ذلك بقوله تعالي: (و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك) [28] ، و قوله (أمن يجيب [ صفحه 122] المضطر اذا دعاه و يكشف السوء) [29] . يقول شارح الآيات: [30] و الاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية [31] من الأمور الحسية في قتال أو ادراك عدو أو سبع أو نحوه، و أما الاستغاثة بالقوة أو التأثير أو في الأمور المعنوية [32] من الشدائد - كالمرض وخوف الغرق و الضيق و الفقر و طلب الرزق و نحوه - فمن خصائص الله؛ لا يطلب فيها غيره. و من اعتقد أن لغيرالله من نبي أو ولي أو روح أو غير ذلك في كشف كربة و غيره علي وجه الامداد منه أشرك مع الله؛ اذ لا قادر علي الدفع غيره، و لا خير الا خيره. و في هذا الباب وقع فكر ابن‌عبدالوهاب في الكثر من التخبط و التعارض و التناقض، و العجب كل العجب من [ صفحه 123] ذلك!! اذا كان الله هو الشافي و هو المغيث و هو المستعان و هو المدعو فكيف للعبد أن يطلب الغوث من غيره؟! و يستعين بغيره؟! و يدعو غيره؟! و ما الفرق بين الاستشفاء بالدواء و الاستشفاء ببركة رقيا أحد المسلمين؟! و ما الفرق بين طلب الغوث من الفقر بأحد الأغنياء و طلبه من التجارة؟! و ما الفرق بين الاستعانة بالبشر و الاستعانة بالمخترعات (كالبوصلة)؟! و ما الفرق بين الاستعانة بالنبي صلي الله عليه و سلم و هو حي و النبي صلي الله عليه و سلم و هو في الرفيق الأعلي مع ايماننا بحياته البرزخية؟! سيجيبك فكر ابن‌عبدالوهاب باجابات مختلفة و قد تكون مقنعة، ولكننا في كل الحالات نستعين و نستغيث و نستشفي و ندعو غير الله.. اذن.. لو كانت الدعوي صحيحة شرعا لبطل الاستشفاء بالدواء، و الاستعانة بأي مخلوق في أي مجال؛ [ صفحه 124] فأمر الرسول صلي الله عليه و سلم يقول: (اذا سألت فاسأل الله، و اذا استعنت فاستعن بالله..) (أخرجه الترمذي)؛ فالمفهوم الحرفي لهذا ألا يسأل المسلم أي مخلوق مطلقا غير الله تعالي، و ألا يستعين بأي مخلوق مطلقا غير الله تعالي.. و هذا غير مراد الشارع؛ فكل هذه الأسباب، و هي مخلوقة لله تعالي، و ليس لها تأثير ذاتي، انما السبب الأول و المؤثر هو الله تبارك و تعالي.. بل انه في الأمور التي يجيز فيها فكر ابن‌عبدالوهاب الاستعانة بالغير - مثل الاستعانة بالغير في سبيل الضحك، و الاستعانة بالطعام لرد الجوع، و الاستعانة بالمواد الكيماوية لاصلاح تلف الأعضاء الجسمية - في كل هذه الأمور يجب أن تكون عقيدة المؤمن أن الله تعالي هو الذي أضحك و هو الذي أبكي، و هو الذي أشبع و هو الذي يشفي، فهو في الحقيقة المؤثر بذاته، أما باقي المخلوقات و الجمادات و النباتات فهي مؤثرة بما فيها من خواص أودعها الله فيها.. فالله تبارك و تعالي أراد أن تجري الأمور بالأسباب، و الأسباب لها تأثير و تأثر علي مستوي الحوادث [ صفحه 125] الطبيعية.. فحين يعتقد المؤمن بمثل هذه التأثيرات للأشياء بجعل الله تعالي ذلك فيها، فهذا ليس من الشرك في شي‌ء بل هذا يتفق مع روح التوحيد. و حين يعتقد المؤمن بقدرة ما فوق القوانين العادية الطبيعية - سواء كانت لملائكة أو لنبي أو ولي - هل هذا من الشرك؟! و عجبا لمدرسة ابن‌عبدالوهاب في أمرين: أولا: أنها تفرق بين الأشياء الطبيعية و بين ما فوق الطبيعة، فتعتقد أن الأشياء الطبيعية لها تأثيرها الفعال و لها استقلال ذاتي، أما الأشياء فوق الطبيعية فلا تأثير لها! و هم قد قسموا الأعمال و تأثيرها نصفين: فالأمور التي ماوراء الطبيعة لله تعالي، و الأمور الطبيعية جعلوا تأثيرها للمخلوقات! أليس هذا شركا؟! ثانيا: أنها تنظر الي الانسان نظرة مادية بحتة، فتري أن الانسان كأنه جسد فقط؛ يموت فينقلب الي جماد لا [ صفحه 126] حراك له و لا أثر.. و هذه فكرة مادية بحتة تتعارض مع عقيدتنا الالهية. أما نحن.. ففي هذين الأمرين نؤمن ب: أولا: أن جميع الموجودات الطبيعية أو ما فوق الطبيعة ليس لها استقلال ذاتي، و لا تستند في تأثيرها الي نفسها بل كل ما يصدر لها من تأثير فهو مستند الي الله تعالي، و الله تعالي يجري فيوضاته عن طريق الأشياء كما يجري فيوضات الوحي و العلم بواسطة جبريل و فيوضات الرزق بواسطة ميكائيل.. فهل هذا الاعتقاد شرك بالله تعالي؟! فمن يساعدني في رزقي ليس هو الرزاق، و من أستعين به في حول أو قوة ليس هو صاحب الحول و القوة، و مثل ذلك من ألتمس منه يدعو لي الله لصدقه و قوة يقينه و من أستشفع به.. ففي كل هذا: الرزاق الحقيقي هو الله تعالي، و صاحب الحول و القوة هو الله تعالي، و المدعو المستعان به هو الله تعالي. [ صفحه 127] ثانيا: أننا نؤمن أن الانسان جسد و له روح هي حقيقة نورانية سرت في الجسد حين كان عمره مائة و عشرين يوما في بطن أمه، نفخها الله بنفسه أو بواسطة ملك كما قال القرآن [33] . و كما وردت بذلك الأحاديث الصحاح [34] فاذا مات الجسد صار ترابا [35] لا حراك فيه و لا حياة. ولكن هذه الجوهرة الربانية المسماة ب(الروح) لاتموت و تظل حية حياة برزخية الي أن تقوم الساعة.. أحين يخاطب المؤمن روح نبيه سيدنا و مولانا محمد صلي الله عليه و سلم يصير مشركا؟!!! [ صفحه 128]

الركيزة 04

اشاره

عدم التهاون مع المخالفين في الرأي فلا يجوز لمدرسة محمد بن عبدالوهاب أن تتعايش مع الغير؛ فالمخالفون لهم مشركون و كفار و ضالون و مضلون.. و هذا من عجائب أفكارهم و مخالفتهم لسلف أمة الاسلام، بل و مخالفتهم للنبي صلي الله عليه و سلم: فالرسول كان يقر المسلمين فيما اختلفوا فيه من آراء فقهية [36] . و حين تفرق الصحابة رضي الله عنهم في البلاد الاسلامية كان كل منهم أستاذا في بلد من البلاد، و له مدرسته الخاصة به: فابن‌مسعود رضي الله عنه نواة مدرسة الرأي التي أنجبت أباحنيفة. و ابن‌عمر - رضي الله عنهما - نواة مدرسة الحديث التي أنجبت مالك و ابن‌حنبل. و نجد آراء الصحابة المختلفة و آراء التابعين المختلفة في كثير من الأمور الدينية بل و العقيدة. بينما نري مدرسة محمد بن عبدالوهاب تري خلاف هذا.. [ صفحه 129]

و لنضرب لذلك بعض الأمثلة

(1) يقول الأستاذ المحدث الشهير [37] محمد بن اسماعيل الأمير الصنعاني في كتابه (تطهير الاعتقاد عن أدران الالحاد): ان من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو جني أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر، أو أنه يقرب الي الله، أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به و التوسل الي الرب تعالي فانه قد أشرك مع الله غيره، و اعتقد ما لا يحل اعتقاده كما أعتقد المشركون في الأوثان، فضلا عمن يطلب مالا يطلب الا من الله تعالي من الحاجات من عافية مريض أو قدوم غائب أو نيل مطلب من المطالب؛ فان هذا هو الشرك بعينه الذي كان عليه عباد الأصنام. هكذا أطلق الأستاذ الشهير العنان لأي واحد أن يتهم كل المسلمين بالشرك و الكفر! [ صفحه 130] و يقول: و كذلك تسمية القبر (مشهدا) و من يعتقدون فيه وليا لا يخرجه عن اسم الصنم أو الوثن؛ اذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأصنام.. فأهل العراق و الهند يدعون عبدالقادر الجيلاني، و أهل مصر يقولون: يا رفاعي.. يا بدوي.. و هو بعينه فعل المشركين في الأصنام. ثم يقول: و هؤلاء المشركون يجب دعاؤهم الي التوحيد و الأبانة أنهم مشركون، فمن رجع و أقر حقن عليه دمه و ماله و ذريته، و من أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله من المشركين. هكذا نري كيف يرون مخالفيهم! (2) و يقول عبدالعزيز بن باز: [38] اقرأ كتب الشعراني و (الابريز) للدباغ، و كتب التيجانية و غيرها، من كتب أولئك الضالين المضلين تجد الشرك الذي ما كان [ صفحه 131] يخطر علي بال أبي‌جهل و اخوانه، لأنهم لم يكونوا بوقاحة هؤلاء و فجورهم. و لا نجد تعليقا علي هذا المستوي المتدني من الأخلاق. و يقول ابن‌باز أيضا: [39] و هي التي يسميها الناس اليوم (الموالد و الذكريات التي ملأت البلاد باسم الأولياء، و هي نوع من العبادة لهم و تعظيمهم، و لذلك لا يذكر الناس و يعرفون الا من أقيمت له هذه الذكريات و لو كان أجهل خلق الله و أفسقهم، و قد امتلأت البلاد الاسلامية بهذه الذكريات و عمت بها المصيبة، و عادت بها الجاهلية الي بلاد الاسلام، و لم ينجح منها الا نجد و الحجاز - فيما نعلم - بفضل الله ثم بفضل آل سعود الذين قاموا بحماية دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. ثم يقول: و قد أحدث هؤلاء المشركون أعيادا عند القبور التي تعبد من دون الله و يسمونها (عيدا): كمولد البدوي بمصر و غيره، بل هم أعظم؛ لما يوجد فيها من [ صفحه 132] الشرك و المعاصي العظيمة. و يقول عبدالعزيز بن باز في تعريف السيد البدوي: [40] . أحمد البدوي بطنطا، لا يعرف له تاريخ صحيح، و اضطربت الأقوال فيه، و المشهور أنه كان جاسوسا لدولة الملثمين، و كان داهية في المكر و الخديعة، و قبره أكبر الأصنام في الديار المصرية. مثل هبل الأكبر أو اللات في الجاهلية، يؤتي عنده من أنواع الشرك الأكبر... و يقام له كل عام ثلاثة موالد، يشد الرحال اليها الناس من أقصي القطر المصري، و يجتمع في المولد أكثر من ثلاثمائة ألف حاج الي هذا الصنم الأكبر، عجل الله بهدمه و حرقه هو و غيره من كل صنم في مصر و غيرها. (3) و يقول ابن‌القيم: [41] . لا يجوز ابقاء مواضع الشرك و الطواغيت بعد القدرة [ صفحه 133] علي هدمها و ابطالها يوما واحدا، و كذا حكم المشاهد التي بنيت علي القبور و التي اتخذت أوثانا تعبد من دون الله، و الأحجار التي تقصد للتبرك و النذر؛ لا يجوز ابقاء شي‌ء منها علي وجه الأرض مع القدرة علي ازالتها، و كثير منها بمنزلة اللات و العزي و مناة أو أعظم شركا. و مثل هذه النصوص كثيرة، نحيل القاري‌ء اليها، و هي تبين حال مدرسة ابن‌عبدالوهاب مع مخالفيهم!!

الركيزة 05

أسلوبهم في فهم النصوص و تمتاز مدرسة محمد بن عبدالوهاب بالنسبة للنصوص بميزات، أهمها ما يلي: الأولي: تطبيق الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية التي نزلت في المشركين علي المسلمين اليوم، و هي خاصية تميزت بها الفرق الضالة [42] . [ صفحه 134] و نري ذلك في النصوص الأساسية التي ذكرها كتاب (التوحيد) [43] و غيرها من النصوص التي وردت في فكرهم: 1- قول الله تعالي: (و ما يؤمن أكثرهم بالله الا و هم مشركون) [44] . يطبقونها علي المسلمين، و يستندون اليها في أنها نزلت في الأمة الاسلامية عامة.. بينما حين تقرأ الآيات كاملة تجدها نزلت في مشركي مكة! 2- و قوله تعالي: (و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عندالله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات و لا في الأرض سبحانه و تعالي عما يشركون) [45] . [ صفحه 135] و قوله تعالي: (و الذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الي الله زلفي) [46] . فيطبقون هذه الآيات علي أمة الاسلام ليخرجوهم الي حظيرة الشرك و الكفر. 3- قول النبي صلي الله عليه و سلم: (لا يذهب الليل و النهار حتي تعبد اللات و العزي) [47] . و حين نقرأ الحديث حتي آخره نجده يذكر حال الخلق حين تقوم القيامة، ولكنهم يستندون الي الحديث في اثبات أن أمة الاسلام عادت الي الشرك و الكفر! 4- و قوله تعالي: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) [48] و قوله تعالي: (و ما لهم في الأرض من ولي و لا نصير) [49] و قوله تعالي (قل لله الشفاعة جميعا) [50] . [ صفحه 136] و التي نزلت في المشركين.. يستندون الي هذه الآيات و أمثالها لنفي طلب الشفاعة من المخلوقين و لو كان النبي محمد صلي الله عليه و سلم! 5- و قوله تبارك و تعالي: (قل اني لا أملك لكم ضرا و لا رشدا) [51] . يستندون الي الآية في اثبات أن النبي صلي الله عليه و سلم لا يملك لأمته ضرا و لا رشدا، فمن قال: (يا محمد) فقد خالف الله و رسوله و كفر، لأنه جعل النبي يملك له ضرا و رشدا. 6- قوله تعالي: (فلا تدعوا مع الله أحدا - و أنه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا - قل انما أدعو ربي و لا أشرك به أحدا) [52] ، و حديث (من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده في النار) [53] . فيثبتون بذلك أن القيام أدبا لأي مخلوق يعد شركا، [ صفحه 137] و أن نداء أحد من المخلوقين شرك؛ لأن هذا من تعظيم الله تعالي. 7- قوله تعالي: (و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و علي كل ضامر) [54] . فيثبتون بالآية أن السفر الي روضة النبي صلي الله عليه و سلم و مشاهد و آثاره، و كذا روضة أي نبي أو ولي انما هو شرك أكبر؛ لأن الله خصص تلك الأمور لذاته. 8- الآيات التي نزلت في علم الغيب: (و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو) [55] (قل لا يعلم من في السموات و الأرض الغيب الا الله) [56] (ان الله عنده علم الساعة) [57] (و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسني السوء) [58] . [ صفحه 138] يقولون: ان علم الغيب من اختصاص الله، و ينفي عن غيره، و أن من أثبته لغير الله - كنبي أو ولي أو ملك أو جني - فقد أشرك بالله شركا أكبر. في حين أن الآيات تدل علي الآتي: أ- أن علم الغيب مختص بالله تعالي و منفي عن غيره، و لا علاقة لها بالشرك! ب- أن هناك الغيب المطلق (غيب الذات) و هو الخاص بالله تعالي لا يعلمه الا هو، و هناك الغيب الاضافي (غيب الشئون)، و هو ما يثبت في اللوح المحفوظ ثم يتنزل الي السماء الدنيا أو الي عالم الواقع، فيعلمه من يرتضيه الله تعالي؛ مصداقا لقومه تبارك تعالي: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا - الا من ارتضي من رسول) [59] و قوله (و ما كان الله ليطلعكم علي الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء) [60] . [ صفحه 139] 9- قول النبي صلي الله عليه و سلم لابن‌عباس رضي الله عنهما: (اذا سألت فاسأل الله، و اذا استعنت فاستعن بالله) [61] و قوله صلي الله عليه و سلم: (انه لا يستغاث بي) [62] . يستندون الي ذلك في اثبات أن من سأل غير الله تعالي أو استعان به أو استغاث به ولو كان نبيا فقد أشرك شركا أكبر. ولكنا نجد هناك عشرات الأحاديث التي تخالف هذا، مثل: حديث صلاة الحاجة للصحابي الضرير عثمان بن حنيف رضي الله عنه [63] ، و حديث (يا عبادالله.. أعينوني) [64] ، و الأحاديث التي وردت في اعانة الملهوف و ابتغاء الرزق عند غير الله تعالي علي وجه المواساة.. الخ. [ صفحه 140] أما قوله صلي الله عليه و سلم: (اذا سألت فاسأل الله) فهو اما حديث للخاصة، أو به محذوف، و أصله (اذا سألت فلانا سؤالا فاسأل الله أن يوفقه للاجابة) كقوله تعالي: (و اسأل القرية) أي: أسأل أهل القرية. 10- قوله تعالي (و أنذر عشيرتك الأقربين) [65] و قوله صلي الله عليه و سلم: (يا بني‌كعب بن لؤي.. أنقذوا أنفسكم من النار؛ فاني لا أملك لكم (أو: لا أغني عنكم) من الله شيئا) [66] و قوله صلي الله عليه و سلم: (يا فاطمة.. أنقذي نفسك من النار، سليني من مالي ما شئت؛ فاني لا أغني عنك من الله شيئا) [67] . و يثبتون بذلك عدم نفع النبي صلي الله عليه و سلم لأحد و لا لأهل بيته!! و هذا افتراء؛ لأن النبي صلي الله عليه و سلم ينفع أهل بيته و ينفع أمته بل و ينفع المؤمنين و الكافرين؛ فشفاعة الموقف تنفع الخلق جميعا مسلمهم و كافرهم، و شفاعة المغفرة لعموم [ صفحه 141] المسلمين، و شفاعة التخفيف لبعض الكفار.. و هناك مواطن لا يكون فيها شفاعة الا للنبي صلي الله عليه و سلم، و هناك مواطن يفتح فيها باب الشفاعة لأهل الشفاعة الذين يرضي الله عنهم و يأذن لهم. 11- قال تعالي: (لا تسجدوا للشمس و لا للقمر و اسجدوا لله الذي خلقهن ان كنتم اياه تعبدون) [68] أي أن السجود لغير الله شرك أكبر.. في حين أن جمهور أهل السنة يرون أن الشرك يقع اذا كان السجود سجود عبادة، أي اذا اعتقد الساجد معبودية المسجود له و ألوهيته، أما سجدة التحية فقد كانت جائزة في الشرائع السابقة (كسجود أخوه يوسف ليوسف)، و صارت محرمة في شريعتنا، فمن سجد سجود تحية لغير الله فقد أتي بحرام في شرعنا، ولكن لا يحكم عليه بأنه أشرك شركا أكبر كما يقولون. و هكذا نري أن مدرسة محمد بن عبدالوهاب لم تورد [ صفحه 142] الآراء المختلفة في النص ثم تختار منها واحدا، و انما هي أخذت من النص ما يؤيد و جهتها و لو بلي عنق النص تحكما و تعسفا، و رفضت أي مفهوم آخر لا يتطابق أو يؤيد ما ارتأته من اتهام المسلمين بالشرك و الكفر. الثانية: اللجوء الي الانتقاء في الأحاديث الشريفة بما يخدم و جهتهم و آراءهم.. فما يؤيد فكر مدرسة ابن‌عبدالوهاب يؤخذ به و يقوي و لو كان رأي صحابي، و ما يخالف فكرهم يتجاهلونه و لو كان حديثا للنبي صلي الله عليه و سلم و الحكم عليه بواحدة من اثنتين: 1- تجاهله و عدم ذكره. 2- أو بذل أكبر الجهد و كل الحيل في سبيل تضعيفه و التشكيك في سنده و روايته. و اليك قطرة من أمثلة؛ حيث لا يتسع المجال لذكر كل هذه الأحاديث.. - ما استند اليه ابن‌عبدالوهاب في كتابه (التوحيد) رغم أنه قول صحابي: 1- عن ابن‌عباس في تفسير (و لا تذرن ودا و لا [ صفحه 143] سواعا و لا يغوث و يعوق و نسرا) [69] أنهم رجال صالحون. 2- قال عمر: الجبت: السحر، و الطاغوت: الشيطان. و قال جابر: الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان. و عن بجالة بن عبيدة قال: كتب عمر بن الخطاب أن: اقتلوا كل ساحر و ساحرة. 3- عن أبي‌هريرة: من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، و من سحر فقد اشرك، و من تعلق شيئا و كل اليه. 4- قال قتاده (و هو من التابعين): خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، و رجوما للشياطين، و علامات يهتدي بها، فمن تأويل فيها غير ذلك أخطأ و أضاع نصيبه و تطلع ما لا علم له به. 5- قال ابن‌عباس: من أحب في الله و أبغض في الله، و والي في الله و عادي في الله، فانما تنال ولاية الله بذلك. 6- عن ابن‌عباس في قوله: (و تقطعت بهم [ صفحه 144] الأسباب) [70] قال: المودة 7- قال ابن‌مسعود: اليقين: أن لا ترضي الناس بسخط الله. 8- عن ابن‌عباس قال: (حسبنا الله و نعم الوكيل) قالها ابراهيم عليه‌السلام حين ألقي في النار، و قالها محمد صلي الله عليه و سلم حين قالوا له: (ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا) [71] . 9- عن ابن‌مسعود قال: أكبر الكبائر: الاشراك بالله و الأمن من مكرالله، و القنوط من رحمة الله، و اليأس من روح الله. 10- قال ابن‌مسعود: لأن أحلف بالله كاذبا أحب الي من أن أحلف بغيره صادقا. 11- قال ابن‌حزم: اتفقوا علي تحريم كل اسم معبد لغير الله: كعبد عمر و عبدالكعبة و ما أشبه ذلك، حاشا [ صفحه 145] عبدالمطلب. 12- ذكر ابن أبي‌حاتم عن ابن‌عباس: (يلحدون في أسمائه) [72] يشركون.. و عنه: سموا اللات من (الاله)، و العزي من (العزيز). 13- قال ابن‌عمر: و الذي نفس ابن‌عمر بيده لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه في سبيل اله ما قبله الله منه حتي يؤمن بالقدر. 14- عن ابن‌عباس قال: ما السماوات السبع و الأرضون السبع في كف الرحمن الا كخردلة في يد أحدكم. 15- عن ابن‌مسعود قال: بين السماء الدنيا و التي تليها خمسمائة عام، و بين الكرسي و الماء خمسمائة عام، و العرش فوق الماء، و الله فوق العرش لا يخفي عليه شي‌ء من أعمالكم. - ما أسند الي النبي صلي الله عليه و سلم و استندوا اليه و هو ضعيف: [ صفحه 146] 1- عن طارق بن شهاب أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: (دخل الجنة رجل في ذباب، و دخل النار رجل في ذباب...) الحديث.. قال ابن‌عبدالوهاب في كتابه (التوحيد) في باب: ما جاء في الذبح لغيرالله: رواه أحمد. و الحديث لا يوجد في مسند الامام أحمد!! 2- روي الطبراني باسناده أنه كان في زمن النبي صلي الله عليه و سلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم: (قوموا بنا نستغيث برسول الله صلي الله عليه و سلم من هذا المنافق) فقال النبي صلي الله عليه و سلم: (انه لا يستغاث بي، و انما يستغاث الله).. استندوا اليه في العقيدة، رغم قول المحقق: (مجمع الزوائد)، و قال: رواه الطبراني، و فيه ابن‌لهيعة: متكلم فيه. 3- يروي ابن‌تيمية حديثا بعد ما حرفه و زاد ألفاظا فيه!! الحديث في رواية ابن‌تيمية في (مجموع الفتاوي): (ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه الا رد الله عليه روحه)، ذكره في كتبه مرات عديدة. [ صفحه 147] ولكن صحة الرواية التي لم ترد الا عند الحافظ ابن‌عبدالبر في (الاستذكار): (ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه الا عرفه ورد عليه‌السلام).. زوره ابن‌تيمية و زاد لفظ (الا رد الله عليه روحه) ليثبت أن حديث رد الروح لسيدنا محمد صلي الله عليه و سلم كلما سلم عليه أحد أمر عادي لكل الأموات!! 4- حديث رسول الله صلي الله عليه و سلم حين قال أبوبكر رضي الله عنه: (قوموا الي رسول الله صلي الله عليه و سلم نستغيث به من هذا المنافق) فقال صلي الله عليه و سلم: (انه لا يقام لي، انما يقام لله عزوجل).. و الحديث أخرجه أحمد و ابن‌سعد، و فيه علتان: أ- أن فيه راويا لم يسم. ب- تفرد به ابن‌لهيعه. و أيضا: قد ورد بلفظ آخر يدل علي اضطراب ألفاظه: (انه لا يستغاث بي، انما يستغاث بالله عزوجل). فالحديث منكر مضطرب و ضعيف، و ابن‌لهيعة تركه البخاري و ابن‌خزيمة و غيرهما. [ صفحه 148] نماذج لأحاديث ضعفوها أو كذبوها و هي قوية: 1- حديث السيدة فاطمة رضي الله عنها (ان الله يغضب لغصبك، و يرضي لرضاك).. قال ابن‌تيمية في رده علي ابن‌المطهر في منهاجه: هذا كذب. و نجد أن الحديث ورد في (الآحاد و المثاني)، ورواه أبويعلي و الحاكم في (المستدرك) و الطبراني في (الكبير) و ابن‌عساكر في (تاريخ دمشق)، و حسنه الهيثمي في (مجمع الزوائد). 2- قال ابن‌تيمية في مجموع فتاويه بخصوص زيارة روضة النبي صلي الله عليه و سلم: و أما الزيارة البدعية، و هي زيارة أهل الشرك من جنس زيارة النصاري الذي يقصدون دعاء الميت و الاستعانة به و طلب الحوائج عنده، فيصلون عند قبره و يدعون به؛ فهذا و نحوه لم يفعله أحد من الصحابة، و لا أمر به رسول الله، و لا استحبه أحد من سلف الأمة و أئمتها. و بذلك يزيح ابن‌تيمية مئات الأحاديث عن الصحابة و التابعين و تابعيهم و التي تخالف منهجه. [ صفحه 149] و قد قال جل المفسرين: أن الآية (و لو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) [73] ليست مختصة بحياته الدنيوية، بل تمتد الي حياته البرزخية، فيجوز اتيان روضة النبي صلي الله عليه و سلم و طلب استغفاره [74] . 3- كل الأحاديث التي وردت في زيارة روضة النبي صلي الله عليه و سلم، مثل: (من زار قبري و جبت له شفاعتي) [75] (من زارني في مماتي كان كمن زراني في حياتي) [76] (من زار قبري كنت له شفيعا) [77] . يقول ابن‌تيمية في [ صفحه 150] الفتاوي الكبري: و أما اذا كان قصده بالسفر زيارة روضة النبي دون الصلاة في مسجد فهذه السمألة فيها خلاف، و الذي عليه الأئمة و أكثر العلماء أن هذا غير مشروع و لا مأمور به. و هذا القول لابن‌تيمية غير صحيح و مخالف للحق؛ فان الذي عليه الأئمة و أكثر العلماء أن هذا سنة من السنن.. قال القاضي عياض في (الشفا) و هو من السلف: و زيارة قبره صلي الله عليه و سلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها، و فضيلة مرغب فيها. و قال ابن‌هبيرة الحنبلي في كتابه (اتفاق الأئمة): [78] . و اتفقوا علي استحباب زيارة قبر المصطفي صلي الله عليه و سلم و صاحبيه المدفونين عنده- أبي‌بكر و عمر رضي الله عنهما - و ندبوا اليه.= [ صفحه 151] و قال الشوكاني في (نيل الأوطار): و زيارة قبره صلي الله عليه و سلم من السنن الواجبة. و قال العلامة السبكي في كتابه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام): نصوص العلماء علي استجاب زيارة روضة سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم، و بيان أن ذلك مجمع عليه بين المسلمين.. ثم جاء بنصوص العلماء. و هناك مئات النصوص من أقوال الفقهاء و العلماء في هذا الباب، خصوصا الفقهاء و الأئمة. 4- عن مالك الدار - و كان خازن سيدنا عمر علي الطعام - قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل الي قبر النبي صلي الله عليه و سلم فقال: (يا رسول الله.. استسق لأمتك فانهم قد هلكوا) فأتي الرجل في المنام فقيل له: (ائت عمر فأقرئه السلام و أخبره أنكم مسقون، و قل له: عليك الكيس الكيس)، فأتي عمر فأخبره، فبكي عمر ثم قال: (يا رب.. لا آلو الا ما عجزت عنه).. رواه ابن أبي‌شيبة و البيهقي في (دلائل النبوة) و ابن‌عساكر في (تاريخ دمشق)، و صححه الحافظ ابن‌حجر العسقلاني في (فتح [ صفحه 152] الباري)، و ابن‌كثير في (البداية و النهاية) و ابن‌جرير الطبري في تاريخه، و ابن‌عبدالبر في (الاستيعاب). 5- روي الدارمي في سننه: باب: ما أكرم الله تعالي نبيه صلي الله عليه و سلم بعد انتقاله الي الرفيق الأعلي، و الحديث عن أوس ابن‌عبدالله قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا، فشكوا الي عائشة، فقالت: انظروا قبر النبي صلي الله عليه و سلم فاجعلوا منه كوي الي السماء؛ حتي لا يكون بينه و بين السماء سقف.. قال: ففعلوا، فمطرنا مطرا حتي نبت العشب و سمنت الابل حتي تفتقت من الشحم، فسمي عام (الفتق).. فال ابن‌تيمية في كتابه (الرد علي البكري): ان الحديث ضعيف بسبب ضعف رواية محمد بن زبالة. و قول ابن‌تيمية غير صحيح؛ فالحديث قوي، و راويه هو الامام الدارمي الذي مدحه ابن‌تيمية نفسه في (مجموع الفتاوي)، و امتدح ما أورده من دلائل النبوة، و رفعه الي درجة البخاري، و ابن‌تيمية يعلم أن الحديث صحيح، ولكنه ضعفه لأنه يهدم أفكاره! 6- عن ابن‌مسعود رضي الله عنه أنه كان يضرب غلامه، [ صفحه 153] فجعل يقول: (أعوذ بالله، فجعل يضربه، فقال أعوذ برسول الله) فتركه، فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم: (و الله لله أقدر عليك منك عليه)، فأعتقه.. أخرجه الامام مسلم. نماذج لأحاديث تجاهلوها لأنها ضد فكرهم رغم صحتها: 1- حديث ابن‌حوالة رضي الله عنه: كنا عند رسول الله صلي الله عليه و سلم فشكونا اليه الفقر و العري و قلة الشي‌ء، فقال النبي صلي الله عليه و سلم: (أبشروا؛ فوالله لأنا من كثرة الشي‌ء أخوف عليكم من قلته).. رواه الهيثمي في (مجمع الزوائد) و قال رجاله رجال الصحيح. 2- حديث أبي‌سعيد الخدري رضي الله عنه أنه شكا الي رسول الله صلي الله عليه و سلم حاجته (فقره) فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم: (اصبر يا أباسعيد؛ فان الفقر الي من يحبني أسرع من السيل من أعلي الوادي، و من أعلي الجبل الي أسفله).. رواه الامام أحمد، و قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): اسناده صحيح و رجاله رجال صحيح. [ صفحه 154] 3- عن أبي‌هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكا الي رسول الله صلي الله عليه و سلم قسوة قلبه، فقال (امسح رأس اليتيم، و أطعم المسكين) رواه أحمد و الهيثمي في (مجمع الزوائد)، و هو صحيح. 4- عن مصعب الأسلمي رضي الله عنه قال: انطلق غلام منا فأتي النبي صلي الله عليه و سلم فقال: (اني سائلك سؤالا) قال: (و ما هو) قال: (أسألك أن تجعلني ممن تشفع لهم يوم القيامة) قال: (من علمك هذا) أو (من دلك علي هذا) قال: (ما أمرني به أحد الا نفسي) قال: (فانك ممن أشفع لهم يوم القيامة).. رواه الطبراني في (الكبير)، و قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): رجاله رجال الصحيح. 5- عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول: (ان الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم).. رواه مسلم في صحيحه. 6- حديث الاسراء، و فيه أن النبي صلي الله عليه و سلم و معه جبريل [ صفحه 155] عليه‌السلام شدا الرحال لزيارة نبي الله موسي عليه‌السلام و هو قائم يصلي في قبره.. رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه. 7- عن أبي‌هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول: (و الذي نفس أبي‌القاسم بيده لينزلن عيسي بن مريم اماما مقسطا و حكما عدلا، فليكسرن الصليب و يقتلن الخنزير و ليصلحن ذات البين، و ليذهبن الشحناء، و ليعرضن المال فلا يقبله أحد، ثم لئن قام علي قبري فقال: (يا محمد) لأجيبنه).. أخرجه أبويعلي باسناد صحيح، و ابن‌عساكر في (تاريخ دمشق)، و صححه الهيثمي في (مجمع الزوائد). 8- قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: (يا أيها الناس.. ألا كان مفزعكم الي الله و الي رسوله) قالها في فزع بالمدينة.. أخرجه أحمد و النسائي في (السنن) و ابن‌حبان، و قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): و رجاله رجال الصحيح. [ صفحه 156] 9- قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - لعروة: يا ابن‌أختي.. لقد رأيت من تعظيم رسول الله صلي الله عليه و سلم عمه أمرا عجيبا.. أخرجه الامام أحمد و أبويعلي. 10- عن أبي‌هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه و سلم قال: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة).. أخرجه البخاري و مسلم. 11- حديث حذيفة رضي الله عنه: قام فينا رسول الله صلي الله عليه و سلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك الي قيام الساعة الا حدث به، حفظه من حفظه، و نسيه من نسيه.. أخرجه البخاري عن عمر، و مسلم عن حذيفة. 12- حديث: (عرضت علي أعمال أمتي حسنها و سيئها) أخرجه الامام مسلم في صحيحه. 13- حديث: (فوالله لا تسألوني عن شي‌ء الا أخبرتكم به ما دمت في مقامي) فقال رجال: (من أبي يا رسول الله؟).. الحديث.. أخرجه الامامان البخاري و مسلم. 14- حديث: (فيم يختصم الملأ الأعلي) و فيه (فتجلي [ صفحه 157] لي كل شي‌ء و عرفت) و فيه (فعلمت ما بين السماء و الأرض).. رواه الترمذي و قال: حسن صحيح، سألت عنه البخاري فقال: حديث حسن صحيح. 15- حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلي الله عليه و سلم، فأتيته بوضوئه و حاجته، فقال لي: (سل) فقلت: (أسألك مرافقتك في الجنة) قال: (أو غير ذلك) قلت: (هو ذالك) قال: (فأعني علي نفسك بكثرة السجود).. روا مسلم و أبوداود و النسائي و الطبراني. [ صفحه 158]

الخاتمة

انتهت الدراسة النقدية لتوحيد السلفية، و هي دراسة رئيسة، علي رسالة صغيرة مشهورة تسمي (كتاب التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد)، و هي من أقوي ما كتبه ابن‌عبدالوهاب، و من أكثر ما يتفاخر به أتباعه الذين أثبتنا مخالفتهم له في ثلاث و خمسين مسألة، و قد تبين من هذه الدراسة أن ركائز التوحيد في مدرسة محمد ابن‌عبدالوهاب هي: 1- ادعاء دعوة الأمة الاسلامية الي الشرك. 2- أن رسول الله بعد انتقاله لا يفيد و لا ينفع و لا يضر، و انحصرت أهميته في اتباع ما جاء به من قرآن و سنة. 3- الشفاعة ملك الله تعالي، و لا تطلب الا منه دون سواه. 4- عدم التهاون مع المخالفين في الرأي. 5- أسلوبهم في فهم النصوص، تميز بمايلي: أ- تطبيق الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية التي [ صفحه 159] نزلت في المشركين علي المسلمين. ب- اللجوء الي الانتقاء في الأحاديث الشريفة بما يخدم و جهتهم و آراءهم. و قد تبين منها أن ابن‌عبدالوهاب غلا في التكفير غلوا ظاهرا، فنقول أخطأ و كفي، مجتنبين الغلو من خصومه و أتباعه، لأنه شرعا لا يجوز أن نحمي ابن‌عبدالوهاب محملين أخطاءه الاسلام، فنزعم أن هذا التكفير قد دلت عليه النصوص الشرعية، و أنه دين الله،.. الخ، فهذه الطريقة في تبرئة ابن‌عبدالوهاب و تحميل الاسلام أخطاءه فيها خيانة للدين نفسه، يجب أن يبقي الدين فوق مستوي أن نربط مصيره بمصير من نحب من العلماء أو الحكام أو غيرهم، الدين ليس حكرا علي أحد، و ليس هناك قراءة واحدة، و لا اتفاق علي كل النصوص تصحيحا أو فهما، لكن من تسمي بالاسلام و لو منافقا كاذبا، حرم دمه و ماله و عرضه، و حفظت حقوقه، فكيف بمن ينتسب للاسلام صادقا مقيما للشعائر، مجتنبا الكبائر، ثم بعد هذا تلحقه الوهابية بالكفار نتيجة فهم دليل أو تلفيق حجة، فهذا أمر خطير، له ثماره و نتائجه السئية، و هذه التلفيقات [ صفحه 160] التكفيرية يجب أن يكون الموقف منها واضحا في حال و زمان، فلا نغزلها اليوم لطمع، و ننكثها غدا لفزع، و لنتق الله فاننا ان جاملنا في اقرارها ذهب ديننا سدي، و ان أكلنا بها اليوم أكلتنا غدا، نقول هذا نصيحة و سدادا، ما أردنا بهذا علوا في الأرض و لا فسادا، و الله المطلع علي النيات.

پاورقي

[1] ان معاشر السلفيين ورثوا (ذم العراق) من خصومهم النواصب أهل الشام - و ما أكثر ما ورثوا منهم! فخطب الحجاج و زياد، ما زالت تتردد في الأسماع، و قد حرف بعض الرواة في بعض ألفاظ الحديث و أبدل كلمة (نحو المشرق) التي في الصحيحين.. بكلمة (نحو العراق) امعانا في ذم العراقيين و عداوتهم، و قد كان للدولة الأموية أثرها البالغ في ذم العراق حتي تأثر بذلك بعض الفقهاء فجعل أحاديث أهل العراق كأحاديث أهل الكتاب (لا تصدقوهم و لا تكذبوهم)، فكيف بسائر الناس... و الغريب أن بعض الحنابلة كابن‌تيمية (و هو شامي) يبالغ في ذم العراق مرددا من ضمن ما يردد المقولة (لا تصدقوهم و لا تكذبوهم) دون النظر في مدي صوابها، و لو قال له أحد: حسنا فالامام أحمد بن حنبل (عراقي) و علي هذا لا تصدقوه و لا تكذبوه! لبهتوا...!.
[2] و النسخة التي اعتمدنا عليها طبعتها وزارة الشؤون الاسلامية (الطبعة عام 1422 ه -) و تقع النسخة في 108 صفحات من القطع الصغير و علي نفقة التاجر المشهور سليمان بن عبدالعزيز الراجحي (فالنسخة فيها الجانب الحكومي و الجانب الشعبي، مع ما في الكتاب من غلو في التكفير، و لو أن الحكومة السعودية و الأغنياء اقتصروا علي نشر الكتب المحايدة لكان أولي، كالمصحف الشريف ثم الصحيحان و كتاب الأم للشافعي و كتاب الاستذكار لابن عبد البر و نحوها لكان أولي، بل حتي الكتب المذهبية كالمغني في فقه الحنابلة، و السنن الكبري للبيهقي في فقه الشافعية، و العناية في الفقه الحنفي، و المدونة في فقه المالكية لكان أولي من نشر الكتب الموغلة في المذهبية التي لها أثرها البالغ في زيادة الغلو، و تفكيك وحدة المسلمين و زيادة تنازعهم، ككتب ابن‌تيمية و كتب ابن‌عبدالوهاب، فهذه الكتب تزرع من الشقاق أكثر مما تزرعه من الخير، و لا تكاد تدخل بيتا الا و انتشر فيه الخلاف و التهاجر و التباغض... لأنها تركز علي أمور خلافية ثم تنصر الرأي المتشدد في هذه الأمور، ثم ترتب علي عدم اتباع هذا الموقف التكفير أو التبديع مع وجوب الهجر و البغض لمن لم يوافقهم علي هذا الرأي لأنه - في رأيهم - هو الاسلام ذاته! و هو النص! و هو الحق المطلق!.. فمن الطبيعي حدوث الخلاف و الشقاق بين أفراد البيت الواحد... ثم بعد هذا تقول الوهابية: نحن لا نسهم في نشر الغلو، و تستغرب اتهامات الآخرين لهم من مسلمين و غير مسلمين!).
[3] راجع الكتاب رقم (13) من هذه السلسلة، حيث بينا الملحوظات علي كتاب كشف الشبهات.
[4] سبقت النماذج التي لا تترك للشك سبيلا بأن ابن‌عبدالوهاب و أتباعه قد بالغوا في التكفير و غلو فيه حتي كفروا معظم المسلمين في زمنهم.
[5] لا يباح دم المسلم الا بردة جماعية ظاهرة منفصلة ببلد من بلدان المسلمين، أو بغي و خروج علي الامام العادل، أو قطع طريق، أو قصاص أوزني بعد احصان.
[6] و هذا الخطأ المنهجي الكبير هو نتيجة طبيعية لهجرنا القرآن الكريم من حيث التدبر، فنتلوه و لا نتدبره، و لا نجمع بين الآيات في الموضوع الواحد، و لا نحاول أن نستنتج منه النظريات العامة التي تعيننا عند القراءة في الأحاديث المروية و سد ما أهمله الرواة أو نسوه عند رواية الأحاديث، بحيث أصبحنا نفاجأ بكثير من الأحاديث - التي صححها بعض العلماء - تخالف القرآن الكريم، ككثير من تلك الأحاديث المروية في الترغيب و الترهيب، فيفاجأ المسلم بأن هذا الحديث سيدخله الجنة و ذاك سيدخله النار.. و علي أمور يسيرة في كثير من الأحيان، و هذه نتيجة طبيعية لاهمال المسلمين الأخذ عن امام عصرهم، و الذي أهله الله تعالي لاستنباط (قواعد هامة من صريح القرآن الكريم في الأوامر و النواهي و المبادي‌ء.. الكبائر و الصغائر، الأمور التي نص الله علي أن فيها ثوابا أو عقابا.. و الأمور التي لم ينص.. الخ، ولذلك خرجت تيارات ترفض قبول الأحاديث بصفة عامة و تشكك في ثبوتها و في شرعية تدوينها، و لو كان عند المسلمين هذه الدراسات القرآنية التي تهيمن - أو يجب أن تهيمن - علي المنطلقات الفكرية و الحكم علي الأمور عند المسلم لما كان المسلمون في هذا التشتت الفكري الكبير، فهذا يتمسك بآية، و هذا يتمسك بحديث، و هذا بقول عالم.. فاختلطت عندنا الأمور لأننا لم نعمل علي الأخذ عن منهج امام عصرنا الذي يرجع فيه الظني للقطعي، و المشتبه للصريح، و مظنون السنة لصريح القرآن الكريم، و كلام العلماء للنصوص الشرعية.. و هذا مبحث طويل جدا و فقير في الوقت نفسه، و آثار فقره ظاهرة في هذا التشتت و التنازع الفكري بين المسلمين).
[7] لأن أغلب الأحاديث مروية بالمعني باعتراف المحدثين أنفسهم (راجع الكفاية للخطيب، و مقدمة ابن الصلاح، و كل كتب أصول علم الحديث)، و الرواية بالمعني يجوز عليها الوهم أو النسيان أو الخطأ فتبقي ظنية الا اذا توفرت الشواهد القطعية، و قبل هذا لم يخالف نصا قرآنيا و لا نصا حديثيا أصح منه و لا برهانا عقليا.. فالحديث صحيح الاسناد فهو في الصحيحين، لكن المتن ليس علي ظاهره، بمعني أن القرآن الكريم قد نص علي تعذيب من يرتكب الكبائر - كالقتل بلا حق و أكل مال اليتيم و الظلم.. - حتي لو لم يشرك الشرك الأكبر، مع أن ظاهر الحديث خلاف هذا، فيجب اخضاع الحديث للقرآن الكريم و عرضه عليه، و الا أصبح القرآن الكريم كتاب بركة فقط، و هو الحاصل للأسف، فنحن نقرأه و نختمه في الشهر أو السنة لكننا لا نتحاكم اليه في كل أمورنا، و لا نحاكم ما تناقله الرواة - و أغلبه نقل شفهي - الي القرآن الكريم، فلذلك ضعفت عقولنا و عدلنا و علمنا بشرع ربنا.
[8] نظرا للخصومة التي احتدمت بين أهل الحديث من جهة و أهل الرأي و المعتزلة من جهة أخري، فقد صرفت هذه الخصومة أهل الحديث عن النقد الداخلي لمنهج المحدثين أنفسهم، و اقتصر معظم النقد علي السند، أما المتن فقد اقتصر نقده و محاكمته علي المنهج النظري دون الممارسة العملية الواسعة، مع مبالغة أهل الحديث في التشنيع علي أهل الرأي و علي من شك في صدق راو قد و تقوه و لو كان توثيقهم فيه نظر عند مخالفيهم، و أصبحوا يرددون في من عنده منهج متشدد في محاكمة الشفويات المنقولة و اتهامه بأنه يرد حديث رسول الله.. و أنه عدو السنة.. و أنه يكذب الرسول.. الخ، و هذا غير صحيح فلم يكن أهل الرأي يكذبون الرسول ولكن كان عندهم منهج في التثبت يختلف عن منهج المحدثين فحسب، و الاختلاف في المنهج لا يبيح اتهام المتوقف بأنه يرد حديث الرسول.. فهو لا يسلم بأن هذا قول الرسول حتي يتهم برده، و اذا سلم بثقة الرواة فلا يسلم بحفظهم لهذا الحديث، أو نقله تاما باللفظ و المناسبة و الظروف.
[9] سيأتي وصفه لأحد العلماء الحنابلة في عصره بأنه أكفر من أبي‌جهل! و قد كرر كثيرا بأن الناس في عصره في نجد والحجاز زاد شركهم علي شرك كفار قريش بخصلتين!.
[10] الألباني له تناقضات كثيرة، جمعها الشيخ حسن بن علي السقاف في كتابه (تناقضات الألباني الواضحات فيما وقع له في تصحيح الأحاديث و تضعيفها من أخطاء و غلطات) طبعة 1992 م - دارالامام النووي بالأردن.
[11] نعني ما كل حديث صحيح الاسناد نجزم نسبته الي النبي صلي الله عليه و سلم لا سيما اذا كان ظاهره قاصرا عن معان مستوفاة في القرآن الكريم كهذا الحديث، فصحة الاسناد لا تعني صحة المتن، و صحة المتن تحتاج لقرائن أخري من اتفاق المتن مع الخطوط العريضة لتعاليم الاسلام و مع القرآن الكريم و العقل و الأحاديث الصحيحة الأخري، و تعدد المخارج التي ترجح اليقين بأن النبي صلي الله عليه و سلم قال هذا... الخ.
[12] المعروف باسم (تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس) و الكتاب عليه ملحوظات، لكن كلامه في الوليد يتفق مع ما وصف به من التدليس الشديد، بل أقبح أنواع التدليس و هو تدليس التسوية.
[13] راجع ترجمته في تهذيب الكمال، و كذلك الكلام الذي نقلناه عن الرواة الآخرين أخذناه من تهذيب الكمال، و قد نزيد في التعليق أو التحليل أو الاستنتاج.
[14] لأنهم يفصلون العمل عن الايمان و هو يتماشي مع السلطة الأموية الظالمة، فليقتلوا و ينهبوا و يسرفوا و ينتهكوا الحقوق... فاذا آمنوا بكذا و كذا مسألة يدخلون الجنة من أي أبوابها شاءوا؟ و غلاة السلفية اليوم فيهم ارجاء في الرضا التام عن السلفي و لو كان سيي‌ء العمل، و اتهام غير السلفي و لو كان صالحا.. و هذا يكشف أن سلفية الوهابية لا علاقة لها بالسنة و لا السلف و لا حتي الحنابلة و انما هي خليط من أربعة مذاهب رديئة و هي: الحشو و التشبيه و النصب و التكفير (الخوارج)، و مع هذا يصر هؤلاء الغلاة علي دعوة المسلمين السنة الي السنة! و ما أغرب أن يدعوك الشخص لغير بيته! فكيف اذا دعاك الي بيتك لا بيته!.
[15] و هم يفعلون هذا مع كل كتاب يرون أنه يدعم ما هو عليه من غلو أو تكفير أو نصب أو تجسيم، كما فعلوا من الثناء الكبير علي الكتاب السنة للبربهاري رغم غلوه الكبير، و فعلوا ذلك مع كتاب منهاج السنة لابن‌تيمية رغم ظهور النصب الفاضح أي: العداء لأهل البيت، في هذا الكتاب، و فعلوا ذلك مع كتب الاعتقاد الحنبلية القديمة لما فيها من الحشو و التجسيم، و فعلوا هذا من كتب ابن‌عبدالوهاب لنهجها منهج التكفير، و النتيجة كانت في البعد عن التحاكم للشرع الحنيف و اتخاذ تلك الكتب مرجعا في الحكم علي الناس، فأصبح المسلمون سواهم بين كفر وردة و ضلالة، و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، و تواطؤهم هذا مع وجود من يسمع لهم بقوة في المملكة هو شهادة ادانة بالغة للتعليم و المناهج عندهم.
[16] فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لابن‌عبدالوهاب.. الشرح تأليف عبدالرحمن آل الشيخ.. دار الفضيلة بالرياض سنة 1423 ه -.
[17] المصدر السابق/149.
[18] المصدر السابق/97.
[19] أخرجه أحمد و الترمذي و مسلم عن جابر رضي الله عنه.
[20] أخرجه البخاري و مسلم و الطبراني و ابن‌المبارك عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
[21] فتح المجيد شرح كتاب التوحيد/195.
[22] فتح المجيد/189.
[23] فتح المجيد/191.
[24] الزمر: 44.
[25] باب الشفاعة من كتاب (التوحيد) لابن‌عبدالوهاب.
[26] أخرجه البخاري عن أبي‌هريرة رضي الله عنه.
[27] فتح المجيد شرج كتاب التوحيد/181.
[28] يونس: 106.
[29] النمل: 62.
[30] فتح المجيد/147.
[31] الأشياء الطبيعية.
[32] الأشياء التي هي فوق الطبيعة.
[33] (فنفخنا فيها من روحنا).. الأنبياء: 91.
[34] ثم ينفخ فيه الروح).. رواه الستة عن ابن‌مسعود رضي الله عنه.
[35] الا أجساد الأنبياء و الشهداء و أمثالهم.
[36] نحو أمره صلي الله عليه و سلم بصلاة العصر في بني‌قريظة، و اختلافهم في تنفيذ الأمر، و موافقة الرسول صلي الله عليه و سلم لكلا الرأيين.
[37] هكذا علي غلاف الكتاب!.
[38] فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبدالرحمن بن حسن آل الشيخ.. دارالفضيلة سنة 2003 م.
[39] نفس المصدر السابق: باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغيرالله.
[40] نفس المصدر السابق/138.
[41] نفس المصدر السابق/236.
[42] المجال لا يتسع لذكرها، و يمكن الرجوع اليها في كتبهم.
[43] لمحمد بن عبدالوهاب، و هو أساس فكر مدرسة محمد بن عبدالوهاب.
[44] سورة يوسف: 106.
[45] سورة يونس: 18.
[46] سورة الزمر: 3.
[47] أخرجه مسلم.
[48] سورة المدثر: 48.
[49] سورة التوبة: 74.
[50] سورة الزمر: 44.
[51] سورة الجن: 21.
[52] سورة الجن: 20 - 18.
[53] أخرجه الترمذي.
[54] سورة الحج: 27.
[55] سورة الأنعام: 59.
[56] سورة النمل: 65.
[57] سورة لقمان: 34.
[58] سورة الأعراف: 188.
[59] سورة الجن: 26.
[60] سورة آل عمران: 179.
[61] أخرجه الترمذي.
[62] أخرجه الطبري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
[63] أخرجه الحاكم في مستدركه و قال: (صحيح الاسناد)، و الترمذي و ابن‌ماجة و النسائي و غيرهم.
[64] أخرجه الطبراني و البزار و الهيثمي و غيرهم، و حسنه الحافظ ابن‌حجر.
[65] سورة الشعراء: 214.
[66] أخرجه مسلم و النسائي عن أبي‌هريرة رضي الله عنه.
[67] أخرجه مسلم.
[68] فصلت: 37.
[69] سورة نوح: 23.
[70] سورة البقرة: 166.
[71] سورة آل عمران: 173.
[72] سورة الأعراف: 180.
[73] سورة النساء: 64.
[74] انظر تفسير القرطبي و الثعالبي و ابن‌كثير و النسفي و غيرهم، و انظر آراء أئمة المذاهب الأربعة.
[75] أخرجه ابن‌عدي في (الكامل) و البيهقي في (شعب الايمان) و الدار قطني و ابن‌خزيمة و ابن أبي‌الدنيا و البزار عن ابن‌عمر رضي الله عنهما.
[76] أخرجه الطبراني و البيهقي و ابن‌عدي عن ابن‌عمر رضي الله عنهما.
[77] أخرجه الطبراني و البيهقي و أبوداود الطيالسي عن عمر رضي الله عنه.
[78] طبع حديثا باسم (الفقه علي المذاهب الأربعة).. من منشورات دارالحرمين.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.