‏سرشناسه : يعقوب اردني، احمد حسين، ۱۹۳۹
‏عنوان و نام پديدآور : اين سنه الرسول و ماذا فعلوا بها/ احمد حسين يعقوب
‏مشخصات نشر : بيروت : الدارالاسلاميه ، ۲۰۰۱م. = ۱۴۲۱ق. = ۱۳۸۰.
‏مشخصات ظاهري : ص ۴۷۱
‏يادداشت : كتابنامه: ص. ۴۶۰ - ۴۵۷؛ همچنين بصورت زيرنويس
‏موضوع : حديث
‏موضوع : اسلام -- تاريخ
‏رده بندي كنگره : ‏BP۱۶۱/۳‏/ي۷الف۹ ۱۳۸۰
‏شماره كتابشناسي ملي : م‌۸۱-۲۲۸۹۷

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، علي رسول الله محمد صاحب السنة الأمين، وعلي آله الطيبين الطاهرين، الذين اصطفي من عباده المسلمين أما بعد: فبعد أن أنهيت كتابي الرابع عشر (الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية) قمت بزيارة أخ كريم، وسيد فاضل، وهو سماحة السيد محمد الموسوي، مد الله تعالي في عمره، ونفع المسلمين بعلمه، فاستقبلني بوجهه الطلق، وغمرني بعواطفه النبيلة، وأحاطني بتواضعه الجم فأخبرته بما أنجزت، ولأنني أثق به، وبعمق إيمانه بعدالة قضية أهل بيت النبوة، وبإخلاصه التام لها، وخبرته الطويلة بها، فقد سألته ماذا يقترح علي أن أكتب؟ فأجابني علي الفور، كأنه كان يتوقع مني هذا السؤال (أقترح عليك أن تجيب علي السؤال التالي: أين سنة الرسول؟)!! فاستهواني الموضوع، واستقر في نفسي فقلت للسيد: ما رأيك لو أضفنا إلي هذا السؤال سؤالا آخر (وماذا فعلوا بها؟ فيكون عنوان الكتاب الجديد (أين سنة الرسول؟! وماذا فعلوا بها؟!) فتهلل وجه السيد، وأيد الفكرة، وصممت علي أن أعنون كتابي الخامس عشر بهذا العنوان، وأفصحت للسيد عما صممت عليه فبارك الفكرة، وذكر لي أسماء بعض المراجع، ووضعنا الخطوط العريضة لمخطط البحث، والأبواب التي سألج منها إلي الموضوع، كان الموضوع ميسرا تماما، وكأننا والله قد أعددنا له [ صفحه 6] منذ مدة طويلة، قلت للسيد: إنني مرهق، فلقد بلغت من الكبر عتيا، سأستريح شهرين أو ثلاثة، وبعدها أنطلق بإذن الله، وشحذ السيد عزيمتي، وبعد يوم واحد من لقائنا بدأت الكتابة، بنفس راضية مطمئنة، وبيسر ما عهدته بأي كتاب آخر، صحيح أنني لم أنطلق من الصفر، لأن موالي أهل بيت النبوة علي العموم ينظرون للأنبياء والرسل والأئمة نظرة خاصة، ويعتبرونهم صفوة الجنس البشري، ويعرفون مكانتهم عند الله تعالي، وحاجة بني الإنسان لهم، وعلي هذا الأساس قامت ثقافتهم، واستقرت قناعتهم، وخلال تجاربهم ومعاناتهم التاريخية النادرة عرفوا طبيعة التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل من جهة، وبين القرآن وسنة النبي أو بيانه لهذا القرآن من جهة أخري، وأنه لا غني لأحدهما عن الآخر، فهما وجهان لعملة مقدسة واحدة، فسنة الرسول فصل جوهري متداخل تداخلا عضويا مع الشريعة الإلهية المكونة حصرا من كتاب الله ومن سنة رسوله أو من بيان النبي لهذا الكتاب، فسنة الرسول هي العمود الفقري لدين الإسلام، وهي التي تترجم القرآن من النص إلي التطبيق، ومن النظر إلي الحركة، لأن المهمة الأساسية للنبي الأعظم تنصب علي بيان ما أنزل الله، فالقرآن كمعجزة بيانية له وجوه متعددة والرسول وحده هو الذي يعرف المقصود الإلهي من كل آية من آياته، وكلمة من كلماته، معرفة قائمة علي الجزم واليقين لا علي الفرض والتخمين، ثم إن الله سبحانه وتعالي هو الذي أوجد هذا التكامل الفذ، والتداخل العجيب بين القرآن وبيان النبي لهذا القرآن، فالقرآن قد أجمل، وأرسي القواعد الكلية، والبني الأساسية، وحدد الأفق العام، وترك للرسول مهمة التفصيل والبيان علي ضوء توجيهات الوحي الإلهي، فالقرآن وحي باللفظ والمعني، والسنة وحي بالمعني والصورة، فالصلاة وهي عماد الدين جاءت مجملة، ولم يتطرق القرآن إلي كيفيتها وتفصيلاتها، وكذلك الزكاة، والحج، والصوم، ونظام الحكم والجهاد.. الخ والرسول الأعظم من خلال سنته المباركة هو الذي فصل وبين أحكامها بيانا كاملا قابلا للتطبيق علي ضوء التوجيهات الدقيقة للوحي الإلهي، وتقريبا. [ صفحه 7] للذهن، ولله المثل الأعلي، فالقرآن بمثابة الدستور الإلهي الشامل الذي يتضمن المبادئ الكلية، والبني الأساسية، والأهداف العليا، وهو وحي من الله، تلقاه الرسول تلقيا حرفيا، وبلغه كما تلقاه، أما سنة الرسول فهي بمثابة القوانين التي تضع الدستور موضع التطبيق، وهذه القوانين ليست من عند الرسول، بل هي وحي إلهي، لكن ليس باللفظ الحرفي، وإنما بالصورة والمعني اليقيني المحدد، فقد يصلي جبريل أمام الرسول، ويطلب من الرسول أن يصلي كما صلي، إن الرسول الأعظم يتصرف بدقة متناهية، وعلي ضوء توجيهات الوحي الإلهي، والرسول معد ومؤهل إلهيا، وتوضيحا نقول: (مبرمج) فسيولوجيا، يتبع ما يوحي إليه من ربه بدون زيادة ولا نقصان، (ومطعم) ضد الزلل والخطأ أو معصوم، فلا ينطق عن الهوي، ولا يخرج من فمه إلا حق، فهو امتداد للحق الإلهي، ووجه من وجوه الرسالة الإلهية، ومهمة النبي أن يضع المنظومة الحقوقية الإلهية المتكونة من كتاب الله وسنة رسوله موضع التطبيق بالتصوير الفني البطئ الذي تستوعبه الخاصة والعامة من بني البشر، ولكن تحت إشراف الوحي الشريف وبتوجيهاته، ومن هنا كان الإيمان بالرسول جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالله، وكانت طاعة الرسول تماما كطاعة الله، ومعصية الرسول تماما كمعصية الله، وموالاة الرسول والقبول بقيادته تماما كموالاة الله، واتباع سنة الرسول تماما كاتباع القرآن، لأن سنة الرسول هي التطبيق العملي للقرآن. ولأن الإسلام آخر الأديان، ولأن رسول الله خاتم النبيين، ولأن المنظومة الحقوقية الإلهية، هي القانون الإلهي النافذ المفعول طوال عصور التكليف في الدنيا، فقد تولت سنة الرسول بيان كل شئ، أو وضعت الآلية الشرعية لمعرفة الحكم الشرعي لكل شئ، ولقد ركزت السنة الشريفة تركيزا خاصا علي من سيخلف النبي ويتولي تطبيق المنظومة الحقوقية الإلهية من بعده. ولو أن المسلمين قد التزموا بسنة رسول الله، المتعلقة بنظام الحكم، لتغير مجري التاريخ البشري كله، ولاستقر النظام الإلهي كنظام حكم، ولذاقت البشرية طعم النظام الإلهي، عندها لن ترضي عنه بديلا، إن. [ صفحه 8] الذين حالوا بين سنة رسول الله المتعلقة بنظام الحكم وبين أن تشق طريقها إلي واقع الحياة يتحملون وزر ذلك كله!! ومن المدهش حقا أن الخلفاء الذين عطلوا سنة رسول الله، المتعلقة بنظام الحكم، وأحلوا محلها سنتهم الوضعية، قد نجحوا بإقناع الأغلبية الساحقة من المسلمين، بأن قواعد سنة الخلفاء هي النظام السياسي الإسلامي الوحيد وأنه ليس في الإسلام سواها، وما زالت خاصة الأغلبية وعامتها يجترون هذا الزعم منذ 14 قرنا!! ولو أن الخلفاء لم يمنعوا رواية وكتابة سنة الرسول طوال مائة عام ونيف ولم يحرقوا المكتوب منها، لوصلتنا سنة الرسول كاملة باللفظ والمعني، ولشكلت مع القرآن الكريم أعظم منظومة حقوقية عرفتها البشرية، ولما اختلف اثنان في أي نص من نصوص سنة الرسول الشريفة، الذين أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة ومنعوا رواية وكتابة سنة الرسول طوال عام ونيف يتحملون وزر هذا الخلط الذي أصاب سنة الرسول!!! كنت أعرف أن سنة الرسول قد تعرضت لمحنة رهيبة، ولكن قبل كتابة هذا البحث لم أكن أعلم بأن محنة سنة الرسول بهذا الحجم!!!

لقد أجبت علي هذين السؤالين في كتابي هذا الذي اتخذ من هذين السؤالين عنوانا له، وقدمت الجواب من خلال ثمانية أبواب، فتحت في كل باب نوافذ متعددة، تظافرت جميعا، فصبت في خانة الإجابة، وقد اشتمل الباب الأول علي مكانة السنة في الإسلام، أما الباب الثاني، فقد غطي موضوع من يبلغ سنة الرسول بعد موته، أما الباب الثالث، فقد كشف المخططات التي رمت إلي نسف الإسلام وتدمير سنة الرسول بعد موته، وفي الباب الرابع، كشفت حالة سنة الرسول بعد موته مباشرة، وكيف. [ صفحه 9] نقضت أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم، ومن الذين نقضوها ولماذا؟! أما الباب الخامس فقد استعرضت فيه الإجراءات الحكومية ضد سنة الرسول وفي الباب السادس عالجت كارثة استبدال سنة الرسول بسنة الخلفاء، وفي الباب السابع، بينت ما أصاب سنة الرسول بعد مائة عام ونيف علي منع كتابتها وروايتها، أما الباب الثامن فقد قسمته لفصلين، بحثت في الأول أهل بيت النبوة في سنة الرسول، وفي الثاني دور أهل بيت النبوة في حفظ سنة الرسول. ومن خلال هذه الأبواب الثمانية ومنافذها، أجبت علي عنوان الكتاب (أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها!!؟) وقد كررت ذكر حادثتين، وقعتا أثناء مرض النبي وهما موقف القوم من جيش أسامة، وموقفهم من رسول الله يوم أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية، وكان قصدي من تكرار هاتين الحادثتين إبراز شناعتهما، وأثرهما الماحق علي سنة الرسول وعلي دين الإسلام، لقد قصمتا ظهر الدين حقا!! أنا لا أدعي الكمال، حتي أنني كعادتي لم أقرأ ما كتبت، لكنني علي يقين بأن هذا الكتاب هو الأول في موضوعه من حيث الشمول علي الأقل وهو الأحدث في منهجيته وأسلوب عرضه، وغني عن البيان بأنني لا أطمع بجائزة من أحد علي هذا الكتاب، إنما أردت أن أضعه تحت تصرف أولياء أهل بيت النبوة ليزدادوا يقينا بسلامة خط أهل بيت النبوة، كذلك فإني أضع ما فيه من حقائق موضوعية تحت تصرف الحائرين الذين وصلوا إلي مرحلة الشك، ولا يدرون أي خط ينبغي أن يسلكوه!! وإن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله والحمد لله رب العالمين. أحمد حسين يعقوب. [ صفحه 13]

تعني سنة الرسول: كل ما صدر عن الرسول بالذات من قول، أو فعل أو تقرير، إطلاقا. فأقوال الرسول هي السنة اللفظية أو القولية، وتعرف بحديث النبي، وأفعال الرسول هي سيرته أو سنته العملية، وتشمل سنة الرسول أيضا تقريره، ومعني التقرير أن يري الرسول عملا من مسلم أو أكثر، فلا ينهي عنه، فيكون سكوت الرسول بهذه الحالة إقرارا منه بصحة ذلك الفعل. ولا خلاف بين اثنين من أتباع الملة حول مضمون وحدود هذا المعني.

التلازم والتكامل بين القرآن وسنة الرسول ثمرة طبيعة لحالتي التلازم والتكامل بين القرآن الكريم وبين الرسول بالذات، فمن غير المتصور عقلا وشرعا بأن ينزل الله تعالي كتابا سماويا أو تعليمات إلهية إلا علي رسول، أو أن يرسل رسالة لبني البشر بدون رسول، فالكتاب والرسول وجهان متكاملان لأمر واحد، وإذا أردنا أن نلخص دين الإسلام تلخيصا دقيقا، فلا نعدو القول بأنه يتكون من مقطعين رئيسيين: أولهما كتاب الله المنزل، وثانيهما نبي الله المرسل، فلا غني للكتاب عن النبي، ولا غني للنبي عن الكتاب، فالكتاب لا يفهم فهما يقينيا بدون نبي، والنبي لا برهان له ولا حجة إن لم يكن معه كتاب ضاق مضمونه أو اتسع. ثم إن الإيمان والإسلام لا يتحققان إلا بالاثنين معا، كتاب الله المنزل، ونبيه المرسل، فالإيمان. [ صفحه 14] بأحدهما لا يغني عن الإيمان بالآخر، وقد أخذ التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل، بعدا خاصا في دين الإسلام، لأن رسول الإسلام هو خاتم النبيين، فلا نبي بعده، ولأن القرآن هو آخر الكتب السماوية، وعلاوة علي أن القرآن معجزة إلهية بيانية أساسها الكلمة الطيبة الصادقة، فإنه هو الدستور الإلهي الذي شخص الأصول والمبادئ والمقدمات الأساسية للشريعة الإلهية النهائية التي ارتضاها الله تعالي للجنس البشري طوال عصور التكليف الممتدة من زمن خاتم النبيين حتي قيام الساعة، لقد أجمل هذا القرآن كل ما يتغير، وفصل ما لا يتغير، وأشار إشارات إلي أحكام وفرائض وأخبار وضروريات، ومصطلحات دون تفصيل، وعهد الله إلي رسوله ببيانها وتفصيلها علي ضوء توجيهات الوحي الإلهي، فمصطلحات الصلاة مثلا وهي عماد الدين، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، ونظام الحكم... الخ كلها موجودة في القرآن الكريم، ولكن دون تفصيل لأن بيانها وتفصيلها متروك لسنة الرسول. ثم إن القرآن الكريم كمعجزة بيانية ذو وجوه متعددة، تؤدي بالضرورة إلي تصورات وأفهام متعددة، فتأتي سنة لتحدد الوجه والفهم الذي يتلاءم مع المقصود الإلهي. إن المهمة الأساسية للرسول الأعظم ولسنته المطهرة منصبة بالدرجة الأولي والأخيرة علي بيان ما أنزل الله بيانا قائما علي الجزم واليقين لا علي الفرض والتخمين، لأن الرسول الأعظم معد ومؤهل إلهيا لهذه المهمة، ومحاط بالعناية والتسديد الإلهي، ومعصوم عن الوقوع بالزلل، وهو قادر من خلال هذا التأهيل الإلهي أن يفهم المقصود الإلهي من كل آية من آيات القرآن، ومن كل كلمة من كلماته وقد سهل هذا المهمة أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة، إنما نزل منجما، وعلي مكث، مما أتاح الفرصة أمام الرسول لينقل من خلال السنة المطهرة بفروعها الثلاثة نصوص القرآن الكريم من النظر إلي التطبيق، ومن الكلمة إلي الحركة، ومن خلال سنة الرسول تحقق التكامل والتلازم والإحكام بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل، وتيقن المؤمنون. [ صفحه 15] والعارفون باستحالة بيان القرآن بدون رسول، واستحالة فهم دين الإسلام والالتزام به بدون الرسول وسنته، فالرسول من خلال سنته بفروعها الثلاثة يؤدي مهمة البيان التي اختاره الله لتأديتها، قال تعالي مخاطبا نبيه: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) [1] ومن خلال البيان النبوي المتمثل بسنة الرسول، والالتزام بهذا البيان ينقطع دابر الخلاف والاختلاف في المجتمع البشري المؤمن، قال تعالي مخاطبا رسوله: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدي ورحمة لقوم يؤمنون 64) [2] فالرسول الأعظم هو المرجع البشري الأعلي في مجال بيان القرآن، وفهم المقاصد الإلهية من كل كلمة من كلماته، فسنة الرسول هي القول الفصل في كل أمر من الأمور المتعلقة بالقرآن الكريم، وسنة الرسول هي ثمرة وحي وإلهام إلهي، وهي من عند الله، والفرق بين القرآن والسنة أن القرآن هو كلام الله المنزل علي رسوله باللفظ والمعني كقرآن، بينما السنة هداية إلهية لغاية بيان القرآن للمكلفين، فالرسول يتبع ما يوحي إليه وينفذ ما يؤمر به، إنه عبد مأمور لله تعالي، ومخصص لتبليغ دين الإسلام المكون من ركنين لا ثالث لهما كتاب الله المنزل ونبيه المرسل بذاته وبسنته القولية والفعلية والتقريرية، والقرآن والنبي وسنته وجهان لأمر واحد، ولا غني لأحدهما عن الآخر، ولا تتحقق الغاية الشرعية من أحدهما إلا بالآخر، إن التلازم والتكامل بين القرآن وسنة الرسول إحكام إلهي اقتضته طبيعة الأمور وجوهرها. ومن هنا يتبين لنا فساد مقولة أولئك الذين قالوا لرسول الله وهو علي فراش المرض، عندما أراد أن يكتب وصيته: (حسبنا كتاب الله)، أي يكفينا كتاب الله، ويغنينا عن الرسول وسنته!!! لقد أيقن أعداء الله ورسوله بأن [ صفحه 16] دمار الإسلام وتفريغه من مضامينه الخالدة مستحيل ما دام التلازم والتكامل والإحكام موجودا ما بين كتاب الله وسنة رسوله، ولا يتحقق هذا الدمار إلا بدمار سنة الرسول، أو تحييدها، أو إبعادها عن مسرح التأثير علي الأحداث، أو بفك الارتباط المتين بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل. وهذا هو المنطلق الذي انطلقوا منه يوم قالوا لرسول الله لا حاجة لنا بكتابك ولا بوصيتك: (حسبنا كتاب الله) وهذا هو السر بمنعهم لرواية وكتابة سنة الرسول، وجعل شعار (حسبنا كتاب الله) محور الثقافة التاريخية.

الله تعالي هو الذي أوجد التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل، ونبيه المرسل، وهو الذي فرض الإيمان بالاثنين معا، وهو الذي خص رسوله بهذه المرتبة العالية حتي صار الإيمان بالرسول جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالله، والله جلت قدرته هو الذي أبرز أهمية سنة الرسول بفروعها الثلاثة حتي صارت جزءا لا يتجزأ من دين الإسلام، وفصلا جوهريا متداخلا تداخلا عضويا مع الشريعة الإلهية المكونة حصرا من كتاب الله وسنة رسوله. فهو جلت قدرته الذي اختار نبيه للرسالة، فأعده، وأهله وعصمه، وكلفه بالإمامة والولاية، وأمر المسلمين والمؤمنين أن يأتمروا بأمره وأن ينتهوا بنهيه: (... وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) [3] فأمر الرسول كأمر الله، ونهي الرسول كنهي الله. وقال تعالي مخاطبا المكلفين: (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه) [4] فالإيمان بالله والرسول لا ينفصلان عن [ صفحه 17] بعضهما، والله يشهد وكفي بالله شهيدا بأن الرسول مؤمن بالله وبكلماته، لذلك فإن الله قد أمر عباده باتباع الرسول (فاتبعوه) لأنه هو النموذج المتحرك للإنسان المؤمن الكامل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) [5] . ثم إن الله تعالي قد أزال الشك نهائيا وأوجد اليقين عندما بين لعباده حقيقة رسول الله، وطبيعة ما يصدر عن ذلك الرسول: بقوله تعالي: (وما ينطق عن الهوي 3 إن هو إلا وحي يوحي 4) [6] وقد ترسخت هذه الحقيقة وشهد الله تعالي بثبوتها، وإطلاقها يوم أمر الله رسوله بأن يعلن أمام العالمين، بأنه صلي الله عليه وآله وسلم يتبع ما يوحي إليه من ربه في كل ما يصدر عنه من أقوال أو أفعال أو تقريرات، وتوثيقا من الله لنبيه وتصديقا تولي الله تعالي بنفسه ومن خلال كتابه المبارك نشر هذا الاعلان النبوي فقال جلت قدرته مخاطبا رسوله: (قل إنما أتبع ما يوحي إلي من ربي) [7] وأعلن الله باسم الرسول قائلا: (إن أتبع إلا ما يوحي إلي وما أنا إلا نذير مبين) [8] وتصديقا من الله لرسوله ثبت الله هذا الاعلان في كتابه الكريم. وتأكيدا من الله تعالي لعمق التكامل بين الكتاب المنزل والنبي المرسل وعمق الصلة بين الله ورسوله أمر الله رسوله بأن يعلن للمؤمنين والمسلمين خاصة ولأبناء الجنس البشري عامة هذا الاعلان الذي يعبر بدقة عن مضامينه الوارفة فقال تعالي مخاطبا رسوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) [9] فاتباع الرسول هو الطريق إلي محبة الله، وهو الطريق إلي المغفرة. [ صفحه 18] وإحكاما لحلقة التكامل والتلازم بين الله ورسوله، وبين الكتاب المنزل والنبي المرسل، وبين شريعة الإسلام ونبي الإسلام، وتمكينا من الله لرسوله للقيام بأعباء الرسالة، ولسد الطريق أمام أولئك الذين يفرقون بين الله ورسوله، أعلن الله سبحانه وتعالي قراره ومشيئته بقوله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولي فما أرسلناك عليهم حفيظا 80) [10] فطاعة الرسول تماما كطاعة الله، ومعصية الرسول تماما كمعصية الله، والله جلت قدرته هو الذي قرن الطاعنين معا فقال: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون 132) [11] (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما علي رسولنا البلاغ المبين 92) [12] وتكرر هذا الأمر الإلهي مرات متعددة في القرآن الكريم. لقد حصل اليقين عن طريق العقل والشرع بأن طاعة الله لا تتحقق إلا بطاعة الرسول فمن يعصي الرسول هو عاص لله، ومن يطع الرسول هو مطيع لله، والتفريق بين الطاعتين محاولة مكشوفة للتفريق بين الله ورسوله، والالتفاف علي مقاصد الشرعية الإلهية، وإيجاد ممر للمروق والفساد والخروج من دائرة الشرعية الإلهية. فالرسول هو حامل الرسالة الإلهية، وهو وحده الذي يتلقي التوجيهات الإلهية وهو المبلغ عن الله، والأمين علي ما أوحاه الله والعارف بالمقاصد الشرعية، ثم إنه هو الإمام والقائد والمرجع والولي، فمن غير الجائز أن يعصي الرسول تحت أي شعار لأن معصية الرسول تعيق حركته وقيامه بأعباء التكاليف الإلهية الملقاة علي عاتقه لذلك اقتضت حكمة الله أن يطاع الرسول إطاعة تامة وهذا حق لكل الرسل قال تعالي: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) [13] ورسول الله وخاتم النبيين أولي بالطاعة [ صفحه 19] لأن المسؤوليات الملقاة علي عاتقه، أضخم وأكبر من المسؤوليات التي ألقيت علي عاتق أي رسول من قبله، فهو خاتم النبيين، ومعه الشريعة الإلهية بصورتها النهائية التي ارتضاها الله لعباده أجمعين. وهذا يعطي قيمة خاصة لكل ما يصدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير، لأن سنة الرسول بفروعها الثلاثة لازمة من لوازم الإسلام والبيان خاصة وأن الرسول لم يبعث إلي العرب إنما أرسله الله رحمة للعالمين، وقد انتقل إلي جوار ربه، ولم يدخل في الإسلام غير العرب، فمن حق أبناء الجنس البشري أن يطلعوا علي سنة رسول البشرية من مصادر موثوقة ولا يتحقق هذا إلا بصيانة السنة، وكتابتها ونقلها إلي أبناء الجنس البشري نقية بلا زيادة ولا نقصان، ومن هنا يتبين لنا فداحة الجرم الذي ارتكبه أولئك الذين منعوا رواية وكتابة السنة طوال مائة عام تحت شعار: (حسبنا كتاب الله).

قلنا: إن القرآن والسنة وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن فهم القرآن فهما يقينيا أو تطبيقه دون وجود السنة المطهرة بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير لأن المهمة الأساسية لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم تتمحور حول بيان ما أنزل الله من القرآن، والقرآن والسنة متكاملان، ولا غني لأحدهما عن الآخر وتقريبا للذهن، وإبرازا للمقصود، فإن القرآن كالدستور في اللغة القانونية المعاصرة، والسنة كالقانون، فوجود الدستور لا يغني عن وجود القانون، ووجود القانون لا يغني عن وجود الدستور، لأن أي واحد منهما يشكل ركنا أساسيا من أركان المنظومة الحقوقية النافذة في المجتمع، وهذا حال القرآن والسنة لأنهما هما المنظومة الحقوقية النافذة في المجتمع الإسلامي فالقرآن يشتمل علي المبادئ الرئيسية والقواعد الكلية حيث أجمل ما يتغير وترك للرسول الأعظم أمر تفصيل ذلك علي ضوء توجيهات الوحي الإلهي، [ صفحه 20] أما ما لا يتغير، فقد فصله القرآن تفصيلا دقيقا، ومع هذا يبقي للرسول دور مهم يتمثل بتوضيح وتطبيق هذه التفصيلات. 1 - قال حسان بن عطية: (كان جبريل ينزل علي رسول الله بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه السنة كما يعلمه القرآن) [14] . 2 - وقال أحمد بن حنبل: (السنة تفسر الكتاب وتبينه، والسنة عندنا آثار رسول الله، والسنة تفسير القرآن وهي دلائل القرآن) [15] . 3 - قال عبد الرحمن بن مهدي: (الرجل إلي الحديث أحوج منه إلي الأكل والشرب، لأن الحديث يفسر القرآن) [16] . 4 - وقال ابن حزم... (لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله، ووجدنا أن الله عز وجل يقوله فيه واصفا لرسوله: (وما ينطق عن الهوي 3 إن هو إلا وحي يوحي 4) [17] أفصح لنا بذلك بأن الوحي ينقسم إلي قسمين: أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام وهو القرآن. والثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام، ولا متلو لكنه مقروء وهو الخبر الوارد عن رسول الله، وهو المبين عن الله عز وجل مراده) [18] . 5 - قال الشيخ أبو زهرة: (السنة هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي نزل به جبريل علي النبي، والقسم الثاني هو القرآن الكريم) [19] . [ صفحه 21] وقال: (وقد وكل الله إلي نبيه، أن يبلغ القرآن للناس، وأن يبين لهم بقوله وفعله ما يحتاج إلي البيان، والرسول إذ يبين للناس كتاب الله، لا يصدر عن نفسه، ولكنه يتبع ما يوحي إليه من ربه، فالسنة النبوية وظيفتها تفسير القرآن، والكشف عن أسراره، وتوضيح مراد الله تعالي من أوامره وأحكامه) [20] . 6 - وقال الشيخ عبد الغني عبد الخالق: السنة مع الكتاب في مرتبة واحدة من حيث الاعتبار والاحتجاج بهما علي الأحكام الشرعية ولا نزاع بأن الكتاب يمتاز عن السنة بأن لفظه منزل من عند الله، متعبد بتلاوته، معجز بخلافها، ولكن ذلك لا يوجب التفضيل بينهما من حيث الحجية) [21] . 7 - وقال محمد عجاج: كلما جاء من الرسول سوي القرآن من بيان الأحكام وتفصيل لما في الكتاب الكريم وتطبيق له هو الحديث النبوي أو السنة... وهي بوحي إلهي) [22] . (فكيف يؤدي الاشتغال بالحديث إلي إهمال القرآن وتركه) [23] (فهذا من أبده الكلام الباطل لوضوح أن حديث رسول الله وما نطق به ليس إلا حقا كما صرح هو به في روايات إذنه لعبد الله بن عمرو في كتابة الحديث) [24] . 8 - (وليس الحديث الشريف إلا مفسرا للقرآن وشارحا لمراده) [25] . 9 - وعقد الدارمي بابا نقل فيه عن ابن أبي كثير شيخ الأوزاعي قال فيه: (السنة قاضية علي القرآن، وليس القرآن بقاض علي السنة) [26] . [ صفحه 22] 10 - ونقل عن مكحول قوله: (القرآن أحوج إلي السنة من السنة إلي القرآن) [27] . 11 - وقال ابن برجان: (ما قاله النبي من شئ فهو من القرآن، وفيه أصله قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمه عنه من عمه) [28] . 12 - قال الزركشي: (إعلم أن القرآن والحديث أبدا متعاضدان علي استيفاء الحق وإخراجه من مدار الحكمة، حتي أن كل واحد منهما يخصص عموم الآخر ويبين إجماله) [29] . 13 - قيل لعمران بن الحصين: ما هذه الأحاديث التي تحدثونها وتركتم القرآن؟ لا تحدثوا لا تحدثوا إلا بالقرآن!! فقال عمران في جوابه لذلك الآمر: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلي القرآن أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا والمغرب ثلاثا!!! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلي القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا والطواف بالصفا والمروة!!! ثم قال: (اتبعوا ما حدثناكم وخذوا عنا وإلا والله ضللتم) [30] . 14 - قال أيوب السجستاني: (إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: (دعنا من هذا وحدثنا عن القرآن فاعلم أنه ضال مضل) [31] [32] . [ صفحه 23]

لما أراد الرسول الأعظم أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية وهو علي فراش الموت، تدخل عمر بن الخطاب، فقال للحاضرين: (إن المرض قد اشتد برسول الله، أو أن الرسول يهجر - أي لا يعي ما يقول - وعندكم القرآن (حسبنا كتاب الله) [33] وسندا لهذا الشعار حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد كتابته. وبعد أن استولي أبو بكر علي منصب الخلافة جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: (إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه) [34] والتزاما من الخليفة بما أمر المسلمين به قام بحرق الأحاديث التي سمعها من رسول الله بإذنه، وكتبها بخط يده [35] . ولما تولي عمر بن الخطاب الخلافة، ناشد الناس أن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم لأنه يريد أن يجمعها في كتاب، كما ناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتي ينظر فيها ويقومها، فلما أتوه بها أمر بحرقها، وحرقت فعلا [36] ثم كتب إلي ولاته في كل البلاد الخاضعة لحكمه (أن من كان عنده شئ مكتوب من سنة الرسول فليمحه) [37] . [ صفحه 24] وبرر الخليفة عمله هذا بالقول: (إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا، فأكبوا عليها، فتركوا كتاب الله!! وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ) [38] ثم قال: (أمنية كأمنية أهل الكتاب رأي حتي لا ينشغل الناس بالسنة عن القرآن) [39] . وحرصا من الخليفة علي القرآن الكريم، منع الناس من رواية أحاديث رسول الله، وهدد من يرويها، وضرب الرواة، وحبس بعضهم، وملأ قلوب الرواة بالرعب والارهاب حتي لا يرووا سنة رسول الله) [40] . وما فعل الخليفة ذلك إلا حرصا علي القرآن وإعمالا لشعار (حسبنا كتاب الله) وشعار (بيننا وبينكم كتاب الله) كما سنوضح لاحقا!!!

قال رسول الله: (يوشك الرجل متكئا في أريكته، يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) [41] أنت تلاحظ أن الرسول قد استعمل حرفيا الكلام الذي قاله أبو بكر يوم منع المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسوله، فارجع إلي ما قاله أبو بكر في الصفحة السابقة!! [ صفحه 25] وقال الرسول: (لا ألفين أحدكم متكئا علي أريكته، يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) [42] . وقال الرسول: (أيحسب أحدكم متكئا علي أريكته، قد يظن أن الله تعالي لم يحرم شيئا إلا ما في القرآن، ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن). قال ابن حزم: (صدق النبي هي مثل القرآن ولا فرق في وجوب طاعة كل ذلك علينا، وقد صدق الله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وهي أيضا مثل القرآن في أن كل ذلك وحي من الله) [43] . [ صفحه 26]

رأينا في المبحث السابق مكانة الرسول ومكانة سنته عند الله تعالي، وموقعهما في الشريعة الإلهية وفي دين الإسلام، وتكاملهما مع القرآن الكريم تكاملا يصل إلي درجة التلازم التام، فمن غير الممكن عقلا وشرعا تصور كتاب إلهي ينزل إلي بني البشر بدون رسول، أو تصور رسول يرسله الله من غير حجة أو كتاب. وقد تبين لنا أن مهمة الرسول الأساسية منصبة بالدرجة الأولي والأخيرة علي بيان ما أنزل الله، لأن المقاصد الشرعية الواردة في القرآن الكريم لا تفهم فهما قائما علي الجزم واليقين بغير بيان من رسول الله المختص والمؤهل إلهيا لذلك. وقد اقتضت حكمة الله أن يكون للرسول دور بارز في البيان، ففي القرآن الكريم أمور وفرائض وأحكام وأخبار ومصطلحات عامة، فكلمة الصلاة مثلا وهي عماد الدين قد تكررت في القرآن مئات المرات، ولكن القرآن لم يبين لنا بالتفصيل عدد الصلوات الخمس، ولا مقدار كل صلاة، ولا عدد ركعاتها ولا سجداتها، ولا الكيفية التفصيلية لأدائها، وكذلك. [ صفحه 27] الزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، ونظام الحكم،... الخ. هذه الأمور وأمثالها أحالها الله لرسوله ليتولي بيانها وتفصيلها علي ضوء توجيهات الوحي الإلهي، وقد بينها الرسول وفصلها بالفصل حسب التوجيهات الإلهية خلال عصر الرسالة الأغر. فعندما يهتم الرسول بسنته المطهرة فإنه لا يهتم بأمر خاص به كثوبه مثلا بل يهتم بأوامر إلهية تلقاها بالوحي، وأمر بتبليغها إلي المكلفين ليعملوا بها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من دين الله، وفصلا مهما من فصول الشريعة الإلهية، ومقطعا من مقاطع الرسالة الإلهية التي أمره الله بإيصالها للناس. لقد حرص الرسول كل الحرص علي تعميم سنته ونشرها بكل وسائل النشر المعروفة ومتابعة تنفيذها، والمحافظة عليها والالتزام بها، فالرسول هو الذي كان يؤم المسلمين في صلاتهم، ويأمرهم أن يصلوا كما كان يصلي، وقد حج الرسول واعتمر وأمر المسلمين أن يحجوا ويعتمروا كما كان يحج ويعتمر، وكان الرسول يرسل الجباة والعمال لجباية الزكاة والصدقات ثم يضعها حيث أمره الله أمام الجميع، وكان الرسول يقودهم في جبهات القتال، ويوزع الغنائم والأنفال وكان الرسول يمارس سلطاته كإمام وكقائد وكمرجع وكولي أمام الجميع، وشاهدوه وهو يبني دولة الإيمان، ويحدد مؤسساتها، وركز الرسول تركيزا خاصا علي نظام الحكم، فعين خلفاءه الاثني عشر، ليضمن انتقالا سلميا للسلطة، واستقرارا لمؤسسة الرئاسة والمرجعية لأنها هي أساس النظام السياسي الإسلامي وأهل وأعد خليفته الأول، وأنهي إليه علمي النبوة والكتاب، وكلفه بأن ينهي علمي النبوة والكتاب إلي الخلفاء الشرعيين الأحد عشر الذين سماهم الرسول بأسمائهم، وتسعة منهم لم يولدوا بعد، لقد علم رسول الله المسلمين كيف يتعبدون، وكيف يتعاملون مع بعضهم، وحتي كيف يأكلون، وكيف يشربون وكيف يضاجعون نساءهم، بل وكيف يتبولون، وكيف يتغوطون، لقد أوجد. [ صفحه 28] الرسول الكريم من خلال سنته نمط حياة جديدة تحكمها قواعد جديدة، لقد هدم الرسول كافة القواعد والأنماط والبني الجاهلية وأحل محلها قواعد وأنماطا وبني إسلامية خالصة، لقد تولي الرسول الكريم من خلال سنته الطاهرة عملية ترجمة التوجيهات الإلهية من النظر إلي التطبيق ومن الكلمة إلي الحركة، لقد بين الرسول من خلال سنته كل شئ علي الإطلاق. فهل يعقل شرعا وعقلا أن يضع الرسول الأعظم هذا الكم الهائل من الأحكام والقواعد، وأن يعمم كل هذه الأمور من تلقاء نفسه وبدون أمر من الله!! فالرسول هو قال لنا: إن صلاة الصبح ركعتان، وإن صلاة الظهر أربع ركعات، هذا التحديد لم يرد في القرآن الكريم، لم يرد نصاب الزكاة ولا مقدار ما يؤخذ، في القرآن الكريم، ولا بين لنا كيف ينصب رئيس الدولة، ولا كيف تستمر الرئاسة العامة والمرجعية والرسول من خلال سنته المباركة هو الذي فصل ذلك، كيف نلائم بين هذه الحقائق الشرعية، وبين قول الذين قالوا: (حسبنا كتاب الله) كيف تتلاءم هذه الحقائق الشرعية مع ثقافة التاريخ السياسي الإسلامي القائمة علي التنكر الكامل لسنة الرسول!! وفك الارتباط الشرعي بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل!! وبوقت يطول أو يقصر، ستزول الأصباغ، وتتمزق البراقع، ويكتشف السذج الغافلون المتبتلون في كهوف التاريخ ومغاراته، أن الذين يعبدونهم عمليا من دون الله فعلوا أفاعيل ألد أعداء الله ورسوله!!

كان الرسول الأعظم موقن بأنه بشر، وأنه ميت لا محالة، وأنه خاتم النبيين، وأن سنته بفروعها الثلاثة أحكام إلهية تلقاها من الله تعالي، وأن الناس في كل زمان بحاجة ماسة إلي هذه الأحكام، لأن القرآن والسنة هما الشريعة الإلهية التي ينبغي أن تسود وتحكم العالم البشري، لذلك كله حرص الرسول حرصا تاما علي تعميم سنته ونشرها بكل وسائل النشر. [ صفحه 29] المعروفة كما حرص علي تدوينها وتوثيقها، وأعطي أوامره وتوجيهاته بالعمل علي تدوين سنته الطاهرة، وطلب من كل القادرين علي الكتابة أن يكتبوا هذه السنة، ومن كل القادرين علي النشر أن ينشروها.

لأن الله تعالي قد اختار الإمام علي بن أبي طالب ليكون أول إمام وخليفة للرسول بعد موته، ولأن الله تعالي قد اختار أحد عشر إماما من أولاد الإمام علي وأحفاده ليتولوا أمر الإمامة والمرجعية بالتوالي من بعد وفاة الإمام علي، ولأن الإمام الشرعي هو القائم مقام النبي، وهو مرجع الأمة الأعلم والأفهم، فقد كلف رسول الله الإمام عليا ليكتب سنته الطاهرة، فالله علم رسوله القرآن والسنة، والرسول علم كل ذلك لعلي [44] . وقد وضح الإمام علي هذا التكليف لأصحابه بقوله لسليم بن قيس الهلالي: (كنت إذا سألت رسول الله أجابني، وإن فنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض، ولا دنيا ولا آخرة، ولا جنة ولا نار، ولا سهل ولا جبل، ولا ضياء ولا ظلمة، إلا أقرأنيها وأملاها علي وكتبتها بيدي، وعلمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها، وكيف نزلت، وأين نزلت وفيمن أنزلت إلي يوم القيامة ودعا الله أن يعطيني فهما وحفظا، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علي من أنزلت إلا أملاها علي [45] . وروي الإمام محمد بن علي الباقر عن آبائه: (أن رسول الله قد قال لعلي: أكتب ما أملي عليك، فقال علي: يا نبي الله أتخاف علي النسيان؟ [ صفحه 30] فقال الرسول: لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله أن يحفظك ولا ينسيك، ولكن أكتب لشركائك! قال علي: قلت ومن شركائي يا نبي الله؟ قال الرسول: الأئمة من ولدك، بهم تسقي أمتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف الله عنهم البلاء، وبهم تنزل الرحمة من السماء، وأشار الرسول إلي الحسن، وقال هذا أولهم وأومي إلي الحسين، وقال: الأئمة من ولده) [46] . (وما ترك الإمام علي شيئا من سنة الرسول إلا وقد كتبه) [47] حتي أرش الخدش أملاه رسول الله وكتبه علي بيده) [48] . (وأنجز الإمام علي مهمة تدوين السنة الطاهرة، وجمعت السنة في صحيفة طولها سبعون ذراعا) [49] بخط علي وإملاء الرسول، قال الإمام أبو جعفر الباقر: (إن عندي لصحيفة فيها تسعة عشر صحيفة قد حباها رسول الله) [50] . (وقد سمي الأئمة من أهل البيت كتاب الإمام علي الذي أملاه رسول الله والذي يشتمل علي الأحكام (بالجامعة) وهو يشمل كل حلال وحرام وكل شئ يحتاج إليه الناس حتي أرش الخدش) [51] . ويبدو أن الإمام عليا قد كتب أيضا كتابين آخرين، أحدهما: [ صفحه 31] 1 - كتاب الجفر، فيه أنباء الحوادث الكائنة. 2 - مصحف فاطمة فيه علم ما سيكون، والمصحف هو اسم الكتاب، وليس فيه آية واحدة من القرآن الكريم. وقد أقر الأئمة الكرام بوجود هذه الكتب الثلاثة التي أملاها رسول الله وكتبها علي بخط يده. وكان الأئمة الكرام يتوارثون هذه الكتب الثلاثة مع سلاح رسول الله وسيفه ودرعه، وخاتمه ولوائه.

لما حضرت الوفاة الإمام عليا أوصي إلي ابنه الحسن، وأشهد علي الوصية الحسين ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتب والسلاح وقال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصي إلي رسول الله ودفع إلي كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلي أخيك الحسين، ثم أقبل علي ابنه الحسين فقال وأمرك رسول الله أن تدفعها إلي ابنك هذا ثم أخذ بيد علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين وأمرك رسول الله أن تدفعها إلي ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله ومني السلام [52] ويبدو أن هنالك كتبا أخري كانت مودعة عند أم المؤمنين أم سلمة، وأن الإمام الحسن قد تسلم هذه الكتب بعد عودته إلي المدينة، وقد آلت هذه الكتب جميعا، مع سلاح الرسول وخاتمه ولوائه إلي كل واحد من الأئمة الاثني عشر، وكان الأئمة كل في زمانه يرجعون إلي هذه الكتب التي أملاها رسول الله وكتبها الإمام علي بخط يده) [53] . [ صفحه 32] قال الإمام جعفر الصادق: (إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثه كابر عن كابر، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم) [54] . وقال أيضا: (لولا أن الله فرض طاعتنا، وولايتنا، وأمر مودتنا، ما أوقفناكم علي أبوابنا، ولا أدخلناكم بيوتنا، إنا والله ما نقول بأهوائنا، ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، أصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم) [55] . ومن المعروف أن الأئمة الكرام الاثني عشر هم شيوخ آل محمد وأهل بيت النبوة، فكان كل واحد منهم في زمانه عميد أهل بيت النبوة وشيخ آل محمد، وكان الحكام والخاصة والعامة، يتعاملون مع كل واحد من الاثني عشر علي هذا الأساس، ومع أن العباس هو عم النبي، إلا أنه لم يدع بأنه شيخ آل محمد ولا عميد أهل بيت النبوة، ولا تقدم علي الإمام علي، إنما كان يطالب بالخلافة للإمام لا لنفسه، ومع أن بني العباس قد أصبحوا ملوكا في ما بعد وحكموا العالم الإسلامي، إلا أن أي واحد منهم لم يدع بأنه عميد أهل بيت النبوة أو شيخ آل محمد، بل كان الخليفة منهم يعترف بعمادة الإمام المعاصر له، وبعد أن انتقل الإمام علي إلي جوار ربه كانت العامة والخاصة يخاطبون كل واحد من الأئمة بالقول: (يا بن رسول الله) لقد أجمع الأئمة الاثنا عشر وأجمعت الخاصة من آل محمد وأهل بيت النبوة علي أن الإمام عليا قد كتب بخط يده كل ما أملاه عليه رسول الله، كما وثقنا، وإجماع أهل بيت النبوة كاف كل الكفاية، لأن الله قد أذهب عنهم الرجس، وجعل الصلاة عليهم ركنا من أركان الصلاة المفروضة علي العباد، وأعلن الرسول بأمر من ربه بأن أهل بيت النبوة هم [ صفحه 33] أحد ثقلي الإسلام، وأن الهدي لا يدرك إلا بهذين الثقلين والضلالة، لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين معا، فإن لم تكن هذه الأخبار والمعلومات التي رواها شيوخ آل محمد وعمداء أهل بيت النبوة غير صحيحة فما هو الصحيح إذا!!! ثم هل يعقل أن يجتمع آل محمد خاصتهم وعامتهم علي الكذب علي رسول الله - حاشاهم -!!! ثم إن الأئمة الكرام لم ينقلوا ولم يتلقوا تلك الأخبار المباركة بالرواية فحسب إنما تلقوها كحقائق مكتوبة أملاها رسول الله، وكتبها الإمام علي بخط يده، فهذا يعني أنها منقولة بالحرف والمعني عن رسول الله. [ صفحه 34]

في الوقت نفسه الذي كلف فيه رسول الله الإمام عليا بكتابة وتدوين سنة الرسول، خصيصا للأئمة، والمراجع، ولأهل بيت النبوة بوصفهم أحد ثقلي الإسلام، حيث كان الرسول يملي سنته أولا بأول، والإمام علي يكتبها بخط يده، بهذا الوقت بالذات أمر رسول الله كل قادر علي الكتابة، وكل محتاج إليها أن يكتب من سنة الرسول ما يستطيع كتابته. وأهل بيت النبوة مجمعون علي أن رسول الله قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين السنة النبوية، وأن المسلمين قد استجابوا بالفعل لأمر الرسول وكتب كل قادر علي الكتابة مخطوطا أو أكثر منها، وقد شاعت هذه المخطوطات وانتشرت طوال عهد رسول الله، وإجماع أهل بيت النبوة حجة للمؤمنين. ومن خواص ومزايا سنة الرسول أنها قد قاومت محاولات تدميرها وتغييبها فحتي الذين أنكروا إنكارا تاما أن يكون الرسول قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين السنة تواترت عندهم الأخبار والروايات بأن رسول الله بالفعل قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين سنته، وأن كل قادر علي الكتابة من المسلمين كانت عنده صحيفة أو أكثر تحتوي جوانبا من سنة الرسول، ومع أن الخليفة الأول كان من المعارضين لكتابة ورواية سنة الرسول إلا أنه احتفظ بصحيفة كتبها بخط يده. [ صفحه 35] واشتملت علي خمسمائة حديث، وبقيت تلك الصحيفة عنده طوال عهد الرسول، ولما انتقل الرسول إلي جوار ربه قام بحرق هذه الصحيفة) [56] لأن سياسة الدولة التي كان يقودها كانت قائمة علي تغييب واستبعاد سنة الرسول! حتي لا يبقي هنالك أي دليل من السنة ليكشف مخالفة الدولة لسنة الرسول، وقيامها بصورة مناقضة تماما لكل أوامر الرسول.

ومع أن أنصار دولة الخلافة التاريخية قد أنكروا إنكارا تاما أمر الرسول للمسلمين بكتابة وتدوين السنة النبوية، وسخروا كل موارد الدولة وأعلامها لإثبات هذا الإنكار، إلا أن قوة السنة النبوية، وثبوت أمر الرسول بكتابتها وتدوينها اضطرهم اضطرارا لتسريب بعض الروايات والأخبار التي تؤكد بأن الرسول قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين السنة النبوية.

قال عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبوه من أركان دولة الخلافة (كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله، أريد حفظه، فنهتني قريش!! وقالوا: تكتب كل شئ سمعته من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله، فأومأ الرسول إلي فمه وقال: أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق) [57] . [ صفحه 36] وهذه الرواية الصحيحة تكشف لنا بوضوح أسباب إنكارهم بأن الرسول قد أمر بكتابة السنة، وأسباب منعهم لكتابة ورواية سنة الرسول، ومن هم الذين كانوا يقفون وراء ذلك، فالسنة النبوية، كشفت أعداء الله ورسوله ووصفتهم وصفا دقيقا لا يخفي علي عاقل ورتبت نظام الحكم لعصر ما بعد النبوة ترتيبا دقيقا، وبينت من هم الأئمة الذين سيقودون الأمة من بعد وفاة النبي، هذه الأمور التي بينتها السنة النبوية لم تعجب زعامة بطون قريش التي كانت تطمع بالاستيلاء علي ملك النبوة، لذلك كانت تشكك بالرسول وبكل ما يصدر عن الرسول، وتشيع بأن كافة ما ورد في السنة من أمور الدنيا، مجرد اجتهادات شخصية من الرسول كبشر، أملاها عليه غضبه من قوم، أو رضاه علي آخرين!! لذلك كانت تقاوم كتابة سنة الرسول وتدوينها، وتنشر الشائعات الكاذبة ضد الرسول وسنته والرسول علي قيد الحياة!!

روي البخاري (أن رجلا من أهل اليمن سمع رسول الله، فقال: أكتب لي يا رسول الله فقال الرسول: أكتبوا لأبي فلان) [58] . وروي أيضا (فقام أبو شاه - رجل من اليمن - فقال أكتبوا لي يا رسول الله فقال الرسول: اكتبوا لأبي شاه، قال الراوي قلت للأوزاعي ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله) [59] .

روي الترمذي: (أن رجلا من الأنصار كان يجلس إلي النبي فيسمع [ صفحه 37] من الحديث فيعجبه ولا يحفظه فشكا ذلك إلي النبي فقال له الرسول: استعن بيمينك وأومأ بيده أي خط) [60] .

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قلت يا رسول الله: أكتب كل ما أسمع منك؟ قال الرسول: نعم، قال: قلت: في الرضا والغضب؟ قال الرسول: نعم، فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا)، وفي رواية أخري (إني أسمع منك أشياء أفأكتبها؟ قال الرسول نعم) [61] .

قال عبد الله بن عمرو قال رسول الله: (قيدوا العلم، قلت وما تقييده؟ قال الكتابة) قال أنس: قيدوا العلم بالكتابة رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح وقال أنس: (شكا رجل إلي النبي سوء الحفظ فقال النبي استعن بيمينك، وروي أبو هريرة مثل ذلك) [62] .

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قلت يا رسول الله إنا نسمع منك أحاديثا لا نحفظها أفلا نكتبها؟ قال: بلي فاكتبوها) [63] .

إن الخليفة أبا بكر نفسه كتب بيده خمسمائة حديث أثناء حياة الرسول، وانتقل الرسول إلي جوار ربه وهذه الأحاديث مكتوبة عنده، وبعد [ صفحه 38] وفاة الرسول وعملا بتوجهاته وتوجهات دولة بطون قريش قام الخليفة الأول بإحراق الأحاديث النبوية التي سمعها من الرسول وكتبها بخط يده!!) [64] . وهذا يؤكد تأكيدا قاطعا بأن كتابة سنة الرسول كانت أمرا مألوفا ومستقرا وشائعا عند المسلمين حال حياة الرسول.

قال ابن سعد في طبقاته: إن أحاديث رسول الله قد كثرت علي عهد عمر بن الخطاب فناشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها) [65] وحرقت فعلا!! يبدو أن الخليفة قد أوهم الناس بأنه يريد جمع سنة الرسول في كتاب واحد، هذا هو السبب الذي دفع المسلمين لتسليم المكتوب عندهم من سنة الرسول للخليفة، وعندما اعتقد الخليفة أن سنة الرسول المكتوبة قد أصبحت في قبضة يده، أعلن الخليفة أن جمع السنة في كتاب واحد عمل غير مناسب، وعبر عن ذلك بقوله: (لا كتاب مع كتاب الله) وكان هذا التبرير كافيا لإحراق ما تجمع عنده من سنة الرسول المكتوبة!! ومن الطبيعي أن الذين سلموا مخطوطاتهم للخليفة لا يمكنهم أن يطالبوا باستردادها بعد أن عرفوا مقاصد الخليفة، لأن الخليفة هو الدولة، ولا طاقة لفرد أو لمجموعة بالوقوف ضد رغبة وتوجه دولة قوية ومستقرة. وما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد علي أن كل قادر علي الكتابة قد كتب أثناء حياة الرسول شيئا من سنة الرسول، واحتفظ بها عملا بحث الرسول وتوجيهاته المستمرة لكتابة السنة.

بعد أن تمكن الخليفة من جمع ما أمكنه جمعه من سنة الرسول، [ صفحه 39] المكتوبة وإحراق ما جمعه منها، عمم علي كافة الأمصار الخاضعة لولايته (من كان عنده شئ من ذلك - أي من سنة الرسول المكتوبة - فليمحه) [66] وتم تبرير ذلك أيضا بالقول: (لا كتاب مع كتاب الله) وشعار (لا كتاب مع كتاب الله) تفريع من شعار (حسبنا كتاب الله) ذلك الشعار الذي رفعوه بوجه رسول الله، وحالوا بينه وبين ما أراد كتابته عندما كان رسول الله قاعدا علي فراش الموت.

من أواخر الكلمات الخالدة التي قالها الرسول الأعظم قبيل وفاته بقليل، (قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا)، أو قال: (إئتوني بالكتف واللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، أو قال إئتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) [67] وخلاصة هذه الواقعة أن الرسول وهو علي فراش الموت أراد أن يكتب توجيهاته النهائية وأن يلخص الموقف للأمة، وأن يكتب وصيته كنبي، وكإمام للأمة، أو كمسلم علي الأقل إلا أن زعامة بطون قريش برئاسة عمر بن الخطاب، تصدوا للنبي وحالوا بينه وبين ما أراد كتابته، وقالوا علي مسمعه الشريف (النبي يهجر، ولا حاجة لنا بكتابه حسبنا كتاب الله، وأكثروا من اللغط والتنازع، فطلت النسوة من وراء الستر، فقلن ألا تسمعوا رسول الله يقول: (قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا؟!) فنهرهن عمر بن الخطاب وقال لهن إنكن صويحبات يوسف [ صفحه 40] فقال النبي إنهن خير منكم)، كانت هذه الجملة من أواخر الكلمات التي تلفظ بها رسول الله قبل أن تصعد روحه الطاهرة إلي بارئها. وهذه الرواية الصحيحة والمتواترة عند القوم، والتي أجمع أهل بيت النبوة وأجمعت الأمة علي وقوع أحداثها بالفعل، تثبت بأن الرسول الأعظم كان يأمر بكتابة وتدوين سنته، وأن الكتابة والتدوين هما الطريق الطبيعي وتكشف هذه الرواية أيضا بأن زعامات الأكثرية - التي حاربت الرسول حتي اضطرها للاستسلام فأسلمت - كانت ضد فكرة تدوين وكتابة سنة الرسول، وضد رواية أحاديث الرسول، لأن هذه الزعامات قد أدركت خطورة سنة الرسول علي مشاريعها المتعلقة بالاستيلاء علي ملك النبوة بعد وفاة النبي حيث لن تتمكن تلك الزعامات من تنفيذ مقاصدها وأهدافها إلا بغياب السنة، أو تغييبها، أو التشكيك بعدم شرعيتها، أو سحب الصفة الإلزامية منها، وهذا هو السر الكامن وراء نهيهم السري عن كتابة ورواية أحاديث الرسول أثناء حياة الرسول، وهذا هو السر الذي دفعهم للاستماتة للحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته أثناء مرضه، لأنهم قد أيقنوا بأن الرسول إن كتب ما أراد سيفشل كافة مخططاتهم، أو سيفضحها علي الأقل. ومع أن الأكثرية كانت تقف وراء تلك الزعامات، إلا أنها لم تجرؤ علي إعلان نواياها الحقيقية، بل كانت ترفع شعارات إسلامية لتبرر مقاصدها غير الإسلامية فمثلا عندما حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد وقالوا له أن تهجر وكسروا خاطره الشريف وهو علي فراش الموت برروا هذا العمل الإجرامي المقيت بقولهم: (حسبنا كتاب الله) أي أن القرآن يغني عن الرسول وعن سنته!!! وعندما جمعوا المكتوب من سنة الرسول، ومنعوا كتابة ورواية سنة الرسول، لم يقولوا بأنهم ضد سنة الرسول إنما رفعوا شعار (حسبنا كتاب الله، وشعار لا كتاب مع كتاب الله!!! لقد صمموا أن يحققوا تحت خيمة الإسلام ما عجزوا عن تحقيقه في ميادين المقاومة والقتال أثناء. [ صفحه 41] مقاومتهم للنبي ولدينه قبل الهجرة ومحاربتهم لرسول الله ولدينه وللمؤمنين بعد الهجرة!!.

وما يؤكد أمر الرسول للمسلمين كتابة وتدوين سنته، أنه كان يأمر بكتابة ما هو أقل أهمية من سنة الرسول. قال البخاري في صحيحه: إن النبي قد قال: (اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل...) [68] . وقال الهيثمي: قدم وفد بجيلة علي رسول الله فقال الرسول: (أكتبوا البجليين وابدؤوا بالأخمسين) [69] . وعلق الشيخ علي الكوراني علي ذلك بالقول بأن رسول الله هو أول من دون الدواوين وليس الخليفة عمر كما يذكر البعض) [70] .

لقد حث رسول الله علي طلب العلم، ورغب في طلبه بكل وسائل الترغيب الشرعية، فأي علم أفضل من علمي الكتاب والنبوة، لقد أدرك المسلمون ذلك، وكتب كل قادر منهم ما رآه مهما من سنة الرسول، قال عبادة بن الصامت: (خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار، فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله ومعه غلام له... ومعه ضبارة صحف) [71] . [ صفحه 42] وبعض المسلمين كان يكتب أسئلة ويرسلها يستفتي بها، من ذلك ما رواه البيهقي في سننه عن أبي الهذيل بقوله: (أمرني ناس من أهلي أن أسأل لهم عبد الله بن عباس عن أشياء فكتبتها في صحيفة، فأتيته، لأسأله فإذا عنده ناس يسألونه، فسألوه عن جميع ما في صحيفتي..) [72] .

لقد تكررت كلمة الكتابة ومشتقاتها في القرآن الكريم مئات المرات، في مئات الآيات المحكمات، ولم يرد نهي عن الكتابة في أي من تلك الآيات [73] وكلها تؤكد بأن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة للتوثيق، ومن الملفت للنظر بأن أول آية نزلت من القرآن هي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق 1) وأن الله سبحانه كما سمي القرآن بكتاب الله، فهل يعقل أن يكون هنالك كتاب غير مكتوب!! ثم إن القرآن الكريم قد أمر بكتابة وتدوين وتوثيق ما هو أقل أهمية من السنة النبوية فقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق) وقال تعالي: (ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلي أجله) [74] فهل يعقل أن يأمر الله ورسوله المسلمين بكتابة الدين صغيرا أو كبيرا، وأن يحرما علي المسلمين كتابة [ صفحه 43] سنة الرسول وهي الدين العملي كله!!! الحمد لله الذي فضح الكذب والكاذبين، وأكد ضروريات بقاء الدين.

روي الزبير بن البكار (أن سليمان بن عبد الملك في زمان ولايته للعهد، مر بالمدينة حاجا، وأمر إبان بن عثمان أن يكتب له سيرة الرسول ومغازيه، فقال إبان: هي عندي، أخذتها مصححة ممن أثق به، فأمر عشرة من الكتاب بنسخها، فكتبوها في رق، فلما صارت إليه، نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، يقصد فيها بيعة الأنصار في العقبة الأولي والثانية وذكر الأنصار في بدر. فقال سليمان: ما كنت أري لهؤلاء القوم هذا الفضل، فإما أن يكون أهل بيتي - أي الخلفاء الأمويين - غمضوا عليهم، وإما أن يكونوا ليسوا كذلك! فقال إبان بن عثمان: أيها الأمير: لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم - يقصد الخليفة عثمان - من خذلانه أن نقول الحق هم علي ما وصفنا لك في كتابنا هذا. قال سليمان: ما حاجتي إلي أن أنسخ ذلك حتي أذكره لأمير المؤمنين - يقصد والده عبد الملك - لعله يخالفه، فأمر بذلك الكتاب فحرق (أي أحرقه) ولما رجع أخبر أباه بما كان فقال عبد الملك، وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل، تعرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها، قال سليمان: فلذلك أمرت بتحريق نسخته، حتي أستطلع رأي أمير المؤمنين، فصوبه) [75] . هذا دليل قاطع علي أن الناس قد كتبوا سنة رسول الله بأمر من [ صفحه 44] الرسول، وأن جزءا كبيرا من السنة قد بقي مكتوبا، بالرغم من الحملات المتكررة التي شنها الخلفاء الثلاثة لتدمير سنة الرسول عملا بشعارهم (حسبنا كتاب الله) والحوار الذي دار بين الملك الأموي وولي عهده ويكشف الغاية من تدمير سنة الرسول، وأمر ولي العهد بحرق ذلك الكتاب ببرودة أعصاب يبين لنا قيمة سنة الرسول عندهم، وخطرها عليهم، فإما السنة وإما الملك!!!

من سنن عمر بن الخطاب أخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب، قد مر برجل يقرأ كتابا، فاستمعه ساعة، فاستحسنه فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب قال نعم، فاشتري عمر بن الخطاب أديما، فهيأه ثم جاء إليه فنسخ له من ظهره وبطنه، ثم أتي النبي، فجعل يقرؤه عليه، وجعل وجه رسول الله يتلون، فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب، وقال ثكلتك أمك يابن الخطاب أما تري وجه رسول الله منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب؟ فقال النبي إنما بعثت فاتحا وخاتما، وأعطيت جوامع الكلم، وفواتحه، واختصر لي الحديث اختصارا، فلا يهلكنكم المتهوكون) [76] . ثم إن الخليفة عمر نفسه كان يغشي اليهود في يوم دراستهم طلبا للعلم فقال له اليهود ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا، قلت وما ذاك إلا أني أعجب من كتب الله كيف يصدق بعضها بعضا!!! [77] . قال عمر بن الخطاب: (يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها فقال الرسول: يابن الخطاب أم تهوكون كما تهوكت اليهود والنصاري...) [78] . [ صفحه 45] قال عمر: (يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك، قال الراوي فتغير وجه رسول الله...) [79] . - جاء عمر بن الخطاب بجوامع من التوراة فقال: يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق، فتغير وجه الرسول، فقال عبد الله بن زيد: أمسخ الله عقلك ألا تري الذي بوجه رسول الله... الخ) [80] . - قال عمر بن الخطاب: انطلقت في حياة النبي حتي أتيت خيبرا، فوجدت يهوديا يقول قولا فأعجبني، فقلت له: هل أنت مكتبي بما تقول؟ قال نعم، فأتيته بأديم، فأخذ يملي علي، فلما رجعت قلت يا رسول الله لقيت يهوديا يقول قولا لم أسمع مثله بعدك، فقال النبي: لعلك كتبت منه؟ قال: نعم، قال: إئتني به فانطلقت، فلما أتيته قال: إجلس إقرأه، فقرأت ساعة، ونظرت إلي وجهه، فإذا هو يتلون، فصرت من الفرق لا أجيز حرفا منه، ثم رفعته إليه ثم جعل يتبعه...) [81] .

- جاء حفصة زوج النبي، وابنة عمر بن الخطاب بكتاب من قصص يوسف في كتف، فجعلت تقرؤه عليه، والنبي يتلون وجهه، ثم قال والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم) [82] . وهذا كله يعني أن كتابة أي شئ كانت أمرا مباحا، وأن بإمكان أي قادر علي الكتابة أن يكتب بنفسه ما يريد، ولم يردعه الرسول الأعظم بأنه قد نهي عن [ صفحه 46] الكتابة - ككتابه - بأي موضوع من الموضوعات، كان الرسول ينهي عن بعض مضامين ما يكتب، ولكنه لم ينه عن الكتابة كوسيلة تعليمية أو توثيقية، بل علي العكس فقد أمر الرسول الإمام عليا بكتابة سنته أولا بأول، فكان الرسول يملي والإمام علي يكتب بخط يده، وكتب رسول الله القرآن الكريم، فقد كان له كتاب وحي يكتبون له علي الفور ما يوحي إليه من كتاب الله، وكانت عنده صحف مرقمة ومميزة، فتأتيه الآية أو الآيات، مع التوجيه الإلهي بأي سورة من سور القرآن يضعها، ثم إن الرسول كان يأمر المسلمين بالكتابة وطلب العلم ونشره، ثم إن الرسول الأعظم، لم يأمر بحرق نسخ التوراة المعربة التي جاء بها عمر بن الخطاب، ولا هو أمر بحرق أو تمزيق قصة يوسف التي تلتها زوجته أمامه، إنما نهي عن المضامين حتي لا تؤدي إلي زعزعة عقيدة المسلم، أو بلبلة أفكاره، أو انحرافه. فما هي مصلحة الرسول، وما هي مصلحة الإسلام والمسلمين في أن يقوم الرسول بإحراق المكتوب من سنته كما زعموا [83] ولماذا يمنع الرسول كتابة وتدوين سنته الطاهرة وهي دين الإسلام العملي في الوقت الذي يبيح فيه الرسول كتابة وتدوين كل شئ!!!! اليهود والنصاري كانوا من رعايا دولة الرسول، فهل منعهم الرسول من كتابة التوراة والإنجيل وأخبار الأنبياء السابقين؟! وهل منعهم من رواية ما يعتقدون؟ وهل منع الرسول رعايا دولته من أن يكتبوا الشعر، أو القصص، أو أخبار الأولين، أو العلوم، أو الآداب أو الأنساب أو التاريخ؟!! لقد كانت الكتابة من الأمور المألوفة في كل مجتمع، ومن أبرز المظاهر الحضارية التي تسالمت علي منطقيتها وضرورتها المجتمعات البشرية، فلا علم لي أن دولة من الدول، أو زعيما من زعماء الجنس البشري عبر التاريخ قد حرم الكتابة أو اعتبرها جريمة من الجرائم!! فلماذا يختار رسول الله سنته من دون علوم الأرض ومعلوماتها، [ صفحه 47] فيحرم كتابتها وروايتها!!! لقد تقولوا علي رسول الله بأكبر من ذلك، فادعوا بأن رسول الله لم يجمع القرآن، وأنه قد انتقل إلي جوار ربه والقرآن لم يجمع بعد، ولولا الخلفاء الثلاثة الأول الذين شمروا عن سواعدهم فكتبوا القرآن وجمعوه، لضاع القرآن!!!! فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يفترون!!! إن ادعاءات القوم لا يقرها دين ولا عقل ولا منطق، فحتي الذين لا يعتنقون الإسلام، أيقنوا بأن رسول الله قد كتب سنته، وأنه قد أمر المسلمين بكتابتها وتبليغها ونشرها، إن ادعاءات القوم محاولات مكشوفة للتغطية علي فضائح التاريخ وتبرير سلوك الخلفاء (الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار). ومناشدة عمر بن الخطاب للمسلمين بأن يأتوه بما لديهم من السنة النبوية المكتوبة، عندما أوهمهم بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول في كتاب واحد وإحضارهم لما هو مكتوب عندهم من السنة دليل قاطع علي أن المسلمين كانوا يكتبون سنة الرسول حال حياته. ثم إن المرسوم الذي أصدره عمر وعممه علي كافة الأمصار طالبا منهم أن يمحوا كل ما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول دليل آخر. لأن المسلمين لم يكتبوا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر أي شئ من السنة النبوية حيث أعلن الخليفتان حربهما علي سنة الرسول عملا بشعار (حسبنا كتاب الله)، وشعار (لا كتاب مع كتاب الله) ففي هذه الظروف يتعذر علي المسلم كتابة حديث رسول الله، وهذا يعني أن الأحاديث المكتوبة التي أحرقها عمر بن الخطاب، شخصيا، أو أمر ولاته بمحوها كانت مكتوبة في زمن رسول الله، وبأمره أو سكوته وقبوله الضمني بكتابتها [84] وهذا يدل [ صفحه 48] دلالة قاطعة بأن منع كتابة ورواية أحاديث رسول الله كان من الخلفاء وليس من النبي، لأن شيوع وثبوت وانتشار أحاديث رسول الله، سيكشف أن الخلفاء قد غصبوا ما ليس لهم، وأنهم قد جلسوا في مكان مخصص لغيرهم، وأنهم قد تجاهلوا بالكامل سنة الرسول وترتيبات الرسول المتعلقة بنظام الحكم، والمرجعية، لذلك كان من مصلحتهم الشخصية أن يدمروا بالكامل سنة رسول الله، وأن يجتثوها من الوجود إن استطاعوا، حتي لا يبقي شئ يدل علي وجود الجريمة، وفي ما بعد، قام أولياؤهم بالكذب المتعمد علي رسول الله، وادعوا بأن الرسول هو الذي أمر بعدم كتابة وعدم رواية السنة النبوية، وأن الخلفاء قد منعوا كتابة ورواية السنة عملا بأمر الرسول!! وقد أرادوا من تلك المزاعم الكاذبة أن يبرروا ما فعله الخلفاء، فإذا كان الرسول قد أمر بعدم كتابة ورواية سنة الرسول، فلماذا سمحوا بكتابة ورواية السنة بعد مائة عام من منع كتابة ورواية هذه السنة!! لقد قدر أولياء الخلفاء أن السنة قد تدمرت تماما، وأن آثار جريمة الخروج علي الشرعية الإلهية قد محيت، وأن مئات الآلاف من الأحاديث المختلقة التي وضعوها كافية كل الكفاية لتبرير ما فعل الخلفاء، وللتشكيك بكل نص من سنة الرسول يخدش فعل الخلفاء، هذا إن وصل النص الصحيح للناس!!!. [ صفحه 49]

رأينا تحت عنوان (التدوين الخاص لسنة رسول الله أن رسول الله كان يملي سنته علي الإمام علي، والإمام علي يكتبها بخط يده، وأن هذه السنة المباركة قد جمعت في كتب وهي ما زالت محفوظة عند أهل بيت النبوة يتوارثونها كما يتوارث الناس ذهبهم وفضتهم. وتحت عنوان طائفة من الأخبار والروايات التي تثبت أن الرسول قد أمر المسلمين بكتابة سنته، سقنا فيضا من أحاديث الرسول التي حثت المسلمين علي كتابة السنة. ثم إن أبا بكر الخليفة الأول قد كتب بنفسه خمسمائة حديث سمعها بأذنه من رسول الله وكتبها بخط يده، كما سنوثق ذلك في حينه، نقول لأولياء الخلفاء: فهل يعقل أن يكتب أبو بكر سنة الرسول لو أن الرسول نهي عنها!! ثم إن عمر بن الخطاب كان قد ناشد الناس أن يأتوه بما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول لأنه يريد أن يجمع السنة في كتاب واحد، فأتوه بها. وناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة عندهم لأنه يريد أن ينظر بها، فأتوه بها، فلما تجمعت بين يديه أمر بحرقها فحرقت فعلا كما سنوثق في حينه. فلو أن الرسول قد أمر المسلمين بعدم كتابة سنته، فلماذا كتبها الناس واحتفظوا بها حتي عهد الخليفة عمر!!. [ صفحه 50] ثم إن كل صحابي قادر علي الكتابة وراغب فيها كان يحتفظ بصحيفة خاصة كتب فيها بخط يده ما سمعه من رسول الله فعلي سبيل المثال: 1 - كانت لأنس بن مالك خادم الرسول صحيفة أو صحفا فقد رووا عنه أنه قال: (هذه أحاديث كتبتها عن رسول الله أو سمعتها من رسول الله وكتبتها وعرضتها عليه) [85] وألقي بمجال أي بصحف أو مجلات. 2 - و (جابر بن عبد الله كانت له صحيفة) [86] و (معاذ بن جبل كان لديه كتاب يحتوي علي أحاديث رسول الله) [87] و (كان هذا الكتاب عند موسي بن طلحة) [88] . 3 - ورافع بن خديج كانت عنده صحف: روي مسلم في صحيحه عن نافع بن جبير أن مروان بن الحكم قد خطب الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها، ولم يذكر المدينة وأهلها وحرمتها. فناداه رافع بن خديج وقال له: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها، ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله ما بين لابتيها، وذلك عندي في أديم جولاني إن شئت أقرأتكه) [89] . 4 - و (سعد بن عبادة كانت له صحيفة روي ابنه منها حديثا) [90] [ صفحه 51] و (العشرات من الصحابة الكرام كانت لهم صحف كتبوا فيها بأيديهم ما سمعوه بآذانهم من رسول الله) [91] واحتفظوا بهذه الكتب إلي زمن عمر بن الخطاب حيث سلم أكثريتهم هذه الصحف لاعتقادهم أنه يريد أن يجمع السنة، فلما وضعت بين يديه أمر بحرقها فحرقت ولم يرو راو قط أن رسول الله قد نهي عن كتابة العلوم أو عن الكتابة عامة بل كان من الداعين إليها، والحاثين عليها، والممارسين لها، وكان له كتاب يكتبون له كل يوم، وكان يكتب لولاته وعماله، ويرد علي الذين يكتبون إليه، لقد كتب الرسول إلي ملوك الأرض والزعماء يدعوهم إلي الإسلام، لقد شجع رسول الله الأسري بأن يفتدوا أنفسهم مقابل تعليم بعض صبيان المدينة الكتابة، وكان من جملة رعايا دولة النبي يهود ونصاري، وكانت لهم الحرية أن يكتبوا ما أرادوا ولم يرو راو قط بأن الرسول قد منعهم من كتابة أو قراءة أي شئ يرغبون!! ولم يرو راو قط بأن الرسول قد منع كتابة أي علم من العلوم، ثم إن الرسول هو الذي بين للمسلمين آية (ن والقلم وما يسطرون 1). لقد اهتم رسول الله بالكتابة كل الاهتمام، واهتم بالتفاصيل الفنية للكتابة فكان يقول: (الخط الحسن يزيد الحق وضوحا) [92] وكان يقول: (تربوا الكتاب فإن التراب بركة) [93] وكان يقول: (إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح للحاجة) [94] . فلماذا يمنع الرسول المسلمين من كتابة وتدوين سنته المباركة بالوقت [ صفحه 52] الذي يبيح فيه للمسلمين ولأتباع كل الديانات كتابة كل شئ يريدون!!! لقد صوروا رسول الله بصورة العدو المبين لكتابة سنته، والقصد من هذا التصوير الكاذب تبرير أفعال الخلفاء الذين أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة، ومنعوا المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله كما سنري، وللتغطية علي أفعال الخلفاء اختلقوا هذه الصورة علي رسول الله، فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يفترون!. [ صفحه 53]

قال الإمام علي عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (اكتبوا هذا العلم، فإنكم ستنتفعون به إما في دنياكم، وإما في آخرتكم، وأن العلم لا يضيع صاحبه) [95] وكان الإمام علي عليه السلام يقول: (قيدوا العلم بالكتابة) [96] .

قال ابن شهرآشوب في الاحتجاج قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (... يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا ما سمعتم، فقالوا: يا رسول الله قد سمعنا ووعينا، ولا ننسي، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم الكتابة أذكر لكم) [97] .

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتي تكتبوا) [98] . [ صفحه 54]

قال الإمام الصادق عليه السلام أيضا: (احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها) [99] .

عن أبي شيبة أنه قال: (سمعت أبا عبد الله الإمام جعفر الصادق عليه السلام يقول: (ضل علم ابن شبرمه، عندنا الجامعة، إملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام بيده، إن الجامعة لم تدع لأحد كلاما، فيها علم الحلال والحرام، إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس، فلم يزدادوا من الحق إلا بعدا إن دين الله لا يصاب بالقياس). [ صفحه 55]

أمر رسول الله أئمة أهل بيت النبوة، وكافة المسلمين والمسلمات بأن يبلغوا وينشروا سنة رسول الله بكافة وسائل التبليغ والنشر، ورغبهم في ذلك، وحثهم عليه، أئمة أهل بيت النبوة مجمعون علي أن رسول الله قد أمر بذلك، وإجماعهم دليل قاطع علي يقينية صدور الأمر النبوي. ومع هذا فقد وردت أحاديث متواترة أجمع أولياء دولة الخلافة علي صحتها وعلي يقينية صدورها عن رسول الله تؤكد أمر الرسول لكافة المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات لتبليغ ونشر سنة الرسول بكافة وسائل التبليغ والنشر، وسنورد في ما يلي طائفة من هذه الأحاديث المتواترة التي رواها علماء القوم في صحاحهم:

قال رسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع: (نضر الله عبدا سمع سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم يسمعها فكم من حامل فقه إلي من هو أفقه منه) [100] . [ صفحه 56] وفي حديث آخر (فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلي من هو أفقه منه) [101] .

قال الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم: (ليبلغ الشاهد الغائب، عسي أن يبلغ منه هو أدعي له منه) [102] .

قال الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم: (اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، قيل له يا رسول الله من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي) [103] .

قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (إن ربي داعي وإنه لسائلي، هل بلغت عبادي، وأنا قائل له رب قد بلغتهم، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب) [104] . الرواية الرابعة: قال صلي الله الله عليه وآله وسلم: (إني محدثكم الحديث، فليحدث الحاضر منكم الغائب). وفيه فرفع يديه صلي الله عليه وآله وسلم إلي السماء فقال: (اللهم اشهد ثم قال أيها [ صفحه 57] الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب) [105] وروي المتقي الهندي مثل ذلك [106] .

روي في كنز العمال أن الرسول قد قال: (من حفظ علي أمتي أربعين حديثا من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي) [107] وورد الحديث في صيغ مختلفة [108] . [ صفحه 61]

قلنا: إن المهمة الأساسية لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كانت منصبة علي بيان القرآن من خلال السنة النبوية، باعتبار سنة الرسول هي الترجمة العملية لنصوص القرآن، والوجه الآخر للشريعة الإلهية، وللدين الإسلامي كله، فالشريعة الإلهية، والدين الإسلامي ليسا أكثر من كتاب منزل ومن نبي مرسل، ولتأكيد هذا الترابط والتكامل بين الاثنين، أمر الله سبحانه عباده بطاعة الله ورسوله معا، وأكد القرآن الكريم بكل وسائل التأكيد بأن طاعة الرسول عمليا هي كطاعة الله، ومعصية الرسول تماما كمعصية الله، (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وحتي لا تكون للمكلفين حجة، أو مبرر للتلكؤ عن طاعة الرسول، فقد شهد الله لنبيه بأنه لا ينطق عن الهوي، وأنه يتبع تماما ما يوحي إليه من ربه وكفي بالله شهيدا. ثم إن الرسول الأعظم لم يبعث لقوم دون قوم إنما بعث للعالم كله، وهو خاتم النبيين فلا نبي بعده، والشريعة الإلهية التي أوحاها الله لنبيه هي آخر الشرائع الإلهية، فلا شريعة إلهية نافذة من بعدها، لقد أوجد الرسول تحت الإشراف الإلهي المباشر، النموذج المتحرك، والآلية اللازمة لإنقاذ العالم وهدايته إلي دين الإسلام، وبني الرسول دولة الإيمان، مؤسسة بعد مؤسسة لتحمي حرية الاختيار، ولتجسد طبيعة العلاقة الشرعية بين الحكام والمحكومين. [ صفحه 62]

لقد أوجد الرسول الأعظم تحت الإشراف الإلهي المباشر نموذج مجتمع الإيمان، وبين القرآن الكريم من خلال سنته الشريفة، فما من شئ يحتاجه الناس إلي يوم القيامة إلا وله أصل في القرآن الكريم وتفصيل في سنة الرسول، لقد ترجم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الشريعة الإلهية (القرآن وبيانه) أو (القرآن وسنة الرسول) من النظر إلي التطبيق ومن الكلمة إلي الحركة. ولم يبق من أمور الدنيا والآخرة شئ إلا وضحه الرسول وبينه حسب التوجيهات الإلهية. ولأن القرآن هو المعجزة الشاهدة علي صدق الرسول، ولأنه أصل الشريعة الإلهية الحاوي لأحكامها ومبادئها، فقد أمر الرسول بكتابته وتدوينه، آية آية، وكلمة كلمة فكلما نزلت علي رسول الله كوكبة من القرآن الكريم، كان الرسول يتلقاها من ربه، مع التوجيه الإلهي في أية سورة يضعها، فكان الرسول يأمر الإمام عليا علي الفور بكتابتها وفي الموضع المحدد إلهيا لها، وكان الرسول يعلن علي المسلمين عن نزول أية كوكبة من القرآن، ويبين لهم بأية سورة يضعونها، ويأمر القادرين علي الكتابة بكتابتها. وكان الرسول الأعظم يبين ما أنزل إليه من ربه أولا بأول عن طريق سنته المباركة بفروعها الثلاثة، ويأمر الإمام عليا بتدوين هذا البيان أو هذه السنة المباركة أولا بأول، ويأمر الناس ويحثهم علي كتابة القرآن وكتابة السنة. وعندما نزلت آخر آية من القرآن الكريم كان لدي الرسول والإمام علي نسخة كاملة من القرآن كما أنزل تماما، لم تتقدم كلمة علي كلمة أو حرف علي حرف، كما كان لدي الإمام علي السنة النبوية كاملة بإملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا أمر طبيعي لأن القرآن وسنة [ صفحه 63] الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هما الشريعة الإلهية، والشريعة يجب أن تكون مدونة ومكتوبة، حتي يحتج أصحاب الحقوق بنصوصها، وفي الوقت نفسه الذي أملي فيه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم سنته كاملة علي الإمام علي عليه السلام، وكتبها الإمام علي بخط يده، كان رسول الله يأمر المسلمين بتدوين وكتابة سنته، وبالفعل استجاب المؤمنون للأمر الإلهي، فكل واحد من أصحاب الهمم العالية كتب نسخة كاملة من القرآن الكريم، وكتب طائفة من سنة الرسول، وما من قادر علي الكتابة إلا وقد كتب علي الأقل سورا من القرآن الكريم، وطائفة من نصوص سنة الرسول، ويمكنك القول إن المنظومة الحقوقية الإلهية، قد شاعت وانتشرت بين الناس، وأحيط الجميع علما بأحكامها، بهذا الوقت بالذات نزل قوله تعالي: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). لقد انتهت مهمة النبي كرسول، حيث اكتمل نزول القرآن، ودون كله واكتمل بيان القرآن، ودون هذا البيان كله بإملاء رسول الله وخط الإمام علي.. ولخص الرسول الأعظم في غدير خم الموقف للأمة، ثم أعلن بأنه بعد عودته إلي المدينة بقليل سيمرض، وسيموت في مرضه، لأنه قد خير واختار ما عند الله بعد أن أدي الأمانة، وبلغ الرسالة.

كانت أولي مهام النبي واختصاصاته أن يتلقي القرآن من ربه، وأن: أ - يتلوه وقد تلقي القرآن الكريم وتلاه بالفعل. ب - أن يحافظ عليه فيجمعه ويدونه، وقد جمعه بالفعل ودونه. [ صفحه 64] ج - أن يأمر الناس بتلاوته وحفظه وجمعه، والمحافظة عليه، وقد فعل الرسول ذلك. د - أن يبين القرآن للناس من خلال سنته المباركة القولية والفعلية والتقريرية، وأن ينقله من الكلمة إلي التطبيق والحركة، وقد بين رسول الله القرآن وطبقه بالفعل. ه - أن يدون رسول الله بيانه للقرآن أي سنته الطاهرة، وأن يكتبها علي اعتبار أن القرآن والسنة هما المنظومة الحقوقية الإلهية، أو هما القانون النافذ، ويجب أن يكون مكتوبا، وبيد أمينة حتي يمكن الرجوع إليه، وقد دون رسول الله بيانه للقرآن، أو سنته، بإملائه شخصيا وبخط الإمام علي بن أبي طالب، فما من شئ يحتاجه الناس إلي يوم القيامة إلا وقد أملاه الرسول وكتبه الإمام علي بخط يده، وفي الوقت نفسه أمر رسول الله المؤمنين والمسلمين بتدوين وكتابة بيان القرآن أو سنة الرسول، فاستجاب المؤمنون، ودون وكتب كل قادر منهم علي الكتابة طائفة من سنة الرسول. و - أن يوجد الرسول نموذجا أو آلية للاستمرار، والحركة الدائمة في إطار الشرعية والمشروعية الإلهية، وقد أوجد الرسول بالفعل آلية الدعوة، حيث دعا من حوله فردا فردا وجماعة جماعة، ورتب العلاقات بينه وبين الذين اتبعوه، كرسول، وكولي وكقائد، وكمرجع عام لهم، ورتب العلاقة بين الذين اتبعوه، وبينهم وبين غيرهم من الجماعات والأفراد، وبني دولة الإيمان، حسب التوجيه الإلهي، لتكون نقطة تجمع للذين آمنوا، وهوية سياسية تميزهم عن غيرهم، ونواة لحماية حرية الاختيار.

كان الرسول خلال حياته المباركة، هو النبي، وهو الرسول وهو الولي، وهو الإمام وهو القائد، وهو المرجع العام الأوحد للمؤمنين [ صفحه 65] والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، طاعته إيمان، وطاعة لله، ومعصيته فسوق وعصيان ومعصية لله، فهو رئيس الدولة، وهو رئيس الدعوة أيضا وهو المسؤول الأعلي عن مستقبل الدعوة والدولة معا، وهو الأمين علي وحي الله وشرعه، فحكمه حكم الله. وأقواله، وأفعاله وتقريراته جزء لا يتجزأ من شرع الله، فهو المرجع العام في شؤون الدنيا والآخرة، لأنه الأعلم، والأفهم والأفضل، والأتقي، والأقرب لله، ولأنه المختص، والمعد، والمؤهل إلهيا لكل ذلك، ولأنه معصوم عن الوقوع في الزلل والخطأ، فقد شهد الله بأنه لا ينطق عن الهوي، وأنه يتبع تماما ما يوحي إليه من ربه. فمن ادعي بأنه أفهم من الرسول، أو أفضل منه، أو أغير علي الإسلام منه، أو زاود عليه، فلم يرض بما رضي به الرسول، أو ادعي بأنه يحب الإسلام والمسلمين أكثر منه، فاعلم أن ذلك المدعي، فاسد، ومنافق، ومأفون، وتافه. والسر في هذه الصلاحيات الهائلة التي أعطاها الله لنبيه: 1 - هو أن الله هو الذي اختار الرسول للرسالة والنبوة والولاية والمرجعية. 2 - وأن الله قد عصمه عن الزلل والوقوع في الخطأ أو إساءة استعمال هذه السلطات الواسعة. 3 - أنه هو الأفضل والأفهم والأعلم والأتقي والأقرب لله. 4 - أن الله سبحانه وتعالي قد أعده، وهيأه لبيان القرآن، وتطبيق القرآن وبيانه. وقد أثبت الواقع التطبيقي لعصر الرسالة الزاهر، أن الله أعلم حيث يضع رسالته، فلم ينحرف الرسول عن المقاصد الإلهية قيد أنملة، ولا تدنس بشهوة [ صفحه 66] مهما كانت يسيرة، لقد كان دائما حيث أراده الله أن يكون، وبالوضع الذي أراده الله له. وفوق هذا وذاك، فإن المسلمين، قد رضوا بما اختاره الله، فبايعوا رسول الله بالرضا علي ذلك، أو تظاهروا بالرضا، فسلطات الرسول مستمدة من الاختيار الإلهي، ومن الإعداد الإلهي، ومن التأهيل الإلهي، ومن الضمانة الإلهية بعدم إساءة استعمال هذه السلطات الهائلة، ومن المميزات الخاصة التي خص الله بها نبيه، ثم من طبيعة دين الإسلام، ثم من موافقة الذين اتبعوه أو تظاهروا باتباعه، ثم من منطق الأمور وجسامة المهام الملقاة علي عاتقه. وبالإجمال فإن الرسول الأعظم كان هو المسؤول الأعلي عن الدولة بكافة مقوماتها، وعن الدولة بكل طموحاتها، وعن مستقبلهما معا، وهو المؤتمن علي دين الله وشرعه الحنيف، والمرجع الأعلي لكافة الأمور الدينية والدنيوية معا حيث تتداخل الأمور الدينية والزمنية معا في الإسلام، ويتعذر التفريق بينهما.

لقد أرسل الله رسوله للعالم كله، وليس لقوم دون قوم، والرسول الأعظم لا يستطيع أن يتواجد في مكانين أو أكثر في وقت واحد، ولا يمكنه أن يجمع أبناء الجنس البشري كلهم، دفعة واحدة، وفي مكان واحد، ليبلغهم ما أنزل الله، من القرآن، وليبين لهم هذا القرآن، لقد اقتضت حكمة الله أن يبدأ الرسول دعوته في بلاد العرب وأن يستقطب حوله مسلمين من بلاد العرب، وأن يكون الكيان السياسي لدولة الإسلام في بلدة عربية، ثم يتوسع هذا الكيان ليشمل كامل بلاد الجزيرة العربية، واقتضت حكمة الله أن تؤمن فئة قليلة، وأن تلتف هذه الفئة حول الرسول وتنفذ توجيهاته لنشر [ صفحه 67] الدعوة وبناء الدولة، تلك التوجيهات التي أسفرت عن إيمان فئة قليلة وعن إسلام الأكثرية الساحقة من سكان الجزيرة. أما بقية العالم فلم يصله القرآن، ولا سنة الرسول أو بيانه لهذا القرآن بوصفه التطبيق اليقيني للإسلام، لقد أوجد الرسول الآلية الشرعية لاستمرار الدولة وامتدادها، وبناء الدولة العالمية التي تتظافر جهودها مع جهود الدعوة لهداية العالم كله إلي الإسلام، لا بالاستعمار والفتح، ولكن بالوسائل الشرعية التي حددها الله وبينها رسوله. لقد آمنت أقلية من العرب، واضطرت الأكثرية الساحقة من العرب اضطرارا للدخول بالإسلام أو التظاهر بهذا الدخول، واكتمل نزول القرآن وبينه الرسول من خلال سنته، وأوجد الرسول آلية الاستمرار والتوسع الشرعي علي صعيدي الدعوة والدولة، لقد بلغ الرسول الرسالة الإلهية وأكمل الله الدين، لقد انتهت مهمة النبي كرسول، وبعد انتهاء مهمته بقي يمارس أعماله كإمام أو كولي أو كرئيس من نوع خاص للدولة، إنه ليس معقولا أن يبقي الرسول في هذا المنصب الأخير طوال عصور التكليف التي قد تمتد لعشرات، بل لمئات الآلاف من السنين، ومن ضرورات الابتلاء أن يموت الرسول، ويري الله الناس كيف يتعاملون مع التكاليف الإلهية في غياب الرسول، ويترجمون هذا التعامل في سلوك يقع فعلا، ولا يبقي في دائرة النوايا.

منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرسول أنباء النبوة والرسالة والكتاب، وطوال عصر النبوة الزاهر، وإلي اللحظة التي صعدت فيها روح النبي الطاهرة إلي بارئها، كان واضحا للجميع - المسلم وغير المسلم - أن [ صفحه 68] رسول الله هو الرئيس العام والمرجع معا، وأن رئاسة الرسول ومرجعيته جزء من مشروع الرسالة الإلهية، وعمليا كان الرسول يتولي الرئاسة العامة والمرجعية معا، ويمارس الاختصاصات والصلاحيات الكاملة للرئاسة العامة والمرجعية في شؤون الدنيا والآخرة، وكان الاعتراف بشرعية رئاسة الرسول ومرجعيته جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي، فلو أن زيدا من الناس قد أقر بأن القرآن كتاب الله المنزل وأن محمدا هو نبيه المرسل، ولكنه كان يري بأنه لا حق لرسول الله بتولي الرئاسة العامة والمرجعية، لما أعتبر مسلما ولا مؤمنا، لقد كانت الرئاسة العامة والمرجعية هي العمود الفقري للإسلام، بل هي محوره وعنوانه، ولم تكن المؤسسات الأخري أكثر من مراكز مساعدة، ومكنات شرعية تخضع للرئاسة العامة والمرجعية، ولم يكن للبشر دور يذكر في مسألتي الرئاسة العامة والمرجعية، لأن الإسلام مشروع شامل ومتكامل من صنع الله، واختياره، وتشكل الرئاسة العامة والمرجعية، فصلا من فصوله، ومقوما من مقومات قبوله، متداخلا ومتكاملا مع بقية مقوماته الأساسية، وهذا من أسرار نفور زعامة بطون قريش، من الإسلام، ومن النبي، وسر من أسرار استماتتها في مقاومة النبي وحربه.

الرسول كرئيس وكمرجع، اختاره الله تعالي، وليس للبشرية أي دور باختياره لأن الله تعالي أراد أن يكون الرئيس والمرجع هو الأعلم، وهو الأفهم، وهو الأفضل، وهو الأقرب إلي الله، قد أعده الله وهيأه ليكون كذلك، لأنه لو وجد من يتفوق عليه بهذه الصفات، لفقد هذا الرئيس والمرجع العام تميزه ومبررات رئاسته ومرجعيته، ثم إن مصلحة أفراد المجتمع، أو الجنس البشري عامة أن يتمتع رئيسهم ومرجعهم بهذه الصفات، ولكن من الناحية العملية لا قدرة لهم علي تحديد من تتوفر فيه هذه الصفات تحديدا يقينيا، لقد تسالمت البشرية وتمنت طوال التاريخ أن [ صفحه 69] يحكمها الأفضل، واعتبرت أن حكم الأفضل في كل شئ أفضل أنظمة الحكم، وأفضل مكتسبات المجتمعات البشرية، لذلك كله تلطفت العناية الإلهية، وقدمت لهم الأفضل، الذي تسالمت عليه وتمنت حكمه طوال التاريخ. قد تتوفر هذه الصفات في رجل معين، قبل أن يتولي الرئاسة العامة والمرجعية ثم ينحرف بعد ممارسته لأعبائها أمام الإغراءات الهائلة التي تستفز الطبيعة الإنسانية لقد أخذ الله ذلك بعين الاعتبار، فقدر أن من مقومات التأهيل والإعداد الإلهي لمن يتولي الرئاسة العامة والمرجعية أن يكون معصوما، عن الوقوع في الزلل والخطأ والمعصية، حتي لا يسئ استعمال الصلاحيات الهائلة التي أعطيت له وحتي لا يفقد تميزه ومبررات رئاسته ومرجعيته، وحتي يتميز النظام الإلهي عن النظام الوضعي، لذلك كله فقد عصم الله كل الذين اختارهم للرئاسة العامة والمرجعية في الأنظمة الإلهية، وعلي رأسها النظام الإسلامي. وبعد أن عصمهم الله خولهم صلاحيات هائلة تمكنهم من تحقيق الأهداف الكبري التي أناط الله بهم مهمة تحقيقها. فلا خوف من طغيان الرئيس والمرجع العام ما دام أنه معصوم ومؤهل إلهيا. لماذا اهتدت البشرية لمبدأ فصل السلطات، وعدم تركزها بيد واحدة ولماذا وجدت الرقابة بأنواعها في الأنظمة الوضعية؟ لقد وجدت لمقاومة الطغيان والاستبداد والحيلولة دون وقوعهما. أما في الإسلام فإن إعداد الرئيس وتأهيله إلهيا، وعصمته والشهادة الإلهية له بأن يتبع تماما ما يوحي إليه من ربه، ضمانات إلهية كافية ضد الانحراف، وإساءة استعمال السلطة. والعصمة تعني الالتزام التام بالصواب، بحيث يبقي المعصوم في دائرة ما أراده الله، والله سبحانه وتعالي الذي خلق الإنسان ودوافعه وميوله وحاجاته، لقادر علي أن يبطل فاعلية بعضها، فقد يأخذ من الإنسان القدرة علي الإبصار، أو القدرة علي ممارسة [ صفحه 70] الجنس، أو القدرة علي ارتكاب الخطأ، أو القدرة علي الإنجاب فيجعله عقيما، هنالك أناس يتطعمون بأمصال معينة ضد مرض معين فلا يصابون بهذا المرض، ويصاب فيه الذين لم يتطعموا، هذه حالة علمية تجريبية اهتدي إليها الإنسان المحدود المعارف، فما الذي يمنع الله الذي استطال بقدرته علي كل شئ أن يعصم إنسانا من ارتكاب أمور معينة، ثم إن العصمة ضرورية، ليبلغ الرسول ما أوحي إليه من ربه بدون زيادة ولا نقصان، وفي الرسالة الإلهية خاصة الإسلامية، تتواجد حالة من التكامل والترابط بين ما هو ديني وما هو دنيوي، فالرسول الأعظم كان يتلقي القرآن وحيا، ثم يتلوه أمام الناس، ومن خلال سنته بفروعها الثلاثة، يبينه بيانا يقينيا، ويطبقه تطبيقا حرفيا، سواء أتعلق هذا البيان بالدنيا أو بالدين، فالعبادات التي تشكل العمود الفقري لكل ما هو ديني تهدف من جملة ما تهدف إلي إعداد المتعبد لصنع سلوك بشري مستقيم ومنسق مع المقاصد الإلهية. وبالإجمال فإن الرئيس العام والمرجع في الإسلام له ميزات تميزه عن غيره من الرؤساء والمراجع في أي نظام آخر، فالرئيس العام والمرجع في الإسلام، محيط إحاطة تامة بالقرآن الكريم، بوصفه الدستور أو القانون الأعلي الذي يشمل أصول ومبادئ كل شئ يحتاجه الناس، ومن الضروري أن يحيط الرئيس والمرجع العام في الإسلام ببيان هذه القرآن أي بسنة الرسول بفروعها الثلاثة، لأن سنة الرسول هي بيان القرآن وتطبيقه العملي، وبالتالي فلا ينبغي أن يخفي علي الرئيس العام والمرجع في الإسلام المعني اليقيني لكل كلمة من كلمات القرآن، أو لأي آية من آياته وينبغي أن تكون لدي الرئيس العام والمرجع في الإسلام القدرة التامة علي الإجابة علي أي سؤال يطرحه أي إنسان في العالم. وينبغي أن لا يكون في زمانه من هو أعلم ولا أفهم ولا أفضل ولا [ صفحه 71] أقرب لله منه، لأنه تميزه وتفرده بذلك هو المبرر لوجوده ولرئاسته العامة ومرجعيته. إن الرئيس العام والمرجع في الإسلام يمثل صفوة الجنس البشري، وعنوان الكمال الإنساني، سواء أكان هذا الرئيس رسولا أو إماما. [ صفحه 72]

من سيخلف الرسول، من سيبين القرآن، ويبلغ سنة الرسول، ويتولي مهام الرسول بعد موته، فيمارس اختصاصاته وصلاحياته، ويكمل المشوار من حيث انتهي الرسول، من الذي سيؤتمن علي أمور الدين والدنيا بعد قتل الرسول أو موته؟ خاصة وأن مسألة قتل الرسول أو موته كانت واردة ومطروحة كإحدي خيارات الشرك، فقبل الهجرة فكرت زعامة بطون قريش التي كانت تقود جبهة الشرك بقتل النبي، ولولا خوفها من بني هاشم ومن فكرة الثأر لقتله، لشرعت بقتله، وليلة هجرة النبي من مكة إلي المدينة قررت زعامة بطون قريش قتل النبي، وشرعت بقتله فعلا، ولكن الله نجا نبيه بسبب لا يد لزعامة البطون به، وحتي والرسول في طريقه إلي دار هجرته طاردته زعامة البطون، وخصصت الجوائز لمن يقبض عليه حيا أو ميتا، بل وأعظم من ذلك أنه حتي وبعد أن أسس النبي دولة الإيمان، وأخضع العرب للشرعية الإلهية، شرعت زعامة بطون قريش بقتل النبي أثناء عودته من غزوة تبوك، والذين شرعوا بقتله خرجوا معه تحت مظلة الجهاد في سبيل الله!! قال تعالي (أفإن مات أو قتل...). [ صفحه 73]

فقتل الرسول أو موته دون تحديد من يخلفه كارثة حقيقية، تعرض سلامة الدين والدنيا لأشد الأخطار، وتهدد وجود الأمة نفسه، وتهدم الدعوة والدولة وكل ما بناه النبي، أو تورث ما بناه لألد أعدائه المتحدين ضده الذين يتربصون برسول الله ودين الإسلام الدوائر، وتضع مستقبل كل ما يمت للإسلام بصلة في مهب الرياح العاصفة. ثم إن المشرع الوضعي مع قصوره وضيق أفقه، يترفع عن السقوط في هذا التصور، فقد احتاط لهذه الناحية، فما من دولة من دول العالم كله - قديمها وحديثها - إلا وقد نص دستورها علي من يتولي الرئاسة العامة في حالة قتل الرئيس أو موته أو عزله، وهذا أمر تسالمت البشرية قاطبة، واتفقت كافة الأنظمة المتناقضة علي صحته ووجاهته ومنطقيته، وأثبتت الوقائع فائدته وضرورته.

من الطبيعي أن ينال موضوع من يخلف الرسول بعد قتله أو موته الجزء الأعظم من العناية الإلهية، والجزء الأكبر من اهتمام رسول الله خاصة وأن من يخلف الرسول هو حجر الأساس لنظام الحكم الإسلامي، سواء من حيث الصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها، أو من حيث المهام الكبري الملقاة علي عاتقه، أو من حيث مركزية ومحورية الدور الذي سيقوم به بوصفه القائم مقام نبي الله ورسوله. والمنهج نفسه الذي سلكه القرآن الكريم في الصلاة وهي عماد الدين سلكه في نظام الحكم، أو في خلافة النبي، لقد تحدث القرآن الكريم عن ولاية الله ورسوله والمؤمنين، وعن أولي الأمر ووجوب طاعتهم، وعن الحكم بكتاب الله، وإقامة الحدود، والحكم بالعدل، وعن الشوري، وعن [ صفحه 74] البيعة، وعن الأحزاب، وعن حزب الله، وحزب الشيطان، وعن الأمة... الخ وكل هذه الأمور من لوازم نظام الحكم وضرورات وجوده، ولكن القرآن الكريم لم يبين كل ذلك ولا فصله تفصيلا، إنما ذكر هذه الأمور كأصول ومبادئ عامة، تاركا للرسول الأعظم مهمة بيان وتفصيل تلك المبادئ والأصول علي ضوء توجيهات الوحي الإلهي، وكل في حينه، تماما كما فعل بالصلاة وهي عماد الدين، وبالزكاة، والحج... الخ فقد اكتفي القرآن الكريم بذكر الأصول والمبادئ، وترك للرسول البيان والتفصيل، فالقرآن الكريم كدستور ليس معنيا بالتفصيلات، فأكثر التفصيلات قد أحالها القرآن الكريم علي رسول الله بوصفه المختص والمؤهل لبيان ما أنزل الله، ولكن الرسول لا يبين ولا يفصل إلا وفق التوجيهات الإلهية، فهو يتبع تماما ما يوحي إليه من ربه. فالذين يرفضون بيان الرسول وتفصيله المتعلق بنظام الحكم مثلا تماما كالذين يرفضون بيان الرسول وتفصيله المتعلق في أمور الصلاة والزكاة والحج.. الخ وهم منحرفون حسب الموازين الإلهية، وقد اضطرهم هذا الانحراف والتمادي فيه إلي القول بعصمة الرسول في العبادات وفي ما يتلقاه من القرآن بالوحي، وعدم عصمته في الأمور الأخري، وقد افتعلوا هذا التقسيم ليبرروا خروجهم علي الشرعية الإلهية، ورفضهم لبيان النبي في ما أنزل الله، لذلك قالوا باحتمال صدور الخطأ من الرسول ومجانبته للصواب - والعياذ بالله - في ما هو خارج عن دائرة العبادات!!! وهذا الزعم الفاسد يتعارض مع صريح القرآن، ومع طبيعته، وطبيعة الرسالة الإسلامية، وقد تمخضت عنه عقول الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وانحصر همتهم بتبرير مفاسد التاريخ وفضائحه ولو علي حساب هدم الدين نفسه فوق رؤوس معتنقيه. وما يعنينا هو التأكيد أن القرآن الكريم قد أعار نظام الحكم وبالتحديد خلافة الرسول عناية فائقة، من خلال الأصول والمبادئ العامة التي كرسها ومن خلال تكليفه لرسول الله ببيانها وتفصيلها وتطبيقها من خلال سنته المباركة [ صفحه 75] بفروعها الثلاثة، ومن يمعن بالقرآن الكريم وينظر له بنظرة شمولية، ويقف علي السنة المباركة يوقن بما لا يدع مجالا للشك، بأن الإسلام من خلال القرآن والسنة، قد عالج أدق تفاصيل ظاهرة السلطة، وبين للناس من سيخلف النبي في كل وقت من الأوقات، وبين لهم كل ما يحتاجونه إلي يوم القيامة. وكانت سيرة الرسول وسنته ببناء دولة الإيمان خطوة بعد خطوة بمثابة التصوير الفني البطئ لطبيعة الرئاسة العامة والمرجعية في الإسلام، وخصوصيتها سواء علي صعيد عصر النبوة الزاهر أو علي صعيد الخلفاء الشرعيين الذين اختارهم الله لخلافة نبيه، ولو أن رسول الله قد أطيع لما اختلف اثنان، لأن الأمور كانت مرتبة إلهيا ترتيبا محكما. [ صفحه 76]

قلنا في الفقرة السابقة أن أمر من سيخلف الرسول بعد قتله أو موته، قد نال الجزء الأكبر من العناية الإلهية، لأن هذا الأمر جزء لا يتجزأ من دين الله ومن مستقبل هذا الدين. وتبعا لذلك وعملا بالتوجيهات الإلهية فإن الرسول الأعظم قد أعطي موضوع من سيخلفه الجزء الأكبر من اهتمامه، ويبدو أن اهتمام الرسول بأمر من سيخلفه كان سابقا لتشرفه بالنبوة والرسالة، لقد ألقي الله محبة الإمام علي في قلب النبي فكان النبي يتردد علي بيت عمه أبي طالب بصورة مستمرة ليطمئن علي ابن عمه علي وليشرف علي تربيته، وفي سنة جدباء اقترح النبي علي عمه العباس أن يساعدوا أبا طالب فيكفلون بعض بنيه، فأخذ العباس (جعفرا) وأخذ النبي (عليا لينفق عليه ويضمه إلي أسرته، وكان عمر علي يوم ذاك ست سنوات) [109] وعندما أخذ الرسول عليا ليكفله قال الرسول لمن حضر: (قد أخذت من اختاره الله عليكم عليا) [110] وهذا التصريح الذي قد صدر عن النبي يؤكد، بأن ضم الرسول وكفالته لعلي ترتيب رباني، فقد أراد الله أن ينشأ ولي عهد النبي وخليفته في كنف النبي، ليتربي من سيخلف النبي تربية خاصة، وليعد إعدادا كافيا لتولي الإمامة من بعد النبي وليثبت الله فؤاد علي بما يري من [ صفحه 77] المعجزات، وهكذا عاش الإمام علي مع النبي في بيت واحد طوال الفترة التي سبقت النبوة، وخلال الفترة التي تلت النبوة وسبقت الهجرة وطوال الفترة التي تلت الهجرة وسبقت موت النبي، وهذا شرف لم يدعيه أحد قط قال الإمام علي في ما بعد يصف طبيعة ارتباطه بالنبي: (وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلي صدره، ويكنفني فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، أو خطلة في فعل، وكنت أتبعه اتباع الفصيل لأثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة [111] . سئل قثم بن العباس كيف ورث علي رسول الله دونكم؟ فقال: (كان أولنا لحوقا به، وأكثرنا لصوقا به) [112] . وأخرج البيهقي في دلائل النبوة، كما نقل الأربلي في كشف الغمة عن علي أنه قال: (خرج الرسول في بعض نواحي مكة، فما استقبله شجر ولا جبل إلا وقال له: (السلام عليك يا رسول الله) [113] قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (كان علي عليه السلام يري مع النبي الضوء ويسمع الصوت) [114] وقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم يوما لعلي عليه السلام: (إنك تسمع ما أسمع، وتري ما أري إلا أنك لست نبيا، ولكنك وزير وإنك لعلي خير) [115] . وفي اليوم نفسه الذي أظهر فيه النبي صلي الله عليه وآله وسلم دعوته إلي الإسلام حدد الرسول بأمر من ربه من سيخلفه في حالة قتله أو موته، فقال لعشيرته [ صفحه 78] الأقربين في اجتماع (الدار) المشهور: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا) [116] قال الراوي: (فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع) [117] وقد سمعت بطون قريش كلها بهذا الاعلان، وأخذوا يتندرون به في مجالسهم فيقولون: بأن محمدا قد أمر بإطاعة علي بن أبي طالب لأنه خليفته ووصيه وأخوه، تماما كما كانوا يسخرون من النبي ومن القرآن الكريم نفسه وقد فرض هذا الحديث نفسه، واجتاز كافة الحواجز والعوائق التي فرضتها الخلافة التاريخية علي رواية وكتابة أحاديث رسول الله، ويبدو أنهم قد أدركوا خطورة هذا النص علي الواقع التاريخي فحذفوا كلمتي (خليفتي ووصيي) ووضعوا بدلا منهما (كذا وكذا) وكانت القلة المؤمنة التي التفت حول الرسول موقنة بأن الإمام علي بن أبي طالب هو الرجل الذي اختاره الله لخلافة رسوله، وكان الرسول يؤكد هذا اليقين في كل مناسبة فقد رفض الرسول إسلام بني عامر بن صعصعة لأنهم اشترطوا عليه أن يدخلوا في الإسلام مقابل أن يكون لهم الأمر من بعده، لأن الأمر من بعده قد حسم منذ البداية وعرف الجميع من هو صاحب الأمر من بعد محمد، والأعظم أن رسول الله كان يأخذ البيعة لنفسه ولولي عهده، قال عبادة بن الصامت: (بايعنا رسول الله علي السمع والطاعة والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله) [118] والبيعة التي عناها عبادة هي بيعة العقبة، وهذا يعني أن صاحب الأمر من بعد النبي كان معروفا قبل الهجرة، وأن [ صفحه 79] مسألة من يخلف النبي ويقوم مقامه كانت محسومة تماما، وعبادة بن الصامت هذا هو أحد النقباء الاثني عشر الذين شكلوا أعمدة المجتمع الإسلامي في المدينة، وهم بمثابة ممثلي الأمة الجديدة. وبعد الهجرة من مكة إلي المدينة، واشتعال المعارك الحربية بين رسول الله ومن اتبعه، وبين بطون قريش ومن اتبعها، تألق نجم الإمام علي بن أبي طالب، واكتمل عزه، في بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، وحنين، وطبقت سمعته الآفاق، وصار الرجل الثاني بعد النبي، وتوج واقعيا كفارس أوحد للعالم واقتنع الصديق والعدو أنه ليس في العالم كله رجل واحد يستطيع أن يغلب الإمام عليا، وأن كل شجاعة دون شجاعته، وكل رجولة دون رجولته، وكل مكانة دون مكانته، وأن الرجل لا يقهر لأن الله قد خصه بقوة ربانية خارقة، مثلما خصه بعلم النبوة، وشرف القربي القريبة من النبي. هذا السجل الحافل بالأمجاد هيأ المناخ الملائم أمام النبي ليقدم الإمام علي بن أبي طالب كخليفة له، وكقائم بالأمر من بعده، وكنائب عنه في شؤون الدنيا والدين، وكولي لعهده، لذلك أبرز رسول الله مؤهلات الإمام علي، وملكاته، وبين شرفه، وعزه وعلو مكانته، بكل طرق البيان المألوفة، واتبع النبي ما أوحي إليه من ربه، وعلي مرأي ومسمع من خاصة الأمة وعامتها تابع رسول الله الاعلان والبيان عن تميز ومؤهلات الرجل الرباني الذي اختاره الله وأعده وأهله ليكون أوحد زمانه في كل فضيلة، ومستودع علم النبوة اليقيني، والرجل المؤهل لخلافة النبي) [119] .

فهو ابن عمه الشقيق، فأبو طالب هو الذي كفل النبي ورباه، فكان بمثابة أبيه وقد عبر رسول الله عن ذلك بقوله: (يا عم ربيت صغيرا، وكفلت يتيما، [ صفحه 80] ونصرت كبيرا فجزاك الله خيرا) [120] ويوم مات أبو طالب سمي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عام موته بعام الحزن، ووصف موته بأنه مصيبة [121] وقال: (ما نالت مني قريش حتي مات أبو طالب [122] كذلك فقد كانت أم الإمام علي بمثابة أم لرسول الله، فيوم ماتت قال الرسول: (اليوم ماتت أمي إنها كانت أمي...) [123] . وعندما شرعت الإخوة الإسلامية قبل الهجرة آخي رسول الله بينه وبين النبي وعلي [124] وبعد الهجرة آخي الله بينهما، وقد أكد الرسول هذه الإخوة في أكثر من مناسبة حتي لا ينساها المسلمون كقوله لعلي: (أنت أخي ورفيقي في الجنة [125] وكقوله صلي الله عليه وآله وسلم: (وأما أنت يا علي فأخي وأبو ولدي ومني وإلي..) [126] وكقوله صلي الله عليه وآله وسلم: (بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي...) [127] ولينقش النبي مغزاه في الذهنية الإسلامية، قال لعلي أمام الصحابة مجتمعين: (أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه ليس نبي بعدي) [128] فهارون كان أخو موسي ونائبه، لقد أعطي رسول الله [ صفحه 81] لعلي كافة المنازل والدرجات التي كان يتمتع بها هارون عند موسي، ولم يستثن رسول الله إلا النبوة، لقد روي هذا الحديث حتي أعداء علي، وشق هذا الحديث طريقه إلي الأذهان بالرغم من استماتة القوم بطمس الأحكام والفضائل الخاصة بالإمام علي، ومثل هذا الشرف لم يخلع علي أحد قط. ولما حضرت رسول الله الوفاة، كان يكرر (ادعو لي أخي... يعني علينا) [129] واحتج الإمام علي في ما بعد بهذه الأخوة فقال: (أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب) [130] . والأعظم من ذلك أن حكمة الله قد اقتضت بأن تكون ذرية كل نبي من صلبه واقتضت حكمته أن تكون ذرية خاتم الأنبياء من صلب علي ومن أبناء فاطمة بنت رسول الله كما صرح بذلك رسول الله [131] لقد زوج الله فاطمة لعلي، وجعل أولادهما هم أولاد الرسول وكان الرسول يتصرف علي أساس أن أولاد علي هم أولاده، فكلما ولد واحد منهم كان الرسول يأتي الأسرة العظمي مبتهجا فيقول: (أروني ابني، ماذا سميتموه؟) فيقول الوالدان سميناه حربا، فقال النبي عند ولادة أولهم بل هو حسن، وعند ولادة الثاني قال بل هو حسين، وعند ولادة الثالث قال: بل هو محسن، وقد علل النبي ذلك بقوله: (إني سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر) [132] ، وكما [ صفحه 82] بفعل الوالد مع أولاده عند ولادتهم أذن النبي في أذن الحسن، عند ولادته، وأذن في أذن الحسين عند ولادته أيضا [133] ، وكما يفعل الوالد كلما يرزق بولد أمر النبي بحلق رأس الحسن عند ولادته، والتصدق بزنة شعره فضة، وهكذا فعل عندما ولد الحسين [134] . وعوذ رسول الله الحسن والحسين بما عوذ به نبي الله إبراهيم ولديه [135] ، وأعلن النبي أمام أصحابه: بأن الحسن والحسين (عضوان من أعضائه) [136] وأنهما ريحانتاه من الأمة ولا يرضي لهما حر الشمس [137] ، وكان يحملهما بفخر علي عاتقه ويقول: (نعم الراكبان هما) [138] وكثيرا ما كانا يثبان علي ظهر النبي وهو في الصلاة فلا يمنعهما [139] وصدف أكثر من مرة أن النبي كان يخطب بأصحابه فيشاهد الحسنين فيقطع خطبته وينزل عن المنبر ويحملهما [140] وأعلن الرسول أمام أصحابه: (بأن الحسن والحسين ابناه وابنا [ صفحه 83] ابنته، وأن من أحبهما فقد أحب النبي) [141] . هذا نمط من القربي والتماسك والتكامل بين النبي وبين من سيخلفه عجيب، ولا نجد له شبيها في التاريخ البشري كله، هذه طبيعة الصلة بين النبي، وبين خلفائه الشرعيين، وهي طبيعة عجيبة من جميع الوجوه، والأغرب هو ادعاء بعض الأصحاب بأنهم أولي بالنبي من أهله!! لأن الصاحب أولي بالمعروف من ذوي القربي القريبة!!!

قال تعالي: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله علي الكاذبين) لقد أجمعت الأمة علي أن رسول الله عندما خرج للمباهلة خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة، وأنه لم يشرك بهذه المباهلة أحدا من المسلمين سواهم [142] . فالأبناء هم الحسن والحسين، والنساء فاطمة، والأنفس هم النبي وعلي، وفي مشهد آخر قال النبي لما انصرف من الطائف في خطبة له: (والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة، ولتؤتن الزكاة، أو لأبعثن عليكم رجلا مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتليكم وليسبين ذراريكم، ثم أخذ بيد علي وقال: هذا هو [143] . وفي واقعة أخري جلي رسول الله الصورة عندما بلغه أن بني المصطلق [ صفحه 84] يريدون حربه فغضب الرسول، فعنفهم وهددهم قائلا: (لتنتهن أو لأبعثن عليكم رجلا هو عندي كنفسي يقاتل مقاتلكم ويسبي ذراريكم ثم ضرب بيده علي كتف علي) [144] . وتكررت أقوال النبي عندما هدد بني وليعة [145] . وتكررت هذه الأقوال من النبي لوفد ثقيف حين جاءه [146] . وقد أعلن النبي مرات متعددة أمام الصحابة: (بأن عليا مني، وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي) [147] . وليفهم المسلمون هذا المعني، وقياما بواجب البيان، وإقامة للحجة علي الناس: أرسل رسول الله أبا بكر - الخليفة الأول في ما بعد بسورة براءة ليبلغها إلي الناس في الحج، فنزل عليه الوحي وكلفه بأن يأخذ سورة براءة من أبي بكر، وأن يعطيها لعلي، وعلل الرسول ذلك بقوله لأبي بكر: (لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي) [148] وعندما سأله أبو بكر أنزل في شئ يا رسول الله؟ قال الرسول: (لا إلا أني أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي) [149] أو قال له: (لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني)) [150] .. [ صفحه 85] أو قال: (لا يبلغ عني غيري أو رجل مني) [151] أو قال: (ولكن قيل لي لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك) [152] أو قال: (ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني) [153] أو قال: (جاءني جبريل فقال: (لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك) [154] . لقد فرضت هذه الأحاديث نفسها، وتخطت كل القيود والعوائق التي وضعتها دولة الخلافة علي كتابة ورواية أحاديث الرسول، وعجز أولياء الخلافة التاريخية عن إنكار هذه الروايات الخطيرة، التي تشل شللا تاما كافة معتقداتهم السياسية، وتجردها من أية صفة شرعية.

رأينا أن الرسول عندما جهر بالدعوة لأول مرة، أعلن أمام عشيرته الأقربين بأن علي بن أبي طالب (هو أخوه ووصيه والخليفة من بعده) وكلف الحاضرين (أن يسمعوا له ويطيعوا) [155] . السيد: وأعلن رسول الله بأمر من ربه بأن علي بن أبي طالب هو سيد العرب [156] ، وعندما قيل للرسول ألست سيد العرب؟ قال الرسول: (أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب) [157] . [ صفحه 86] أو قال الرسول: (أنا سيد العالمين وعلي سيد العرب) [158] وبأمر من ربه أعلن رسول الله قائلا: (أوحي الله إلي في علي ثلاثا... وإماما للمتقين وقائدا للغر المحجلين، وسيدا للمؤمنين) [159] . كان النبي جالسا وعنده أصحابه حافين به إذ دخل علي بن أبي طالب فقال له النبي أمامهم: (أنت عبقريهم)، قال الراوي أي سيدهم، قال الفيروزآبادي في القاموس: (العبقري الكامل من كل شئ، والسيد الذي ليس فوقه شئ) [160] وإمعانا من النبي الأكرم بالبيان قال النبي لعلي أمام الصحابة الكرام: (أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي) [161] ، وقال الرسول لفاطمة: (زوجك سيدا في الدنيا والآخرة) [162] ، وقال النبي لعلي أمام الصحابة: (يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة) [163] . علم الإمام: قال النبي لأصحابه: (أنا مدينة العلم وعلي بابها، ومن أراد العلم فليأت الباب [164] ، وقال لهم مرة أخري: (أنا مدينة الحكمة وعلي. [ صفحه 87] بابها [165] . وقال النبي يوما لأصحابه: (علي باب علمي ومبين من بعدي لأمتي ما أرسلت به حبه إيمان، وبغضه نفاق) [166] . وقال النبي لعلي أمام الصحابة: (أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي) [167] . قال أحمد بن حنبل: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي) [168] . الأفضل: وقال النبي يوما لأصحابه: (إن هذا - يعني عليا - أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق الأمة) [169] وقال الرسول لأصحابه يوما: (إن عليا خير البشر فمن افتري فقد كفر) [170] وقال: (علي خير البشر من شك فيه كفر) [171] وقال الرسول مخاطبا فاطمة: (زوجتك خير أمتي..) [172] وكان الصحابة الصادقون يرسلون كل ذلك إرسال المسلمات [173] . [ صفحه 88] قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه ذات يوم: (النظر إلي وجه علي عبادة) [174] . المنذر والهاد: وقال الرسول لأصحابه يوما من الأيام: (أنا المنذر وعلي الهاد، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي) [175] . الولاية: قال الرسول أمام الصحابة لأناس اشتكوا من علي: (ما تريدون من علي ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي) [176] . بعث الرسول بعثين إلي اليمن... فالتقي البعثان في بني زيد من اليمن فقاتل المسلمون وانتصروا واصطفي علي لنفسه جارية، فاتفقت مجموعة من المسلمين علي أن تكتب للنبي بذلك، ودفعت الكتب إلي رسول الله، ولما قرئت عليه غضب، فاعتذر حامل الكتب فقال له الرسول أمام أصحابه: (لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي) [177] . أخبر رجل رسول الله بما كلفه به خالد بن الوليد، فخرج الرسول مغضبا وقال: (ما بال أقوام ينقصون عليا، من تنقص عليا فقد تنقصني، [ صفحه 89] ومن فارق عليا فقد فارقني، إن عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم 34) يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ وأنه وليكم بعدي) [178] . قال الرسول لعلي أمام الصحابة: (سألت ربي فيك خمسا... وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي) [179] . قال الرسول في اجتماع الدار الذي أشرنا إليه: (أخي ووصيي وصاحبي ووليكم من بعدي) [180] . احتج ابن عباس يوما بعد وفاة الرسول فقال: أف وتف وقعوا في رجل له عشر... إلي أن قال: وقال له رسول الله: (أنت ولي كل مؤمن من بعدي) [181] . واشتكي رجل إلي رسول الله قائلا: رأيت كذا وكذا من علي فقال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: (لا تقل هذا فهو أولي الناس بكم بعدي) [182] . آية الولاية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون 55 ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم [ صفحه 90] الغالبون 56) [183] قال أبو ذر: إن سائلا سأل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي راكعا، فأومأ للسائل بخنصره اليمني وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتي أخذ الخاتم بمرأي من رسول الله فدعا رسول الله ربه بالدعاء الذي دعا فيه موسي ربه إلي أن قال: (واجعل لي وزيرا من أهلي عليا، اشدد به ظهري... قال أبو ذر فوالله ما أتم رسول الله الدعاء حتي نزل جبريل بآية الولاية، فالمقصود من الذين آمنوا (عليا) [184] واستعمل بصيغة الجمع للتفخيم. [ صفحه 91]

لأن منصب من يخلف النبي هو حجر الأساس لنظام الحكم في الإسلام، ولقطع الطريق علي أعداء الله السابقين الذين تستروا بالإسلام، وحتي لا تكون لهم حجة يحتجون بها أمام الله، فقد أمر الله رسوله بأن ينصب ويتوج عليا إماما من بعده وأن يكلف المسلمين بمبايعته فردا فردا تحت إشراف الرسول شخصيا، فصدع الرسول بأمر ربه فأكمل رسول الله والمسلمون شعائر فريضة الحج، ولأن الرسول قد أعلن بأن حجته تلك هي حجة الوداع، وأنه لن يراهم أبدا بعد هذا العام، فقد تعلقت به القلوب والأبصار، وأرادوا أن يتزودوا من النظر إليه، وأن يسمعوا كل كلمة يقولها. خرج النبي من مكة متوجها إلي المدينة، وتبعته وفود الحجيج، وفي مكان يدعي غدير خم، أناخ النبي ركابه، وأمر برد الذين سبقوه بالسير، وباستعجال الذين تأخروا عنه، وأحيط المسلمون علما بأن الرسول سيصدر بيانه الأخير، وتلخيصه للموقف، من خلال خطبة سيلقيها أمام الجموع. واحتشد المسلمون بالفعل في غدير خم وجاوز عددهم بأقل التقديرات مائة ألف مسلم ومسلمة، وبعد قليل ظهر النبي وإلي جانبه علي بن أبي طالب، الناس جلوس، والنبي وعلي في حالة وقوف، في مكان مكشوف ومرئي من كل الناس. [ صفحه 92] خشعت الأصوات، فلا تسمع ولا همسا، العيون معلقة بالنبي وبعلي والجميع يتساءلون، لماذا جمع رسول الله الناس؟! وأي أمر خطير يريد أن يعلنه؟ حمد رسول الله، الله وأثني عليه ثم قال: (كأني قد دعيت فأجبت... أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب!!...). لقد تأكد المسلمون السامعون من أن الرسول سيموت لا محالة فتابعوا بشغف واهتمام كل كلمة كانت تخرج من فم الرسول. ثم تابع الرسول خطبته قائلا: (وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه النور والهدي فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي). وفجأة سأل رسول الله الجموع المسلمة المحتشدة أمامه قائلا: (أيها الناس من وليكم؟) فردت الجموع بصوت واحد: (الله ورسوله) وهنا أخذ الرسول بيد علي فأقامه ثم قال: (من كان الله ورسوله وليه فهذا علي وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه). ومرة أخري سأل الرسول المسلمين: (ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقال المسلمون: بلي! وسألهم الرسول ثانية: ألستم تعلمون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ فقال المسلمون بلي، فرفع الرسول يد علي بن أبي طالب وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). ثم قال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: أيها الناس إني وليكم، قال الناس نعم، فرفع الرسول يد علي بن أبي طالب وقال: (هذا وليي ويؤدي عني، وأنا موال من والاه، ومعاد من عاداه). ثم أكد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الحقيقة التي اتفق عليها الجميع فقال: (إن الله. [ صفحه 93] مولاي وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). هذه مقاطع من خطبة الرسول في غدير خم. 1 - بعد انتهاء الرسول من إلقاء بيانه المبارك، عمم علي بن أبي طالب بما يعتم به الملائكة، كناية عن التتويج. 2 - فهم المسلمون المجتمعون مغزي رسول الله، وتلخيصه الدقيق والموفق للموقف فأيقنوا بأن رسول الله قد نصب علي بن أبي طالب وليا للأمة وإماما لها من بعده، ولم يترك رسول الله الأمر عند هذا الحد، بل أمر الإمام عليا أن يجلس في مكان خصصه له، وطلب من المهاجرين والأنصار ومن كافة المجتمعين أن يذهبوا إلي الإمام فيبايعوه، ويقدموا له التهاني بهذا المنصب، وأخذ المسلمون يتدافعون لمبايعة الإمام الجديد وتقديم التهاني له، وكان من جملة الذين بايعوا وقدموا التهاني عمر بن الخطاب، فبايعه وهنأه قائلا: (بخ بخ يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي كل مسلم ومسلمة) [185] أو قال: (هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة) [186] ومن الطبيعي أن أبا بكر وعثمان وكبار [ صفحه 94] الصحابة والمهاجرين والأنصار قد بايعوا جميعا، وقدموا تهانيهم للإمام، ومن الطبيعي أن يبايع كافة الحاضرين وأن يقدموا تهانيهم للإمام، لأن رسول الله قد أمر الجميع بذلك. بعد أن انتهت مراسم تنصيب وتتويج من سيخلف رسول الله، هبط جبريل ومعه آية الاكمال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي...) [187] وصار يوم الغدير عيدا. بعد ذلك عاد رسول الله ومعه حجاج المدينة وما حولها إلي المدينة، أما بقية وفود الحجيج فقد التحقت بأماكن سكناها، والجميع علي بينة من الأمر.

في الوقت نفسه الذي كان فيه رسول الله يركز علي حقيقة وطبيعة المكانة الخاصة المميزة التي اختارها الله لأهل بيته، كان النبي يسلط أضواء ربانية [ صفحه 95] خاصة علي الأئمة من أهل بيت النبوة فيقدمهم من خلال تركيزه الخاص عليهم كقادة شرعيين للأمة، وقد ساق رسول الله الخطين معا، فعمم المكانة السامية لأهل بيت النبوة، وأبرز المكانة الخاصة للأئمة الأعلام منهم. فبين أن أهل بيت النبوة هم المطهرون [188] ، وهم أولوا القربي التي فرض الله مودتهم [189] ، وهم الأبناء والنساء والأنفس الذين عنتهم آية المباهلة [190] وهم الأبرار الذين عنتهم آية الاطعام [191] ، وهم أولوا الأمر الذين فرض الله طاعتهم [192] ، وهم أهل الذكر [193] ... الخ. كان هذا يحدث في الوقت الذي كان فيه الرسول يوطد للإمام علي ويقدمه للأمة علي أساس أنه الإمام الشرعي الذي سيلي رئاسة وقيادة الأمة بعد موت النبي، ويوطد للإمامين الحسن والحسين علي أنهما إمامان شرعيان من بعد أبيهما. في حفل تنصيب وتتويج الإمام علي الذي تم في غدير خم نجح الرسول الأعظم نجاحا ساحقا بالربط الوثيق بين خطي الرئاسة والمرجعية، فقد أهل بيت النبوة كأحد ثقلي الإسلام، الذي لا تستقيم أمور الدنيا والدين إلا بهما. فأكد الرسول بكل وسائل التأكيد بأن الهدي من بعد وفاته لا يدرك إلا بالتمسك بالثقلين معا، وأنه لا يمكن تجنب الضلالة من بعده إلا بالتمسك بالثقلين معا [194] ، وبعد أن نجح الرسول الأعظم بغرس هذه [ صفحه 96] القناعة في قلوب سامعيه عالج الخط الخاص للرئاسة والمرجعية، فقدم الإمام علي بن أبي طالب عميد أهل بيت النبوة كرئيس ومرجع عام للأمة من بعد وفاته صلي الله عليه وآله وسلم، وكقائم مقامه، ومؤد عنه أحكام الدين، ثم نصبه وتوجه أمام الجميع، فبلغ بيانه المدي في هذين المجالين، وطوال الفترة التي سبقت الهجرة، والتي تلت الهجرة، والرسول يتلقي التوجيهات الإلهية للأسلوب الواجب اعتماده بتقديم أهل بيت النبوة عامة، وتقديم الأئمة الذين سيلون الأمر من بعده خاصة، حتي إذا ما اكتمل البيان النبوي المتعلق بهاتين الناحيتين أمر الله رسوله بأن ينصب أول من سيخلفه وهو الإمام علي، وأن يأخذ له البيعة أثناء حياته من المسلمين، وهكذا فعل الرسول في غدير خم، والإمام علي وأهل بيت النبوة، والخاصة من المؤمنين، كانوا يعرفون بأن الرسول قد أعلن بأن الأئمة من بعده اثنا عشر أولهم علي، وثانيهم الحسن، وثالثهم الحسين، وتسعة من ولد الحسين سماهم الرسول بأسمائهم قبل أن يلدوا [195] ، ومن المحال عقلا أن يعمل الرسول مثل هذه الأعمال، أو أن يرتب مثل هذه الترتيبات الخطيرة دون موافقة وتوجيه إلهي سابق، والدال علي وجود التوجيه التأكيدات الإلهية القاطعة بأن الرسول يتبع ما يوحي إليه من ربه، ثم إنه بعد أن نصب الرسول الإمام عليا وتوجه في غدير خم نزلت آية الاكمال، وهذا يعني بأن العناية الإلهية توجه وتراقب بدقة متناهية، خطوات الرسول في هذا المجال. [ صفحه 97] في هذه الحالة لم يكن بوسع عاقل، أن يعارض الرسول، بل كل عاقل يجد نفسه سائرا في أثر الرسول، ومتوصلا إلي ذات النتائج التي توصل إليها الرسول فأهل بيت النبوة هم أقرب الناس للنبي، وهم القاسم المشترك بين المسلمين بعد وفاة النبي، وهم رمز وحدة وقاعدة الأمة، ورمز استمرارية الرسول، فعندما نذكر الأمة الإسلامية، تقفز إلي ذهنك صورة بانيها رسول الله، وفي غياب الرسول تقفز إلي الذهن الصورة المتماسكة لأهل بيته، لقد عرفنا مكانة علي وهو الإمام الأول، أما الأحد عشر فكلهم من أهل بيت النبوة، وكلهم أحفاد النبي، فحكم أي واحد منهم أدعي للاستقرار والرضا والقبول من حكم أي مسلم آخر، ففي ذلك استقرار لمؤسسة الرئاسة والمرجعية، وقطع لدابر الاختلاف والتنازع علي الرئاسة من بعد النبي، وهذا هو أساس سلامة أمور الدين والدنيا. لذلك فلا تعجب من قبول المسلمين العام لهذه التدابير، وتسليمهم الفطري بوجاهتها ومنطقيتها، فالمؤمنون الصادقون كانوا علي خط النبي لا يحيدون عنه قيد أنملة، والمسلمون الآخرون آمنوا بوجاهة هذه الترتيبات، حتي المسلمون الأحداث والطلقاء سلموا بمنطقية هذه الترتيبات ووجاهتها.

مع أن عمر بن الخطاب، هو الذي قاد الانقلاب علي الشرعية الإلهية، ونفذ نسف كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بالقيادة والتي أعلنها الرسول وبينها بيانا كاملا، وعلي الرغم من أنه قد نصب أبا بكر خليفة ثم وصل إلي سدة الخلافة بعهد من الخليفة الأول إلا أنه قد صدرت منه مجموعة من الاعترافات تفيد بأن آل محمد أولي بميراثه وسلطانه، وأن. [ صفحه 98] علي بن أبي طالب هو الخليفة الشرعي الذي اختاره الله ونصبه رسوله، من ذلك: 1 - أن عمر بن الخطاب خاطب الأنصار في سقيفة بني ساعدة قائلا: (إنه والله لا ترضي العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم... من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته...) [196] . أنت تلاحظ أن حجة عمر هي حجة أهل البيت وقد وظفها عمر لصالحه. 2 - وعمر يجلس علي كرسي الخلافة المغتصبة قال يوما لابن عباس: (... أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي بن أبي طالب أولي بهذا الأمر مني ومن أبي بكر...) [197] . 3 - ثم أعلن عمر بن الخطاب الحقيقة تامة يوم صرح قائلا: (بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب، فزحزحوه عنه لحداثة سنة والدماء التي عليه) [198] . فهذا إقرار بأن عمر بن الخطاب يعلم علم اليقين بأن الأمر لعلي بن أبي طالب، وكيف ينسي ذلك وهو أول من بايع الإمام وهنأه في غدير خم!! قال الحسن بن علي يوما لعمر بن الخطاب: (إنزل عن منبر أبي)، فقال عمر: (هذا منبر أبيك) [199] . [ صفحه 99]

مع أن معاوية وأباه هما اللذان قادا جبهة الشرك ضد رسول الله، وقاوماه بكل أساليب المقاومة، وحارباه بكل فنون الحرب، ولم يستسلما حتي أحيط بهما فاضطرا اضطرارا للتلفظ بالشهادتين، وأخفيا حقدهم الدفين علي محمد وآل محمد لأنهم قتلة الأحبة علي حد تعبير هند أم معاوية، وقتلة شيوخ الوادي علي حد تعبير أبي سفيان. إلا أن معاوية أجاب محمد بن أبي بكر علي رسالته قائلا: (... ذكرت حق ابن أبي طالب، وقديم سوابقه وقرابته من نبي الله ونصرته له، ومواساته إياه في كل خوف وهول، واحتجاجك علي بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد إلها صرف الفضل عنك وجعله لغيرك. وقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نري حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده... فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه. علي ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلي أنفسهم، فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم فبايع وسلم لهما لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه علي سرهما، حتي قبضا وانقضي أمرهما...) [200] . وقد أشار الطبري إلي الرسالتين المتبادلتين بين محمد ومعاوية إلا أنه لم يفصل قائلا: (كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة) [201] . وامتنع ابن الأثير عن ذكرها لنفس الحجة (لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة) [202] . [ صفحه 100] فإذا كان معاوية الطليق ابن الطليق الذي قاد وأبوه الشرك والمواجهة ضد النبي طوال 21 عاما والذي قتل الإمام علي أخاه وجده وخاله وابن خاله وسادات بني أمية يري حق ابن أبي طالب لازما له، وفضله مبرزا عليه، فالأولي بغيره أن يري هذا الحق ويعرف هذا الفضل!! مما يعني أن الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بالإمامة أو القيادة من بعد النبي، قد صارت قناعة عامة عند الناس، وقبلوا بها ولم تنزع هذه القناعة إلا بتدابير وجهود جبارة خاصة بذلها الكارهون لما رتب الله ورسوله.

قال المقداد بن عمر: (واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين، وابن عم الرسول، وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناء في الإسلام... والله لقد زووها عن الهادي المهتدي، الطاهر المتقي، والله ما أرادوا إصلاحا للأمة، ولا صوابا في المذاهب، ولكنهم آثروا الدنيا علي الآخرة فبعدا وسحقا للقوم الظالمين) [203] .

في سقيفة بني ساعدة وفي غياب الإمام علي وفي حضور ذلك النفر من المهاجرين الذين اتفقوا علي إهمال الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بمن يخلفه (قالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا) [204] . [ صفحه 101] وقال المنذر بن الأرقم مخاطبا ذلك النفر من المهاجرين: (ما ندفع فضل من ذكرت وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد - يعني علي بن أبي طالب -) [205] . (وكان عامة المهاجرين والأنصار لا يشكون أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم) [206] . [ صفحه 102]

بتنصيب رسول الله أثناء حياته للإمام علي وليا وإماما للأمة من بعده، وبتحديده للأئمة الأحد عشر الذين سيتعاقبون علي قيادة الأمة بعد وفاة الإمام علي، وببيانه لطريقة انتقال الإمامة من إمام إلي آخر (كل بعهد ممن سبقه) وبتأهيل رسول الله للأئمة وإعدادهم وتوريثهم علمي النبوة والكتاب، يكون رسول الله قد حل مشكلة القيادة حلا جذريا، وأغلق أبواب الخلاف والاختلاف من بعده فيها، وقطع دابر الطمع والتنازع فيها وعليها، وأضفي علي منصب الإمامة طابع الاستقرار والمؤسسية، وأوجد الطريقة المثلي لتربية الأمة سياسيا، فعندما ينتقل منصب الإمامة من إمام لآخر اثني عشرة مرة بطريقة سلمية، وعندما يتعود الناس علي حكم الأفضل والأعلم والأفهم لن يتمكن الظالمون الطامعون من الاستيلاء علي منصب القيادة بالقوة والتغلب لأنهم سيجدون يوما أمة كاملة تقف في وجوههم وتبطل كيدهم.

كلما كانت تنزل آية أو كوكبة من الآيات علي رسول الله، كان [ صفحه 103] الرسول يبينها لمن حضر من المسلمين بيانا عاما، ثم ينفرد رسول الله بالإمام علي ويبينها له بيانا خاصا، ثم يملي رسول الله بيانها علي الإمام علي، ويأمره بأن يكتبه بخط يده، فعندما اكتمل نزول القرآن، كان الإمام علي قد أكمل كتابة بيان الرسول لهذا القرآن، أي أكمل كتابة السنة المطهرة بفروعها الثلاثة، وعندما تم إنجاز ذلك أمر رسول الله الإمام عليا بأن يحتفظ بهذا الكنز، وأن يعلم ما فيه إلي الإمام الذي يأتي من بعده، وعندما يدركه الموت يسلم هذا الكنز إلي الإمام الذي يليه، ويتوارث الأئمة الاثنا عشر الذين اختارهم الله وبينهم رسوله هذا الكنز والعلم معا، فكان القرآن كله مكتوبا عند الإمام علي، وكانت السنة كلها القولية والفعلية والتقريرية مكتوبة كلها عند الإمام علي بإملاء رسول الله وخط الإمام علي، وانتقلت هذه الثروة من إمام إلي إمام وما زالت حتي يومنا هذا عند عميد أهل بيت النبوة الإمام الثاني عشر، وهكذا حل رسول الله مشكلة القانون. بهذه الحكمة الربانية أمكن ضمان خلود الشريعة الإلهية، بقرآنها وسنتها، وصيانتها من العبث والتحريف، وتقديمها كاملة للعالم، فلو حكم أئمة أهل بيت النبوة لما عدوا هذه المنظومة الحقوقية الإلهية، فما يحتاجه الناس إلي يوم القيامة موجود فيها، وعندما تستفيق الأمة الإسلامية، فتلعن طغاتها وجلاديها ومغتصبي أمرها، وتعترف بحق أهل بيت النبوة بقيادة الأمة وقيادة العالم كله، عندئذ ستظهر هذه المنظومة مع إمام أهل البيت كأحد براهين صدقه فلولا أعداء الله المتسترين بالإسلام لشقت هذه المنظومة الإلهية طريقها إلي التطبيق، ولنعم العالم بعدل الشريعة الإلهية، وبحكم أئمة أهل بيت النبوة الأطهار. [ صفحه 107]

لبث رسول الله في مكة قبل الهجرة 13 أو 15 سنة وهو يدعو أهل مكة ومن حولها إلي الإسلام، ومع هذا فإن الذين اتبعوه من أهل مكة وما حولها كانوا أقلية لا يتجاوزون المائتين، أما الأكثرية الساحقة من أهل مكة وما حولها والتي كانت تعد بعشرات الألوف، فقد كانت ضد النبي وضد دعوته، فقد وجدت في مكة قبل الهجرة أكثرية مشركة، وأقلية مسلمة، كانت الأكثرية المشركة التي تقف ضد النبي في مكة منظمة ولها قيادة، ولها نفوذ، ولديها خطط وإمكانيات لتنفيذ هذه الخطط، بل وعندها الإمكانيات لتجييش الجيوش عند اللزوم. لما هاجر الرسول من مكة إلي المدينة أمر الذين أتبعوه من أهل مكة بالهجرة إلي المدينة، فهاجرت أكثريتهم بالفعل ونشأ في المدينة المجتمع الإسلامي المكون من المهاجرين من أهل مكة ومن الأنصار من أهل المدينة وما حولها ومع هذا فإن المسلمين كانوا أقلية لا تتجاوز ال 500 مسلم وسط أكثرية ساحقة من المشركين واليهود تعد بعشرات الآلاف، فبعد مضي أكثر من سنتين علي الهجرة قال رسول الله: (اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس، قال حذيفة فكتبنا له ألفا وخمسمائة)،... وعن الأعمش أنه قال: فوجدناهم خمسمائة، قال أبو معاوية (ما بين الستمائة. [ صفحه 108] والسبعمائة) [207] . فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن قسما كبيرا من هذا الرقم كانوا من المنافقين أدركت حجم الفارق العددي الهائل بين الأقلية المسلمة، والأكثرية الساحقة المشركة، صحيح أن الأكثرية المشركة كانت تتكون من كيانات متعددة، ولكنها كانت تتصرف كفريق واحد، وكانت لها القدرة علي تكوين جبهة واحدة عند الضرورة، وغزوة الخندق أو الأحزاب دليل قاطع علي ذلك، فقد شكل العرب واليهود جيشا موحدا ضد الرسول، وزحف ذلك الجيش بالفعل إلي المدينة ليجتث الإسلام من جذوره. فالهدف المحدد من وحدة الأكثرية المشركة ينصب بالدرجة الأولي والأخيرة علي القضاء علي النبي والأقلية المؤمنة التي اتبعته، وكان الصراع بين الأكثرية والأقلية يدوم، حتي يتم القضاء علي النبي والأقلية التي اتبعته، أو حتي تتظاهر هذه الأقلية المؤمنة بأنها قد رجعت إلي دين الأكثرية، أو تتقي فتكتم إيمانها، أو حتي تتدخل العناية الإلهية لصالح الأقلية المؤمنة فتبطش بالأكثرية الفاسدة بطشة كبري كما بطشت بفرعون وقومه، أو قوم نوح، أو قوم هود.. الخ عندئذ يحسم الصراع وينتهي إلي حين، ولم يكن ورادا بكل المقاييس العلمية والموضوعية بأن تتمكن الأقلية من حسم الصراع لصالحها بوسائلها الذاتية الخاصة لأنه لا يوجد تكافؤ بين الأكثرية والأقلية، ولا توازن فكفة القوة راجحة بالكامل لصالح الأكثرية، هذه هي انعكاسات القانون الذي حكم الصراع بين النبي أي نبي والأقلية التي اتبعته من جهة وبين الأكثرية الساحقة من أبناء مجتمع ذلك النبي. ولم يكن النبي محمد بدعا من الرسل، فما جري علي الأنبياء الذين سبقوه جري معه، وكان من المفترض أن ينتهي الصراع بين الأقلية المؤمنة التي اتبعت النبي محمدا وبين الأكثرية المشركة التي وقفت ضده بنهاية تشبه إحدي نهايات الصراع التي تمت بين الأنبياء والسابقين ومجتمعاتهم. [ صفحه 109] ولكن إرادة الله، وطبيعة رسالة النبي كآخر الرسالات الإلهية ونوعية قيادة النبي المقتدرة أنهت الصراع بين رسول الله محمد والأقلية المؤمنة التي اتبعته وبين المجتمعات العربية المشركة بنهاية غير مسبوقة تاريخيا، لقد تمكنت الأقلية المؤمنة بقيادة رسول الله المقتدرة من هزيمة الأكثرية المشركة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وزهق دين هذه الأكثرية تبعا لذلك.

زعامة بطون قريش هي التي قادت الأكثرية الساحقة من العرب والموالي واليهود أثناء مقاومتهم للنبي قبل الهجرة، وهي التي جيشت الجيوش من هذه الأكثرية وقادت الحرب ضد النبي بعد الهجرة، وهي التي حشدت كل إمكانيات الأكثرية لمقاومة النبي وحربه، وكانت زعامة بطون قريش عازمة علي الاستمرار في حرب النبي حتي النهاية لأنها زعامة حاقدة، وموتورة وحاسدة، وقاصرة النظر فكلما لوح الرسول لها بمبادرة سلمية ردت عليه بالعنف والحرب وتعميق الخصام، وبعد بضعة وعشرين عاما من مقاومتها وحربها للنبي قبلت بهدنة مؤقتة بينها وبينه ثم نقضتها، فاغتنم النبي الفرصة فجسد كل إمكانات الأقلية المؤمنة، واستنفر المتظاهرين بالولاء له، والطامعين بالمغانم، وتفاجأت زعامة الأكثرية بجيش النبي وهو يحيط بعاصمة الشرك، والمقر العام لقيادته من كل الجهات، وألقي الله الرعب في قلوب تلك الزعامة، فاستسلمت وألقت سلاحها بعد أن هزمت سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وعندما وجدت كل الأبواب مغلقة أمامها إلا باب الإسلام تلفظت بالشهادتين، وأقرت بأن الإسلام هو الدين الرسمي لكل بلاد العرب، وباستسلام الزعامة الفاسدة استسلمت الأكثرية المشركة وتلفظت بالشهادتين أيضا اقتداء بزعامتها!! فصاروا رسميا من المسلمين. 1 - وهكذا تكون المجتمع الإسلامي الجديد من الفئة القليلة المؤمنة التي [ صفحه 110] بنت الدولة ورعت الدعوة، وتحملت أعباء مرحلتي التأسيس والمواجهة. 2 - من زعامة بطون قريش وجيشها ورعاياها الذين عادوا الله ورسوله بالأمس ثم استسلموا وتلفظوا بالشهادتين فصاروا أعضاء في المجتمع الإسلامي الجديد. فصارت الأكثرية المشركة بالأمس هي الأكثرية المسلمة في المجتمع الجديد!!! وأخفت زعامة تلك الأكثرية مشاعرها بالإحباط والهزيمة، وحقدها علي الذين قتلوا أبناءها، وتاريخا طويلا من الصراع المرير، وحاولت العيش في ظل هذه العقيدة الجديدة!! والتربص وانتظار الفرص!!! وما تأتي به الأيام!!! أما الفئة القليلة المؤمنة، التي بنت الدولة وقادت الدعوة وتحملت أعباء المواجهة، فقد صارت أقلية في المجتمع الإسلامي الجديد!! فأبو سفيان قائد جبهة الشرك، وأحد أئمة الكفر سابقا صار مسلما، وعمار بن ياسر مسلم أيضا!!!! وبوقت يطول أو يقصر ستختفي الفوارق بين الاثنين، وسترجح كفة أبي سفيان علي كفة عمار، لأن الأكثرية تعتقد أن أبا سفيان أولي بالتقدم والاحترام من عمار وأمثاله!!! فعمر بن الخطاب من المهاجرين، ونال شرف مصاهرة النبي، وأصبح الخليفة الثاني في ما بعد، ومع هذا كان يقول عن معاوية: (إنه فتي قريش وابن سيدها) [208] !!! لقد نسي الخليفة أو تناسي التاريخ الأسود لمعاوية ولأبيه، ومع أنه كان خليفة للمسلمين إلا أنه كان ينظر لمعاوية ولأبيه بالنظرة نفسها التي كان ينظرها إليهم في الجاهلية وهو يرعي الغنم، فأبو سفيان في الجاهلية كان سيده وسيد قريش وابن السيد سيدا مثله، لقد انتقلت الثقافة الجاهلية مع زعامة البطون ومع الأكثرية التي استسلمت باستسلام الزعامة، وتلفظت بالشهادتين تبعا لتلفظ زعامتها!! [ صفحه 111]

يكمن وجود الخطر الماحق في وجود الأكثرية بجيشها ورعاياها وزعامتها وإعادة تنظيم العلاقة بين الأكثرية وزعامتها السابقة، ويكمن هذا الخطر في طمع زعامة الأكثرية بملك النبوة، وفي طبيعة نوايا تلك الأكثرية وأساليبها بالوصول إلي أهدافها. لقد تيقنت الأكثرية وزعامتها بأن محمدا قد استطاع أن يبني ملكا عظيما بالفعل علي حد تعبير أبي سفيان، وأيقنت الأكثرية وزعامتها بأنه ليس بإمكان الأقلية المؤمنة أن تحمي هذا الملك العظيم، أو أن توسعه دون الاستعانة بالأكثرية، لقد تيقنت الأكثرية وزعامتها أن بإمكانها أن تستولي علي ملك النبوة ذات يوم، وأن تنتقم لقتلاها وهزائمها، لذلك رأت أن من مصلحتها أن تعترف بالنبوة، لا قناعة ولكن طمعا بالاستيلاء علي الملك الذي تمخضت عنه النبوة، فأخذت تعمل لتحقيق هذه الأهداف تحت مظلة الإسلام وخيمته!!!

أول عائق كان يحول بين الأكثرية وبين تحقيق أهدافها، وجود الرسول والتفاف القلة المؤمنة حول قيادته، فقد كان من المستحيل علي الأكثرية وزعامتها التمكن من الاستيلاء علي ملك النبوة أثناء حياة النبي، لذلك خططت هذه الأكثرية لقتل النبي أثناء عودته من غزوة تبوك، لقد خرجت زعامة الأكثرية مع الرسول في غزوة تبوك تحت شعار الجهاد في سبيل الله، ولكن الغاية الأصلية من خروجها مع النبي هي محاولة اغتنام الفرصة لقتل النبي!! لما فشلت محاولة قتلها للنبي قررت أن تنتظر بفارغ الصبر موته!! وثاني عائق كان يحول بين زعامة الأكثرية وبين تحقيق أهدافها السنة النبوية المتعلقة بمن يخلف النبي من بعده، فقد ركز النبي بأمر من ربه. [ صفحه 112] تركيزا خاصا علي مكانة أهل بيت النبوة فجعلهم مركز الدائرة الإسلامية، وركز النبي تركيزا خاصا علي الإمام علي بن أبي طالب، فقدمه بأمر ربه ليكون أول إمام يخلف النبي بعد موته، وعلي أحد عشر إماما من ذريته، لقد كانت السنة النبوية من الوضوح، بحيث لا يمكن تأويلها، وكانت من الحسم بحيث لا يمكن إعادة النظر فيها ولم تجد زعامة الأكثرية وسيلة لإبطال مفاعيل هذه السنة النبوية سوي التشكيك بالنبي نفسه ومقاومة كتابة وتدوين ما يقوله النبي، وبالتالي تصوير السنة النبوية المتعلقة بنظام الحكم والخلافة من بعد النبي بصورة الآراء الشخصية لمحمد بن عبد الله غير الملزمة!!! وثالث هذه العوائق التي كانت تحول بين زعامة الأكثرية وبين تحقيق أهدافها وحدة الأقلية المؤمنة، فما دامت الأقلية المؤمنة متحدة، فلن تتمكن زعامة الأكثرية من تحقيق أهدافها، لذلك ركزت هذه الزعامة علي اختراق الأقلية المؤمنة، وتدمير وحدتها. كان من المهاجرين من يتعصب لقريش، ومن يكره الترتيبات التي أعلنها النبي لخلافته، ومن يعارض جمع الهاشميين للنبوة والخلافة، وكان من المهاجرين من يحقد علي علي بن أبي طالب خاصة، وعلي الهاشميين عامة لأنهم وتروهم بالأبناء أو الإخوة أو الآباء أو القرابة القريبة، ولم تكن لهذا النفر المعارض القدرة علي الجهر بما يضمر، وعندما انضمت الأكثرية إلي المجتمع الإسلامي قوي هذا النفر بها، ووجدتها زعامة الأكثرية الفرصة التاريخية لاختراق الفئة المؤمنة. كان عمر بن الخطاب مثلا من المهاجرين ومن المعارضين لجمع الهاشميين بين النبوة والملك [209] وكان من المتعصبين لقريش، ومن الطامعين بمرضاة زعامتها الجاهلية وما يدلنا علي تعصبه لقريش قوله لرسول الله في [ صفحه 113] بدر يوم بلغ الرسول أن قريشا قد أقبلت حيث استشار الرسول أصحابه فوقف عمر وقال: (إنها والله قريش وعزها، ما ذلت منذ عزت والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدا ولتقاتلنك، فاتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته..) [210] فالرجل يثبط همة الرسول، ويمتدح خصمه أمام الأنصار، لقد أدرك بعض أولياء دولة الخلافة خطورة ما قاله عمر! فقال ابن هشام في سيرته: (فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن.. ثم قام المقداد...) [211] فكتما ما قاله عمر وأبو بكر خشية أن يكتشف المسلمون ما قالاه فتهتز مكانتهما المقدسة! وما يعنينا في هذا المقام أن عمر وأمثاله كانوا من الكارهين لرئاسة آل محمد ومن المعارضين لجمعهم النبوة والخلافة معا، ومن المتعصبين لقريش ولزعامتها الجاهلية، ولم يكن عمر الوحيد الذي يحمل هذه القناعات، فقد شاركه في حملها الكثير من المهاجرين، لكن عمر لعب دور المنسق والمنظر والقوة المحركة لأنه لم يصدف أن قتل عمر أو أسر أو سلب أحدا من المشركين، ولأن عمر كان يمدح قريشا وزعامتها، ولأن مشاكساته ومزاوداته علي الرسول قد انتشرت، فأحبه المشركون وأحبه المنافقون، لأنهم قد تصوروا أنه عدو لرسول الله بل وقد أحبه اليهود لأنه كان يتردد عليهم ويحضر دروسهم. قال عمر بن الخطاب نفسه: إني كنت أغشي اليهود يوم دراستهم فقالوا لي: (ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا...) [212] وفي أسباب النزول للسيوطي قال: (إن عمر كان يأتي اليهود فيسمع منهم التوراة...) [213] . ثم إن عمر بن الخطاب كانت له علاقة وطيدة مع المرتزقة من الأعراب، روي [ صفحه 114] الطبري في تاريخه (أن أسلم أقبلت بجماعتها حتي تضايق بهم السكك فكان عمر يقول: (ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر) [214] فلو لم تكن علاقته وطيدة بهم، أو علي اتفاق معهم فكيف عرف أنهم معه؟ بمجرد رؤيته لهم؟ هذه الشبكة الهائلة من العلاقات والمعتقدات، مكنت زعامة الأكثرية من اختراق وحدة القلة المؤمنة، ومن إيجاد شرخ فيها، ومكنت عمر بن الخطاب من تكوين جبهة عريضة، تتكون من الأكثرية التي كانت مشركة ثم أسلمت، ومن المرتزقة من الأعراب، بل واقتطع معه فريقا من القلة المؤمنة، هذه الجبهة العريضة كانت متفقة علي الحيلولة بين آل محمد وبين رئاسة الأمة، وبين سنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وبين التطبيق، لقد تمكنت زعامة بطون قريش والأكثرية الساحقة بفضل عمر بن الخطاب من تكوين حكومة ظل تنتظر موت النبي بفارغ الصبر لتنقض علي السلطة وتستولي علي ملك النبوة، ولم تر زعامة بطون قريش بأسا من أن يتولي الخلافة بعد موت النبي عمر بن الخطاب أو غيره من المهاجرين، الذين لعبوا دورا مميزا بتسهيل مهمة زعامة بطون قريش والأكثرية التي تؤيدها علي اعتبار أن الجميع فريق واحد، وأن من الأنسب أن يتناوب أصهار الرسول علي الرئاسة خلال فترة انتقالية، ثم تعود رئاسة الأمة الجديدة، لزعامة بطون قريش الجاهلية المتسترة بثوب الإسلام وهكذا كان. [ صفحه 115]

أطلع الله رسوله علي أهداف المتآمرين ومخططاتهم، وكشف له قادتهم، ورسم له صورة يقينية لحركة الأحداث المستقبلية، لكن حكومة العدل الإلهي لا تعاقب علي النوايا والأهداف ما لم تخرج إلي حيز الواقع وتترجم إلي أفعال مادية، والمتآمرون كانوا ينتظرون بفارغ الصبر موت النبي، لينفذوا تلك الأهداف، ويترجموا تلك النوايا الفاسدة. لذلك لم يبق أمام الرسول سوي تحذير الأمة - وخاصة الفئة القليلة المؤمنة من الخطر الماحق المحدق بها، ومن كشف قادة التآمر وكشف أهدافهم ونواياهم، وكشف أوليائهم ووسمهم بمياسم يعرفون بها. فقد سمي رسول الله الذين أسلموا خلال فتح مكة (بالطلقاء) ليميزهم عن غيرهم من المسلمين، وعندما تلفظ أئمة الكفر الذين قادوا جبهة الشرك بالإسلام سماهم رسول الله بالمؤلفة قلوبهم، فكان رسول الله يعطي الواحد منهم مبلغا من المال ليؤلف قلبه، وحتي لا ينقلب عليه لأن أئمة الكفر لا أيمان لهم. كانت الفئة المؤمنة تعرف الطلقاء، وتعرف المؤلفة قلوبهم، وتعرف تاريخهم الأسود، وأن إسلامهم مهزوز، وهذه إشارات كافية لو [ صفحه 116] أطيع الله ورسوله، ثم إن الفئة القليلة المؤمنة كانت تعرف المنافقين، بل إن الرسول الأعظم قد وضع معيارا علميا مجردا لتمييز المؤمن من المنافق، فكشف الرسول بأمر من ربه هذه المعيار قائلا: (لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) [215] قال أبو سعيد الخدري: (كنا نعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب) [216] . وأكد أبو ذر الغفاري وجود هذا المعيار واستعماله فقال: (ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم لله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب) [217] . وأكد ابن مسعود وجود هذا المعيار بقوله: (كنا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله ببغضهم لعلي بن أبي طالب) [218] . وأكد جابر بن عبد الله الأنصاري استعمال المؤمنين لهذا المعيار بقوله: (ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب) [219] . هذا المعيار الذي وضعه الله ورسوله لمعرفة المؤمنين من المنافقين كاف لو أطيعا، فلو أحبت الفئة المؤمنة الإمام عليا وإطاعته، لأفشل مؤامرات المتآمرين!!! [ صفحه 117] ولم يكتف الرسول بذلك بل صرح علنا بوجود قيادة تخريبية، فقال أمام أصحابه يوما: (إن في أصحابي اثني عشر منافقا، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل من سم الخياط) [220] قال الرواي عن رسول الله حذيفة: (أشهد أن الاثني عشر حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) [221] وروي عمار بن ياسر مثل ذلك [222] ومن الطبيعي أن يسمي رسول الله قادة التخريب، لأن رسول الله ما ترك قائد فتنة إلا وقد سماه للناس باسمه واسم أبيه واسم قبيلته [223] . واقترب الرسول من نقطة الخطر، فأعلن أمام أصحابه محذرا وكاشفا المتآمرين بقوله: (هلاك أمتي علي يد غلمة من قريش) [224] ووضح النبي الصورة فقال: (يهلك أمتي هذا الحي من قريش) [225] وتوسع النبي في هذه الناحية فقال لأصحابه: (لتحملنكم قريش علي سنة فارس والروم، ولتؤمنن عليكم اليهود والنصاري والمجوس) [226] ويقصد الرسول من قريش (الغلمة)، الذي أشار إليهم، (والحي) الذي وضحه. بعد هذا التعميم أخذ رسول الله يوضح الصورة بالتخصيص لتكون مفهومة للجميع فوقف النبي طويلا عند بني أمية، وحذر الأمة منهم، وكشف حقيقة مشاعرهم فقال: (إن أكثر بطون قريش بغضا لمحمد ولآل محمد هم بنو أمية وبنو مخزوم...) [227] وتحدث الرسول عن الشجرة الملعونة، وعد رؤياه لنزو الأمويين علي منبره نزو [ صفحه 118] القرود، وتيقن المسلمون من استياء الرسول البالغ من تلك الرؤيا [228] . ثم وقف الرسول طويلا عند الحكم بن العاص والد مروان بن الحكم وجد خلفاء بني أمية فقال الرسول لأصحابه: (ويل لأمتي من هذا وولد هذا) [229] وقال يوما لأصحابه مشيرا إلي الحكم: (ويل لأمتي مما في صلب هذا) [230] . وأشار الرسول إلي ذات الشخص بقوله: (إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة رسوله وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء وبعضكم يومئذ شيعته) [231] . وبعد أن كشف الرسول خطورة الرجل وحقيقة أولاده (لعنه رسول الله ولعن أولاده) [232] قال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان: (إن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه) [233] وقال الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب لمروان: (لقد لعنك الله علي لسان رسوله وأنت في صلب أبيك) [234] . وحتي يكون الأمر معلوما للجميع، والخطر مكشوفا أمام الجميع أمر رسول الله بنفي الحكم بن العاص، فنفاه بالفعل، وأعلن بأنه عدو لله ولرسوله، وبقي منفيا طوال عهد الرسول، وطوال عهدي أبي بكر وعمر، [ صفحه 119] ولما آلت الخلافة إلي عثمان أعاده معززا مكرما، واتخذ ابنه مروان رئيسا لوزرائه وحاملا لأختامه وناطقا باسمه، ولما مات الحكم أقام عثمان علي قبره فسطاطا تعبيرا عن حزنه كما كان يفعل أهل الجاهلية [235] . وتوقف الرسول عند أبي سفيان وأولاده يزيد ومعاوية قليلا لأن الناس جميعا كانوا علي يقين بأن أبا سفيان وأولاده كانوا هم قادة جبهة الشرك، ورموز أئمة الكفر، فهم ألد أعداء الله ورسوله، وكان الناس كلهم يعرفون، بأن آل أبي سفيان موتورون، وحاقدون علي رسول الله وآله ومن المحال أن تشفي قلوبهم من هذا الحقد، فمن غير المعقول أن ينسي الذين آمنوا أصحاب هذا التاريخ الأسود، ومع هذا فإن رسول الله قد توقف عندهم وحذر منهم ولعنهم. قال الحلبي في رواية عن رسول الله، صار رسول الله يقول: (اللهم العن فلانا وفلانا) [236] وأخرج البخاري قال: حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: (اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده وقال السيوطي: وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: قال رسول الله يوم أحد: (اللهم العن أبا سفيان، والعن الحرث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية). قال السيوطي وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قال (كان الرسول يدعو علي أربعة نفر وكان يقول في صلاة الصبح (اللهم العن فلانا وفلانا...) [237] وأخرج نصر بن مزاحم المنقري [ صفحه 120] عن البراء بن عازب قال: أقبل أبو سفيان ومعه معاوية فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: (اللهم العن التابع والمتبوع) اللهم عليك بالأقيعس، فقال ابن البراء لأبيه الأقيعس؟ قال: معاوية) [238] . وأخرج نصر بن مزاحم قال... فنظر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد وآخر سائق، فلما نظر إليهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (اللهم العن القائد والسائق والراكب) قلنا أنت سمعت رسول الله؟ قال: (نعم وإلا فصمت أذناي) [239] . وانظر إلي رسالة محمد بن أبي بكر التي وجهها لمعاوية فقد جاء فيها: (وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة... وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان علي ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل، وعلي ذلك مات أبوك وعليه خلقته) [240] . مما يدل أن لعن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأبي سفيان ومعاوية كان شائعا ومعروفا بين الناس وما يدل علي صحة ذلك أن معاوية الذي رد علي رسالة محمد بن أبي بكر لم ينف واقعة لعن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لأبيه وله ولإخوته). وأكمل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رسم الصورة فكشف كل العناصر التي ستجلب أو تساهم بجلب هذا الخطر المحدق، فقال: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم يوم القيامة) [241] . [ صفحه 121] وفي رواية أخري (فأقول يا رب أصحابي!! فيقال لي: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) [242] . وفي رواية أخري: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم... فيقال: (إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم) [243] . ووضح النبي صلي الله عليه وآله وسلم الصورة أكثر قال قلت: ما شأنهم فيقال لي: (إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم) [244] . ومعني ذلك أنه لن يكون بإمكان المتآمرين تنفيذ مخططاتهم دون دعم ومؤازرة بعض أولئك اللصيقيين بالنبي من أصحابه. ولغاية إكمال الحلقة، وحتي لا يضل الناس بعد هدي وتوضيحا وتبيانا لما سيكون، وكشفا لحقيقة المتآمرين الذين ينتظرون بفارغ الصبر موت النبي صلي الله عليه وآله وسلم حتي يحرفوا ويأولوا الواضحات قال النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم محذرا وملخصا بقوله: (أكثر ما أتخوف علي أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن ويضعه علي غير موضعه، ورجل يري أنه أحق بهذا الأمر من غيره) [245] . لأن الله قد حسم الموقف وخصص فئة معينة لفهم القرآن فهما يقينيا وهم أهل بيت النبوة، والمتأول يقفو ما ليس له به علم، ويتولي مهمة مخصصة لغيره، ولأن هذا المتأول محكوم بهواه، واتباع آرائه الشخصية، مما يعني إهمال مضامين الشرعية الإلهية، وإحلال التأملات والآراء [ صفحه 122] الشخصية محلها، تحت شعار أن هذا المتأول مشفق وناصح لله ولرسوله ومجتهد وأنه يري ما لا يري أهل بيت النبوة والقلة المؤمنة. وتوضيحا للصورة بين الرسول الأعظم أن القرآن سيقرأه بعد وفاة الرسول ثلاثة (مؤمن ومنافق وفاجر) [246] ولكن لا يمسه إلا المطهرون أي لا يفهم المقصود الشرعي إلا المطهرون وهم أئمة أهل بيت النبوة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). وليقنع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أصحابه بأن ما يقوله يقين ومن عند الله، بين لهم أن بني إسرائيل حين تركوا النصوص الشرعية وقالوا بالرأي ضلوا وأضلوا) [247] . فالادعاء اللاحق لعمرو أو زيد في ما بعد بأنه أحق بهذا الأمر (أي قيادة الأمة وبيان القرآن) من أهل بيت النبوة، وأن مصلحة المسلمين تقتضي تقديم المفضول علي الأفضل... إلخ فتلك ادعاءات فارغة وهي أخطر ما يهدد الأمة، لأن هذا الادعاء ينقض عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم، ويلغي كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، وكافة النصوص الشرعية التي تعالج هذه الناحية ولا سند في هذه الحالة لنقض أعظم عري الإسلام إلا الآراء الشخصية، والتأويلات الخاطئة، والاجتهادات المبتذلة، وبهذه الحالة يضل أصحاب هذه الآراء، ويضلون الأمة معهم.

وليكشف الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم كافة جوانب المؤامرة فقد توقف طويلا عند بعض زوجاته. روي البخاري في صحيحه (كتاب الجهاد والسير باب ما جاء في أزواج الرسول عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: (قام رسول الله [ صفحه 123] خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: (ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، ههنا الفتنة - ثلاثا - من حيث يطلع قرن الشيطان) [248] . وفي لفظ آخر خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من بيت عائشة فقال: (رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان) [249] . فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم كان مريضا في بيت عائشة، وأن المواجهة بين الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وعمر بن الخطاب في بيت عائشة، قرب الاحتمال أن تكون عائشة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم هي التي أخبرت عمر بن الخطاب عن الموعد الذي حدده النبي صلي الله عليه وآله وسلم لكتابة توجيهاته النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات، وعلي أثرها استعد عمر وحشد عددا كبيرا من أعوانه ليحولوا بين الرسول وبين كتابة توجيهاته. ثم إن القرآن الكريم قد أشار إلي زوجتين من زوجات الرسول بقوله: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه) [250] قال عمر بن الخطاب في ما بعد إن اللتين تظاهرتا علي الرسول هي حفصة ابنة عمر، وعائشة ابنة أبي بكر، هكذا أخرج البخاري في تفسير هذه الآية [251] ثم إن الله تعالي قد طلب منهما التوبة والتوبة لا تطلب إلا ممن عصي [252] . قالت عائشة يوما للنبي (أنت الذي تزعم أنك رسول الله) [253] ولهما ضرب الله مثلا (امرأة نوح وامرأة لوط) [254] . [ صفحه 124] والواضح تاريخيا أن السيدة عائشة كانت تحقد علي الإمام علي عليه السلام ولا تطيق أن تلفظ اسمه [255] وقد خرجت علي الإمام علي تحت شعار المطالبة بدم عثمان، ونبحتها كلاب الحوأب كما أخبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقد عرف الخليفة عمر بن الخطاب جميلهما، فكان يميزهما بالعطاء عن بقية أزواج الرسول، وكانت كلمتهما مسموعة عنده، فلو طلبتا منه أن يستخلف عبدا حبشيا لفعل! قال عمر لابنه عبد الله عندما أبلغه بأن عائشة تطلب منه أن يستخلف علي المسلمين ولا يتركهم بعده بلا خليفة (ومن تأمرني أن أستخلف) [256] . والمعني أن رسول الله قد كشف أصحاب الخطر علي الشرعية الإلهية، وسماهم بأسمائهم [257] ووسمهم بمياسم خاصة يعرفون بها، وكان لعن الله لبعضهم علي لسان رسوله من أعظم المياسم التي وسمهم بها ومن أوضحها، وقد بذل أعداء الله جهودا مضنية لمحو هذا الميسم ثم توصلوا أخيرا إلي نتيجة فاسدة مفادها أن رسول الله بزعمهم كان يفقد السيطرة علي أعصابه فيسب المسلمين ويشتمهم ويلعنهم بدون سبب!!! كما سنوضح ذلك في ما بعد، (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) فهل يعقل أن يفعل ذلك صاحب الخلق العظيم (وإنك لعلي خلق عظيم)!!!!

لقد حذر رسول الله المسلمين والأقلية المؤمنة خاصة بأنهم إن لم يحذروا المتآمرين، وإن لم يحملوا تحذيراته علي محمل الجد، فإن عري [ صفحه 125] الإسلام كلها ستنقض عروة بعد عروة، فأولها نقضا الحكم وآخره الصلاة [258] وأنه سيلي الأمر من بعده رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة [259] . [ صفحه 126]

كانت أساليب الطامعين بملك النبوة في تدمير سنة الرسول وإبطال مفاعيلها تماما كالأساليب التي لجأ إليها المشركون قبل هجرة النبي، مع اختلاف يسير في الأهداف. لقد أدركت زعامة بطون قريش قبل الهجرة خطورة القرآن الكريم وتأثيره البالغ في النفس البشرية، كما أدركت خطورة الدعوة التي يدعو بها محمد الهاشمي، كما أدركت عمق التكامل والترابط بين القرآن وبين ما يقوله محمد وما يفعله لذلك فكرت بطرق وأساليب لصد الناس عن سماع القرآن، وتنفيرهم من الاجتماع بمحمد والاستماع إليه لأن الناس إن سمعوا القرآن، سيعرفون أنه معجز ومن غير المعقول أن يكون كلام بشر، وبالتالي سيؤثر بهم حتما، كذلك فإن الناس إن اجتمعوا بمحمد وسمعوا أقواله المستندة إلي القرآن فسينجذبون إليه لا محالة ومع الأيام سيقنعهم بدعوته، لذلك. نشرت زعامة بطون قريش مجموعة من الشائعات والدعايات الكاذبة، كما روجت مجموعة من التهم ضد رسول الله، وضد القرآن مثل أقوالهم (إن محمدا يفتري علي الله الكذب، وأنه لا يوحي إليه، إنما يتقول [ صفحه 127] علي الله، والذي جاء به محمد ليس إلا (أساطير الأولين)). ومثل قولهم: (إن محمدا - حاشاه - كاذب وساحر ومسحور وشاعر وكاهن ومجنون)، لذلك حثت زعامة بطون قريش رعاياها ومن يواليها علي أن لا يسمعوا لهذا القرآن، وأن لا يجالسوا محمدا. كان هدف زعامة بطون قريش عزل النبي عن الناس عزلا تاما والحيلولة بين سماع ما يقوله، والتأثير علي الناس بشكل مسبق قبل أن يسمعوه، وتنفير الناس منه، ليجتثوا من نفسه الكريمة الرغبة في متابعة الدعوة!!

بعد هجرة الرسول وبعد أن هزمت زعامة بطون قريش سياسيا وعسكريا واقتصاديا وبعد أن فاجأها الرسول في عقر دارها واضطرها للاستسلام والتلفظ بالشهادتين هي ومن اتبعها، وبعد أن صاروا جزءا من المجتمع الإسلامي الجديد، وخضعت كافة أقاليم الجزيرة لدولة النبي، وبعد أن يئست من هزيمة الرسول أو القضاء عليه بوسائلها التقليدية السابقة وجدت أمامها مجموعة من الحقائق الثابتة. 1 - لقد تيقنت زعامة بطون قريش وتيقن أتباعها بأن النبي قد بني ملكا عظيما علي حد تعبير أبي سفيان قائد جبهة الشرك وأبرز أئمة الكفر السابقين. 2 - وتيقنوا أيضا بأن الرسول ميت لا محالة، وأنه قد أعلن وبكل وسائل الاعلان بأن الإمام والخليفة من بعده هو ابن عمه وزوج ابنته ووالد سبطيه علي بن أبي طالب يليه ابناه الحسن والحسين، ويليهما تسعة من ذرية الحسين (اثنا عشر إماما). 3 - إن زعامة بطون قريش ومن والاها، ممن استسلموا وتلفظوا. [ صفحه 128] بالشهادتين تبعا لها لا تروق لهم هذه الترتيبات، ولا يقبلون بها في قرارة أنفسهم لأنهم يحقدون علي محمد وآل محمد، أو علي الأقل يحقدون علي آل محمد عامة وعلي علي بن أبي طالب خاصة، لأنه قد نكل بهم أثناء حرب الكفر مع الإيمان، لكنهم لا يجرؤون علي إظهار هذا الرفض وعدم القبول، لأنهم مهزومون من الداخل ويائسون من فكرة هزيمة محمد ومن فكرة القضاء عليه!! 4 - لقد تيقنت زعامة بطون قريش أن المنافقين يشكلون شريحة عظمي في المجتمع الجديد، وأنهم غير راضين عن الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي والتي أعلنها الرسول، ولكن المنافقين جبناء كزعامة بطون قريش ومن والاها ولا يجرؤون علي إظهار رفضهم أو عدم قبولهم لهذه الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي والتي أعلنها الرسول. 5 - لقد تيقنت زعامة بطون قريش ومن والاها، وتيقن المنافقون أيضا أن قسما من أبناء البطون (قسم من المهاجرين) يرفضون الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، ولا يقبلون بها، إلا أنهم كزعامة البطون وكالمنافقين لا يجرؤون علي الجهر بهذا الرفض وعدم القبول، والأعظم أن هذا القسم يطمع بأن يخلف النبي، وأن يستولي بالقوة علي ملك النبوة، ولكنه يفتقر إلي الناصر والمعين!! 6 - ولأن زعامة بطون قريش ومن والاها، والمنافقون، وذلك القسم من المهاجرين يعيشون في مجتمع واحد، وتربطهم ببعضهم صلات متعددة فقد اتفقوا علي تشكيل حزب أو جبهة (إسلامية) تعمل علي إلغاء وإبطال الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي والتي أعلنها الرسول، والحيلولة بين الهاشميين وبين أن يجمعوا مع (النبوة الملك) وأضفوا علي هذا الهدف الخطير طابعا (إسلاميا) بالقول بأن جمع الهاشميين للنبوة والملك يؤدي إلي [ صفحه 129] الإجحاف، والأفضل أن يختص الهاشميون بالنبوة، وأن تختص بطون قريش بالملك أو الخلافة من بعد النبي، تتداولها في ما بينها [260] ولا بأس من خروج الخلافة إلي الموالي، بدليل قول عمر بن الخطاب (لو كان سالم حيا لوليته وسالم من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب) [261] ولا بأس لو كانت الخلافة بالأنصار (لو كان معاذ بن جبل حيا لوليته واستخلفته) [262] ومعاذ من الأنصار واستطاع ذلك القسم من المهاجرين في ما بعد أن يجذب المرتزقة من الأعراب، أنظر إلي قول عمر (ما هو إلا أن رأيت أسلم حتي أيقنت بالنصر) [263] فهو واثق أن هذه القبيلة معه وتري رأيه!!! وهكذا تكونت جبهة عظمت (ضمت زعامة بطون قريش ومن والاها، والمنافقين، وقسما من المهاجرين من أبناء بطون قريش والمرتزقة من الأعراب وأعطت هذه الجبهة العظمي مقادتها لذلك النفر من المهاجرين، لتضمن نجاح اختراق وحدة القلة المؤمنة!! وانصب هدف الجميع علي الاستيلاء علي ملك النبوة بعد وفاة النبي وإلقاء كافة الترتيبات المتعلقة بمن يخلف النبي!! 7 - واتفقوا علي أنه لا مجال لتنفيذ هذا المخطط أثناء حياة النبي، ولا ينبغي الجهر بذلك، بل ينبغي الإعداد وانتظار موت النبي، وأكبر الظن أن زعامة بطون قريش والمنافقين هم الذين خططوا لقتل النبي أثناء عودته من غزوة تبوك ولم يكن لذلك النفر من المهاجرين علم بذلك!! 8 - حسب تقديرات قادة هذا التحالف فإن وحدة الفئة القليلة المؤمنة قد تم اختراقها تماما، وبموت الرسول ستخرج من المواجهة، وسيعزل ولي [ صفحه 130] الأمر الشرعي وآل محمد معه، لأنهم سيكونون في جهة، والأكثرية الساحقة من أفراد المجتمع الإسلامي الجديد في الجهة الأخري المقابلة لهم، أما الأقلية المؤمنة فستكون بحيرة من أمرها، ثم ستختار السلامة، وتقف علي الحياد، أو تقف مع الأكثرية وقلوبها مع الإمام الشرعي وآل محمد!!

لقد وضع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم النقاط علي الحروف، ورتب عصر ما بعد النبوة من خلال سنته الطاهرة ترتيبا محكما، وكل يوم يضع بأمر ربه لمسة علي هذا الترتيب، وقد رأت الأمة وسمعت كل ما قاله رسول الله، فلم يكن بإمكان الطامعين بالملك أن يتجاهلوا وجود سنة الرسول، ولا كان بإمكانهم أن ينكروها، أو أن يقفزوا من فوقها، لقد كانت سنة الرسول أعظم عائق أو حائل يحول بينهم وبين الاستيلاء علي ملك النبوة بعد موت النبي!! لقد نقشت نصوص السنة في أذهان الناس، وكان من المستحيل تجاهلها، لذلك رأت قيادة التحالف، أن السنة لا يمكن تدميرها إلا بالتشكيك بصاحبها (رسول الله) وإقناع الناس بأنه بشر، وليس كل ما يقوله صحيحا، وأن مهمته محصورة بتلقي القرآن من الله، وتبليغه للناس بدون زيادة أو نقصان وأي كلام آخر للرسول يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب، والأكثرية هي التي تعرف أين الخطأ وأين الصواب في كلام رسول الله!! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).

بما أن محمدا قد بني ملكا عظيما، فمن مصلحة زعامة بطون قريش ومن والاها أن يعترفوا بنبوة محمد، وأن يسلموا ليدعوا في ما بعد أنهم. [ صفحه 131] الأولي بملك محمد، لأن محمدا رجل من قريش، ومن مصلحتهم أن يعتنقوا الإسلام ليحافظوا علي ملك النبوة الإسلامي، وليوسعوا هذا الملك تحت شعار نشر الإسلام!!! هذا هو الوجه الأول للمبدأ العام الذي اتفقوا عليه أما الوجه الثاني من هذا المبدأ فهو القرآن الكريم، فمن ضرورات الإسلام الاعتراف بأن هذا القرآن هو كلام الله الذي نزله علي نبيه بالحرف والمعني، وأن مهمة النبي كانت مقصورة علي تلقي القرآن من الوحي، وتبليغه للناس أو تلاوته عليهم بلا زيادة ولا نقصان!! وبما أن القرآن قد اكتمل نزوله، فلم تعد هنالك حاجة إلي النبي لأنه بشر ولأن القرآن وحده يكفي!! وهذا معني شعارهم (حسبنا كتاب الله) وشعار (لا كتاب مع كتاب الله) ومعني ذلك الاستغناء التام عن (بيان الرسول لهذا القرآن) أو الاستغناء التام عن سنة الرسول بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير خاصة تلك المتعلقة بمن يخلف النبي بعد موته!!! فإن تمكنوا من فرض هذا المبدأ العام بوجهيه، فإنهم سيدمرون سنة النبي، ويبطلون مفعولها ولو إلي حين، فإن دمروا سنة الرسول وأبطلوا مفعولها عندئذ يمكنهم أن يضعوا بيانا للقرآن الكريم يخدم مطامعهم وأهدافهم بدلا من بيان النبي (سنته) التي تقف لمطامعهم وأهدافهم بالمرصاد!! مثال علي ذلك في غياب سنة الرسول، وفي أعمال (حسبنا كتاب الله) (ولا كتاب مع كتاب الله) يمكن لقادة التحالف أن يتلوا قول الله تعالي: (وأمرهم شوري بينهم) فيفسرون هذا النص ويبينونه علي أن السلطة أو الخلافة من بعد النبي شوري!!! فما تراه الأكثرية الساحقة من المسلمين (بطون قريش ومن والاها والمنافقون والمرتزقة من الأعراب وذلك النفر من المهاجرين) حقا فهو حق!! وما تراه باطلا فهو باطل، وما تختاره للخلافة بعد وفاة النبي فهو خليفة!! ولا قيمة لاعتراض الأقلية المؤمنة، فهم قلة. [ صفحه 132] قليلة في المجتمع كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود!! ولا قيمة لاعتراض ومخالفة أهل بيت النبوة ولا معني لعدم موافقة الإمام الشرعي الذي اختاره الرسول ليخلفه، لأن هذا الإمام يقف ضد إرادة الأكثرية الساحقة للأمة!! وعندما يستولي ذلك النفر بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع علي منصب الخلافة يجندون النصوص الواردة في القرآن لخدمتهم وخدمة ملكهم فيقولون: إن الله قد أمر الناس بأن يطيعوا الله ورسوله (وأولي الأمر) وبما أنهم هم أولوا الأمر واقعيا وبما أن سنة الرسول (أو بيان القرآن) مغيب فستفرض الأكثرية البيان الذي تريده!!! أما الوجه الثالث من هذا المبدأ الذي اعتمدته زعامة بطون قريش والمنافقون والمرتزقة من الأعراب وذلك النفر من المهاجرين فهو تغطية المعصية والتمرد علي الشرعية الإلهية بشعار من الشعارات الدينية بظاهرها!! علي سبيل المثال: فعندما أمرهم الرسول بقتل أحد المنافقين لم ينفذوا أمر الرسول بحجة أن: 1 - ذلك المنافق يصلي، فتنفيذ أمر الرسول طاعة، وعدم تنفيذه معصية وخروج من الشرعية ومظلة أو غطاء المعصية قولهم (إنه يصلي) [264] !! 2 - الرسول موجود أمامهم فقال لبعض الصحابة: (أريد أن أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) فتصدت له الأكثرية بزعامة ذلك النفر من المهاجرين وقالوا له: (لا حاجة لنا بكتابك حسبنا كتاب الله!!) [265] إنهم يعصون الرسول علنا، ويمتنعون عن تنفيذ أوامره، ويحرضون الآخرين علي عدم تنفيذها ولكن تحت شعار (حسبنا كتاب الله!!!). [ صفحه 133] 3 - لقد أحرقوا المكتوب من سنة رسول الله!! ولما استهجن الناس فعلهم رفعوا شعار (لا كتاب مع كتاب الله!!) [266] .

1 - تحريض المسلمين علي عدم كتابة سنة الرسول والتشكيك بصواب وصحة ما يصدر عن الرسول من أقوال!!! قال عبد الله بن عمرو بن العاص (كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه، فنهتني قريش عن الكتابة، وقالوا: تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضي، فأمسكت عن الكتابة. فذكرت ذلك لرسول الله، فأومأ إلي فمه وقال: أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق) [267] . فكرر القول بأن هذه الرواية الصحيحة تكشف لنا بوضوح أسباب إنكارهم بأن الرسول قد أمر بكتابة وتدوين سنته، وأسباب منعهم في ما بعد لكتابة ورواية أحاديث الرسول، ومن هم الذين كانوا يقفون وراء ذلك! فالسنة النبوية كشفت أعداء الله ورسوله، ووصفتهم وصفا دقيقا لا يخفي علي عاقل، ورتبت نظام الحكم لعصر ما بعد النبوة ترتيبا محكما وبينت من هم الأئمة الذين سيقودون الأمة بعد وفاة النبي، هذه الأمور التي بينتها السنة لم تعجب زعامة البطون ولا قادة التحالف الذين كانوا يخططون بالظلام للاستيلاء علي ملك النبوة، لذلك كانوا يشككون بكل ما يصدر عن الرسول [ صفحه 134] ويشيعون بأن كافة ما ورد في السنة من أمور الدنيا هي مجرد اجتهادات شخصية من الرسول كبشر أملاها عليه غضبه من قوم، ورضاه من آخرين، لذلك كان قادة التحالف يقاومون كتابة السنة، ويحرضون الناس علي عدم كتابة سنة الرسول وينشرون الإشاعات الكاذبة ضد الرسول وضد سنته والرسول علي قيد الحياة!! 2 - الطعن بأخلاق الرسول والتشكيك بسلامة تصرفاته!! من ذلك أنهم أشاعوا بين المسلمين بأن الرسول الأعظم كان يفقد السيطرة علي أعصابه، فيغضب، فيلعن ويسب الناس ويشتمهم ويؤذيهم أثناء غضبه بدون سبب!!!! روي البخاري، ما يلي وبالحرف: (إن رسول الله كان يغضب، فيلعن، ويسب، ويؤذي من لا يستحقها، فدعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهورا) [268] . فالشخص العادي الذي لا تتوفر فيه مؤهلات النبوة، يترفع عن سب ولعن وإيذاء الناس بلا سبب، فكيف بسيد الخلق، وصاحب الخلق العظيم!! وقد اخترعوا هذه الأكذوبة علي رسول الله ليستروا أعداء الله ورسوله الذين لعنهم الله علي لسان رسوله، ليكون لعن رسول الله ميسما يميزهم عن غيرهم حتي يحذر المسلمون منهم ومن مكرهم القذر وكيدهم وحقدهم علي رسول الله وآله وعلي دين الإسلام!! وإمعانا بالتشكيك يقول الرسول وشخصه فقد ادعي قادة التحالف أن رسول الله كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ، مع أنه لم يفعله. روي البخاري ومسلم في صحيحهما ما يلي وبالحرف: (إن بعض [ صفحه 135] اليهود سحروا الرسول حتي ليخيل إليه أنه يفعل الشئ وما فعله) [269] . أنت تلاحظ أن هذه الإشاعة الكاذبة تشبه الإشاعات الكاذبة التي أطلقتها زعامة بطون قريش ضد النبي قبل الهجرة، حيث زعموا بأن الرسول مسحور (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا)!!! ولدعم هذه الأكاذيب شككوا بشخصية الرسول وبذاكرته حتي بالأمور المتعلقة بالقرآن الكريم!! روي البخاري ومسلم في صحيحيهما: (أن النبي قد سمع رجلا يقرأ القرآن في المسجد، فقال الرسول رحمه الله أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا) [270] . فأنت تري أنه لولا هذا القارئ المجهول لما تذكر النبي بزعمهم كذا وكذا آية أسقطها من سورة كذا!! وهذا تشكيك بذاكرة الرسول وأهليته حتي بالأمور المتعلقة بالقرآن الكريم فكيف بالأمور السياسية!!! 3 - التشويش والمزايدة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: وأبرز الأمثلة علي ذلك صلح الحديبية، فصلح الحديبية من أعظم الانجازات الإسلامية علي الإطلاق، بل هو الثمرة المباركة لكافة المعارك التي خاضها رسول الله والمؤمنون مع أعداء الله وقد وصف الله تعالي في كتابه العزيز هذا الصلح (بالفتح المبين والنصر العزيز) لقد حسم هذا الصلح الموقف نهائيا لصالح الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة، ولو تغاضينا عن هذه النتائج الباهرة، - وهذا ليس ممكنا - فإن رسول الله قد خرج من المدينة إلي مكة بأمر من ربه، واستقر في منطقة الحديبية بأمر من ربه، [ صفحه 136] وأجري المفاوضات مع زعامة بطون قريش وفق التوجيه الإلهي، ولما تعثرت المفاوضات في البداية وأشيع بأن رسل النبي إلي زعامة بطون قريش قد قتلوا أمر الرسول مناديا ينادي في أصحابه (بأن روح القدس قد نزل عليه وأمر البيعة، فاخرجوا علي اسم الله فبايعوا) [271] وهذا يعني بأن الله يوجه نبيه خطوة خطوة نحو الهدف العظيم، وإن جبريل الأمين كان إلي جانب النبي بتلك اللحظات العظيمة التي تنتظر ولادة الحدث الأعظم!! وبالنتيجة تمت كتابة الصلح، ووقعه الطرفان، وتم أمر الله، وقد فهم الجميع أن الصلح قد تم بتوجيه إلهي، حيث قال الرسول للجميع: (إني رسول الله ولست أعصيه) [272] وقال أبو بكر مخاطبا عمر (أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره) [273] . وبالرغم من كل ذلك فإن عمر بن الخطاب اعتبر هذا الصلح الذي رضي به الله ورسوله (دنية) في الدين وأخذ يرد علي الرسول أمام الحاضرين، والرسول يقول له: (يا عمر إني رضيت وتأبي) [274] !! وحاول عمر بن الخطاب أن يقنع الحاضرين بأن الصلح الذي ارتضاه الله ورسوله (دنية) في (الدين) ليفرضوا علي الرسول إلغاء الصلح والرجوع عنه!! وهذا معني قول عمر: (لو وجدت أعوانا لما أعطيت الدنية في ديني) أي أنه يريد أعوانا يقفون معه ضد النبي نفسه!! وحاول عمر أن يحرض الناس ضد الصلح وأن يحرضهم بعدم الاستجابة للرسول، وهذا معني قول عمر: (فعملت لذلك أعمالا) واضطر النبي أن يكشف بعض جوانب شخصية عمر، وأن يظهره علي حقيقته، فأقبل الرسول علي عمر وقال: (أنسيتم يوم [ صفحه 137] أحد إذ تصعدون ولا تلوون علي أحد وأنا أدعوكم في أخراكم) [275] ويشير الرسول إلي فرار عمر يوم أحد [276] ! والمشير حقا أن رسول الله كان قد طلب من عمر قبل سويعات فقط أن يذهب إلي زعامة بطون قريش فيقول لهم: (إن رسول الله لم يأت لقتال أحد، إنما جئنا زوارا لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدي ننحره وننصرف) [277] إلا أن عمر رفض ذلك وقال للرسول: (إني أخاف قريشا علي نفسي وليس بها من بني عدي من يمنعني) [278] عندئذ كلف الرسول عثمانا بحمل هذه الرسالة [279] . ولما فرغ من كتابة الصلح قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال الراوي فوالله ما قام منهم أحد حتي قالها الرسول ثلاثا [280] . قال أبو سعيد الخدري: (جلست مع عمر بن الخطاب يومئذ فذكر القضية أي صلح الحديبية فقال لقد دخلني يومئذ من الشك وراجعت النبي مراجعة ما راجعته مثلها قط، ولقد عتقت في ما دخلني يومئذ رقابا وصمت دهرا، وإني لأذكر ما صنعت خاليا فيكون أكبر همي) [281] . والمثير حقا أن أولياءه قد سجلوه شاهدا علي وثيقة صلح الحديبية [282] لقد برع القوم بإعطاء دور البطولة لعمر في كل موقف حتي وإن خالف الرسول أو اختلف معه!! فمخالفة عمر لرسول الله تكون دائما لحكمة رآها عمر وكانت خافية علي رسول الله!! [ صفحه 138] وبالمناسبة فقد يبدو لأول وهلة أن عمر رجل حرب، ويريد أن يحارب النبي زعامة بطون قريش بدلا من أن يعقد هدنة معها!! لكن في الحقيقة أن عمر بن الخطاب ليس رجل حرب فلم يثبت بأي طريق من طرق الإثبات طوال حرب الكفر مع الإيمان بأن عمر بن الخطاب قد قتل أو جرح أو أسر أحدا من المشركين أو أن له أي دور بارز في أية معركة من المعارك التي خاضها المؤمنون ضد المشركين، بل الثابت أنه قد فر في أحد وفي خيبر وفي حنين، وهذا ليس مدار بحثنا وما يعنينا أن عمر بن الخطاب بهذه الواقعة لم يرض بما رضي به الله ورسوله ولم يقبل حكم الله وحكم الرسول في هذه الواقعة بل زايد علي الاثنين معا، موحيا بأن رأيه الخاص أهدي وأصوب من حكم الله ورسوله!! والعياذ بالله!! قد يستغرب المؤمن هذا القول!. ولكن كيف تفسر تلك المواقف والتصرفات الغريبة، التي رواها أولياؤه ومحبوه، فأخرجوها بألطف صور العرض والإخراج!! إنه مشابه لمواقفه في ما بعد من متعتي الحج والنساء الواردتين في آيتين محكمتين. [ صفحه 139]

لقد اهتم رسول الله اهتماما خاصا بجيش أسامة، فعبأ الناس بنفسه في هذا الجيش، وخاصة أصحاب الخطر كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وعثمان وأمثالهم، ربما ليضمن الرسول الانتقال السلمي والشرعي للسلطة بغيابهم، وحتي لا يشغبوا علي صاحب الحق والإمام الشرعي من بعد النبي، لأن النبي علي علم بما يبيتون!! وأعطي رسول الله الراية لأسامة وقال له: (سر إلي موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش..) كان ذلك في اليوم الرابع والعشرين من صفر سنة 11 ه وحث الرسول هذا الجيش علي الخروج سريعا [283] وفي اليوم الثامن والعشرين من الشهر نفسه قعد الرسول علي فراش المرض. فأخذ أصحاب الخطر كعمر وأبي عبيدة وعثمان وغيرهم يثبطون [ صفحه 140] الناس عن الخروج ويطعنون في تأمير رسول الله لأسامة، لأنهم كما يبدو قد فهموا مقاصد الرسول التي تحول بينهم وبين ما يبيتون، فبلغ الرسول ذلك، ومع أنه علي فراش الموت إلا أنه قد نهض معصب الرأس، ملفوفا بقطيفة محموما فصعد المنبر وحمد الله وأثني عليه ثم قال: (أيها الناس ما مقالة بلغتني في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل، وأيم الله إنه كان لخليق بالإمارة) [284] . وحثهم علي المبادرة بالسير، كان ذلك يوم السبت في العاشر من ربيع الأول سنة 11 ه، أي قبل وفاة النبي بيومين فقط، وعاد النبي وقعد علي فراش الموت ثانية، فلما ثقل جعل يقول: (جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون) [285] . ويوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول دخل أسامة من معسكره علي النبي فأمره الرسول بالسير وقال له: (اغدو علي بركة الله) [286] . وقال الرسول مرة أخري: (جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف منه) [287] وأخرج الجوهري في كتاب السقيفة: (أن أسامة قد جاء رسول الله وقد ثقل عليه المرض فاستأذنه أسامة ليمكث حتي يشفي رسول الله، فقال الرسول: (أخرج وسر علي بركة الله) فقال أسامة: (إن خرجت وأنت علي [ صفحه 141] هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة) وقال الرسول: (سر علي النصر والعافية) فقال أسامة: يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان فقال النبي: (أنفذ لما أمرتك به) (يبدو واضحا بأن أسامة قد تعرض لضغوط هائلة من قادة التحالف كي لا يخرج) [288] . ثم أغمي علي الرسول، وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق الرسول سأل عن بعث أسامة وجعل يقول: (انفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن بعث أسامة، وكرر الرسول ذلك، فخرج أسامة واللواء علي رأسه والصحابة بين يديه) [289] . وبالرغم من إصرار الرسول علي تأمير أسامة، ومن غضبه الشديد علي الذين طعنوا بهذا التأمير، ومن خروج الرسول وهو علي فراش الموت ودفاعه عن قراره بتأمير أسامة، وعلي الرغم من رغبة الرسول العظيمة وإصراره علي إنفاذ بعث أسامة، إلا أن عمر بن الخطاب وحزبه قد نجحوا بتثبيط الناس عن الخروج ونجحوا بتشكيك الناس بشرعية تأمير الرسول لأسامة!! وتجاهل عمر بن الخطاب وحزبه كل ما صدر عن الرسول في هذا المجال من تأكيدات، وطلبوا من الخليفة الأول أبا بكر أن يعزل أسامة بعد موت الرسول!! لأن تأمير الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا حسب رأي عمر وآراء قادة حزبه!! إلا أن الخليفة الأول رفض هذا المطلب وأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال له: (ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه؟) [290] كان الخليفة الأول يري أنه لا فائدة ترتجي من عزل [ صفحه 142] أسامة عن قيادة تلك السرية التي ولاه رسول الله قيادتها، ولا ضرر من بقائه قائدا لها، بعد أن استقامت لهم الأمور واستولوا علي ملك النبوة، بل إن عزله سيثير غضب أفراد الفئة المؤمنة، وسيكشف بصورة فاضحة بشاعة نظرة قادة التحالف إلي رسول الله واستهتارهم بأبسط مظاهر الشرعية الإلهية. أما عمر فقد تجاهل خروج الرسول وهو مشرف علي الموت، ودفاعه عن تأميره لأسامة، لأنه كان يعتقد أن تأمير الرسول لأسامة أمر غير صائب وغير صحيح وأن الرسول كان ينبغي أن يعزله وأن يسند إمارة تلك السرية لغيره!! ثم إن عمر لا يقبل بأنصاف الحلول فأراد أن يكون انتصاره علي الرسول انتصارا حاسما وأن يثبت بأنه وأعوانه هم المالكون لمقاليد الأمور وليس الرسول، وأنهم هم الذين يعرفون الصواب وليس الرسول، فأراد أن يرغم أنف الرسول وكل أولياء الرسول!! وعمر علي فراش الموت كان يردد: (لو أدركت خالد ابن الوليد أو معاذ بن جبل أو سالم مولي أبي حذيفة لوليته الخلافة من بعدي) [291] كان يتصرف بمنصب الخلافة تصرف المالك بملكه، وكان يري أن ذلك التصرف من صميم حقوقه واختصاصاته، لكنه وحزبه كانوا يعتقدون أنه لا حق للرسول بأن يؤمر أسامة أو غير أسامة علي سرية فهل رأيتم بربكم ظلما كهذا الظلم، أو استبدادا كهذا الاستبداد، أو استهتارا بمقام النبوة كهذا الاستهتار!!!

كان وضع النبي الأعظم صعبا للغاية، لقد أرهقوه طغيانا وكفرا ونفاقا [ صفحه 143] كانت سلطة النبي أثناء مرضه سلطة اسمية أو أدبية، كان يأمر فلا يطاع ويؤكد فلا يهتم بتأكيداته القاطعة أحد، وإن اهتم عمرو أو زيد بأوامر الرسول، فليس لعمرو أو زيد القدرة علي التقديم أو التأخير أو مواجهة تنظيم فعلي ومسلح يضم كافة القوي التي حاربت رسول الله قبل انتصاره بالإضافة إلي المنافقين والمرتزقة من الأعراب، وقد سلم هذا التنظيم قيادته إلي عناصر من المهاجرين محسوبة علي النبي وعلي الذين آمنوا والتنظيم وقيادته ينتظرون موت النبي بفارغ الصبر ليستولوا علي ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع. ولولا شرور ذلك التنظيم وقيادته لسار جيش أسامة، ولمات النبي في غياب أصحاب الخطر، وانتقلت الرئاسة من النبي إلي صاحب الحق الشرعي بيسر وسهولة وسلميا ولقبل الجميع بذلك، لأن القوي التي حاربت رسول الله قبل انتصاره والمنافقين مهزومون من الداخل ولا طاقة لهم علي المواجهة، ولولا ذلك النفر من أبناء قريش المهاجرين، لبقيت أعناق تلك القوي خاضعة إلي يوم الدين!! لكن ذلك النفر بالتعاون مع تلك القوي قد أفسدوا تدبير النبي! النبي يصارع الموت، لكن مثله لن ينحني أمام العواصف الهوجاء ولا يستسلم أمام الكوارث التي تنحني من هولها هامات الجبال الشم وكيف ينحني أو يستسلم وهو صفوة بني الإنسان وفخارهم، وهو قمة الوعي البشري ومداه!! لقد أراد النبي أن يكشف حقيقة المتآمرين وأن يعريهم أمام الأجيال اللاحقة، وأن يثبت عليهم الجرم أمام الله تعالي يوم القيامة، وأراد رسول الله أن تتم عمليتا الكشف والاثبات من دون إثارة بل من خلال ممارسته لأبسط حقوق البشر وهي الوصية!! لقد اختار الرسول صفوة من أصحابه ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية، وضرب موعدا لكتابة ما أراد كتابته، ويبدو أن أحدا ممن يسكن في. [ صفحه 144] منزل النبي ويتعاطف مع المتآمرين قد علم بالموعد الذي ضربه رسول الله، وعلم بمضمون ما أراد الرسول كتابته، فسارع إلي عمر بن الخطاب فأخبره بذلك [292] . فاستعد عمر لمواجهة الرسول وجمع أركان حزبه وطائفة من الغوغاء وأخذوا ينتظرون الموعد الذي حدده رسول الله لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، وصمموا علي أن يحولوا بين النبي وبين ما أراد كتابته، لأنهم قد أدركوا أنه لم يبق بينهم وبين الانتصار! إلا باع أو ذراع وكتابة النبي لما أراد كتابته ستقلب المعارك كلها، وستضيع عليهم تعبهم وتحرمهم من ثمرة تكاد أن تسقط في أيديهم!! حضر الذين اصطفاهم رسول الله ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية وليلخص أمامهم الموقف للأمة، جلست هذه الصفوة في منزل الرسول وبين يديه دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم علي خطة تحول بين الرسول وبين ما أراد كتابته!! ماذا يفعل النبي أمام هذه المفاجأة؟ لم يلغ الموعد ويضرب موعدا جديدا لأن الموت يدركه، بل مضي إلي حيث أمره الله، فتجاهل وجود المتآمرين تماما.

لقد تتبعت كل الروايات التي ذكرها أولياء الخلفاء، والتي تضمنت ما قاله الرسول حرفيا في تلك الجلسة التي كان مقررا أن يكتب فيها وصيته وتوجيهاته النهائية فوجدت أنها لا تعدو أن تكون جملة واحدة من ست جمل فقالوا: إن النبي قد قال: [ صفحه 145] 1 - قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. 2 - أو قال: (إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا). 3 - أو قال: (إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا). 4 - أو قال: (إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا). 5 - أو قال: (إئتوني بكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا). 6 - أو قال: (هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا). فالرسول لم يقل إلا جملة من هذه الجمل الست حسب الروايات التي نقلها رواة القوم وثقاتهم [293] ولأن الرسول تلفظ بهذه الجملة اندفع عمر بن الخطاب وقادة حزبه فواجهوا رسول الله تلك المواجهة القاسية وهو في مرض الموت!! عمر بن الخطاب يتصدي للنبي (ص) ما أن أتم رسول الله جملته: (قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) حتي تصدي له عمر بن الخطاب وقال متجاهلا وجود النبي، ومتجاهلا طلبه وموجها كلامه للصفوة التي اختارها النبي ليكتب أمامها وصيته وتوجيهاته النهائية (لا حاجة لنا بكتابه إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) [294] !!! وما أن أتم عمر جملته حتي قال أعوانه بصوت [ صفحه 146] واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور (القول ما قال عمر، إن رسول الله يهجر، ما له!! أهجر!! ما شأنه أهجر!! استفهموه إنه يهجر!!) [295] وكان أتباع عمر يرددون مع كل جملة مع الجمل السابقة قافية مفادها (القول ما قاله عمر) [296] . صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما رأت وما سمعت!!! فقالت: ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده!!! ورد عليهم عمر: (إن النبي يهجر وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله) وعلي الفور كان أتباع عمر يضجون بالقافية التي تعلموها قبل دخولهم إلي منزل النبي (القول ما قال عمر، إن النبي يهجر!! استفهموه إنه هجر!! ما له أهجر!!) [297] ، وتنازع الفريقان، وكثر اللغط والتنازع بين الصفوة القليلة المؤمنة التي دعاها رسول الله، وبين الكثرة المتآمرة التي اقتحمت منزل الرسول بدون إذن!!

كثر اللغط، واللغو، وارتفعت الأصوات، وتنازع الفريقان، الصفوة المؤمنة تقول: (ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، وعمر بن الخطاب يقول: إن الرسول يهجر، ولا حاجة لنا بكتابه، (حسبنا كتاب الله) وأركان حزب عمر ومن جلبهم معه يرددون (القول ما قال عمر، إن الرسول يهجر، استفهموه، أهجر!! ما له أهجر!!، [ صفحه 147] الصفوة المؤمنة متمسكة بموقفها، وعمر وحزبه متمسكون بموقفهم، لقد بدأ التنازع بين الفريقين، وعمر وحزبه علي استعداد لفعل أي شئ يحول بين النبي وبين كتابة ما أراد.

سمعت النسوة من وراء الستر كل ما كان يجري، ما قاله الرسول، وما قالته الصفوة المؤمنة، وما قاله عمر وحزبه، فدهشن من هول ما سمعن، فقالت النسوة لعمر وحزبه: (ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم... فصاح بهن عمر إنكن صويحبات يوسف.. فقال الرسول لعمر وحزبه دعوهن فإنهن خير منكم) [298] .

رأي الرسول كثرة حزب عمر، ونوعية رجال ذلك الحزب، وإصرارهم علي فعل أي شئ للحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته، فلو أصر الرسول علي كتابة ما أراد كتابته لأصروا علي هجر الرسول مع ما يجره هذا الاتهام من خطر علي الدين لذلك صرف النظر عن الكتاب مكتفيا بتأكيداته اللفظية السابقة ورد علي عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة فقال لهم: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع) [299] . [ صفحه 148] وهذا ما تمناه عمر وحزبه، لقد تحققت غايتهم من اقتحامهم لبيت الرسول دون إذن ولا دعوة، ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم، وهكذا كسروا خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الدين والأمة معا، وتركوا النبي يصارع الموت، تحف بجنابه الأقدس الملائكة الكرام!!

لقد اعترف عمر بن الخطاب في ما بعد إنه وحزبه لم يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد لأن المرض قد اشتد به كما ادعوا، أو لأنه صلي الله عليه وآله وسلم كان يهجر كما زعموا، أو لأن القرآن وحده يكفي كما أوهموا. إنما صدوا النبي عن كتابة ما أراد (حتي لا يجعل الأمر لعلي بن أبي طالب) [300] فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي هذا اعتراف زعيم الحزب عمر بن الخطاب.

أنظر بربك وتأمل مليا بالجمل التي نطق بها رسول الله في تلك الجلسة، هل فيها خطأ؟ هل فيها غلط؟ هل فيها إساءة لأحد؟ هل فيها ما يدل علي أن الرسول يهجر (حاشاه) أي لا يدري ماذا يقول!!! ثم إن الرسول في منزله كأي إنسان، ومن حق الإنسان أي إنسان أن يقول ما يشاء في بيته! ثم إن الرسول علي الأقل مسلم ومن حق المسلم - أي مسلم علي [ صفحه 149] الإطلاق أن يوصي والذين يسمعونه أحرار في ما بعد بإعمال أقواله أو إهمالها! ثم إن الرسول وبكل المقاييس كان ما زال رسولا وقائدا للمسلمين ورئيسا للدولة، وسيبقي متمتعا بكافة صلاحياته كنبي وكرسول وكقائد وكرئيس عام للأمة ولا يملك أحد حق تجريد النبي من هذه الصلاحيات!! ولتقف علي حقيقة وبشاعة ما فعلوه برسول الله فلا بد من أن نضع تحت تصرفك مجموعة الجمل التي نطق بها رسول الله. 1 - الجملة الأولي: أنه قد قال للصفوة التي أحضرها (قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) وعلي أثر صدور هذه الجملة من رسول الله أقام عمر وحزبه الدنيا ولم يقعدوها بحجة أن القرآن موجود وهو يكفي، ولا حاجة للمسلمين بوصايا النبي ولا بتوجيهاته فأحدث عمر وحزبه حالة من الفوضي واللغط والتنازع متعمدين ذلك حتي يحولوا بين الرسول وبين ما أراد كتابته!!! وفوق هذا وذاك قالوا للرسول: (أنت تهجر ولا تدري معني ما يصدر عنك). 2 - الجملة الثانية: انتقدت النساء تصرف عمر وحزبه، فقالت لهم النساء: ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا... فنهرهن عمر وقال لهن إنكن صويحبات يوسف عندئذ نطق الرسول بالجملة الثانية قائلا لعمر وحزبه: (دعوهن فإنهن خير منكم). 3 - الجملتان الثالثة والرابعة: لم يتوقف عمر وحزبه، بل استماتوا بكسر خاطر النبي والتشويش عليه، فتلفظ النبي بالجملتين الثالثة والرابعة قائلا: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع) [301] . [ صفحه 150] هذه هي الجمل الأربعة التي نطق بها رسول الله قبيل وفاته بدقائق!! فأين هو الهجر الذي أدعوه!! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا). ثم من الذي جعل عمر بن الخطاب وحزبه أوصياء علي دين الله، وعلي رسول الله!! ومن الذي خولهم هذه الصلاحية!! ثم هل الرسول قاصر حتي يتولوا الوصاية عليه!! ثم هل كان الرسول في بيته أم في بيوتهم!! نحن ندرك الآن حجم ظلمهم واستبدادهم واستخفافهم بمقام النبوة، وقد عرفنا من الذي هجر؟ هل هو رسول الله (حاشاه) أم عمر وحزبه!! بعد مرور أربعة عشر قرنا علي تلك الفواجع يقرأ أولياء الخلفاء ذلك دون أن يشعروا بأي أسف لما فعله عمر وحزبه، بل يشعرون بالفخر والاعتزاز، ويعطون عمر وحزبه دور البطولة حتي في صراعهم مع رسول الله!! إن هذا لهو البلاء المبين!! [ صفحه 151]

مرض أبو بكر مرضا شديدا قبل وفاته، فدعا عثمان بن عفان قبل وفاته بقليل ليكتب وصية أبي بكر، وتوجيهاته النهائية، وطلب من عثمان أن لا يسمع أحد بذلك، وعندما جلس عثمان بجانب فراش أبي بكر قال له أبو بكر: أكتب (إني قد وليت عليكم...) ثم أغمي عليه من شدة الوجع فكتب عثمان اسم عمر (إني قد وليت عليكم عمر) فلما أفاق أبو بكر من غيبوبته طلب من عثمان أن يقرأ عليه ما كتب، فقرأ عثمان، فسر أبو بكر وقال لعثمان (لو كتبت اسمك لكنت أهلا لها) [302] . لقد أتاح المسلمون لأبي بكر الفرصة ليكتب وصيته وتوجيهاته النهائية، وعاملوه أثناء مرضه بكل التقديس والاحترام، ولم يقولوا له أنت تهجر، ولا قالوا له: إن المرض قد اشتد به، ولا قالوا له: حسبنا كتاب الله، ولا كسروا بخاطره ولا أساؤوا كما أساؤوا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. [ صفحه 152]

عندما أراد أبو بكر أن يكتب توجيهاته النهائية ووصيته كان عمر يجلس مع الصفوة التي اختارها أبو بكر لتشهد كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، وكان معه شديد مولي أبي بكر. فكان عمر يقول: (أيها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله إنه يقول: إني لم آلكم خيرا) [303] . قارن بربك بين موقف عمر وحزبه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية أثناء مرضه، وبين موقف عمر وحزبه من أبي بكر يوم كتب أبو بكر وصيته وتوجيهاته النهائية!!! لم يقل عمر إن أبا بكر قد اشتد به الوجع، مع أن وجع أبي بكر كان أشد من وجع الرسول!! ولم يقل عمر إن أبا بكر قد هجر كما قال ذلك لرسول الله مع أن أبا بكر قد أغمي عليه قبل أن يتم الجملة!! ولم يجمع عمر الجموع ويقتحم بيت أبي بكر، كما جمع الجموع واقتحم بيت النبي، واتفق مع ذلك الجمع الذي جمعه علي ترديد (اللازمة) القول ما قال عمر، ولم يختلف الحضور ولم يتنازعوا، ولم يكثر اللغط واللغو، ولم تتدخل النساء، لقد وفرت زعامة بطون قريش المناخ الملائم لوصية وتوجيهات أبي بكر النهائية لماذا لأن أبا بكر وعمر وزعامة بطون قريش من حزب واحد وعلي خط واحد، أما رسول الله فليس من حزبهم ولا علي خطهم!!

طعن عمر بن الخطاب، قال طبيبه لا أري أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعله واشتد به المرض، وأخذ يتذكر ويتوجع فيقول: (لو أن لي ما طلعت عليه [ صفحه 153] الشمس لافتديت به من هول المطلع، الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر)، وقال لابنه عبد الله: (ضع خدي علي الأرض لا أم لك) [304] . ومع هذا فقد كتب عمر وصيته وتوجيهاته النهائية وعهد عمر للستة نظريا ولعثمان عمليا، وأمر بضرب عنق من يخالف تعليماته [305] !! لقد كتب عمر أثناء مرضه ما أراد ولم يعترضه أحد، لم يقل أحد بأن المرض قد اشتد بعمر، ولم يقل أحد بأن عمر قد هجر كما ردد عمر وزعماء حزبه ومرتزقته هذا القول الفاحش أمام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم! ولم يقل أحد عندنا كتاب الله وهو يغنينا عن وصيتك يا عمر وعن توجيهاتك النهائية!! إنما قوبل عمر بكل التوقير والتقديس والاحترام ونفذت وصيته وتعليماته النهائية حرفيا كأنها كتاب منزل من عند الله بل وأكثر!! فهل لعمر وأبي بكر قداسة عند القوم أكثر من رسول الله!! وبأي كتاب قد أنزل الله بأن الاثنين أولي بالاحترام والطاعة من رسول الله؟! لن تجرؤ علي القول بأن فعلهما هذا يستحق اللوم علي الأقل لأن العامة والخاصة من أولياء الخلافة التاريخية الذين أشربوا ثقافة التاريخ سيدفنوك حيا إن فعلت ذلك!! فهم يعتقدون أن الولاء للخلفاء جزء لا يتجزأ من الولاء لله، فلو قمت الليل وصمت النهار أبدا، وكنت غير موال للخلفاء، لأحلوا سفك دمك حتي بالأشهر الحرم!! فمن الممكن أن يخطئ النبي بعرفهم فهو بشر!! لكن من غير الجائز أن تقول أن أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو غيرهم قد أخطأ!! أولياء الخلافة التاريخية يعتقدون أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم قد فعلوا ذلك برسول الله لحكمة [ صفحه 154] كانت خافية علي الناس!! أو فعلوا ذلك (اجتهادا) وبالتالي فإنهم - الخلفاء - مأجورون أجرا واحدا علي إهانتهم لرسول الله وعقوقهم له ومعصيتهم لأوامره!! إن هذا لهو البلاء المبين!! فمع أن معاوية قد هلك، وزال ملكه إلي غير رجعة، إلا أنه ما زال للآن يحكم الأكثرية الساحقة من المسلمين من خلال ثقافة الانحراف التي أوجدها، وأرسي قواعدها، وجذورها في نفوس المسلمين، وزينها لهم، فتوارثها المسلمون جيلا بعد جيل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لأن هذه ليست مصيبة فحسب بل إنها أكبر المصائب!! فما قيمة سنة الرسول عند من يعاملون الرسول أثناء مرضه بهذه المعاملة القاسية والغاشمة!!

لم يصدف طوال تاريخ البشر أن عومل ولي أمر سواء أكان نبيا، أو خليفة، أو ملكا، أو واليا أو عاملا وهو مريض بالقسوة والجلافة والظلم الذي عاملوا به رسول الله أثناء مرضه. ولم يصدف طوال التاريخ السياسي للمسلمين أن اعترض المسلمون علي أي خليفة أو وال أو عامل أو مسلم أراد أن يكتب وصيته أو توجيهاته أثناء مرضه بل علي العكس فقد اعتبروا أن كتابة الوصية، وإصدار التوجيهات النهائية، والاستخلاف حق للخليفة القائم وواجب عليه. قال ابن خلدون الذي أشرب ثقافة التاريخ، وآمن بفلسفة معاوية وأساتذته: (إن الخليفة ينظر للناس حال حياته وتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته ويقيم لهم من يتولي أمورهم من بعده) [306] !! [ صفحه 155] ولكن ابن خلدون لا يعترف بهذا الحق لرسول الله، لأن الرسول ليس خليفة! لقد اخترع ابن خلدون هذا الحق خصيصا للخلفاء الذين أشرب ثقافتهم، في الوقت الذي كان فيه يجهل تاريخ الرسول، وتاريخ الإسلام وثقافتهما الحقيقية!! لقد أعلنوا في ما بعد بكل صراحة أن مكانة الخليفة أعظم من مكانة النبي [307] وتمت مكافأة من جهر بهذه الآراء الفاسدة، فتقلدوا أعظم مناصب دولة الخلافة التاريخية!! فهل بعد هذا العجب من عجب!! ألا بعدا لهم كما بعدت ثمود!! [ صفحه 156]

عندما توفي الرسول يبدو أن ذلك النفر من أبناء قريش المهاجرين لم يكونوا كلهم متواجدين في المدينة، فقد كان أبو بكر غائبا في السنح، وكان أبو عبيدة غير موجود أيضا، وكانت مهمة عثمان أن يكون قريبا من المسجد ومعه بنو أمية، لمراقبة آل محمد وأهل بيت النبوة!! وعمر نفسه لم يكن متأكدا من وفاة الرسول، لذلك أخذ معه المغيرة بن شعبة، ليتأكد من وفاة الرسول، وعندما دخل كشف الثوب عن وجه رسول الله، ويروي أولياؤه أنه قد قال: وا غشياه ما أشد غشي رسول الله!! كان عمر بحاجة إلي شئ يشغل به الناس ريثما يتجمع ذلك النفر من المهاجرين ثم ينطلق بهم ليقود جموع التحالف ويستولي علي ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع، ويضع المؤمنين أمام أمر واقع! لقد اهتدي عمر إلي ما يشغل به الناس فرفع شعار أن الرسول لم يمت، ولكنه ذهب لملاقاة ربه كما ذهب موسي!!! ويروي أولياؤه أن رفيقه وحليفه المغيرة بن شعبة الذي اصطحبه معه ليتأكدا معا من وفاة الرسول قد قال: (مات والله رسول الله) فقال له عمر: كذبت، ما مات رسول الله، ولكنك رجل تحوسك فتنة، ولن يموت. [ صفحه 157] رسول الله حتي يفني المنافقين [308] . وأخذ عمر يقول: (إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، إن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلي ربه كما ذهب موسي عن قومه وغاب أربعين يوما، والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي وأرجل من يزعمون أنه مات) [309] (ومن قال بأنه مات علوت رأسه بسيفي) [310] فتلي عليه من في المسجد (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم)) [311] . قال العباس بن عبد المطلب: (إن رسول الله قد مات وإني رأيت في وجهه ما لم أزل أعرفه في وجوه بني عبد المطلب عند الموت، ثم قال: هل عند أحدكم عهد من رسول الله في وفاته فليحدثنا؟ قالوا: لا، فقال العباس: اشهدوا أيها الناس إن أحدا لا يشهد علي رسول الله بعهد عهد إليه في وفاته) [312] . ومع هذا فلم يتوقف عمر، بل استمر في الكلام حتي أزبد شدقاه [313] . وجاء أبو بكر من السنح وتلا قوله تعالي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم) فقال عمر لأبي بكر: هل هذه الآية في كتاب الله؟! فقال أبو بكر نعم عندئذ سكت. [ صفحه 158] عمر!!!! [314] أنت تلاحظ أن الخليفة لا يدري إن كانت هذه الآية من القرآن الكريم، وأنت تلاحظ أن من في المسجد قد تلوا عليه هذه الآية قبل مجئ أبي بكر، ولكنه لم يتوقف عن الكلام والادعاء بأن الرسول لم يمت، لأنه قد خشي أن يبيت الناس في الأمر قبل قدوم أبي بكر، لذلك افتعل هذا الموقف ليشغل الناس حتي يحضر أبو بكر وأبو عبيدة، بدليل أنه بعد حضور أبي بكر بدقائق غادر وإياه المكان وذهبوا إلي سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو عبيدة، وهذا يؤكد أن ما فعله عمر كان تمثيلا وإلهاء للناس!! وليس من قبيل الصدمة أو التفجع علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، لأنه قبل سويعات فقط من وفاة الرسول، كان عمر بن الخطاب قد جلب أركان حزبه، واقتحم بهم منزل الرسول، وقال للرسول أمامهم، (أنت تهجر - أي لا تعي ما تقول - ولسنا بحاجة إلي وصيتك، ولا إلي توجيهاتك النهائية لأن عندنا القرآن وهو يكفينا ويغنينا عنك!! فقط قبل سويعات معدودة كسر بخاطر الرسول، واستخف بمقام النبوة، وجرأ أركان حزبه علي أن يقولوا للرسول، أنت تهجر!!، وأحدث وحزبه، اللغط واللغو، وافتعلوا الخلاف والتنازع بين يدي رسول الله وفي منزله، ورفعوا أصواتهم فوق صوته!!! وقبل أن يعلم بوفاة النبي كان يحرض الناس علي عدم الخروج في جيش أسامة، ويشكك الناس بشرعية تأمير الرسول لأسامة، وحتي بعد أن تيقن من وفاة الرسول كان يحرض الخليفة الأول علي عزل أسامة، لأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب!! فما الذي حدث حتي ينقلب عمر هذا الانقلاب خلال سويعات فيمثل دور المصدوم وعدم المصدق بأن الرسول قد مات!!! كل هذه الأمور [ صفحه 159] تكشف بأن العملية كلها تصنع وتمثيل، لإشغال الناس، وإلهائهم حتي يتجمع ذلك النفر من حلفائه المهاجرين، بدليل أنه بعد دقائق من حضور أبي بكر وأبي عبيدة خرج الثلاثة معا واتجهوا إلي سقيفة بني ساعدة تاركين وراءهم رسول الله لم يجهز ولم يدفن!! كل هذا يؤكد بأن إحساس عمر بن الخطاب بالصدمة والفجيعة كان مفتعلا.

إن أبسط حقوق الرسول علي عمر بن الخطاب وذلك النفر من المهاجرين أن يشاركوا بتجهيز الرسول وأن يحضروا دفنه، خاصة وأن أبا بكر وعمر قد نالا شرف مصاهرة الرسول، ولكن الثابت ثبوتا يقينيا بأن عمر وأبا بكر وذلك النفر من المهاجرين لم يشاركوا بتجهيز الرسول ولم يحضروا دفنه، بل استغلوا فرصة انشغال آل محمد بتجهيز الرسول ودفنه، فاستولوا علي ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع، ثم وضعوا أهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة أمام أمر واقع لا طاقة لهم بدفعه، لأن زعامة بطون قريش، والمنافقين، وكافة القوي التي حاربت رسول الله قبل انتصاره، وقفت وراء ذلك النفر من المهاجرين لا حبا بذلك النفر، ولكن نكاية برسول الله وأهل بيت النبوة وإرغاما لأنوفهم وبالمناسبة فهل كان بوسع سفلة قريش أن يقتحموا بيت الرسول وأن يقولوا أمامه أنت تهجر - أي لا تعي ما تقول - لو لم يكن عمر بن الخطاب هو الذي قادهم وقال للرسول أمامهم أنت تهجر ولا حاجة لنا بكتابك!!! وهل كان بوسع أحد من سفلة قريش ومن كل القوي المهزومة أن يتجرأ علي المساس بالترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي لولا ذلك النفر من بطون قريش المهاجرين!! لقد كان الكل راضيا، وخاضعة أعناقهم لما أنزل الله، وقد سقنا قول معاوية برده علي رسالة محمد بن أبي بكر: [ صفحه 160] لقد كنا نري حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا...) لقد هيج ذلك النفر مشاعر المسلمين ضد الترتيبات الإلهية، وجرأ الناس علي انتهاكها!! وما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد علي أن عمر بن الخطاب الذي افتعل الصدمة والفجيعة عندما سمع بوفاة الرسول، وأبا بكر وذلك النفر من أبناء بطون قريش المهاجرين لم يشاركوا بتجهيز الرسول ولم يحضروا دفنه قال ابن سعد: (ولي وضع رسول الله في قبره هؤلاء الرهط الذين غسلوه العباس وعلي والفضل وصالح مولاه، (وخلي أصحاب رسول الله بين رسول الله وأهله فولوا أجنانه) [315] . وقال ابن عبد ربه: (ودخل القبر علي والفضل وقثم ابنا العباس وشقران مولاه ويقال أسامة بن زيد وهم تولوا غسله وتكفينه وأمره كله) [316] . وأن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن الرسول [317] . وقالت عائشة: ما علمنا بدفن الرسول حتي سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء) [318] . هم يقولون: إنه صلي الله عليه وآله وسلم قد مرض في بيت عائشة، ومات فيه فأين كانت عائشة أم المؤمنين طالما أنها لم تعلم بدفن الرسول!! [ صفحه 161] وقال ابن سعد: (ولم يله إلا أقاربه، ولقد سمعت بنو غنم صريف المساحي حين حضر، وإنهم لفي بيوتهم) [319] . هذه الروايات رواها أولياء الخلفاء وهي تدل ضمنا علي أنهم تركوا رسول الله جنازة في أيدي أهله وأقاربه، وذهبوا يستولون علي ملك النبوة، ويتقاسمونه في غياب أهله الشرعيين!! إذا كان هذا تعاملهم مع الرسول شخصيا صاحب الرسالة والسنة، فكيف يكون تعاملهم مع سنته!! [ صفحه 162]

رأينا في الفصل السابق بعض أفاعيل القوم مع رسول الله عندما أمرهم بالخروج في جيش أسامة، ورأينا نماذج من معاملتهم الغاشمة لرسول الله أثناء مرضه، ومعصيتهم له، واستهانتهم التامة بمقام النبوة المقدس [320] وإساءتهم البالغة لرسول الله وتماديهم بإيذائه، وافتعالهم للغو والاختلاف والتنازع بين يديه، وكيف كسروا بخاطره الشريف، وهو يجود بآخر أنفاسه الطاهرة، فكان آخر ما قاله لهم النبي، كما وثقنا (... إنهن - أي النساء - خير منكم) [321] (ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه) [322] (قوموا عني فلا ينبغي عندي تنازع) [323] . وبعد أن نجحت زعامة القوم بتثبيط الناس عن الخروج في جيش أسامة، وتشكيك الناس في شرعية تأمير الرسول لأسامة، وبعد أن نجا بالحيلولة بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، غادرت منزل [ صفحه 163] الرسول، وتركته يلفظ آخر أنفاسه، وأخذت تستعد للخطوة الثالثة وهي الاستيلاء علي ملك النبوة، وبعد أقل من ساعة من خروج زعامة القوم من منزل النبي، بلغها أن النبي قد مات، فافتعلت الصدمة، وتصنعت الفجيعة، لتشغل الناس، وتلهيهم، حتي يتكامل جمع تلك الزعامة لتمضي قدما بتنفيذ مخططها المرسوم. [ صفحه 167]

عند معالجتنا لموضوع من يخلف النبي، ومن يبين القرآن، ويبلغ السنة بعد موت النبي أو قتله قلنا: إن هذا الموضوع قد نال عناية الله تعالي والجزء الأكبر من اهتمام الرسول لأن من يخلف النبي هو حجر الأساس لنظام الحكم الإسلامي، وقد أثبتنا بالدليل القاطع والبرهان الساطع، بأن الله تعالي قد اختار الإمام علي بن أبي طالب ليكون أول إمام يخلف النبي بعد موته، واختار أحد عشر إماما آخرين من ذرية النبي ومن صلب علي ليتعاقبوا علي خلافة الإمام علي بعد موته أو قتله، يتولي كل واحد منهم الإمامة بعهد ممن سبقه، وأمر الله رسوله أن يبين ذلك للمسلمين خاصة، وللناس عامة، فصدع الرسول بأمر ربه، وطوال عهد النبوة الزاهر وهو يبين ذلك بمختلف وسائل البيان، ويؤكده بكل طرق التأكيد، ويثبت صواب هذا الترتيب الإلهي بمختلف وسائل الإثبات، لأن هذا الموضوع هو العمود الفقري للأحكام الإلهية، وتمكن الرسول من إقناع المسلمين بصواب [ صفحه 168] الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة المتعلقة بمن يخلف النبي، فمعاوية بن أبي سفيان طليق وابن طليق، وقائد كبير من قادة جبهة الشرك يصرح علنا بما يلي: (لقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نري حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده... فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، علي ذلك اتفقا واتسقا...) [324] فإذا كانت هذه قناعة معاوية وهو أحد رؤوس الشرك السابقين وابن رأس الأحزاب وأبرز أئمة الكفر، فكيف تكون قناعة الشخص العادي!! لقد رضي الجميع بالترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي ولما وصل الرسول إلي هذه النتيجة المباركة، وبعد عودته من حجة الوداع، جمع الأكثرية الساحقة من المسلمين في مكان يدعي (غدير خم) وأعلن أمامهم بأنه سيموت بعد عودته إلي المدينة، وأنه قد خلف فيهم خليفتين (كتاب الله وعترة النبي أهل بيته)، وأن الهدي لن يدرك إلا بالتمسك بهذين الثقلين، وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين، ثم سأل المسلمين ألست وليكم ومولاكم والأولي بكم؟ فأقر المسلمون بذلك، ثم أعلن الرسول (من كنت الأولي به ووليه ومولاه، فهذا علي بن أبي طالب هو الأولي به ووليه ومولاه ثم أجلس رسول الله الإمام عليا في مكان خاص، وتوجه بعمامته، ثم كلف المسلمين بأن يبايعوه بالولاية من بعد النبي، فبايعه الجميع، وبعد أن تمت البيعة نزلت آية الاكمال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وهكذا حسمت مسألتي القيادة والقانون بعد موت النبي) [325] وقد حذر رسول الله المسلمين بأنهم إن لم يتبعوا هذه الترتيبات، فإن أبواب الفتن ستفتح، وأن عري الإسلام كلها ستنقض عروة بعد عروة [ صفحه 169] أولها نقضا الحكم وآخرها نقضا الصلاة [326] وسيلي الأمر من بعده رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة [327] . بعد عودة الرسول إلي المدينة، مرض كما أخبر، ومات في مرضه دون أن تتبدل هذه الترتيبات أو تتغير، وكان الناس علي يقين بأن الإمام والخليفة من بعد النبي هو علي بن أبي طالب!! وبما أن الإمام أو الرئيس العام هو أس النظام السياسي وحجر أساسه كما أوضحت السنة النبوية بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير، فإن سلطة النبي ستنتقل سلميا إلي الإمام علي بعد وفاة النبي، حيث يتولي هذا الإمام المؤهل قيادة الأمة، وتبليغ السنة، وبيان القرآن وبالكيفية التي أعده الله ورسوله لتحقيقها، ولهذا الإمام الاستعانة بمن يراهم من أهل القوة والأمانة، وعصمة الإمام علي، أي اعتصامه المؤكد بالله، والتزامه التام بطاعته، هي الضمانة الإلهية بعدم الانحراف أو إساءة استعمال السلطة أو الصلاحيات الهائلة المعطاة له، بمعني آخر فإن الإمام شأنه شأن كل الأئمة الشرعيين محصن أو (مطعم) إلهيا ضد الخطأ والانحراف، تماما كما (حصن الرسول وطعم) لأن الإمام هو القائم مقام النبي وهو المؤدي عنه كافة الأحكام الشرعية، وقد تولت السنة النبوية المباركة بيان هذه الناحية وإثباتها. لذلك لم تكن هنالك مشكلة بموت النبي، لأن الإمام عليا قد تم تتويجه وتمت مبايعته حال حياة النبي كولي وكإمام وكخليفة شرعي للنبي، فهو ولي عهده شرعيا أو رسميا، فإن تأكدت وفاة النبي بأية لحظة فسيحل محله آليا ولي عهده، كانت الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول وأكدها طوال عصر النبوة الزاهر محكمة تماما، وقد حرص الرسول علي إقناع [ صفحه 170] المسلمين بسلامتها وصوابها، ونجح بالفعل في إقناعهم بذلك والحصول علي رضاهم التام بها فحتي أبو سفيان إمام الكفر سابقا وولداه معاوية ويزيد وهم من قادة جبهة الشرك كانوا راضين ومقرين بسلامة وصواب هذه الترتيبات الإلهية، أما الفئة الصادقة المؤمنة فقد كانت تري أن هذه الترتيبات المتعلقة بمن يخلف النبي أحكام إلهية أساسية، ملزمة، ولا تستقيم أمور الدين والدنيا إلا بها، والقوي التي حاربت وقاومت رسول الله قبل نصر الله والفتح كانت تري أن هذه الترتيبات من القوة والأحكام بحيث لا يمكن نقضها، لذلك كانت أعناق تلك القوي خاضعة لهذه الترتيبات، لأنها قد اعتبرت أن القبول بهذه الترتيبات جزء لا يتجزأ من الإسلام، وأن الله هو الذي أمر بها، فهي أحكام إلهية، وأن مهمة الرسول كانت مقصورة علي بيان هذه الأحكام، فالتفكير العام والقناعة الظاهرة لكافة القوي التي حاربت الرسول وقاومته ثم اضطرت لدخول الإسلام مشابه تماما لتفكير وقناعة القلة المؤمنة في هذه الناحية بالذات!! [ صفحه 171]

طالما أن الرسول الأعظم قد استطاع أن يقنع المسلمين بوجاهة الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، وأن يحملهم بالرضا علي مبايعة الإمام علي بن أبي طالب في غدير خم ليكون أول إمام يخلف النبي، وطالما أن المسلمين قاطبة بمن فيهم أبو سفيان وولداه يزيد ومعاوية وهم ألد أعداء الله السابقين قد قبلوا بهذه الترتيبات، وأقروا بصوابها ووجاهتها وشرعيتها واعتبروها جزءا من صفقة الإسلام التي قبلوها، ولم يجرؤ أي واحد من الناس علي إظهار رفضه لهذه الترتيبات!! فما الذي حدث ومن الذي حرض الناس علي الخروج علي هذه الترتيبات الإلهية؟ ومن الذي جرأهم علي نقض أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم وتجاهل بيان الرسول أو نصوص السنة النبوية التي عالجت موضوع نظام الحكم أو من يخلف النبي بعد موته!!؟ ومن الذي قاد المسلمين في مسيرتهم نحو تجاهل نصوص سنة الرسول، ونقض أو عروة من عري الإسلام، من الذي قام بهذه الأعمال المدمرة التي ما زلنا حتي يومنا هذا ندفع ضريبة سكوت أجدادنا عليها أو ممالأتهم لفاعليها؟ هل هم شياطين قد خرجوا من البحر، أو هبطوا من الجو، وهل هم قوي خفية من الجن، كانت تتحرك [ صفحه 172] وتدمر دون أن يشاهدها أحد من المسلمين؟!! الحقيقة المرة أن الذين حرضوا المسلمين علي الخروج علي الترتيبات الإلهية وهيجوا الناس ضدها، وجرأوا المسلمين علي نقض أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم، كانوا نفرا من المسلمين، المحسوبين علي القلة المؤمنة والذين نالوا شرف صحبة النبي، لقد كانت أفعالهم فتنة، وأشخاصهم فتنة أيضا، وقد كشفتهم تحركاتهم المشبوهة، ووسمتهم تلك التحركات بمياسم لا تخفي علي محايد أبدا. لقد رأيت ما فعله ذلك النفر من مهاجري بطون قريش عندما أمر رسول الله الناس بالخروج في جيش أسامة، كما رأيت أيضا ما فعلوه برسول الله وهو علي فراش الموت، ثم رأيت كيف افتعلوا الشعور بالصدمة والفجيعة عندما علموا بوفاة الرسول، وفجأة كأن لم يكونوا في صدمة شبكوا أيديهم معا وتركوا رسول الله جنازة بين أيدي أهله، دون أن يشتركوا بتجهيزه، أو يشاركوا في دفنه، وذهبوا ليستولوا علي ملك النبوة أثناء انشغال أصحابه الشرعيين بتجهيز النبي ودفنه، ليضعوا المسلمين في ما بعد أمام أمر واقع لا مجال لدفعه!! متجاهلين بالكامل كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، وقافزين قفزا كاملا عن النبي وعن بيانه، أو عن نصوص السنة النبوية المطهرة، التي عالجت هذه الناحية وتركت الناس علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك!! كان الرسول الأعظم قد حذر من ذلك النفر بقوله: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم يوم القيامة) [328] وفي رواية أخري: (فأقول يا رب أصحابي!! فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) [329] [ صفحه 173] ويوضح الرسول الصورة في رواية ثالثة فيقول: (... فيقال لي لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم) [330] ووضح الرسول الصورة أكثر فقال: (... فقلت ما شأنهم؟ فيقال لي أنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري، فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم) [331] . لقد سلط رسول الله بهذه الأحاديث الصحيحة الضوء الكاشف علي نفر من أصحابه، قريب منه، ومحسوب عليه، فأكد وبكل طرق التأكيد، بأن هذا النفر لن ينال شرف رفقة الرسول يوم القيامة، ولن يكون حيث يكون الرسول، بل سيكون هذا النفر في مكان آخر مع أشخاص من أمثالهم، والعلة بهذا الطرد من الرحمة الإلهية تلك الأحداث التي أحدثها ذلك النفر بعد وفاة الرسول، فمنذ اللحظة التي صعدت فيها روح النبي الطاهرة إلي بارئها ارتد ذلك النفر علي أعقابه، (لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم، إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري...) والارتداد والردة لهما معني محدد باللغة والشرع، والارتداد أسوأ وأقبح عاقبة ونهاية، والمرتد إنسان مطرود من رحمة الله، لأنه عرف وتيقن، ثم جحد وأنكر!! ولا ينفع ذلك النفر المرتد ادعاءهم بأنهم قد آمنوا بالإسلام، ولكنهم لا يقبلون أو كفروا بالأحكام الإلهية المتعلقة بنظام الحكم لأنها ليست مناسبة حسب اجتهاداتهم المريضة لقد عالج القرآن الكريم هذه الناحية، فقال الله تعالي كأنه يوجه كلامه العزيز لمثل هذا النفر: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب). ولتكون علي يقين من صحة وصواب ما ذهبنا إليه، فهل كان بوسع أحد من المسلمين أن يتجرأ فيقول للرسول في منزله أنت تهجر، ولا حاجة [ صفحه 174] لنا بوصيتك، ولا بتوجيهاتك النهائية، لأن عندنا القرآن وهو يغنينا عنك. لو لم يفتح عمر بن الخطاب هذا الباب فيواجه النبي بهذا اللفظ النابي!! فهل يتجرأ أبو سفيان أو أي زعيم من زعماء بطون قريش أو أي كهف من كهوف المنافقين وأركانهم علي التلفظ بمثل هذا القول في حضرة رسول الله لو لم يجرئهم عمر علي ذلك فيستعمل هذا اللفظ الفاحش!! لقد اقتصر دور الذين اتبعوه عندما اقتحم حجرة النبي علي اللازمة التي وضعها عمر فكانوا يقولون: (القول ما قال عمر) ما له أهجر، استفهموه إنه يهجر!! فماذا بقي من الإسلام بربك عندما يقول المسلم لرسول الله (اسكت أنت لا تعي ما تقول، حسبنا كتاب الله، ولا حاجة لنا بوصيتك!! إذا كان والد زوجة النبي وأحد المهاجرين يقول مثل هذا الكلام الفظ، فما الذي يمنع أعرابيا من أولئك الذين هم أشد كفرا ونفاقا من أن يقول هذا الكلام لأنه يردد ترديدا ما قاله الصاحب!!! وهل كان بوسع أحد من المسلمين أن يشغب علي الإمام علي أو أن يطعن بشرعية ولايته، أو أن يطالب بالخلافة من بعد النبي مع وجود صاحبها الشرعي لولا ما فعله ذلك النفر من المهاجرين!! لكن عندما يري المسلمون صهري النبي أبا بكر وعمر، وعثمان وأبا عبيدة يشغبون علي ولاية الإمام عليها ويطعنون بشرعيتها، ويطالبون بالخلافة متجاهلين وجود الخليفة الشرعي، فلا تثريب علي المسلم العادي لو تاه في هذه الظروف، وعندما يري المسلمون ذاك النفر من المهاجرين يتنكرون تنكرا كاملا لبيان الرسول أو سنته المتعلقة بنظام الحكم أو من يخلف النبي، ولا يقيمون لهذه السنة أي وزن، لأنها بحكم المعدومة في نظرهم فكيف ترجو من المسلمين البسطاء وحديثي العهد بالإسلام أن يلتزموا بالسنة أو أن يقيموا لها أي وزن!! بل كيف تحملهم علي ذلك!! لقد فتحوا أبواب الفتن كلها، وجرأوا المسلمين علي الاستهانة [ صفحه 175] برسول الله، والاستهانة بسنة الرسول، وبكافة الترتيبات الإلهية التي أعلنها رسول الله والمتعلقة بنظام الحكم أو بمن بخلف الرسول!! لقد أوجد ذلك النفر المناخ الملائم لنقض عري الإسلام كلها عروة بعد عروة، بل وقادوا بأنفسهم كما سنري عملية نقض عري الإسلام خطوة خطوة! لقد استنفر ذلك النفر من المهاجرين كافة أعداء الله ورسوله السابقين، كما أيقظ المنافقين من غفلتهم، وهيجهم ضد الترتيبات الإلهية، واستعان بهم لنقض عري الإسلام عروة عروة، وجعل لهم مصلحة في هذا النقض حيث استعان بهم، وأشركهم معه بالأمر، قال ابن حجر في فتح الباري: (والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين... فلأجل ذلك استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم) [332] . قال حذيفة - أمين سر رسول الله علي المنافقين - لعمر بن الخطاب يوما عندما رأي الفجار والمنافقين يتولون المناصب الحساسة في الدولة: (يا عمر إنك تستعين بالرجل الفاجر) [333] وقال حذيفة نفسه مرة أخري لعمر: (والله يا عمر إنك تستعمل من يخون وتقول ليس عليك شئ وعاملك يفعل كذا وكذا) [334] . وكان عمر يعلم أن الذين يستعين بهم ويعينهم أمراء، وولاة وقادة فجار أو منافقون أو خونة لله ولرسوله، ولكنه كان يبرر استعماله لهم واستعانته بهم بالقول: (نستعين بقوة المنافق وإثمه عليه) [335] . [ صفحه 176] وهكذا وحسب هذه السياسة المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله، ولتحذيرات الرسول المتكررة صار تأمير الفاسقين والمنافقين والفجار والاستعانة بهم هو الأصل، وهو المبدأ العام، فأينما وجدت هذه القوة المزعومة استعانوا بها بغض النظر عن دين صاحبها أو سابقته أو جهاده أو علمه أو ماضيه، أو عداوته السابقة لله ولرسوله، أو تحذير الرسول منه، والقوة بهذا المعني تعني الالتزام بسياسة ذلك النفر، والولاء لهم، وكراهية أعدائهم، وحرمان أولئك الأعداء من كافة الوظائف العامة!! والكارثة حقا أن الذين يعتبرهم ذلك النفر أعداء هم آل محمد وقرابته الأدنون ومن والاهم من القلة المؤمنة ممن قامت دولة الإسلام بسيوفهم وعلي أكتافهم! فالمقداد بن عمرو، وسعد بن عبادة، وعمار بن ياسر، وأبو ذر وأمثالهم يتأخرون أو يؤخرون بحجة أن القوة لا تتوفر بهم، ويقدم عليهم معاوية والوليد بن عتبة [336] ، وابن أبي سرح [337] ، والحكم بن العاص [338] ، ومروان ابنه [339] ، والأعور السلمي [340] ، ويعلي بن منبه [341] ، وأياس بن صبح [342] ، وطليحة بن خويلد [343] وأمثالهم. [ صفحه 177] لقد تجاهل ذلك النفر تحذيرات الرسول من بني أمية [344] والتاريخ الأموي الأسود فعين يزيد بن أبي سفيان قائدا عاما لجيش الشام، ولما مات يزيد ورثه أخوه معاوية كقائد عام ووال علي بلاد الشام [345] وأطلق عمر بن الخطاب يد معاوية في بلاد الشام وأعطاه الحرية الكاملة ليفعل ما يشاء، وليجمع كما يشاء وليتصرف علي الوجه الذي يريد بلا رقيب ولا حسيب فقد قال يوما لمعاوية: (... لا آمرك ولا أنهاك) [346] وكان عمر يوطد لمعاوية بين الناس فيقول أمام علية القوم وأركان دولته: (إنه فتي قريش وابن سيدها) [347] وكان يقول لعلية القوم: (تذكرون كسري وعندكم معاوية) [348] وكان عمر يعد معاوية للخلافة ومواجهة الإمام علي في ما بعد لقد خاطب عمر أهل الشوري بقوله: (إذا اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام) [349] وكان عمر يعرف أن معاوية يعد أهل الشام للخروج وأنه سيخرج ذات يوم فقد صرح عمر في يوم من الأيام قائلا: (يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق) [350] ومع هذا لم يتعرض له عمر، إنما تركه ليكمل استعداداته وعدته ويخرج في الوقت المناسب المتفق عليه، وكان وراء تأمير عمرو بن العاص ليكون عونا لمعاوية ذات يوم فقد أعلن عمر أمام أركان دولته قائلا: (لا ينبغي لأبي عبد الله - أي عمرو بن العاص - أن يمشي علي الأرض إلا أميرا) [351] وأتمها عمر علي بني أمية ووضع الأساس المتين [ صفحه 178] لحكمهم عندما عهد بالخلافة لعثمان المشهور بتعصبه لهم. ولما آلت الخلافة إلي عثمان بعهد من عمر رفع شعار (صلة الرحم) بدلا من شعار (القوة) الذي رفعه عمر، فعمر كان يبحث عن الأقرباء حتي لو كانوا من المنافقين والفجار ليستعين بقوتهم!! أما عثمان فقد كان يبحث عن الأرحام ليصلها. ومن نافذة الأرحام وبابها الواسع، دخل الأمويون كلهم، ودخل معهم أولياؤهم إلي ولايات الدولة، وأعمالها ومناصبها الحساسة، ووظائفها العامة فما من مصر من الأمصار، وما من عمل من الأعمال إلا وواليه أموي أو موالي لبني أمية، وكان أول الداخلين من هذا الباب عمه الحكم بن العاص طريد رسول الله وعدو الله ورسوله، فلما تولي عثمان الخلافة أدخل الحكم بن العاص معززا مكرما، ومع الحكم دخل ابنه مروان، قالت عائشة لمروان: (أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله قد لعن أباك وأنت في صلبه) [352] وكان مروان من أسباب قتل عثمان في ما بعد [353] . ومع أن مروان ملعون علي لسان رسول الله، ومع أن الرسول قد حذر منه ومن أبيه بالذات ومن ذريتهم ومن بني أمية عامة إلا أن مروان قد تدرج بمناصب الدولة حتي تولي الخلافة ولقب (بأمير المؤمنين) والاهم أن أولاده وأحفاده الأساس المتين لحكمهم يوم عهد عمليا بالخلافة لعثمان، مع علمه بأن عثمان كهف الأمويين الصالح منهم والطالح، ومع أنه قد سمع تحذيرات الرسول من بني أمية، وتأكيدات الرسول القاطعة (بأنهم أكثر بطون قريش بغضا لمحمد ولآل محمد) [354] وسمع رسول أيضا وهو يتحدث عن الأمويين وعن رؤياه لهم وهم ينزون فوق منبره نزو القردة، وأنهم [ صفحه 179] الشجرة الملعونة [355] وسمع عمر رسول الله وهو يحذر من الحكم بن العاص وذريته، ويلعنهم، كما سمع عمر رسول الله وهو يلعن أبا سفيان ومعاوية ويزيد [356] ، وكان لعن الرسول لأبي سفيان ويزيد ومعاوية مشهورا بين المسلمين، أنظر إلي قول محمد بن أبي بكر في رسالة لمعاوية (... وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لرسول الله...) ومع أن معاوية قد رد علي رسالة محمد بن أبي بكر ردا بليغا إلا أنه لم ينف بأنه اللعين ابن اللعين علي لسان رسول الله [357] ... ولما مات عمر بن الخطاب كانت ولايات الدولة وأعمالها ومناصبها العليا وكافة وظائفها العامة، غاصة بأصحاب القوة من الفاسقين والمنافقين والفجار الذين استخدمهم الخليفة عمر ليستعين بقوتهم كما وثقنا قبل قليل!!! قد توارثوا ملك النبوة، مع أنه عدو لله ولرسوله، وقد وصف مروان بن الحكم وضع دولة الخلافة بآخر أيام عثمان وصفا دقيقا حين قال لجموع الصحابة الذين احتشدوا حول دار عثمان مطالبين بالإصلاحات: (ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بإذن صاحبه إلا من أريد، جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا!!! ارجعوا إلي منازلكم، فإنا والله ما نحن بمغلوبين علي ما في أيدينا) [358] والخلاصة أن دولة الخلافة قد تحولت إلي ملك أموي خالص، وأن الأمويين قد غلبوا علي كل شئ، وأن الأكثرية الساحقة من العوام مع بني [ صفحه 180] أمية طمعا بنصيب مما هم غالبون عليه، وأنه لم يبق من الإسلام السياسي إلا لقب الخليفة (أمير المؤمنين) وأن الولايات والأعمال والوظائف العليا والدنيا بالكامل مع بني أمية ومن والاهم، بمعني أن الدولة بكل مؤسساتها قد جمعت من الناحية الفعلية تحت سيطرة أعداء الله ورسوله الذين حذر منهم الرسول!! وأن الفئة المؤمنة مهمشة بالكامل، وأقلية وليس لها من أمر الدولة أي شئ!! ولو تولي الخلافة بعد عثمان أي رجل في الدنيا غير الإمام علي بن أبي طالب لما استطاع أن يصمد في مثل هذه الظروف لأكثر من ساعة واحدة، لأن الملك الأموي خاصة، وسلطان المنافقين والفاسقين والفجار قد توطد نهائيا، وألقي أجرانه في الأرض والنفوس معا!! واستقرت ثقافته ثقافة الانحراف في المجتمع الإسلامي الجديد! وأصبحت هي الثقافة الرسمية التي تتبناها الدولة رسميا وتدخلها في مناهجها التربوية والتعليمية. هذه نماذج من الطواقم التي قادت أو ساهمت بنقض أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم، ثم تكاتفت هذه الطواقم، فنقضت كامل ما تبقي من عري الإسلام. والقاسم المشترك بين أفراد هذه الطواقم وجماعاتها، هو كراهيتها لولاية أو رئاسة آل محمد، فهي لا تقبل أن يتولي الخلافة أو الرئاسة العامة أي رجل من آل محمد مهما كانت مواصفاته ومؤهلاته، ثم إن الأكثرية الساحقة من أفراد تلك الطواقم من الحاقدين علي الإمام علي بن أبي طالب، لأن الإمام عليا قد وترهم أثناء حرب الكفر مع الإيمان، فما ولي الخلفاء واليا أو عاملا أو قائدا أو أميرا علي أي مصر من الأمصار، أو في أي عمل من الأعمال إلا وكان حاقدا علي الإمام علي، أو كارها له، أو موتورا، أو متصنعا ذلك!! لأن دولة الخلافة لم تكن تولي أعمالها إلا لموالين لها، والكارهين لأعدائها، والإمام علي وأهل بيت النبوة ومن والاهم يحتلون قائمة أعدائها!!! [ صفحه 181] ولا علم لي أن الخلفاء قد ولوا رجلا واحدا من أهل بيت النبوة أو ممن يواليهم أي عمل من الأعمال، أو أسندوا له أية وظيفة من الوظائف العامة!! لقد كان أهل بيت النبوة ومن والاهم مجردين عمليا من كافة حقوقهم السياسية ومعزولين رسميا عزلا تاما!! كانت تلك الطواقم غير مؤهلة لقيادة الدعوة، وغير مؤهلة أيضا لقيادة دولة إسلامية، لأنها لا تعرف القرآن الكريم إلا مجملا، ولا تعرف بيان النبي لهذا القرآن، أو سنة الرسول فالقسم الأعظم من هذه الطواقم لم يتتلمذ علي يد رسول الله، بل كان يقاوم رسول الله ويحاربه، وبقي في الجبهة المعادية لله ولرسوله وللمؤمنين حتي استسلمت قيادة تلك الجبهة، واضطرت للتلفظ بالإسلام فأسلم هذا القسم تبعا لإسلام قيادة الشرك فكانوا يرون رسول الله في المناسبات، أو عند أسفارهم للمدينة، أو عند الاجتماعات العارضة، ثم إنهم لم يقصدوا تعلم أحكام الدين، وإن قصدوا ذلك فإن المدة المحدودة جدا التي قضوها مع الرسول لا تساعدهم علي تعلم أحكام الدين فطوال 21 عاما وهم في معسكر الشرك، الكافر بالكامل بكل ما كان يقول الرسول، فلو افترضنا أنهم خلال السنتين المتبقيتين من عصر النبوة قد استمعوا لماما أو أحيانا لما سيقوله الرسول، لكانت هذه المدة غير كافية لاستيعاب تجارب وعلوم ودروس 21 عاما قد ضاعت عليهم بعد نقض الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، أو بمن سيخلف النبي، وجد هذا الطاقم نفسه مع ذلك النفر من مهاجري بطون قريش الذين قادوا عملية نقض الترتيبات الإلهية، وبعد فترة وجدوا أنفسهم هم القادة الحقيقيون للمجتمع الإسلامي، فكان من المفترض أن يتولي هذا الطاقم تعليم المجتمع أحكام الدين، ولكن هذا الطاقم لا يعرف أحكام الدين المتعلقة بالحكم أو بالاقتصاد أو الاجتماع، فكيف يعلم الناس أحكام هذا الدين من يجهلها!! ثم إن وجود تلك الطواقم نفسها معارض لحكم الدين، لأن هنالك من هو أولي منها بحكم الأمة. [ صفحه 182] لقد كان مؤهلها الوحيد هو انضمامها لجبهة الرافضين للترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، ومعاداتها للإمام الشرعي الذي اختاره الله ورسوله، وولاؤها للقادة الفعليين الجدد، وكانت تلك الطواقم في قرارة نفسها تعلم أنها بحكم الغاصبة، وأنها غير مؤهلة لقيادة مجتمع قانونه الإسلام لأنها لا تعرف ذلك القانون، فكيف تطبق علي المجتمع قانونا لا تعرفه!! ثم إنها لو عرفت حكم الإسلام في أمر من الأمور، فلن تكون هذه المعرفة لصالحها، بل ستكون دليلا علي غصب هذه الطواقم حقا لغيرها!! ثم إن ذلك النفر من المهاجرين الذين قادوا عملية نقض أول عروة من عري الإسلام، لم يتم تأهيلهم تأهيلا شرعيا لرئاسة الأمة لأن الله ورسوله قد أهلا الرؤساء الشرعيين، وذلك النفر ليس منهم فكانوا يجهلون القرآن الكريم، ولا يعرفون إلا مجمله، وكانوا يجهلون سنة الرسول أو بيانه لهذا القرآن ولا يعرفون إلا القليل منها، ثم إن هذا القليل الذين يعرفونه يتحول إلي إثبات ضدهم باعتبارهم قد غصبوا ما ليس لهم، فكانوا مضطرين لتجاهل معرفتهم لهذا القليل أو إنكار صلة هذا القليل بالله وبرسوله!! خذ علي سبيل المثال عمر بن الخطاب، وهو قائد ذلك الفريق ومنظره، فإنه لم يكن يعلم أن آية (أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم...) هي آية في كتاب الله لذلك سأل أبا بكر قائلا: (هذا في كتاب الله؟ فقال له أبو بكر نعم، فسكت عمر) [359] واعترف بنفسه بأن الجميع أفقه منه، وأن العامة وحتي النساء يعرفون أكثر مما يعرف، وللتغطية علي هذا، فقد كان يعاقب كل مسلم يسأله أو يسأل ولاته أسئلة دينية لا يعرفون جوابها!! فكان يضرب السائلين من المسلمين حتي يشرفوا علي الموت!! ثم يأمر بعزلهم عن الناس، وعدم مجالستهم!! فسؤال المسلم عن معاني آيات في القرآن الكريم، مثل آية: (الجوار الكنس) [ صفحه 183] أو (والنازعات غرقا) أو (وفاكهة وأبا)... تعتبر جرائم كبري... [360] . وعندما لم يتمكن الخليفة من معاقبة السائل عن أمور لا يعرفها بسبب الظروف عندئذ يهز العصا في وجه السائل ثم يقول له: (هذا تكلف!! فما عليك إذا لم تعرف الجواب!! ما ستخسر إن لم تعرف جواب هذا السؤال. (قرأ عمر علي المنبر آية (وفاكهة وأبا) فسأله رجل من المسلمين عن معني الأب، فنفض عمر عصا كانت في يده ثم قال: (هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الأب!؟ اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلي ربه) [361] . وفي رواية أخري أن عمر قد قال للسائل أو للسائلين: (دعونا من هذا آمنا به كل من عند ربنا) [362] . ويبدو أن عمر قد ضمرها لمن سأله أو سألوه عن معني هذه الآية وهو علي المنبر، ذات يوم هم بمعاقبتهم روي السيوطي: أن رجلا سأل عمر عن قوله: (وفاكهة وأبا) فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة [363] . والخلاصة أن ذلك النفر من المهاجرين الذي قاد عملية نقض أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم، ثم استلم الخلافة بالقوة والتغلب لم يكن محيطا بالقرآن، ولا ببيان النبي لهذا القرآن، ولا محيطا بسنة الرسول لأن أي واحد منهم لم يؤهله الله ولا رسوله للرئاسة العامة، ولم. [ صفحه 184] يعده لها فكان من الطبيعي بأن لا يتمكن أي واحد منهم من القيام بأعباء ومسؤوليات ومهام الرئاسة العامة قياما شرعيا، كذلك فإن الطواقم التي استعان بها ذلك النفر كانت إما من حديثي العهد بالإسلام، أو من أعداء الله ورسوله السابقين وهم بالضرورة يجهلون أحكام الإسلام ويجهلون أو يتجاهلون تاريخ الإسلام المجيد. فكان من الطبيعي أن لا يتمكن ذلك النفر ولا تلك الطواقم من تطبيق الإسلام، لأنهم لا يحيطون به!! وكان من الطبيعي أيضا أن يفشل ذلك النفر بقيادة دولة الإسلام ودعوته قيادة شرعية، وكان من الطبيعي أن تحل عري الإسلام كلها بهذا المناخ عروة بعد عروة، بقصد أو بدون قصد، وكان من الطبيعي أن تنتشر الجهالة في الإسلام الحقيقي وبتاريخه المجيد، وأن تسود ثقافة الانحراف المقصود أو غير المقصود فكيف نطلب من معاوية مثلا أن يطبق أحكام الإسلام في بلاد الشام وأن يعرف أهل الشام بالإسلام وتاريخه، ومعاوية نفسه لا يعرف هذه الأحكام وليس من مصلحته، ولا من مصلحة ولايته ولا من مصلحة الدولة التي يمثلها أن يفهم أهل الشام تاريخ الإسلام الحقيقي، فلو عرف أهل الشام أن معاوية وأبوه وأخوه وأقاربه هم الذين قادوا جبهة الشرك ضد رسول الله قبل الهجرة، وحاربوه بعد الهجرة، وألبوا العرب عليه، ولم يلقوا السلاح حتي اضطرهم رسول الله إلي الاستسلام، هنالك تلفظوا بكلمة الإسلام، لو عرف أهل الشام ذلك لطردوا معاوية، ولما قبلوا بولايته، لذلك صار من مصلحة معاوية ومن مصلحة الدولة التي يمثلها معاوية أن يجهل أهل الشام تاريخ الإسلام، وتاريخ بنائه، وأن يجهلوا أحكامه. - تساءل أحدهم: ابن من أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام معاوية علي المنبر، فأجابه أحد السامعين من أهل الشام (أراه لصا من لصوص الفتن)!! - روي المسعودي قال: كنا نقعد نتناظر في أبي بكر وعمر وعلي ومعاوية ونذكر ما يذكره أهل العلم، وكان قوم من العامة يأتون فيستمعون. [ صفحه 185] منا، فقال لي ذات يوم أحدهم، وكان من أعقلهم وأكبرهم لحية: كم تطنبون في علي ومعاوية وفلان وفلان؟ قلت: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: من تريد؟ قلت: علي ما تقول فيه؟ فقال: أليس هو أبو فاطمة؟ قلت: ومن كانت فاطمة؟ قال: امرأة النبي ابنة عائشة أخت معاوية، قلت: فما كانت قصة علي؟ قال: قتل في غزوة حنين مع النبي [364] لقد صلي معاوية الجمعة بأهل الشام يوم الأربعاء!! وقال لأهل الشام أن علي بن أبي طالب هو الذي قتل عمار بن ياسر!! وعلمهم أن لعن علي بن أبي طالب سنة وعبادة يجب أن ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير [365] وصدقه أهل الشام وهم يعتقدون أن هذا هو الإسلام!!، كان المسلمون يصلون في صلاتهم علي محمد وآل محمد في الوقت نفسه الذي كانوا فيه يسبون ويلعنون عميد آل محمد!! إنها ثقافة الانحراف التي جاءت كنتيجة حتمية وطبيعية لحل أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم، ثم تداعت الأمور وانجلت تبعا لها كافة عري الإسلام عروة بعد عروة. [ صفحه 186]

1 - الطمع بملك النبوة أو الرئاسة العامة، والحرص عليها: لو أن ذلك النفر من المهاجرين، قد اعترف بسنة الرسول، والتزم بالترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلف الرسول بعد موته، لما استطاع ذلك النفر أن يستولي علي ملك النبوة، ولما تمكن أفراده من الوصول إلي منصب الرئاسة العامة للأمة، لذلك كان تجاهلهم لسنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وعدم التزامهم بالترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول تعبيرا واضحا كل الوضوح عن طمعهم بملك النبوة أو الرئاسة العامة وحرصهم عليها، ورغبتهم الجامحة بالاستيلاء علي هذا المنصب!! فلو أن الله سبحانه وتعالي قد اختارهم للرئاسة العامة، ولو أن الرسول كان قد أعلنهم خلفاء من بعده، لأقروا بشرعية وصواب الترتيبات الإلهية، والتزموا بها، ولقالوا حينها بأن الرسول لا ينطق عن الهوي، وأنه يتبع ما يوحي إليه من ربه، لأن الترتيبات الإلهية وسنة الرسول اتفقت وما تهوي أنفس ذلك النفر، وبالتالي لما كانت هنالك من حاجة لعدم الالتزام بها، لأنها تخدم طمعهم بالرئاسة، وحرصهم عليها، لأنهم طالبوا إمارة، ومكلفون بالانتقال من وضع التابعين إلي وضع المتبوعين، فالمعروف لدي الجميع أن ذلك النفر كان قبل. [ صفحه 187] الإسلام مغمورا، وليسوا من علية القوم، ولا من ساداتهم، لقد اشتهروا فقط عندما اعتنقوا الإسلام، وعندما نال بعضهم شرف مصاهرة رسول الله، فلم يدعي أبو بكر أو عمر أو عثمان أو أبو عبيدة، أو عبد الرحمن بن عوف أو غيرهم من ذلك النفر أنه كان سيد قومه في الجاهلية، أو أنه كان من علية القوم، بل قد أقروا جميعا بأنهم كانوا قبل الإسلام مجرد أشخاص مغمورين لا ذكر لهم، وأن اعتناقهم للإسلام هو الذي أعطاهم الشهرة بعد خمول ذكر، وألبسهم ثوب العز بعد ذل، لقد هيج هذا الوضع الجديد في نفوس ذلك النفر الطمع بالإمارة والحرص عليها، خاصة وأن ذلك النفر قد أصبح في عداد أفراد الحلقة الأولي التي تلتف حول النبي، وبحكم هذا الوضع، وبحكم المصاهرة والصحبة فقد أصبحوا علي صلة دائمة بالنبي، فذاع صيتهم، وعلا ذكرهم، وازداد هيجان طمعهم بالإمارة من بعد النبي، وحرصهم عليها، لقد أحسوا بأنه لم يبق بينهم وبين ما يطمعون به إلا قاب قوسين أو أدني وهذا ما حفز هممهم، وضاعف جهدهم، وسرع خطواتهم نحو ما يريدون. لقد كانوا في قرارة أنفسهم يعلمون علم اليقين أن من اختاره الله لخلافة النبي وأعلنه رسول الله أشجع وأعلم وأقرب للنبي وأكثر عناء وأقدم سابقة وأرضي لله من أي واحد منهم، وكانوا علي يقين بأنهم لم يكن لأي واحد منهم أي دور بارز في أية معركة من المعارك التي حسمت الصراع لصالح الإسلام، بل كانوا يعلمون علم اليقين بأنهم قد ولوا يوم الزحف وفروا في أكثر من معركة، وأن أي واحد منهم لم يقتل أو يجرح أو يأسر أي مشرك طوال فترة الصراع بين الكفر والإيمان، لكنهم اعتقدوا أن الحياة فرص ومغامرة، وأن عليهم أن يغتنموا هذه الفرصة، وأن يخوضوا غمار هذه المغامرة!! خاصة وأنهم قد اعتبروا أن مجرد اتباعهم للنبي وهجرتهم تبعا لهجرته، وعدم قتالهم إلي جانب زعامتهم - زعامة البطون - تضحية كبري تستحق مكافأة كبري وهي الإمارة أو الرئاسة العامة من بعد النبي!!. [ صفحه 188] لقد كانت علاقة ذلك النفر بزعامة بطون قريش وتبعيته لها علاقة وتبعية من نوع خاص، له القدرة علي اجتياز كل المحرمات وإثبات وجوده، ولم يستطع هذا النفر أن يتخلص من الإحساس بالتبعية حتي بعد انتصار الإسلام وهزيمة زعامة البطون!! انظر إلي قول عمر عن معاوية: (أنه فتي قريش وابن سيدها) [366] القرآن الكريم اعتبر أبا سفيان أحد أئمة الكفر، والرسول الأعظم لعن أبا سفيان وابنيه يزيد ومعاوية كما وثقنا [367] وتاريخ أبي سفيان في محاربته لله ولرسوله من الوضوح بحيث لا يخفي علي أحد، ثم إن الرسول قد حذر من بني أمية عامة ومن أبي سفيان وبنيه خاصة، ومع هذا فإن عمر بن الخطاب قد قفز عن تلك الحقائق وبقي علي يقينه واعترافه قبل الإسلام بأن أبا سفيان هو سيد قريش، وأن عمر وهو الخليفة أحد تابعيه!! فلم يعتبر عمر نفسه ولا في أي يوم من الأيام سيدا لقريش لأن سيدها معروف وهو أبو سفيان، لقد كان ذلك النفر مأخوذا بحبه لقريش، وزعامتها، وتعصبه لهما، وكان ذلك النفر يجهر بذلك ويجاهر به حتي في الظروف العصيبة، وقد وثقنا ما قاله أبو بكر وعمر في بدر قبل بدء المعركة، لذلك فإن هذا النفر قد اعتبر أن مجرد إعلانه بأنه مع النبي وأنه ليس مع زعامة البطون يعتبر تضحية كبري تستحق مكافأة كبري وعظمي أقلها الرئاسة من بعد النبي، وهذا ما جذر أطماع ذلك النفر بالرئاسة بعد النبي، وغذي حرصهم عليها، وضاعف من جهودهم للحصول عليها، وهون عليهم كل عسير لبلوغها. 2 - شبكة هائلة من العلاقات: لقد اشتد الصراع بين الكفر بكل أشكاله وبين الإيمان، واتسع نطاق هذا الصراع حتي شمل الجميع، [ صفحه 189] فانقسمت مجتمعات الجزيرة العربية علي تعددها إلي قسمين أحدهما وهو الأقل مع النبي وثانيهما مع زعامة بطون قريش. ومع هذا فقد نجح ذلك النفر بالاحتفاظ والمحافظة علي علاقة جيدة مع الجميع، فلم يقطعوا خيوط الاتصال مع أي طرف من أطراف الصراع، ولا مع أية جماعة من جماعاته!! وهذا ما قوي الأمل عندهم بأن الجميع سيقبلون رئاستهم بعد وفاة النبي، وفي حالة حدوث صراع بين ذلك النفر وبين آل محمد أصحاب الحق الشرعي بالرئاسة، فإن الجميع سيقفون مع ذلك النفر وسيتخلون عن آل محمد الذين أثخنوا الجميع بالجراح، ووتروا الجميع، وسيسهل علي ذلك النفر تجاهل وجود الترتيبات الإلهية، وتجاهل النصوص الشرعية التي رتبت عصر ما بعد النبوة، وسيسهل علي الجميع الوقوف وراء ذلك النفر تحت مظلة الإسلام، لأن أعداء الله السابقين كلهم قد دخلوا الإسلام، وشكلوا الأكثرية الساحقة من المجتمع الإسلامي الجديد، فيمكن استثمار هذه الكثرة الكاثرة تحت مظلة (الشوري) وهي مبدأ إسلامي!!! ومن هنا فقد أخذ ذلك النفر يبني وينمي علاقاته مع الجميع. أ - كان بحكم الصحبة والمصاهرة والهجرة واعتناق الإسلام محسوبا علي النبي والذين آمنوا، وكانت حكومة النبي حكومة عدل إلهي، فهي لا تعاقب علي النوايا، ولا تجرم إلا ما يقع من الأفعال، كان النبي علي علم بنوايا ذلك النفر، ولكن هذه النوايا لم تترجم إلي أفعال كاملة خلال حياة النبي، وإذا صدرت من ذلك النفر مقاطع من أفعال فقد كانت مغطاة بالشبهات التي تقيم من العقوبة، لقد اكتفي النبي بوصفهم وصفا دقيقا وتحذير الناس منهم، لقد أكد الرسول أن هذا الحي من قريش [368] سيحمل الناس علي سنة فارس والروم [369] ولن يدعوا لله في الأرض عبدا صالحا إلا [ صفحه 190] فتنوه [370] ، وعندما حذر الرسول منهم طالب المسلمين باعتزالهم قائلا: (لو أن المسلمين اعتزلوهم) [371] ووضح الرسول الصورة فأكد أن قسما من أصحابه المحسوبين عليه سيحدثون من بعده أحداثا [372] وأنهم سيرتدون منذ اللحظة التي يموت فيها النبي [373] وأنهم من الهالكين لأنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري ولن ينجو منهم غير النادر [374] ومن المؤكد أن رسول الله قد نصح ذلك النفر، وحذرهم من مغبة ما يضمرون لأنهم إن نقضوا أول عروة من عري الإسلام، فستنقض تبعا لها كافة عري الإسلام، ومن المؤكد أن ذلك النفر لم يقدر نصيحة رسول الله حق قدرها لأنهم كانوا موقنين أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضي، ولا ينبغي أن يحمل كلامه علي محمل الجد!!! لقد وثقنا ذلك أكثر من مرة، ولأنهم كانوا يعتقدون أن الرئاسة العامة أمر دنيوي، وأن ذلك النفر أعلم بشؤون الدنيا ومصلحة المسلمين من الرسول نفسه!! لقد أقنعوا أنفسهم بذلك فمضوا نحو غايتهم، كان قلب النبي الشريف يذوب أسي، ولكن ماذا كان بإمكانه أن يفعل غير ما فعل!! ب - في الوقت نفسه الذي ارتبط فيه ذلك النفر مع النبي والذين آمنوا برابطة الإسلام، احتفظ ذلك النفر مع زعامة بطون قريش بروابط الدم والقربي والتعاطف، فكانت مواقفهم متعاطفة مع بطون قريش، وكانوا يجهرون بذلك التعاطف علنا أنظر إلي قول عمر مخاطبا رسول الله أمام الأنصار والمهاجرين قبل معركة بدر (يا رسول الله إنها والله قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدا، [ صفحه 191] ولتقاتلنك فاتهب لذلك أهبته) [375] عمر مع النبي، والنبي وأتباعه في حالة حرب مع قريش، والنبي يتأهب لأول مواجهة عسكرية مع قريش، وما قاله عمر تثبيط للنبي وأصحابه عن مواجهة قريش ومدح لقريش وتعصب لها في وقت غير ملائم، ومن الطبيعي أن تسمع قريش بما قاله أبو بكر وعمر، ومن الطبيعي أن قريشا ستشعر بالارتياح لموقف الرجلين وتعاطفهما معها. لما فتح رسول الله مكة أتاه ناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا حلفاؤك وقومك وإنه لحق بك أرقاؤنا، ليس لهم رغبة في الإسلام، وإنما فروا من العمل فارددهم علينا. فشاور الرسول أبا بكر في أمرهم فقال صدقوا يا رسول الله! فقال لعمر ما تري؟ فقال مثل قول أبي بكر! فقال الرسول: (يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضرب رقابكم علي الدين) [376] وأشار إلي الإمام علي بن أبي طالب. هذه المواقف سقناها علي سبيل المثال. وعندما كانت قريش تتفقد قتلاها وجرحاها وأسراها، وتتعرف بدقة علي من قتل أو جرح أو أسر أي واحد منهم لتنتقم وتثأر حسب العادة الجاهلية الضاربة الجذور في النفس العربية، كانت زعامة بطون قريش دائما تكتشف أن ذلك النفر لم يلوث يده بقطرة دم واحدة من أبنائها فكان شعورها بالارتياح من ذلك النفر يزداد يوما بعد يوم! كانت زعامة بطون قريش ومن والاها يحقدون علي محمد وعلي آله وعلي أتباعه المخلصين ولكنهم لم يكونوا يحقدون علي ذلك النفر، بل ولم يكرهوه، وعلي العكس كانوا يحسون بالارتياح والرضا من مواقفه المتعاطفة معهم، ولم [ صفحه 192] يكن لديهم ما يمنع من رئاسة ذلك النفر للأمة بعد وفاة النبي، بل إن رئاسة ذلك النفر أحب إليهم من رئاسة الإمام علي الذي فتك بهم فتكا ذريعا أثناء حرب الكفر مع الإيمان، وأحب إليهم من رئاسة أي واحد من ذرية النبي أو من صلب علي!! لكن زعامة بطون قريش وأولياءها السابقين ليسوا علي استعداد لقيادة مبادرة بهذا الخصوص، أو قيادة الخروج علي الترتيبات التي أعلنها النبي، هم علي استعداد لتأييد ذلك النفر إن نجح أو كان نجاحه ممكنا. وهذا ما زاد طمع ذلك النفر بالرئاسة، وأنعش أمله بإمكانية الحصول عليها. لأن زعامة بطون قريش وأولياءها السابقين يشكلون أكبر شريحة من شرائح المجتمع الإسلامي الجديد. ج - أما المجموعة أو الشريحة الثانية من شرائح المجتمع الإسلامي الجديد التي اعتمد ذلك النفر علي تأييدها له عند تجاهله لسنة الرسول والترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف الرسول وعند استيلائه علي منصب الخلافة فهم المنافقون، لأن الله ورسوله قد وضعا معيارا دقيقا لمعرفة المؤمن من المنافق، فالمؤمنون يحبون الإمام عليا ويقبلون بولايته أما المنافقون فيكرهون الإمام عليا ويبغضونه ولا يقبلون بولايته وقد شاع هذا المعيار في المجتمع الإسلامي الجديد، لذلك كنت تري الجميع يحبون الإمام عليا ويقبلون بولايته أو يتظاهرون بذلك، ولكن التظاهر كان ينكشف، ويظهر المنافقون، قال الرسول الأعظم: (لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) [377] وقال أبو سعيد الخدري كنا نعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب [378] وأكد أبو ذر الغفاري وجود هذا المعيار واستعماله فقال: (ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم لله [ صفحه 193] ولرسوله، والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب) [379] وأكد جابر بن عبد الله الأنصاري وجود هذا المعيار بقوله: (ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب) [380] . فأنت تلاحظ أن ذلك النفر يلتقي مع المنافقين بكراهيتهم لولاية علي بن أبي طالب، لم يصرح ذلك النفر أنه كان يبغض علي بن أبي طالب، ولكنه عمليا كان مستعدا لارتكاب أي شئ مقابل إبعاد الإمام علي عن ولاية المسلمين، كان مستعدا لقتل الإمام، وقد هددوه بالقتل فعلا في ما بعد، كان مستعدا لحرق الإمام علي وهو حي وقد شرعوا بحرقه فعلا، كما سنوثق ذلك لكنهم لم يكونوا مستعدين أبدا لقبول ولايته!! ومن يفعل ذلك لا يمكن إلا أن يكون مبغضا للإمام علي وحاقدا عليه، كان المنافقون علي علم تام بموقف هذا النفر من ولاية الإمام علي، وكان المنافقون يتابعون بمنتهي الرضا والإعجاب مشاكسات ذلك النفر لرسول الله، ومعارضاته ومزاوداته ومعصيته لرسول الله، وكراهية ذلك النفر لرئاسة آل محمد عامة وللإمام علي خاصة، فظن المنافقون - وبعض الظن إثم - بأن ذلك النفر منهم، لذلك أحب المنافقون ذلك النفر من المهاجرين حبا عظيما!! لقد جمعهم البغض المشترك للإمام علي والكراهية التامة لرئاسته، ولم يصدف طوال التاريخ أن امتنع أي منافق عن بيعة أحد من ذلك النفر، أو أن خرج عليه، أو تلكأ عن طاعته، لقد اعتبر المنافقون أنفسهم من فريق ذلك النفر نفسه، وهذا يفسر استعانة بعض خلفاء النفر بالمنافقين والفجار وإشراكهم في أمرهم [381] لذلك كان ذلك النفر علي ثقة تامة بأن المنافقين عن بكرة أبيهم سيؤيدون مطلب ذلك النفر بالرئاسة من بعد النبي، [ صفحه 194] وسيباركون تجاهل ذلك النفر للترتيبات الإلهية وإبطال مفاعيل سنة الرسول المتعلقة بمن يخلفه بعد موته، وهذا ما غذي أطماع ذلك النفر بالرئاسة من بعد النبي!! والمنافقون لم يكونوا أقلية بل كانوا شريحة كبري من شرائح المجتمع الإسلامي الجديد، فكانوا مقدسين بين أهل المدينة، ومن حولها، وقد مردوا علي النفاق وقويت شوكتهم، ولما استولي ذلك النفر علي منصب الخلافة بعد موت النبي، استعان بهم، وتقاسم معهم منافع ملك النبوة!! د - اليهود: كانت علاقة ذلك النفر مع اليهود علاقة ودية أيضا وصفحة ذلك النفر بيضاء مع اليهود، فخلال المعارك التي جرت بين اليهود والمسلمين لم يصدف أن أي واحد من أفراد ذلك النفر قد قتل أو جرح أو أسر أي يهودي!! وأبعد من ذلك فإن بعض أفراد ذلك النفر كان يغشي اليهود في يوم دراستهم طلبا للعلم!! قال اليهود لعمر بن الخطاب يوما (ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا...) [382] لقد قال عمر للرسول شخصيا (إني مررت (بأخ لي) من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال الراوي فتغير وجه رسول الله...) [383] وقال عمر للرسول يوما: (جوامع من التوراة أخذتها من (أخ لي) من بني زريق فتغير وجه الرسول فقال عبد الله بن زيد لعمر بن الخطاب أمسخ الله عقلك!! ألا تري الذي بوجه رسول الله!!) [384] .. الخ. فلماذا تكره الأقلية اليهودية رئاسة هذا النفر بعد موت النبي ستفضل أي واحد من أفراد ذلك النفر علي الإمام علي، لأن الإمام عليا هو الذي شتت جمعهم، وهزمهم!! كان ذلك النفر يسعي لحشد تأييد كافة السكان، ليتعاطفوا مع تطلعاته ومخططاته!! [ صفحه 195] ه - الأعراب: لقد تمكن ذلك النفر من إقامة علاقة خاصة مع الأعراب، فكانت الأعراب تؤيد تجاهل الترتيبات الإلهية وإبطال مفاعيل السنة النبوية المتعلقة بمن يخلف النبي، وكانت الأعراب تؤيد رئاسة ذلك النفر للأمة بعد موت النبي!! أنظر إلي قول عمر: (ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر) [385] قال عمر هذا الكلام وهو في سقيفة بني ساعدة، وهو بحاجة ماسة إلي مؤيدين له، فكيف عرف أن هذه القبيلة التي لا تسكن المدينة ستكون من المؤيدين له إن لم تكن هنالك علاقة أو اتفاق مسبق معها!! ثم ما هي مصلحة هذه القبيلة باندفاعها الذي وصل إلي درجة التهور في تأييدها ذلك النفر [386] قال ابن الأثير (فجاءت أسلم فبايعت) [387] وروي الطبري: (إن أسلم أقبلت بجماعتها حتي تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر) [388] قال الزبير بن البكار: (فقوي بهم أبو بكر) [389] قال المفيد: (إن القبيلة كانت قد جاءت لتمتار من المدينة) [390] لقد حسمت الأعراب الموقف، وأجبرت المترددين علي الاعتراف بالأمر الواقع وزفت أبا بكر زفا إلي مسجد رسول الله... فصعد علي منبر رسول الله فبايعه الناس وشغلوا عن دفن الرسول حتي كانت ليلة الثلاثاء [391] فهل كان وجود الأعراب، وتأييدهم، وزفهم لأبي بكر، وقول عمر: (ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر) وليد الصدفة أم ثمرة تخطيط واتفاق مسبق!! 3 - طبيعة العلاقات الخاصة بين أفراد ذلك النفر: ارتبط أفراد ذلك [ صفحه 196] النفر بعضهم ببعض بعلاقات قديمة جدا تعود لتاريخ اعتناقهم الإسلام، كانت مواقف أفراد ذلك النفر متشابهة، كانوا يحرصون علي أن يكون لهم موقف موحد أمام رسول الله، وبعد موت النبي كانت لهم المواقف عينها من وليه وابن عمه الإمام علي، كانت مواقف أولادهم وبناتهم متشابهة، كانوا بمثابة الفريق الواحد كان أبو بكر وعمر وجهان لشئ واحد، وكانت عائشة وحفصة بمثابة الفريق الواحد في تعاملهما مع الرسول أنظر إلي قوله تعالي: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه) [392] قال عمر بن الخطاب في ما بعد: إن اللتين تظاهرتا علي رسول الله هما: (حفصة ابنة عمر وعائشة ابنة أبي بكر) [393] ولهما ضرب الله مثلا (امرأة نوح وامرأة لوط) [394] وكانتا تكرهان ولاية الإمام علي، وعندما بايع الناس الإمام عليا، قادت عائشة بنفسها جيشا وخرجت عليه، وامتنع عبد الله بن عمر من بيعة الإمام ووقف ابن أبي بكر مع معاوية وقاتل الإمام!! لقد كان الفريق متماسكا أسرويا وحول الهدف، كان معنيا بالوصول إلي ما يهدف إليه، وبإثبات قوته، وإرغام أنوف خصومه كانوا يتوزعون الأدوار بشكل محكم، ويحصلون علي نتائج متفق عليها سلفا، عندما ذهبوا إلي سقيفة بني ساعدة لم يخبروا أحدا من أولياء أهل بيت النبوة، ولم يذهبوا جميعا إنما ذهب قسم منهم، في داخل السقيفة أراد عمر أن يتكلم فنهاه أبو بكر، قال عمر: (والله ما ترك من كلمة أعجبتني إلا قال مثلها قال أبو بكر وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فأخذ بيد عمر وبيد أبي عبيدة قال عمر: (فارتفعت الأصوات وكثر اللغط وفرقت من الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته...) [395] وكان عمر يومئذ متحجرا يهرول بين يدي أبي بكر ويقول: [ صفحه 197] (ألا إن الناس قد بايعوا أبا بكر) [396] وقام عثمان بن عفان ومن معه من بني أمية فبايعوا، وقام سعد بن أبي وقاص ومن معه من بني زهرة فبايعوا.. [397] وقبل أن يتوفي أبو بكر، دعا عثمان ليكتب له عهده فكتب عثمان اسم عمر، ولما أفاق أبو بكر من غيبوبته ورأي ما كتب عثمان قال له: (لو كتبت نفسك لكنت أهلا لها) [398] ولما مات أبو عبيدة وقع اختيار ذلك النفر علي عثمان ليكون الخليفة الثالث بعد عمر لأنه أول زعيم من زعماء المهاجرين قد بايع أبا بكر، وتبعا لبيعته بايع الأمويون، ولم يذكر أن عثمان قد خالف أبا بكر أو عمر خلال حياتهما بأي وقت من الأوقات، لذلك كان موضع ثقة أبي بكر وعمر فكان الناس إذا أرادوا أن يسألوا عمر عن شئ رموه بعثمان أو بعد الرحمن بن عوف وكان عثمان يدعي في إمارة عمر بالرديف والرديف بلسان العرب الرجل الذي يأتي بعد الرجل والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد زعيمهم [399] ومن يدقق في وصية عمر وعهده للستة يتيقن أنه قد عهد عمليا لعثمان وأن إشراك الآخرين معه كان مجرد ديكور ليس إلا، وكان هدف عمر من تسمية أصحاب الشوري هو تكثير المنافسين للإمام علي، ووضع العوائق بين الإمام وبين حقه بالخلافة، فإذا مات عثمان فإن الآخرين من أصحاب الشوري سينافسون الإمام عليا بحجة أن عمر جعلهم مثل علي من أصحاب الشوري، وإذا مات الستة فإن أولاد الخمسة سينافسون أولاد الإمام علي!! ولنفترض بأن الإمام عليا قد غلب من تبقي من أصحاب الشوري، فقد أوجد عمر منافسا قويا احتياطيا للإمام علي وهو معاوية الذي أعده لهذه الغاية، وكشف عمر بن الخطاب عن هذا المنافس بقوله لأصحاب الشوري: (إذا اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان [ صفحه 198] من الشام) [400] لقد أدخل عمر الإمام عليا مع أهل الشوري استخفافا بمقام الإمام علي وجحودا بحقه، فأبو بكر وعمر وعثمان وبقية ذلك النفر يعلمون علم اليقين أن رسول الله قد نصب الإمام عليا إماما من بعده، وأن ذلك النفر قد بايع الإمام عليا وهنأه بحضور الرسول [401] ، ثم إن الإمام عليا قد واجه أبا بكر وواجه عمر عندما طلبا منه البيعة فقال لهما: (... أنتم أولي بالبيعة لي) فإذا كان الإمام علي يري بأنه أولي بالخلافة من الأول ومن الثاني فكيف يحشر مع تلك النظائر!! من خلال هذه النصوص التي تعكس صورا متحركة يتبين لنا أن هذا النفر قد تصرف كفريق متلاحم حتي استولي علي منصب الخلافة، وبقي علي تلاحمه وعلي إخلاصه للأهداف التي التف حولها قبل استيلائه علي منصب الخلافة وبعد استيلائه عليها قويت شوكته واتسع نفوذه، وصار مصير الأمة بيده!! 4 - الاستهانة بسنة الرسول: طبيعة نظرة ذلك النفر للرسول الأعظم، جعلته يستهين بسنته، ولا يثق بكل ما يقوله الرسول أو يفعله أو يقرره!! أو كانوا لا يصدقون بأن كل سنة الرسول من عند الله!! وبشكل أو بآخر أقنع أفراد ذلك النفر أنفسهم بأن الرسول بشر مثلهم يخطئ ويصيب!! وأن ليس كل ما يقوله صحيحا، وبالتالي فلا ينبغي أن يحمل كل شئ يقوله الرسول علي محمل الجد!! أنظر إلي قولهم لعبد الله بن عمرو بن العاص متعجبين من شناعة فعله لأنه كان يكتب كل شئ سمعه من رسول الله (... وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ورسول الله بشر!! يتكلم في الغضب والرضا!!) [402] [ صفحه 199] وكلامهم من الوضوح بحيث يكشف أن ليس كل ما يقوله الرسول صحيحا حسب زعمهم!! وقد روجوا هذه الشائعة الباطلة وكان لها أثر علي الناس حتي أثناء حياة الرسول فها هو أحد الصحابة يقول للرسول: (أكتب كل ما أسمع منك؟) فيجيبه الرسول قائلا: (نعم)، فيقول الصحابي: (قلت للرسول بالرضا والغضب؟!) قال الرسول: (نعم فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا..!!) [403] ومع هذا لم يقنع ذلك النفر بتأكيد الرسول!! بل بقي ذلك النفر علي قناعته بأن ليس كل ما يقوله الرسول أو يفعله صحيحا!! وتوصلوا إلي وهم مفاده أنهم وحدهم الذين يعرفون ما هو الصحيح من أقوال الرسول وأفعاله وما هو الخطأ!! وما هو من عند الله، وما هو من عند رسول الله شخصيا!! فقد اعتبروا أن أمر الرسول بقتل المنافق ذي الثدية، أمر غير صائب، لذلك امتنعوا عن تنفيذه!! [404] وكرر الرسول أمره بقتل ذلك المارق، وعلله، ولكنهم امتنعوا عن تنفيذ أمر الرسول [405] لاقتناعهم بأن أمر الرسول بالقتل غير صائب، وقتل هذا المارق غير جائز!!! لقد أمر الرسول أسامة بن زيد، علي جيش [406] وحث المسلمين علي الخروج معه، إلا أن ذلك النفر قد رأي أنه ليس من المناسب أن يتأمر أسامة الفتي علي شيوخ من المهاجرين والأنصار لذلك طعنوا بتأمير الرسول لأسامة، ونجحوا في تثبيط المسلمين عن الخروج في جيش أسامة، ومع أن [ صفحه 200] الرسول كان علي فراش المرض إلا أنه نهض وصعد المنبر ودافع عن قراره بتأمير أسامة، ومع هذا فقد بقي ذلك النفر علي قناعته بأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب، وأن غير أسامة أولي منه بالإمارة!! ومات الرسول وهم علي هذه القناعة، وتزعم عمر بن الخطاب جبهة الرافضين لتأمير الرسول لأسامة وطلب من الخليفة الأول أن يعزل أسامة، فقال له أبو بكر: (ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه) [407] . وقد يتظاهرون بأنهم أعرف من النبي بعواقب الأمور، لقد انتهكوا حرمة منزل النبي دون إذنه وهو مريض، وحالوا بينه وبين كتابة ما أراد كما وثقنا بحجة أن القرآن وحده يكفي ولا حاجة لوصية الرسول ولا لتوجيهاته النهائية!!، فهنا يتصرفون كأنهم أوصياء علي الرسول وعلي الإسلام!! وفي ما بعد اعترفوا بالسبب الذي دعاهم للحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته قائلين: (حتي لا يجعل الأمر لعلي بن أبي طالب) [408] ثم اعترف أحدهم بلسان الجميع فقال: (بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب فزحزحوه عنه لحداثة سنه والدماء التي عليه) [409] ثم قالوا: (إن النبي من بني هاشم، ولا ينبغي أن تكون الخلافة في بني هاشم) [410] لهذه الأسباب (حداثة السن، والدماء التي عليه، وكونه من بني هاشم) فقد كانوا يرون أن استخلاف الرسول لعلي عمل غير صائب وغير مناسب!! كما سنوضح بعد قليل، والأنسب أن تكون الخلافة من بعد النبي لرجل آخر، لهذا السبب تجاهلوا سنة الرسول التي عالجت موضوع من يخلف [ صفحه 201] النبي، لأن هذه السنة برأي ذلك النفر ليست ملائمة ولا تخدم مصلحة المسلمين!! بل (وتؤدي إلي الإجحاف علي حد تعبير الخليفة الثاني عمر!!) [411] فالصواب هو رأي ذلك النفر، أما ترتيبات الرسول واستخلافه لعلي بن أبي طالب فليس صوابا!! [412] . والأعظم من ذلك بأن ذلك النفر كان يعتقد بأن كل الناس أعلم من رسول الله بشؤون الدنيا، وحتي يصدق اللاحقون ما قالوا فقد زعموا أن رسول الله قد قال للناس: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) [413] لاحظ كيف عنون مسلم هذا الباب!! فأقوال الرسول بالأمور الدينية يمكن قبولها، أما الأمور الدنيوية فلا بأس من مخالفة الرسول فيها!!! ولم يتورع ذلك النفر عن الادعاء، بأن الرسول قد سحر - سحره اليهود - لدرجة أنه كان يتخيل أنه قد فعل الشئ وما فعله [414] وصوروا الرسول بصورة أدني من صورة الإنسان العادي، فقالوا: إنه كان يغضب فيلعن ويسب ويؤذي الناس بدون سبب [415] الله سبحانه وتعالي يصف النبي (وأنك لعلي خلق عظيم) وذلك النفر يصور الرسول بتلك الصور القبيحة!! وقالوا أيضا إن الرسول كان يستمع غناء جوار من الأنصار، فأتي أبو بكر فنهرهن [416] فلولا أن أبا بكر قد نهر الجواري لبقي رسول الله يستمع. [ صفحه 202] لغنائهن، وتتكرر الحادثة فيدعون أن الرسول قد رفع عائشة علي منكبه لتنظر إلي الحبشة الذين يلعبون في المسجد، فلاحظ عمر هذا السلوك الخاطئ فنهرهم [417] !! وفي رواية الترمذي: فطلع عمر فانفض الناس فقال الرسول: (إني لأنظر إلي شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر) [418] فأنت تلاحظ أن شياطين الجن والإنس لم يفروا من الرسول إنما فروا من عمر!! وفي رواية ثانية أن جارية ضربت بالدف وغنت بين يدي رسول الله بعد رجوعه من إحدي غزواته، فدخل عمر، فألقت الجارية الدف تحت استها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله: (إن الشيطان ليخاف منك يا عمر) [419] ، فالشيطان حسب زعمهم كان يجلس مع رسول الله آمنا دون خوف فلما دخل عمر، ارتجفت أوصال الشيطان من الخوف والذعر!! وأنت تلاحظ أن الرواة الموالين لذلك النفر قد أعطوا دور البطولة للخليفتين، وخصصوا للرسول الأدوار الثانوية اللازمة لإبراز بطولة الخليفتين وعظمتهما!!! لقد أقنعوا أنفسهم، بأن الرسول الأعظم من النوع العادي جدا من البشر، لدرجة أن كل الناس أعلم منه بشؤون الدنيا، والأعظم من ذلك أنه كان يرفع أناسا وهم يستحقون الوضع... ويضع أناسا وهم يستحقون الرفع، فقد مدح علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة ورفعهم، وقد لعن فئة أخري من الناس وسبهم وشتمهم وآذاهم بدون سبب وقد وثقنا تلك المزاعم في الصفحات السابقة، فكان قصد ذلك النفر وقصد أوليائهم من اختلاق هذه الاختلاقات وأمثالها وإشاعتها بين المسلمين هو التشكيك بأحاديث الرسول وبسنته التي عالجت موضوع نظام الحكم أو الخلافة من بعد النبي وصولا إلي القول بأن تنصيب الرسول للإمام علي ليكون أو إمام أو خليفة من بعده ونص [ صفحه 203] الرسول علي أحد عشر إماما آخرين يأتون بعد الإمام علي، وكلهم من ذرية النبي ومن صلب علي ليس أمرا من الله، ولا بيانا من رسول الله لآية (وأولي الأمر منكم) إنما كان مجرد تدبير خاص من محمد شخصيا، فعندما يخالفون هذا التدبير، فإنهم لا يخالفون الله - بزعمهم - لأن التدبير المحمدي الشخصي هذا ليس موجودا في القرآن ثم إن الناس أعلم بشؤون دنياهم - كما اعترف محمد بذلك - ثم إن هذا النفر أعلم بمصلحة الناس من الرسول نفسه!! هذا ما سهل علي ذلك النفر تجاهل السنة النبوية التي عالجت موضوع الحكم أو من يخلف النبي، وسهل عليهم الاستهانة بسنة الرسول بل وبمقام النبوة نفسه!!! فتركوا الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول، وأوجدوا ترتيبات من عند أنفسهم، لاعتقادهم بعدم صواب الترتيبات التي أعلنها الرسول، وأن الترتيبات التي اخترعوها من عند أنفسهم هي الأصوب والأنسب، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!! 5 - عدالة قضية ذلك النفر، وإحساسهم بأنهم يحسنون صنعا إن استولوا علي منصب الخلافة بعد وفاة النبي: لقد كان الإسلام الحقيقي في نظر راكبي موجته هو الملك، والملك وحده، لقد وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد ضد النبي وضد بني هاشم الذين احتضنوه، لا حبا بالأصنام، ولا دفاعا عن دين الشرك، فحسب، ولكن دفاعا عن الصيغة السياسية الجاهلية التي كانت توزع مناصب الشرف بين البطون، ولأنها كانت تكره أن يكون النبي من بني هاشم، ولأنها كانت موقنة بأن النبوة ستتمخض عن ملك يتولاه محمد الهاشمي، ويخل بموازين القوي، وللحيلولة دون ذلك وقفت البطون وقفة فريق واحد فقاومت النبي وقاومت دينه، وحاربتهما بكل الوسائل، ولم تلق تلك البطون السلاح حتي يئست تماما من هزيمة النبي، وهزيمة دينه!! كانت بطون قريش وأبناء البطون المتعصبون لها يعتقدون بأن الهدف من الصراع هو الملك بشكل من أشكاله!! وقد عبر أبو سفيان عن قناعة هذا التيار حينما رأي جيوش النبي تزحف نحو مكة فقال للعباس:. [ صفحه 204] (لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ما رأيت ملكا مثل هذا لا ملك كسري ولا ملك قيصر ولا ملك بني الأصفر) [420] ولم تتغير هذه القناعة حتي بعد دخول أبي سفيان في الإسلام، نظر أبو سفيان مرة للنبي فقال في نفسه: (ليت شعري بأي شئ غلبني محمد)، فأوحي الله إلي نبيه بما جال في صدر أبي سفيان فقال له الرسول (غلبتك بالله) [421] بعد أن دخل رسول الله مكة وتلفظ بالشهادتين جئ به إلي رسول الله، فقال له الرسول: (يا أبا سفيان أما آن لك أن تعلم بأني رسول الله؟ فقال أبو سفيان أما والله فإن في النفس حتي الآن منها شئ... فصاح به العباس: ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن أضرب عنقك)، هنا فقط بعد ذكر ضرب العنق، وبعد الإحاطة، وضعف الحيلة، تظاهر بوقف صراعه مع النبي!! لقد أحس ذلك النفر أن رئاستهم العامة للأمة بعد موت النبي تشكل فرصة تاريخية للمصالحة بين تيار أتباع النبي المخلصين، وبين تيار أتباع زعامة الشرك السابقة!!، وأن استيلاء ذلك النفر علي الملك سيضع حدا لصراع طال أجله، وسيعيد الصيغة السياسية الجاهلية القائمة علي اقتسام مناصب الشرف ولكن بثوب إسلامي، وبشكل إسلامي!! كان ذلك النفر موقنا بأن الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي والمتعلقة بمن يخلفه، ترتيبات غير عادلة وغير منصفة - والعياذ بالله - فمن غير الممكن حسب تفكير ذلك النفر أن يكون النبي من بني هاشم، وأن يكون خلفاؤه الاثني عشر من بني هاشم أيضا!! إن هذه الترتيبات مجحفة بحق البطون ومن المحال حسب عقولهم أن تكون من الله، فلا بد أنها من تدابير محمد كبشر!! لقد أقنع ذلك النفر أنفسهم بذلك، لذلك هان عليهم [ صفحه 205] الاستهانة بكامل نصوص السنة النبوية التي عالجت هذا الموضوع، وهان عليهم نقض أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم!! لذلك صمموا أن يتجاهلوا هذه الترتيبات الإلهية، وأن يتجاهلوا نصوص السنة النبوية التي فصلت هذه الترتيبات، وفي ما بعد أنكروا وجود الترتيبات الإلهية، وأنكروا وجود السنة النبوية، بل والأعظم من ذلك كله أنهم قد وضعوا ترتيبات وضعية بديلة للترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول وفي ما بعد، ولغايات الدعاية والاستهلاك المحلي، قالوا بأن الخلافة ليست مقصورة علي بطون قريش وحدها، إنما هي حق لكل المسلمين ما عدا الهاشميين، لأن الهاشميين قد نالوا بالنبوة من الشرف ما يكفيهم، ولا ينبغي أبدا أن يتولوا منصب الخلافة، أو يشاركوا في أعمالها!!! وللتدليل علي حسن النية، وعلي الجدية قال عمر بن الخطاب: (لو أدركت معاذ بن جبل استخلفته) ومعاذ بن جبل هذا من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب وغيره من ذلك النفر يرون في سقيفة بني ساعدة أن الخلافة غير جائزة للأنصار، وأنها محصورة في عشيرة النبي [422] وهكذا مني عمر الأنصار بالخلافة، والأبعد من ذلك أن عمر قد قال: (ولو أدركت سالم مولي أبي حذيفة استخلفته)، وسالم هذا من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب!! وهكذا مني عمر الموالي أيضا بالخلافة!! ففتح شهية الجميع لمنصب الخلافة فلم تعد لأي من العرب أو الموالي مصلحة بعودة الترتيبات الإلهية التي أعلنها النبي بل ولم تعد لهم مصلحة بالاعتراف بهذه الترتيبات!!! قال الإمام علي مرة: (اللهم إني أستعينك علي قريش ومن أعانهم، فقد قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا علي منازعتي أمرا هو لي، وقد قال قائل: إنك علي هذا الأمر يابن أبي طالب لحريص، فقلت: [ صفحه 206] بل أنتم والله أحرص وإنما طلبت حقا لي وأنتم تحولون بيني وبينه) [423] وقال مرة: (فجزت قريش عني الجوازي فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي) [424] . والخلاصة أن الهدف الرئيسي لذلك النفر قد انصب بالدرجة الأولي والأخيرة علي إبعاد آل محمد عن حقهم برئاسة الأمة، لأن ذلك النفر قد قرر أنه ليس من الإنصاف ولا من الصواب أن يأخذ الهاشميون الملك والنبوة معا، وأن يحرموا بطون قريش من هذين الشرفين معا، والصواب أن يأخذ الهاشميون النبوة وحدهم لا يشاركهم فيها أي إنسان من غيرهم وقد أخذوها، وأن تأخذ بطون قريش الخلافة لا يشاركهم فيها أي هاشمي، ومهمة ذلك النفر أن يفرضوا ذلك بالقوة، لقد أقنعوا أنفسهم أن الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي والمتضمنة تولية الإمام علي بن أبي طالب واستخلافه، واستخلاف أحد عشر من ذرية النبي، والتي أعلنها الرسول ليست عادلة ولا مناسبة، وأنها ليست من عند الله، إنما هي تدابير وضعها محمد كبشر، وأن واجبهم الديني!! يفرض عليهم تجاهل سنة النبي في هذه الناحية، ووضع سنن بديلة لها!!! 1 - اعتراف عمر بن الخطاب بذلك: قال عمر بن الخطاب أثناء خلافته لعبد الله بن عباس: (يابن عباس أتدري ما صنع قومكم منكم بعد موت محمد؟! قال ابن عباس فكرهت أن أجيبه، فقلت إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدري، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة فتجحفوا علي قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت!! قال ابن عباس: فقلت يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت، فقال عمر: تكلم، قال ابن عباس: فقلت: أما [ صفحه 207] قولك يا أمير المؤمنين، اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها من حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عز وجل قد وصف قوما بالكراهية فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) فقال عمر: هيهات يا بن العباس قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقر عليها فتزيل منزلتك مني، قال ابن عباس فقلت: يا أمير المؤمنين فإن كان حقا فلا ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كان باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه، فقال عمر: بلغني أنك تقول: صرفوها عنا حسدا وبغضا، قال ابن عباس فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسدا، فإن آدم حسد، ونحن ولده المحسودون. قال عمر هيهات، هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول! قال ابن عباس فقلت مهلا يا أمير المؤمنين لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) [425] . هذه المحاورة تؤكد ما ذهبنا إليه، وتكشف عقيدة ذلك النفر وطبيعة مشاعرهم نحو أهل بيت النبوة!!! 2 - وعمليا وطوال رئاسة ذلك النفر للأمة لم يصدف أن استعملوا أو استعانوا بأي رجل من آل محمد، ولا بأي رجل يتعاطف مع آل محمد، وذلك من قبيل سد الذرائع!!! قال عبد الله بن عباس: إن عمر قد أرسل إليه وقال له: (إن عامل حمص قد هلك وكان من أهل الخير، وأهل الخير قليل وقد رجوت أن تكون منهم، وفي نفسي منك شئ لم أره منك وأعياني ذلك فما رأيك [ صفحه 208] بالعمل لي!! قال ابن عباس فقلت: لن أعمل لك حتي تخبرني بالذي في نفسك؟ قال عمر ما تريد إلي ذلك؟ قال ابن عباس فقلت: أريده فإن كان شئ أخاف منه علي نفسي خشيت منه عليها الذي خشيت، وإن كنت بريئا من مثله علمت أني لست من أهله فقبلت عملك هنالك، فإني قلما رأيتك طلبت شيئا إلا عاجلته، فقال عمر: يا بن عباس إني خشيت أن تأتي الذي هو آت (الموت) وأنت في عملك فتقول هلم إلينا ولا هلم إليكم دون غيركم...) [426] . من فرط حرص عمر علي مصلحة المسلمين وكراهيته المطلقة لرئاسة آل محمد يريد حتي بعد وفاته أن يتأكد، بأنه لا يوجد في ولايات الدولة ولا أعمالها رجل واحد يؤيد حق آل محمد بالرئاسة!! وهو يثق بمعاوية، ويثق بكل ولاته لأنه وإياهم علي خط واحد، ولهم هدف واحد وهو الحيلولة بين آل محمد وبين الرئاسة العامة للأمة، لأن ذلك النفر لا يرون أنه ليس للأمة مصلحة في رئاسة آل محمد، بل المصلحة كل المصلحة بإبعاد آل محمد عن حقهم برئاسة الأمة وإبعاد أولياء آل محمد عن الولايات والإمارات والأعمال والوظائف العامة حتي لا يوطدوا لآل محمد!! لهذه الأسباب هان علي ذلك النفر تجاهل سنة الرسول وكافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم أو بمن يخلف الرسول، وأقنعوا أنفسهم بأن الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول في هذا المجال ليست في مصلحة الإسلام ولا في مصلحة المسلمين!!! ومع الأيام أقنعوا الأكثرية التي حكموها بذلك!! إن هذا لهو البلاء المبين!! [ صفحه 209]

من خلال سلسلة متكاملة ومتلاحقة من الخطوات، تمكن ذلك النفر من تجاهل سنة الرسول التي رتبت من يخلف النبي بعد موته، ونتيجة لذلك نقضوا أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم حتي قبل أن يدفن الرسول الأعظم!!

لقد نجح ذلك النفر بتثبيط المسلمين عن الخروج في جيش أسامة، مع أن الرسول الأعظم قد عبأ هذا الجيش بنفسه، وعبأ ذلك النفر فيه، وأعطي الرسول الراية لأسامة بنفسه، وحث الرسول هذا الجيش علي الخروج سريعا [427] ، وقال الرسول جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه [428] لكن ذلك النفر وأولياءهم كانوا يرون أن تأمير الرسول لأسامة علي [ صفحه 210] الجيش وهو فتي غير مناسب!!! والأفضل أن يعين الرسول بدلا منه!! هذه هي الحجة التي احتجوا بها حتي لا يخرجوا مع الجيش، فاضطر الرسول أن ينهض من فراش الموت وهو معصوب ومحموم، وأن يصعد المنبر، وأن يدافع عن قراره بتأمير أسامة وأن يؤكد ذلك بقوله: (... وأيم الله إنه لخليق بالإمارة [429] ومع هذا فقد أصروا علي موقفهم بأن تأمير الرسول لأسامة غير مناسب ويتوجب علي الرسول أن يستبدله!!! ومن الطبيعي أن يصر الرسول علي قراره فكان يقول: (جهزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة) وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون [430] ويبدو أن ذلك النفر قد ضغط علي أسامة ضغطا شديدا، فدخل علي رسول الله فأمره رسول الله بالسير وقال له: (أغدو علي بركة الله [431] فقال أسامة للرسول: دعني أمكث حتي تشفي، فقال الرسول أخرج وسر علي بركة الله، فقال أسامة: إن خرجت وأنت علي هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة، فقال الرسول: سر علي النصر والعافية فقال أسامة: يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان فقال الرسول: أنفذ لما أمرتك به) [432] فقام أسامة، ثم أغمي علي الرسول، واستفاق وأخذ بقول: أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن بعث أسامة!! ومع هذا لم يخرجوا ولم يستجيبوا لرسول الله، وأصروا علي رأيهم بأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب فلا ينبغي لأسامة وهو فتي أن يتأمر علي شيوخ المهاجرين والأنصار!! وحتي بعد أن توفي الرسول أصروا علي رأيهم وضغطوا علي الخليفة الأول كي ينزع أسامة!! لأن تأمير [ صفحه 211] الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا!! فأخذ الخليفة الأول بلحية عمر بن الخطاب وقال له: (ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه) [433] . لقد استمات ذلك النفر للحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج لأن الرسول قد عبأهم بهذا الجيش بنفسه، فإن تخلفوا عنه سينكشفون ثم إن خروجهم بهذا الجيش سيقوض كل خططهم الرامية إلي زحزحة الخلافة عن صاحبها الشرعي والاستيلاء عليها بالقوة والتغلب بعد تجاهل سنة الرسول التي رتبت نظام الحكم بعد موت النبي!! فلو خرجوا مع الجيش لانتقلت الخلافة في غيابهم إلي صاحبها الشرعي انتقالا سلميا ولما اختلف اثنان لقد فطن ذلك النفر إلي تدبير النبي، لذلك استماتوا للحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج، وكانت هذه هي الخطوة الرئيسية الأولي لتجاهل سنة الرسول تجاهلا تاما ونقض أول عروة من عري الإسلام وهي نظام الحكم!!

لما علم النبي أن ذلك النفر قد نجح بالحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج صمم علي كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة ليسهل عملية الانتقال السلمي إلي خليفته الشرعي الذي اختاره الله وأعلنه رسوله، وقبله الجميع وبايعه الجميع في غدير خم بما فيه أفراد ذلك النفر. ومن المؤكد أن الرسول الأعظم قد ضرب موعدا لذلك، ودعا إليه بعض الخلص من أصحابه ليشهدوا كتابة الوصية والتوجيهات النهائية، ومن [ صفحه 212] المؤكد أن شخصا ممن كان يسكن مع النبي قد سمع بذلك، ومن المؤكد أن ذلك الذي سمع كان متعاطفا مع ذلك النفر وضالعا معهم في المؤامرة، فنقل الخبر إلي عمر بن الخطاب [434] ولأن عمر بن الخطاب رجل حازم فقد أطلع أركان حزبه علي ما سمع واتفقوا علي أن يجمعوا وبصمت أكبر عدد ممكن من أعوانهم، وأن يدخلوا حجرة الرسول في الوقت الذي حدده لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية!! حضر الذين اصطفاهم الرسول ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية وليلخص أمامهم الموقف للأمة، جلست هذه الصفوة بين يدي رسول الله!! فجأة وبدون استئذان دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم علي خطة تحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد كتابته!! ماذا يفعل النبي أمام هذه المفاجأة!! لم يلغ الموعد، ويضرب موعدا جديدا لأن الموت يدركه، بل مضي إلي حيث أمره الله متجاهلا وجود المتآمرين ونواياهم!! فقال للذين دعاهم (إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) [435] . ما إن أتم الرسول جملته حتي تصدي له عمر بن الخطاب، وقال متجاهلا طلبه، ومتجاهلا وجود الرسول، وموجها كلامه للصفوة التي اختارها الرسول: (لا حاجة لنا بكتابه، إن المرض قد اشتد به، إن النبي يهجر، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) [436] وما إن أتم عمر جملته حتي قال أعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور: [ صفحه 213] (القول ما قال عمر، إن رسول الله يهجر، ما له أهجر!! ما شأنه أهجر!! استفهموه إنه يهجر) [437] . صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما سمعت، فقالت: إلا تسمعون رسول الله يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده!! وكرر عمر أقواله السابقة وعلي الفور ضج أتباع عمر فرددوا اللازمة التي اتفقوا عليها قبل دخولهم إلي منزل النبي (القول ما قال عمر إن الرسول يهجر...) كان واضحا أن عمر وحزبه علي استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد، سمعت النسوة، فقالت النسوة لعمر وحزبه: (ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم...) فصاح بهن عمر: (إنكن صويحبات يوسف...). هنا تدخل الرسول فقال: (دعوهن فإنهن خير منكم) [438] دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع [439] لقد اكتفي الرسول بتأكيداته السابقة، ورد علي عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة وطبيعة الظروف وهذا ما تمناه عمر وحزبه، لقد تحققت غايتهم من اقتحامهم لمنزل الرسول ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم، وهكذا كسروا خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الدين والأمة معا، وتركوا النبي يصارع الموت تحف بجنابه الأقدس ملائكة الرحمن. وقد فعل عمر وحزبه ذلك (حتي لا يجعل الأمر خطيا لعلي بن أبي [ صفحه 214] طالب) فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي، وقد اعترف عمر بذلك، لأنه كان يعتقد أن مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن لا يتولي الخلافة علي وأن اختيار الرسول للإمام علي كاختياره لأسامة عمل غير صحيح وغير مناسب!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

من اللحظة التي قعد فيها رسول الله علي فراش الموت، استنفر ذلك النفر قاعدتهم الشعبية، وقامت قيادتهم بتحديد الخطوات اللازمة للاستيلاء علي منصب الخلافة بالقوة. 1 - تحديد ساعة الصفر أو الاعلان عن وجود انقلاب علي الشرعية الإلهية: قدر ذلك النفر أن أفضل وقت لتنفيذ الانقلاب هو الفترة الواقعة ما بين وفاة النبي وبين دفنه، حيث يكون الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة مشغولين بتجهيز الرسول لمواراته في ضريحه المقدس فإذا نجح الانقلابيون بتنصيب خليفة خلال هذه الفترة فسيواجهون الإمام الشرعي وآل محمد والفئة القليلة المؤمنة بأمر واقع لا طاقة لهم علي دفعه، وهذا ما حدث بالفعل، فلم يشارك ذلك النفر بتجهيز الرسول ولا شاركوا بدفنه مع أن أبسط حقوق الرسول علي ذلك النفر هو المشاركة بالتجهيز والدفن خاصة وأن أبا بكر وعمر قد نالا شرف مصاهرة الرسول. قال ابن سعد: (ولي وضع الرسول في قبره هؤلاء الرهط الذين غسلوه العباس وعلي، والفضل وصالح مولاه (وخلي أصحاب رسول الله بين رسول الله وأهله فولوا أجنانه) [440] . [ صفحه 215] وقال ابن عبد ربه: (دخل القبر علي والفضل وقثم أبناء العباس وشقران مولاه ويقال أسامة بن زيد وهم تولوا غسله وتكفينه وأمره كله) [441] . وأن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن الرسول [442] . قالت عائشة: ما علمنا بدفن الرسول حتي سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء [443] والقوم مجمعون علي أن رسول الله قد مرض في حجرة عائشة وتوفي فيها، ومع هذا فإن عائشة لم تعلم بدفن الرسول لأنها كانت مشغولة كأبيها وكعمر بمصلحة المسلمين وتنصيب خليفة مناسب غير الخليفة الذي اختاره الله ورسوله!! قال ابن سعد: (ولم يله إلا أقاربه، ولقد سمعت بنو غنم صريف المساحي حين حضر، وأنهم لفي بيوتهم) [444] . هذه الروايات رواها أولياء الخلفاء وهي تدل ضمنا وصراحة علي أنهم قد تركوا رسول الله جنازة في أيدي أهله وأقاربه، وذهبوا ليستولوا علي ملك النبوة، ويتقاسموه في غياب أهله الشرعيين ويضعوا المسلمين أمام أمر واقع، فإذا كان هذا تعاملهم مع الرسول شخصيا فكيف يتعاملون مع سنته!! 2 - تقسيم أنصار ذلك النفر علي شكل سرايا كل سرية لها مهمة محددة!! أ - قسم يبقي في المسجد وحوله، ليكون قرب آل محمد، يراقب تحركاتهم وينتظر اللحظة التي يأتي بها الخليفة الجديد، فيستقبلونه مجرد [ صفحه 216] وصوله، ويبايعونه أمام آل محمد، بعفوية وبدون اعتراض، وكأن هذه البيعة طبيعية، وكأن هذا القسم لا يعرف شيئا عن المؤامرة والانقلاب!! وبالفعل عندما جاء الخليفة الجديد نهضت هذه المجموعة لاستقباله فقال عمر بن الخطاب: (ما لي أراكم حلقا شتي، قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار) [445] . وكأن كلام عمر (مسحة رسول) فقام عثمان بن عفان والأمويون فبايعوا الخليفة الجديد، وقام سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا الخليفة الجديد، ولم يبق من ذلك الجمع لم يبايع إلا علي بن أبي طالب والعباس ومن معهما والزبير بن العوام الذي انضم لهما [446] وهكذا عزل الهاشميون وآل محمد كما خطط الانقلابيون ونجح القسم الذي وضع في المسجد وحوله بأداء دوره علي أكمل وجه!!! ب - قسم آخر يتحرك إلي منطقة الأنصار، ويتجمعون في سقيفة بني ساعدة كأنهم زوار لسعد بن عبادة الذي كان مريضا وطريح الفراش بإجماع كل المؤرخين، ومهمة هذا القسم أن ينتظر قدوم قادة الانقلاب، وأن يشترك بالحوار وكأنه لا علم له بما دبروا، حتي إذا ما نجح قادة الانقلاب بجر الحاضرين إلي الخوض في حديث من يخلف النبي، أمسكوا بالحديث فتابعوه حتي يتم تنصيب الخليفة المتفق عليه وهو أبو بكر، عندئذ ينهض أفراد هذا القسم ويبايعوا أبا بكر كأول خليفة للنبي، فيذهل الحاضرون من غير الانقلابيين، ويجدون أن من الحكمة مبايعة الخليفة الجديد باعتباره واقعا، وحتي يشركهم في ما بعد بالمنافع والأدوار، ويحافظوا علي مصالحهم باعتبار أن هذه الخليفة هو رأس الحكومة الواقعية!!. [ صفحه 217] 3 - افتعال اجتماع سقيفة بني ساعدة: في وقت يطول أو يقصر سيكتشف المسلمون بأن اجتماع سقيفة بني ساعدة كان مفتعلا وقد حوله الانقلابيون من مجرد اجتماع لزوار عند مريض إلي اجتماع سياسي وقد أثبتنا ذلك [447] فسعد بن عبادة كان مريضا بالإجماع، وقاعد علي فراش المرض في منزله المجاور لسقيفة بني ساعدة، ولأن سعد سيد الخزرج بلا كلام فمن الطبيعي أن تأتي وجوه الخزرج لعيادته والاطمئنان علي صحته، ومن الطبيعي أن يتعرض الزوار في حديثهم العادي لوفاة الرسول، والفراغ الذي سيتركه، وفجأة حضرت الأوس المتفقة مع قادة الانقلاب، والمحصورة مهمتها بمبايعة الخليفة في اللحظة المناسبة عند ترشيحه من قبل قادة الانقلاب، وليس في حضور الأوس أو جزء كبير منهم أو حتي مجموعة من الأوس لزيارة سعد بن عبادة ما يثير الريبة، فسعد مريض وعيادة المريض وزيارته مرغوبة في الجاهلية والإسلام، وهذه الزيارة من حيث الظاهر مبادرة نبيلة من الأوس. لقد جلس الجميع واطمأنوا علي صحة المريض سعد بن عبادة ومن غير المستبعد أن الجميع قد تطرقوا إلي عصر ما بعد النبوة، ويجمع المؤرخون أن الحضور قد قالوا لسعد بن عبادة أن الأمر لك، فما كنت فاعلا فلن نعصي لك أمرا، بمعني أن سعد بن عبادة يتولي توجيه الأنصار إلي ما يمكن عمله وكيف يتم ذلك، وليس المقصود تولية سعد خليفة علي المسلمين، فلو أن المقصود تولية الخلافة لسعد لبايعه الحاضرون خليفة، ولوضعوا المسلمين تحت أمر واقع كما فعل الانقلابيون!! لكن سعد لا يقبل ذلك، ولا يقبل الخزرج ذلك ولا تقبل الأوس ذلك أيضا، لأن الأنصار كانت تعرف أن الرسول قد استخلف الإمام علي بن أبي طالب، وطوال عهد الرسول المبارك وهو يؤكد هذه الحقيقة وقبل شهرين من وفاته نصبه الرسول وتوجه إماما للمسلمين في غدير خم وبايعه المسلمون وقدموا له التهاني بحضور الرسول، كأن مسألة خلافة النبي محسومة ومعروفة [ صفحه 218] عند الجميع خاصة الأنصار، وحتي بعد أن نجح الانقلابيون بتنصيب خليفة في سقيفة بني ساعدة قالت الأنصار " لا نبايع إلا عليا أو قال بعض الأنصار: " لا نبايع إلا عليا " [448] وعلي غائب، لأن عامة المهاجرين والأنصار كانوا لا يشكون بأن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله [449] ولكن كان من الطبيعي أن ينشرح خاطر سعد مما عرضته الأوس حول تنسيق المواقف إن العرض غريب ومدهش، لكن تقبله سعد، وتقبلته الخزرج بحسن نية وبارتياح، لأن الخزرج كانت خالية الذهن تماما من موضوع الانقلاب، ومن تواطؤ أعداد كبيرة من الأوس فيه!! 4 - حضور أبي بكر وعمر وأبي عبيدة: بينما كان الزوار مجتمعين في منزل سعد بن عبادة حضر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، كان حضورهم مستهجنا من جميع الوجوه فهم أصهار الرسول، وقد جرت العادة أن يساعد الأصهار أهل الميت بتجهيزه ودفنه، إن ترك الثلاثة لرسول الله يثير الدهشة والاستغراب لكن سعد والخزرج تصوروا لأول وهلة أن زيارة الثلاثة تعبير عن المحبة والتقدير لسعد، ولفتة نبيلة تجاه الخزرج، وأن الزيارة لوجه الله تعالي! ولم يعلم سعد، ولا علمت الخزرج ساعتها أن الثلاثة اختاروا هذا المكان وهذا التجمع بالذات لينصبوا خليفة بديلا للخليفة الذي اختاره الله ورسوله!! من الطبيعي أن ينهض الجميع أو يفسحوا المجال علي الأقل للزوار الثلاثة ثم يجلس الجميع، من الذي وصل الحديث!! من الذي بدأ الحديث!! كيف تطور الحديث عن خلافة النبي المحسومة! لا أحد يعلم ذلك علي وجه اليقين، لم تعد الروايات التاريخية التي " هندستها " وسائل إعلام دولة الخلافة التاريخية مقبولة عقليا ولا قادرة علي الوقوف أمام أي تحليل منطقي!! لكن المؤكد أن اجتماع السقيفة بالمعني الذي تقدمه وسائل إعلام الخلافة التاريخية كان [ صفحه 219] مفتعلا، وأنه لم يكن بالأصل اجتماعا سياسيا لغاية انتخاب خليفة من الأنصار كما يزعمون!! وأن الثلاثة وأعوانهم هم الذين استغلوا وجود بعض الناس عند سعد بن عبادة، وحولوا ذلك الاجتماع إلي اجتماع سياسي لغاية تنصيب الخليفة بديل للخليفة الذي نصبه الله ورسوله، ومواجهة آل محمد وصاحب الحق الشرعي وكافة المسلمين بأمر واقع لا طاقة لهم علي دفعه إلا بالقتال وتفريق وحدة المسلمين!! 5 - الثلاثة وأعوانهم يتجاهلون بالكامل الإمام الذي اختاره الله ورسوله ليخلف الرسول: بعد أن نجح الثلاثة وأعوانهم بتحويل الاجتماع عند مريض إلي اجتماع سياسي، تجاهلوا بأن الرسول قد عين خليفة، وتجاهلوا سنة الرسول التي نظمت عصر ما بعد النبوة، وتجاهلوا نظام الحكم في الإسلام وانطلقوا من نقطة الصفر قافزين عن كل الأحكام الشرعية التي أعلنها النبي، فقال أبو بكر للحاضرين، نحن عشيرة الرسول... وقال عمر: " إن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته " [450] وقال أبو عبيدة: " يا أيها الأنصار كنتم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وخالف " [451] . أنت تلاحظ أن الثلاثة كانوا يحتجون بحجة أهل بيت النبوة، ويتصرفون كأن الرسول لم يعالج هذا الموضوع، لقد فهم الأنصار أن الثلاثة يريدون أن ينصبوا خليفة، ويضعوا الناس أمام أمر واقع، فقالت الأنصار أو قال بعض الأنصار: " لا نبايع إلا عليا " [452] وكان علي غائب، وقال المنذر بن الأرقم: " إن [ صفحه 220] فيكم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازله أحد " يعني علي بن أبي طالب [453] . تجاهل أبو بكر ما قالته الأنصار فقال: " هذا عمر وهذا أبو عبيده بايعوا أيهما شئتم، فقال عمر ما لأبي بكر أبسط يدك أبايعك، وكثر اللغط وكثر الاختلاف، أهل الشرعية من الأنصار يقولون لا نبايع إلا عليا والثلاثة يريدون أبا بكر والمندسون يترقبون الفرصة. لما رأي بشير بن سعد أن الثلاثة لم يقبلوا بولاية علي أدرك أن البيعة لأحدهم واقعة لا محالة، فأراد أن يكون له السبق فقال إن محمدا من قريش وأهله أحق بميراثه وتولي سلطانه... ثم قفز وبايع أسيد بن حضير ومن حضر من الأوس، وحتي ينال الخزرج جزاءا من هذا الشرف ولا يأخذه الأوس وحدهم بايع أكثرية من حضر... " [454] . 6 - استقدام المرتزقة من الأعراب: استقدم الانقلابيون أعدادا كبيرة من الأعراب، وطلبوا منهم أن يتواجدوا في الوقت الذي حدوده قرب بيت سعد بن عبادة، فجاءت قبيلة أسلم قال الطبري: " إن أسلم أقبلت بجماعة حتي تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر " [455] قال عمر بن الخطاب في ما بعد: " ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر " [456] قال عمر هذا الكلام وهو في سقيفة بني ساعدة، وهو بحاجته ماسة إلي مؤيدين ينتصر بهم علي سنة الرسول وعلي صاحب الحق الشرعي!! فكيف عرف أن هذه القبيلة التي لا تسكن المدينة ستكون من المؤيدين له! إن لم تكن هنالك علاقة أو اتفاق [ صفحه 221] مسبق معها، ثم ما هي مصلحة هذه القبيلة باندفاعها الذي وصل إلي درجة التهور في تأييدها لذلك النفر!! قال ابن الأثير فجاءت أسلم فبايعت [457] وقال الزبير بن البكار: " فقوي بهم أبو بكر " [458] وقال المفيد: " إن القبيلة كانت قد جاءت لتمتار من المدينة " [459] لقد حسمت الأعراب الموقف وأجبرت المترددين علي الاعتراف بالأمر الواقع، وهذا ليس وليد صدفة، إنما كان ثمرة تخطيط اتفاق مسبق!! 7 - زقة الخليفة الجديد: بايع أبا بكر الانقلابيون من المهاجرين والطلقاء والأنصار والمنافقين والمرتزقة من الأعراب في سقيفة بني ساعدة، وبعد أن تمت بيعتهم له أحاطوا به وزفوه زفا إلي المسجد [460] ولما وصل موكب الخليفة الجديد المسجد استقبله الأمويون برئاسة عثمان بن عفان فبايعوا، وبنو زهرة برئاسة سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف فبايعوا، وتبعا لهم بايعت بطون قريش باستثناء بني هاشم والزبير وخالد بن سعيد الأموي، وهكذا واجه الانقلابيون الأمة بأمر واقع لا سبيل إلي دفعه، إلا برجوعهم إلي الحق وهذا غير وارد فلو أرادوا الحق لما خرجوا منه، أو بحرب غير متكافئة تفرق وحدة المسلمين. 8 - توقع الخليفة الجديد وأعوانه المباركة الفورية من آل محمد عامة ومن صاحب الحق الشرعي خاصة: بعد ما نصب الانقلابيون الخليفة الجديد وحشدوا ذلك الحشد الهائل من الأتباع والأعوان ومن أعداء الله ورسوله وواجهوا صاحب الحق الشرعي وآل محمد بهذا الواقع المر، توقع الخليفة الجديد وأعوانه بأن يسكت صاحب الحق الشرعي، وأن يسكت أهل بيت [ صفحه 222] النبوة وأن يبادروا علي الفور للاعتراف بهذه الأمر الواقع وإن يبادروا إلي مبايعة الخليفة الجديد خاصة وأنه قد استعرض قواته أمام بيت العزاء!! لكن ما توقعه الانقلابيون لم يحدث ولم يتقدم الإمام علي بن أبي طالب ولا أحد من بني هاشم إلي مبايعة الخليفة الجديد أو إظهار الاعتراف بالأمر الواقع بل اعتبروه عملا غير شرعي بل ومعدم شرعا!! كذلك فقد توقع الخليفة وأعوانه أن تتقدم الفئة القليلة المؤمنة فتبايعه، وتبارك له وتعترف بالأمر الواقع، وتتناسي كل ما قاله رسول الله!! ولكن ذلك لم يحدث، فقد رفضت القلة المؤمنة الاعتراف بالأمر الواقع، وبالوضع الجديد!! قال عمر بن الخطاب في ما بعد: " وإنه كان من خبرنا حين توفي نبينا أن عليا والزبير ومن معهما - سلمان الفارسي، وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وأبي بن كعب - تخلفوا عنا في بيت فاطمة [461] . [ صفحه 223]

تأثر أبو بكر ونائبه والانقلابيون من فعلة الإمام علي وآل محمد والقلة المؤمنة ومن تلكئهم عن بيعته وعدم اعترافهم بالأمر الواقع، فأرسل أبو بكر عمر بن الخطاب وقال له: " إئتني به بأعنف العنف " [462] فجاء عمر وجري بينه وبين الإمام حديث [463] فقال الإمام علي لعمر: " والله ما حرصك علي إمارته اليوم إلا ليؤثرك غدا " [464] أو قال له: " إحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا " [465] فعلي بن أبي طالب يعلم علم اليقين بأن أبا بكر سيستخلف عمر بن الخطاب. ومن الطبيعي أن تنتهي المناقشة عند هذا الحد ومن الطبيعي أن لا يجرؤ عمر علي الاصطدام مع الإمام علي دون وجود قوة كافية تحميه من الإمام، لأن عمر ليس من رجال علي، ولا يجيد القتال، فخرج عمر ثم عاد ومعه قوة من جيش الخليفة الجديد، فيهم أسيد بن حضير، وعبد الرحمن بن عوف، وزياد بن لبيد وزيد بن ثابت، وسلمة بن أسلم، وخالد بن الوليد، وثابت بن قيس، وسلمة بن سالم بن [ صفحه 224] وقش [466] ومعهم طائفة من مرتزقة الأعراب بهدف إخراج الإمام علي وال محمد ومن عندهم من المؤمنين المعزين ليبايعوا أبا بكر، أو ليدخلوا في ما دخلت فيه الأمة علي حد تعبير عمر بن الخطاب، وقال أبو بكر لعمر قائد تلك السرية: " وإن أبوا فقاتلهم " [467] ومع أن الفارق العددي بين السرية وبين الذين في منزل الإمام كبير جدا، فقد رأي عمر بن الخطاب أن حرق البيت علي من فيه هو الأسلم والأضمن، فإن استسلم الإمام ومن معه كان به، وإن أبوا الخروج ومبايعة الخليفة الجديد، يتم حرقهم وهم أحياء!! وهكذا يتجنب عمر بن الخطاب ومن معه مواجهة الإمام!! لذلك صمم علي عدم المواجهة مع الإمام وحرق البيت علي من فيه. أقبل عمر ومعه قبس من النار ليضرم النار علي من في البيت، فلقيته فاطمة بنت الرسول فقالت له: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ فقال لها عمر: نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة!! [468] . قال البلاذري: فتلقته فاطمة علي الباب فقالت له: " يابن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟ فقال عمر: نعم " [469] . قال اليعقوبي: فأتوا في جماعة حتي هجموا علي الدار وكسروا سيف علي ودخلوا الدار [470] . قال الطبري: أتي عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير [ صفحه 225] ورجال من المهاجرين، فخرج عليهم الزبير مصلتا سيفه فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه [471] . هكذا فعلوا بال محمد في اليوم الثاني لوفاة الرسول!! ومن المؤكد أن الحضور قد جاؤوا للتعزية والمواساة، وقسم منهم كان قد بايع الخليفة، لكنها القوة الغاشمة!! والشروع بحرق بيت فاطمة بنت رسول الله علي من فيه من آل محمد ومن المعزين من الحقائق الثابتة في التاريخ، فقد رواها جمع كبير من الناس يمتنع عقلا اجتماعها علي الكذب، وكانت من الثبوت والقوة بحيث لم يجرؤ أحد من الناس علي إنكارها وقد أجمع المؤرخون علي ذكرها وتأكيد وقوعها والظروف التي أدت إليها [472] . وقد اعتبرها بعض الشعراء من مفاخر ومناقب عمر ابن الخطاب، قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: وقولة لعلي قالها عمر++ أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها++ إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها++ أمام فارس عدنان وحاميها ولكن غاب عن شاعر النيل، أنه لم يكن بوسع عمر أن يفعل ذلك لو لم يكن مدعو ما بجيش يعد بالآلاف، في الوقت الذي كان فيه الإمام يقف وحيدا لقد قدر الإمام علي والسيدة الزهراء أن القوم جادون بعزمهم علي حرق البيت [ صفحه 226] علي من فيه إن لم يخرجوا، وإن أحرقوا البيت علي من فيه فستنقطع ذرية النبي، وسيباد آل محمد عن بكرة أبيهم وسيقسم ظهر الفئة القليلة المؤمنة ولن يبقي للحق شهود، لذلك آثر الإمام أن يعارض معارضة سلمية، لا تضطر القوم لقتله، لذلك خرج الإمام وآل محمد والمعزون، وانقضت السرية علي الإمام والذين آمنوا، وحملوا الإمام إلي أبي بكر، فقيل له بايع، فقال الإمام أمام الجميع: " أنا أحق بهذا الأمر، لا أبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة، وسلموا لكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به علي الأنصار، فأنصفونا إن كنتم مؤمنين، واعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعرفون ". قال أبو عبيدة: " يا أبا الحسن إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قومك... ولا أري أبا بكر إلا أقوي منك علي هذا الأمر... فسلم له وارض به... ". فقال الإمام علي: " يا معشر المهاجرين، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلي بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه لدين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية، فلا تتبعوا الهوي فتزدادوا من الحق بعدا " [473] . ثم التفت الإمام إلي أبي بكر وقال له: " أفسدت علينا أمورنا، ولم تستشر، ولم ترع لنا حقا "، فقال أبو بكر: " بلي ولكني خشيت الفتنة " [474] . قال بشير بن سعد وهو أول من بايع أبا بكر وأحد أقطاب الانقلاب: [ صفحه 227] لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ولكنهم بايعوا ". [475] قال عمر بن الخطاب مخاطبا عليا: إنك لست متروكا حتي تبايع!! فقال له علي: " إحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا " قال عمر بايع، فقال علي إن لم أبايع فمه؟ قال عمر: والله الذي لا إله إلا هو لنضربن عنقك!! قال علي: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله!! فقال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو الرسول فلا!! " [476] . فعمر لا يعترف بأخوة علي لرسول الله، ولكنه يعترف بأخوته لأبي بكر وبموجب هذه الأخوة ورث عمر أبا بكر، فإعلان الرسول أخوته لعلي كانت وقت الغضب فهو غير ملزم لأن محمدا بشر، وأما إعلان الرسول للأخوة بين عمر وأبي بكر فملزم لأنه قد صدر من محمد الرسول!!!!! لقد أعلن النبي هذه المؤاخاة قبل الهجرة [477] وأعلنها بعد الهجرة [478] . وانصرف علي إلي منزله ولم يبايع، ولم يبايع أحد من بني هاشم حتي بايع علي بعد ستة أشهر [479] . قال اليعقوبي في تاريخه: واجتمع جماعته إلي علي بن أبي طالب يدعونه إلي البيعة فقال لهم الإمام علي: " اغدوا علي محلقين الرؤوس فلم يغدو عليه إلا ثلاثة نفر " [480] . [ صفحه 228] ثم إن الإمام عليا أخذ معه السيدة فاطمة ويداه في يدي ابنيه الحسن والحسين، وسار بهم ليلا إلي بيوت الأنصار يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به، فيقول علي:: " أفكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لم أجهزه، وأخرج إلي الناس أنازعهم في سلطانه!! وتقول فاطمة: ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه " [481] وإلي هذه الواقعة أشار معاوية [482] . لقد أمتنع الأنصار عن نصرة الإمام علي وحمايتهم له ولأولاده بحجة أنهم قد بايعوا أبا بكر، وقبل بيعتهم لأبي بكر كانوا قد بايعوا رسول الله علي أن يحموه ويحموا ذريته كما يحمون أنفسهم وذراريهم، لذلك قال الإمام جعفر الصادق يوما: " فوالله ما وفوا له حتي خرج من بين أظهرهم، ثم لا أحد يمنع يد لامس، اللهم اشدد وطأتك علي الأنصار علي الأنصار " [483] .

الانقلابيون هم القوة الحقيقية في المجتمع، فقد ضم تحالفهم بطون قريش كلها المهاجر منها والطليق والمنافق بلا استثناه، بالإضافة إلي أكثرية الأنصار التي هالتها قوة هذا التحالف فاستسلمت الأنصار لتسلم، وتورط الكثير منهم بالانقلاب طمعا بالمغانم وهروبا من المغارم، بالإضافة إلي المرتزقة من الأعراب الذين يوالون من يعطيهم، والمرتزقة علي علم بأن المال والمغانم ستكون بيد الانقلابيين ومن والاهم لذلك مالوا مع الانقلابيين، ولقد مد الانقلابيون نفوذهم حتي داخل بيت الرسول، فصارت عائشة أم المؤمنين معهم وحافزها علي ذلك حبها لأبيها ولقومها بطون [ صفحه 229] قريش وحقدها علي علي بن أبي طالب قاتل أبناء عمومتها، وعلي ذريته، لأنها قد توهمت بأن عليا وذريته قد سرقوا زوجها منها، قال الإمام علي: " أما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل اليقين " [484] لقد عرفت عائشة موقعها في قلب النبي فقالت له يوما: " والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك مني ومن أبي " [485] فمعني ذلك أن التحالف يشكل الأغلبية الساحقة جدا من الناس!! وهذا يعني أنه لا فرصة أمام الإمام علي للانتصار في أية مواجهة مع التحالف، وأن أية مواجهة عسكرية مع التحالف هي بمثابة الانتحار. قال الإمام علي: "... فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت علي القذي، وجرعت ريقي علي الشجا، وصبرت من كظم الغيظ علي أمر من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار " [486] وهنالك سبب آخر أفصح عنه الإمام علي بقوله: " إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدني وهن، ويعكسه أقل خلاف " [487] . لقد قدر الإمام أن المواجهة في تلك الظروف انتحار حقيقي له بوصفه مستودع علم النبوة، ولأهل بيته باعتبارهم شجرة النبوة وثقل الإسلام الأصغر، لقد استنفد كافة الجهود للحصول علي النصرة أو الانتصار ولم يجدهما. [ صفحه 230] لذلك قرر الإمام أن يقعد في بيته، وأن يحتج علي الانقلابيين احتجاجا سلميا لا يفرق كلمة المسلمين، ولا يوهن الدين، ثم يسلم بالأمر الواقع ما سلمت أمور المسلمين وهكذا ابتعد الإمام عن المواجهة غير المتكافئة، إذ لو واجههم بالقوة لقتلوه، وقتلوا ابنيه، وأبادوا أهل بيت النبوة، وقلعوا شجرة النبوة من جذورها، ثم لأشاعت وسائل أعلامهم بأن عليا وابنيه مثل أبي طالب ماتوا علي الشرك، فهم في ضحضاح من النار مع أبي طالب!! ومع الأيام تنجح وسائل أعلامهم بتحويل الشائعات إلي قناعة يتبناها العامة، كأنها وحي من السماء، وصمم الإمام علي أن يبدأ بتكوين قاعدة شعبية تفهم الإسلام علي حقيقته كما أنزله الله وبينه الرسول لتتصدي وتكشف ألاعيب الطامعين بالسلطة وتحريفاتهم، ولتكون نواة لأمة محصنة ضد الانحراف، وكعمل عاجل ركز الإمام علي إيجاد كوادر فنية يعلمها ما أمكن من علم النبوة لتنقله إلي الأجيال اللاحقة من غير تحريف، فلبد في بيته، يجيب إذا سئل، ويهدي إذا استهدي، وصبر وصابر علي ضغوط الانقلابيين وممارساتهم الغاشمة وتجاهلهم التام لشرع الله. 1 - فقد حرموا أهل بيت النبوة من إرث النبي بحجة أن الأنبياء لا يورثون [488] فسألت السيدة الزهراء أبا بكر من يرثك إذا مت؟ فقال أبو بكر ولدي وأهلي! فقالت الزهراء: فما لنا لا نرث النبي؟! " وورث سليمان داود " " يرثني ويرث من آل يعقوب " فكيف نوفق بين قولك الأنبياء لا يورثون وبين هاتين الآيتين!! هذا كتاب الله ينطق بالحق، ولم تكتف الزهراء بذلك بل بسطت قضيتها أمام الأنصار والمهاجرين بكلمة عصماء جاء فيها: ".. أفعلي [ صفحه 231] عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم... وزعمتم أن لا حق لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها نبيه أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون ألست أنا وأبي من أهل ملة واحدة... أفحكم الجاهلية تبغون.. " [489] وأصر أبو بكر علي قراره، ولما سألوه من يرث النبي إذا قال أبو بكر يرثه الذي يقوم مقامه، وبما أن أبا بكر هو الذي قام مقام النبي فهو وارثه الوحيد [490] . وتحقيقا للعدالة ورحمة بأهل بيت النبوة، فقد أخذ أبو بكر كل تركة الرسول، ولكنه تفضل وأعطي آلة الرسول ودابته وحذائه لعلي [491] !!! 2 - حرمان أهل بيت النبوة من منح الرسول ومصادرة المنح التي أعطاهم الرسول لهم: أثناء حياة الرسول منح منحا كثيرة للناس، ومنح أهل بيت النبوة منحا كغيرهم، فترك أبو بكر كافة المنح التي منحها رسول الله للناس - احتراما لمشيئة الرسول وإرادته - وتقديرا للذين دخلوا في طاعة الخليفة أما المنح التي منحها رسول الله لأي فرد من أهل بيته فقد قرر أبو بكر مصادرتها وحرمان أهل البيت منها، وليضفي علي ذلك رداء الإسلام لم يسأل الناس البينة علي أن الرسول قد منحهم تلك المنح، إنما سأل أهل البيت، فشهد علي، وأم أيمن ورباح مولي رسول الله!! ولكن الخليفة كان قد قرر المصادرة [492] . 3 - جاء في شرح النهج، وفي تاريخ الإسلام للذهبي وفي كنز العمال للهندي: أنه لما منعوا ابنة الرسول من إرث أبيها، ومن منح الرسول [ صفحه 232] طالبتهم بسهم ذوي القربي، فقالت لأبي بكر: " لقد حرمتنا أهل البيت فأعطنا سهم ذوي القربي وتلت آية: " واعلموا أنما غنمتم من شئ ء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي " فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: سهم ذوي القربي للقربي حال حياتي وليس لهم بعد مماتي [493] . 4 - والكارثة مع هذه القرارات أن الصدقة محرمة علي آل محمد، وغير جائزة عليهم [494] . 5 - من أين يأكل أهل بيت النبوة!! إذا حرمت السلطة أهل بيت النبوة من تركة النبي، وصادرت المنح التي أعطاها رسول الله لهم، وحرمتهم من الخمس الوارد في القرآن الكريم، وإذا كانت الصدقة محرمة علي آل محمد فمن أين يأكلون بحق الله ورسوله!!! 6 - إذا أراد أهل بيت النبوة الحياة فعليهم أن يسألوا الحاكم ويوالوه!!! قال أبو بكر لفاطمة - ربما تساءلت بهذه التساؤلات - إني أعول من كان رسول الله يعول، وأنفق علي من كان رسول الله ينفق عليه [495] فآل محمد يأكلون ليس لهم أن يزيدوا علي المأكل [496] . فالحاكم يقدم لأهل بيت النبوة المأكل ولا يزيد عليه، فطوال التاريخ يجب علي أهل بيت النبوة أن يمدوا أيديهم للحاكم الذي هو علي استعداد أن يقدم لهم المأكل فقط، ومن الحشمة وحسن الخلق أن يطيع الإنسان من [ صفحه 233] يطعمه، تلك سنة أبي بكر وعمر وهذا هو عدلهم، وهذا هو برهم لصديقهم وصهرهم محمد بن عبد الله، وها هي طاعتهم لأوامره، وهذا هو تعاملهم مع ثقل الإسلام الأصغر!! [ صفحه 234]

ضج أهل بيت النبوة واحتجوا علي هذه القرارات الأليمة والمذلة والمعارضة لكتاب الله وسنة رسوله وأخلاق الإسلام بل وشيم البشر النبيلة، وذهبت الزهراء بنفسها، واحتجت أمام المهاجرين والأنصار بخطبة من عيون خطب العرب ذكرها الجوهري في كتابه السقيفة [497] وسمع الخليفة وعمر وأركان حزبهما ورقص المنافقون طربا، وازداد ولاؤهم للسلطة، وهم يرونها تدوس أقدس مقدسات الإسلام، وأحب الخلق إلي رسول الله، ولم يستنكر المهاجرون والأنصار هذه القرارات لا بيد ولا بلسان!! وكيف يستنكرونها وبالأمس لم يستنكروا تهديد السلطة للإمام بالقتل إن لم يبايع، وشروعها بحرق بيت آل محمد علي من فيه وهم أحياء!! واكتفي الخليفة وعمر وأركان حزبهما بالسماع وبقيت القرارات الغاشمة سارية المفعول!! وسعد عمر بالأثر المؤلم الذي تركته تلك القرارات علي آل محمد، وتذكرت القلة المؤمنة من المهاجرين حصار بطون قريش ومقاطعتهم لبني هاشم في شعاب أبي طالب!! وكيف أن بطون قريش قصدت المجاهرة والمقاطعة علي البيع والشراء والنكاح، وتمنت القلة المخلصة لو طبق هذا الحصار ثانية علي أهل البيت لكان أخف وطأة [ صفحه 235] وأسهل حملا علي أهل بيت النبوة وأقوم قيلا، ولم يبق أمام آل محمد غير الصبر والتسليم إلي حين!!!

لم يكتف أبو بكر وعمر وحزبهما بذلك إنما حرموا علي الهاشميين أن يتولوا أي منصب من مناصب الدولة أو أي وظيفة من وظائفها العامة، وحرموا ذلك أيضا علي من والاهم، فلم يصدف طوال التاريخ أن ولي أبو بكر أو عمر أو عثمان أي رجل من آل محمد أو ممن والاهم أي عمل من الأعمال أو أية إمارة من الإمارات أو أية وظيفة من الوظائف العامة!!! بل علي العكس كانوا لا يولون ولا يستعينون إلا بالكارهين لآل محمد أو الحاقدين عليهم، أو من أولئك الذين حذر منهم الرسول أو من أولئك الذين لعنهم الرسول، أو من أصحاب السجلات الحافلة بمعاداة الله ورسوله!!! [498] لقد نصب أبو بكر خالد بن سعيد الأموي علي حملة الروم، فجاءه عمر وقال له: أتولي خالدا وقد حبس عليك بيعته وقال لبني هاشم ما قال؟! فحسنات الرجل أنه أموي ولكن تبين بأنه موال لآل محمد، وأنه قد أسلم قبل إسلام أبي بكر، وبسبب موالاة هذا الأموي لآل محمد انصرف عنه أبو بكر وولي بدلا منه أبا عبيدة حليفهم، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة [499] لقد عرض الخليفتان الأولان علي العباس بعض الأمر له ولعقبه لكن هذا العرض لم يكن لله، فقد كان هدفهم أن يفرقوا آل محمد وأن يوقعوا بين الإمام علي وبين عمه العباس، فاكتشف العباس هذه [ صفحه 236] اللعبة لذلك رفض عرضهم [500] لقد مد الخلفاء أيديهم للجميع، وفتحوا قلوبهم للجميع إلا لآل محمد ومن والاهم، فكافة ولاة الدولة وأمرائها، وعمالها وموظفيها من أعداء الله السابقين ومن الكارهين لآل محمد أو الحاقدين عليهم!! لقد أصبح آل محمد ومن والاهم - وهم القلة المؤمنة - طبقة منبوذة ومجردة من كافة حقوقها السياسية والمدنية، لقد قال عمر بن الخطاب بكل صراحة للعباس بن عبد المطلب بأن الأمة ليست بحاجة لآل محمد ولا لبني هاشم [501] . كانوا يبذلون كل ممكن ليؤلفوا أعداء الله السابقين حولهم في الوقت الذي كانوا فيه يمنعون آل محمد أبسط حقوقهم، يبدو أن أبا سفيان لا يعلم عن تورط أولاده مع الانقلابيين، وأن الانقلابين قد استثنوه، وتحالفوا مع أولاده لأن عداوة أبي سفيان بالذات لله ولرسوله ظاهرة، وكان الرسول قد أرسل أبا سفيان لجمع الصدقات فعاد بعد وفاة الرسول، ولما علم بتنصيب أبي بكر قال: " إني لأري عجاجة لا يطفئها إلا الدم "، فخاف الخليفة وخاف عمر، وتركا له ما بيده من الصدقات فسكت [502] وقال يوما: " ما لنا ولأبي فصيل إنما هي بنو عبد مناف " [503] فقالوا له: إنه قد ولي ابنك يزيد، فقال أبو سفيان: " وصلته رحم " [504] ورضي ومع أن الأشعث بن قيس قد ارتد، وتم أسره، وكان أبو بكر يعرف أن الأشعث لا يري شرا إلا أعان عليه [505] إلا أن أبا بكر عفا عنه، وزوجه أخته وأشركه بالمهام. [ صفحه 237] وباختصار لقد تآمروا علي أهل بيت النبوة، والفئة القليلة المؤمنة وأمروا عليهم أعداء الله ورسوله السابقين، والكارهين لآل محمد والحاقدين عليهم. قال الإمام علي يصف حالهم: " لما قبض الله نبيه، وكنا أهله وورثته وعترته وأولياءه من دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبري لنا قومنا، فغصبونا سلطان نبينا، فصار الأمر لغيرنا، وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويعتزر علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشيت الصدور، وجزعت النفوس، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنا علي غير ما كنا عليه " [506] . [ صفحه 241]

منصب الرئاسة العامة في الإسلام هو السلطة الحقيقية فالإمام أو الرئيس العام هو الذي يعين الولاة والأمراء والعمال وقادة الجيش وكبار الموظفين، وحتي صغارهم وهو يتمتع بصلاحيات هائلة، لذلك اشترط الإسلام أن يكون هذا الرئيس هو الأعلم وهو الأفضل وهو الأتقي وهو الأقرب لله ولرسوله، وهذه صفات لا تتوفر إلا في نبي أو ولي، ولا يعرفها إلا الله تعالي لذلك اختص جلت قدرته بتعيين الرؤساء أو الأئمة، بعد تأهيلهم وإعدادهم لهذه المهمة، فالله تعالي هو الذي اختار نبيه، وهو الذي اختار الإمام عليا وهو الذي اختار الأئمة الشرعيين الأحد عشر الذين سيتولون الرئاسة العامة بالتعاقب بعد موت الإمام علي ودور الرسول كان مقتصرا علي اتباع ما يوحي إليه من ربه، فوجود الإمام المعصوم هو الضمانة الوحيدة ضد الاستبداد وإساءة استعمال هذه الصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها الرئيس العام أو الخليفة. وكان ما كان من تجاهل ذلك النفر لكافة الترتيبات الإلهية التي وضعها الله وأعلن نبيه، ومن استيلائهم علي منصب الرئاسة العامة أو الخلافة بالقوة والتغلب، ومن إصرارهم علي أنهم خلفاء " فعليون " للنبي ومن حقهم أن يتمتعوا بكافة صلاحيات واختصاصات النبي، مع أن شروط الرئاسة العامة لا تتوفر بهم، وليسوا مؤهلين لها، ومؤهلهم الوحيد هو الغلبة!! [ صفحه 242] لما نجحوا بعزل الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة، وبإذلالهم، وتجريدهم من حقوقهم المدنية والسياسية والمالية، قبضوا علي السلطة بيد من حديد، وأخذوا يتصرفون فيها تصرف المالك بملكه صارت الخلافة كأنها شاة أو بعير أو ثوب للغالب، فله الحق أن يقلدها لمن يشاء، لقد عهد أبو بكر بالخلافة لعمر، وقال لعثمان الذي كتب له عهده: " لو كتبت اسمك لكنت أهلا لها " [507] !! ولما طعن عمر وقعد علي فراش الموت جائته رسالة من عائشة مفادها أن " استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فتساءل عمر ومن تأمرني أن استخلف؟ " [508] ألا تري أن صلاحياته باختيار ولي عهده صلاحيات مطلقة، وأنه يمكنه أن يتصرف بمنصب الخلافة تصرف المالك للشئ بملكه الخاص، فلو أمرته أم المؤمنين أن يستخلف أي شخص لفعل لسبب ظاهري بسيط هو أنه وأم المؤمنين يكرهان أن تبقي أمة محمد هملا، ورأفة بهذه الأمة!!!!! ويتوجه عمر وهو علي فراش الموت، ويبحث عن صاحب الحظ السعيد الذي سيقوم مقامه، ويلتزم بسياسة ذلك النفر، فيقول: " لو كان أبو عبيدة حيا لوليته واستخلفته، ولو أدركت معاذ بن جبل لوليته واستخلفته، ولو أدركت خالد بن وليد لوليته واستخلفته، ولو رأيت سالم مولي أبي حذيفة لوليته واستخلفته " [509] . يمكنه أن يعطي الخلافة لمهاجر كأبي عبيدة، أو لواحد من الطبقة الحادية عشر من طبقات الصحابة، كخالد بن الوليد، أو لا حد الموالي كسالم مولي أبي حذيفة الذي لا يعرف له نسب في العرب!! [ صفحه 243] ويجدر بالذكر أن عمر نفسه كان يري في سقيفة بني ساعدة أن الخلافة لا تجوز للأنصار بل هي حق خالص لأهل محمد وعشيرته " يعني نفسه وأبا بكر " فكيف جوزها في ما بعد للأنصار وحتي للموالي، وأبعد من ذلك فإن عمر بن الخطاب قد أشار إلي معاوية كخليفة مرتقب في حال اختلاف الستة [510] ومعاوية طليق ومن المؤلفة قلوبهم وهو عدو الله ورسوله، وابن عدوهما، ومع هذا قال عمر للستة إن اختلفتم دخل عليكم معاوية من الشام!!! واختيار للستة ديكور، لقد عهد عمليا بالخلافة لعثمان، فلو دققنا في كل المصادر التي روت عهد عمر نجد أنه بالمآل سيكون الخليفة عثمان حسب وصية عمر، فعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد في شقة وعلي وزبير في شقة أخري، وطلحة غائب، لقد أوصي عمر " إذا كانوا ثلاثة ثلاثة وهذا لن يحدث لأن طلحة غائب فاختار الذي في صف عبد الرحمن بن عوف، ولنفترض أن طلحة قد جاء وشكل مع علي والزبير ثلاثة، فإن الخليفة سيكون عثمان، والقصد من إشراك الآخرين مع أهل الشوري هو أن يكثر عمر منافسي الإمام علي علي الخلافة فبعد موت عثمان سيدعي الأربعة أنهم أولي بالخلافة من علي أو فرصهم فيها كفرصة علي!!! وفي حالة موت الستة سيتصدي أولاد الخمس لابن علي وينافسونه علي منصب الخلافة إنه تجذير لمعارضة المسلمين لأهل بيت النبوة، وعوائق بين أهل بيت النبوة وبين حقهم بالرئاسة العامة!!، ولكن بجبة إسلامية!!!. ثم إن عثمان كان أول زعيم من زعماء المهاجرين قد بايع الخليفة الأول وكان يدعي في إمارة عمر بالرديف والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد زعيمهم [511] . وما يعنينا في هذا المقام أن ذلك النفر كان يتصرف بمنصب الخلافة، [ صفحه 244] وبكافة المناصب المتفرقة عنها تصرف المالك بملكه، فالخليفة يولي منصب الخلافة لمن يشاء، ويحرم منه من يشاء، حتي قال ابن خلدون: " إن الخليفة ينظر للناس حال حياته، وتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته فيقيم لهم من يتولي أمورهم بعد وفاته " [512] فابن خلدون يصور هذه الحرية المطلقة بالتصرف بمنصب الخلافة كأنها حق مطلق للخليفة الغالب القائم!! فمنصب الخلافة وكافة المناصب المتفرعة عنها أمتعة أو ممتلكات خاصة بتصرف بها الخليفة علي الوجه الذي يريد!! ولكن ابن خلدون وأمثاله لا يعطون هذا الحق لرسول الله!! فالخلفاء أصروا علي التصرف بمنصب الخلافة وكافة المناصب المتفرعة عنها، دفعا للفتنة، وحتي لا تترك الأمة من بعدهم هملا ولا راعي لها علي حد تعبير السيدة عائشة [513] وتجنبا للتفريط وضياع الأمانة علي حد تعبير عبد الله بن عمر بن الخطاب، وتلك أمور لحظها الخلفاء، وهم يقولون ضمنا بأن الرسول لم يلحظها!!!. هذا علي مستوي منصب الخلافة، أما علي مستوي المناصب المتفرعة عن منصب الخلافة كالإمارات والولايات، وقيادات الجيش والأعمال، وكبار الوظائف فقد كانت مملوكة للخليفة أيضا يتصرف بها تصرف المالك بملكه، فيحرم منها عباد الله المخلصين كسعد بن عبادة وعمار بن ياسر وأبي ذر والمقداد والحباب بن المنذر وغيرهم يحرمها عليهم حرمة دائمة، ويعطيها لأعداء الله السابقين الذين لعنهم الله علي لسان رسوله، وحذر منهم رسول الله كمعاوية والحكم بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الله بن أبي سرح وأمثالهم والأعور السلمي الذي شهد حنينا مشركا وقد لعنه رسول الله، ومؤهله الوحيد أنه كان من أشد المبغضين للإمام علي، لقد استعان به عمر وجعله علي مقدمة جيش [514] واستعان أيضا [ صفحه 245] بيعلي بن منبه وولاه علي بعض بلاد اليمن، ومؤهله أنه كان من الحاقدين علي علي بن أبي طالب [515] واستعان ببشر بن أرطأة وإياس بن صبيح وهما من أصحاب مسيلمة النبي الكذاب ومع هذا فقد ولاه عمر القضاء علي البصرة [516] واستعان عمر أيضا بطليحة بن خويلد الذي ادعي النبوة بعد وفاة النبي فأعجب به عمر وكتب إلي أمرائه أن يشاوروا طليحة [517] واستعان بمعاوية بن أبي سفيان وأمه آكلة الأكباد، وأبوه رأس الأحزاب، وقد قاد هو وأبوه وأخوته جبهة الشرك أثناء حربها لرسول الله، وألب هو وأبوه وأخوته العرب علي رسول الله وجندهم ضده، وحاربوا الله ورسوله بكل وسائل الحرب، حتي أحيط بهم فاضطروا للاستسلام والتلفظ بكلمة الإسلام، ومع هذا ولي عمر أخاه يزيد علي الشام ولما مات يزيد ورثه بالولاية أخوه معاوية وأطلق عمر يده في بلاد الشام يتصرف تصرف المالك بملكه حيث قال له: " لا آمرك ولا أنهاك " [518] وكان عمر يمدح معاوية ويوطد له ويقول عنه: " إنه فتي قريش وابن سيدها " [519] وكان يعلم أن معاوية يعد العدة للاستيلاء علي منصب الخلافة ومع هذا تركه يكمل استعداده قال عمر لأهل الشوري: " إن اختلفتم دخل عليكم معاوية من الشام " [520] وكان يعلم أن معاوية يستعد لحرب داخلية ومع هذا تركه وشجعه بقوله: " يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق " فليس لدي المالك للخلافة، وللمناصب المتفرعة منها ما يمنع من أن يقدم المتأخرين فيسلمهم ممتلكاته، أو أن يأخر [ صفحه 246] المتقدمين فيحرمهم من هذه الممتلكات، فهذا حر بما يملك. والخلاصة أن ذلك النفر قد حول منصب الخلافة إلي ملك خاص له وعبأ كافة المناصب المتفرعة عن منصب الخلافة بالعناصر المؤيدة له ولسياسته والكارهة لآل محمد وللقلة المؤمنة، ونتيجة ذلك صارت السلطة كلها ملكا شخصيا خالصا لهذا النفر وأعوانه، وسيفا مسلطا علي أعدائهم!!. [ صفحه 247]

علي صعيد الإمامة أو الرئاسة العامة أو الخلافة: لقد اختار الله محمدا، فأعده وهيأه وأهله للرئاسة العامة وأسند إليه منصب الرئاسة العامة لأنه الأفضل والأعلم والأفهم والأقرب لله، وكل هذه مؤهلات ضرورية لتتكون القدوة المثالية، وليتمكن من قيادة الأمة وفض ما يشجر بين أفرادها وجماعاتها من مشكلات وفق أحكام القانون الإلهي السائد في دولته، لقد كان النبي معصوما عن الوقوع في الخطأ والزلل، لذلك فلا يخشي منه إساءة استعمال السلطة أو استغلال الصلاحيات الهائلة المخولة له كرئيس بموجب القانون الإلهي، لأن عصمته والتزامه بالشرعية الإلهية وفهمه اليقيني لها ضمانات حقيقية ضد الانحراف أو إساءة استعمال السلطة. وكان من المفترض أن تنتقل الإمامة أو الرئاسة العامة أو خلافة النبي بعد وفاة النبي إلي ذلك الشخص الذي أعده الله لهذه المهمة ليتابع طريق النبوة ويتم ويكمل ما لم يتحقق من برامجها هذا هو التنظير الديني للرئاسة وهذا هو حكم الإسلام. أما علي صعيد الواقع فالأمر قد اختلف جدا، فالمؤهل الوحيد لكل [ صفحه 248] اللذين خلفوا النبي بالرئاسة العامة هو التغلب والقهر، فأي شخص يغلب علي الرئاسة العامة أو الخلافة يتقلدها، والمتغلب أو القاهر شخص عادي من جميع الوجوه، فلم يدع أحد من الخلفاء بدءا من الأول وانتهاء بآخر خلفاء بني عثمان بأنه الأعلم والأفضل والأتقي والأقرب لله ولرسوله، بل صرح أول الخلفاء قائلا: " فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم... " [521] . فالخليفة الأول صدق في ما قال، واعترف صراحة وضمنا بأن بين المخاطبين من هو أعلم وأفضل وأقرب لله ولرسوله منه، ومع هذا فقد تولي الخلافة رسميا لأنه الغالب، وعلي الأمة أن تقبل ذلك شاءت أم أبت، وأن تبايعه راضية أو كارهة لأنه غالب، ولنفترض أن جماعة من المسلمين قد رفضت بيعته، فليس بينه وبينها إلا السيف، فمن يغلب فهو الخليفة وهو القائم مقام الرسول [522] ولتبرير ذلك قالوا بجواز إمامة المفضول عند عارض يمنع من نصب الفاضل [523] وقال القاضي في المواقف: جوز الأكثرون إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذ لعله أصلح للإمامة من الفاضل... وقال الشريف الجرجاني: كما إذا فرض أن العسكر والرعية لا ينقادون للفاضل بل للمفضول [524] . فحسب قواعد القانون الإلهي فإن الإمام من بعد النبي هو علي بن أبي طالب، ومن المفترض أن تنقاد له الأمة لأن الله قد اختاره وأعلنه رسوله، ولكن تتحرك فئة معينة لا يعجبها هذا الاختيار فتدعي أن الناس لا ينقادون لهذا الذي اختاره الله ورسوله ثم تستقطب الناس حولها، ثم تنصب خليفة، وتجير الناس علي بيعة هذه الخليفة ثم تدعي أن الفتنة قد انقطعت [ صفحه 249] بهذا الخليفة لذلك هو أولي من الفاضل مع أنه مفضول وهكذا تتعطل نصوص القانون الإلهي، وتسود القوانين التي يضعها الغالب!! وهنا تقع المشكلات فالسلطة الفعلية والأمر والنهي بيد الخليفة الفعلي القائم مقام النبي والمفروض بالقوة والتغلب، وبهذه الحالة فإن هذا الخليفة الفعلي الواقعي لا يعرف الحكم الشرعي، ولا المقاصد الشرعية، ولا برامج النبوة، ولا معني كل آية وليس محيطا بالبيان النبوي، وليس لديه علم يقيني لا بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل، لأنه أصلا غير معد ولا مؤهل لهذه الأمور!! ولكن بوصفه الحاكم الفعلي فإن عليه أن يدير أمور الدولة، فإذا رجع إلي الإمام الشرعي فإنه سيضطر للرجوع إليه دائما، وفي هذا حط من مقام الخليفة واعتراف ضمني وعلني بأن الإمام الشرعي هو المؤهل الوحيد!! ولكن الخليفة الجديد وأعوانه لن يعترفوا بذلك بل سيتجاهلون القوانين الإلهية التي لا يعرفونها ويسيرون شؤون الحكم بالرأي لا بالشرع، فهم وإن كانوا لا يعرفون الشرع إلا أنهم كأي واحد من البشر يعرفون الرأي مهما كان وزنه، لذلك يترك الخليفة وأعوانه الشرع الإلهي أو القوانين الإلهية، التي لا يحيطون بها، ولا يجيدون الحكم وفق أحكامها المفصلة ويجتهدون أو يعملون بالرأي، أو يخترعون أحكاما وضعية من آرائهم الشخصية!! أما علي مستوي الولايات والإمارات علي الأقاليم والجيوش فقد رأينا أن الموازين والمقاييس التي اخترعها الخلفاء لاختيار الأمراء والولاة والعمال، فكانوا يصرفون أمور أقاليمهم وفق الآراء الشخصية، ولنأخذ علي سبيل المثال عبد الله بن سرح الذي افتري علي الله الكذب، والموسوم بأنه عدو لله ولرسوله لقد أمر الرسول بقتله حتي لو تعلق بأستار الكعبة، ويوم فتح مكة أمر الرسول بالبحث عنه وقتله، فلجأ ابن سرح إلي أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان فغيبه عثمان وأخفاه عن العيون وفي يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلي رسول الله فاستأمنه، فصمت الرسول [ صفحه 250] طويلا قبل أن يعطيه الأمان ثم قال نعم. فلما انصرف عثمان قال الرسول لمن حوله " ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيقتله " فقال رجل من الحاضرين فهلا أومأت إلي يا رسول الله!! فقال الرسول: " إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة أعين " [525] وأصبح ابن أبي سرح طليقا، ومن المؤلفة قلوبهم، وبعد موت الرسول مباشرة أصبح ابن أبي سرح من أصفياء الخلفاء ومن أهل الحل والعقد وفي عهد عثمان أسندت إليه إمارة مصر وهي تاج الولايات الإسلامية، ومر حين من الدهر كان ابن أبي سرح هو الرجل الثالث في الدولة الإسلامية، مع أنه الأظلم بنص القرآن، ومع أنه الذي افتري علي الله الكذب بنص القرآن، ومع أنه موسوم بأنه عدو لله ولرسوله. فكيف بربك يطبق الإسلام من كان هذا وضعه، وكيف يعلم المصريين دين الله. هذه الكوادر الفنية التي حلت عري الإسلام كلها، وركزت المعالم الواقعية لعصر ما بعد النبوة، ومن خلال البرامج التربوية والتعليمية التي فرضتها علي المسلمين قرابة قرن من الزمان، ومن خلال هذه المناهج خلطوا الأوراق خلطا عجيبا، فبدلوا وعدلوا، وباعدوا الهون بين الواقع المفروض وبين القانون الإلهي أو الشرعية الإلهية، ولم يبق من الإسلام إلا كتاب الله، وأهل بيت النبوة، لمواجهة برامج تربوية وتعليمية مدعومة من دولة عظمي، ومع اختلاط العرب بالأمم المغلوبة، وامتزاج الحضارات بدأت الأذهان بالتفتح، وبدأ الناس يتساءلون عن حجم الهوة بين الواقع والشرعية الإلهية، فلم ير الخلفاء بدا من منع كتابة ورواية أحاديث رسول الله حتي لا يقف الناس علي الحقائق الشرعية وحجم التناقض الهائل بين الواقع المفروض وبين أحكام الشريعة الإلهية!! [ صفحه 251]

بعد أن تجاهلوا سنة رسول الله التي بينت من يخلف النبي، وبعد إن استولوا علي منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وأسندوا كافة المناصب المتفرعة عن الخلافة لأوليائهم، وبعد أن صاروا يتصرفون بهذه المناصب تصرف المالك بملكه، وبعد أن قضوا قضاء تاما علي كل معارضة لحكمهم، ظهورا بمظهر الخلفاء الشرعيين لرسول الله ولأن سنة الرسول التي عالجت موضوع من يخلف النبي محكمة ومتماسكة، وتناقض مظهر الشرعية، ولأنها تذكر المسلمين بأن الخلفاء قد أخذوا ما ليس لهم، وجلسوا في مكان مخصص لغيرهم، وحرصا علي الاستقرار، ووحدة المحكومين، ومنعا لوقوع الخلاف والاختلاف فقد قرر الخلفاء منع رواية وكتابة سنة الرسول لأنه إن بقي باب رواية وكتابة سنة الرسول مفتوحا فسيعرف المسلمون هذه السنة، وستختمر هذه السنة في نفوس المسلمين، وسيتساءلون يوما لماذا تجاهل الخلفاء سنة الرسول!! ولماذا لم يقبلوا بمن استخلفه الرسول!! وتلك بداية النهاية بالنسبة لهم لذلك قرروا منع كتابة ورواية سنة الرسول!! هذا من جهة ومن جهة أخري، فإن هنالك فئة من [ صفحه 252] الناس كانت تعتقد أن سنة الرسول تتعارض مع مصالحها ومع ما تهوي أنسها.

قال عبد الله بن عمرو بن العاص: " كنت أكتب كل شئ سمعته من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش!! وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا... " [526] وهذا أقدم صد عن سنة رسول الله، وأول محاولة لمنع كتابة سنن الرسول، ومن يحرض علي منع كتابة سنة الرسول، يحرض أيضا علي منع روايتها، الجهة التي حرضت عبد الله بن عمرو بن العاص علي عدم كتابة سنة الرسول جهة معروفة، ولكن عبد الله بن عمرو يخشي الكشف عنها مما يدل علي أنها جهة مرموقة أو حاكمة، لذلك كني عنها بقوله: " فنهتني قريش " في سقيفة بني ساعدة كان أبو بكر وعمر وأبو بكر عبيدة يتكلمون باسم قريش كلها، فكانوا يعتبرون أنفسهم الناطقين الرسميين باسم عشيرة النبي قريش!!! وعندما ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص هذه الواقعة كان الثلاثة يشكون أركان دولة الخلافة، فلم يكن من الملائم أن يسميهم بأسمائهم حتي لا يحمل قوله علي محمل الطعن بهم، لذلك عبر عنهم بكلمة " فنهتني قريش " والأحداث التي تلت ذكر عبد الله بن عمرو لهذه الواقعة تؤكد أن النهي قد صدر من ذلك النفر وبالتحديد من أبي بكر وعمر!! وسبب تحريض عبد الله بن عمرو علي عدم كتابة كل شئ يسمعه من رسول الله هو اعتقاد " قريش " أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضا، فلا ينبغي أن يكتب من كلامه إلا ما صدر عنه وهو في حالة رضا، أما كلامه وهو في حالة الغضب [ صفحه 253] فيجب أن لا يكتب، ويبدو أن ذلك النفر قد بث هذه الشائعة علي نطاق واسع بدليل حديث عمرو بن شعيب قال: " قلت: يا رسول الله أكتب كل ما أسمع منك؟ فقال الرسول نعم، قلت: في الغضب والرضا؟ قال الرسول: نعم فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا " [527] وقد أكد الرسول هذه الحقيقة لعبد الله بن عمرو بن العاص عندما ذكر له نهي قريش السابق عن كتابة كل ما سمعه من الرسول فقال عبد الله بن عمرو: فأومأ الرسول إلي فمه وقال: " أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق " [528] وبالرغم من هذه التأكيدات القاطعة من رسول الله إلا أن " قريشا " أو ذلك النفر من قريش بقي علي عقيدته السابقة والتي مفادها: بأنه ليس كل ما يقوله الرسول صحيحا!! وليس كل ما يقوله جديرا بأن يكتب!!

المعروف أن سنة الرسول تعني " قوله وفعله وتقريره " وأبرز الأمثلة علي صد ذلك النفر للمسلمين عن سنة الرسول، وتحريض المسلمين علي عدم اتباعها هو موقف ذلك النفر من جيش أسامة!! لقد عبأ الرسول ذلك الجيش بنفسه وعبأ ذلك النفر فيه، وعين أسامة قائدا لهذا الجيش وأعطاه الراية بنفسه وحث الرسول هذا الجيش علي الخروج سريعا [529] وقال الرسول: " جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه " [530] . [ صفحه 254] لكن ذلك النفر وأولياءهم كانوا يرون أن تأمير الرسول لأسامة علي هذا الجيش وفيه كبار المهاجرين والأنصار عمل غير مناسب، والأفضل أن يعين الرسول شخصا آخر مناسبا!! فاضطر الرسول أن ينهض من فراش المرض وهو معصوب ومحموم وأن يصعد المنبر وأن يدافع عن قراره بتأمير أسامة وأن يؤكد ذلك بقوله: "... وأيم الله إنه لخليق بالإمارة " [531] وبالرغم من كل هذا فقد أصروا علي موقفهم بأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب ويتوجب علي الرسول عزله واستبداله بشخص آخر!! ومن الطبيعي أن يصر الرسول علي قراره فكان يقول: " جهزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة "، وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون [532] . لقد نجحوا في تثبيط الناس، ومارسوا ضغوطا شديدة علي أسامة فطلب من الرسول أن يؤجل هذا الجيش، فقال له الرسول: " أخرج وسر علي بركة الله "، وراجعه أسامة مرة ثانية طالبا منه أن يبقي فقال له الرسول: " سر علي النصر والعافية " فراجعه أسامة مرة ثالثة فقال له الرسول: " انفذ لما أمرتك به " [533] . وبعد أن توفي الرسول أصروا علي رأيهم، وضغطوا علي الخليفة الأول حتي ينزع أسامة لأن تأمير الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا!! ويبدو أن الذي كان يقود هذا التيار هو عمر بن الخطاب بدليل قول أبي بكر وفعله: فأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال له: " ثكلتك أمك يابن الخطاب وعدمتك استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه " [534] لقد أدرك الخليفة الأول [ صفحه 255] أنه لم يعد هنالك ما يبرر الاعتراض علي تأمير أسامة وليس هنالك خطر من خروج جيش أسامة، فقد تحققت الحكمة من تأخيرهم لهذا الجيش فعزل أسامة بهذا المرحلة لا يقدم ولا يؤخر، ثم إن أسامة نفسه قد بايعهم، فعزله سيثير امتعاضا عاما هم في غني عنه، لذلك عارضهم الخليفة وصد زعيمهم عمر بن الخطاب صدا عنيفا!! فتأمير الرسول لأسامة، وكل ما تلفظ به الرسول في هذا الموضوع سنة واجبة الاتباع، ومع هذا لم يتبعوها وحرضوا الناس علي عدم اتباعها لقناعتهم بأنها ليست صوابا أو ليست صحيحة أو لأنها لا تتفق مع ما تهوي أنفسهم، أو لأنها صدرت من الرسول وهو في حالة غضب!! أو لأنها من شؤون الدنيا، وذلك النفر أعلم من رسول الله بشؤون دنياهم!! وما يعنينا أن " قريشا " التي حرضت عبد الله بن عمرو بن العاص علي عدم كتابة كل ما يقوله الرسول، أو ذلك النفر الذي يكني عنه بقريش، قد صدوا الناس عن اتباع سنة الرسول، وثبطوهم عن العمل بها، ومنعوهم من إعمالها!! لأنهم يخشون سنة الرسول التي وضعت الأمور في نصابها الشرعي، وكشفت أطماعهم ومخططاتهم!! لذلك يريدون أن يخرجوا سنة الرسول من الخدمة أو يحيدونها ليتمكنوا من تنفيذ ما دبروا!! [ صفحه 256]

اثنا مرض الرسول أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة، وتلخيصه للموقف، كما يفعل قادة الأمم، وكما فعل أبو بكر وعمر في ما بعد وفوق هذا وذاك، فإن كتابة الوصية حق إنساني لكل إنسان فكيف يسيد الخلق، ومن المؤكد أن رسول الله قد ضرب موعدا لذلك، ودعا بعض الصفوة من أصحابه ليشهدوا كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة وتلخيصه للموقف. ويبدو أن عمر بن الخطاب قد علم بذلك، فأطلع أركان حزبه علي ما سمع، واتفق من أعوانه علي أن يدخلوا حجرة الرسول في الوقت الذي حدده لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، وأن يحولوا بين الرسول وبين ما أراد كتابته!! لأنهم قد توقعوا أن ما سيكتبه الرسول غير مناسب!! حضر الذين اصطفاهم رسول الله ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية، وجلسوا بين يدي رسول الله، وفجأة وبدون استئذان دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم علي خطة تحول بين الرسول وبين ما أراد كتابته، وجلسوا فقال الرسول للذين دعاهم: " إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " [535] . [ صفحه 257] وما إن أتم الرسول جملته حتي تصدي له عمر بن الخطاب وقال متجاهلا طلبه، ومتجاهلا وجود الرسول، وموجها كلامه للصفوة التي اختارها رسول الله لكتابة وصيته: " لا حاجة لنا بكتابه إن المرض قد اشتد برسول الله، إن النبي يهجر!! - أي لا يعي ما يقول - وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله " [536] . وما إن تم عمر هذه الجملة حتي قال أعوانه وبصوت واحد: " القول ما قاله عمر، إن رسول الله يهجر، ما له أهجر!! ما شأنه أهجر، استفهموه إنه يهجر " [537] متجاهلين بالكامل وجود الرسول وموجهين كلامهم لأولئك الذين استدعاهم الرسول. صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما سمعت فقالت: " ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " [538] . فكرر عمر أقواله السابقة، وعلي الفور ضج أتباع عمر فرددوا اللازمة التي اتفقوا عليها قبل دخولهم إلي منزل النبي: " القول ما قاله عمر، إن الرسول يهجر... " [539] إلي آخر اللازمة!!. كان واضحا أن عمر وحزبه علي استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد!! فطلت النسوة من وراء الستر وقلن لعمر وحزبه: " ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا "!! فصاح بهن عمر قائلا: " إنكن [ صفحه 258] صويحبات يوسف " [540] . وارتفعت الأصوات وكثر اللغو واللغط فتدخل الرسول فقال: " دعوهن فإنهن خير منكم " [541] " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع " [542] لقد اكتفي الرسول بتأكيداته اللفظية السابقة، ورد علي عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة وطبيعة الظروف، ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم لقد تحقق ما تمناه عمر وحزبه، إذ حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وكسروا خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الدين والأمة معا فلو أصر الرسول علي الكتابة، لأصروا علي الهجر، مع ما يفتحه هذا الادعاء الكاذب من مخاطر علي الدين. وفي ما بعد بين عمر بن الخطاب الغاية التي استهدفها هو وحزبه من الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما أراد فقال: " حتي لا يجعل الأمر خطيا لعلي بن أبي طالب " [543] فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي، وقد اعترف عمر بذلك لأنه كان يعتقد أن مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن لا يتولي الخلافة علي بن أبي طالب لحداثة سنة والدماء التي عليه [544] وأن اختيار الرسول للإمام علي كاختياره لأسامة عمل غير صحيح وغير مناسب!! فإنا لله وإنا إليه راجعون!!! [ صفحه 259] الرسول في بيته لا في بيت عمر، ومن حق الإنسان أن يفعل في بيته ما يشاء!! ثم إن الرسول علي الأقل مسلم ومن حق المسلم أن يكتب وصيته وبعد وفاة المريض الناس أحرار بإعمال هذه الوصية أو إهمالها!! ثم إن أبا بكر قد كتب وصيته، في وقت قد اشتد فيه المرض أكثر مما اشتد برسول الله، ولم يقول عمر الذي كان موجودا لا حاجة لنا بوصيتك حسبنا كتاب الله، ثم إن عمر نفسه قد اشتد به الوجع أكثر مما اشتد برسول الله، ومع هذا كتب وصيته وأصدر توجيهاته النهائية ونفذت كأنها كتاب إلهي، ولم يقل لا عمر ولا غيره: " حسبنا كتاب الله... " [545] . كيف يعتذرون عن هذه البائقة!! كيف يبررونها!!! في وقت يطول أو يقصر سيخرجون من كهوف التاريخ، وسيعيدون النظر بثقافة التاريخ التي أشربوها فتخيلوا الأبيض أسودا والأسود أبيضا ساعتها سيكتشفون كم ضيعوا في جنب الله تعالي!! وما يعنينا في هذ ا المقام أن الرسول أراد أن يكتب شيئا من سنته أثناء مرضه، فاستمات عمر بن الخطاب وحزبه ليحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، لأنهم من حيث المبدأ ضد كتابة السنة، ومن يقف ضد كتابة السنة يقف ضد روايتها. [ صفحه 260]

كانت " قريش " أو ذلك النفر من قريش ينهي سرا عن كتابة ورواية سنة الرسول، ويشكك بصحة وصواب جانب من سنة الرسول، وأثناء مرض الرسول، كشف ذلك النفر عن نفسه، فأخذ ينهي عن كتابة سنة الرسول ويحرض علنا علي عدم اتباعها!! معبرا عن قناعته الخاصة من خلال قوته!! وعندما استولي ذلك النفر علي منصب الخلافة أعلن رسميا وعلي مستوي الدولة منع كتابة ورواية سنة الرسول!! ويبدو أن أول أمر أو مرسوم قد أصدره الخليفة الأول كان يتضمن قراره بمنع رواية وكتابة سنة الرسول. قال الذهبي في ترجمة أبي بكر: إن الصديق - يعني أبا بكر - قد جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: " إنكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا [ صفحه 261] بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه " [546] . فالخليفة الأول يري أن رواية سنة الرسول تسبب الخلاف بين أمة متفقة في عهده، فإذا حدث الخلاف في عهده، فإن الخلاف في العهود اللاحقة سيكون شديدا، وبصفته خليفة للمسلمين، ولأن سنة الرسول تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين، وحرصا من الخليفة علي وحدتهم خلف قيادته وقطعا لدابر الخلاف والاختلاف فإنه يأمر المسلمين " أن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله "!! وإغلاقا لباب التساؤل عن طريقة معرفة الحكم الشرعي قال الخليفة الأول: " فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه " أي أن الأحكام الشرعية يمكن استخراجها من القرآن الكريم، ويمكن الاستغناء بالقرآن الكريم عن سنة الرسول!! فالقرآن الكريم هو البديل لإغلاق باب التحديث عن رسول الله!! وهذه النظرية متطابقة مع نظرية عمر بن الخطاب فعندما حال هو وحزبه بين رسول الله وبين كتابة ما أراد قال عمر أمام الرسول والحاضرين: " إن المرض قد اشتد برسول الله أو قال إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله " فقناعة الاثنين كانت راسخة بأن القرآن وحده يكفي وليست هنالك حاجة لسنة الرسول!!! والذي يفهم من مرسوم الخليفة الأول يفيد: منع المسلمين من رواية أي شئ علي الإطلاق من سنة الرسول بدليل قول الخليفة " فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا " فهذا المنع شامل لكل شئ حسب الظاهر، ولكن في الحقيقة فإن الخليفة الأول لم يقصد هذا الإطلاق فهو الذي يقرر ما ينبغي تطبيقه أو ما لا ينبغي تطبيقه من سنة الرسول، فلا ضرر من رواية بعض سنة الرسول طالما أن بيديه مفاتيح إعمالها أو إهمالها. [ صفحه 262] ومن المؤكد أن الخليفة قد قصد سنة الرسول المتعلقة بمن يخلفه أو بتعبير أدق المتعلقة باستخلاف الرسول للإمام علي بن أبي طالب، والمتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة، لأن الخليفة كان في ذلك الوقت يصب جام غضبه علي الإمام علي خاصة، وعلي أهل بيت النبوة عامة!!! وما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه أن الخليفة نفسه كان يحتج بأحاديث رسول الله اثنا مواجهته للإمام علي ولأهل بيت النبوة، فعندما حرمهم من تركة الرسول قال: " إنه سمع الرسول يقول: الأنبياء لا يورثون " [547] . وعندما حرمهم من سهم ذوي القربي ادعي بأنه سمع رسول الله يقول: " سهم ذوي القربي للقربي حال حياتي وليس لهم بعد مماتي " [548] . وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذين الحديثين، فإن الخليفة قد احتج بما نسبه للرسول، فلو كان منعه للحديث شاملا لما احتج بما سنبه للرسول!!! لقد أراد الخليفة أن يمنع الأحاديث المتعلقة بمن يخلف النبي، والتي تؤكد بأن الرسول قد استخلف الإمام عليا وأحد عشر من ذريته ومن صلب علي والأحاديث التي أعطت المراتب السنية للإمام علي، وحددت مكانة أهل بيت النبوة. فإذا بقي باب التحديث عن رسول الله فما الذي يمنع أنصار الشرعية الإلهية من أن يرووا مثلا قوله (ص): " من كنت وليه فهذا علي وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله " وما الذي يمنعهم من أن يرووا حديث الثقلين، أو حديث السفينة، أن يذكروا المسلمين ببيعتهم للإمام علي في غدير خم، أو قول الرسول لعلي كذا وكذا!!!. [ صفحه 263] ولكن لو كشف الخليفة عن قصده هذا لعثر حيث أراد أن ينهض، لذلك رأي أن يكون المنع شاملا طالما أنه هو الذي يعمل أو يهمل ما شاء من سنة الرسول!! وما يؤكد ما ذهبنا إليه، هو تعليل الخليفة للمنع خشية الاختلاف فعندما يروي الرواة حديث الثقلين مثلا، أو أحاديثا عن مراتب الإمام علي في الوقت الذي يري فيه المسلمون الخليفة وأعوانه ينكلون بالإمام وأهل بيته، فإن المسلمين الذي انقادوا للخليفة الجديد سيتعاطفون مع الإمام علي وأهله بيته أو علي الأقل فإن قسما منهم سيفعل ذلك، وقد ينمو هذا التعاطف ويتحول إلي ولاء عندئذ ينشق المجتمع إلي قسمين قسم يؤيد الدولة الفعلية، وآخر يؤيد الإمام عليا وينمو الخلاف والاختلاف بين الفريقين، ويشتد مع الأيام، وتفوت الحكمة من استيلائهم علي منصب الخلافة، ويفوز الإمام علي وأهل بيت النبوة ويجمعوا النبوة والخلافة معا ويقع المحظور!! لذلك رأي الخليفة من الأنسب أن يكون إعلانه عن منع رواية أحاديث الرسول شاملا وهذا تقدير منطقي وعلماني تقتضيه مصلحة المحافظة علي الملك أو الخلافة!!! بغض النظر عن انسجامها أو عدم انسجامها مع الشرعية الإلهية تأسيسا وممارسة! ولك أن تتصور حجم تأثير هذا المرسوم علي نظرة المسلمين لسنة رسول الله، فإذا كان صاحب الرسول في الغار وصهره، وخليفته يأمر الناس بأن لا يحدثوا أي شئ عن رسول الله بدعوي أن التحديث عن رسول الله يسبب الخلاف والاختلاف!! فكيف تكون نظرة حديثي العهد بالإسلام إلي سنة رسول الله!!! لقد تم فتح باب الاستهانة بسنة رسول الله رسميا وعلي مستوي الدولة، لذلك فإن أية مجهودات فردية لإغلاق هذا الباب أو لتغيير المسار الرسمي للدولة تبقي محدودة الأثر!! [ صفحه 264] قد يقول قائل إن الخليفة الأول، قد أمر المسلمين بأن لا يرووا شيئا عن رسول الله ولكنه لم يأمرهم بأن لا يكتبوا شيئا عن رسول الله، لكن مرسوم الخليفة من الوضوح بحيث أنه لا يحتمل مثل هذا التأويل، فالخليفة قد جزم بأن التحديث عن رسول الله يسبب الخلاف والاختلاف، وبالتالي فقد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا أي شئ عن رسول الله، وسواء أخذ هذا التحديث صورة المشافهة أو صورة الكتابة فإنه ممنوع حسب نص هذا المرسوم، لأن الخليفة أراد أن يحتاط فيقطع دابر الخلاف بقطع مصدره أو منبعه القادم من سنة رسول الله، فإذا نهي الخليفة عن التحديث فهو ضمنا ينهي عن الكتابة، لأنها أدوم وأبلغ في التأثير والثبات والشيوع والانتشار.

لم يكتف الخليفة بهذا المرسوم الذي منع بموجبه المسلمين من أن يحدثوا أي شئ من سنة رسول الله، بل تناول الأحاديث التي جمعها بنفسه، وسمعها بنفسه من رسول الله، فأحرقها!! قال الذهبي: " إن أبا بكر جمع أحاديث النبي (ص) في كتاب، فبلغ عددها خمسمائة حديث، ثم دعا بنار فأحرقها " [549] روي القاسم بن محمد أحد أئمة الزيدية عن الحاكم بسنده إلي عائشة قالت: " جمع أبي الحديث عن رسول الله، فكانت خمسمائة حديث فبات ليله يتقلب، فلما أصبح قال أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فدعا بنار فأحرقها " [550] . فالخليفة صاحب النبي 23 عاما، وصاهره، ولازمه، وشهد كل مواقعه كما يجمع المؤرخون علي ذلك. وفوق هذا وذلك فهو يقرأ ويكتب، فهل [ صفحه 265] نستكثر علي من كانت هذه حالته أن يروي عن الرسول خمسمائة حديث من سنته!! لقد رواها بنفسه، وسمعها بنفسه، وكتبها بنفسه، بمعدل أقل من 22 حديثا كل عام، وأقل من حديثين كل شهر، وهذا يعني أنها كانت صحيحة وصادرة عن رسول الله قطعا، ومحفوظة وبعيدة عن التحريف لأنه قد استودعها عند ابنته ككنز خوفا عليها من الضياع، وبعد أن انتقل الرسول إلي جوار ربه وانقطع الوحي، وبعد أن استولي علي منصب الخلافة، صار لا ينام الليل من وجود هذه الأحاديث!!! ووصفت لنا السيدة عائشة ابنة الخليفة حالته بقولها: "... جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص)، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرا قالت فضمني، فقلت أتتقلب لشكوي أو لشئ بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها!! فقلت لم أحرقها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فتكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك " انتهي النص [551] . السيدة عائشة تؤكد بأن أباها قد جمع الحديث عن رسول الله وتؤكد أن عدد الأحاديث كان خمسمائة حديث، وأن هذه الأحاديث، فلما أصبح طلب الأحادث التي سمعها من رسول الله بنفسه وكتبها بخط يده، ثم دعا بنار فأحرقها أمام السيدة عائشة، حتي الآن فإن وقائع الرواية متماسكة، ومتفقة مع توجهات الخليفة، ومنسجمة مع المرسوم الذي أصدره بعد توليه لمنصب الخلافة، ومع أمره للمسلمين " بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله "، بل وتتناغم مع الواقع ومع نفسية الخليفة الرقيقة، فالتصرف قد حدث بعد توليه منصب الخلافة، وأثناه الفترة التي كان فيها غاضبا من الإمام علي ومن أهل بيت النبوة الذين رفضوا بيعته بدعوي أنهم [ صفحه 266] أحق بالخلافة منه وفي الوقت الذي حرمهم فيه من تركة الرسول ومن سهم ذوي القربي، وصادر المنح التي أعطاها لهم الرسول، وهم بإحراق بيت فاطمة علي من فيه وهدد الإمام بالقتل إن لم يبايع، أو أمر بأن يؤتي به بأعنف العنف [552] فليس من المستبعد أن بعض الأحاديث التي كتبها الخليفة تتضمن بعض مراتب الإمام علي، أو مكانة أهل بيت النبوة، فلما استعرض الوقائع أو أحداث يومه أو أسبوعه، وتذكر أحاديث النبي، جفاه النوم وانتابه القلق، فصارت هذه الأحاديث كشبح يلاحقه ويحول بينه وبين النوم، لأن نفسية الرجل رقيقة ويندم علي الخطأ بدليل ندمه وعلي فراش الموت حيث قال: " أما إني لا آسي علي شئ في الدنيا إلا علي ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن... فوددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة وتركته ولو أغلق علي حرب " [553] ووضع اليعقوبي الصورة بقوله: إن أبا بكر قال: " وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو أغلق علي حرب " [554] فمن المحتمل جدا أن يكون في الأحاديث التي كانت مكتوبة عند أبي بكر توصية بإرضاء السيدة فاطمة بالذات بدليل أنه بعد عملية الشروع بحرق بيتها، ذهب أبو بكر وعمر إلي منزلها ليعتذرا، فسألتهما: " نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي وغضبها من غضبي... فأجابها الاثنان بصوت واحد اللهم نعم قد سمعناه!! " [555] فما الذي يمنع بأن يكون هذا الحديث هو أحد الخمسمأة!!! فعندما يتذكر أبو بكر هذا الحديث وأمثاله من المكتوبة عنده، ويتذكر ما فعله بأهل بيت النبوة، فإن هذا يجلب القلق، ويذهب النوم خاصة عن شخصية رقيقة كشخصية الخليفة الأول!!! ثم إن الشخص العادي إذا اقتنع بأنه قد ظلم في يومه إنسانا، فإنه [ صفحه 267] لا يقوي علي النوم، ويصيبه الأرق، فكيف يحس الإنسان الرقيق إذا اقتنع بأنه قد ظلم أو آذي بنت رسول الله أو أحب الناس إليه، إن وجود هذه الأحاديث يذكره دائما بما فعل، إنها بمثابة شهود إدانة، والإنسان بفطرته يتخلص مما يدينه!!. ثم إن الثابت بأن أبا بكر قد جمع خمسمأة حديث، بينما الموجود بأيدي المسلمين من حديثه لا يتجاوز 142 حديثا كما أحصاها ابن حزم والسيوطي [556] بمعني أنه قد ضاع منها 358 حديثا!!! فإن صح ما ذهبنا إليه، فمن غير المعقول أن يروي الإنسان عن رسول الله ما يدينه!!! أما عجز الحديث " آخره " الذي يتضمن السبب المعلن الذي دفع الخليفة الأول لحرق الأحاديث التي جمعها بنفسه، فالصناعة والتكلف واضح فيه، وأكبر الظن بأنه قد ألحق بالحديث إلحاقا فالنفس الذي صيغ فيه العجز مختلف تماما عن النفس الذي صيغ فيه بقية الحديث، ثم إن المؤرخين والمحدثين يجمعون بأن أبا بكر كان من أقرب الصحابة لرسول الله، وكان من الملازمين له، ولم تكن هنالك حواجز بين الرسول وبين أبي بكر فهو صهره وصاحبه، فما هو الداعي ليترك رسول الله وهو النبع النقي ويأتي إلي غيره ليروي له أحاديث رسول الله!!!، لأنه أقرب من الغير لرسول الله، وألصق به!! ثم إنه ليس كثيرا علي قارئ وكاتب كأبي بكر أن يجمع 500 حديث خلال صحبة للرسول دامت 23 سنة، ودعمت الصحبة رابطة المصاهرة!!! إن عجز الحديث لا يتفق مع أوله وهو غير معقول ومن المؤكد أن القوم قد أضافوا عجز الحديث لأوله ليجعلوا من إحراق الخليفة الأول لسنة الرسول التي كتبها فضيلة من فضائله، وليبرروا عملية إحراقه للسنة النبوية المطهرة لأن إحراق السنة المطهرة لا يمكن الدفاع عنه إلا بمثل هذا المبرر. [ صفحه 268] لكن المرسوم الذي أصدره الخليفة والذي أمر فيه المسلمين بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا، جرف المبررات التي اختلقوها وأثبت بوضوح لا يقبل الشك بأن سياسة الخلفاء كانت قائمة علي استبعاد سنة الرسول، والتمسك بالقرآن وحده، أو بفهمهم أو تأويلهم لهذا القرآن، لأن سنة الرسول كانت متعارضة مع الواقع الذي أوجدوه، وكانت ناقضة لذلك الواقع وحاكمة ببطلانه فاستبعدوا سنة الرسول كفرار فطري من أدلة الإدانة والتجريم!!!. [ صفحه 269]

لقد كان لعمر بن الخطاب مفهومه الخاص به عن سنة الرسول بأنواعه الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية، وبقي عمر وفيا لهذا المفهوم، في صحة النبي وفي مرضه، وقبل أن يتولي عمر الخلافة، وبعد أن تولاها، والظاهر من أقوال عمر ومن تصرفاته، أنه كان لا يعتقد بأن كل ما يقوله الرسول أو يفعله صحيحا أو من عند الله!!! لقد أقنع نفسه بأن له الحق بإبداء مطالعاته علي ما يقوله الرسول أو يفعله!! خاصة في الفترة التي سبقت وفاة الرسول!!، وقد وسع الرسول الأعظم الرجل بحلمه العظيم، لكونه من أصحابه، ولكونه من أصهاره، لأنه يعرف مفاتيح شخصيته، وطبيعة النفس الإنسانية، وقدر الرسول أن عمر بوقت يطول أو يقصر سيعود لوضعه الطبيعي، وسيستقر نفسيا!! ثم إن الرسول الأعظم ليس مخولا بأن يعاقب الناس علي نواياهم، ما لم تخرج هذه النوايا إلي حيز الوجود الخارجي، وتأخذ شكل فعل كامل التكوين ومحظور، والرسول الأعظم كان لا يري أن له الحق بمصادرة حريات الناس، خاصة حرية القول، بل كان هدف الرسول منصبا بالدرجة الأولي والأخيرة علي توجيه هذه الحريات توجيها شرعيا، بحيث يتكون لدي الإنسان الإحساس الذاتي، بمسؤوليته [ صفحه 270] عن أقواله وأفعاله ووزنها بميزان الشرعية الإلهية، ثم إن الرسول الأعظم كان يتعامل قانونيا مع الظواهر، تاركا أمر البواطن لله تعالي، لقد عرفه الله تعالي بالمنافقين ولكن لا أعلم أن رسول الله قد قال خلال حياته لأحد من المنافقين بالذات أنت منافق يا فلان!!! كان المنافقون يتلفظون الشهادتين، ويصلون ويصومون ويعتمرون ويحجون ويزكون، ويخرجون للجهاد مع رسول الله، وإذا تخلفوا عنه يعتذرون ويظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر والفسوق ولا عصيان، كان الرسول يعلم ذلك علم اليقين، ولكنه كان لا يري لنفسه سلطانا لمعاقبة هذا المنافق أو ذاك، ما لم يجهر بكفره وفسوقه وعصيانه، ويأخذ هذا الجهر الصورة الكاملة لفعل محظور شرعا، فإن فعل ذلك عاقبه الرسول بحدود الفعل، كمسلم حسب الظاهر، وبالعقوبة المحدودة شرعا ولكن الرسول لا ينبش ماضيه، ولا ينقب عن حقيقة إيمانه، ثم إن الرسول يمثل قمة الكمال الإنساني، وصفوة الوجود البشري، وهو بطبيعته رحمة للعالمين، قود وسع بحلمه المسلمين جميعا، وعلا بخلقه فوق الناس أجمعين لذلك وصف الله تعالي خلقه وصفا دقيقا بقوله: (وإنك لعلي خلق عظيم) فعبد الله بن أبي كان كهف المنافقين والنفاق، وقد أبدي رغبته بأداء العمرة مع رسول الله، ولم يكسر النبي بخاطره واصطحبه كأي واحد من المسلمين، ولما نزل رسول الله في الحديبية، وتعثرت المفاوضات مع زعامة الشرك، وأمر الله رسوله بأن يأخذ البيعة علي القتال من المسلمين بايعه ابن أبي كواحد من المسلمين، ولما عرضت زعامة الشرك علي ابن أبي أن يؤدي العمرة وأن يطوف بالبيت قال كيف أفعل ذلك دون رسول الله!! ومن المؤكد أن ذلك قد أثلج خاطر الرسول وفي لحظة من اللحظات، اقترح بعضهم علي رسول الله أن يقتل ابن أبي، فأجاب الرسول ذلك البعض بقوله: " كيف يقال بأن محمدا يقتل أصحابه، والله لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا " وفي غزوة تبوك وأثناء عودته وعندما تآمر عليه ذلك النفر من المنافقين ليقتله، كشف الخبر لأصحابه، ولكنه لم [ صفحه 271] يعاقب المتآمرين، لأن الخبر قد جاءه بالوحي قبل أن يشرع المتآمرون بتنفيذ الجريمة، ولما قال له بعض أصحابه: لم لا تقتلهم يا رسول الله، أجاب أليسوا يشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله!! قالوا: بلي ولكن لا شهادة لهم، فقال النبي: إني لم أؤمر بذلك، سيقول العرب إنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها بدأ محمد يقتل أصحابه!! كان مجتمع المدينة وما حولها غاص بالمنافقين وأصحاب النفوس الفاسدة، بل إن هنالك فئة داخل المدينة وخارجها قد مردت تماما علي النفاق كما ذكر الله تعالي، فهم ليسوا منافقين فحسب بل هم من كبار مردة النفاق كان الرسول يعلم ذلك، لكنه مقيد بالحكم الإلهي، ومقيد بالخلق العظيم، ومقيد بكونه ذروة الوجود والكمال الإنساني، كان يتصرف مع الجميع تصرف الأكبر، تصرف الوالد الرحيم مع أبنائه، فلم يقطع الرجاء بصلاح من انحرف، أو حاد عن الطريق المستقيم، كان يأمل أن يخرج الله من صلب ذلك المنحرف إنسانا مستقيما!! روحي فداك يا رسول الله كم أنت كبير وعظيم وحليم ورحيم!!! لقد كان عمر بن الخطاب أحد أصحابه الذين هاجروا تبعا لهجرته، لقد عرض عمر ابنته حفصة علي رسول الله فتزوجها، فنال شرف المصاهرة، وصار يتردد علي رسول الله بحكم الصحبة وبحكم المصاهرة، كان عمر في الجاهلية رجلا مغمورا ليس من علية القوم، ولا من زعامتها، أنظر إلي قول المقداد لعمر في السقيفة: " لأعيدنك إلي قوم كنت فيهم ذليلا غير عزيز... " كما يروي ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج 1 ص 4 وما فوق، وبعد الهجرة وجد نفسه صاحبا لأعظم شخصية في العالم، وحما لرجل الساعة، وواحدا من أتباعه المقربين بحكم الصحبة والمصاهرة والغربة عن مسقط الرأس، فتاه الرجل فخرا وعزا، فاستخفته هذه المرتبة العالية، فتفتح طموحه، واتسع نطاق وسائله ليستوعب هذا الطموح العجيب، ويتقن من حلم النبي العظيم، ومن إحساس النبي الصادق بأن لعمر عليه حق الإسلام، وحق الصحبة، وحق المصاهرة، والحلم النبوي [ صفحه 272] الفذ وهذه الحقوق التي يراها الرسول لعمر تجعل عمر في أمان خلال هذه الحياة الدنيا علي الأقل، فانطلق الرجل، وخلال انطلاقته كشف بوضوح عن مفهومه الخاص لسنة رسول الله بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية، بل لقد كشف عن طبيعة إيمانه ونظرته الشخصية للرسول، ولما آلت إليه الخلافة تألق نجمه كصاحب لرسول الله وكخليفة، بيده مفاتيح خزائن دولة عظمي، يؤلف بأموالها ونفوذها القلوب من حوله فاستقطب بسيرته قبل الخلافة وبعدها الذين عادوا رسول الله، وأسند لهم مناصب الدولة العليا، واستقطب من أيد سياسته من القلة المؤمنة، ثم عزل أهل بيت النبوة عزلا اجتماعيا تاما، وأذلهم، حتي ينتزع من نفوسهم وإلي الأبد فكرة المطالبة بالرئاسة العامة للمسلمين، ومن الادعاء بأن الرئاسة حق خالص لأهل بيت النبوة من دون الناس!! أما علي مستوي الشخصي فعاش حياة الكفاف!! فانقادت فئات الأمة له، قلة من المؤمنين، وكامل بطون قريش وكافة أعداء الله ورسوله السابقين، والمنافقين والمرتزقة من الأعراب، وصارت كل فئة تعتقد أنه رجلها، وحتي أهل بيت النبوة لم يجهروا بمعارضتهم له، فذاع صيت الرجل، وعمت شهرته، ووضعت له الفضائل التي لا تحصي، وتصور الناس أن الرجل يخالف الله ورسوله لحكمة خافية عليهم، وأن الله لو لم يختر محمدا للنبوة لاختار عمر، وما من قصة كان فيها رسول الله وعمر إلا وأعطوا فيها دور البطولة لعمر، وصارت هذه المعتقدات جزءا من عقيدة العامة والخاصة ثم آلت الخلافة إلي أعداء الله السابقين والحاقدين علي أهل بيت النبوة فبالغوا بمدح أبي بكر وعمر لا حبا بهما ولكن إرغاما لأنوف أهل بيت النبوة، وشب الصغير علي ذلك وهرم الكبير فيه، واستقر ذلك في النفوس عمليا!! فأي بحث موضوعي سيصطدم بهذه القناعة المسبقة التي تكونت عند الغالبية من المسلمين والتي ترفض ما يتعارض معها!! بهذا المناخ سنبحث منع رواية وكتابة سنة الرسول في عهد عمر بن الخطاب، [ صفحه 273] وكما قلنا في بداية هذا الفصل بأنه كان لعمر بن الخطاب مفهومه الخاص عن سنة الرسول بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية.

1 - قال عبد الله بن عمرو بن العاص: " كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش... " [557] فعمر بن الخطاب كما سيتضح جليا في ما بعد كان علي رأس قريش التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة كل شئ يسمعه من رسول الله بدعوي أن الرسول يتكلم في الغضب والرضا كما يتضح في نهاية الخبر، وحسب هذا الخبر الصحيح فإن عمر كان يعتقد بأنه ليس كل ما يقوله الرسول صحيحا وجديرا بالكتابة. 2 - صلح الحديبية من أعظم الإنجازات الإسلامية علي الإطلاق بل هو الثمرة المباركة لكافة المعارك التي خاضها رسول الله، وقد وصف تعالي في كتاب العزيز هذا الصلح " بالفتح المبين والنصر العزيز " لأن هذا الصلح قد حسم الموقف نهائيا لصالح الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة، ولو تغاضينا عن هذه النتائج الباهرة، فإن كل ما فعله الرسول كان بأمر ربه، لقد أعلن الرسول أن روح القدس قد نزل عليه وأمره بالبيعة [558] وقد فهم الجميع أن الصلح قد تم بتوجيه إلهي، فقد قال الرسول للجميع: " إني رسول الله ولست أعصيه " [559] . [ صفحه 274] وقال أبو بكر مخاطبا عمر: " أيها الرجل إنه لرسول الهل وليس يعصي ربه وهو ناصره " [560] وبالرغم من كل ذلك فإن عمر بن الخطاب اعتبر الصلح الذي رضي به الله ورسوله " دنية في الدين " وأن ما فعله الرسول كان خاطئا وغير صحيح!! وحاول عمر أن يقنع الحاضرين بأن الصلح الذي ارتضاه الله ورسوله دنية في الدين، ليفرضوا عن الرسول إلغاء الصلح والرجوع عنه!! ولما يئس من إقناعهم قال: " لو وجدت أعوانا ما أعطيت الدنية في ديني... " والمثير أنهم رغم ذلك سجلوه شاهدا علي صك صلح الحديبية [561] وكما تعلم فإن سنة الرسول تعني قول الرسول وفعله وتقريره، وهكذا تعامل عمر بن الخطاب مع سنة الرسول في صلح الحديبية. 3 - وعمر بن الخطاب هو الذي أوجد مبدأ " عدم جواز جمع الهاشميين للنبوة مع الملك، بل يجب أن تكون النبوة للهاشميين، وأن تكون الخلافة لبطون قريش تتداولها في ما بينها " [562] !! لأنه من غير الجائز أن يكون النبي من بني هاشم وأن يكون الخلفاء من بني هاشم أيضا كما أعلن النبي في سنته، وكان لهذا المبدأ الأثر الفعال في تجاهل سنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلف النبي، وليفتح عمر أشواق مطامع الجميع علي الخلافة أجاز في ما بعد أن تكون الخلافة للأنصار، فقال: لو كان معاذ بن جبل حيا لوليته واستخلفته، ومعاذ من الأنصار، وكان من غير الجائز حسب رأي عمر سابقا أن يتولي الأنصار الخلافة، والأبعد من ذلك أن عمر بن الخطاب قد أجاز للموالي أن يتولوا الخلافة فقال: " لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيا لوليته واستخلفته وهذا من الموالي ولا يعرف له [ صفحه 275] نسب في العرب!!! وكان عمر يتصرف بمثل هذه التصرفات وهو علي علم تام بسنة الرسول المتعلقة بمن يخلف الرسول، وكيف ينسي ذلك وقد بايع الخليفة الشرعي أمام الرسول وقدم له التهاني في غدير خم كما وثقنا بأكثر من عشرين مرجعا في البحوث السابقة، ولكن عمر كان يعتقد أن تنصيب الرسول للإمام علي هو من عند نفسه لا من عند الله، وكان يعتقد أن تنصيب الرسول للإمام علي ليس مناسبا!! لحداثة سنه والدماء التي عليه كما وثقنا سابقا!!! [563] وعلي ضوء هذا الاعتقاد كله يتصرف متجاهلا بالكامل سنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلفه من بعده!!! 4 - ويتجلي موقف عمر من سنة الرسول بأوضح صورة في جيش أسامة، فقد عبا الرسول هذا الجيش بنفسه، وعبأ به أبا بكر وعمر وبقية ذلك النفر من أصحاب الخطر، وأمر أسامة علي هذا الجيش، وأعطاه الراية بنفسه، وطلب من الجيش الخروج سريعا، وكرر ذلك مرات متعددة، لكن عمر خاصة وذلك النفر عامة لم يرق لهم تأمير الرسول لأسامة وهو حديث السن علي شيوخ الأنصار والمهاجرين، فطعنوا علنا بتأمير الرسول لأسامة، وأخذوا يثبطون الناس عن الخروج في جيش أسامة!! ومع ن الرسول كان مريضا وعلي فراش الموت فقد اضطروه للنهوض معصوب الرأس ومحموما فصعد المنبر ودافع عن قراره بتأميره لأسامة قائلا: " أيها الناس ما مقالة بلغتني في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل وأيم الله إنه كان لخليق بالإمارة " [564] وحثهم علي الخروج [ صفحه 276] ثم قال: " لعن الله من تخلف عن بعث أسامة " [565] ومع هذا لم يخرجوا وضغطوا علي أسامة فراجع الرسول فقال له الرسول: " أخرج وسر علي بركة الله فراجعه أسامة ثانية، فقال له الرسول: " سر علي النصر والعافية "، وراجع أسامة ثالثة فقال له الرسول: " انفذ لما أمرتك به " ومع هذا لم يخرجوا ومات الرسول وهم متثاقلون وبعد موت الرسول، أصر عمر بأن تأمير الرسول لأسامة غير مناسب وطالب الخليفة الأول بنزع أسامة من إمارة الجيش!! فأخذ أبو بكر بلحية عمر وقال له: ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه " [566] لو تمكن عمر لنزع أسامة من إمارة الجيش التي ولاها رسول الله له، لأن عمر كان ما زال يعتقد أن تأمير الرسول لأسامة علي ذلك الجيش ليس مناسبا ولا صحيحا وأنه كان الأجدر بالرسول أن يولي قيادة ذلك الجيش لأبي بكر، أو لعمر، أو لواحد يرضون عنه!! هذه طبيعة نظرة عمر لقول الرسول ولعمل الرسول أو بتعبير أدق هذه طبيعة نظرته لسنة رسول الله!!! [567] . 5 - وحال عمر بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة!! وتفصيل ذلك أن رسول الله وهو علي فراش الموت قد أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة، فحدد موعدا لذلك، دعا إليه صفوة من أصحابه ليشهدوا كتابة الوصية والتوجيهات النهائية، ويبدو أن عمر بن الخطاب قد سمع بالخبر، وعرف ساعة الموعد الذي حدده رسول الله، وفي الوقت المحدد دخل الذين دعاهم رسول الله ليشهدوا كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، فجلسوا. كان عمر بن الخطاب قد أخبر أركان حزبه وصفوة أوليائه واتفق وإياهم علي أن يذهبوا إلي منزل الرسول، وأن يحولوا [ صفحه 277] بأي ثمن بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية كما اتفقوا علي تفاصيل الخطة. وبعد جلوس الذين دعاهم النبي، دخل عمر وأركان حزبه وصفوه أوليائه إلي منزل الرسول دون استئذان أو علم مسبق، وجلسوا وكأنهم زوار لا علم لهم بترتيب الرسول!! فقال الرسول للذين دعاهم " إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " [568] وعندما أتم الرسول هذه الجملة، تجاهل عمر وجود الرسول وقال موجها كلامه للحاضرين: إن الوجع قد اشتد برسول الله، أو إن الرسول يهجر، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله!! وعندما أتم عمر جملته، قال الذين أحضرهم معه، " القول ما قاله عمر!! إن النبي يهجر!! ما له استفهموه إنه يجهر!!!، قال الذين استدعاهم رسول الله: ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا!! ومرة ثانية تجاهل عمر وجود النبي وقال ما قاله في المرة الأولي، وعلي الفور ردد الفريق الذي أحضره اللازمة المتفق عليها سالفا: " القول ما قاله عمر إن النبي يهجر.... الخ " [569] . دهشت النسوة مما سمعن، وطللن من وراء الستر وقلن: ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم... صاح بهن عمر " إنكن صويحبات يوسف... " [570] وارتفعت الأصوات، وكثر اللغو واللغط، وبدأ التنازع بين [ صفحه 278] القلة التي دعاها الرسول وبين الكثرة التي أحضرها عمر، فصرف الرسول النظر عن كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، لأنه لو أصر علي الكتابة، لأصر عمر ومن معه علي الهجر مع ما يفتحه ذلك علي الدين من أبواب خطيرة، لذلك أجابهم الرسول بجواب يليق بجلال النبوة ويعكس واقع الحال، فقال لعمر الذي صاح بالنسوة قائلا: " إنكن صويحبات يوسف... " قال الرسول: " إنهن خير منكم " [571] ، " ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه قوموا عني، لا ينبغي عندي تنازع " [572] وهكذا نجح عمر وحزبه بالحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته، لأن عمر كان يخشي أن يكتب الرسول أمرا غير مناسب!!! كما أفصح عن ذلك بعد وفاة النبي!! إذا كان عمر يتعامل مع سنة الرسول مثل هذا التعامل في ذلك الوقت العصيب!! ويرفض أن يأذن للرسول بكتابة كتاب وصفه الرسول بأنه تأمين ضد الضلالة!!! فما عساه أن يقبل من سنة الرسول بعد موته!! 6 - إن عمر لم يكن بعيدا عن المرسوم الذي أصدره الخليفة الأول والذي أمر فيه المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله!! لأنه كان شريكه في أمره، وولي عهده، كذلك فإن عمر لم يكن بعيدا عن قيام الخليفة بإحراق ما سمعه بنفسه من رسول الله وما كتب بيده من سنة رسول الله!!. [ صفحه 279] هذه ملامح من موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول قبل أن يتولي الخلافة، ونلقي الآن الضوء علي موقفه من سنة الرسول بعد أن تولي الخلافة. [ صفحه 280]

رأينا في المبحث السابق موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول اثنا حياة الرسول، وموقفه من سنة الرسول عندما كان وليا لعهد أبي بكر، وإكمالا للحلقة سندرس موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول وهو خليفة للمسلمين.

عندما تولي عمر الخلافة كانت أول مشاريعه القانونية، إعلانه علي المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وينقح الكتب الموجودة بين أيدي المسلمين وليضفي علي هذا الإعلان الطابع الإسلامي والجدي، فإنه قد استشار أصحاب رسول الله في كتابة سنة الرسول، فأشار عليه أصحاب الرسول بكتابتها ولم يعارضه أحد منهم، ولاح للمسلمين بأن الخليفة قد استكمل دراسة مشروع كتابة سنة الرسول بعد أن أشار عليه أصحاب رسول الله بذلك، وأيدوا بالإجماع اقتراحه. لذلك ناشد المسلمين أن يأتوه بكل ما هو مكتوب منها عندهم " فأتوه بها " [573] . [ صفحه 281] واكتشف عمر أن بين أيدي الناس كتبا كثيرة، فاستنكرها وكرهها وقال: " أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلي الله أعدلها وأقومها... فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به فأري فيه رأيي " قال القاسم بن محمد بن أبي بكر، فظن الناس أنه يريد أن ينظر في هذه الكتب، ويقومها علي أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بها...!!

لقد نجح الخليفة بإيهام المسلمين بأنه يريد أن يكتب سنة الرسول، لذلك أتته الأكثرية من المسلمين بما هو مكتوب عندها من سنة الرسول، ووضعوا هذه السنة المكتوبة بين يديه، ليتمكن الخليفة من تدوينها كما وعد!!! كذلك، فإن أكثرية المسلمين الذين عندهم كتب، قد استجابوا لنداء الخليفة لأنهم ظنوا أنه يريد أن ينظر فيها وأن يقومها كما وعد!! والأقلية من المسلمين التي تعرف الخليفة وتعرف موقف من سنة الرسول ونواياه نحوها هي التي احتفظت بسنة الرسول المكتوبة عندها، وهي التي لم تسلم الكتب الموجودة لديها، وكان الإمام علي وأهل بيت النبوة ومن والاهم هم القلة التي احتفظت بسنة الرسول المكتوبة عندها، وبالكتب المحفوظة لديها.

لما اعتقد الخليفة أن المسلمين قد أتوه بكامل سنة الرسول المكتوبة عندهم وبكل الكتب المحفوظة لديهم، قام الخليفة بإحراقها بالنهار وحرقها فعلا [574] وهكذا تمكن الخليفة من القضاء التام علي سنة الرسول المكتوبة [ صفحه 282] وحتي الكتب المحفوظة لدي الأكثرية الساحقة من أهل المدينة المنورة!!!

لما نجح الخليفة عمر بن الخطاب بجمع ما لدي أكثرية المسلمين من سكان المدينة المنورة من سنة الرسول المكتوبة، والكتب المحفوظة لديهم وإحراقها بالنار، أصدر مرسوما عممه علي كافة البلاد الخاضعة لحكمه هذا نصه: " أن من كان عنده شئ من سنة الرسول المكتوبة فليمحه " [575] .

لقد استثار الخليفة أصحاب رسول الله بجمع سنة الرسول المكتوبة، فأشاروا عليه بذلك، وظن المسلمون أن الخليفة يريد أن يجمع سنة الرسول بالفعل لذلك أرسلوا له ما هو مكتوب منها عندهم لغايات شروع الخليفة بجمع السنة كذلك فن المسلمين قد أرسلوا للخليفة الكتب المحفوظة لديهم وهم يظنون أن الخليفة يريد أن ينظر بها فيقومها كما وعد. لكن، لما أمر الخليفة بإحراق ما تجمع لديه من سنة الرسول المكتوبة ومن الكتب وتم حرقها بالفعل، ذهل الناس، أو علي الأقل تساءلوا لماذا يحرق الخليفة سنة الرسول المكتوبة!!!، فكان لا بد للخليفة من أن يبرر أفعاله، فقال بعد أن تمت عملية التحريق: " إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانا قبلكم، كتبوا، فأكبوا عليها فتركوا كتاب الله - وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا " [576] ويروي أنه قد قال بعد أن أحرقها: " أمنية كأمنية أهل [ صفحه 283] الكتاب " [577] ، أي حتي لا ينشغل الناس بالسنة عن القرآن.

أ - قال عروة بن الزبير: " إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص)، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهرا، ثم أصبح يوما، وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا، فأكبوا عليها فتركوا كتاب الله - وإني والله - لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا " [578] . ب - عن الزهري قال: " أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن فاستخار الله شهرا، ثم أصبح وقد عزم الله له فقال ذكرت قوما كتبوا كتبا فأقبلوا عليها وتركوا كتاب الله " [579] . ج - قال القاسم بن محمد بن أبي بكر: " إن عمر بن الخطاب بلغه أنه قد ظهر في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها وقال: أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلي الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به، فأري فيه رأيي، فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها علي أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ثم قال أمنية كأمنية أهل الكتاب " [580] وفي بعض القول مثناة كمثناة أهل الكتاب [581] . [ صفحه 284] د - قال يحيي بن جعدة: " إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها ثم تكب في الأمصار من كان عنده منها شئ فليمحه " [582] . ه - " إن الأحاديث كثرت علي عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها " [583] . [ صفحه 285]

في أول اجتماع سياسي عام لأبي بكر الخليفة الأول أمر المسلمين " بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله " [584] وكلام الخليفة الأول من الوضوح بحيث أنه لا يحتاج إلي تأويل فهو يمنع علنا رواية سنة الرسول، وفي الوقت نفسه الذي منع فيه الخليفة الأول رواية سنة الرسول منع ضمنا كتابة سنة الرسول حيث أحرق الأحاديث التي سمعها بنفسه من رسول الله وكتبها بخط يده [585] وتلك رسالة واضحة إلي المسلمين مفادها " لا ترووا سنة الرسول ولا تكتبوها!!! ". لم تكن هذه سياسة الخليفة الأول فحسب بل كانت سياسة ولي عهده وشريكه في أمره عمر بن الخطاب، ومن يتتبع سيرة عمر، وما ذكرناه في الفصول السابقة، لا يشك إطلاقا بأن عم هو الذي زرع في ذهن الخليفة فكرتي، منع رواية السنة، وإحراق الأحاديث التي كتبها!! لأن عمر بن الخطاب هو أول مخترع لشعار " حسبنا كتاب الله "!!! وهو الشعار الذي برر به أبو بكر ما فعل!!! [ صفحه 286] ولما آلت الأمور إلي عمر بن الخطاب، وتولي الخلافة خالف صاحبه شكلا واتفق معه بالمضمون!!! ووسع إطار المنع والإحراق، وجعلهما سياسة علنية عامة لدولته!!! فأبو بكر منع رواية سنة الرسول أولا، ثم أحرق سنة الرسول المكتوبة عنده، أما عمر فقد جمع سنة الرسول المكتوبة عند الناس والكتب المحفوظة لديها فأحرقها أولا " [586] . ثم عمم علي كافة الأمصار الخاضعة لحكمه " إن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه " [587] كما فصلنا ذلك من قبل!! ولما تصور الخليفة عمر بن الخطاب أنه قد أحرق سنة الرسول المكتوبة عند المسلمين، والكتب المحفوظة لديهم، تفرغ لمنع رواية سنة الرسول وقد اتخذ هذا المنع أشكالا متعددة، وبالرغم من تعدد الأشكال فإنها تخدم غاية واحدة لا تخفي حتي علي عامة الناس وجهلتهم وهي رغبة الخليفة بأن يجتث سنة الرسول من الوجود، وأن لا يبقي منها إلا تلك التي لا تتعارض مع توجيهات الدولة ووجودها وسياستها، أو التي تخدم مصالح الدولة كما سنري!! ولأن الخليفة هو الرئيس العام للمجتمع الإسلامي، وهو الخليفة الواقعي لرسول الله، كان لا بد له من ذريعة أو شعار مقنع للناس ليبرر هجومه الضاري علي سنة الرسول وليبعد عن نفسه ظنون الناس وتقولاتهم، فأوجد شعار " حسبنا كتاب الله، ولا كتاب مع كتاب الله!! " وهو أول من أوجد هذا الشعار!! فعمر يريد القرآن، والقرآن وحده، ولا شئ سواه، ولا شئ معه، ولا يريد عمر أن يشغل المسلمين عن القرآن شاغل فالقرآن هو كتاب الله النافذ الأوحد، وقانون المجتمع فلا كتاب معه، ولا قانون سواه!! [ صفحه 287] وسنري أن تلك شعارات للتبرير ولكن لا يمكن تطبيقها، ولم يكن الخليفة جادا بتطبيقها!!

1 - روي عن قرظة بن كعب أنه قال: " لما سيرنا عمر إلي العراق مشي معنا إلي حرار، ثم قال: أتدرون لما شيعتكم؟ قلنا: أردت أن تشيعنا وتكرمنا فقال عمر: إن مع ذلك لحاجة، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم، قال قرظة فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله " [588] . وفي رواية أخري، فلما قدم قرظة بن كعب قالوا: " حدثنا فقال قرظة: نهانا عمر " [589] . فقرظة قد فهم بأن عمر ينهي عن الحديث عن رسول الله بدليل قوله: " فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ". 2 - قال عبد الرحمن بن عوف: " ما مات عمر بن الخطاب حتي بعث إلي أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق، عبد الله بن حذيفة، وأبو الدرداء، وأبو ذر وعقبة بن عامر فقار: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ فقالوا تنهانا!! قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم نأخذ منكم، ونرد عليكم " [590] . [ صفحه 288] 3 - ووصي عمر أبا موسي الأشعري عندما بعثه إلي العراق بمثل ما وصي به قرظة بن كعب [591] . 4 - خطب عمر بن الخطاب فقال: "... من قام منكم فليقم بكتاب الله، وإلا فليجلس فإنكم قد حدثتم الناس، حتي قيل قال فلان وقال فلان، وترك كتاب الله " [592] . 5 - قال الشعبي: " جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا " [593] . 6 - قال سعيد بن المسيب: " كتب إلي أهل الكوفة مسائل ألقي فيها ابن عمر، فلقيته فسألته من الكتاب، ولو علم أن معي كتابا لكانت الفيصل بيني وبينه " وهذا يعني أن عبد الله بن عمر ملتزم التزاما تاما بنهي أبيه عن سنة رسول الله!! ويجدر بالذكر أيضا أن حفصة بنت عمر كانت تعارض التدوين، وكأن معارضة كتابة ورواية سنة رسول الله خلق في آل عمر!! [594] .

1 - قال عمر بن الخطاب لأبي هريرة: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس " [595] وقال له أيضا: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض الفيح يعني أرض قومه " [596] . [ صفحه 289] 2 - يبدو أن أبا موسي قد روي حديثا، فسمعه عمر بن الخطاب، أو سمع به عمر بن الخطاب فقال لأبي موسي: " والله لتقيمن عليه البينة "، وفي لفظ مسلم " أقم عليه البينة وإلا أو جعلتك " [597] . 3 - ويبدو أيضا أن عمر بن الخطاب قد سمع بأن أبي بن كعب قد روي حديثا عن رسول الله فأخذ عمر بمجامع أبي بن كعب وقال له: " لتخرجن مما قلت!!! أي يجب أن تتنصل من رواية هذا الحديث!! وقاد أبي إلي المسجد، فأوقفه علي حلقة من أصحاب الرسول، منهم أبو ذر، فقال أبو ذر: أنا سمعته أيضا من رسول الله، فأرسله " [598] وفي رواية أنه قال لأبي: " لتأتيني علي ما تقول ببينة " [599] . 4 - ضرب عمر أبا هريرة بالدرة وقال له: " قد أكثرت من الرواية، وأحر بك أن تكون كاذبا علي رسول الله " [600] . 5 - قال أبو هريرة: " ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتي قبض عمر " [601] وكان أبو هريرة يقول: " لو كان عمر حيا لما سمح له برواية حديث رسول الله ولضربه بالدرة " [602] . 6 - قال أبو هريرة: " لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني بالدرة " [603] . 7 - قال أبو سلمة: " سألت أبا هريرة أكنت تحدث في زمن عمر [ صفحه 290] هكذا؟ قال أبو هريرة لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمحففته " [604] . 8 - وقال: " ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتي قبض عمر " [605] . 9 - قال الأحنف بن قيس: " أتيت الشام، فجمعت فإذا رجل لا ينتهي إلي سارية إلا فر أهلها منه، يصلي ويخفف صلاته، قال فجلست إليه، فقلت يا عبد الله من أنت؟ قال: أنا أبو ذر، فقال لي: من أنت، قال: قلت الأحنف بن قيس، قال: قم لا أعدك بشر، فقلت له: كيف تعدني بشر، قال: إن هذا - يعني معاوية - نادي مناديه ألا يجالسني أحد " [606] هذا أبو ذر الذي وصفه الرسول بأنه أصدق الناس لهجة، وخير من أقلت الغبراء وأظلت السماء!! وهذا ما يتعرض له من والي عمر علي بلاد الشام بسبب إصراره علي رواية سنة الرسول!!! 10 قال ابن الأثير: " كان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ختم في يد جابر وفي عنق سهل بن سعد الساعدي وأنس بن مالك يريد إذ لا لهم، وأن يتجنبهم ولا يسمعوا منهم " [607] .

1 - بعث عمر بن الخطاب إلي عبد الله بن مسعود وإلي أبي الدرداء وإلي أبي مسعود الأنصاري فقال: " ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله، فحبسهم بالمدينة حتي استشهد " [608] . [ صفحه 291] 2 - إن عمر قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر: " ما هذا الحديث عن رسول الله، وأحسبه حبسهم بالمدينة حتي أصيب " [609] . 3 - قال الذهبي: إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: " لقد أكثرتم الحديث عن رسول الله " [610] . 4 - قال ابن عساكر: " ما خرج ابن مسعود إلي الكوفة ببيعة عثمان إلا من حبس عمر في هذا السبب " [611] . [ صفحه 292]

لما مرض النبي تنكرت له زعامة بطون قريش، واستخفت هذه الزعامة الأكثرية من المجتمع فتبعتها رغبة أو رهبة! وواجهت تلك الزعامة الغاشمة رسول الله وهو علي فراش الموت، ومعها جموع الغوغاء، فقالوا لرسول الله: أنت تهجر - أي لا تعي ما تقول - والقرآن وحده يكفينا، ولسنا بحاجة لوصيتك ولا لتوجيهاتك النهائية!! وبعد أن قبضت زعامة البطون علي مقاليد الحكم، أحرقت سنة رسول الله المكتوبة عند المسلمين، كما أحرقت الكتب المحفوظة لديهم، ومنعت منعا باتا رواية سنة رسول الله ورفعت شعار " حسبنا كتاب الله، ولا كتاب مع كتاب الله!! ". وصارت رواية السنة التي تكشف شناعة ما جري من الجرائم الكبري وفرض الإرهاب والرعب علي المسلمين، وهو إرهاب ورعب لا نظير لهما في التاريخ البشري كله. وقد وصف حذيفة أمين سر رسول الله حجم الإرهاب والرعب المفروضين آنذاك بقوله: " لو كنت علي شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغترف، فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلي فمي حتي أقتل " [612] . [ صفحه 293] وحذيفة ليس شخصا عاديا إنما هو أحد كبار الصحابة الكرام، وأمين سر رسول الله علي المنافقين!! ومع هذا فهو يؤكد تأكيدا قاطعا بأنه لو حدثت الناس بما سمعه من رسول الله، وكشف بعض الحقائق لقتلته زعامة بطون قريش والجموع التي تؤيدها قبل أن يرتد إليك طرفك!! لأن الزعامة الغاشمة والجموع معا لا يريدون إلا طمس الحقائق الشرعية!!! ويؤكد هذا المناخ من الرعب والإرهاب أبو هريرة المعروف بموالاته للغالب حيث قال: " حفظت من رسول الله وعائين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم " [613] . ووضح أبو هريرة الصورة قليلا في ما بعد قائلا: " إني لأحدث أحاديثا لو تكلمت بها زمن عمر لشج رأسي " [614] . وفي زمن عمر بن الخطاب عزم أبي بن كعب - أحد أكابر الصحابة - أن يتكلم في الذي لم يتكلم به بعد وفاة رسول الله فقال أبي: " لأقولن قولا لا أبالي استحييتموني عليه أو قتلتموني " [615] . لقد صمم هذا الصحابي الكبير علي كشف الحقائق الشرعية، وترقب الناس اليوم الذي حدده كعب لكشف الحقائق التي سمعها من رسول الله وفجأة، قال قيس بن عبادة: " رأيت الناس يموجون، فقلت ما الخبر؟ فقالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب، فقلت: ستر الله علي المسلمين حيث لم يقم الشيخ ذلك المقام.. " [616] . أنت تلاحظ أن المنية ما أدركت هذا لأصحابي الجليل إلا قبل الوقت. [ صفحه 294] المحدد لكشف الحقائق!!! ويقينا أن أبي بن كعب قد قتل بالطريقة نفسها التي قتل فيها سعد بن عبادة سيد الخزرج. والخلاصة أن منع كتابة ورواية سنة الرسول، والعزم علي اجتثاثها من الوجود، وكتمان الحقائق الشرعية التي تصطدم مع الواقع السياسي قد تحول إلي قانون أساسي نافذ المفعول في كافة أرجاء دولة الخلالة!! ومن يخرج علي هذا القانون فإن عقوبته الموت!! لم تعد هنالك قيمة للنفس البشرية ولا لأية حرمة من الحرمات فعلي بن أبي طالب يهدد بالقتل، وأهل بيت النبوة يسامون سوء العذاب وتصادر حقوقهم بالتركة، والمنح التي أعطيت لهم، ويحرمون من سهم ذوي القربي، وباليوم الثاني لوفاة الرسول تشرع دولة الخلافة بحرق بيت بنت رسول الله علي من فيه وفيه فاطمة بنت الرسول وعلي والحسن والحسين وبنو هاشم وكبار المعزين!! ومع هذا فلم ينه أحد من الناس عن منكر من هذه المنكرات لا بيد ولا بلسان!! وطرحت فاطمة بنت رسول الله قضيتها أمام كبار القوم، بأوضح لغة وأفصح لسان، فسمعوها جميعا، وبكي بعضهم ومع هذا لم يجرؤ أحد منهم علي الكلام!! إنه الإرهاب والرعب!! ومع أن الإرهاب قد ولي، والرعب قد زال، إلا أن نفوس المسلمين ما زالت مسكونة بالرعب والإرهاب، لأنها قد أشربت روح التاريخ وثقافته!!. [ صفحه 295]

قلنا: إن الخليفة الأول قد أحرق أحاديث الرسول التي سمعها من رسول الله بنفسه وكتبها بخط يده، وأن الخليفة الثاني ناشد الناس أن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم لأنه يريد أن يجمعها في كتاب واحد، كما ناشد الناس أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم لأنه يريد أن ينظر بها ويقومها، وصدقت الأكثرية الساحقة من المسلمين ذلك فلما أتاه الناس بسنة رسول الله المكتوبة عندهم، وبالكتب المحفوظة لديهم أمر بتحريقها وحرقت فعلا، ثم كتب إلي عماله في كل البلاد الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه، وقد وثقنا كل كلمة قلنا مرات متعددة في الفصول السابقة. واقتداء بالخلفاء وعملا بسنتهم اخترعت وسائل أخري للقضاء علي سنة الرسول وتدميرها. 1 - الدفن: قال إبراهيم بن هاشم: " دفنا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ما بين قمطر وقوصرة " [617] . وعلق ابن حنبل علي عملية الدفن بقوله: " لا أعلم لدفن الكتب من معني " [618] . [ صفحه 296] وقال ابن الجوزي: " دفن الكتب وإلقاؤها في الماء من تلبس إبليس " [619] . 2 - المحو: قال أبو نضرة قلنا لأبي سعيد: " اكتتبنا حديثا من حديث رسول الله فقال: امحه " [620] وهكذا فعل أبو موسي مع تابعه إذ محا كل ما كتب [621] . 3 - الغسل: قال عبد الرحمن بن أبي مسعود: " كنا نسمع الشئ فنكبته ففطن لنا عبد الله بن مسعود، فدعا أم ولده، ودعا بالكتاب وبإجانة من ماء فغسله " [622] . وقال أبو بردة بن أبي موسي: " كنت كتبت عن أبي كتابا فدعا بمركن ماء فغسله " [623] . وقال أبو بردة أيضا: " كان أبو موسي يحدثنا بأحاديث فنقوم أنا ومولي لي فنكتبها، فقال أتكتبان ما سمعتما مني؟ قالا: نعم، قال: فجيئاني به، فدعا بماء فغسله " [624] . وحتي يضفو علي هذه الأفعال الشنيعة طابع الشرعية كذبوا علي رسول الله، فادعوا بأنهم حرقوا سنته المكتوبة أمامه ولم يستنكر ذلك [625] . بل ادعوا ما هو أكبر من ذلك فزعموا أن الرسول قد قال: " لا تكتبوا عني من كتب عني غير القرآن فليمحه " [626] . [ صفحه 297] ثم توجوا هذه الاختلاقات بقولهم: " إن الإمام عليا خطب الناس فقال: اعزم علي كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما أهلك حيث يتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم " [627] . مثل هذه الأحاديث صحيحة من حيث الشكل، ولنفترض أن أبا هريرة هو الذي رواها كلها، فادعي بأنه قد سمعها من رسول الله بالفعل، شكلا الحديث مقبول ومعقول، لأن أبا هريرة قد عاصر الرسول وصحبه سنتين أو ثلاث، ولأن هذا الحديث يتفق مع سياسة الخلفاء وسنتهم القائمة علي طمس سنة الرسول فمن الطبيعي أن يتبناه الخلفاء، وأن تتبناه الدولة لأنه يتفق مع توجهاتها فإذا تبنته الدولة يصبح جزءا من وثائقها الرسمية، ولا يجوز الطعن بالوثائق الرسمية إلا عن طريق التزوير!! والدولة لا تكتفي بذلك، إنما تدخل مث هذا الحديث في مناهجها التعليقة، وتفرض علي الناس تصديقه!!! ولم يكن بإمكان أحد أن يطعن بصحة حديث تتبناه الدولة، فمثل هذه الأحاديث محصنة بقوة الدولة ونفوذها ضد الطعن، وعندما أباحت دولة الخلافة في ما بعد رواية وكتابة أحاديث الرسول وانطلق العلماء لجمعها وجدوا هذه الأحاديث التي تبنتها دولة الخلافة علي شكل وثائق رسمية فنقلوها كما هي دون أن يتأكدوا من صحة مضامينها، بعد سقوط دولة الخلافة بقيت هذه الأحاديث محصنة أيضا ضد الطعن، ولكن ليس بقوة دولة الخلافة إنما بقوة " نظرية عدالة كل الصحابة "!! فإذا صح أن أبا هريرة قد قال سمعت رسول الله، أو سمعت عليا يقول كذا وكذا فإن أبا هريرة صادق 100 / لأنه صحابي والصحابي " من العدول " أو معصوم ومن المستحيل أن يكذب!! وهكذا وجدت الأحاديث التي تخدم توجهات الدولة، أو تؤيد سنة الخلفاء حماية مطلقة، وإحصانا دائما ضد الطعن!! واختلفت الأحاديث الصحيحة مع الأحاديث المكذوبة علي رسول الله [ صفحه 298] واختلط الدفاع عن سنة الرسول بالدفاع عن سنة الخلفاء وتواجدت هذه المتناقضات معا، فنجمت علي الباحث وعلي المسلم أن يراعيها معا!!! صحيح أن المسلمين يعيشون زمانهم الراهن، ولكن بعقلية الماضي وتناقضاته، وأهل بيت النبوة ومن والاهم وأحسن الولاء لهم هم وحدهم الذين استطاعوا أن يشقوا طريقهم وسط هذه التناقضات، وأن يسلكوا سبيل الهدي. [ صفحه 299]

لقد أمر أبو بكر المسلمين " بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا " [628] وإفصاحا عن مراده قام بحرق الأحاديث التي سمعها بنفسه من رسول الله وكتبها بخط يده " [629] وأمر الخليفة رعاياه بأن يجعلوا القرآن هو المرجع الوحيد لهم فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه " [630] وهكذا أخرج الخليفة الأول سنة رسول الله رسميا من واقع الحياة!!! إذ لم تعد هنالك حاجة ولا أهمية لسنة الرسول بعد الذي فعله الخليفة الأول!!! وعندما آلت الخلافة إلي عمر بن الخطاب اعتقد أن ما فعله الخليفة الأول بسنة الرسول غير كاف ولا مجد لذلك فقد صمم علي أن يجتث سنة رسول الهل من الوجود، فأوهم المسلمين أنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وكدليل علي جديته استشار أصحاب رسول الله بذلك، فأشاروا عليه بأن [ صفحه 300] يجمعها، ثم ناشد الناس أن يأتوه بسنة رسول الله المكتوبة عندهم [631] حتي يستعين بها في مشروعه " جمع السنة " وناشد الناس أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتي ينظر فهيا ويقومها فأرسلت الأكثرية الساحقة من المسلمين سنة الرسول المكتوبة، والكتب المحفوظة عندهم، ولما وضعت بين يديه لم يقرأ صفحة واحدة منها، إنما أمر بحرقها وحرقت فعلا [632] وبعد ذلك عمم الخليفة الثاني علي كافة الأمصار الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ منها فليمحه [633] . وبعد أن تيقن الخليفة أنه قد أحرق سنة الرسول المكتوبة، وأن ولاة الأمصار محو ما هو مكتوب منها عندهم، ركز كافة جهوده علي منع الرواية عن رسول الله، فنهي علنا عن رواية أحاديث الرسول [634] وهدد من يروي عن رسول الله [635] ومن تاه وروي حديثا طالبه بالبينة وإلا ضربه [636] أو ضربه بالدرة أو حبسه [637] . وهكذا نجح الخليفة الثاني باستبعاد سنة الرسول استبعادا تاما، ونجح بفرض ذلك علي رعايا دولته، فصار إبعاد سنة الرسول من واقع الحياة العملية والاحتفاظ ب " القرآن " وحده هو الهدف المشترك للخليفة وولاته [ صفحه 301] وأوليائه، وتبعا لتوجه الخليفة وأوليائه وولاته، قل اهتمام الأكثرية الساحقة من المسلمين بسنة الرسول، وقللوا من قيمتها، وقل الاهتمام بها، وأخذوا في تناسيها إلا في الحدود التي يراها الخليفة وولاته!!! وصارت هذه السياسة الغاشمة إزاء سنة الرسول من المبادئ الكبري التي حرص عليها كل الخلفاء، والتزموا بها التزاما حرفيا. فسنة الرسول هي التي يعترف عمر بها، وما لا يعترف به عمر لا يعترف به الخلفاء، فما أجازه عمر فهو سنة الرسول، وما لم يجزه عمر فليس من سنة الرسول في شئ.

قال محمود بن لبيد سمعت عثمان علي المنبر يقول: " لا يحل لأحد يروي حديثا عن رسول الله لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر " [638] فما أجازه الخليفتان واعتبراه من سنة الرسول فهو منها بالفعل، وما لم يجيزاه فليس من سنة الرسول!!! وقد رأينا أن الخليفتين لم يجيزا من سنة الرسول إلا ما ندر!!

رأينا ما قاله عثمان علي المنبر، ولما آلت الخلافة إلي معاوية سلك طريق أصحابه الذين مهدوا له الدرب للوصول إلي الخلافة، فكان معاوية يقول علنا: " لا تحدثوا عن رسول الله " [639] قال ابن عدي: " إن معاوية نهي أن يحدث عن رسول الله بحديث إلا حديثا ذكر علي عهد عمر فأقره " [640] [ صفحه 302] وكان يقول علي منبر دمشق: " إياكم والحديث علي رسول الله إلا حديثا كان في عهد عمر... " [641] . وكتب يزيد بن معاوية إلي أبيه أن جبير بن نضير نشر في مصر حديثا!!! فقد تركوا القرآن!! فبعث معاوية إلي جبير فجاءه فقرأ عليه كتاب يزيد، فعرف بعضه وأنكر بعضه!! فقال معاوية: لأضربنك ضربا أدعك لمن بعدك نكالا " [642] .

التزم معاوية بالموقف الذي اتخذه الخلفاء الثلاثة من سنة الرسول، وأفصح ضمنا عن الغاية التي ابتغوها من وراء منع رواية وكتابة سنة رسول الله، والاعتماد علي القرآن والقرآن وحده، فقد أصدر معاوية مرسوما عممه علي كافة عماله علي كافة الأقاليم الخاضعة لحكمه هذا نصه: " أن برئت الذمة ممن روي شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته " [643] فهذه هي الحكمة التي ابتغاها الخلفاء من منعهم لرواية وكتابة سنة الرسول ومن إحراقهم للمكتوب منها!!! لأنهم إن فتحوا أبواب رواية السنة النبوية، وأعطوا المسلمين الحرية بروايتها فسيكتشف المسلمون بأن رسول الله قد عين الإمام عليا خليفة من بعده كما سمي أحد عشر خليفة يتعاقبون علي الخلافة من بعد علي كلهم من ذرية النبي ومن صلب علي كما وثقنا، وسيكتشف المسلمون بأن الخلفاء قد غصبوا ما ليس لهم، وحالوا بين أهل بيت النبوة وبين حقهم الشرعي برئاسة الأمة الإسلامية، وعندما يكتشف [ صفحه 303] المسلمون ذلك ففي وقت يطول أو يقصر سيعيدون الحق لأصحابه الشرعيين، وسيعاقبون الغاصبين!! هذا هو السر في منع كتابة ورواية سنة الرسول وإحراق المكتوب منها، وأما شعار حسبنا كتاب الله، أو بيننا وبينكم كتاب الله!! أو لا كتاب مع كتاب الله فليس إلا ستارا ومبررا فضفاضا ليس إلا!!! ومع أن معاوية سار علي منهج الخلفاء الثلاثة الذين وطدوا له إلا أنه قد ركز تركيزا خاصا علي " المفصل " أو السبب الرئيسي من المنع " وهو الحيلولة بين المسلمين وبين معرفة فضل أبي تراب وأهل بيت النبوة. ثم انتقل معاوية نقلة نوعية، واتبع أسلوبا جديدا لتدمير سنة الرسول وهو ما يمكن أن نطلق عليه " حرب الفضائل " فخلافا لسياسة دولة الخلافة القائمة علي منع كتابة ورواية الرسول فقد أمر برواية فضائل ومناقب عثمان، ولما غصت البلاد بفضائل عثمان أمر برواية فضائل الصحابة، والخلفاء الأولين، وجاء في مراسيمه ما يلي وبالحرف: " ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب وأهل بيته إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة!! " وهكذا لم يفتح معاوية باب الرواية عن رسول الله في مجالي الفضائل والمناقب فحسب، بل فتح باب الوضع والكذب علي رسول الله!! وخصص معاوية للرواة صلات وكساء وحباء وقطائع، فانبجست الأرض عن مئات الألوف من الرواة طمعا بما يعطيه معاوية، ووضعت الملايين من المناقب والفضائل التي لا وجود لها إلا في خيالات رواة معاوية، ثم أسندت كلها لرسول الله!!! ثم فرض معاوية علي الخاصة والعامة الاعتراف بهذه المرويات وحفظها وتدريسها، واعتبارها من وثائق الدولة الرسمية. قال ابن نفطويه: " إن أكثر هذه المرويات مفتعلة، ولا أصل لها، وكان القصد منها إرغام [ صفحه 304] أنوف بني هاشم " [644] !!! وعندما سمعوا في ما بعد برواية وكتابة سنة الرسول كانت تلك المرويات الكاذبة جزءا من وثائق الدولة ومشهودا بصحتها فأخذها الرواة الجدد دون مناقشة!! ولاح لمعاوية أن هذا الكم الهائل من المرويات المختلفة في فضائل الصحابة ومناقبهم سيمنع كافة النصوص الشرعية الواردة في فضل أبي تراب وأهل بيته أو أن فضائل الإمام وأهل بيت النبوة ستضيع في هذا المحيط المترامي من المرويات الكاذبة!! والخلاصة، أن قرار الخليفة الأول والثاني بمنع كتابة سنة الرسول ومنع روايتها بقي ساري المفعول حتي زمن عمر بن عبد العزيز الأموي المتوفي سنة 101 ه، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، رفع المنع عن كتابة ورواية سنة الرسول، وكتب إلي أهل المدينة: " أن انظروا حديث رسول الله فاكتبوا، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله " وكان ابن شهاب الزهري أول من دون الحديث علي رأس المائة هجرية بأمر من عمر بن عبد العزيز ثم كثر التدوين والتصنيف [645] . قال الشيخ محمد أبو زهرة: " كاد القرن الأول ينتهي ولم يصدر أحد من الخلفاء أمره إلي العلماء بجمع الحديث، بل تركوه موكولا إلي حفظهم، ومرور هذا الزمن الطويل كفيل بأن يهذب بكثير من حملة الأحاديث من الصحابة والتابعين [646] . [ صفحه 305]

صحيح أن أبا بكر قد أحرق الأحاديث التي سمعها بأذنيه من رسول الله وكتبها بخط يده، وصحيح أنه قد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الهل، وصحيح أيضا أن عمر بن الخطاب قد أوهم الناس بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول وناشدهم أن يأتوه بها لهذه الغاية، وصحيح أيضا بأنه قد ناشد الناس بأن يأتوه بالكتب الموجودة لديهم، فلما تجمعت بين يديه أمر بحرقها وحرقت فعلا، وصحيح أنه قد عمم علي كافة الأقاليم الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه، وصحيح أيضا أنه قد نهي عن كتابة سنة الرسول، ونهي عن روايتها وحبس بعض الرواة، وضرب بعضهم، وتوعد بعضهم كما فصلنا ذلك في الفصل السابق. ولكن المؤكد أن الخليفتين لم يقصدا المنع الشامل لكتابة ورواية سنة الرسول، إنما قصدا منع كتابة ورواية سنة الرسول المتعلقة بالرئاسة العامة من بعده، والمتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة، والمتعلقة بالمنافقين وبأعداء الله ورسوله السابقين، والمتعلقة بتحذيراته من مكر الذين سير تدون علي [ صفحه 306] أعقابهم،... الخ فلو فتحوا باب الرواية لاكتشف المسلمون سريعا بأن كل شئ ليس في محله الشرعي، ولوقع الخلاف وانهارت دولتهم، ولتهدم كل ما بنوه ولخسروا الدنيا والآخرة، لذلك أرعبتهم سنة الرسول، وخافوا منها، لذلك صمموا أن يحرقوا المكتوب منها، وأن يمنعوا المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله، حتي لا يحدثوا في الأمور التي يخشاها الخلفاء وأعوانهم. كان صعبا علي الخليفتين أن يقولا: لا تحدثوا عن سنة الرسول المتعلقة بالرئاسة وبأهل البيت وبالمنافقين، أو التي تحذر من أعداء الله السابقين أو من أولئك الذين سيرتدون علي أعقابهم أو... الخ لأن ذلك سيزيد طينتهم بلة وسيعمق جراحاتهم، ويعرض أمنهم للخاطر، لذلك عمدوا للتعميم والغموض ولكنهم وأولياؤهم يعرفون ما هو الخطر من سنة رسول الله المكتوبة وغير المكتوبة. وبالرغم من أن عمر بن الخطاب، قد شن حملة ضاربة علي سنة رسول الله المكتوبة، وغير المكتوبة إلا أنه قد أباح للمسلمين بأن يرووا عن رسول الله ما يعمل به [647] فليس لدي الخليفة عمر أو غيره ما يمنع من رواية سنة الرسول المتعلقة بالصلاة والصوم والحج وغيرها من العبادات، لأن رواية سنة الرسول المتعلقة بمثل هذه الأمور لا تؤثر علي حكمه ولا علي نظامه، ولا علي المنافقين وأعداء الله السابقين الذي استعان بهم!! قال الدارمي في شرح لنهي عمر للوفد الذي أرسله للكوفة بأن لا يحدثوا عن رسول الله حتي لا يصدوا الناس عن القرآن: " معناه عندي الحديث عن أيام الرسول وليس السنن والفرائض " [648] . [ صفحه 307] وقال ابن عبد البر: " إن عمر إنما نهي عن الحديث عما لا يفيد حكما ولا يكون سنة " [649] جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن " صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت " قال فاستأذنا علي عبد الله فدخلنا عليه قال فدفعنا إليه الصحية، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء، فقلنا يا أبا عبد الرحمن أنظر فيها، فإن فيها أحاديثا حسانا فجعل يميثها فيها ويقول: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القران) " القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها ما سواه " [650] . لقد كان معاوية واضحا في هذه الناحية كل الوضوح فقد حدد الغاية من منع كتابة ورواية الرسول وهي صد الناس عن الإمام علي وأهل بيت النبوة حتي لا يكتشف الناس بأن معاوية وطواقمه غاصبون ما ليس لهم، وقد عالجنا هذا الموضوع في الفصول السابقة. أحيانا تتفق بعض نصوص سنة الرسول مع ما تهوي أنفس الخلفاء، أو مع توجهاتهم فيمسكون بسنة الرسول، ويعضوا عليها بالنواجذ ويعتبرون الرسول معصوما، ولا ينطق عن الهوي!!! فحتي لو كان النص غير صحيح، أو غير ثابت، فإنهم يتركون القرآن ويتبعون سنة الرسول، عندما أرادوا أن يحرموا أهل بيت النبوة من تركة الرسول، روي راو واحد بأن رسول الله قد قال: " إن الأنبياء لا يورثون " [651] عندئذ تمسك الخليفة الأول بسنة الرسول، ومع أنه هو الذي أمر الناس بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا وأن يقول لمن يسأل عن شئ بيننا وبينكم كتاب الله، إلا أن الخليفة قد استمات بالدفاع عن سنة الرسول فقالت له الزهراء: (وورث سليمان داود)، وكلاهما نبي (يرثني ويرث من آل يعقوب) وهو نبي، وقالت: (وأولوا الأرحام. [ صفحه 308] بعضهم أولي ببعض) ومع هذا فقد أبي الخليفة أن يتزحزح عما توهم بأنه سنة الرسول!! لأن هذه السنة المزعومة تتفق مع توجهات الخليفة كذلك وعندما أراد الخليفة أن يحرم أهل بيت النبوة من حقهم في الخمس احتج بأنه قد سمع الرسول يقول: " سهم ذوي القربي للقربي حال حياتي وليس لهم بعد مماتي " [652] ومع أن هذا الحديث غير صحيح، وأصحاب الحقوق لا يعرفونه إلا أن الخليفة قد تمسك به وأصر عليه، وبموجبه حرم أهل بيت النبوة من حقهم الثابت في الخمس فالخليفة بهذين المثالين يترك القرآن نفسه ويتمسك بسنة الرسول لأنها تتفق مع ما يريد، ومع توجهاته!! قال عمر الذي أحرق سنة الرسول المكتوبة، ومنع الرواية عن رسول الله وحبس الرواية وتوعدهم وضربهم: " لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح بانيا استخلفته ووليته، فإذا قدمت علي ربي وسألني... قلت أي ربي سمعت عبدك ونبيك يقول لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة، ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته، فإذا سألني ربي... قلت سمعت عبدك ونبيك يقول: إن معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيامة!! ولو أدركت خالد بن الوليد لوليته فإذا قدمت علي ربي... قلت سمعت عبدك ونبيك يقول: خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله علي المشركين " [653] أنت تري أن الخليفة عمر يلتزم بالسنة بها، فخالد بن الوليد توجهه، ومع أن هذه السنة غير صحيحة لكنه يلتزم بها، فخالد بن الوليد أسلم بعد صلح الحديبية، وكان أحد أبرز قادة جبهة الشرك ولكن كان دوره بارزا في تثبيت الخلافة، وله ميزة أخري أنه كان من الحاقدين علي علي بن أبي طالب، وأهل بيت النبوة. ويجدر بالذكر أن خالدا قد قتل عامل رسول الله وصاحبه مالك بن [ صفحه 309] نويرة وتزويج امرأته يوم قتل زوجها دون عدة، ويجدر بالذكر أيضا أن عمر بن الخطاب كان قد اقترح علي أبي بكر أن يقيم الحد علي خالد بن الوليد بقوله: " إن خالد زني فارجمه " [654] إذا كانت سنة الرسول المزعومة تتفق مع توجهات الخلفاء وما تهوي أنفسهم، فهي وجبة التطبيق حتي ولو تعارضت مع القرآن الكريم أما إذا كانت سنة الرسول تتعارض مع توجهات الخلفاء وما تهوي أنفسهم، فسنة الرسول ممنوعة والقرآن وحده يكفي!!! والرسول هنا بشر يتكلم في الغضب والرضا، ولا ينبغي أن يحمل كلامه علي محمل الجد!! فعندما أمر رسول الله أسامة طعن عمر بهذا التأمير، ورأي أن تأمير الرسول لأسامة غير صحيح وغير مناسب، وأخذ يحرض الناس علي عدم الخروج، وحتي بعد موت الرسول طلب عمر من أبي بكر أن يعزل أسامة [655] وعندما أراد الرسول أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية، حال عمر وحزبه بين الرسول وبين كتابة ما أراد وقال أمامه وهو مريض: إن الرسول يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، كما وثقنا، وكم بين الرسول أمام عمر من أحكام بالإمام علي، لقد شهد عمر نفسه تنصيب الرسول للإمام علي خليفة من بعده، وبايعه عمر وهنأه بالخلافة، وبعد موت الرسول انقلب عليه، وتنكر لكل ما قاله الرسول في الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين وأهل بيت النبوة!!! لقد هم عمر بحرقهم وهم أحياء في اليوم الثاني لوفاة الرسول. وأهلية أبي عبيدة وخالد للخلافة لا تكمن في ما قاله الرسول عنهما بل تكمن بمشاركتهما لعمر بالشروع بحرق بيت فاطمة بنت الرسول في. [ صفحه 310] اليوم الثاني لوفاة أبيها رسول الله!!! كما وثقنا أكثر من مرة بالفصول السابقة، وبعدائهما التام لأهل بيت النبوة، وكراهيتهم بأن تؤول الرئاسة لأهل بيت النبوة!! كان هدفهم ينصب علي طمس معالم السنة، التي تكشف الحقائق الشرعية كشفا موضوعيا، ونسوق مثالا آخر علي موقفهم من سيرة الرسول، فلو أباحوا للمسلمين كتابة سيرة الرسول بموضوعية وصدق وحياد لاكتشف المسلمون أن الإمام عليا كان هو فارس الإسلام في كل المواقع، وحامل راية النبي، وأنه هو الذي فتك بأعداء الله، وأن آل محمد هو أول من قاتل، وهم الذين حملوا الرسول قبل الهجرة، فلولاهم لقتلت زعامة بطون قريش رسول الله، ولما قامت للإسلام قائمة، وسيكتشف المسلمون بأن الخلفاء لم يكن لهم أي دور مميز في أية معركة من المعارك التي جرت بين الكفر والإيمان، ومع أن التاريخ قد كتب تحت إشرافهم إلا أنه لم يرو راو قط أن أحدا من الخلفاء قد قتل أو جرح أو أسر مشركا!!! ولم يرو راو قط أن بني تيم أو بني عدي أو بني أمية هم الذين حموا رسول الله قبل الهجرة، أو هم الذين حاربوا معه بعد الهجرة، بل كل الرواة متفقون بأن هذه البطون وبقية قريش ال 23 هم الذين اتحدوا علي مقاومة النبي وهم الذين اشتركوا بمحاصرة ومقاطعة الهاشميين في شعب أبي طالب، وهم الذين تآمروا علي قتل النبي بل وشرعوا بقتله ليلة الهجرة، وهم الذين جيشوا الجيوش وحاربوا النبي بعد الهجرة، ولم يتوقفوا عن حربه إلا بعد أن هزمهم الرسول. لو عرف المسلمون ذلك، لما وجدوا مبررا واحدا لتقدم الخلفاء وتأخر أهل بيت النبوة، أو لإذلال الهاشميين، وخلع أثواب العز علي بقية بطون قريش ولما وجدوا مبررا لتقديم أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم علي الإمام علي!! إن سنة الرسول هي التي تكشف الأصيل من الزائف والحق من الباطل، وتحدد المواقع الشرعية للناس، هذا هو سر عدائهم لسنة الرسول، وخوفهم منها، وهذا هو الهدف من محاولتهم المستميتة لطمسها. [ صفحه 311] كان سليمان بن عبد الملك وليا للعهد الأموي، حج ذات سنة ومر بالمدينة، وركب إلي مشاهد رسول الله، فأمر إبان بن عثمان أن يكتب له سيرة الرسول، فقال إبان: هي عندي قد أخذتها مصححة، فأمر بنسخها، ولما اطلع سليمان عليها، ورأي ما فيها، أمر بذلك الكتاب فحرق، وعندما رجع إلي عاصمة ملكه ذكر ذلك لأبيه فقال عبد الملك: " وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فضل فيه، تعرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها فقال سليمان: لقد أمرت بتحريق الكتاب فصوبه عبد الملك " [656] . سليمان لا يدري أن رسول الله قد لعن جده مروان بن الحكم، ولعن أباه الحكم بن العاص ووسمهم بأنهم أعداء الله، وحذر منهم، ولا يدري بأن أجداده وأقاربه هم الذين قادوا جبهة الشرك، ولا أهل الشام، ولا حديثو العهد بالإسلام يدرون بذلك!! فما هي مصلحتهم وما هي مصلحة الخلفاء بإباحة سنة الرسول التي تكشف ذلك!! إن مصلحتهم ومصلحة ملكهم تقضي بطمس سنة الرسول، واعتبارها هي الخطر الداهم الذي يهدد ملكهم ومصالحهم!!! طلب خالد القسري أحد ولاة بني أمية من أحد العلماء أن يكتب له سيرة الرسول، فقال ذلك العالم: " فإنه يمر بي الشئ من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره؟ فقال خالد: لا، إلا أن تراه في قعر جهنم " [657] إذا تحدثوا عن سيرة الرسول أو سنة الرسول، فإنهم يريدونها سيرة مزورة تخدم ملكهم ومصالحهم، وتشهد لصالحهم زورا، فإذا لم يتمكنوا من إيجاد مثل هذه السيرة أو السنة، فلا داعي لسيرة ولا لسنة تشكل خطرا علي دولتهم ووجودهم، وتخدم أعداءهم الألداء آل محمد ومن والاهم!!! [ صفحه 312]

علي الرغم من أن الخلفاء قد أحرقوا سنة الرسول المكتوبة عند الناس، والكتب المحفوظة لديهم ومنعوا المسلمين من أن يحدثوا عن رسول الله شيئا، واستعانوا بسلطة الدولة ونفوذها لطمس سنة رسول الله، ومنع المسلمين من كتابة ورواية هذه السنة إلا أن أئمة أهل بيت النبوة، والقلة المؤمنة التي والتهم، قد تحدوا سياسة الدولة وقرارات منع كتابة ورواية السنة، فلم يستجيبوا للخليفة الثاني عندما ناشدهم بأن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم، بأن الخليفة يريد أن يحرق سنة الرسول المكتوبة، لأنهم يعلمون علم اليقين بأن الخليفة يريد أن يحرق سنة الرسول المكتوبة، وما قوله بأنه يريد أن يجمع السنة إلا وسيلة ليتمكن من حيازة السنة المكتوبة وحرقها. ففي الوقت الذي كان فيه الخلفاء يأمرون المسلمين بأن لا يكتبوا سنة الرسول، ولا يرووا منها شيئا، كان أهل بيت النبوة يحثون المسلمين علي التمسك بسنة نبيهم، وروايتها وحفظها وكتابتها، فكان الإمام علي يقول: " قيدوا العلم بالكتاب، قيدوا العلم بالكتاب " [658] وكان يقول: " من يشتري مني [ صفحه 313] علما بدرهم " [659] وكانوا يروون عن رسول الله قوله: " أكتبوا هذا العلم فإنكم ستنتفعون به إما في دنياكم وإما في آخرتكم وأن العلم لا يضيع صاحبه " [660] . وعندما آلت الخلافة إلي الإمام علي، كانت فرصة أمامه لإثبات فساد سياسة منع كتابة ورواية سنة الرسول، ولأن هذه السياسة قد تمكنت من نفوس العامة، واعتبروها جزءا من سنة الخلفاء، فقد تعددت أساليب الإمام بمقاومتها فكان يحث المسلمين علي الرواية والكتابة في كل شئ، وفي سنة الرسول خاصة، وأحيانا كان يلجأ إلي أسلوب المناشدة، كقوله سألت الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يقول في غدير خم: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " أن يقم فيقوم العشر والعشرون والقلة والكثرة، وبهذا الأسلوب تمكن الإمام من إعادة الاهتمام بسنة رسول الله ومن تقويض الأسس التي قامت عليها سياسة منع وكتابة ورواية سنة الرسول، كما فضح الغاية التي توخاها الخلفاء من سياسة منع كتابة ورواية سنة الرسول، وكان لخطبه ودروسه ومواعظه، أبلغ الأثر في نسف القناعات التي أوجدها الخلفاء، وإعادة الاعتبار للقناعات الشرعية التي وضعها رسول الله، وحاول الخلفاء طمسها، وكان الإمام يملي علي الراغبين بالكتابة الأصول الأساسية في مختلف العلوم الشرعية والإنسانية، علي سبيل المثال التعليقة النحوية التي ألقاها الإمام إلي أبي الأسود الدؤلي [661] ، ولعبت كتب الإمام وعهوده إلي ولاته، وتوجيهاته لهم دورا عظيما باستجلاء معالم الشرعية التي حاولوا طمسها منها علي سبيل المثال عهده للأشتر النخعي [662] . [ صفحه 314] وكان الإمام يتطرق حتي لأدق التفاصيل الفنية للكتابة، فيقول: " ألق دواتك، وأطل جلفة قلمك وفرج بين السطور... " [663] . وكتب إلي عماله قائلا: " أدقوا أقلامكم وقاربوا بين سطوركم... " [664] . وسار أئمة أهل بيت النبوة - كل في زمانه - علي خط الإمام الرامي إلي فك الحصار الذي فرضه الخلفاء علي كتابة ورواية سنة الرسول، فما من إمام من الأئمة إلا وكانت له كتبة، فكانوا يكتبون، ويملون علي شيعتهم، ويجيبون علي أسئلة السائلين، ويروون سنة الرسول عن آبائهم وأجدادهم، ويأمرون المسلمين بأن يكتبوا وينشروا سنة رسول الله. جمع الإمام الحسن ولده وولد أخيه فقال لهم: " يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبارا آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويه فليكتبه، وليضعه في بيته " [665] . قال الإمام الحسين في خطبة له بمني... " اسمعوا مقالي، واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلي أمصاركم وقبائلكم... فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر، ويذهب الحق " [666] . لقد كون الأئمة - كل في زمانه - وأتباعهم جبهة معارضة واقعية لسياسة دولة الخلاف وسنة الخلافة الرامية إلي طمس سنة رسول الله، وقد أثمرت معارضتهم لأن المؤمنين الصادقين قد التزموا بخط أهل بيت النبوة، ونفذوا توجيهات الأئمة الرامية إلي كتابة ونشر سنة الرسول، وفك الحصار المفروض عليها من الدولة وكان الإمام علي يقول: " تذاكروا هذا الحديث [ صفحه 315] وتزاوروا فإنكم إن لم تفعلوا يدرس " [667] وكان ابن عباس يقول: " تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم، فإنه ليس مثل القرآن محفوظ، فإنكم إن لم تذاكروا هذا الحديث ينفلت منكم، ولا يقولن أحدكم حدثت أمس فلا أحدث اليوم، بل حدثت أمس، ولتحدث اليوم ولتحدث غدا " [668] . واتخذت القلة المؤمنة موقفا مماثلا. قال الراوي: " أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطي، وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه ثم قال له: " ألم تنه عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي؟ لو وضعتم الصمامة علي هذه - وأشار إلي قفاه -، ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله قبل أن تجيزوه علي لأنفذتها " [669] . وكان علقمة بن قيس النخعي يقول: " أطيلوا كر الحديث لا يدرس " [670] . ولولا أهل بيت النبوة، والقلة المؤمنة، لتمكنت تلك السياسة الغاشمة تجاه سنة رسول الله من اجتثاث السنة من جذورها. [ صفحه 316]

قالوا: إن السبب الذي دفع عمر بن الخطاب ليحول بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية هو حب عمر بن الخطاب للقرآن، وثقته المطلقة بأن القرآن وحده يكفي!! من أجل ذلك كسر عمر وحزبه بخاطر الرسول وحالوا بينه وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية!! وقالوا: إن السبب الذي دفع عمر بن الخطاب ليجمع سنة الرسول المكتوبة عند المسلمين ويجمع الكتب المحفوظة لديهم ثم يأمر بحرقها ويحرقها بالفعل هو رغبة عمر الجامعة بأن لا يشغل المسلمين عن القرآن شاغل!!! لذلك أحرق سنة الرسول المكتوبة وأحرق الكتب حتي لا تشغل المسلمين عن القرآن. وقالوا أيضا: إن أبا بكر قد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا، وأحرق الأحاديث النبوية التي سمعها شخصيا من رسول الله وكتبها بخط يده لأن أبا بكر حريص علي القرآن. وقالوا: إن عمر بن الخطاب قد نهي الناس عن رواية سنة الرسول وتهدد [ صفحه 317] من يرويها وحبس الرواة حتي لا يصد المسلمين عن القرآن بالحديث!! وحتي لا يشغلهم عن القرآن بسنة الرسول!! [671] . ولكن القرآن نفسه قد طلب من الخلفاء ومن كافة المسلمين، بأن يأخذوا ما آتاهم الرسول وأن ينتهوا عما نهي. قال تعالي: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [672] فكيف يأخذون ما آتاهم الرسول، وكيف ينتهون عما نهاهم عنه، إذا حرقوا سنة رسول الله المكتوبة، ومنع رواية سنة الرسول!! ثم إن القرآن الكريم يطلب من الخلفاء ومن الناس قاطبة أن يتبعوا الرسول. قال تعالي مخاطبا نبيه: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) [673] فهل يتحقق اتباعهم للرسول بحرق سنة الرسول ومنع روايتها!!! ثم إن القرآن الكريم قد بين بأن مهمة الرسول أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم قال تعالي: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) [674] وقال أيضا: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ولا هدي ورحمة لقوم يؤمنون) [675] . فهل يدلنا الخلفاء وأولياءهم كيف يفهمون القرآن دون بيان النبي لهذا القرآن!!! إن القرآن قد أجمل أحكامه، وأوحي للنبي تفصيلات هذه الأحكام من صلاة وزكاة وحج نظام حكم وجهاد ومعاملات،... الخ فهل ذكر القرآن عدد ركعات كل صلاة مع أن الصلاة عماد الدين، فإذا أحرقوا [ صفحه 318] المكتوب من السنة وحرموا رواية السنة فكيف يفهمون بيان القرآن!! ثم إن القرآن الكريم قد أعلن بكل وضوح بأن الرسول لا ينطق عن الهوي، بل يتبع ما يوحي إليه من ربه في كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات، وتوثيقا من الله تعالي لسنة نبيه وتصديقا لها تولي الله تعالي بنفسه ومن خلال القرآن الذي يتذرعون به نشر هذا الإعلان النبوي بقوله تعالي: (قل إنما أتبع ما يوحي إلي من ربي) [676] وأعلن الله باسم رسوله قائلا: (إن أتبع إلا ما يوحي إلي وما أنا إلا نذير مبين) [677] .

واعتذروا عن إحراق الخلفاء للمكتوب من سنة الرسول، ومن منعهم للمسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله بأن الخلفاء كان هدفهم التثبت من سنة الرسول، والحقيقة أن هذا العذر قد اختلقه أولياء الخلفاء للاعتذار عنهم ولتبرير أفعالهم، مع أن الخلفاء أنفسهم لم يعتذروا بهذا العذر. إن نصوص المراسيم التي أصدرها الخلفاء تتعارض تماما مع هذا العذر فعندما يقول الخليفة بمرسومه: " فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا " فهذا القول من الوضوح بحيث أنه لا يحتمل أي تأويل آخر. لقد أوهم الخليفة عمر المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وناشد الناس أن يأتوه بما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول، كما ناشدهم بأن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم لينظر بها، فهل فتح الخليفة أي كتاب من هذه الكتب أو نظر بأي صحيفة من تلك الصحف، أو قرأ أي حرف من الحروف المكتوبة بها حتي يثبت، لم يرو راو قط أن الخليفة قد فعل ذلك إنما المشهور عند كافة المسلمين بأن الخليفة قد أمر بتحريفها وحرقها فعلا [ صفحه 319] دون أن ينظر إليها!! فهل هذا هو التثبت الذي تقصدونه!!!

عندما انهار عذرهم القائل بأن الخلفاء قد أحرقوا سنة الرسول المكتوبة ومنعوا رواية السنة حبا بالقرآن الكريم، وإيمانا منهم بأنه يكفي " حسبنا كتاب الله "!!! بحثوا عن عذر جديد فقالوا: إن الخلفاء قد أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة ومنعوا رواية السنة حبا بالتثبت!! ولكن مراسيم الخلفاء وأساليبهم كشفت زيف هذا الاعتذار. لذلك اخترعوا عذرا ثالثا جديدة مفاده أن الخلفاء قد أحرقوا المكتوب من سنة الرسول، ومنعوا الرواية لأن رسول الله هو الذي أمر بعدم تدوين وعدم رواية سنة المباركة!!! ودعما لهذا العذر وضعوا سلسلة من الأحاديث المكذوبة منها " لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه " [678] وأنهم استأذنوا النبي في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم [679] وأن الرسول قد نهي أن يكتب شيئا من حديثه [680] بل والأعظم من ذلك بأنهم قالوا: " إنهم قد حرقوا ما كتبوه من سنة الرسول أمامه " [681] . وبموجب هذه الأحاديث فإن الخلفاء عندما حرقوا سنة الرسول المكتوبة، ومنعوا الرواية عن رسول الله فقد كانوا ينفذون أمرا قد أصدره [ صفحه 320] الرسول!! وبتعبير أدق فإنهم كانوا يطبقون سنة الرسول!! ويبدو واضحا أن هذه الأحاديث قد وضعت بالتعاون مع السلطة لتبرير عمل الخلفاء، لأن الثابت بأن رسول الله قد أمر بتدوين سنته والمحافظة عليها، وأمر برواية سنة ونشرها فقال علي سبيل المثال " نضر الله عبدا سمع مقالتي هذه فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلي من هو أفقه منه " [682] وقال " ليبلغ الشاهد الغائب عسي أن يبلغ من هو أوعي منه " [683] ودعا رسول الله للذين يروون حديثه وسنته " [684] . وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وقد وثقاه أكثر من مرة وتحت عنوان " طائفة من الأخبار والروايات التي تثبت أن الرسول قد أمر بكتابه سنته " ذكرنا 19 رواية عن رسول الله ووثقناها فارجع إليها. في الباب الأول من هذا البحث، وكلها أحاديث صحيحة، تدعمها وقائع تاريخية، ومنسجمة مع القرآن الكريم، ومع منطق الأمور، وقد رواها علماء يحبون الخلفاء كما يحبون آباءهم وأبناءهم!!! ويضعونهم في مقام يسمو أحيانا علي مقام النبوة!! ومن المحال عقلا أن يرووا أحاديث تعارض توجهات الخلفاء، لو لم تكن هذه الأحاديث من القوة والوضوح بحيث لا يتجاهلها إلا أعمي العين والقلب، والأعظم من ذلك كله بأن أهل بيت النبوة هم أحد ثقلي الإسلام، قد أجمعوا علي أن رسول الله قد أمر المسلمين بكتابة سنته وأمرهم بنشر هذا السنة، كما أنه صلي الله عليه وآله وسلم قد أملي هذه السنة علي الإمام علي وكتبها الإمام علي بخط يده، والأئمة توارثوا هذه السنة المكتوبة كما يتوارث الناس ذهبهم وفضتهم " [685] . [ صفحه 321] ثم ما هي مصلحة الرسول، وما هي مصلحة الإسلام في أن يقوم الرسول بإحراق سنته كما زعموا " ولماذا يمنع الرسول كتابة وتدوين سنته الطاهرة وهي دين الإسلام العملي في الوقت الذي يبيح فيه تدوين كل شئ!!! فاليهود والنصاري كانوا من رعايا دولة الرسول، فهل منعهم الرسول من كتابة التوراة والإنجيل وأقوال أنبيائهم، أو تفسيراتهم لهذين الكتابين وهل منعهم من رواية ذلك أو من رواية أخبار الأمم السابقة!! وهل منعهم من رواية ما يعتقدون!! وهل منع الرسول رعايا دولته من أن يكتبوا الشعر أو القصص أو أخبار الأولين أو العلوم أو الآداب أو التاريخ!! لقد كانت الكتابة من الأمور المألوفة في كل مجتمع ومن أبرز المظاهر الحضارية التي تسالمت علي ضرورتها ومنفعتها كل المجتمعات البشرية فلا علم لي أن دولة من الدول أو زعيما من زعماء الجنس البشري عبر التاريخ قد حرم الكتابة أو نهي عنها أو اعتبرها جريمة من الجرائم!! فلماذا يختار الرسول سنته من دون معارف الأرض وعلومها فيحرم كتابتها وروايتها!! لقد تقولوا علي رسول الله بأكبر من ذلك، فادعوا بأن رسول الله لم يجمع القرآن، وأنه قد انتقل إلي جوار ربه والقرآن لم يجمع بعد! ولولا الخلفاء الثلاثة الذين شمروا عن سواعدهم فكتبوا القرآن وجمعوه لضاع القرآن!! فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يفترون!!. ثم إن القرآن الكريم والسنة المطهرة بفروعها الثلاثة هما المنظومة الحقوقية النافذة أو القانون الساري المفعول في المجتمع الإسلامي، فهل سمعتم برئيس دولة أباح للناس أن يكتبوا ويتداولوا نصف القانون النافذ، وحرم عليهم أن يكتبوا أو يتداولوا النصف الآخر!!! ثم إذا كان الرسول قد أمر خلفاءكم بأن لا يكتبوا سنة الرسول وأن يمنعوا روايتها، وأن عدم كتابة سنة الرسول وعدم روايتها طاعة لله ولرسوله، فلماذا خرجتم من طاعة الله ورسوله وقمتم بعد مائة عام بكتابة [ صفحه 322] ورواية سنة الرسول!!! كان ينبغي عليكم أن تلتزموا بسنة الخلفاء وأن تبقوا علي تحريمكم لكتابة ورواية سنة رسول الله!! فعودتكم لكتابة سنة الرسول وروايتها بعد مائة عام من تحريم الخلفاء لذلك دليل قاطع علي أنكم قد كذبتم علي رسول الله متعمدين لتبرروا أفعال الخلفاء، ودليل قاطع علي فساد عذركم الذي اعتذرتم به عن الخلفاء!!! أما بقية أعذاركم واعتذاراتكم عن أفعال الخلفاء بسنة رسول فإنها أقل من أن يرد عليها لأنها ساقطة بطبيعتها ولا تحتاج إلي إسقاط. [ صفحه 325]

نتيجة إحراق الخلفاء لسنة رسول الله المكتوبة عند الأكثرية من المسلمين، ولأن الخلفاء قد أمروا المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله، ولأن الخلفاء قد حرفوا أمور الدولة حسب آرائهم الخاصة، أو اجتهاداتهم الشخصية، نشأت مجموعة من الأحكام والقواعد والسوابق الدستورية والقانونية الناتجة من آراء الخلفاء واجتهاداتهم الشخصية التي لا علاقة لها لا بكتاب الله ولا بسنة رسوله وقد عرفت هذه القواعد " بسنة الخلفاء " وأحيانا يعبرون عنها بسيرة الشيخين " أبي بكر وعمر " وقد علت سنة الخلفاء حتي ارتقت رسميا إلي مستوي سنة الرسول، بل وقدمت عمليا علي سنة الرسول، لأن سنة الرسول كانت من الناحية العملية معطلة أو موقوفة النفاذ " فالمكتوب من سنة الرسول قد تم إحراقه، والخليفة الأول والثاني أمروا المسلمين بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا كما وثقنا!! فالقانون النافذ عمليا هو سنة الخلفاء، وذكر سنة الرسول مع سنة الخلفاء ليس إلا من قبيل التجميل أو الدعاية فقط!! ولم يكن هذا التحول المثير مخفيا، أو ما يخجل منه الخلفاء أو يستغربه الناس، إنما كان قناعة رسمية راسخة في أذهان المسلمين قال البلاذري، " فأحلف عبد الرحمن بن عوف عثمان وأخذ عليه العهود والمواثيق... علي أن يسير بسيرة الرسول وسيرة أبي بكر وعمر " وأقسم عثمان [ صفحه 326] قبل أن يتولي الخلافة بأن لا يخالف سيرة الرسول وأبي بكر وعمر ولا يقصر عنها فبايعه عبد الرحمن بن عوف " [686] وكان عبد الرحمن بن عوف قد عرض علي الإمام علي أن يبايعه بالخلافة إن أعطي العهود والمواثيق بأن يلتزم بسيرة الرسول وأبي بكر وعمر " [687] . قال اليعقوبي: " إن عبد الرحمن بن عوف قد خلا بعلي بن أبي طالب فقال: لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر " الخلافة " أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر!! فقال علي أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ثم خلا بعثمان فقال له: لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فقال عثمان: لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر... وأعاد القول علي الاثنين مرة ثانية فأجابا بمثل جوابهما أول مرة، فصفق عبد الرحمن علي يد عثمان كناية علي اختياره للخلافة لأن عثمان قد التزم بأن يعمل بكتاب الله وسنة رسول الله وسيرة أبي بكر وعمر، أما علي فقد التزم فقط بالعمل بكتاب الله وسنة رسول ولم يلتزم بالعمل بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر لذلك صرفت عنه الخلافة!! " [688] . وعلي ذلك أجمع من بحثوا هذه المسألة!! فالتزام الخليفة الجديد بكتاب الله وسنة رسوله غير كاف، ولا بد أن يلتزم بسيرة أو سنة أبي بكر وعمر!! فإن تعهد الخليفة بأن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله، ولم يتعهد بالعمل بسيرة أبي بكر وعمر وسنتهما فهو ليس مؤهلا لتولي منصب خلافة المسلمين!! إن هذا الوضع يشبه ما هو مطبق في أيامنا هذه، فالرئيس أو الملك الجديد يجب عليه قبل أن يتولي الرئاسة العاملة للمجتمع أن يقسم بأن [ صفحه 327] يطيع الدستور والقوانين والأنظمة السارية المفعول في المجتمع، وقبل أن يقسم علي ذلك فلن يتمكن رسميا من ممارسة مهام الرئاسة وصلاحياتها!!، فلو أقسم بأن يطيع الدستور فقط لما قبلوا منها، ولو أقسم أن يطيع القانون ورفض أن يقسم بأن يطيع الدستور لما قبل منه ذلك أيضا!! فسنة أبي بكر وعمر هما القانون، وكتاب الله وسنة رسوله هما الدستور، ومن لا يلتزم بتطبيق القرآن والسنة وسنة أبي بكر وعمر فهو غير أهل لتولي منصب الخلافة!! فسنة أبي بكر وعمر قانون نافذ تماما ككتاب الله!! فمن يترك سنة أبي بكر وعمر تماما كمن يترك القوانين والأنظمة السارية المفعول في المجتمع!!! وأنت تلاحظ أن سنة أبي بكر وعمر هما القانون النافذ الوحيد عمليا، أما القرآن والسنة فهما واجهتان تجميليتان!! فسنة الرسول المكتوبة قد أحرقت، ودولة الخلافة منعت المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله، فالسنة عمليا غير موجودة وغير مطبقة، والقرآن عمليا غير مطبق، فأي نص في القرآن يتعارض مع سنة أبي بكر وعمر لا يطبق!!! خذ علي سبيل المثال متعة النساء قال تعالي (فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة) [689] ومتعة الحج قال تعالي: (فمن تمتع بالعمرة إلي الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) [690] خطب عمر بن الخطاب الناس يوما فقال وهو علي منبر رسول الله ما يلي: " متعتان كانتا علي عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء " [691] ، فأي نص في القرآن يتعارض [ صفحه 328] مع سنة أبي بكر وعمر أو سيرتيهما يهمل، لأن سنة الخلفاء هي القانون الفعلي الأساسي النافذ في المجتمع، وما ذكر القرآن وسنة الرسول مع سيرة الخليفتين إلا من قبيل التجميل، وإضفاء الشرعية الشكلية علي سنة الخليفتين!! تلك هي الحقيقة المرة التي يجب علي المسلمين مواجهتها والاعتراف بوقوعها إن أرادوا الاستفادة من تجارب الماضي!! وتوظيف هذه الفائدة لصنع المستقبل!!

رأينا أنه علي من يتولي الخلافة أن يلتزم صرامة بالعمل بسنة أبي بكر وعمر، ومن لا يلتزم بذلك فليس له أن يتولي الخلافة!! ولم يكن لفكرة الالتزام بسنة أبي بكر وعمر أي سند أو تأصيل شرعي، فلم يرد لا بالقرآن ولا بالسنة بأن الالتزام بسنة أبي بكر وعمر من شروط تولي الخلافة!! فخلافة أبي بكر وعمر جاءت بعد كمال الدين وتمام النعمة، ولم تكن هنا لك ضرورة لتذكر سنة أبي بكر وعمر مع كتاب الله وسنة رسوله، لأن كتاب الله وسنة رسوله يغنيا عن ذكر سنة أبي بكر وعمر إلا إذا كانت سنة أبي بكر وعمر تتضمنان ما يختلف عن كتاب الله وسنة رسوله، أو في سنة الخليفتين قواعد ومبادئ وأصول ليست موجودة في كتاب الله أو سنة رسوله فبهذه الحالة يغدو ضروريا أن يلتزم الخليفة الجديد، بكتاب الله وسنة رسوله وسنة أو سيرة أبي بكر وعمر!!! ولكن علي أي أساس، وبأي سند صارت سيرة أو سنة أبي بكر وعمر تقرأ وتقرن وتنفذ علي حد سواء مع كتاب الله وسنة رسوله؟!! هل لذلك سند في القرآن الكريم أو السنة المطهرة!!! في الحقيقة أنه لم يكن هنا لك في الأصل أي سند أو أساس لهذا الربط لا في القرآن ولا في سنة الرسول [ صفحه 329] ولا في المنطق!!! والسند الوحيد لذلك كان هو التأييد الشعبي، فلقد نجح الخليفتان بتكوين جبهة عريضة حولهما تتكون من بطون قريش ومن والاها، وهم أعداء الله السابقين، ومن المنافقين، ومن المرتزقة من الأعراب ومن كل الطامعين بمطامع الدنيا المختلفة، فتولي المنافقون وأعداء الله السابقين كافة مناصب الدولة، واحتكروا كل نفوذها حتي صار الخليفة نفسه ليس أكثر من رمز لوحدة الأمة السياسية أما السلطات الفعلية فقد كانت بيد أعداء الله السابقين وبيد المنافقين وسندا لهذا الجبهة العريضة، فقد تمكن الخليفتان، من إذلال الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة ومن والاهم من القلة المؤمنة وعزلهم عزلا تاما عن بقية المسلمين وأغرت السلطة من بقي علي موالاته لأهل البيت، فمن يعلن تركه لولاية الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة كانت الدولة تفتح قلبها له، وتعطيه حتي ترضيه!! وبما أن الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة والقلة المؤمنة هم الذين نكلوا بأعداء الله السابقين وبما أن قادة الشرك وأعداء الله السابقين هم الذين تسلموا مقاليد الدولة في زمن الخليفتين، فقد شعروا أن الدولة قد صارت دولتهم، وأن أعداءهم السابقين قد أذلوا وعزلوا، وأن ذلك ما كان إلا بفضل ابني البطون البارين أبي بكر وعمر، لذلك أحبوا الخليفتين حبا يرقي إلي مستوي التقديس، لقد حقق الخليفتان لزعامة بطون قريش سلميا ما عجزت تلك الزعامة عن تحقيقه بمقاومة وحرب دامت 23 عاما، ثم إن المنافقين قد رقصوا طربا لأنهم قد اعتقدوا - خطأ أو صوابا - بأن الخليفتين قد فرغا الإسلام من مضامينه الحقيقية ولم يبقيا منه غير القشور، وأنهما قد أذلا الإمام عليا وأهل بيت النبوة ومن بقوا علي التزامهم بالولاء الحقيقي لله ولرسوله لذلك فاق التأييد والإسناد الشعبي للخليفتين كل حدود التصور والتصديق، وفي الوقت نفسه فإن الخليفتين قد حرصا علي أن يعللا كل قراراتهما تعليلا إسلاميا أو أن يغلفاها بغلاف إسلامي، لإيمانهما بأن الإسلام ضروري لتوسع الملك، وضروري للمحافظة علي الملك، وضروري لضبط الملك. فعندما صد [ صفحه 330] عمر رسول الله عن كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية برر فعله ذلك بالقول " حسبنا كتاب الله " وعندما أحرق الخليفة الأول سنة الرسول التي سمعها بأذنيه من الرسول وكتبها بيده وعندما أمر المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله برر ذلك بقوله " قولوا لمن يسأل عن شئ بيننا وبينكم كتاب الله " وعندما أحرق عمر سنة الرسول المكتوبة، ومنع الرواية عن رسول الله، برر ذلك، بأنه يكره أن يكون هنالك كتاب مع كتاب الله!! ثم إن الخليفتين قد أثبتا بأنهما رجلا دولة من الطراز الأول فقد كان لديهما التصميم الكامل علي سحق كل من يعترض طريقهما!! مهما كانت مكانته، فلم يترددا ولو للحظة واحدة بحرق بيت فاطمة بنت رسول الله علي من فيه في اليوم الثاني لوفاة أبيها رسول الله، وفيه الإمام علي، وابنا رسول الله الحسن والحسين وسادة بني هاشم، وكبار رجالات القلة المؤمنة الذين جاؤوا لتقديم العزاء ولو لم يخرجوا من البيت لتم حرقهم وهم أحياء!! هذا التعميم، قد أسر قلوب أعداء الله السابقين والمنافقين والمرتزقة من الأعراب والطامعين بمتع الدنيا، فأعطوا جميعا للخليفتين كل الحب والولاء، واخترعوا لهما من المناقب والفضائل ما لا علم للخليفتين به!! ولو بعثا حيين من جديد لما صدقا شيئا من تلك الاختراعات، والخلاصة أن السند والأساس الوحيد لقرن سنة أبي بكر وعمر مع كتاب الله وسنة رسوله، هو التأييد الشعبي الجارف للخليفتين. وإنصافا للخليفتين فإنهما لم يأمرا أتباعهما بأن يقرنوا سنتيهما مع كتاب الله وسنة رسوله، فهما أعقل من ذلك!! كان اهتمام الخليفتين منصبا علي أن يتولي الخلافة من بعدهما رجال يلتزمون بسياستهما المعارضة لرئاسة أهل بيت البنوة لحكمة آمن بها الخليفتان وهي " عدم تمكين آل محمد من أن يجمعوا مع النبوة الملك " بل يجب أن تكون النبوة لبني هاشم، والخلافة لبطون قريش تتداولها في ما بينها، وفي ما بعد لم ير الخلفاء بأسا لو خرجت الخلافة من قريش إلي الأنصار أو العرب أو [ صفحه 331] الموالي، ولكن لا ينبغي أن يتولاها رجل من بني هاشم، فأي شخص يلتزم بهذه السياسة مؤهل لتولي الخلافة ولا اعتراض للخليفتين عليه!! حقيقة أن هذه السياسة تمخضت عن مجموعة من القواعد والمبادئ التي استقرت وفرضت نفسها واقعيا بحكم التطبيق العملي لها. ولعل هذا ما عناه عمر بقوله " أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض، وتركتم علي الواضحة ليلها كنهارها وصفق إحدي يديه علي الأخري وقال لا تضلوا بالناس يمينا وشمالا... " [692] . فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن عمر قد قال هذا الكلام بعد أن كره الحياة، ورغب بالموت، لا يخالجنا أدني الشك بأنه يقصد بالسنن والفرائض تلك القواعد التي وضعها " انظر إلي قوله " سنت، وفرضت، وتركتم " فهو لم يبين من هو الذي سن السنن ولا من فرض الفرائض ولا من ترك علي الواضحة " إنما بنيت الأفعال للمجهول، فمن غير الوارد أن يقصد بالسنة سنة الرسول فموقفه منها معروف وهي مرفوعة عمليا من واقع الحياة، ولو قصد سنة الرسول لصرح بذلك، ولو قصد بالفرائض " التي فرضها الله ورسوله لصرح بذلك أيضا ولما بني الفعل علي المجهول، ولو قصد بأن الرسول قد ترك الناس كما قال علي الواضحة ليلها كنهارها لما بني للمجهول أيضا، ولما كان هنالك معني لقوله " إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا "، فالسنن والفرائض والواضحة هي سنن عمر وفرائضه وواضحته التي ترك الناس عليها، لأن عمر لم يلتزم بسنن وفرائض وواضحة الرسول، فلم يقبل ترتيبا ترك الرسول المتعلقة بمن يخلفه، ولا سمح للرسول بكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية وقد أحرق سنة الرسول المكتوبة ومنع وصاحبه المسلمين أن يحدثوا شيئا عن رسول الله، فمن غير الممكن أن [ صفحه 332] يقصد بالسنن والفرائض سنن الرسول وفرائضه، أو أن يقصد بالواضحة واضحة الرسول التي ترك الناس عليها، ولكنه من قبيل التواضع ومراعاة لمشاعر المسلمين بني الأفعال للمجهول، مع أنه يعني نفسه! يمكنه أن يقول علي منبر رسول الله: ثلاث كن علي عهد رسول الله وأنا أنهي عنهن وأعاقب عليهن... كما وثقنا، ولكنه لم يكن يسمي نهيه ومعاقبته سنة، ولا كان أبو بكر يفعل ذلك، كانا يضعان القواعد ويسميها الناس بالتسمية التي يريدون!!! والخلاصة أن أتباع الخليفتين وأولياءهما هم الذين قرنوا سيرة أبي بكر وعمر أو سنتهما بكتاب الله وسنة رسوله!! عمر بن الخطاب لم يكلف عبد الرحمن بن عوف بأن يأخذ ممن يرشحه للخلافة عهد الله بأن يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، لم يتحدث أي راو عن مثل هذا التكليف!! لقد كان الخليفة من بعد عمر معروفا للجميع بأنه عثمان حتي قبل أن يطعن عمر فقد كان يعرف بالرديف، وقد أسر عمر لسعيد بن العاص بأن الخليفة من بعده سيكون عثمان " [693] ولكن الشوري ديكور مثل قول عمر " حسبنا كتاب الله " والقصد الآخر هو تكثير الذين ينافسون عليا فيكون علي واحد من ستة، وقد يموت قبل أن يتولي الخلافة، وعلي المدي البعيد سيتنافس مع أولاد علي أولاد الخمسة وهكذا سيضمن عمر بأن أحدا من أهل بيت النبوة لن يترأس علي الأمة أبدا. وما يعنينا أن مسألة من يخلف عمر محسومة، فالعامة والخاصة يعرفون بأنه عثمان ولكن المطروح من يخلف عثمان!! أراد عبد الرحمن بن عوف أن يستغل موضوع الشوري لصالحه ولأنه يعلم أن [ صفحه 333] عثمان هو الخليفة، فقد أراد أن يكون هو الخليفة الرابع، لذلك اخترع فكرة أن يلتزم المرشح بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر، وهو يعرف أن عليا لن يلتزم بذلك لأن عليا يعتقد أن الالتزام بالقرآن وسنة الرسول يكفي، ولأن عليا مؤمن بأنه أولي بالخلافة من أبي بكر وعمر، وأنه أعلي منهما، وكان الواجب أن يتبعاه وليس العكس، وبالتالي فإن عليا لن يقبل هذا الشرط الذي اخترعه عبد الرحمن، وسيصب رفض علي في خانة عثمان وفي خانة تمثيلية الشوري فيرضي عثمان، ويرضي أولياء الخليفتين أنظر إلي قول الإمام علي لعبد الرحمن عندما بايع عبد الرحمن عثمان " حبوته حبو دهر ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم في شأن " [694] ثم إن عبد الرحمن بن عوف من المؤيدين البارزين لسياسة أبي بكر وعمر، ومن المعارضين الأشداء لأهل بيت النبوة عامة وللإمام علي خاصة ففي اليوم الثاني لوفاة رسول الله شرع مع عمر بحرق بيت فاطمة بنت رسول الله وكان له دور بارز في تثبيت خلافة أبي بكر وعمر!! فلو كان عثمان ميتا لوقع اختيار عمر وأبي بكر علي عبد الرحمن، لأنه من الملتزمين بالكامل بسياسة الخليفتين، ومن المؤيدين لها. وعبد الرحمن أراد أن يؤكد هذه الحقيقة، وأن يصطنع له يدا عندما أبرز ولأول مرة " سيرة أبي بكر وعمر " وقرنهما جنبا إلي جنب مع كتاب الله وسنة رسوله!! ومن ذلك التاريخ " تروضت " أسماع المسلمين علي سماع هذا المصطلح، ولم يروا غضاضة ولا جرحا إن أطلقوا علي سيرة الخليفتين مصطلح " سنة أبي بكر وعمر " ولم يروا ما يمنع من ربط سنة الخليفتين مع كتاب الله وسنة رسوله!! [ صفحه 334]

في الأساس لم يكن لمصطلح سيرة أبي بكر وعمر، أو سنتهما أساس ولا سند من الشرع أو من العقل، وسندهما الوحيد هو التأييد الشعبي الجارف للخليفتين، وعز علي أولياء الخليفتين ذلك فأرادوا لسنة الخليفتين سندا من القرآن أو من سنة الرسول ليضمنوا لسنة الخليفتين الدوام والاستمرار فيدوم العز لوليهما، ويدوم الذل لعدوهما!! وتلغي سنة الرسول المعارضة لسنتهما!!! وبعد جهد وضعوا النص التالي أو استخدموه لصالحهم أن رسول الله قد قال: "... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ... " [695] . وهذا يستدعي وجود خلفاء راشدين مهديين، فاعتبر أبا بكر أولهم، واعتبروا عمر ثانيهم، واعتبروا عثمان هو الثالث، وهكذا صاروا ثلاثة، أما علي فلم يكن معهم أصلا، بل ولم يتم الاعتراف بشرعية خلافته، وكانت الأكثرية الساحقة من المسلمين تلعنه بالعشي والأبكار، وتتقرب إلي الله بشتمه ولعنه وبغضه هو وأهل بيته وفي ما بعد " تلطف علماء دولة الخلافة فأدخلوه بقائمة " الخلفاء الراشدين المهديين!! فبموجب هذا الحديث فإن سنة رسول الله في أحسن الظروف ما هي إلا سنة من خمس سنن، فالقرآن وسنة الرسول وسنن الأربعة بالتتابع هي القانون النافذ في المجتمع وأي نص وارد في هذه السنن الخمسة فهو واجب التطبيق، فإذا أخذ بعين الاعتبار بأن سنة الرسول المكتوبة قد أحرقت بالفعل، ولم يبق منها إلا ما هو مخبأ عند أهل بيت النبوة، وأن الخلفاء قد أمروا المسلمين بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا أدركنا بأن السنن المطبقة فعليا في المجتمع هي سنن الخلفاء [ صفحه 335] الثلاثة، لأن الإمام عليا قد أدخل حديثا مع الخلفاء الراشدين المهديين، ثم إن سنته تتعارض بالكامل مع سنن الثلاثة الذين سبقوه!!! ومعني ذلك أن الرسول الأعظم ليس أكثر من واحد من أربعة مشرعين مهمتهم وضع القواعد الحقوقية الواجبة التطبيق في المجتمع!!! وبما أن سنة الرسول المكتوبة قد أحرقت ومنع الخلفاء الناس من أن يحدثوا عن رسول الله فمعني ذلك أن الخلفاء الثلاثة هم الذين شرعوا كافة القواعد المطبقة في المجتمع!!! وأن القواعد التي وضعها الثلاثة قد حلت عمليا محل سنة الرسول المستبعدة من المجتمع!! هذه التفصيلات تزعجهم لأن المهم عندهم هو الإطار العام أو الإجمال " فالمطلوب هو التمسك بسنة الرسول وسنة الخلفاء الراشدين من بعده!!! لقد أكد الرسول أنه قد بين القرآن كله، ولم يدع خيرا إلا ورغبهم فيه، ولا شرا إلا ونفرهم منه وأكد بأنه قد ترك الناس علي الواضحة أو المحجة البيضاء!! أفلا تغني سنة الرسول عن سنة الخلفاء!! وما هو الناقص في سنة الرسول حتي يكملوه من سنة الخلفاء!!! فإذا قولوا بأن سنة الرسول ناقصة وغير كافية فقد كفروا وإن اعترفوا بكمال الدين وتمام النعمة الإلهية، فقد أقروا علي أنفسهم بأن سنة الخلفاء غير لازمة ولا معني لوجودها!!! إلا إذا اعتقدوا أن في كتاب الله وسنة رسوله، أمورا غير مناسبة!! وقدروا أن سنة الخلفاء تتضمن حلولا أنسب!! وذلك هو الكفر بعينه!! وإصرارهم علي أن للخلفاء سنة بالرغم من وجود كتاب الله وسنة رسوله يؤكد تأكيدا قاطعا علي اشتمال سنة الخلفاء لأحكام ليست موجودة لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله، كما يؤكد علي أن سنة الخلفاء قد عمل فيها بأمور معينة، وأهملت الأحكام التي عالجت هذه الأمور والواردة في كتاب الله وسنة رسوله وعلي سبيل المثال. فإن الرسول كان يقسم المال بين الناس بالسوية، لا يفضل في ذلك مهاجريا علي أنصاري، ولا عربيا علي عجمي، ولا مولي علي صريح لأن [ صفحه 336] حاجات أبناء البشر متشابهة وتلك أمور تدرك بالعقل والفطرة، فجميع أبناء البشر يأكلون ويشربون ويتزاوجون، ثم إن الرسول لا ينطق عن الهوي بل يتبع ما يوحي إليه من ربه، فلا بد من أن يتلقي التوجيه الإلهي بأمر بهذه الخطورة، وطوال عهده الشريف كان يقسم بين الناس بالسوية حتي أصبح عمل الرسول وسنة فعلية وقولية معا!! لما استولوا علي منصب الخلافة التزم أبو بكر بسنة رسول الله، فقسم المال بين الناس بالسوية، ولما تولي عمر الخلافة رأي أن سنة الرسول التي تقسم بين الناس بالسوية ليست مناسبة، لذلك أوجد سنة بديلة مناقضة تماما لسنة الرسول وقائمة علي أساس التفاضل بين الناس فلا يعقل حسب سنة عمر أن يعطي المهاجر مثل الأنصاري، ولا العربي مثل العجمي ولا... الخ، لذلك اخترع للناس منازل من عنده، وفضل المهاجرين علي الأنصار، وقريشا علي العرب، والعرب علي العجم، وأعطي زوجات الرسول عطاء خاصا يفوق حد التصور والتصديق، وزائدا عن حاجة كل واحدة منهن!! بل إنه لم يساو في العطاء بين زوجات الرسول، فأعطي عائشة وحفصة أكثر من باقي أزواج الرسول " [696] وفرض هذه السنة علي الناس، بعد أن ألغي سنة الرسول. وهكذا وجد في المجتمع سنتان، سنة عمر المعمول بها والقائمة علي التمييز بين الناس في العطاء، وسنة الرسول التي أهملت والقائمة علي التسوية بالعطاء، فمن المحال عقلا تطبيق سنة الرسول وسنة عمر في المجتمع نفسه، وبالضرورة يجب أن تلغي إحداهما الأخري، فإما أن يعمل بسنة الرسول وتهمل سنة عمر، وإما أن يعمل بسنة عمر وتهمل سنة الرسول!!! لقد اختار عمر الحل الأخير فأهمل سنة رسول الله، وأعمل بسنته!! ونتيجة هذه السنة الجديدة أشعل عمر دون أن يدري نار الصراع بين ربيعة ومضر وبين الأوس والخزرج وبين العرب والعجم، وبين الصريح [ صفحه 337] والمولي، ووضع حجر الأساس للنظام الطبقي، فوجد في المجتمع من يملك الملايين، ووجد من يموت من الجوع لأنه لا يجد ثمن رغيف العيش وظلت النار التي أشعلها عمر تشتد وتكبر حتي التهمت المجتمع الإسلامي كله، وأفقدته صوابه، وعجلت بتآكله الداخلي ونهايته!!! وبعد تسع سنين من إهماله لسنة رسول الله وإعماله لسنته، وبعد أن شاهد بعض الآثار المدمرة لتطبيق سنته وإهمال سنة الرسول صرح عمر قائلا " إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس فلم أفضل أحمر علي أسود، ولا عربيا علي عجمي وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر " [697] !! وهذا يعني أن عمر عندما ألغي سنة الرسول القائمة علي التسوية بالعطاء كان يعلم علم اليقين بأنه يلغي سنة لرسول الله، وأن صاحبه أبا بكر قد اتبعها ومع هذا ألغاها مع سبق الإصرار، ووضع بدلا منها سنة جديدة مناقضة تماما لسنة الرسول، وبعد أن طبق عمر سنته الجديدة وأهمل سنة الرسول طوال تسع سنوات فكر بإعادة الأمور إلي سابق عهدها، قائلا: " إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس... وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر " [698] ومات عمر والناس علي سنته وبقيت سنة الله مهملة، وسنة عمر هي النافذة، وصار الخلفاء يتحكمون بالناس عن طريق التلاعب بتوزيع العطاء!! ونسوق مثلا آخر في المجال الاقتصادي وهو سهم ذوي القربي، فسنة الرسول قد استقرت طوال عهده المبارك بإعطاء خمس الخمس لذوي القربي وهم بنو هاشم الذكر منهم والأنثي وبنو المطلب [699] بالإضافة إلي يتيم [ صفحه 338] الهاشميين ومسكينهم وابن سبيلهم، والحكمة من هذا التشريع كانت إبراز التميز لذوي القربي وسد حاجاتهم لأن الصدقة محرمة عليهم [700] . عندما تولي أبو بكر الخلافة حرمهم من هذا السهم بحجة أن هذا السهم كان لهم حال حياة النبي فقط، وليس لهم بعد مماته [701] ، وعندما تولي عمر الخلافة، حرمهم من هذا السهم أيضا ولكن بحجة أن قريشا كلها قرابة " أو ذوي قربي [702] للنبي وفي ما بعد بررت هذه الأعمال بأنها اجتهاد [703] . أنت تلاحظ أن الخليفتين لم يعملا بسنة الرسول القائمة علي إعطاء 1 / 5 الخمس لذوي القربي، ووضعا سنة جديدة لها نتائج مختلفة عن نتائج سنة الرسول، وأن سنة الرسول المتعلقة بهذا الموضوع قد أهملت بينما أعملت سنة أبي بكر وعمر!!! وهذا معني إصرارهم علي ربط سنة أبي بكر وعمر مع كتاب الله وسنة رسوله، فكتاب الله وسنة رسوله لا يغنيان عن سنة أبي بكر وعمر، فلو فصلوا سنة أبي بكر وعمر واكتفوا بكتاب الله وسنة رسوله لوجب وزن أعمال الخليفتين بميزان القرآن والسنة، وليس من المستبعد إدانتها وفقا لهذا الميزان الشرعي، وإن أدينا فقد أدين من ساعدهما، وهكذا تقع الكارثة فلا ينبغي حسب قناعة أولياء الخلفاء أن يسأل الإنسان عن أي شئ، لأن كل شئ قد فعلوه لحكمة، فهما هاديان مهديان!! [ صفحه 339] والخلاصة أن حديث " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " حديث مختلق وغير صحيح، وموضوع لأن الخلفاء الراشدين أنفسهم لم يدعوا العصمة، ولم يدعوا بأن كل ما صدر منهم كله صحيح، بل اعترفوا بأن الكثير من أفعالهم وأقوالهم كانت خاطئة تماما وأظهروا الندم، ورجعوا عنها لأنهم اكتشفوا بأنها مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله، وقد سقنا في هذا الكتاب مئات الأمثلة علي ذلك!! ثم إنه لم يقل أي واحد من الخلفاء الثلاثة عن نفسه بأنه هادي ومهدي وراشد، ولا ادعي أي واحد منهم بأن الرسول قد قال له مثل هذا القول، وهذا تأكيد قاطع بأن أولياءهم هم الذين اخترعوا هذه الفضائل في ما بعد!! ثم إنه من المستحيل عقلا وشرعا أن يعطي الرسول لسنته وسنة الخلفاء القيمة نفسها، فالرسول مدعوم إليها بالوحي، ومعصوم عن الوقوع في الزلل، والخلفاء مجتمعون ومنفردون لم يدعوا بأنه كان يوحي إليهم، أو أنهم كانوا من المعصومين!! ثم إنه من المستحيل فنيا أن يكون في المجتمع الواحد أكثر من جهة تشريعية وإلا وقع التناقض في الأحكام التي تطرح للتطبيق!! ثم إن الرسول لم يحدد من هم الخلفاء الراشدون - تاريخيا -، وتعرضت قائمة الخلافة الراشدة للتبديل والتعديل، فكانوا في البداية اثنين هما أبو بكر وعمر ونتيجة حكم بني أمية وتأثيرهم أضيف لهما عثمان، وبعد التسوية، قام بعض علماء دولة الخلفاء بإدخال الإمام علي مع هذه القائمة، الإمام نفسه الذي كانوا " يلعنونه بالأمس " وأكبر الظن بأنهم قد أدخلوا الإمام بهذه القائمة لغايات تجميلها وإلباسها ثوب الشرعية، والحصول علي تأييد أهل بيت النبوة لهذه القائمة ويقينا بأن هذا الحديث مختلق، وقد وضعته الطواقم التي أنشأها معاوية بن أبي سفيان لافتعال الفضائل لا حبا بالخلفاء، ولكن طمعا بتمييع النصوص الشرعية الواردة في الإمام علي خاصة وأهل بيت النبوة عامة، [ صفحه 340] وتضييع هذه النصوص، وسط محيط الفضائل التي اختلقتها طواقمه " فلا تدعوا فضلا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب وأهل بيته إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة " [704] فكل الفضائل التي روتها طواقم معاوية مفتعلة كما يقول ابن نفطويه، والغاية منها إرغام أنوف أهل بيت النبوة وبني هاشم، ومع هذا فقد أمر معاوية رعيته بحفظ هذه المفتعلات، ولما أفرجوا عن منع كتابة ورواية أحاديث الرسول وجد علماء السنة هذه الروايات كوثائق من وثائق دولة الخلافة، فنقلوها كما هي. فالحديث واحد من تلك المرويات المفتعلة، وقد اتفق مع هوي أولياء دولة الخلافة، فطاروا به كل مطار. فيبقي السند الوحيد لسنة أبي بكر وعمر، أو سنة الخلفاء هو التأييد الشرعي الجارف لهما، ولا سند لهذه السنة لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ولا من العقل!!! لأن كتاب الله وسنة رسوله يغنيان عن سنة أبي بكر وعمر وسائر الخلفاء كما حللنا وأثبتنا ذلك. ويدعي البعض أن هنالك سندا شرعيا آخر لسنة أبي بكر وعمر أو سنة الخلفاء وهو الإجماع!!! بمعني أن الخلفاء سنوا سننهم علي مسمع ومرأي من الصحابة الكرام، فلو كانت سنن الخلفاء غير مناسبة لاعترض عنها الصحابة الكرام، فسكوت الصحابة عنها هو بمثابة إجماع علي شرعيتها!! ولكن هذا الكلام غير صحيح واقعيا وشرعيا، أما من الناحية الواقعية فقد كان القول الفصل للخليفة وعماله وأعوانه، فقد أشار الصحابة جميعا علي عمر بكتابة سنة الرسول وتدوينها، ولكن عمر ترك إجماع الصحابة وعمل برأيه الخاص!! فأحرق سنة الرسول المكتوبة والتي أشار عليه الصحابة جميعا بجمعها وتدوينها!! ثم إن الإجماع لم يتحقق ولو في يوم من الأيام، [ صفحه 341] فأهل بيت النبوة والقلة المؤمنة كانوا خارج هذه الإجماع، فاعترضوا علنا علي سنة الخلفاء، وطعنوا بشرعيتها، بل اعترضوا علي شرعية تنصيب الخلفاء، فقالوا إن الخلافة حق شرعي خالص لهم، وإن الخلفاء قد غصبوا هذا الحق من أهله! فما هو شرعية إجماع أهل بيت النبوة ليسوا فيه!!! ثم إن هنالك مناخا من الرعب والإرهاب لا مثيل له، فلا يستطيع أحد أن يعترض الخليفة أو أعوانه إلا في الحدود التي رسمها الخلفاء وأعوانهم، ولا يستطيع أحد أن يقول الحقيقة، لأن قول الحقيقة يعني الموت، أو مواجهة خاسرة مع دولة كبري، أو قطع العطاء، أو الحرمان من كافة الحقوق والعزل الاجتماعي وقد رأينا ما قاله حذيفة " لو كنت علي شاطئ نهر وقد مددت يدي لاغترف، فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلي فمي حتي أقتل " [705] وحذيفة من كبار الصحابة وليس رجلا عاديا، ومع هذا فإن الموت ينتظره إن كشف شيئا من الحقيقة!! فانظر إلي قول أبي هريرة " حفظت من رسول الله وعاءين أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم " [706] ثم انظر إلي قول آخر لأبي هريرة " إني لأحدث أحاديثا عن رسول الله تكلمت بها زمن عمر لشج رأسي " [707] ولا أحد يدري ما جري للصحابي الكبير أبي بن كعب، يوم حل الصمت فقال: " لأقولن قولا لا أبالي استحييتموني عليه أو قتلتموني " [708] وترقب الناس الموعد الذي حدده هذا الصحابي الكبير لكشف الحقائق، وفجأة بلغ الناس موته، فحمدوا الله أن سترهم! [709] أنت تلاحظ أن منية هذا الصحابي الجليل ما دنت إلا يوم هدد بكشف الحقائق، ولو لم يهدد لعاش طويلا!!! [ صفحه 342] هذا هو المناخ الواقعي الذي يدعون حدوث الإجماع فيه!!! أما من الناحية الشرعية فإن الإجماع، لا يضع حكما شرعيا، ولا يمكنه أن يعدل حكما شرعيا، يمكنه أن يؤكد أو يكشف عن حكم شرعي سابق ثم إن الإجماع بطريقة القوم ليس شرعيا ولا معقولا، فبعد فتح مكة ودخول العرب في دين الله أفواجا واستسلام أعداء الله السابقين، أصبح المؤمنون قلة وسط أكثرية حديثة العهد بالإسلام، فماذا يكون الموقف لو أن هذه الأكثرية الساحقة قد أجمعت علي الاعتراف بالنبوة، والالتزام بالإسلام، ولكنها رأت من المناسب أن تسند القيادة لأبي سفيان بدلا من الرسول، أو إباحة الخمر، أو اعتبار الطلاق طلقة واحدة بدلا من طلقتين، أو إباحة الزواج بخمس نساء بدلا من أربعة، فلو جري تصويت علي ذلك، لما قدمت القلة المؤمنة ولا أخرت ولكان الفوز الساحق من نصيب الأكثرية!! ولهزمت الأقلية المؤمنة هزيمة ساحقة بهذه الانتخابات، فالإجماع والكثرة والقلة لها موازين شرعية تحكمها ويجهلها القوم. والخلاصة أن دعوي الإجماع علي صحة سنة الخلفاء غير واردة وغير صحيحة، ولا تشكل سندا شرعيا لهذه السنة!!

بعد أن منعوا كتابة ورواية سنة الرسول، وأحلوا محلها سنة الخلفاء، صارت سنة الخلفاء عند أوليائهم أولي بالتطبيق من سنة الرسول، ولكن تحت جبة إسلامية، أو شعار إسلامي!! روي ابن جبير عن ابن عباس قال: تمتع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال عروة بن الزبير: نهي أبو بكر وعمر عن المتعة!!! فقال ابن عباس: ما يقول عرية؟ قال: يقول نهي أبو بكر وعمر عن المتعة "!! [ صفحه 343] فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون إني أحدثكم عن رسول الله ويقول: نهي أبو بكر وعمر " [710] . وفي حديث آخر قال ابن عباس: إني أحدثكم عن النبي وتجيئوني بأبي بكر وعمر. فقال عروة: هما والله كانا أعلم بسنة رسول الله وأشيع لها منك!! قال الخطيب البغدادي في جواب عروة قلت قد كان أبو بكر وعمر علي ما وصفهما عروة إلا أنه لا ينبغي أن يقلد أحد في ترك ما ثبتت به سنة الرسول [711] حتي عبد الله بن عمر بن الخطاب كان مندهشا من أولياء الخليفتين، فقد كان عبد الله يفتي بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع، وبما سن رسول الله فيه، فيقول بعض الناس لابن عمر: كيف تخالف أباك وقد نهي عن ذلك؟ فيقول لهم عبد الله: ويلكم ألا تتقون الله؟! إن كان عمر نهي عن ذلك فيبتغي فيه الخير؟! فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله، وعمل به رسول الله؟! أفرسول الله أحق أن تتبعوا سنته أم سنته عمر؟! [712] قال الشافعي: لقد ضل من ترك قول رسول الله لقول من بعده [713] . وقال ابن حزم: من جاءه خبر عن رسول الله يقر أنه صحيح، وأن الحجة تقوم بمثله أو قد صحح ذلك الخبر في مكان آخر، ثم ترك مثله في [ صفحه 344] هذا المكان لقياس أو لقول فلان وفلان... فقد خالف أمر الله وأمر رسوله واستحق الفتنة والعذاب الأليم [714] . [ صفحه 345]

في الفصول السابقة عالجنا بالتفصيل مصطلح سيرة الخليفتين أبي بكر وعمر، أو سنتيهما، التي عرفت في ما بعد بسنة الخلفاء الراشدين، وأثبتنا فساد إصرار القوم علي قرن سنة الخلفاء بكتاب الله وسنة رسوله، لأن كتاب الله وسنة رسوله غنيان عن سنة الخلفاء وكاملان بدون سنة الخلفاء، ومن غير الجائز ولا من اللائق أن تساق وأن تقرن سنة الخلفاء بكتاب الله وسنة رسوله، لأنه لا مجال للمقارنة أو المساواة بين كتاب الله وسنة رسوله وبين سنة الخلفاء، لأن الخلفاء وإن طاروا ليسوا أكثر من تابعين، وكتاب الله وسنة رسوله متبوعون، فأي منطق هذا الذي يساوي بين التابع والمتبوع ويضعهما في درجة واحدة!! لكن إصرار القوم علي قرن سنة الخلفاء بكتاب الله وسنة رسوله يؤكد تأكيدا قاطعا علي أن سنة الخلفاء تختلف عن كتاب الله وسنة رسوله، وتتضمن أحكاما ليست واردة لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله، ومع هذا يصر القوم علي اتباعها مع أنها معارضة لكتاب الله وسنة رسوله!! [ صفحه 346]

لقد بين الله في كتابه، والرسول في سنته كافة الأحكام المتعلقة بمن يخلف رسول الله بعد موته كما فعلنا ذلك سابقا، لقد اختار الله تعالي الإمام علي بن أبي طالب ليكون أولي من يخلف النبي بعد موته، وطوال عهد الرسالة الزاهر والرسول يؤكد هذا الاختيار بكل وسائل التأكيد ويبينه بكل طرق البيان، وعندما حج الرسول حجة الوداع، أوحي الله إليه أنه بعد عودته إلي المدينة سيمرض وسيموت في مرضه لذلك أمره الله تعالي بأن ينصب الإمام عليا رسميا خليفة من بعده، وأن يأخذ له البيعة من المسلمين حال حياته، فصدع الرسول بأمر ربه، وفي غدير خم نصب رسول الله الإمام عليا ليكون أول إمام بعده وفاة الرسول، ثم طلب من المسلمين أن يطيعوا ربهم ورسولهم فيبايعوا الإمام، واستجاب المسلمون لأمر الله ورسوله، فبايعوا الإمام عليا، وقدموا له التهاني، وكان علي رأس المبايعين والمهنئين الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان، بالإضافة إلي من سماهم عمر في ما بعد بأصحاب الشوري حيث بايعوه وقدموا له التهاني، ورضوا به وعرف المسلمون إمامهم بعد النبي كما وثقنا ذلك بالتفصيل، وكان الرسول الأعظم قد أعلن مرارا وتكرارا بأن الإمام عليا هو أول من يخلفه بعد موته، وبعد موت الإمام الحسين وهكذا تنتقل الخلافة إلي الإمام الحسن، وبعد موت الحسن تنتقل إلي الإمام الحسين وهكذا حتي يكتمل عددهم اثني عشر كلهم من ذرية النبي ومن صلب علي، يتولي كل واحد منهم الإمامة بعهد ممن سبقه، واعتبر المسلمون ذلك ترتيبا إلهيا يحقق مصلحة العباد، ويسند منصب الإمامة إلي الأعلم والأفضل والأقرب لله ولرسوله، ويقطع دابر التنافس علي الرئاسة العامة، ويحقق الاستقرار، وبعد أن تم تنصيب الإمام علي في غدير خم نزلت آية الإكمال (اليوم أكملت لكم دينكم...) وعاد الرسول ومن [ صفحه 347] معه إلي المدينة ثم مرض النبي كما أخبره ربه، وبدأ النبي بتوديع أصحابه والاستعداد للقاء ربه!! والناس علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كما قال الرسول، وقد وثقنا ذلك كله بالتفصيل. وظهر في ما بعد أن هذا الترتيب الإلهي الذي أعلنه رسول الله لم يرق لأبي بكر وعمر وعثمان ولا لطائفة من المهاجرين،...: 1 - لأنهم اعتقدوا أن الإمام عليا لا يصلح للخلافة لحداثة سنه والدماء التي عليه فهو ما زال فتي وليس من المناسب أن يتأمر علي شيوخ المهاجرين والأنصار، وخلال الحرب التي جرت بين الكفر والإيمان نكل الإمام علي ببطون قريش، وفجعها بأبنائها فليس من المناسب أن يتولي الإمامة من كانت هذه أفعاله، والأفضل أن يتولي الخلافة أحد المهاجرين الذين لم تتلوث أيديهم بقطرة دم واحدة من دماء الكافرين فمثلا أبو بكر وعمر وعثمان سجلهم نظيف فلم يفتلوا أو يجرحوا أو يأسروا أي مشرك قط ثم إنهم أصهار الرسول، وأصحابه ومن المهاجرين، فما الذي يمنع من أن يتولي الخلافة أحدهم، وما الذي يمنع من تعاقبهم علي الخلافة كل بعهد ممن سبقه!! 2 - وقد رأي الثلاثة ومن معهم من المهاجرين أنه ليس من المناسب أن يكون النبي من بني هاشم، وأن يكون الخلفاء من بني هاشم أيضا. 3 - إن الخلفاء الثلاثة يريدون مصلحة الأمة والإسلام، والترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول لا تخدم لا مصلحة الأمة ولا مصلحة الإسلام، وهي ترتيبات غير مناسبة وغير صحيحة، لذلك قدروا أن من واجبهم الديني أن يضعوا ترتيبات أخري مناسبة وصحيحة تخدم الأمة وتخدم الإسلام!!!! 4 - لذلك صمموا أن يغتنموا فرصة مرض النبي، وأن يثيروا المسلمين ضد الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول أو ضد سنة الرسول التي أعلنت هذا الترتيب الإلهي المتعلق بمن يخلف النبي بعد موته، وأن يشجعوا المسلمين علي وضع سنة جديدة للخلافة تختلف تماما عن سنة [ صفحه 348] رسول الله لتنظم خلافة النبي بصورة دائمة، وقد عرفت هذه السنة الجديدة بسيرة أبي بكر وعمر أو سنتيهما لأنهما هما مهندسا هذه السنة، وفي ما بعد عرفت هذه السنة بسنة الخلفاء الراشدين!!!

سن الخلفاء مبادئ سياسية استهدفت تحقيق أهداف سياسية أيضا. 1 - لا يجوز أن يجمع الهاشميون النبوة والخلافة معا، هذا مبدأ بل يجب أن تكون النبوة للهاشميين، وأن تكون الخلافة لبطون قريش تتداولها في ما بينها وهذا هو الهدف من المبدأ الأول، وليجعل الخلفاء للناس مصلحة، وطمعا بتأييد الناس، وعزل الهاشميين، أجاز الخلفاء نظريا في ما بعد أن يتولي الأنصار الخلافة، كما أجازوا أن يتولاها العرب، كما أجازوا أن يتولاها الموالي، وهكذا فتحوا شهية الجميع علي منصب الخلافة [715] . 2 - تكوين جبهة شعبية عريضة تتكون من بطون قريش وممن والاها وهم أعداء الرسول السابقين، ومن المنافقين، ومن المرتزقة من الأعراب، ومن طلاب الدنيا، وعزل الإمام علي وأهل بيت النبوة والقلة المؤمنة التي تواليهم عزلا تاما بحيث لا يبقي لهم ناصر ولا معين في الدنيا!! وتخويف الجميع منهم وتحريض الجميع عليهم!! وهكذا تفرض الأكثرية إرادتها علي الأقلية المؤمنة!! 3 - تنصيب خليفة في غياب الإمام علي وأهل بيت النبوة والقلة المؤمنة، ثم مواجهتهم بأمر واقع لا طاقة لهم برفعه، واستغلال منصب الخلافة ونفوذها ومواردها وطاقاتها لقمع المعارضين، والبطش بهم وبدون رحمة، وحرقهم وهم أحياء إن اقتضي الأمر، وقد نفذوا هذا المبدأ [ صفحه 349] بحذافيره، فهددوا بقتل سعد بن عبادة، ثم قتلوه، وهددوا بقتل الإمام علي، ثم نجاه الله بأعجوبة ثم قتلوه، فعبد الرحمن بن ملجم من أولياء عمر المقربين [716] وهموا بل وشرعوا بحرق بيت فاطمة بنت رسول الله علي من فيه وفيه الإمام علي وفاطمة بنت الرسول والحسن والحسين ابنا رسول الله، وسادات بني هاشم وأركان القلة المؤمنة، ولو لم يخرجوا من البيت لتم حرقهم وهم أحياء، دون أن يرمش للخلفاء جفن!! وفي الوقت نفسه الذي يصبون فيه جام غضبهم وسخطهم علي أهل بيت النبوة ومن والاهم وعلي كل معارض لهم، يفتح الخلفاء قلوبهم لأعداء الله السابقين الحاقدين علي آل محمد فيسندون لهم الولايات والأعمال والقيادات، ليكونوا سدا منيعا بين آل محمد وبين الاتصال بالناس، وسدا منيعا بين المسلمين وبين معرفة الحقيقية الشرعية. 4 - حرمان أهل بيت النبوة من تركة النبي الطائلة، بدعوي أن الأنبياء لا يورثون، وحرمانهم من حقهم بالخمس الوارد بآية محكمة بحجة أن الخمس لهم حال حياة النبي ولا حق لهم به بعد مماته، ومصادرة المنح التي أعطاها لهم رسول الله حال حياته، وتجريدهم من ممتلكاتهم، وجعلهم عالة علي الخليفة يقدم لهم المأكل والمشرب فقط، والقصد من هذه الإجراءات الغاشمة أن لا يبقي عند أهل بيت النبوة أية أموال حتي لا يألفوا بها قلوب الناس من حولهم. 5 - حرمان أهل بيت النبوة ومن والاهم من تولي الإمارات والأعمال والوظائف العامة حتي لا يستغلوها بالاتصال مع الناس، وتعريف الناس بعدالة قضيتهم، وبحجم الظلم الذي لحق بهم. 6 - منع كتابة ورواية أحاديث الرسول المتعلقة بنظام الحكم أو بمن [ صفحه 350] يخلف النبي وإحراق المكتوب منها، حتي لا يتعرف المسلمون علي الأحكام الشرعية المتعلقة بنظام الحكم أو بمن يخلف النبي، وحتي لا تكتشف الأجيال اللاحقة عملية غصب الخلافة، وحتي تطمس بالكامل كافة الأدلة الشرعية التي تشير إلي ذلك " [717] . 7 - وضع سنة جديدة تختلف عن سنة الرسول لمعالجة نظام الحكم أو من سيخلف النبي، وقد وضعت هذه السنة ونفذت فعلا كما سنري في الفقرة اللاحقة.

إن تتبعت تاريخ دولة الخلافة، ودرسته دراسة موضوعية ودقيقة ستكتشف أن كافة الأحكام والقواعد التي نظمت دولة الخلاف في كل مراحلها نابعة ومستقاة من سنة الخلفاء ومن مبادئهم التي أجملناها في الفقرة السابقة وفصلناها في البحوث المتقدمة وآية ذلك. قال " الماوردي " [718] و " أبو يعلي " [719] وهما من ألمع العلماء وأقضي القضاة في كتابيهما " الأحكام السلطانية " ما يلي:

1 - أحدهما باختيار أهل الحل والعقد. [ صفحه 351] 2 - أو بعهد الإمام من قبل. 1 - فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة فقالت طائفة: أ - لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد في كل بلد ليكون الرضا به عاما والتسليم لإمامته إجماعا وهذا مدفوع ببيعة أبي بكر (رض) علي الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائبها عنها! ب - وقالت طائفة أخري: أقل ما تنعقد به الإمامة خمسة يجتمعون علي عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالا بأمرين: 1 - أحدهما بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها وهم عمر بن الخطاب، وأبو عبيد بن الجراح، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسالم مولي أبي حذيفة. 2 - أن عمر (رض) جعل الشوري في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة. 3 - قال آخرون تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضي الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين. 4 - وقالت طائفة أخري تنعقد بواحد، لأن العباس قال لعلي رضوان الله عليهما امدد يدك أبايعك فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان ولأنه حكم وحكم واحد نافذ ". 2 - وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله، فهو مما انعقد الإجماع علي جوازه، ووقع الاتفاق علي صحته، لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما. أحدهما: أن أبا بكر عهد بها إلي عمر فأثبت المسلمون إمامته بعهده. [ صفحه 352] ثانيهما: أن عمر قد عهد بها إلي أهل الشوري. 3 - وأضاف أبو يعلي إن الخلافة تثبت بالقهر والغلبة ولا تفتقر إلي العقد، وقال في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم، " تكون الجمعة مع من غلب " والدليل الشرعي علي صحة ذلك هو أن ابن عمر صلي بأهل المدينة زمن الحرة وقال: " نحن مع من غلب " [720] .

قال: اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأمة علي عقدها والدليل إمامة أبي بكر... " [721] .

قال: " لا يلزم في عقد البيعة للإمام أن تكون من جميع الأنام بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد " [722] .

قال القرطبي: " فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلك ثابت، ويلزم الغير... ودليلنا أن عمر (رض) عقد البيعة لأبي بكر فلم ينكر أحد من الصحابة ذلك " [723] .

" إنها تثبت بالنص من الرسول!! ومن الإمام السابق، وبيعة أهل الحل والعقد... ودليلنا إمامة أبي بكر... بل الواحد والاثنان من أهل [ صفحه 353] الحل والعقد كان لعلمنا... أن الصحابة اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان " [724] .

فأنت تلاحظ أنهم جميعا قد استندوا في الصحة إلي فعل أبي بكر وعمر، أو إلي سنتيهما، ولم يتطرق أي واحد ولو بكلمة واحدة إلي سنة رسول الله، ولم يذكر أي واحد منهم أي حكم من الأحكام المتعلقة بالخلافة والتي أعلنها رسول الله!! فسنة أبي بكر وعمر هي وحدها القانون النافذ في كل ما يتعلق بالخلافة، وكلهم مجمعون علي أن رسول الله قد ترك أمته ولا راعي لها وأنه لم يعهد بالخلافة لأحد من بعده، وكلهم مجمعون بأنه ما من خليفة إلا وعهد بالخلافة لمن بعده، وعللوا ذلك بحرص الخلفاء علي وحدة الأمة وتجنيبها الفتنة، وحتي لا تبقي أمة محمد هملا ولا راعي لها!! مما يعني أن رسول الله هو الحاكم الوحيد الذي لم يحرص علي وحدة الأمة، وعلي تجنيبها الفتن، وعلي تركها هملا ولا راعي لها!!! ولذلك لم يعهد لأحد من بعده!!! والمثير حقا أن كل خليفة قد رتب معالم العصر الذي يأتي بعده ليطمئن علي أوضاع الأمة!! ولكنهم لم يذكروا بأن الرسول قد تطرق بكلمة واحدة لنظام الحكم من بعده!! حتي أنهم لم يذكروا بأن دين الإسلام قد وضع ولو قاعدة واحدة من قواعد الحكم، غير تلك القواعد التي وضعها الخلفاء!!. والخلاصة أن سنة الخلفاء هي القانون الوحيد النافذ في كل ما يتعلق بالرئاسة العامة، من حيث التولي، والانتقال، والممارسة، ومن حيث دور الأمة، أما سنة الرسول، فقد أهملت، أو عطلت أحكامها، عمليا، ولم يشركوها [ صفحه 354] إلا بعملية التجميل، والتثبيت، ولم يأخذوا منها غير الصلاحيات التامة المخصصة لنبي أو ولي معصوم، فكان كل واحد من الخلفاء يتمتع بكامل صلاحيات النبي ويمارس كل سلطاته بدعوي أنه خليفة النبي!!.

لم يكتف الخلفاء بوضع سنة لنظام الحكم، بل قدروا أن المناسب إجراء تعديلات علي بعض الأحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة بحيث تبدو بصورة أصح وأفضل، وحتي يطول بنا البحث فإننا سنسوق أمثلة علي بعض المجالات التي تدخلت فيها سنة الخلفاء تبديلا أو تعديلا، وقد فعلنا هذه الأمور في البحوث السابقة لذلك سنكتفي بذكرها مجمله لاستكمال الصورة الفنية للبحث. 1 - في المجال المالي: كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية، ولما تولي عمر الخلافة رأي أنه من الأنسب تقسيم المال بين الناس حسب مراتبهم، وبعد تسع سنوات قال أنه إن عاش السنة فسيعود لسنة الرسول ويقسم بين الناس بالسوية، وقد وثقنا ذلك. 2 - في المجال الاجتماعي: متعة النساء مكرسة بآية محكمة وبسنة الرسول وجد الخليفة عمر بأنها غير مناسبة، لذلك حرمها وتوعد من يفعلها بالعقوبة. 3 - متعة الحج: واردة في القرآن الكريم بآية محكمة أيضا، ومكرسة بسنة الرسول ثم اكتشف الخليفة أنها غير مناسبة، لذلك حرمها وتوعد بالعقوبة كل من يفعلها، وقد وثقنا ذلك. 4 - صلاة التراويح: لم تكن علي عهد الرسول، ولا عهد أبي بكر، ولم يشرع الله تعالي الاجتماع لأداء أية نافلة من السنن غير صلاة الاستسقاء، وكان [ صفحه 355] الاستسقاء، وكان الرسول يقيم ليالي رمضان بأداء سنتها في غير جماعة، بعد سنة من تولي عمر بن الخطاب للخلافة رأي أن من الأنسب أن يجمع الناس صلاة التراويح، فأصدر قراره بذلك وعمم علي كافة البلاد الخاضعة لحكمه، وبقي أمره نافذا حتي اليوم [725] . 5 - تأخير مقام إبراهيم عن موضعه: مقام إبراهيم هو الحجر الذي يصلي الحاج عنده بعد الطواف (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي) وكان إبراهيم وإسماعيل لما بنيا البيت وارتفع بناؤه، يقفان عليه لمناولة الحجر والطين، وكان ملصقا بالكعبة لكن العرب بعد إسماعيل أخرجوه إلي مكانه اليوم، ولما فتح رسول الله مكة ألصقه بالبيت كما كان علي عهد أبويه إبراهيم وإسماعيل، فلما ولي عمر الخلافة أعاده إلي موضعه السابق، وكان علي عهد النبي وعهد أبي بكر ملصقا بالبيت " [726] . 6 - أباح الرسول الأعظم البكاء علي الميت ولا خلاف بين مسلمين عاقلين علي ذلك، والرسول نفسه بكي في مقامات متعددة، وأقر غيره علي البكاء أحيانا واستحسنه أحيانا أخري، لأن حزن الإنسان عند موت أحبته وبكاءه عليهم من لوازم العاطفة البشرية، وهما من مقتضيات الرحمة، لما تولي عمر الخلافة، رأي أن البكاء علي الميت ليس مناسبا، لذلك كان ينهي عنه، وكان يضرب من يبكي علي ميت [727] !!! ولك أن تتصور فظاعة هذا الأمر لو رأيت والدا يبكي علي ابنه ساعة دفنه فيراه الخليفة أو أحد رجاله فينهال عليه بالضرب، بجرم أنه يبكي علي ابنه!!! هذه طائفة من سنن [ صفحه 356] الخلفاء قد فصلناها في البحوث السابقة، وأوردناها مجملة لربط الموضوع واستكمال الصورة الفنية للبحث!!!

رأينا أن سنة الرسول قد استبعدت تماما من كافة الأمور المتعلقة بمنصب الخلافة، أو بمن يخلف النبي، ولم يطبق منها نص واحد، ورأينا أن سنة الرسول المكتوبة والتي تمكن الخلفاء منها قد أحرقت، وأن الخلفاء قد عمموا علي كافة البلاد الخاضعة لحكمهم لمحو سنة الرسول، ورأينا أن الخلفاء قد منعوا المسلمين من رواية أي شئ عن رسول الله، وعاقبوا الرواة الذين لا يتقيدون بأوامرهم ولما استقرت سنة الخلفاء، صار المتداول من سنة الرسول كالمتداول من سنة الخلفاء، والمسلمون أحرار باتباع سنة الرسول أو سنة الخلفاء، لأن السنتين بدرجة واحدة " اتبعوا سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي "، فسنة الخليفة الراشد كسنة الرسول واجبة الاتباع، أما سنة الرسول غير المتداولة أو بتعبير أدق الممنوعة، فمن غير الجائز العمل بها، فلو أن أحدا من المسلمين قال للإمام علي، أنت وليي يا أبا الحسن لأني سمعت رسول الله يقول: " من كنت وليه فهذا علي وليه " فإن سمعه الخليفة يذكر هذا الحديث النبوي، فمن الجائز أن يتعرض هذا المسلم إلي الموت بسبب روايته لهذا النص من السنة النبوية المعارض لسنة الخلفاء!!! ولكن لو قال أحد من المسلمين: إني سمعت رسول الله يقول " صلاة الصبح ركعتان " وسمعه الخليفة فلن يسأله!!!. ولكن لو أن أحد المسلمين قد قال بأن رسول الله قد صلي التراويح في غير جماعة ومات وهو علي ذلك، وسمعه الخليفة، فقد يواجه هذا المسلم عقوبة الموت، لأنه يتجه اتجاها معاكسا لسنة الخلفاء. ومع هذا فقد كان الخلفاء وعمالهم يؤكدون وبكل وسائل التأكيد بأنهم ملتزمون بكتاب الله وسنة رسوله، ويعلنون ذلك وبكل وسائل الإعلان [ صفحه 357] المعروفة، لأن شعار الالتزام بالكتاب والسنة من ضرورات المحافظة علي الملك ومن ضرورات توسعه، وعندما كان بعض قواعد سنة الخلفاء تتعارض مع القواعد المعروفة لسنة الرسول، كان أولياء الخلفاء يختلقون أحاديث علي رسول الله تثبت أن سنة الخلفاء المتعارضة مع سنة الرسول ما هي في الحق والحقيقة إلا تطبيق لأمر رسول الله بدليل تلك الأحاديث المختلقة، وهكذا تمثل الأحاديث الصحيحة حكم رسول الله، وتمثل الأحاديث المختلقة حكم الخلفاء، ولأن الدولة تملك وسائل التنفيذ والقسر فقد كانت ترجح الأحاديث التي كانت تخدم توجهاتها حتي وإن كانت مختلقة، لقد كانت سنة الرسول من الناحية العملية واجهة تجميلية. وأحيانا كانت سنة الرسول تستعمل كأداة تثبيتية لسلطة الخلفاء وأداة تشجيعية علي الانقياد الأعمي والطاعة العمياء للخلفاء، فكان أولياء الخلفاء يضعون أو يختلقون الأحاديث التي تحت المسلمين علي طاعة الخلفاء مهما فعلوا، وعلي الانقياد لهم وعدم معصيتهم مهما عملوا، وتصور الطاعة العمياء والانقياد الأبله للخلفاء بصورة العبادات التي تقرب المطيع والمنقاد للخلفاء إلي الله زلفي، وأثمرت هذه المختلقات والموضوعات ثقافة عامة أدت إلي قناعة عامة بوجوب طاعة الخلفاء. قال النووي في شرحه بباب لزوم طاعة الأمراء في غير معصية!! " وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل الإمام بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة بذلك، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظافرت الأحاديث بمعني ما ذكرته، وأجمع الله السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق " [728] . [ صفحه 358] وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني: قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال، وضرب الابشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شئ مما يدعو إليه من معاصي الله، واستدلوا علي ذلك بأخبار كثيرة متظافرة عن النبي وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة، وإن جاروا واستأثروا بالأموال وأنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: " اسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع، ولو لعبد حبشي وصلوا وراء كل بر وفاجر، ورووا أيضا أنه قال " أطعهم وإن أكلوا مالك وخربوا ظهرك " [729] . والأعظم من ذلك أن أولياء الخلفاء اعتبروا ارتكاب بعض الخلفاء وأوليائهم للجرائم الخطيرة، والخروج الفاضح علي كتاب الله وسنة رسوله من قبيل الاجتهاد، وأن الخلفاء وعمالهم مأجورون أجرا واحدا علي جرائمهم وخروجهم علي كتاب الله وسنة رسوله، لأنهم مجتهدون، ووضعوا أحاديث علي رسول الله تثبت هذه المزاعم الكاذبة!! قال أبو الخير الشافعي في حق يزيد بن معاوية الذي قتل الإمام الحسين، وأباد أهل بيت النبوة في كربلاء، واستباح مدينة الرسول، وختم أعناق الصحابة وهدم الكعبة " ذلك إمام مجتهد " [730] ونقل ابن حجر في الصواعق المحرقة عن الغزالي والمتولي القول بأنه " لا يجوز لعن يزيد وتكفيره لأنه من جماعة المؤمنين " [731] وقال ابن حزم " إن معاوية ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجرا واحدا " [732] . [ صفحه 359] ومن المثير حقا أن الذين أطاعوا الخلفاء، والتزموا بسنتهم سموا بأهل السنة، وأن الذين أخذوا علي الخلفاء خروجهم علي كتاب الله وسنة رسوله، سموا شواذا ومبتدعة علي حد تعبير ابن خلدون في مقدمته. [ صفحه 363]

من الحقائق الثابتة التي لا ينكرها عاقل، أن الخلفاء قد أحرقوا سنة الرسول [733] . وعمموا علي كافة الأمصار الخاضعة لحكمهم بأن يمحوا ما هو مكتوب من سنة الرسول [734] ثم حرموا علي المسلمين أن يرووا شيئا من سنة رسول الله [735] . تلك حقائق بغض النظر عن سوء النية، أو عن حسنها!! وبغض النظر عن الغاية التي ابتغوها من ذلك، أو عن التبريرات التي قدموها في ما بعد.

بعد مضي مائة عام علي منع الخلفاء لكتابة ورواية سنة الرسول، لاح لهم أنها قد انقرضت أو أنها في طريقها إلي الانقراض، وأن تأثيرها في المجتمع الإسلامي قد انعدم أو كاد وبعد أن انحصر دورها في [ صفحه 364] العبادات، أو تجميل الواقع المر، أو تثبيت سلطة الخلفاء، أو تبرير سنتهم أدرك أفضل خلفاء بني أمية، خطورة نسيان سنة الرسول، وحجم الدمار الذي لحق بها نتيجة سنة الخلفاء المستقرة علي منع كتابة ورواية سنة الرسول، وقد عبر الخليفة الأموي عن هذه المخاوف بأمره الذي وجهه إلي واليه علي المدينة أبو بكر الحزمي بقوله " أن انظر ما كان من أحاديث رسول الله أو سنته فاكتبه لي فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء " [736] قال أبو ريا " ويبدو أنه لما عاجلت المنية عمر بن العزيز، توقف ابن حزم عن كتابة سنة الرسول خاصة بعد أن عزله يزيد بن عبد الملك سنة 101 ه، وتوقف الذين ساعدوا أبا بكر بن حزم أيضا وفترت حركة التدوين، وعندما تولي هشام بن عبد الملك جد في هذا الأمر ابن شهاب الزهري، ثم شاع التدوين في الطبقة الأولي التي تلت طبقة الزهري وكان ذلك بتشجيع العباسيين [737] . ويمكنك القول: إن تدوين سنة الرسول وروايتها قد بدأ عام 113 ه، أي أن منع الخلفاء لكتابة ورواية سنة الرسول قد استمر قرابة مائة عام وبعد أن أباح عمر بن عبد العزيز كتابة ورواية سنة الرسول بدأ عهد جديد وهو عهد إباحة كتابة ورواية سنة الرسول، وما زالت الإباحة سارية حتي يومنا هذا ولولا عمر بن عبد العزيز لكان من الممكن أن تبقي سنة الخلفاء المتعلقة بمنع كتابة ورواية سنة الرسول حتي يومنا هذا!!! قال الشيخ مصطفي عبد الرزاق " أما أول تدوين لسنة الرسول بالمعني الحقيقي فيقع ما بين سنة 120 ه وسنة 150 ه " [738] . [ صفحه 365]

يبدو أن قرار الخليفة عمر بن عبد العزيز بإباحة كتابة وتدوين سنة الرسول، لم يشق طريقه إلي أسماع المسلمين فجأة، وإلا لأحدث هزة هائلة في المجتمع الإسلامي لقد بدأ القرار بأمر موجه من خليفة إلي والي إحدي أقاليمه، فشق القرار طريقه إلي أسماع المسلمين بالتراضي، وعلي فترت، وهذا ما سهل عليهم ابتلاع " الصدمة " الناتجة عن هذا القرار، فضلا عن ذلك فإن عمر بن عبد العزيز كان من أنبل وأشرف خلفاء بني أمية، لذلك وجد طريقه إلي قلوب الناس، وهنالك قول لا أدري إن كان شائعة أم حقيقة مفاده أن بين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز قرابة رحم!!! هذه الحقيقة أو الشائعة رفعت أسهم عمر بن عبد العزيز إلي السماء!! وتصورت الجموع التي أضناها هوي الخليفة أن هذه القرابة هي سر عظمة عمر بن عبد العزيز!!! هي أسباب حالت بين المسلمين وبين الثورة علي عمر بن عبد العزيز لأنه قد تجرأ وانتهك سنة من سنن الخلفاء الراشدين المتمثلة " بمنع كتابة ورواية سنة الرسول " لقد تساءل المسلمون بالفعل كيف يأمر عمر بن عبد العزيز بشئ نهي عنه أبو بكر وعمر وعثمان!!! ولولا الأسباب التي ذكرناها آنفا لكان للمسلمين مع عمر بن عبد العزيز شأن آخر!! ولولا الخوف من بطش الدولة وسطوتها لما انصاع المسلمون لقرار عمر بن عبد العزيز المخالف لسنة الخلفاء الراشدين!! لقد استجابوا للأمر الجديد، مكرهين كارهين!!! لأن قلوبهم قد أشربت بسنة الخلفاء الراشدين!!!. فقد حدث معمر بن الزهري أنه قال " كنا نكره كتابة العلم، حتي أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء " [739] قال أبو المليح: كان هشام بن عبد الملك [ صفحه 366] هو الذي أكره الزهري علي كتابة الأحاديث، فكان الناس يكتبون بعد ذلك، قال الزهري: " استكتبني الملوك فاكتبتهم، فاستحيت الله إذ كتبتها للملوك ألا أكتبها لغيرهم " [740] . ويبدو أن بعض خلفاء بني أمية وأعوانهم قد مهدوا بغير قصد الطريق لقرار عمر بن عبد العزيز، وأنهم قد استحسنوا فكرة الكتابة، في كتب، ويروي أن معاوية قد استقدم عبيد بن سارية من صنعاء فكتب له كتاب " الملوك والأخبار الماضية " وأن وهب بن منبه، والزهري، وموسي بن عتبة قد كتبوا في ذلك أيضا فصارت الرغبة بكتابة بعض الكتب تقليعة من تقليعات البلاط الأموي، ولكن هذه التقليعة كانت تمارس وسط قصور الخلفاء أو داخل أسوارها، ولم تكن علنية!! وهذا يعني أن القرار الذي أصدره عمر بن عبد العزيز لم يبح رسميا كتابة ورواية سنة الرسول فحسب، بل أباح كتابة ورواية العلوم كلها!!!.

لقد نقل قرار الخليفة عمر بن عبد العزيز الغالبية العظمي من المسلمين من حالة إلي حالة أخري مناقضة لها تماما، ومن نمط تفكير إلي نمط تفكير آخر، ففي وقت من الأوقات كانت الأغلبية الساحقة جدا من الأمة تتقرب إلي الله ورسوله، بحرق ومحو وغسل سنة الرسول المكتوبة، والامتناع عن رواية أي شئ عن رسول الله والنفور من الكتب والتأليف اقتداء بسنة أبي بكر وعمر. صحيح أن الإمام عليا والقلة المؤمنة قد قاوموا ذلك، وحكموا بعدم [ صفحه 367] شرعيته، وقاموا بجهد معاكس لسنة الخليفتين، فحثوا المسلمين علي كتابة ورواية سنة الرسول، وعلي تدوين كل أقسام العلوم، وأنهم قد احتفظوا بكتبهم، ولم يسلموا الخلفاء سنة الرسول المكتوبة عندهم، لكنها كانت مجهودات محدودة الأثر أمام طاقات دولة الخلافة وإمكانياتها، ونفوذها، لقد طغي جهد الدولة علي جهد الإمام علي والفئة القليلة المزمنة، لأن الناس مع من غلب حسب سنة الخلفاء، وعندما آلت الخلافة إلي الإمام علي، وجه جهده وعنايته نحو نشر سنة رسول الله، لكن من الناحية الواقعية لم يكن مع الإمام علي إلا القلة المؤمنة، أما الأكثرية الساحقة فقد كانت تتدين لسنة الخلفاء، وبالتالي لم تصغ للإمام علي، لأن الإمام عليا كان منذ اليوم الذي توفي فيه رسول الله وحتي اليوم الذي تولي فيه الخلافة كان من الناحية العملية قيد الإقامة الجبرية، ومعزولا عن المسلمين هو وأهل بيته، وكذلك القلة المؤمنة، فضلا عن ذلك فإن كل الولاة والعمال والأمراء وموظفي دولة الخلافة كانوا من الكارهين للإمام علي بن أبي طالب ولأهل بيت النبوة ومن والاهم، كان الإمام مدركا عندما تولي الخلافة أن الأغلبية الساحقة من الأمة معبأة من قديم ضده، وأن كلمته غير مسموعة عندهم، ولو كانت هذه المعوقات قد اعترضت غير الإمام علي لما استطاع أن يصمد في منصب الخلافة لأكثر من ساعة واحدة، لكن الإمام عليا طراز خاص من البشر، والقلة المؤمنة التي التفت حوله، وصدقته الولاء كانت من أنبل بني البشر!! كان الإمام عليا يعلم بأن صوته في هذه الظروف غير مسموع عند الأغلبية الساحقة من الأمة التي كانت تتعبد بسنة الخلفاء، فضلا عن تلك الحرب القذرة التي شنها علي الإمام علي أعداء الله السابقون بقيادة معاوية، لقد استهلكت هذه الحرب الجزء الأعظم من اهتمام الإمام ولأن الإمام عليا كان يعلم طبيعة دين الأكثرية فقد لجأ لأسلوب المناشدة كما فعلنا سابقا حيث يسأل المتواجدين معه بالله أن من سمع رسول الله يقول كذا، أو كذا فليقف كانت أخبار هذه المناشدات. تنتشر لدي الأكثرية لكن [ صفحه 368] أسماعها وقلوبها كانت مغلقة دون الإمام، وبعد عشرات السنين صار الناس يتذاكرون بمثل هذه المناشدات صحيح أن فترة حكم الإمام كانت مشعلا مضيئا وسط ليل بهيم في هذه الناحية، وصحيح أيضا أن الإمام الحسن، والإمام الحسين، والإمام علي بن الحسين، والإمام محمد بن علي، ومن وإلي أهل بيت النبوة قد ساروا علي نهج الإمام علي الهادف لتدوين سنة الرسول ونشرها، وتدوين العلوم قاطبة، وصحيح أيضا أنه كان هذا الجهد الدؤوب المتواصل آثاره، ولكن هذه الآثار كانت مقتصرة علي الخواص أما العوام وهم الأكثرية الساحقة من الأمة، فلم يكن لهذا الجهد الدؤوب المخلص أثر يذكر عليهم!!! لقد وضع عمر بن عبد العزيز حجر أساس التأثير علي الأكثرية الساحقة من الأمة، واجتاز حاجز الخوف، وتبني وبكل رجولة قرارا حكوميا مخالفا بالكامل ومناقضا لسنة الخلفاء الراشدين!! ولم يتكتم علي هذا القرار بل أعلنه، ودافع عنه، فظهر بصورة القرار المنطقي الصادر عن الدولة لغايات التنفيذ فاختلط الدفاع عن القرار بالدفاع عن هيبة الدولة، وهذا ما سهل علي الخلفاء اللاحقين مهمة إكراه الأغلبية علي قبوله بسطوة الدولة وقوتها ونفوذها لأن الأغلبية لا تفهم غير لغة الإكراه والتغلب، صحيح أن الأكثرية قد احتاجت لمدة ثلاثين سنة حتي تستوعب القرار، لكن آلية الدولة أكرهتها علي الدخول من هذا الباب الذي فتحه عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فلولاه لبقي هذا الباب مغلقا مئات السنين، وربما إلي يومنا هذا، لأن سنة الخلفاء المتعلقة بهذا الأمر قد اختلطت بالدين والتاريخ والممارسة العملية، وتحولت إلي عادة استقرت في النفوس ولكنها ليست كأية عادة!! لقد صارت عبادة بالفعل. صحيح أن قرار منع كتابة ورواية سنة الرسول، ومنع كتابة العلوم وتدوينها وكراهية الكتب، قرار ليس له سند حقيقي من العقل أو الشرع أو [ صفحه 369] تاريخ بني البشر ومن المفترض أن يحمل هذا القرار بذور زواله السريع، ولكن كم من قرارات خاطئة شذت عن هذه القاعدة، وحكمت المجتمعات البشرية مئات بل آلاف السنين فظلت أعناقهم خاضعة لمثل هذه القرارات الخاطئة في ظلال تبريرات مختلفة، وقد عبر القرآن الكريم عن مثل هذه العقلية، بقوله (إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون). لقد كان قرار عمر بن عبد العزيز بالسماح بتدوين وكتابة سنة الرسول، وكتابة العلم قرارا تاريخيا من كل الوجوه، وقد سمح له وضعه وظروفه وسلطان سنة الخلفاء المستحكم في النفوس من تحقيق ذلك الأمر، وبالتالي كان من المستحيل علي غيره أن هكذا قرار!.

لقد فتح عمر بن عبد العزيز رسميا باب الكتابة والتدوين والرواية وتأليف الكتب، بعد أن بقي هذا الباب مغلقا إغلاقا تاما طوال مائة عام ونيف إعمالا لسنة الخلفاء القائمة في جانب منها علي كراهية الكتابة والتدوين والرواية لسنة رسول الله خاصة وبقية العلوم عامة، واحتاجت الأكثرية الساحقة من المسلمين إلي فترة زمنية تراوحت بين العشرين والثلاثين سنة حتي تستوعب هذا القرار المناقض تماما لسنة الخلفاء، ولكن الخلفاء الأمويين المتأخرين قد أصروا علي تنفيذه، وأكرهوا الناس علي قبوله، وبعد تردد قبلته الأكثرية وهي كارهة له، ومع الأيام رضيت به، واكتشفت حسناته وبركاته فأقبلت عليه في أواخر عهد بني أمية وبدأ القادرون علي الكتابة بكتابة صحف متفرقة، يدونون فيها ما يروق لهم مما يسمعونه في مجالسهم، من حديث وتفسير ولغة وشعر، وحلال وحرام دون أن يستهجن عملهم مستهجن، أو يؤاخذهم علي ما يكتبون مؤاخذ لأن كتابة كل شئ صارت أمرا مباحا ومشروعا، كانت هذه حالة الكتابة والتدوين في أواخر العهد الأموي. [ صفحه 370] بعد سقوط الدولة الأموية، قامت علي أنقاضها الدولة العباسية التي وجدت الباب مفتوحا للكتابة والرواية والتدوين والتأليف ووجدت القبول العام بذلك كله، وكان علي رأس الدولة العباسية أبو جعفر المنصور، وهو عالم فذ وفق موازين عصره، فاستنهض علماء زمانه، فدونوا المحفوظ بالصدور، ورتبوا ما وصل إليهم من الصحف، وجمعوا الحديث والفقه، وأمدهم بما يحتاجونه، ولم يكتف بذلك بل كلف العلماء والمترجمين بأن ينقلوا له علوم الأمم الأخري ويترجمونها من اليونانية والسريانية والفارسية إلي اللغة العربية، فانتشرت سريعا كتب الحديث والتفسير والفقه والسياسة والحكمة والطب والفلك والتنجيم والفلسفة والمنطق والتاريخ والأيام وغيرها، واستقرت مهنة الكتابة والتأليف، ثم أخذت تتطور تطورا نوعيا شاملا وفي كل فرع من فروع العلوم حتي وصلت للأفضل.

كانت كتابة سنة الرسول هي السبب المباشر لفتح باب الكتابة والتدوين، فمع إباحة كتابة وتدوين سنة الرسول، أبيحت كتابة وتدوين كل العلوم، وقد مرت كتابة سنة الرسول بالأطوار والمراحل نفسها التي مرت بها أكثر العلوم، ففي البداية كانت نصوص سنة الرسول تكتب في صحيفة واحدة، مع التفسير والفقه واللغة، لأن الكتابة كانت انعكاسا لمجالس العلم التي تتطرق لأمور مختلفة في مجلس واحد، ثم نمت هذه الصحف وبنموها نمت " الكمية " المكتوبة فيها من سنة الرسول، ثم خطرت ببال البعض فكرة تخصيص صحف خاصة لسنة الرسول، وكانت هذه الصحف تشتمل علي حديث الرسول وأقوال الصحابة، وفتاوي التابعين. في بداية القرن الثالث الهجري وجد شكل آخر لتدوين سنة الرسول، وهو تدوين حديث الرسول وحده، دون أن تدون فيه أقوال الصحابة أو فتاوي التابعين، فظهرت المسانيد كمسند العبسي الكوفي، ومسند البصري، ومسند [ صفحه 371] الحميري وغيرهم، وجاء الأعلام من بعدهم فسلكوا بنفس المنهاج كأحمد بن حنبل وابن راهويه وغيرهما، كانوا يكتبون في هذه المسانيد حديث رسول الله وحده أو الحديث المنسوب إلي رسول الله، سواء أصدر عن الرسول بالفعل أو لم يصدر عنه، فالعبرة بادعاء الراوي، أو بزعمه، ولم تكن هنالك طريقة واضحة المعالم لمعرفة ما قاله الرسول بالفعل وما تقوله الرواة عليه، وقد تفاقمت هذه المشكلة في ما بعد خاصة وأن أصحاب رسول الله كلهم كانوا قد ماتوا ولم يبق منهم علي قيد الحياة صحابي واحد عندما أذنت دولة الخلافة بكتابة ورواية سنة رسول الله، بل والأعظم من ذلك أن أكثرية جيل التابعين كانوا قد ماتوا أيضا!! وزاد المشكلة تعقيدا ثقافة التاريخ المعادية لأهل بيت النبوة، لقد أشربت الخاصة والعامة هذه الثقافة، فأثمرت حساسية خاصة من أهل بيت النبوة ومن والاهم ولولا هذه الحساسية المستحكمة في نفوس الأغلبية الساحقة من الأمة، لكان بإمكان أهل بيت النبوة أن يحلوا هذه المشكلة، لأن أئمة أهل بيت النبوة ورثوا علم النبوة كله، وسنة الرسول كلها مكتوبة ومبوبة ومحفوظة عندهم، لا زيادة فيها ولا نقصان وكان بإمكان الأئمة لو استشيروا أن يدلوا العلماء علي سنة الرسول الصادرة عن الرسول بالفعل، وأن يدلوهم علي ما تقوله الرواة علي رسول الله، لكن أكثر علماء الحديث تجاهلوا بالفعل وجود أهل بيت النبوة، وتجاهلوا حديث الثقلين، ووكلوا أنفسهم إلي فهمهم واجتهادهم، فالبخاري وهو أول الرافعين لشعار صحة الحديث لم يرو عن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حديثا واحدا، مع أنه قد روي عن المجاهيل ومستوري الحال، ومن لا يصلحون خداما لحفيد النبي وعميد أهل بيت النبوة في زمانه!! أمام اختلاط الأحاديث الصحيحة " أو التي سموها صحيحة " بالأحاديث التي سموها غير صحيحة نشأت فكرة فرز الصحيح عن غير الصحيح، وجمع الأحاديث الصحيحة في كتب خاصة، سموها كتب الصحاح، وقد تمت عملية الفرز عندما ظهرت طبقة البخاري ومسلم. [ صفحه 372]

لو لم يحرق الخلفاء سنة الرسول المكتوبة، ولو أنهم لم يمنعوا المسلمين من كتابتها وروايتها مدة مائة عام ونيف، لوصلتنا سنة الرسول مكتوبة محفوظة بلا زيادة ولا نقصان، تماما كما وصلنا القرآن الكريم!! ولما اختلف اثنان في سنة الرسول، ولتناقلها الناس جيلا بعد جيل، ولما كان هنالك من داع للجهود الجبارة التي بذلها العلماء في ما بعد دون طائل للوقوف علي سنة الرسول، وفي وقت يطول أو يقصر سيكتشف المسلمون حجم الدمار الذي ألحقته سنة الخلفاء بسنة رسول الله! بل حجم الدمار الذي ألحقته سنة الخلفاء بدين الإسلام نفسه!! لقد قصمت سنة الخلفاء ظهر الإسلام بالفعل، وأعاقت حركته!! فماذا استفاد الخلفاء يوم أحرقوا سنة الرسول التي كانت مكتوبة عند المسلمين؟؟ وماذا جنوا يوم أحرقوا الكتب التي كانت محفوظة عند المسلمين؟! وأي نفع حصلوا عليه يوم أمروا ولاتهم بمحو سنة الرسول المكتوبة في الأمصار والولايات الخاضعة لحكمهم؟! وما هي فائدتهم من منع المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله؟! ثم ما هو وجه المنطق بالاستمرار في هذه السياسة مائة عام حتي يفني جيل الصحابة كله؟!! لقد تحولت سياسية الخلفاء ملزمة للدولة والرعية معا، وما زلنا حتي يومنا هذا نجد من يدافع عن هذه السياسة، ويبررها بتبريرات ما أنزل الله بها من سلطان!! وما خطرت حتي ببال الخلفاء والذين وضعوا هذه السياسية التي تحولت إلي سنة!! [ صفحه 373]

لقد فتح باب الكتابة والتدوين لكتابة وتدوين سنة الرسول، ومن هذا الباب، عبرت فكرة كتابة وتدوين كل شئ، كان الشروع بتدوين السنة وكتابتها مناسبة لتعبر فيها كل القوي والتوجهات المتواجدة في المجتمع عن وجودها ولتقدم من سنة الرسول أو من " السنة المنسوبة للرسول " ما يدعم هذا الوجود وقد اختلفت مساهمات هذه القوي بحركة كتابة وتدوين السنة، باختلاف دورها في بناء المجتمع الإسلامي ومساهمتها في صناعة ماضية وحاضره، لقد أمدت هذه القوي حركة التدوين بسيول عارمة من النصوص الصحيحة أو المختلفة التي ظنت بأنها ستخدم وجودها وتوجهاتها، وترغم أنوف أعدائها وكانت شهية العلماء مفتوحة لكتابة وتدوين كل ما يعثرون عليه، والعلماء أنفسهم ينتمون إلي هذه القوي المختلفة، ومن المؤكد أن التوجهات المختلفة قد أثرت في علماء الكتابة والتدوين، ولونت ما كتبه العلماء المنتمون إلي كل توجه باللون الخاص لذلك التوجه، وأروع ما في حركة التدوين والكتابة تلك، عدم وجود قيود أو تدخل من دولة الخلافة، اللهم إلا من خلال العلماء الموالين لها، وهم الأكثرية الساحقة، أو من خلال نفور العامة مما يتعارض مع قناعاتها، وسنستعرض هذه القوي تباعا، [ صفحه 374] تبعا لحجم قوتها، وتأثيرها علي حركة كتابة وتدوين سنة الرسول، أو السنة المنسوبة للرسول.

كان معاوية وولاته قد وضعوا مئات الألوف من الأحاديث الباطلة المفتعلة بفضائل لا أول لها ولا آخر، وبمناقب لا وجود لها إلا في أذهان رواتها وحتي يزيد معاوية الطين بلة، ويخلط الأمور خلطا يصعب إعادة فرزه فقد أمر معاوية رعيته بحفظ ورواية هذه الأحاديث المفتعلة، وأمر معاهده العلمية بتدريسها، وتناقلها المسلمون جيلا بعد جيل، وتبنتها دولة الخلافة رسميا، واعتبرتها جزءا لا يتجزأ من وثائقها ومناهجها التربوية والتعليمية، وصار الناس يعتقدون بصحتها، لقد شاعت بينهم، وعندما أباحت دولة الخلافة في ما بعد كتابة وتدوين سنة الرسول، كتب العلماء هذا الكم الهائل من الأحاديث المفتعلة، مسلمين بصحته وهو باطل ومفتعل كما يقول " ابن نفطويه " [741] وساعد علي تسوية هذه الأحاديث المفتعلة أنها قد وضعت والكثير من جيل الصحابة علي قيد الحياة.

كذلك فإن أولياء الخلفاء الأول وهم قوة عظمي من قوي المجتمع، - حتي أن الأمويين أنفسهم يعتبرون أنفسهم جناحا من أجنحة أولياء الخلفاء الأول - وفي سبيل تبرير أعمال الخلفاء الأول، وضعوا كما هائلا من الأحاديث التي تجعل كل خطوة قد خطاها الخلفاء الأول، وكل فعل فعلوه منسجما بالكامل مع أمر الله وسنة رسوله، لقد صورت هذه الأحاديث الخلفاء بصور أزهي من صور الأنبياء، وكانت وسائل إعلام الدولة قد تناقلت هذه الأحاديث جيلا بعد [ صفحه 375] جيل أيضا، واعتقدت الأكثرية بصحتها، لأنها وجدت فيها نماذج لصور الأبطال الذين تحلم بهم!! وعندما شرع العلماء بكتابة وتدوين سنة الرسول عثروا علي هذا الكنز الدفين من الأحاديث التي تتفق مع توجهاتهم فدونوا هذه الأحاديث كلها دون تعديل ولا تبديل، بل فرغوا فيها فنهم لتبدو علي أفضل صورة!! ومن المفارقات المبكية أن أولياء الخلفاء حملوا رسول الله وزر عدم كتابة ورواية سنته، فزعموا أن الرسول هو الذي أمر المسلمين بعدم كتابة سنته وعدم روايتها، وأن الخلفاء الأول قد اتبعوا أمر الرسول، فمنعوا كتابة ورواية سنته بناء علي توجيهاته!! وهم يعنون بأنه لا لوم علي الخلفاء إن منعوا كتابة ورواية سنة الرسول مائة عام، إنما يقع اللوم - بزعمهم - علي الآمر وهو رسول الله!! ووضعوا مئات الأحاديث التي تخدم هذا التوجه!!!

لقد رأينا في البحوث السابقة أن الأكثرية الساحقة جدا من ولاة وعمال وأمراء وكبار موظفي الخلفاء الأول كانوا من أعداء الله ورسوله السابقين، ومن الحاقدين علي الإمام علي خاصة وعلي آل محمد ومن والاهم عامة. وقد أطلق الخلفاء الأول أيدي ولاتهم في الولايات التي تولوها، ليتصرفوا فيها علي الوجه الذي يريدون بلا رقيب ولا حسيب، فنشر أولئك الولاة الذين يجهلون كتاب الله وسنة رسوله ما شاؤوا من الأحاديث، وبدلوا وغيروا في سيرة الرسول!! وهذا أمر تقتضيه طبيعة الأشياء!! فهل كان من الممكن أن يقول معاوية لأهل الشام بأن والده أبو سفيان كان أبرز أئمة الكفر!! وهل يعقل أن يقول لهم أنه وأبوه وأخوه وبنو عمه هم الذين قادوا جبهة الشرك أثناء مقاومتها للنبي قبل الهجرة، وأثناء حربها للنبي بعد الهجرة!!! وهل يعقل أن يقول معاوية لأهل الشام إن الهاشميين هم الذين احتضنوا رسول الله وحموه ودينه قبل الهجرة، وأنهم كانوا أركان حربه بعد الهجرة!! وهل يعقل أن يقول معاوية لأهل الشام أن علي بن [ صفحه 376] أبي طالب هو أول من أسلم، وهو ابن عم النبي، ووالد سبطيه، وزوج ابنته، وهو الذي ركع العرب بسيفه ورمحه، وأنه حامل راية الرسول في كل المواقع!! سذج وأغبياء أولئك الذين يعتقدون أن معاوية سيقول هذا أو ذاك!! كان من الطبيعي أن لا يقول معاوية لا هذا ولا ذاك!! وكان من الطبيعي أن يدعي، بأنه الأقرب للنبي، والأولي به، فهو والنبي من بني عبد مناف، وأنه كان كاتبه الخاص للوحي، وأمين سر الرسول علي ما يوحي إليه، وكان من الطبيعي أن يؤدي عن رسول الله ما يشاء، فهو ملك الشام الحقيقي، وكان من الطبيعي أن يتحدث عن سيرة الرسول، وأن يختلق لنفسه ولأبيه ولأخيه وبني عمومته أدوارا تليق بوالي الشام!! ثم إنه ليس ملزما بأن يتولي عملية الاختلاق وهنالك المئات الذين يتبرعون للقيام بهذه العملية!! وهكذا فعل كل الولاة في ولاياتهم، وبهرت هذه الأحاديث التي بثها الولاة حديثي العهد بالإسلام من أهل البلاد المفتوحة، فرووها، وشاعت بينهم ونظروا للولاة كعباقرة، وكصحابة مقدسين!! وعندما فتح باب التدوين والكتابة عثر العلماء الباحثون عن سنة الرسول علي هذا الكنز " الرسمي " الجاهز، فكتبوه كله، وأعطوه أهمية خاصة، لأن له طابع الوثاق الرسمية. فلو قال أحد قادة جيش الشام المعروفين " أ ابن ب ابن ج " حدثني كاتب وحي رسول الله معاوية ابن أبي سفيان قال سمعت رسول الله يقول كذا وكذا لكان كافيا، ولكان حديثا صحيحا، إسنادا ومتنا، فمعاوية صحابي ومن العدول حسب القواعد، " أ ابن ب ابن ج " عدل وضابط وهو ثقة وعلي صلة دائمة بمعاوية بوصفه القائد الأعلي للجيش فالحديث صحيح 100 / ثم إن معاوية قد رأي الرسول بالفعل وجلس معه، فما هو وجه الغرابة بهذا الحديث الصحيح!! ويتكرر المثال مع عمرو بن العاص في بلاد مصر، ومع المغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة في بلاد العراق... الخ فالإسناد [ صفحه 377] صحيح، والرواة ثقة، والمتن جيد، فما الذي يمنع من نسبة هذا الحديث إلي رسول الله!! وما الذي يمنع من وصفه بالصحيح!! لقد كتب العلماء هذا الكنز كله!!

كذلك فإن بعض أولياء الخلفاء الأول، وأولياء بني أمية وفروا لعلماء الكتابة والتدوين كمية خاصة من الأحاديث التي تبرر تجاهل الخلفاء لمكانة آل محمد وأهل بيته وتجاهل منزلتهم عند الله ورسوله، وتبرر الظلم الذي لحق بهم، والإذلال الذي أصابهم، فوضعوا أحاديث تهز مكانة أهل بيت النبوة، وتبرر الإجراءات التي اتخذها بعض الخلفاء بحقهم جورا وظلما، وتصور أهل بيت النبوة بصورة الطامعين بملك قريش، ومن ينازعون الأمر أهله، وتعطيهم ومن والاهم درجة المواطنة من الدرجة الثانية، وتهبط بمستواهم إلي مستوي الأشخاص العاديين، وتجردهم من امتيازاتهم، فتظهرهم بمظهر أفراد من قبيلة قريش، ولا صلة خاصة لهم برسول الله، وتظهرهم بمظهر الصحابة العاديين، وتأخذ منهم أدوار البطولة التي مارسوها بالفعل، وتعطي هذه الأدوار لأشخاص مغمورين، بينهم وبين البطولة دنيا وفي أحسن الظروف والأحوال تساوي بينهم وبين أعداء الله السابقين، أصحاب التاريخ الأسود، فعلي بن أبي طالب، وجعفر وعقيل هم في أحسن الأحوال صحابة كأبي سفيان ويزيد ومعاوية وابن أبي سرح، وهند صحابية تماما كفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين!! والأنكي من ذلك أنهم قد جعلوا أبا طالب عم النبي، ومربيه صغيرا، وحاميه وحامي دعوته، وقاهر أعدائه في النار، وجعلوا إمام الكفر، وألد أعداء الله ورسوله، وقائد جبهة الشرك أبا سفيان في الجنة!! إن هذا لهو البلاء المبين!! فأبو طالب في النار بالإجماع، وأبو سفيان في الجنة بالإجماع، ووضعت آلاف الأحاديث لتمرير ذلك، وعندما أخذ العلماء يكتبون ويدونون سنة الرسول [ صفحه 378] كانت تلك الأحاديث محفوظة وغضة في الذاكرة، ومسندة، لأن دولة بني أمية قد سقطت للتو، فكتبها العلماء بحذافيرها.

من المؤكد أن قلة مؤمنة صادقة كانت تعيش في المجتمع، ومن المؤكد أنها قد توارثت الكثير من سنة الرسول الصحيحة، ومن المؤكد أنها قد ساهمت بحركة التدوين، ودونت، ما توارثته من سنة الرسول، وأن الكثير مما لدي هذه القلة، قد تسرب للعلماء، وأن العلماء قد دونوه، ولكن إسهام هذه القلة كان بحجم وجودها في المجتمع محدود التأثير، ومع هذا فإن أهل بيت النبوة والقلة المؤمنة، كانوا عمليا هم المصدر الوحيد لكل الأحاديث الصحيحة.

أهل بيت النبوة ومن والاهم لم يتوقفوا عن كتابة وتدوين السنة حال حياة النبي وبعد وفاته، وفي كل الظروف التي مرت بهم، كانوا يتوارثون كتبهم وعلومهم كما يتوارث الناس ذهبهم وفضتهم، ويحافظون عليها كما يحافظون علي حياتهم، وكانوا يحثون الناس علي كتابة السنة والاحتفاظ بها، وروايتها، ويوم ناشد الخليفة الثاني المسلمين أن يأتوه بكتب السنة المكتوبة لديهم لأنه يريد أن يجمعها وأن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم لأنه يريد أن يقومها، عرفوا مقاصد الخليفة فلم يسلموه شيئا مما عندهم، كان أهل بيت النبوة يمارسون الكتابة والتدوين والرواية سرا، وعندما فتح باب الكتابة والرواية والتدوين أمام الجميع، استفاد أهل بيت النبوة من هذا التطور، فأفاضوا علي الناس من العلوم، ما يحتملون فأخذ منهم بعض العلماء ما راق لهم، وكتبوه في ما كتبوا. [ صفحه 379]

لقد مارس الكثير من المسلمين الكذب والوضع علي رسول الله ولكن بشكل مستتر ودون أن يعلنوا عن ذلك، إنما أوهموا العلماء بأنهم قد رووا ما سمعوا تماما وانطلي ادعاؤهم علي العلماء بالفعل، فكتبوا كل ما رواه الرواة الكاذبون، واحتلت هذه المكذوبات مواقعها في كتب الحديث المدونة. وكان قصد هذا الطراز من الناس الدفاع عن توجه معين يعتقدون أنه التوجه الأصح، لذلك مارسوا الكذب لإثبات صحة التوجه الذي يرونه، ومن المؤكد أنه قد كانت لهذه الطوائف من الناس أسبابها الخاصة لتستحل حتي الكذب علي رسول الله!!! وباستثناء أهل بيت النبوة لم يخل فئة من الفئات التي ذكرناها، من كذابين هان عليهم الكذب علي رسول الله لإثبات وجاهة هذا الشئ أو ذاك!! وهذا الطراز من الكذابين لم يحاول تبرير كذبه علنا، أو ممارسة هذا الكذب بصورة علنية إنما كان يظهر الكذب بصورة الصدق، ويمثل دور الصادق في ما يقول، مع أنه في قرارة نفسه يعلم بأنه كاذب. في ما بعد ظهرت فئة من الناس، لم تر بأسا ولا حرجا من ممارسة الكذب علي رسول الله علنا ولكن لغايات " نبيلة " وحاولت هذه الفئة أن تبرر كذبها هذا، وأن تحصل علي رخصة من رسول الله بإباحة كذبها!! فقد روي عن أبي هريرة مرفوعا بأن الرسول قد قال: " إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به، " قلته أم لم أقله " فإني أقول ما يعرف ولا ينكر، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه، فكذبوا به، فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف!! " [742] . [ صفحه 380] وروي أحمد أن الرسول قال: " إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به... قال السيد رشيد إن إسناده جيد " [743] . وانطلاقا من هذين الأساسين، ظهرت طائفة " الكذابون الصالحون " أو الذين يكذبون من أجل البني لا عليه!!! قال خالد بن يزيد سمعت محمد بن سعيد الدمشقي يقول: " إذا كان كلام حسن لم أر بأسا من أن أجعل له إسنادا " [744] . وأخرج في الحلية عن ابن مهدي عن أبي لهيعة أنه قال: " سمعت شيخا من الخوارج يقول: "... فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرنا له حديثا ". وإذا سألهم سائل كيف تكذبون علي رسول الله؟: قالوا: نحن نكذب له لا عليه، إن الكذب علي من تعمده!! قال مسلم يجري علي لسانهم ولا يتعمدون الكذب. قال ابن حجر: وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث الترغيب والترهيب وقالوا نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته!! قال عبد الله النهاوندي: قلت لغلام أحمد: من أين لك هذه الأحاديث التي تحدث بها في الرقائق؟ فقال وضعناه لنرقق بها قلوب العامة!! قال ابن الجوزي عن غلام أحمد أنه كان يتزهد ويهجر الشهوات، وغلقت أسواق بغداد يوم موته وأخرج البخاري في التاريخ الأوسط عن عمر بن صبيح بن عمران التميمي أنه قال: أنا وضعت خطبة النبي، وأخرج الحاكم بسنده إلي أبي عمار أنه قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة بن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبه!! [ صفحه 381] روي عن سيف بن عمر التميمي أنه قال: كنت عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكتاب يبكي فقال له ما لك؟ قال ضربني المعلم! قال لأخزينهم اليوم: حدثنا عكرمة عن ابن عباس مرفوعا قال: " مصلحو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم وأغلظهم علي المساكين " [745] . وقد يكون الوضع بالإدراج، أي إضافة زيادة للحديث ليست منه وعندما فتح باب التدوين والكتابة دون العلماء ذلك كله في ما دونوا من سنة رسول الله، حيث وجدوا هذه المكذوبات مسندة!!

كان لليهود الذين أسلموا أو تظاهروا بالإسلام، وللثقافة اليهودية وجود بارز ومؤثر في المجتمع الإسلامي، ويكفي أن تعلم بأن كعب الأحبار، كان مستشار الخليفة الثاني وملاذه وموضع سره، وأنه كان يسأله حتي عن مستقبل الأمة الإسلامية [746] وكان يوحي له أنه موجود في التوراة [747] وكان الخليفة يسأله الموعظة ويستفتيه في بعض آيات القرآن، مع أن كعب هذا ليس صحابيا [748] ، وكان عمر يسأل كعبا حتي عن شفاعة النبي يوم القيامة [749] ، وكان يلتزم بما يقول به كعب، فلما أراد عمر أن يزور العراق نهاه كعب عن ذلك فانتهي [750] وكان لكعب تلاميذ وأتباع ومريدون ونفوذ هائل في دولة الخلافة، أتاح له أن يتحدث بحرية، وحث الناس ضمنا علي اعتبار حديثه، ونسوق بعض أقوال كعب علي سبيل المثال. [ صفحه 382] قال كعب " يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم يراهما من عبدهما " [751] . وروي البزار في ما بعد عن أبي هريرة أن النبي قد قال: " الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة " [752] . قال كعب الأحبار إن لله ديكا عنقه تحت العرش وبراثنه في أسفل الأرض فإذا صاح صاحت الديكة فيقول " سبحان القدوس الملك الرحمن لا إله غيره ". وفي ما بعد قال أبو هريرة إن النبي قد قال: إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه مثبتة تحت العرش وهو يقول: " سبحانك ما أعظم شأنك "!! قال كعب الأحبار: " أربعة أنهار الجنة وخصها الله عز وجل في الدنيا، فالنيل نهر العسل في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة وجيحان نهر اللبن في الجنة ". وفي ما بعد قال أبو هريرة: أن رسول الله قد قال: " النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة "!! وقال كعب: " إن الله قد خلق السماوات والأرض وما بينهما في سبعة أيام، التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد... الخ [753] . وفي ما بعد قال أبو هريرة أخذ رسول الله بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد... قال البخاري وابن كثير أن أبا هريرة قد تلقي هذا الحديث عن كعب [ صفحه 383] الأحبار، لأنه يخالف القرآن، الذي نص بأن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام لا في سبعة كما ادعي كعب الأحبار وقال أبو هريرة. قال أبو هريرة إن رسول الله قد قال: " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، اقرأوا إن شئتم (وظل ممدود) [754] . ولما أتم أبو هريرة رواية الحديث أسرع كعب الأحبار وقال صدق والذي أنزل التوراة علي موسي، والفرقان علي محمد لو أن رجلا ركب حقه أو جزعه ثم دار بأعلي تلك الشجرة، ما بلغها حتي يسقط هرما!!! ". والخلاصة أن علماء الحديث عندما شرعوا بتدوين وكتابة سنة الرسول وجدوا " منجما " إسرائيليا يحتوي عشرات الآلاف من الأحاديث المنسوبة للرسول والمسندة إسنادا جيدا، والمدعومة من كعب الأحبار جليس الخلفاء وصفيهم فكتبوها، كما هي.

وكان لتميم الدارمي، راهب أهل عصره نفوذه الخاص في دولة الخلافة، وله أتباعه وتلاميذه ومريدوه، وكان يحدث بروايات وقصص عن الحساسة والرجال وإبليس وملك الموت والجنة والنار فملأ الأرض بهذه الروايات [755] لما فعل زميلاه من قبل كعب ووهب ولما بدأ علماء المسلمين بكتابة ورواية سنة الرسول، وجد هذا " المنجم " المسيحي فكتبوه كله مع ما كتبوا من سنة الرسول. [ صفحه 384]

كانت الأحاديث المنسوبة إلي رسول الله والتي جمعها العلماء ودونوها في كتبهم تعد بمئات الآلاف، بل بالملايين، روي عن البخاري أنه قال: " أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، وروي عنه أنه قال: " خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث "، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: " صح من الحديث سبعمائة ألف وكسر، وأنه قال هذا الفتي - يعني أبا زرعة - يحفظ سبعمائة ألف حديث، وكان يحفظ مائة وأربعين ألفا في التفسير... " [756] فهؤلاء ثلاثة من العلماء لديهم ما يقرب من مليوني حديث!! الله وحده كان يعلم كم لدي كان علماء دولة الخلفاء من حديث!!! كان العلماء في قرارة أنفسهم موقنين بأنه من المستحيل عقلا أن يصدر هذا الكم الهائل من الأحاديث عن رسول الله، بل كانوا موقنين أن الجزء الأعظم من هذا الكم الهائل غير صحيح ومكذوب علي رسول الله، [ صفحه 385] ولكن رواه مسلمون!! وهنالك احتمال أن يكون صحيحا كله أو بعضه ثم إن الأمانة تقضي أن يكتبوا ما يرويه المسلمون عن رسول الله، كان دورهم مقتصرا علي كتابة وتدوين ما يروي من سنة الرسول، حسب زعم الرواة!! كان لبعض العلماء موازينهم الخاصة للصحة التي يزنون بها الأحاديث التي يكتبونها، ومع هذا كانوا يحفظون أو يحتفظون بالأحاديث التي يعتقدون أنها غير صحيحة. وكان البعض من العلماء يحذفون من هذه المرويات ما يرونه مناسبا، مثال علي ذلك فقد روي نصر بن مزاحم في كتابه " صفين "، والمسعودي في كتابه " مروج الذهب " النص الكامل لرسالة محمد بن أبي بكر لمعاوية التي أبرزت بعض فضائل الإمام علي، وجانبا من تاريخ معاوية المظلم، وبعض إساءات الخلفاء للإمام علي، إلا أن الطبري قد حذف الجزء الأعظم من مضامين هذه الرسالة، معللا ذلك بأن العامة لا تحتمل سماع ما حذفه، وجاء من بعده ابن كثير فذكر رسالة محمد بن أبي بكر، ولم يشر إلي كلمة مما ورد فيها واكتفي بالقول بأن " فيه غلظة " [757] وأحيانا كانوا يبدلون كلمة بكلمة، فالطبري وابن الأثير أبدلا كلمتي " وصيي وخليفتي الواردتين في حديث رسول الله بقولهما " كذا وكذا " [758] . بعد أن جمع العلماء هذا الكم الهائل من الأحاديث المنسوبة إلي رسول الله ودونوها في كتب خاصة، أنصب هدفهم علي معرفة الصحيح من غير الصحيح، وما صدر عن الرسول بالفعل، وما تقوله الرواة عليه!! كانت هذه هي المشكلة الكبري التي واجهت العلماء خاصة، والمسلمين عامة، وما زالت تواجههم إلي اليوم لأن الموازين التي وضعها العلماء كانت ثمرة معارف واجتهادات شخصية، تأثرت حتما بميول العلماء وثقافاتهم وتربيتهم [ صفحه 386] السياسية، فكان الوزن بتلك الموازين غير دقيق، فكم من حديث موصوف بالصحة في أصح الصحاح حسب تلك الموازين وهو صحيح البخاري، ومع هذا باطل من جميع الوجوه ومتعارض مع الحكم من القرآن ومع العقل ومع المنطق!! وقد سقنا في البحوث السابقة أمثلة متعددة علي ذلك.

أوجد علماء دولة الخلافة مجموعة من الموازين أو المعابير أو المقاييس ليميزوا بواسطتها الحديث الصادر عن الرسول فعلا من الحديث الذي تقوله الرواة عليه، وما أوجده العلماء منها لم يرد لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله، إنما هي موازين من صنع العلماء أنفسهم ومن " اختراعهم الخاص " وبالرغم من الجهود المضنية والمشكورة التي بذلها العلماء إلا أن النتيجة التي حصلوا عليها، كانت دون المأمول، لأن المشكلة نفسها أكبر من العلماء، ولا طاقة لهم علي حلها، بدليل أن المشكلة ما زالت قائمة حتي يومنا هذا!! ولا يقوي علي حلها غير أهل بيت النبوة، واللجوء لأهل بيت النبوة، سيكشف فضائح، وينسف معتقدات، ويدمر كل البني الغريبة، ويعيد كل شئ إلي موقعه الشرعي، وهذا يعني عملية هدم وإعادة البناء، لذلك آثر العلماء الدعة، لاقتناعهم بأن المطلوب منهم بذل عناية لا تحقيق غاية، وسنستعرض بكل الإيجاز للقواعد الأساسية التي قامت عليها موازين العلماء ومقاييسهم لتمييز ما قاله الرسول عن ما تقوله القوم عليه:

لقد أجمع العلماء علي أن كل حديث ينسب للرسول يجب أن يرويه عنه أحد من الصحابة، فأي حديث لا يروي عن صحابة فهو باطل وغير صحيح ولا ينظر إليه. ويقصدون بالصحابة كل من لقي رسول الله وهو [ صفحه 387] مؤمن به أو متظاهر بالإيمان به ومات علي ذلك ويشمل كل من شاهد الرسول أو لم يشاهده لعارض كالعمي، أو شاهده الرسول، من جالسوا الرسول أو لم يجالسوه، بل ويشمل الأطفال الذين رآهم رسول الله أو رأوه، ولا فرق بين السابقين بالإيمان أو المتأخرين عنه، ولا فرق بين أعداء الله ورسوله السابقين الذين حاربوا الله ورسوله بكل وسائل الحرب حتي أحيط بهم فأسلموا وبين أولياء الله المخلصين الذين وضعوا أنفسهم تحت تصرف الرسول في كل المواقف، ولا فرق أيضا بين العالم، وبين غير العالم، فكلهم صحابة، وكلهم عدول، وكلهم في الجنة، حسب ما اتفق عليه علماء دولة الخلافة!! فأبو سفيان، ومعاوية، كعلي وجعفر صحابة عدول!! وعبد الله بن أبي سرح كعمار بن ياسر، والمغيرة بن شعبة كأبي ذر فإن قال أي واحد من الصحابة عموما إن رسول الله قد قال كذا وكذا، فمعني ذلك أن الصحابي صادق، وأن الرسول بالفعل قد قال كذا وكذا، وأجمع علماء دولة الخلافة بأنه لا يحق لأي مسلم قط أن يجرح عدالة أي صحابي، لأن الصحابة فوق الجرح والتعديل، فقد عدلهم الله، وضمن لهم الجنة!!! حتي وإن أخطأ الصحابي فهو مأجور، لأنه بحكم المجتهد، ومن المستحيل برأي علماء دولة الخلافة أن يتعمد الصحابي الخطأ!!! فالخطأ هو الذي هجم علي الصحابي والصحابي برئ منه، ولنفترض أن الصحابة اختلفوا، فسار فريق منه نحو الجنوب وآخر نحو الشمال، وثالث نحو الشرق، ورابع نحو الغرب، فكلهم علي صواب، وكلهم مأجورون ولا حرج علي الأمة لو انقسمت تبعا لهم إلي أربعة أقسام، والتحق كل قسم من الأمة بالقسم الذي يريد من الصحابة!! ولنفترض وقد وقع هذا أن الصحابة قد اشتبكوا جميعا بحرب أهلية دامية، فهذا ليس جرما بنظر علماء دولة الخلافة، لأن هذا الاصطدام ثمرة اجتهاد، والمتصادمون كلهم مأجورون، فالقاتل مأجور والمقتول مأجور أيضا والفرق أن من يكن منهم علي الحق له أجر واحد، ومن يكن منهم علي الباطل له أجران!!! لقد قرر العلماء بأن [ صفحه 388] الله قد غفر للصحابة ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر وعلي المسلمين أن يصادقوا علي هذا القرار، ومن لا يصادق عليه فليس بمسلم، ولا ينبغي أن يدقق في مقابر المسلمين " [759] لقد أكد القرآن الكريم وجود فئة من أهل المدينة ومن حولها مردت علي النفاق، هذه لقيت رسول الله وهي متظاهرة بالإسلام، وماتت علي ذلك، جالست الرسول وسمعت منه، وغزت معه، وصلت وتصدقت وزكت، فهم صحابة، لأنه لم يعرف المسلمون منهم غير عاثر الحظ " عبد الله بن أبي " أما البقية فكانوا مندسين بين الناس فأين تبخرت هذه الفئة، لقد مات الرسول وهم علي النفاق، هل كانوا ينتظرون موت الرسول حتي يصلحوا أنفسهم في يوم وليلة!!! وكيف يكون المنافق عادلا!!! هنالك فئات انتهكت حرمة القوانين الإلهية، فسرقت، أو زنت، أو شربت الخمر، أو قتلت، أو رمت المحصنات، وأقام الرسول الحدود عليهم، فكيف يكون السارق والقاتل والزاني وشارب الخمر ورامي المحصنات من العدول!!! لقد توعد الله المنافقين بالدرك الأسفل من النار، والمنافقون ليسوا أشباحا إنما هم كائنات حية كانت عيش في الوسط الإسلامي وتقوم بكل شعائر الإسلام وتكتم نفاقها، لقد تناسي العلماء الوعيد الإلهي بإدخال المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وتجاهلوا كافة الآيات المحكمات التي فضحت المنافقين، وتجاهلوا وجود المنافقين، والمرتزقة من الأعراب، وأصحاب التاريخ الأسود بمعاداة الله ورسوله، وتجاهلوا الذين لعنهم رسول الله، والذين أقام عليه الحدود لارتكاب جرائم ثم حكموا دفعة واحدة بأن كل مواطني دولة الرسول عدول ومعصومون ومن أهل الجنة، [ صفحه 389] وأن الرواية عن رسول الله مقبولة من كل واحد منهم!!! وهكذا وقعوا في مطب جديد وخلقوا لأنفسهم ولسنة رسول الله مشكلة جديدة، ووضعوا أنفسهم في حالة صدام دائم مع العقل، ومع مبادئ الدين الحنيف، وحتي الروايات الصادرة عن رسول الله والتي حكموا هم أنفسهم بصحتها!!!. وما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد علي أن العلماء قد جعلوا الرواية عن الصحابي شرط لازم من شروط صحة الحديث المنسوب إلي رسول الله، فيجب أن يسند الحديث إلي صحابي - بالمفهوم الواسع للصحبة - يقول الصحابي: سمعت رسول الله يقول:... فإن لم يقل الصحابي ذلك فالحديث باطل شكلا وليس مرويا عن رسول الله!!! ولا بد من التذكير بأنه عندما بدأت عملية كتابة وتدوين ورواية سنة الرسول كان الصحابة جميعا في ذمة الله، وكذلك الأكثرية الساحقة من التابعين!!! ولا بد من التذكير بأن الرواة قد " أوجدوا أو خلقوا " صحابة لا وجود لهم في الواقع، فأحيانا يسمي الراوي أسماء لصحابة لا وجود لهم إلا في خياله، ويسند رواياته الكاذبة لهم، ومعني ذلك أن الرواي يختلق أسماء صحابة، ويختلق، المتن ويختلق أسماء العدد اللازم من الأسناد، وبناء علي هذه الروايات كان العلماء يدخلون هذه الأسماء المختلقة لصحابة وهميين في قائمة الصحابة الفعليين، وسيف التميمي أبرز الأمثلة علي ذلك [760] . لقد أراد العلماء حل مشكة الحديث عندما تبنوا نظرية عدالة كل الصحابة، فأوجدوا 70 ألف مشكلة كل مشكلة لا تقل تعقيدا عن مشكلة الحديث!!! والكارثة حقا أن العلماء اعتبروا آراءهم الشخصية، ومعتقداتهم الخاصة بمثابة الأحكام الدينية، وألزموا المسلمين باتباعها متحصنين وراء [ صفحه 390] نظرية عدالة كل الصحابة، ومتسلحين بحبهم لصحابة رسول الله!! فأوجدوا مئات الألوف من المراجع.

كان كتاب الله وسنة رسوله هما المرجع القانوني الأوحد للمسلمين، وكان الرسول الأعظم هو المرجع البشري الأوحد للناس، بعد موت الرسول أدخلت سنة الخلفاء الراشدين مع كتاب الله وسنة رسوله، وهكذا صار المرجع القانوني للمسلمين ثلاثيا " كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين كما وثقنا، وقف الخلفاء الراشدون الثلاثة كمراجع بشرية إلي جانب الرسول!! فأصبح للمسلمين أربعة مراجع بشرية، وبإدخال الإمام علي مؤخرا إلي قائمة الخلفاء الراشدين صاروا خمسة!!! بعد مائة عام ونيف، صار كل واحد من الصحابة مرجع قائم بذاته، وله سنته الخاصة به، والصحابة يعدون بعشرات الألوف فمعني ذلك أنه قد صار للمسلمين عشرات الألوف من المراجع وعشرات الألوف من أصحاب السنن!! ولا حرج علي أي مسلم لو أخذ دينه من أي واحد من هذه المراجع، أو سار خلف أي واحد منها، أو اتبع سنة أي واحد منها!! كانت السنة تعني قول الرسول وفعله وتقريره، وأصبحت السنة تعني أيضا قول كل صحابي وفعله وتقريره!! وأصبحت آراء الصحابة في الحوادث المصدر الثالث من مصادر التشريع: 1 - القرآن 2 - السنة 3 - رأي الصحابي [ صفحه 391] والمذاهب الثلاثة الأحناف والمالكية والحنابلة أكثر تعصبا لآراء الصحابة من الشوافع. ومع أن أبا حنيفة كان متحمسا للقياس ويراه أفضل المصادر بعد القرآن إلا أنه كان يقدم رأي الصحابي عليه إذا تعارض في مورد من الموارد، وقد جاء عن أبي حنيفة! إن لم أجد في كتاب ولا في سنة رسوله أخذت بقول أصحابه فإن اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة، آخذ بقول من شئت وأدع من شئت ولا أخرج من قولهم إلي قول غيرهم من التابعين " [761] . وجاء في أعلام الموقعين لابن القيم: إن أصول الأحكام عند الإمام أحمد خمسة: 1 - النص 2 - فتوي الصحابي وأن الحنابلة والأحناف قد ذهبوا إلي تخصيص كتاب الله بعمل الصحابي، لأن الصحابي العالم لا يترك العمل بعموم الكتاب إلا لدليل، فيكون عمله علي خلاف عموم الكتاب دليلا علي التخصيص وقوله بمثابة عمله " [762] .

بعد أن حدد العلماء المرجع الموثوق الذي تؤخذ منه سنة رسول الله " وهم الصحابة " اشترطوا أن يتصف الراوي عنهم بصفتين وهما العدالة والضبط، والعدالة بالأصل متوفرة بكل المسلمين، إلا إذا رفعت عنه نتيجة سلوك شائن، أو تصرف خاطئ أما الضبط فيعني أن الراوي قليل الأخطاء [ صفحه 392] والأغلاط، والضبط والعدالة درجات دنيا ووسطي وعليا، والعلماء يقدرونها حسب الظروف، فإذا جمع الراوي بين العدالة والضبط فهو ثقة وأهل لرواية أحاديث رسول الله عن الصحابة!! والمدهش أن الصحابة يوم وضعت هذه الموازين كانوا كلهم أمواتا!!! كان العلماء يهتمون بالإسناد، فإذا صح الإسناد اهتموا بالحديث وإن لم يصح الإسناد، فقد الحديث قيمته، وقال بعضهم: الصحيح ما صح إسناده، وغير الصحيح ما لم يصح إسناده، والحديث يجب أن يكون متصل الإسناد من أوله إلي آخره.

ثم تطرق العلماء إلي صياغة الحديث، فقالوا يجب أن تخلو صياغة الحديث من أي شذوذ أو علة وأن يسلم لفظه من الركاكة، ومعناه من المخالفة لآية قرآنية أو خبر متواتر.

قالوا إن من علامات وضع الحديث إن صح سنده أن يكون مخالفا لنص القرآن القطعي وفي ما هو في معناه من كل قطعي شرعي كبعض أصول العقائد أو الأعمال المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة بحيث يتعذر الجمع بينهما، كحديث أبي هريرة في خلق السماوات والأرض في سبعة أيام، فالحديث مروي عن صحابي من العدول، وإسناده صحيح من أوله إلي آخره، ورجاله ثقات، ومع هذا قد يكون موضوعا لأنه يتعارض مع آية قرآنية، أو ما هو ثابت من الذين بالضرورة، وسلموا أيضا أن الموضوع من حيث الرواية قد يكون صحيحا في الواقع، وأن الصحيح السند قد يكون موضوعا في الواقع، وإنما علينا أن نأخذ بالظواهر مع مراعاة القواعد. [ صفحه 393]

1 - الحديث المتواتر: وهو ما أخبرت به جماعة يمتنع عقلا اتفاق أفرادها علي الكذب، وهو صحيح قطعا، ويجب الأخذ به من غير توقف، والأحاديث اللفظية المتواترة في السنة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. 2 - خبر الآحاد: وهو الذي لم يبلغ حد التواتر، ويفيد الظن، ويؤخذ به في العبادات والمعاملات، ولا يؤخذ به في العقائد، وقالوا إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قطعا، ولو كانت مخرجة في البخاري ومسلم، وإنما يفيد العلم فيها بناء علي " أن الأمة مأمورة بالأخذ بكل خبر يغلب الظن علي صدقه ".

صحيحا، أو حسنا، أو ضعيفا، أو مصحفا، أو محرفا، أو مغلوبا، أو مضطربا، أو معروفا، أو غريبا، أو شاذا... وقد يكون الحديث صحيحا عند عالم، وباطلا عند آخر، وحسنا عند ثالث وضعيفا عند رابع.

قال الشافعي: أصح الكتب بعد كتاب الله موطأ مالك، ونقل السيوطي بأن الموطأ هو الأصل الأول والبخاري هو الأصل الثاني. وقال الدهلوي: إن الطبقة الأولي من كتب الحديث منحصرة في ثلاثة كتب: [ صفحه 394] 1 - موطأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم. 2 - كتب لم تبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها سنن أبي داود والترمذي والنسائي. 3 - مسانيد صنفت قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما جمعت بين الصحيحين والحسن والضعيف والمعروف والغريب والشاذ والمنكر والخطأ والصواب [763] .

إن أصح كتب الحديث برأي القوم هو صحيح البخاري، مع أن البخاري قد أقر علنا، بأنه لم ينقل الحديث باللفظ إنما كان ينقله بالمعني، وأنه كان يسمع الحديث في بلاد، ويكتبه في بلاد ثانية! [764] قال الدكتور أحمد أمين: إن بعض الرجال الذين روي عنهم البخاري غير ثقات، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين وفي الواقع هذه مشكلة فالوقوف علي أسرار الرجال محال... ولكن ماذا يصنع بمستور الحال [765] وقال رشيد رضا عن صحيح البخاري ومسلم... إنه يوجد في غيرهما من دواوين السنة أحاديث أصح من بعض ما فيهما [766] . وقال أيضا ما كلف الله مسلما أن يقرأ صحيح البخاري ويؤمن بكل ما فيه [767] . [ صفحه 395] ثم إن البخاري ومسلم قد ذكرا أحاديث في صحيحيهما، أسانيدها صحيحة ورجالها ثقات حسب رأيهما، ومع هذا فإنها تخالف نصوصا محكمة في القرآن الكريم وتخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة!!، فقد ذكر البخاري ومسلم في صحيحيهما أحاديث تتعلق بسلوك الرسول منها علي سبيل المثال الحديث الذي يصور الرسول بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة علي أعصابه فيسب بعض الناس ويشتمهم ويلعنهم ويؤذيهم بغير سبب ولا خطأ صدر منهم!! فالشخص العادي من الناس يترفع عن فعل هذا فكيف بصفوة بني الإنسان، وكيف يوحد البخاري ومسلم بين هذا الحديث وأمثاله وبين قوله تعالي عن الرسول الكريم (وإنك لعلي خلق عظيم) فهل من الخلق العظيم أن يسبب الرسول ويشتم ويلعن ويؤذي بعض الناس بدون ذنب ولا سبب! لقد سقنا في البحوث السابقة عدة نماذج من طراز هذا الحيث!! لكن البخاري ومسلم يعلمان بأن رسول الله قد لعن الكثير من الخلفاء، ومن كبار أعوانهم، ليكون هذا اللعن بمثابة ميسم يعرفهم المسلمون به، فعز علي البخاري ومسلم أن يتولي منصب الخلافة رجال لعنهم الله علي لسان رسوله، لذلك فضلا أن يتحمل رسول الله المسؤولية، وأن تبرأ ساحة الخلفاء!! وكان بإمكان البخاري ومسلم أن يفعلا ما فعل الطبري، فبدلا من أن يروي الطبري الحديث علي الوجه التالي " إن الرسول قد قال لعلي بن أبي طالب: أنت أخي وخليفتي ووصيي فيهم " رواه كما يلي " قال الرسول لعلي: أنت أخي وكذا وكذا... " وكان بإمكانهما أن يعتذرا بما اعتذر به الطبري عندما أعرض عن رسالة محمد ابن أبي بكر وبرر ذلك بقوله: فيها أمور لا تحتمل العامة سماعها!! فلو اعتذر البخاري ومسلم بعذر مشابه، لكن أقرب للمنطق من تصوير الرسول بتلك الصور التي لا تليق بجنابه الأقدس، ولا بمكانته السامية الرفيعة!! [ صفحه 396]

الجهود العظيمة والمضنية التي بذلها علماء دولة الخلفاء في رواية وجمع وكتابة سنة الرسول، والمحاولات الصادقة التي قاموا بها لتمييز ما قاله الرسول فعلا عما تقوله الرواة عليه تستحق كل الشكر والعرفان بغض النظر عن النتائج المتواضعة التي أسفرت عنها تلك الجهود والمحاولات! 1 - والعمل العظيم الذي قاموا به، أقل بكثير مما كان مأمولا منهم، وواجبا عليهم! لأن العلماء هم أعمدة المجتمع، والحكام الفعليون للناس، وهم الأبعد نظرا والذين يتحملون مسؤولية خاصة. لقد منعت دولة الخلافة كتابة ورواية سنة رسول الله، وأحرقت المكتوب منها، ودام المنع مائة عام ونيف، فهل روي التاريخ لنا أن وفدا من العلماء، قد قابل أي خليفة من خلفاء بني أمية وشرح له المخاطر التي تترتب علي الاستمرار بمنع كتابة ورواية أحاديث رسول الله؟!! كانت هذه الخطوة أبسط واجبات العلماء، وأقل مظاهر ممارستهم لمسؤولياتهم الخاصة!! لم يرو التاريخ شيئا عن مثل هذا الوفد!! نحن لا نطالب بأن يمتنع العلماء عن موالاة الخليفة القائم، بل طالبنا بأن ينصحوه ويبينوا له الدرب باعتبار أن الدين هو النصيحة!! لقد كان [ صفحه 397] علماء دولة الخلافة فصيلا من الجيش، يأمره الخليفة فيطيع، وينهاه فينتهي!! إن قرار السماح بكتابة قرار حكومي من كل الوجوه اتخذه الخليفة بمحض اختياره ونال شرفه وحده وتابع الخلفاء تنفيذه، ولا بد لعلماء دولة الخلافة فيه ولا فضل لهم عليه، بل الثابت أنهم قد قاوموه في البداية، ومضت مدة ثلاثين عاما قبل أن يعقلوه بحجة تعارضه مع سنة الخلفاء الراشدين، ولما أصر الخلفاء علي قرارهم نفذه علماء دولة الخلافة وهم كارهون، لا قناعة بوجاهته، ولكن خوفا من سلطان الدولة!! وتلك أمور تسجل علي علماء دولة الخلافة لا لهم. 2 - لقد كلف العلماء أنفسهم بما لا قبل لهم به، ولا طاقة لهم عليهم: فطوال مائة عام ونيف دولة عظمي تقف بكل قوتها ونفوذها ومواردها ضد كتابة ورواية سنة الرسول، وفي الوقت نفسه تضع وتطبق سننا واجتهادات بديلة لسنة الرسول، ولما قرر عمر بن عبد العزيز السماح بكتابة ورواية سنة الرسول، كانت السنن والاجتهادات البديلة تشكل منظومة حقوقية كاملة، ونافذة المفعول، أو كانت هذه السنن والاجتهادات بمثابة القانون الوحيد النافذ في المجتمع كله، كان دور سنة الرسول مقتصرا علي العبادات، أو علي بعض الأمور التي لا تتعارض مع السنن الوضعية والاجتهادات التي قبلت بها الأغلبية الساحقة من المسلمين طوعا أو كرها، ثم اعتادت عليها، فمن يتوقع من هذه الأغلبية أن تتنازل عن قوانينها النافذة!! ومن يتوقع منها أن تقر وتعترف بأنها قد تركت النص وأخذت بالاجتهاد، وأنها قد تركت سنة رسول الله وأخذت بسنة الخلفاء!! وهذا يستدعي إضفاء الشرعية الإسلامية أية شرعية ولو علي السنن والاجتهادات التي حلت محل سنة الرسول!! وهذا يستدعي أن توحد الأغلبية جهودها، وأن تعيق إظهار سنة الرسول التي ستدينها. لقد كانت الأغلبية الساحقة من المجتمع ضد فكرة تدوين السنة وروايتها، لأنها قد اعتادت طوال مائة عام [ صفحه 398] علي مبدأ عدم كتابة وتدوين سنة الرسول!!! لذلك فإن للأغلبية مصلحة بإجهاض أو إفشال فكرة تدوين ورواية سنة الرسول، ولها مصلحة بخلط الأوراق، بحيث لا يعرف علي وجه اليقين ما هي سنة الرسول وما هي سنة الخلفاء!! ولها مصلحة بأن لا يعرف علي وجه اليقين أين هي مواقع التعارض والتصادم والتناقض بين سنة الرسول وسنن الخلفاء!! ثم إن العلماء أنفسهم كان لهم تفكير الأكثرية، وثقافة الأكثرية، وكانوا يعتبرون أنفسهم والأكثرية صفا واحدا أو فريقا واحدا، لأنهم قد أشربوا القناعات نفسها!! فعملية فرز ما قاله الرسول، عما تقولته الأكثرية أو الرواة عليه بهذا المناخ وعلي أيدي أولئك العلماء كانت عملية مستحيلة، لأنها ضد الطبيعة. 3 - إن علماء دولة الخلافة كانوا يعلمون علم اليقين بأن رسول الله قد قال " لقد تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا، فانظروا كيف تخلفوني فيهما! وحتي بعد عمليات الفرز أكد مسلم في صحيحه حتمية صدور حديث الثقلين عن رسول الله، ثم إن القرآن الكريم قد ذكر أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وذكر آية المودة في القربي، وكيف ينسي علماء دولة الخلافة قيمة آل محمد، وقد أمرهم الله أن يصلوا علي محمد وآله في كل صلاة. لنفترض أن علماء دولة الخلافة حياديين وموضوعيين، فطالما أنهم يواجهون مشكلة كبري بهذا التعقيد، ولهم الرغبة الصادقة بحلها، فما الذي يمنعهم من الاستعانة بأهل الخبرة وبالقادرين علي المساهمة بالحل!! فهل ذكر لنا التاريخ أن مجموعة أو وفدا من العلماء قد ذهب لمقابلة عميد آل محمد وسأله كيف نميز ما قاله الرسول عما تقوله الرواة عليه!!! في كل وقت من الأوقات كان لآل محمد عميد أو إمام يعترف المسلمون به كشيخ لآل محمد، فهل قابل علماء دولة الخلافة الإمام الباقر، أو الصادق، أو [ صفحه 399] الكاظم، فالثلاثة أحفاد النبي، والثلاثة عمداء لأهل بيت النبوة - كل في زمانه - والدولة والرعية يعترفون بأنهم أحفاد النبي، وعمدا أو شيوخ آل محمد!! فماذا يغير العلماء، لو وجهوا لأي واحد منهم السؤال الآنف الذكر!! ألا يستطيع وفد العلماء أن يقول لعميد أهل البيت: عندك سنة الرسول مكتوبة، فدعنا نحضر لك ما كتبناه، لتميز لنا منه ما قاله الرسول، مما تقوله الناس عليه!! إن التاريخ لم يذكر لنا مثل هذا الوفد، ولم يذكر لنا أن مثل هذا السؤال قد طرح أصلا!!! إذا لم يلجأ لأحد ثقلي الإسلام لحل هذه المشكلة الخطيرة فمتي يلجؤون!!! ما هي العداوة بين علماء دولة الخلافة وبين عمداء أهل بيت النبوة!!! وما هو المانع من اللجوء إليهم، ومن سؤالهم!!! إن الإنسان يلجأ لعدوه في أمور أقل خطورة من ذلك، فلو كان أحدهم مريضا، واكتشف أن العلاج لا يتوفر إلا في صيدلية نصراني، أو يهودي، أو مجوسي... الخ فما هو وجه الغلط إن أخذ العلاج من تلك الصيدلية!!! لقد سمع العلماء ممن هم أقل مرتبة من أهل بيت النبوة، لقد سألوا كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وتميم الدارمي وغيرهم وهم لا يصلحون خداما لأهل بيت النبوة ولعمدائهم فما هو الغلط في رجوع علماء دولة الخلافة لآل محمد وسؤالهم!!! ولكن ثقيل علي نفوس علماء دولة الخلافة أن يسألوا عميد أهل بيت النبوة، أو أن يلجؤوا إلي أهل البيت، أو أن يعترفوا بمنزلة أهل بيت النبوة عند الله ورسوله أو بدورهم المميز في المسلمين بعد وفاة رسول الله، لأن ذلك يخالف سنة الخلفاء، وما تعارفت عليه الأغلبية الساحقة من الأمة طوال مائة عام ونيف، ويتعارض مع ثقافة التاريخ التي تربي عليها العلماء والأغلبية، وأشربتها قلوبهم، لقد تعود علماء دولة الخلافة علي طاعة الخلفاء، والالتزام التام بتوجههم العام، وقلوب الخلفاء مسكونة بالحساسية [ صفحه 400] من أهل بيت النبوة، ومليئة بالحذر والخوف منهم لأن الخلفاء موقنون بأنهم قد أخذوا ما ليس لهم، وجلسوا في مقعد مخصص لغيرهم وهم يتوقعون دائما أن يطالب مالك الحاجة بملكه، وصاحب المقعد بمقعده، لذلك انحصر هم الخلفاء وأعوانهم، بوضع العوائق والعراقيل التي تحول بين المالك وملكه وصاحب المقعد ومقعده، وحملوا الناس علي ذلك، وشارك العلماء المجتمع في ذلك!!! هذه هي الأسباب التي حالت بين العلماء وبين الاستعانة بأهل بيت النبوة أحد ثقلي الإسلام لمعرفة الحق من الباطل، وما قاله الرسول مما تقوله الرواة عليه!! لقد قلد علماء دولة الخلفاء، ولم يبدعوا، وألزموا أنفسهم بأن يكونوا تبعا لدولة الخلافة، لا روادا لها، وفصيلا من جيشها مهمته الطاعة، لا حكماء مهمتهم أن يستكشفوا معالم المستقبل!!! 4 - ثم أوقع علماء دولة الخلافة أنفسهم، بمطب جديد، يوم تبنوا حرفيا نظرية عدالة كل الصحابة، التي وضعها معاوية بن أبي سفيان، ووضعوا أنفسهم والأغلبية الساحقة التي اتبعتهم، بحالة صدام ومواجهة وتناقض دائم مع القرآن الكريم، والثابت من سنة الرسول، وما هو معلوم من الدين بالضرورة، عندما أوجدوا حكما مفاده " بأن كل الصحابة بلا استثناء عدول " وأن هذا الحكم ينطبق علي كل من لقي الرسول مؤمنا به أو متظاهرا بالإيمان، وعلي كل من شاهد الرسول، أو شاهده الرسول... لا فرق بين سابق ومتأخر وقاعد ومجاهد، وخامل ومجتهد، ومصيب ومخطئ، ولا بين من قاتل مع رسول الله في كل مواقع، ومن قاتله في كل المواقع حتي أحيط به فاضطر مكرها للتلفظ بالشهادتين ولا فرق بين مؤمن صادق الإيمان، ومنافق يظهر الإسلام ويبطن النفاق!! كل واحد من مواطني دولة الرسول حسب هذا المعيار الفضفاض صحابي، لأن كل مواطن من مواطني دولته صلي الله عليه وآله وسلم إما أن يكون قد رأي الرسول أو أن الرسول قد رآه، فهل يعقل أن يكون شعب دولة الرسول وكل مواطني دولته عدولا [ صفحه 401] بالمعني الذي يقصده علماء دولة الخلافة!! فإن كانوا عدولا فعلي من كانت تقام الحدود وهل الذين سرقوا وزنوا وقذفوا المحصنات الغافلات، والذين آذوا رسول الله، ونادوه من وراء الحجرات... الخ كانوا أشباحا أم من عداد أفراد الشعب ومواطني دولة النبي!! فكيف يكون السارق والزاني وقاذف المحصنات من العدول وقد ارتكبوا جرائم في شرع الله!! الله سبحانه وتعالي يشهد بأن الذين ينادون رسول الله من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون، وعلماء دولة الخلفاء يصفونهم بأنهم عدول ولا يجوز عليهم الخطأ!! الله سبحانه وتعالي يشهد علي فئة من مواطني دولة النبي بقوله: (وما هم بمؤمنين... يخادعون الله والذين ءامنوا... وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم... ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالي ولا ينفقون إلا وهم كارهون... ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون (56)... ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن... فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون(76) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلي يوم يلقونه... ومن أظلم ممن افتري علي الله الكذب وهو يدعي إلي الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين(7)) فهل عني الله سبحانه وتعالي أشباحا أم عني مسلمين وكائنات حية، وأعضاء في المجتمع الإسلامي!!! سيقول علماء دولة الخلافة إن الله قد عني المنافقين. في وقت من الأوقات الرسول نفسه لم يعرف المنافقين (لا تعلمهم نحن نعلمهم) ابن أبي هو المنافق الوحيد المعروف للجميع، لقد كان المنافقون شريعة كبري من شرائع المجتمع، فهل وضع رسول الله " يافطة " لكل واحد منهم، هل منعهم من دخول المسجد، وهل منعهم من الخروج معه، هل كان يقول لكل منافق أنت منافق،!! لقد كانوا مندسين في المجتمع كالمرض الوبيل، وكانوا يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون الكفر والفسوق والعصيان، ومع هذا كانوا يحملون الهوية أو الجواز الإسلامي، ومات الرسول وهم علي هذه الحالة، لست أدري من الذي أعطي علماء دولة الخلافة صلاحية إعطاء هذه الشريحة صفة [ صفحه 402] العدول!! ومن الذي خولهم بأن يعلنوا بلسان الحق أن هذه الشريحة من أهل الجنة!! ومن الذي أهل العلماء ليجعلوا لكل فرد من أفراد هذه الشريحة سنته الخاصة به وعلي أي أساس استندوا عندما فوضوا المسلمين بأن يأخذوا دينهم عن أي فرد من أفراد تلك الشريحة!! ثم من الذي أعطاهم صلاحية هدم الفوارق بين الصادقين والكاذبين، لو أن علماء دولة الخلافة قد قالوا بأن صحابة رسول الله المخلصين هم أفضل من سار علي وجه الأرض في زمانهم لكان العلماء علي الحق في ما قالوا، ولو أنهم كلفوا المسلمين بالدعاء في كل الأوقات لأصحاب الرسول الصادقين لكانوا علي الحق أيضا، أما أن يعدلوا شعبا كاملا ومواطني دولة، ويدخلوهم الجنة بسبب رؤيتهم للرسول فهذا ما لا نرضاه لعلماء دولة الخلافة، ولا نرضاه لديننا الحنيف، ولا يقره عقل سليم نتمني علي علماء دولة الخلاة أن يعبدوا النظر بأحكامهم المتعلقة بهذه النظرية، فإن أبوا، فإن حكمهم شئ، وحكم الله ورسوله شئ آخر، والمسلم ملزم باتباع الله ورسوله وغير ملزم باتباع أي عالم أو مجموعة من العلماء في رأي يرونه! ولم يقف علماء دولة الخلافة عند الحدود السابقة، بل أصدروا أحكاما أخري مفادها، أن الصحابة كلهم قد كانوا علي الحق بحروبهم الدامية التي جرت بينهم، وأنهم جميعا في الجنة، وأنهم جميعا مأجورون!! فالإمام علي بن أبي طالب الخليفة الشرعي مأجور وفي الجنة، ومعاوية بن أبي سفيان الخارج عن طاعته مأجور وفي الجنة أيضا!! والإمام الحسين وأحفاد النبي وحفيداته، وأبناء عمومته الذين ذبحوا في كربلاء كما تذبح الأضاحي مأجورون وفي الجنة، ويزيد بن معاوية وقادة جيشه الذين ارتكبوا المذبحة مأجورون أيضا وفي الجنة بحجة أنهم صحابة ومجتهدون [768] لقد دخل علماء دولة الخلافة في مواجهة مكشوفة مع الفطرة والعقل، وفي [ صفحه 403] صدام واضح مع روح الدين!! لقد تركوا قواعد الدين ومبادئه كلها، واختصروا الإسلام في جملة واحدة " المجتهد مأجور أصاب أم أخطأ " وهل في قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق اجتهاد!! وهل في الإسلام إلا حق واحد؟ وهل فيه غير صراط واحد وهو صراط الله المستقيم!! وهل له غير شرع واحد!! وهل سمعتم في حياتكم أن شريعة من الشرائع السماوية أو الوضعية قد ساوت بين الجاني والضحية!! لقد جانب علماء دولة الخلافة الصواب يوم أفتوا بأخذ سنة الرسول من كل واحد من مواطني دولة الرسول بحجة أنهم جميعا قد تشرفوا بمشاهدة رسول الله فصاروا صحابة!! كما جانبوا الصواب يوم هدموا الفوارق بين طبقات الصحابة وساووا بين الأول والأخير، والعالم والجاهل، والقاعد والمجاهد، ومن وقف مع الرسول كمن وقف ضده!! لقد فتحوا علي الإسلام وعلي رسول الله أبوابا كانت مغلقة، لقد أتاحوا الفرصة أمام الجاني ينكل بضحيته، ويسخر منها، وأعطوا المبطل والمعتدي الحق ليجني ثمرة عدوانه وباطله. 5 - كان بإمكان علماء دولة الخلافة أن يستفيدوا من سيرة الرسول العملية وأن يستخرجوا منها موازين دقيقة، لكن أغلبية أولئك العلماء قد تجاهلوا سيرة الرسول تجاهلا تاما، وتجاهلوا واقعتي: بناء دولة النبي، ومسيرة الدعوة، كما تجاهلوا إسهامات الصحابة الكرام في بناء الدولة، ومسيرة الدعوة، ومواقف الناس من هاتين الواقعتين، فالإسهامات والمواقف معايير موضوعية، فالذين لازموا الرسول، وبنوا الدولة علي أكتافهم، وفدوا الدعوة بأرواحهم، وعرفوا الإسلام نصا نصا بطول ملازمتهم للرسول هم وحدهم الذين يعرفون سنة الرسول، وهم وحدهم المؤتمنون عليها باستثناء القليل، فإن علماء دولة الخلافة لم يبذلوا أي جهد يذكر للاستفادة من علوم وخبرة ذلك النفر الصادق من الصحابة الذين [ صفحه 404] أسهموا إسهامات عظيمة في بناء الدولة ومسيرة الدعوة أين سعد بن عبادة!! أين المقداد بن عمرو، أين الحباب بن المنذر، أين عمار بن ياسر، أين أبو ذر الغفاري!! ما لهم قد اختفوا بعد موت الرسول!! ما لو سائل أعلام الدولة قد تجاهلت وجودهم تماما!! لماذا طاردتهم الدولة!!! ولماذا تجاهل العلماء وجودهم وشهاداتهم، وخبرتهم بسنة الرسول. 6 - إن المشكلة ما زالت قائمة وأن علماء دولة الخلفاء لا يعلمون علي وجه اليقين ما قاله الرسول مما تقوله الرواة عليه، وهم يعلنون بكل صراحة لحد الآن بأنهم يتبعون " ما يغلب الظن علي صدقه " وأن الظن لا يغني من الحق شيئا، وكل ما جمعه العلماء موجود، ومحفوظ في الكتب، الصحيح منه برأيهم وغير الصحيح حسب رأيهم!! لقد فشلت الموازين التي أوجدها علماء دولة الخلافة، فحديث خلق الله السماوات والأرض في سبعة أيام صحيح حسب كل موازين علماء دولة الخلافة فقد قال أبو هريرة بأن الرسول قد أخذ بيده وقاله له! وإسناده من أوله إلي آخره صحيح حسب موازينهم، ورجاله كلهم ثقات حسب موازينهم، وأبو هريرة صحابي ومن العدول حسب تلك الموازين، ومن المحال عقلا أن يكذب علي رسول الله؟ حسب الموازين الله سبحانه وتعالي يؤكد في أكثر من آية محكمة أنه قد خلق السماوات والأرض في ستة أيام والرسول لا ينطق عن الهوي، بل يتبع ما يوحي إليه من ربه، فمن نصدق حسب رأيكم هل نصدق القرآن أن نصدق موازينكم!! وهل يعقل أن يناقض الوحي نفسه!! ومعني ذلك أن الخلل يكمن في الموازين لا في الدين!! وأن الخلل ما زال موجودا ماذا يغير علماء دولة الخلفاء اليوم لو حملوا مشكلتهم، وطرحوا سؤالهم من جديد علي أهل بيت النبوة!! أيها السادة لا داعي للخوف إن معاوية ميت فلن يعاقبكم ولن يقطع عنكم العطاء!! أيها السادة إن الخلفاء في ذمة الله، أنتم أحرار الآن!! نبيكم يذكركم بحديث [ صفحه 405] الثقلين الذي لا تنكرونه، وأهل بيت النبوة كبار لهم القدرة علي أن يسامحوكم، وعندهم الاستعداد ليجيبوا علي كل أسئلتكم، فهم وحدهم الذين يملكون سنة الرسول الصحيحة وهم وحدهم الذين يميزون علي وجه اليقين بين ما قاله الرسول وما تقوله الناس عليه وهم وحدهم المؤهلون لبيان القرآن بيانا قائما علي الجزم واليقين (لا يمسه إلا المطهرون) إنكم تعتقدون أن المس يعني الملامسة والمسك!! بإمكان مشرك نجس أن يشتري نسخة من القرآن وأن يحملها في شوارع المدينة، بإمكان يهودي أو نصراني أن يفعل ذلك!! المس المقصود في الآية هو البيان، والمطهرون هم أهل بيت النبوة، وهي تعني أنه لا يفهم بيان القرآن فهما يقينيا إلا أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!! أيها السادة ما هي العداوة بينكم وبين أهل بيت النبوة!! نحن نتبع محمد بن عبد الوهاب، والبناء، والنبهاني والعلماء الأفذاذ، وهم يتبعون رسول الله وسيرة السلف الصالح!! لا بأس أيها السادة، إنها لا تعمي الأبصار، لكنها تعمي القلوب التي في الصدور، انتظروا إنا منتظرون!!!

1 - وضع الخلفاء الثلاثة الأول الذين منعوا رواية وكتابة الأحاديث النبوية [769] من اجتهاداتهم الخاصة المبادئ العامة لمنظومة حقوقية متكاملة وجديدة وقفت علي قدم المساواة مع المنظومة الحقوقية الإلهية، بل ورجحت عليها عند التضارب بين أحكام المنظومتين!! فإذا أوجد الخلفاء من اجتهاداتهم حكما لواقعة من الوقائع، كان الرسول قد بين لها حكما آخر، فإن الذي يطبق هو الحكم الذي وضعه أو ارتآه الخلفاء، ومن [ صفحه 406] الطبيعي أن يحتج أهل بيت النبوة، والفئة القليلة المؤمنة العارفة بالأحكام الشرعية، فكان أولياء الخلفاء يختلفون أحاديث علي رسول الله فيتقربون بهذه الأحاديث المختلقة إلي الخلفاء وفي الوقت نفسه يبررون ويدعمون اجتهادات الخلفاء، وبما أن دولة الخلافة هي المسيطرة علي وسائل الإعلام والمناهج التربوية والتعليمية، فقد كانت تجيز هذه الاختلافات وتظهرها بمظهر الأحاديث الصحيحة وتعتمدها وساعدهم علي ذلك تفشي نظرية عدالة كل الصحابة، فالذين اختلقوا هذه الأحاديث كانوا قد شاهدوا الرسول وهذه المشاهدة كافية لتجعلهم عدولا، ولتضفي عل كل ما يصدر منهم طابع الصدق والصواب!! أما الأحاديث المناقضة لاجتهادات الخلفاء فقد كان يعتم عليها تعتيما تاما، يتم تجاهلها بالكامل، وإن ظهرت رغم ذلك، فقد كان يتم تداولها سرا وبخوف، أما علنا فهي موضع شك لأنها مخالفة لرأي الدولة. 2 - لما استولي معاوية علي منصب الخلافة أصدر سلسلة من المراسم، الملكية وعممها علي كافة الولاة والعمال في كل مكان من أرجاء مملكته في نسخة واحدة وطلب منهم تنفيذها بدقة تامة، جاء في أحدها أن برئت الذمة ممن روي شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيت النبوة، وجاء في آخر " لا تدعوا شيئا يروي في فضل أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة " [770] وأمر الناس أن يروي في فضل عثمان، ثم في فضل أبي بكر، ثم في فضل عمر، ثم في فضل الصحابة مجتمعين ومتفردين باستثناء علي بن أبي طالب ومن والاه ووعد الرواة بجوائز سنية، وأعطوا بالفعل عطايا تفوق حدي التصور والتصديق!! فانبجست الأرض فجأة عن آلاف الرواة وفاضت الدنيا بالروايات، التي تمدح الخلفاء ومن والاهم، وتذم أهل [ صفحه 407] بيت النبوة وعلي بن أبي طالب خاصة ومن والاهم أو وبتعبير أدق، تمجد دولة الخلافة، وتبرر أفعال الخلفاء ومساعديهم، وتضفي عليهم طابع القداسة التامة، وتذم أعداءهم، وتظهرهم بمظهر المارقين الشاقين لعصا الطاعة، المفرقين للجماعة وتهبط بمنزلة علي بن أبي طالب إلي مستوي الحضيض، وتلغي بالكامل مكانة أهل بيت النبوة، وتتجاهل وجودهم تجاهلا تاما فتؤخرهم وتقدم الجميع عليهم، ولما تحقق لمعاوية ما أراد، وجمع هذا الكم الهائل من المرويات الكاذبة، فرض علي العامة والخاصة تعلم هذه الروايات وحفظها، وجعلها المادة الأساسية في الكتاتيب والمعاهد والجامعات!!! " قال المدائني في كتابه " الأحداث ": " كتب معاوية إلي عماله بعد عام " الجماعة " أن برئت الذمة ممن روي شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيت النبوة. وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلي بكل ما يروي رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك، حتي أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه، في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه، وشفعه، فلبثوا في ذلك حينا، ثم كتب إلي عماله " إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خيرا يرويه واحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة!! فإن هذا أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله "، فقرئت كتبه علي الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة، [ صفحه 408] مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري في هذا المجري، حتي أشادوا بذكر ذلك علي المنابر، وألقي إلي معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير، حتي رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتي علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا في ذلك ما شاء الله، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضي علي ذلك الفقهاء، والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والتمسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به المال والضياع والمنازل، حتي انتقلت تلك الأخبار إلي أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها، ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولما تدينوا بها " انتهي النص الحرفي لما ذكره المدائني كما روي ابن أبي الحديد " [771] قال ابن نفطويه وهو من كبار المحدثين وأئمة الجرح والتعديل بأن أكثر الأحاديث التي وضعت في فضائل الصحابة مفتعلة، وكان القصد منها إرغام أنوف بني هاشم [772] . وخلال هذه الفترة سب معاوية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمر الناس جميعا بشتمه ولعنه، وجعل ذلك سنة يجهر بها علي منابر المسلمين في كل عيد وجمعة، وما زال الخطباء في جميع أنحاء البلاد تعد تلك المنكرة جزءا من خطبة الجمعة والعيدين حتي عام 99 ه، عندما أزال هذه المنكرة عمر بن عبد العزيز وتلك حقيقة متواترة [773] . [ صفحه 409] قال شيخ المعتزلة أبو جعفر الإسكافي: " إن معاوية حمل قوما علي الصحابة وقوما من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلك جعلا يرغب بمثله، فاختلفوا له ما أرضاه " [774] منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير ".

1 - قال عمرو بن العاص " سمعت رسول الله يقول: " إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين " أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. 2 - قال أبو هريرة: " يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب علي الله ورسوله وأحرق نفسي بالنار، والله لقد سمعت رسول الله يقول: " إن لكل نبي حرم، وأن المدينة حرمي، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ثم قال وأشهد بأن عليا قد أحدث فيها!! فلما بلغ معاوية هذا الحديث أجاز أبا هريرة وأكرمه وولاه إمارة المدينة " [775] . 3 - قال الزهري، حدثني عروة بن الزبير، قال حدثني عائشة قالت: " كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي فقال الرسول يا عائشة إن هذين يموتان علي غير ملتي أو قال غير ديني ". هذه الأحاديث وأمثالها من التي رويت لإرضاء معاوية، ولتبرير أفاعيله ساقطة بكل المعايير، لأنها تتناقض مع مئات الأحاديث النبوية الصحيحة [ صفحه 410] المتواترة، التي صرح بها النبي الأعظم أمام الآلاف من المسلمين، ولأنها تتناقض مع واقع الحال، ومع تاريخ الإسلام فأبو طالب هو الذي حمي الدعوة والداعية قبل الهجرة وعلي هو فارس الإسلام وحامل راية الرسول في كل المواقع، وهو أخوه ووليه، ووالد سبطيه وزوج ابنته، وهو الذي ركع العرب بسيفه ورمحه، ثم إن معاوية، وعمر وعروة وأمثالهم موتورون وحاقدون علي الإمام علي وأهل بيته، لأنهم قتلوا إخوانهم وأخوالهم، وعمومتهم في بدر، فضلا عن ذلك فإن معاوية نفسه طليق ومن المؤلفة قلوبهم، ومن أعداء الله الذين حاربوا الله ورسوله في كل المواقع وقد أسلم لما أحيط به، كذلك فإن عمرو ابن العاص من حديثي العهد بالإسلام فقد أسلم بعد صلح الحديبية، أما عروة فعلاوة علي أنه موتور وحاسد، فهو مغامر، يريد السلطة والجاه والنفوذ، وقد أدرك أن كراهية أهل بيت النبوة عامة وعلي بن أبي طالب خاصة هي الطريق الأسرع لتحقيق ما يريد. والخلاصة أن هذه الأحاديث التي وضعت في عهد معاوية خاصة، كان القصد منها خلط الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وطمس معالم الشريعة الإلهية خاصة الأحكام التي عالجت نظام الحكم في الإسلام، والقضاء التام علي تميز صاحب الحق الشرعي علي بن أبي طالب وتميز أهل بيت النبوة وهدم مراتبهم العلية، حتي لا تقوم لهم قائمة، فيصفو وجه الخلافة له ولذريته خاصة وللأمويين عامة. 3 - وعندما رفعت الدولة الحظر عن رواية وكتابنا الأحاديث النبوية في المجالات الأخري بعد مائة عام من منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية، هب العلماء للبحث عن سنة الرسول بين الأنقاض!! فوجدوا أنفسهم أمام هذه السيول المتدفقة من المرويات الكاذبة، والتي تتبعها الدولة وشهدت بصحتها، والتي اقتنع بها العامة بمرور الوقت وتدينوا بها، ولم يكن بوسع أحد من الخاصة أن يطعن بمثل تلك الأحاديث، لأن الطعن بها سيفسر بأنه [ صفحه 411] طعن بالدولة التي شهدت بصحتها، وطعن بالرواة، وبما أن رواتها صحابة فإن الطعن بهم هو طعن مباشر بالدين الحنيف، فاضطر العلماء أو الرواة الجدد الذين انطلقوا بالفعل للبحث عن حديث الرسول وجمعه، اضطروا أن يعتبروا هذه المرويات الموضوعة والمختلفة صحيحة، لأنها صحيحة من حيث الشكل، وهكذا شهد العلماء والرواة المستقلون ضمنا بصحة تلك الأحاديث الموضوعة، فاعتبروها من المسلمات، أو من الحقائق الواقعية التي لا يمكن القفز عنها!! لذلك أخذوا يبنون فوقها، ويضيقون عليها، ويستشهدون بها، بل صارت المرويات الكاذبة التي افتعلت في زمن بني أمية أقرب إلي الصحة شكلا من المرويات اللاحقة، فعمرو بن العاص مثلا كان يقول سمعت رسول الله يقول، وما أن يتم عمرو جملته حتي تتلقفها وسائل إعلام الدولة فتنشرها علي الرعية بكل وسائل النشر والإعلان، لأن عمرو بن العاص من أركان دولة معاوية، وفي الوقت نفسه صحابي شاهد الرسول وجالسه وهو بحسب نظرية عدالة الصحابة صادق مصدق يمتنع عليه الكذب أو الغلط!! وعندما رفعت الدولة الحظر عن رواية وكتابة الأحاديث النبوية بعد مائة عام من حظرها وبسبب الفارق الزمني، اضطر المعنيون بجمع الحديث إلي القول " حدثنا فلان، قال حدثنا علان، قال حدثنا زيد، قال حدثنا زيدان قال حدثنا عمرو بن العاص أنه قال سمعت رسول الله... ". ولأن الأكثرية الساحقة من الرعية قد اقتنعت بصحة المرويات الكاذبة التي اختلقها الأمويون وأشياعهم، فقد وضعوا تحت تصرف الباحثين الجدد عن حديث رسول الله كافة تلك المرويات التي ورثوها، جيلا بعد جيل، فترسخ الكذب، وألبس ثوب الصدق!! فصار من حيث الشكل صدقا، وفق كل المعابير التي وضعها العلماء الباحثون عن حديث الرسول لضبط عملية نقل الحديث وروايته لذلك انطلقوا منها، وبنوا فوقها، لأنها مدعومة من [ صفحه 412] الدولة، ومسلم بصحتها شعيبا!! وساعدهم علي ذلك أنهم قد اعتمدوا المعايير التي وضعها معاوية وشيعته لنظرية عدالة كل الصحابة!! فآمنوا كما آمن معاوية بأن كل صحابي علي الإطلاق صادق يمتنع عليه الكذب والغلط، باستثناء علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة، ومنجهر بولائه لهم أو عرف بهذا الولاء!! فتداول الناس المرويات التي اختلقها الأمويون، والمرويات التي تمخض عنها جهد العلماء الباحثين فعلا عن حديث رسول الله، واعتبروا المجموعتين أجزاء من منظومة أو مجموعة واحدة، أو وجوها متعددة لشئ واحد، وتجاوزت مرويات هذه المجموعة الملايين، وكلها من حيث الشكل مروية بطريقة مقبولة وأدرك البعض أنه من المستحيل عقلا أن تصدر كل هذه المرويات عن رسول الله!! خاصة، وأن بعضها يناقض بعض!! وكان من المتعذر عليهم أن يجهروا بهذه القناعة الخفية خوفا من العامة، لذلك رأي البعض أن من الأنسب اختيار كميات محدودة من هذه الملايين، وجمعها بمجموعات خاصة، ووضعها تحت تصرف المسلمين، وأعمالا لهذه الرؤية، وضعت كتب الحديث التي سماها أصحابها أو عرفت عند العامة... بالصحاح وبرزت من هذه المجموعات " الصحاح الستة " وكان لجامع كل صحيح أسلوبه الخاص باختيار رجاله، ومروياته وتبويب كتابة، وظهرت المسانيد، والسنن، وهي كلها عبارة عن كتب حديث مختارة من المجموعة الكبري التي أشرنا إليها قبل قليل. والخط العام الذي انتهجه أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن، هو خط دولة الخلافة، والرواة كلهم علي الأغلب من الموالين لها، ومن الذين أشربوا ثقافتها ولا عبرة بسابقة الرواة للإسلام أو حداثتهم فيه، ولا لعلمهم في الدين أو جهلهم فيه، ولا لجهادهم أو قعودهم، فأبو هريرة الذي لا يعرف علي وجه التحقيق اسمه الحقيقي لم يصحب النبي أكثر من سنتين [ صفحه 413] ومع هذا يروون عنه 5374 حديثا روي منها البخاري 446 حديثا، وهذه الأرقام المذهلة تشكل أضعافا مضاعفة للأحاديث التي رويت عن أصحاب بيعة الرضوان مجتمعين وهم يربون علي 1400 صحابي!! والعلة في ذلك بأن أبا هريرة كان من المؤيدين لبني أمية عامة ولمعاوية بن أبي سفيان خاصة، فكان يضع أحاديث علي رسول الله في مدح معاوية والأمويين، ويضع أحاديث في ذم علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة!! وكان يسمع الإسرائيليات من كعب الأحبار، وحتي يضفي علي هذه الإسرائيليات طابع الأهمية، ويضمن لها الرواج فقد كان يدعي بأنه قد سمعها عن رسول الله!! " [776] . وأحيانا كان الخليفة يجتهد اجتهادا ما في أي أمر من الأمور العامة أو الخاصة، فيقال صدقا أو كذبا أن اجتهاد هذا الخليفة أو ذاك مخالف للشرع الحنيف، عندئذ يخرج من بين المجموع الموالية من يتبرع بوضع الحديث علي رسول الله ليبرر اجتهاد الخليفة، وليثبت التزام الخليفة بالشرع، فيروي المؤمنون الصادقون أحاديث صحيحة سمعوها بالفعل من رسول الله، ويعبرون عن دهشتهم واستنكارهم للأحاديث الموضوعة في هذا المجال أو ذاك!! ولكن في النتيجة تقف الأحاديث الموضوعة علي رسول الله جنبا إلي جنب مع الأحاديث الصادرة بالفعل عن رسول الله، ولأن الأحاديث الموضوعة تخدم الدولة وتوجهاتها، والأحاديث الصحيحة تتعارض مع توجهات الدولة، فإن الدولة بما لها من نفوذ وقدرة إعلامية تسلط الأضواء علي الأحاديث المكذوبة، وتظهرها بمظهر الصحيحة، وتعتم علي الأحاديث الصادرة بالفعل عن رسول الله، وتحيطها بالشكوك، ومن الأمثلة علي ذلك متعة الحج ومتعة النساء، ومنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية، فقد رويت أحاديث تحرم متعة الحج ومتعة النساء، كما تحرم كتابة ورواية [ صفحه 414] الأحاديث النبوية، كما رويت أحاديث تحلل المتعتين، وتحض علي كتابة ورواية الأحاديث النبوية، ولأن الموجة الأولي من هذه الأحاديث تتفق مع سياسة الدولة وعمل الخلفاء، فقد ثبتت، وكتبت لها الحياة لتبقي بصورة دائمة مواجهة للأحاديث الصحيحة الصادرة عن رسول الله، ومهمة الأحاديث المكذوبة أن تكون دفاعا تاريخيا دائما عن شرعية ومثالية سلوك الخلفاء!! وهكذا تتعايش الأحاديث الموضوعة علي رسول الله مع الأحاديث الصادرة عنه بالفعل وتحلان في مكان واحد!! فالحديث الذي وضعه عمرو بن العاص " أن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين " أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهم يعلمون أن الإمام عليا، والحسن والحسين وذرية النبي المتبقية هم من آل أبي طالب، فإذا كان علي والحسن والحسين والأئمة الأعلام من الذرية الطاهرة ليسوا بأولياء النبي، فمن هم أولياؤه إذا!! ومن هم صالح المؤمنين الذين عناهم عمرو؟! أكبر الظن بأن عمرو أراد أن يوحي للمسلمين بأنه ومعاوية والمغيرة بن شعبة وابن أبي سرح وأمثالهم هم صالح المؤمنين!!! ومع هذا يروي البخاري حديث المنزلة " أنت مني بمنزلة هارون من موسي... " ويروي مسلم حديث الثقلين " كتاب الله وعترتي أهل بيتي " وهذه الأحاديث المتناقضة صحيحة، بدليل أن البخاري ومسلم قد أخرجاها، وأفردا لها مكانا في صحيحيهما!! ليس هذا فقط إنما الكثير من الأحاديث التي اعتبروها صحيحة مخالفة للقرآن الكريم مخالفة واضحة، فقد أخرج البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه باب من آذيته ومسلم في صحيحه كتاب البر والصلة باب من لعنه النبي أن رسول الله كان يغضب، فيلعن ويسب ويؤذي من لا يستحقها، فدعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهورا، هذا الحديث الموضوع [ صفحه 415] يصور صاحب الخلق العظيم (وإنك لعلي خلق عظيم) [777] بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة علي أعصابه، فيتصرف مثل تلك التصرفات التي ألصقوها ظلما برسول الله، لأن الشخص العادي الذي لا تتوفر فيه مؤهلات النبوة يترفع عن سب ولعن وإيذاء الناس بدون سبب، فكيف بسيد الخلق وصفوة الجنس البشري وصاحب الخلق العظيم!!! وقد سقنا في البحوث السابقة نماذج متعددة من هذه الترهات الفارغة، ومع هذا يعتبرها البخاري أحاديث صحيحة، ومدعومة بقناعة شعبية لأنها تبرر تولي الذين لعنهم رسول الله منصب الخلافة!!! مع أنهم أعداء لله ولرسوله وقد لعنهم الله علي لسان رسوله!! لقد خلطوا الحق بالباطل، وضحوا بالحقائق الشرعية ليستروا علي فضائح التاريخ، وليضفوا عليها ثوب الستر والشرعية، لأنهم قد خلطوا الدين بالتاريخ، والحق بالرجال، فعرفوا الحق بالرجال، مع أن الرجال يعرفون بالحق، فأجمعوا أمرهم علي أن يستوفوا الجميع معا!! في الوقت الذي منع فيه الخلفاء كتابة ورواية الأحاديث النبوية، وفي الوقت الذي أحرقوا فيه المكتوب منها، فإنهم قد فتحوا الباب علي مصراعيه للثقافة والخرافات اليهودية والنصرانية، فكعب الأحبار مثلا، قدم المدينة، وأسلم علي عهد عمر، وبقي فيها بناء علي طلب عمر، وقد خصص له الخليفة عمر ساعة في كل أسبوع يتحدث فيها قبل صلاة الجمعة، بمسجد رسول الله، ولما آلت الخلافة لعثمان جعل الوقت ساعتين بدلا من ساعة، وكان موضع سر الخليفتين عمر وعثمان يسألانه ويرجعان إليه في مبدأ الخلق، وقضايا المعاد وتفسير القرآن وغير ذلك، مع أن الرجل لم يصحب الرسول، ولا يعرف شيئا عن الإسلام وثقافته يهودية من جميع الوجوه، وأمام هذه الثقة التي خص الخلفاء بها كعبا، علا شأنه وذاع صيته وأخذ [ صفحه 416] بعض الصحابة يروون عنه مثل أنس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير ومعاوية ونظرائهم من الصحابة والتابعين، وفتح المجال أمام أهل الكتاب في ما بعد خاصة في عهد معاوية الذي اتخذ بطانة منهم، أمثال كاتبه سرجون، وطبيبه أثال، وشاعره الأخطل، ومن خلال هذه المنافذ الواسعة دخلت الثقافتين اليهودية والنصرانية، ودخلت معهما خرافاتهما وأساطيرهما، وقناعاتهما العامة، ووجدت طريقها إلي كتب الحديث والتفسير، وساهمت بخلط الأوراق " [778] .

آل محمد الذين التفوا حول النبي قبل الهجرة وحموه وحموا دعوته خلال تلك الفترة هم الذين وضعوا أساس التاريخ الإسلامي كله، وتحملوا وحدهم أعباء المواجهة مع بطون قريش فحوصروا وحدهم من دون الناس جميعا، وقوطعوا وحدهم من دون الناس أيضا، وكان دور غيرهم من المسلمين مقتصرا علي إعلان إسلامه فقط أو إخفاء هذا الإسلام، أو الفرار بدينه حتي لا يفتنه المشركون، أما المواجهة وحماية الداعية والدعوة فقد كانت مقتصرة علي الهاشميين والمطلبيين، تلك حقيقة مطلقة لا يماري بصحتها إلا جاهل، أو ناصبي خبيث، والحقيقة المطلقة الثانية أن أبا طلب هو الذي تولي قيادة عمليتي حماية الداعية والدعوة وهو الذي تصدي لزعامة البطون طوال الفترة التي سبقت الهجرة والتي امتدت حتي موت أبي طالب، ولما مات أبو طالب سمي الرسول العام الذي مات فيه بعام الحزن، وأخذ يعد العدة الهجرة إلي قوم يتولون حمايته وحماية دعوته، والخلاصة أنه لولا الهاشميين والمطلبيين لما قامت الإسلام قائمة ولقتل النبي أو أجهضت الدعوة قبل الهجرة. [ صفحه 417] والحقيقة الثالثة أن آل محمد والفئة القليلة المؤمنة الذين التفوا حول النبي بعد الهجرة، وخاصوا معه وتحت قيادته الحكيمة الملهمة كل معارك الإيمان مع الشرك، هم وحدهم الذين صنعوا تاريخ الإسلام المجيد وكتبوه بجهادهم المميز سطرا سطرا وحرفا حرفا فخلقوا حالة من الانبهار العام لم يكن معها أمام بطون قريش خاصة والعرب عامة سوي الدخول في الإسلام أو مواجهة الموت والهزيمة النكراء، فاضطرت زعامة بطون قريش التي قادت جبهة الشرك أن تتلفظ بالشهادتين وأن تسلم زرافات ووحدانا أو تتظاهر بالإسلام، لتحقق بالحيلة والدهاء والتظاهر ما عجزت عن تحقيقه في ميادين المواجهة، بعد أن اكتشفت بأن دعوة دين الله لا تقهر!!! والخلاصة أنه وعلي أيدي آل محمد والفئة القليلة المؤمنة قد تم نصر الله والفتح، وبأسيافهم وبطولاتهم الخارقة خضعت زعامة بطون قريش خاصة والعرب عامة للحق وهم كارهون، ولولا هذه الطليعة المباركة لما تحقق الذي تحقق ولنغير وجه التاريخ تماما، فصلاة الله وسلامه علي محمد وآله محمد، ورحمة الله ورضوانه علي أصحابه المخلصين.

المفترض أن يكون لآل محمد والفئة القليلة المؤمنة الصادقة الذين صنعوا تاريخ الإسلام دور خاص في قيادة الدولة التي بنيت علي أكتافهم وبسواعدهم، وفي إدارتها ورسم سياستها العامة وهذا مفهوم بالفعل وبالضرورة وبتجارب البشرية قبل أن يفهم بروح الدين والنصوص الشرعية لكن حدث عكس ذلك فبعد موت النبي تم الاستيلاء علي منصب الخلافة بالقوة والتغلب كما أشرنا في البحوث السابقة، وبعد يوم واحد من وفاة النبي شرعت السلطة الجديدة بحرق آل محمد وهم أحياء كما وثقنا، وجردتهم من ممتلكاتهم وكافة حقوقهم الاقتصادية، وجردتهم من كافة حقوقهم السياسية حيث حرمت عليهم تولي الوظائف العامة، وفرضت [ صفحه 418] عليهم الإقامة الجبرية، وعزلتهم عن المجتمع ومراكز التأثير عزلا تاما، وحالت بينهم وبين الناس فصاروا أذلة بعد عز، أما الفئة المؤمنة، فقد جردت من حقوقها السياسية وحرم علي أفرادها تولي الوظائف العامة لأن السلطة الجديدة قد خشيت بأن يعود آل محمد إلي مركز الصدارة عن طريق الفئة المؤمنة التي تواليهم، وفرضت السلطة الجديدة تعتيما كاملا علي تاريخ الإسلام المجيد، وعلي سجلات رجاله الحافلة بالأمجاد. ولم تكتف السلطة الجديدة بذلك، إنما استعانت بأعداء الله ورسوله السابقين الذين حذر منهم الرسول فولتهم المناصب الحساسة في الدولة، فكانوا هم الأمراء والولاة وقادة الجند والعمال، وأطلقت السلطة الجديدة يدهم في الأقاليم لينشروا ثقافة الانحراف، وليقدموا الإسلام الذي يجهلون أحكامه وتاريخه، وليسردوا علي الشعوب تاريخ صراع الإسلام مع الشرك، مع أن أولئك الولاة كانوا هم قادة جبهة الشرك!! والأعداء الألداء لله ولرسوله وللفئة المؤمنة!! وخلال فترة عمل أولئك الولاة تحدثوا بأحاديث باطلة، مناقضة لكتاب الله وسنة رسوله، ولتاريخ الإسلام، وشاعت أحاديثهم، وكونت الرأي العام، وتحول الرأي العام الذي أو جدوه إلي قناعات لدي العامة. وفي ما بعد تسربت بعض حقائق التاريخ الإسلامي، ولكنها لم تعد كونها سطورا أو صفحات من مجلدات التاريخ الواهم الذي صنعه الولاة ووضعوه تحت إشرافهم، وسوقت السلطة الحقائق القليلة والأباطيل الكثيرة معا!! ولنعرف حجم بشاعة هذا التزييف، فإن أولياء الله وأعداءه علي السواء يعرفون بأن علي بن أبي طالب هو أقرب الناس للنبي، فهو ابن عمه الشقيق وزوج ابنته البتول، ووالد سبطيه، ويعرف الجميع سجله الحافل بالأمجاد فهو فارس الإسلام الأوحد الذي لم يقهر في حرب قط، وحامل راية الرسول في كل المواقع، وهو الولي والخليفة والوصي بالنص الشرعي، [ صفحه 419] وهو مولي كل مؤمن ومؤمنة... الخ من المراتب السنية التي خلعها الله ورسوله علي الإمام، ومع هذا فقد مر حين من الدهر كان فيه الإمام علي يشتم ويلعن علي المنابر، وشتم الإمام ولعنه جزء لا يتجزأ من خطبة الجمعة وخطبة العيدين!! وتشترك بلعن الإمام وشتمه الأمة الإسلامية كلها رغبة أو رهبة!! وكانت محبة الإمام أو موالاته من جرائم الخيانة العظمي التي يعاقب مرتكبها بالموت!! وكانت الأمة الإسلامية تعتقد أو تتظاهر بالاعتقاد بأن الإمام علي بن أبي طالب هو العدو الألد لله ولرسوله وللمؤمنين!!! كل ذلك تنفيذا لأوامر معاوية بن أبي سفيان، وابتغاء لمرضاته، وطمعا بما في يديه من أموال المسلمين التي استولي عليها بعد أن أخرجها عن مصارفها الشرعية وخصصها لتدعيم ملكه وترسيخه وتوسيعه. مع أنه لا خلاف بين اثنين من المسلمين علي تاريخ معاوية في الدين والتاريخ، فهو ابن آكلة الأكباد بلا خلاف، وأبوه رأس الأحزاب، ومعاوية وأبوه وإخوته وبنو عمومته هم الذين وحدوا بطون قريش لمقاومة النبي ودعوته قبل الهجرة، وهم الذين عبأوا هذه البطون، وألبوا العرب علي رسول الله وعلي الإسلام، وهم الذين جيشوا الجيوش وحاربوا رسول الله بكل وسائل الحرب بعد الهجرة، ولم يتوقفوا عن حرب الرسول إلا بعد أن أحاط بهم، وأتاهم بما لا قبل لهم به، هنالك فقط استسلموا، واضطروا مكرهين أن يتلفظوا بالشهادتين، فسماهم الرسول بالطلقاء، واعتبرهم من المؤلفة قلوبهم، وحذر الرسول من شرورهم قبل موته كما وثقنا، وتلك حقائق لا يماري بها إلا الجاهلون!! وبالرغم من هذا التاريخ الحافل بالعداء لله ولرسوله وللمؤمنين فقد ولي الخلفاء الأول معاوية علي بلاد الشام وهي تاج ولايات الدولة الإسلامية، وأطلقوا يده فيها طوال عشرين عاما ليتصرف كملك حقيقي بلا رقيب ولا حسيب، في الوقت الذي جردوا فيه الإمام وأولياءه خلال تلك السنين من كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية. [ صفحه 420] ولما آلت الخلافة إلي الإمام علي بالطريق التي آلت فيها إلي الخلفاء الثلاثة الأول، كانت ولايات الدولة كلها تحت أمرة الطلقاء والمؤلفة قلوبهم وأصحاب السجلات الحافلة بمعاداة الله ورسوله عندئذ انبري له معاوية الذي أكمل استعداداته وادعي بأنه أولي منه بالخلافة!!! وتمكن معاوية بالتقتيل والتطريد والتشريد والتنكيل وتبذير أموال المسلمين من الاستيلاء علي منصب الخلافة بالقوة والقهر والتغلب، وتحويل الخلافة إلي ملك أموي خالص يتوارثه أبناؤه وأقرباؤه من بعده!! وبعد أن غلب الأمة، وسلب منها أمرها دون مشورة أصدر مراسيمه الجائرة ومنها مرسوم شتم الإمام ولعنه ومطاردة أولياء أهل بيت النبوة، واستمر العمل بتلك المراسيم البربرية حتي عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فألغي كافة هذه المراسيم!! وبعد أن ألغي عمر بن عبد العزيز تلك المراسيم رغما عن إرادة النواصب اعتبر فقهاء الدولة، أن مراسيم اللعن ومطاردة أهل بيت النبوة كانت من قبيل " الاجتهاد " ليس إلا!!! وأن الحروب الطاحنة التي شنها معاوية علي الإمام الشرعي ما هي أيضا إلا اجتهاد!!! وصراع بين " صحابيين " هما " علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان " " رضي الله عنهما " وهكذا ترضي الفقهاء عن علي تبعا لترضي الدولة عليه، وكانوا بالأمس قد لعنوه وأفتوا بلعنه والبراءة منه عملا بأمر الدولة!! لأنهم ليسوا أكثر من دمي أو حجارة شطرنج تلعب بهم الدولة المتغلبة كما تشاء، فلو أن الدولة قد أمرتهم بلعن رسول الله نفسه لنفذوا أمرها، ولأوجدوا لهذا الأمر عذرا!! لقد سبوا رسول الله فعلا كما قالت أم المؤمنين أم سلمة، فهم يعرفون قولا مستفيضا عن رسول الله " من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله ". وبالرغم من أن تلك الأفعال لا يمكن الاعتذار عنها إلا أنهم قد ادعوا بأنها من أفعال البر والخير!! التي تستوجب رضا الله وأجره، وأن معاوية [ صفحه 421] ومن معه كانوا مجتهدين والمجتهد مأجور سواء أخطأ أم أصاب!! واختلفوا حديثا علي رسول الله مفاده " أن أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم " وبما أن معاوية من الصحابة فإن كافة أفاعيله هي من قبيل الاجتهاد، وأن الذين أطاعوه وانتهكوا كل محرم في سبيل طاعته وتنفيذ أوامره كانوا من المهتدين!!! والخلاصة حسب رأيهم فإنه لا فرق إطلاقا بين علي ومعاوية علي حد تعبير وفتوي ابن تيمية!!! ولا فرق بين من يتبع إمام الهدي أو من يتبع إمام الضلالة!! وهكذا جعل الآخر كالأول، وولي الله كعدوه!! ومن نصر الله ورسوله في كل المواقع تماما كمن حارب الله ورسوله في كل المواقع!! وساروا بين من يقترف المحرمات وبين من يعمل الصالحات!! وعمموا هذه الأفكار المنحرفة حتي صارت قناعات مطلقة لدي العامة!!! وهكذا خلطوا الحق بالباطل، والحابل بالنابل، والدين بالتاريخ وسوقوا الجميع معا، فإما أن تقبل هذه الصفقة فتكون مسلما، أو تترك الباطل وتأخذ الحق وحده فتكون كافرا!! لأنهم أعطوا أنفسهم صلاحية إصدار صكوك الأجر والغفران!! [ صفحه 424]

لم تركز سنة الرسول الأعظم علي فئة معينة من المسلمين أكثر مما ركزت علي أهل بيت النبوة، وهذا التركيز ليس مبعثه أو مصدره من الرسول بالذات، إنما كان تنفيذا لأوامر الله تعالي، والرسول كان يتبع ما يوحي إليه، وينفذ ما يؤمر به، ولعل العلة والسر في هذا التركيز الخاص يمكن في أن الله تعالي قد أراد أن يكون للمسلمين ملجأ يلجؤون إليه بعد وفاة نبيهم، أو نقطة يتجمعون حولها كلما تفرقوا وينطلقون منها كلما اجتمعوا، لقد أراد الله تعالي أن يكون وجود أهل بيت النبوة امتدادا لوجود الرسول بعد موته، أو بتعبير العصر لقد أرادهم الله أن يكونوا هيئة تأسيسية للأمة بعد وفاة رسول الله، ترشد الأمة إلي الخطوات الواجب أتباعها في كل موقف من المواقف التي تحتاج إلي خطوات، وفي كل مشكلة تعترض مسيرة الأمة بعد وفاة نبيها، أما لماذا اختار أهل بيت النبوة لهذه المهمة ولم يختر غيرهم!! فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولكن كونهم الأقرب للنبي وصفوة أكثر الناس عناء في نصرة النبي، وأكثر فهما والتزاما بدين النبي كل هذا يجعل القرار الإلهي معقولا حتي بالنسبة للموازين البشرية القاصرة، فإن كان لا بد من إسناد هذه المهام إلي فئة معينة من الناس، فإسنادها لأهل بيت النبوة هي الأكثر منطقا، فليس منطقيا أن تسند هذه المهام إلي أهل بيت أبي بكر [ صفحه 425] أو عمر أو عثمان أو معاوية لأن هؤلاء وإن طاروا أتباع ورسول الله هو المتبوع وهم وإن طاروا طلاب، ورسول الله هو المعلم، فمن غير المعقول أن يقدم التابع علي المتبوع، وأن يقدم الطالب علي المعلم!! هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الله تعالي قد أعد أهل بيت النبوة، وأهلهم للقيام بهذا الدور ولم يعد أو يؤهل غيرهم!! هذا الذي لم يفهمه العرب، ولم يفهمه قادة التاريخ الإسلامي!!! ولم تفهمه الأغلبية الساحقة من المسلمين حتي اليوم لقد تصوروا أن الرسول وبدون تفويض من ربه هو الذي اختار أهل بيت النبوة لهذا الدور!!! وجهلوا أو تجاهلوا بأن الرسول لا ينطق عن الهوي، وأنه عبد مأمور يتبع ما يؤمر به!!! وأقنعوا أنفسهم بتلك التطورات المختلة!! وكان ينبغي عليهم أن يتبعوا رسول الله، حتي وإن صحت تصوراتهم الخاطئة لأن رسول الله هو الأبعد نظرا، وهو الأكبر عقلا، وهو الأفهم منهم مجتمعين ومنفردين، فلقد أسند قادة التاريخ من تلقاء أنفسهم وسندا للقوة والتغلب الدور الذي أناطه الله بأهل بيت النبوة، لأشخاص لا يصلحون والله خداما لخدم أهل بيت النبوة، ولم يستغرب المسلمون ذلك علي اعتبار أن هذا الإسناد صادر من مسؤول متغلب وواجب الطاعة!!! وهكذا يبدوا واضحا أن القوم أطوع لبعضهم من طاعتهم لله ولرسوله حتي في الأمور المتماثلة موضوعيا!! فلو أمر الله ورسوله القوم بأن يذبحوا بقرة لأغرقوا الدنيا بتساؤلاتهم، عن اللون، والعمر والشكل والمضمون، ولكن لو أمرهم أحد قادة التاريخ أن يذبحوا بقرة، فإنهم ينفذون أمره، ويذبحون أفضل البقر فورا وبدون أسئلة، وبلا تباطؤ!! لقد استمرؤوا ذلك وتعودوا عليه، واستثقلوا أمر الله ورسوله وتعودوا علي النفور ومحاولة التهرب منه!! وما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد علي أن الله سبحانه وتعالي قد اختار أهل بيت نبيه لهذا الدور ليقوموا به بعد وفاة رسول الله وطوال عمر التكليف وأمر الله رسوله أن يعد ويؤهل أهل بيته ليقوموا بهذا الدور بعد وفاته علي الأكمل وجه، وصدع الرسول بأمر ربه فأعد أهل بيته وأهلهم لذلك [ صفحه 426] إعدادا وتأهيلا كاملين، وأمر الله ورسوله أن يعلن هذه الأحكام الشرعية علي المسلمين، وأن يبينها لهم تماما كما يبين أية أحكام إسلامية أخري من صلاة وصيام وزكاة وحج... الخ وأمر الله ورسوله المسلمين بأن يتبعوا هذه الأحكام وأن ينفذوها بالدقة نفسها والاهتمام نفسه الذي ينفذون به بقية الأحكام الإلهية. ولكن الأكثرية الساحقة من المسلمين، ومنذ اللحظة التي قعد فيها رسول الله علي فراش الموت تنكرت بالكامل لتلك الأحكام الإلهية، وأنكرت منزلة أهل بيت النبوة عند الله وعند رسوله، بل والأعظم من ذلك أنها صارت تنظر لأهل بيت النبوة نظرتها لأعداء، وصارت تعاملهم بطريقة أسوأ بألف مرة من معاملتها لليهود وللنصاري كما بينا ذلك في البحوث السابقة وقد جري ذلك بتحريض وتشجيع من قادة التاريخ!! لقد أصبحت هذه المعاملة فصلا مهما من فضول سنة الخلفاء!!!

1 - آية التطهير قال تعالي: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [779] . لقد بين رسول الله من خلال سنته الشريفة هذه الآية كما بين غيرها من الآيات الواردة في القرآن الكريم، وحدد المقصود من كلمة " أهل البيت " ومن كلمة " الرجس " ومن كلمة " التطهير "، ووضحها الرسول تماما كما أوضح آيات الصلاة، والزكاة والحج... الخ وأمر المسلمين أن يعوا هذا البيان، لقد بين الرسول في سنته الطاهرة أن أهل البيت الذين عناهم الله في [ صفحه 427] هذه الآية هم هم عترة النبي وأقاربه، وتاج العترة وناصيتهم هم " محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين " فهم أول المعنيين بآية التطهير، والأئمة الأعلام من ذرية النبي ومن صلب علي.

لقد رأينا أن قادة التاريخ قد أحرقوا سنة الرسول المكتوبة، ومنعوا المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله طوال مدة مائة عام ونيف، ورأينا أن دولة الخلافة قد أباحت دم كل مسلم يروي شيئا من فضل أهل بيت النبوة، وأنها قد ألزمت المسلمين بأن يشتموا ويلعنوا أهل بيت النبوة في بداية أي عمل وعند نهايته!! وفي العشي والإبكار، وأن الأغلبية الساحقة من المسلمين كانوا يتعبدون بذلك، وينفذونه بدقة حتي في الصلاة، وأن الذين كانوا يوالون أهل بيت النبوة كانوا يتعرضون لاضطهادات أقلها الحرمان من كافة الحقوق المدنية والسياسية " فقد كانوا يعاملون معاملة " النور " فلا تقبل من أحدهم شهادة وفي النهاية كانوا يهدمون دورهم ويقتلونهم استنادا إلي أمر مباشر من الخليفة [780] وعلي ذلك شب الصغير، وعلي ذلك هرم الكبير، وعلي ذلك صنعت ثقافة التاريخ، وأشربتها الأمة، كما أشربت قلوب بني إسرائيل العجل!!! بهذا المناخ بالذات أباح عمر بن عبد العزيز كتابة ورواية سنة الرسول!!! بعد أن كان من المفترض خلال مدة المائة عام أن ينقرض أهل بيت النبوة!! وأن يباد كل أعوانهم!! ومن المفترض أن تجتث سنة الرسول من الوجود، وأن لا يبقي لها أي ذكر، وأن تتبخر كافة الأحكام الشرعية التي بينها رسول الله والمتعلقة بأهل البيت. [ صفحه 428] لكن مكر الله محيط بمكرهم، وكيد الله أكبر من كيدهم، وسنة الله أنفذ وأقوي من كل تدابيرهم، فبمجرد أن أباحوا كتابة ورواية سنة الرسول اخترقت سنة الرسول مائة عام، واخترقت المناخ المظلم، كأن نصوصها كواكب درية ووصلت إلي أسماع الجميع لتقيم الحجة علي الجميع، ومع أن مجتمع دولة الخلافة كان بحالة تعبئة عامة ضد أهل بيت النبوة، الذين كان يلعنهم ويشتمهم بالعشي والإبكار، ويعاقب محبيهم بالموت، إلا أن ذلك المجتمع قد سمع الرواة يجمعون بأن آية التطهير خاصة بأهل بيت النبوة، وأن أحاديث الرسول قد تواترت علي ذلك، ولشد ما دهشوا عندما شاهدوا أصح الصحاح حسب موازينهم تؤكد هذه الحقيقة وتثبت بأن رسول الله قد بين بأن المعنيين بآية التطهير هم عترة النبي أهل بيته وهذا ما أشرنا إليه عند ذكرنا للآية قبل قليل وبأدناه طائفة من مراجع أهل السنة التي تؤكد هذه الحقيقة [781] أما أهل بيت النبوة فهم مجمعون علي أن رسول الله قد بين في سنته بأن آية التطهير خاصة، بأهل بيته. وقد شهدت أم المؤمنين أم سلمة بأن الرسول قد بين في سنته هذه الآية وسمي الخمسة الذين ذكرناهم، وعندما أرادت أم سلمة أن تدخل نفسها معهم، بين لها الرسول أنها علي خير ولكنها ليست منهم، وقد ذكر هذه الشهادة، الكثير الكثير من علماء دولة الخلافة [782] . [ صفحه 429] وقال الرسول مشيرا إلي علي وفاطمة والحسن والحسين " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإلي هذا المعني أشار الرسول في مناسبات متعددة وبصيغ متعددة، ولكنها تفصح عن ذات المضمون [783] . وشهدت السيدة عائشة بنت أبي بكر بأن الرسول قد بين في سنته بأن المراد بأهل البيت الواردة ذكرهم في آية التطهير " هم علي وفاطمة والحسن والحسين " [784] . وطوال مدة سنة شهور كان الرسول يمر بباب علي وفاطمة إذا خرج للصلاة ويقول " الصلاة يا أهل البيت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [785] وطوال حياة الرسول المباركة كان أهل بيته يسكنون وإياه في منزل واحد!!!

قال تعالي: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) [786] لما نزلت [ صفحه 430] هذه الآية، بينها رسول الله كما بين غيرها من الآيات وأكدت سنته المباركة أن القربي المقصودة في هذه الآية هم قرابة الرسول وعلي رأسهم علي وفاطمة والحسن والحسين. وأهل بيت النبوة وفي كل الأزمان قد أجمعوا علي أن رسول الله قد بين بأن المقصود من كلمة القربي الواردة في هذه الآية هو قرباه وعلي رأسهم علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة الكرام. وإجماع أهل بيت النبوة حجة علي العامة والخاصة حسب الموازين الشرعية الحقيقة، ولا يحتاج مع إجماعهم إلي دليل آخر، ومع هذا نسوق طائفة من مراجع القوم المؤيدة لإجماع أهل بيت النبوة حول بيان الرسول لهذه الآية فيها [787] .

قال تعالي: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله علي الكاذبين) [788] . لما نزلت هذه الآية بينها رسول الله علي الفور في سنته الطاهرة، [ صفحه 431] فخرج للمباهلة ومعه علي والحسن والحسين وخلفهم فاطمة، ولم يشرك معهم بهذه المباهلة أحدا من المسلمين. لقد أجمع أهل بيت النبوة علي أن الرسول قد خرج للمباهلة ومعه علي والحسن والحسين وخلفهم فاطمة ولم يشرك مع هؤلاء الأربعة أحدا من المسلمين، ففعل الرسول سنة بمثابة قوله، وأجمعت علي ذلك الأمة أيضا [789] فالرسول يصدع بأمر ربه، ويتحدي معانديه أن يباهلوا، ثم يأخذ بيد علي والحسن والحسين، ويأمر فاطمة أن تسير خلفهما، ثم يقول أمام المسلمين والمعاندين هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا، فادعوا أبناءكم وأنفسكم ونساءكم ودعونا نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين!!! فهل كان اختيار الرسول لهؤلاء الأربعة بالذات تدبيرا منه أم أمرا من الله، فهل كان بيان الرسول للآية وحيا من الله أم اجتهادا شخصيا منه!! فإن قالوا بأن بيان الرسول لهذه الآية كان بمثابة الاجتهاد منه فقد جادلوا بالمحسوس وأنكروا الواضحات، وحكموا علي أنفسهم بالبلاهة وقلة [ صفحه 432] العقل، وإن قالوا أن بيان الرسول لهذه الآية كان وحيا من الله فقد أدانوا أنفسهم، لأنهم فجعوا الرسول ببعض نفسه، وبولده، وبالنساء اللواتي عناهم الله وهي فاطمة، أما فاطمة فقد ماتت كمدا، وأما علي فقد أخروه ثم خرجوا عليه وحاربوه وقتلوه، وأما الحسن فقد سموه، وأما الحسين فقد ذبحوه وأبناءه وأحفاده وأبناء عمومته كما تذبح الأضاحي، وبأعصاب باردة كما يفعل القتلة المحترفون!!! غضب الله عليكم، وسود الله وجوهكم في الدنيا والآخرة، إن الإنسان لا يكاد يصدق أنكم بشر، فكيف يصدق بأنكم مسلمون!!! والأنكي من ذلك هو ادعاء الأولين بأنهم أولي بالنبي وبسلطانه لأن النبي من قبيلة قريش، وهم من قريش!!! ألا بعد للظالمين كما بعت ثمود!!! والأشد نكاية هو إشاعتهم بأن الذين فعلوا ذلك من المبشرين في الجنة، بل ومن أهل الجنة!! وأنهم مأجورون علي ذلك أجرا واحدا لأنهم مجتهدون!!! فويل لهم مما كسبت أيديهم، وويل لهم مما يفترون!!!

قال تعالي: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا(5) عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا(6) يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا(7) إلي قوله تعالي: (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) [790] . لما نزلت هذه الآيات المباركات قام الرسول الأعظم ومن خلال سنته الطاهرة ببيانها كما بين غيرها من آيات القرآن فأكد أن الذين قصدهم الله في هذه الآيات هم: علي وفاطمة والحسن والحسين وقد أجمع أهل بيت النبوة علي صدور هذا البيان من رسول الله، وبالرغم من الستار الحديدي الذي كان مفروضا حول أهل بيت النبوة، وبالرغم من أن دولة عظمي بكل إمكانياتها كانت تقف ضدهم إلا أن هذا البيان قد تسرب إلي العامة وذكره الكثير من [ صفحه 433] علمائهم [791] وأنت تلاحظ بأن الله تعالي قد شهد - وكفي بالله شهيدا - بأن أهل البيت أبرار وأنهم عباد الله حقا، والعبودية الحقيقية لله هي أرفع مرتبة يصلها الإنسان، وأنهم يوفون بالنذر، ويخافون يوم القيامة، وأن الله قد أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فقد أكد الله دخولهم الجنة قبل أن يعرف أولئك الذين قد أشيع في ما بعد بأنهم من المبشرين بالجنة.

قوله تعالي: (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [792] . عندما نزلت هذه الآية بينها رسول الله من خلال سنته الشريفة كما بين غيرها من الآيات، فأكد بأن أولي الأمر هم أئمة أهل بيت النبوة الطاهرين الاثنا عشر وعلي رأسهم الإمام علي والإمام الحسن، والإمام الحسين وبقية الأئمة الذين سماهم رسول الله قبل أن يولدوا [793] لقد أجمع علماء دولة الخلافة علي أن الأئمة من بعد النبي اثنا عشر وأن رسول الله هو الذي أخبر بذلك [794] . [ صفحه 434] وقد حاولوا وبكل قواهم أن يفصلوا هذا النص علي وقائع التاريخ، ولكنهم والحمد لله قد فشلوا فشلا ذريعا، فلم يقبل هذا النص أي فترة من فترات الخلافة التاريخية، وكانت تلك الفترات نابية عليه، ومن المستحيل أن تأتي علي مقاسه!!! فالإمام هو القدوة، وهو الأعلم، وهو الأفضل ومن المستحيل أن يأمر الإمام بهدم الكعبة المشرفة، وأن يستبيح مدينة الرسول، وأن يشرب الخمر، وأن يجهر بفسوقه كيزيد بن معاوية، ومن المستحيل عقلا أن يلعن الإمام الله ورسوله!! كما فعل معاوية عندما أمر المسلمين وفرض عليهم لعن الإمام علي، وكيفما عد علماء دولة الخلافة، فمعاوية ويزيد في منتصف هذا العدد!! فهل يعقل أن يجعل الله ورسوله الإمامة والولاية والرئاسة في أعداء الله ورسوله السابقين، وفيمن ناصبوا أهل بيت النبوة العداء!! لقد أجمع أهل بيت النبوة علي أن الأئمة الاثني عشر منهم، وإجماع أهل بيت النبوة دليل كاف للمؤمنين، ولا يحتاجون معه إلي دليل آخر، ومع هذا فقد تسربت أنباء من السنة النبوية التي عالجت هذه الناحية عن طريق الكثير من علماء دولة الخلافة [795] . فأئمة أهل بيت النبوة هم أولي الأمر الذين أمر الله الذين آمنوا بطاعتهم كما بين ذلك رسول الله في سنته.

لما سئل رسول الله الحنفي عن أهل الذكر، بين أن أهل بيت النبوة وعلي [ صفحه 435] رأسهم الأئمة علي والحسن والحسين هم أهل الذكر، وأهل البيت مجمعون علي ذلك، وقد ذكر الكثير من علماء دولة الخلفاء بيان الرسول في هذا الموضوع [796] .

" لما نزل قوله تعالي: (وآت ذا القربي حقه) بين الرسول بأن القربي في هذه الآية هم فاطمة وزوجها وأولادها " [797] . وبين الرسول في سنته الشريفة، آية الإنذار، وآية القربي، وآية الفئ، وآية الخمس، وآية سلام علي آل ياسين، وآية الوراثة، ومن خلال بيان الرسول لهذه الآيات، أبرز مكانة أهل بيت النبوة عند الله وعند رسول الله وحقهم الثابت بالتقدم علي الجميع، وواجبهم الملقي عليهم لقيادة الجميع وتوجيه الجميع [798] . وقد بين رسول الله آية الخصومة، وآية المتقين والفجار، وآية المؤمنين والفاسقين، وآية الأعراف، وآية الصادقين، وآية المصدق الأول وآية الإنفاق في السر، وآية المؤمن والفاسق، وآية شراء النفس، وآية خير البرية، وآية الهادي، وكلها آيات نزلت في أهل بيت النبوة، وبينها الرسول وكشف من خلال بيانه، المراتب السنية التي خص الله بها أهل بيت نبيه مجتمعين ومنفردين " [799] . [ صفحه 436] وبين الرسول بأن أهل بيت النبوة في المسلمين كسفينة نوح من قومه من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وأنهم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له، وقال لأصحابه " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف " فإذا خالفتها قبيلة من قبائل العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس، وقال: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي " وأكد الرسول في سنته بأن الفضل والشرف والمنزلة لرسول الله ولذريته، وحذر الناس من أن تذهب بهم الأباطيل، وأكد الرسول للصحابة قائلا: " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلي الله فانظروا من توفدون ". وقال لأصحابه يوما " واجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين " [800] ... الخ.

لخص النبي الأعظم الموقف للأمة قبل التحاقه بالرفيق الأعلي، ولإضفاء الأهمية علي هذا التلخيص أعلن الرسول في أكبر تجمع سياسي شهدته الجزيرة أنه يوشك أن يدعي فيجيب، بمعني أنه موشك علي الموت، وقد أراد أن يلقي هذا القول معذرة إلي الأمة، حتي لا تؤخذ علي حين غرة، فلا نجد من تفزع إليه بعد موت النبي. لقد بين الرسول في هذا التلخيص وبكل وسائل البيان بأن الإسلام يقوم علي ثقلين وهما كتاب الله وعترة النبي أهل بيته، وأن الهدي لن يدرك [ صفحه 437] إلا بالتمسك بالثقلين حقا وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين معا، فهما تأمين للهدي وتأمين ضد الضلالة، وبعد أن كشف الفوائد العظيمة للتمسك بالثقلين تشوق الناس لمعرفة هذين الثقلين وأضفي علي الأمر أهمية خاصة عندما أعلن ذلك بعد عودته من الحج، وقبل أن تتفرق الوفود المشاركة بالحج وعندما أعلن بأن حجته تلك هي آخر حجة له وهي حجة الوداع. وعندما اختار منطقة غدير خم لتكون المكان الذي يعلن فيه أخطر تصريحاته علي الإطلاق. فحشد النبي الأعظم كل وسائل التشويق، وكل مقومات التذكر لتعي الأمة الإسلامية وليعي العالم كله " تلخيص النبي الموقف " وبعد ذلك حدد النبي وبين من هما الثقلان فقال الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل، فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، أما الثقل الثاني فهو عترتي أهل بيتي، فإنه قد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.

كلما أمعنت ودققت النظر بما قاله رسول الله في غدير خم، تكتشف أنه ليس بالإمكان تلخيص الموقف، بأوضح ولا أعظم من تلخيص النبي، فالقرآن الكريم هو القانون النافذ في مجتمع الأمة الإسلامية وهذا أمر يعرفه المسلمون جميعا ويعرفه العالم كله. كذلك فإن أهل بيت محمد يعرفهم المسلمون ويعرفهم العالم كله وهم فئة متميزة عن غيرها من فئات المجتمع، وفي الوقت نفسه هم القاسم المشترك بين كل المسلمين لأنهم الأقرب إليه والألصق به، ومستودع علم البيان النبوي، وهم الأولي به وفق المعابير العقلية والشرعية. وهم المقبولون بدون إكراه لقيادة الأمة. وبدون تأثيرات الكل يرضي بهم وهذا يعني بأن القانون النافذ في مجتمع الأمة الإسلامية هو القرآن، [ صفحه 438] وأن أهل بيت النبوة هم جهة التوجيه أو القيادة أو المرجعية للأمة الإسلامية، لأنهم عاشوا مع النبي طوال حياته المباركة في بيت واحد وتحت سقف واحد، وانتهي إليهم علم البيان النبوي، وأسرار علوم النبوة وهي من لوازم فهم القرآن الكريم، ولأنهم خيرة الخيرة بعد نبيهم، فإذا حسمت مسألة القانون، وحسمت مسألة القيادة أو المرجعية، فلم يعد هنالك أي سبب للخلاف أو الاختلاف. في مجتمع يتمسك بفكرة الشرعية والمشروعية، وحسم هاتين المسألتين يقطع دابر الخلاف والاختلاف في أي مجتمع من المجتمعات. وبالفعل وعمليا فإنه ليس بإمكان أحد المسلمين في أي زمان من الأزمان أن يدعي بأنه أقرب للنبي من أهل بيته، ولا أولي به منهم، ولا أعلم بالدين منهم، لأن علوم الدين تلقاها هذا المدعي أو ذاك من النبي، فأهل البيت سمعوا من النبي ما سمع هذا المدعي أو ذاك، وزادوا عنه بأنهم سمعوا زيادة علي ما سمع لأنهم عاشوا وإياه في بيت واحد بعكس هذا المدعي أو ذاك، ثم إن المكانة الدينية والاجتماعية التي احتلها أهل بيت النبوة دونها بالضرورة أية مكانة أخري لأي مسلم قط. هذا كله يجعل تلخيص النبي للموقف محكما من جميع الوجوه العقلية والشرعية، ولا يمكن نقض هذا التلخيص لا عن طريق العقل، ولا عن طريق الشرع دون أن يوقع الناقض نفسه بمطبات تكشف حقيقته، وبطلان دعواه، ودون أن يستعين الناقض بوسائل أخري تفرض بالقوة وجهة نظره، أو بالكثرة، الآن وبعد مضي أربعة عشر قرنا علي هذا التلخيص تبين لنا أن سبب الخلاف والاختلاف يكمن في التنازع علي القيادة والمرجعية، والمتنازعون يؤولون القرآن تأويلات تخدم توجهاتهم في غياب الفهم اليقيني للنص.

روي حديث الثقلين جمع كبير من الصحابة (35) صحابيا وصحابية، منهم علي بن أبي طالب، والحسن بن علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو الهيثم بن النبهان، وحذيفة بن اليمان وحذيفة بن أسيد الغفاري، وخزيمة بن ثابت، وذو الشهادتين وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبو هريرة، وعبد الله بن حنطب وجابر بن مطعن، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وطلحة بن عبد الله التميمي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وسهل بن سعد الأنصاري، وعدي بن حاتم، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو شريح الخزاعي، وعقبة بن عامر، وأبو قدامة الأنصاري، وأبو ليلي الأنصاري، وحمزة الأسلمي، وعامر بن ليلي بن حمزة، وفاطمة الزهراء، وأم سلمة زوج الرسول، وأم هاني أخت الإمام وابنة عم الرسول [801] . فهل يعقل أن يجتمع هذا العدد الكبير من الصحابة علي الكذب " حاشاهم " في موضوع خطير كهذا الموضوع، ثم إنه لم يجمع الرواة علي [ صفحه 440] أي أمر من الأمور الدينية إجماعهم علي صحة صدور حديث الثقلين عن رسول الله، ولم يتوافر هذا العدد من الرواة علي أمر واحد، بما فيه تفاصيل الصلوات المفروضة علي العباد، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه قد مر حين من الدهر علي الأمة كان فيها مجرد رواية فضيلة من فضائل أهل البيت أو إظهار الحب لهم من جرائم الخيانة العظمي التي يعاقب مرتكبها بالموت بالإضافة لتجريده من حقوقه السياسية والمدنية بحيث لا تقبل شهادته [802] .

نظرا لأهمية حديث الثقلين ولأهمية الأحكام التي تترتب عليه، فإننا سنسوق كافة صيغ حديث الثقلين التي نقلها الرواة ال 35 صحابيا، ولا بد من التذكير بأن هذه الصيغ مقاطع من خطبة الرسول في غدير خم، وهي متفقة من حيث المبدأ علي المضمون.

قول الرسول الأعظم " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي " [803] .

قول الرسول الأعظم " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض [ صفحه 441] وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما " [804] .

قوله عليه الصلاة والسلام: " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض " [805] .

قول الرسول الكريم: " إني أوشك أن أدعي فأجيب ألا إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض " [806] . [ صفحه 442]

قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " إني أوشك أدعي فأجيب ألا إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود... " [807] .

قوله صلي الله عليه وآله وسمل: " كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي " [808] .

قوله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه: " ألست أولي بكم من أنفسكم؟ قال الصحابة بلي يا رسول الله قال: " فإني سائلكم عن اثنين، القرآن وعترتي " [809] .

قوله صلي الله عليه وآله وسلم: " يا أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، مخلف فيكم كتاب الله ربي عز وجل [ صفحه 443] وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا علي الحوض " [810] .

عن زيد بن أرقم قال قام فينا رسول الله بماء يدعي خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه، ووعظ وذكر ثم قال أما بعد: فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور فخذوا بكتاب الله، واستكملوا به، فحث علي كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " [811] .

عن زين بن أرقم قال رسول الله: " ألا وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل وأهل بيتي... إلي أن قال الراوي عن زيد فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال زيد لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العمر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلي بيت أبيها " [812] . [ صفحه 444]

في الوقت نفسه الذي كان فيه رسول الله يركز تركيزا مكثفا وخاصا علي حقيقة وطبيعة المكانة الخاصة المميزة التي اختارها الله تعالي لأهل بيت النبوة، كان النبي يسلط أضواء ربانية كاشفة عن الرجال الأعلام من أهل بيت النبوة، فكأنه يقول للمسلمين إن الله يعلم حيث يضع رسالته.

ففي الخطبة نفسها التي أعلن الرسول فيها حديث الثقلين الشهير أعلن فيه أن علي بن أبي طالب مولي كل مؤمن ومؤمنة، وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة، وأنه الولي من بعد النبي في الوقت نفسه الذي أكد فيه الرسول بأن الإسلام في حقيقته يقوم علي ركنين، ويستند إلي ثقلين أحدهما كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب، والآخر عترة النبي أهل بيته، أبرز تباعا علي بن أبي طالب، وقدمه كمولي للمؤمنين، والمؤمنات، وكمولي لهم، وعندما حث النبي علي حب أهل بيت النبوة وحذر من بغضهم خص الإمام علي بن أبي طالب كما وضحنا سابقا. [ صفحه 445]

المدخل الأول: قال حذيفة بن أسيد الغفاري إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال يوم غدير خم: " إن الله مولاي، وأنا مولاي المؤمنين وأنا أولي منهم علي أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه... ثم قال " إني سائلكم عن الثقلين " [813] . المدخل الثاني: " قال زيد بن أرقم إن الرسول قد قال: "... وإني قد تركت فيكم الثقلين... ثم قال إن الله عز وجل مولاي وأنا مولي المؤمنين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " [814] . المدخل الثالث: قال البراء بن عازب: إن الرسول قد صلي الظهر في غدير خم وأخذ بيد علي فقال للمسلمين: ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي، فقال الرسول: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " [815] . المدخل الرابع: قال سعد بن أبي وقاص "... إن رسول الله قد قال أيها الناس إني وليكم؟ قالوا: نعم، ثم رفع يد علي بن أبي طالب فقال هذا وليي ويؤدي عني ديني، وأنا موال من والاه ومعاد من عاداه " [816] . [ صفحه 446] المدخل الخامس: قال سعد بن أبي وقاص، كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلما بلغ غدير خم... ثم قال " أيها الناس من وليكم؟ قالوا الله ورسوله ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال " من كان الله ورسوله وليه، فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " [817] .

فهم المسلمون مغزي كلام النبي، استوعبوا تلخيصه للموقف، فتقدم كبار المسلمين وقدموا التهاني لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكان من جملة المهنئين عمر بن الخطاب، فقال لعلي بن أبي طالب " هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة " [818] .

أهل بيت النبوة يعرفهم المسلمون قاطبة، والمسلمون يعرفون أيضا بأن علي بن أبي طالب هو عميد أهل البيت النبوة بلا منازع، وهو رجلهم المقدم الذي لا يتقدم عليه أحد، ولا ينازعه بالعمادة أحد، فأنت تلاحظ أن النبي قد أعلن عميد أهل بيت النبوة في الوقت نفسه الذي أعلن فيه حديث الثقلين.

كافة النصوص المتعلقة بحديث الثقلين والتي سقناها قبل قليل وحديث من كنت مولاه فهذا علي مولاه مقاطع من خطبة الرسول في غدير [ صفحه 447] خم، وقد ألقيت الخطبة في مكان واحد وزمان واحد، لكن الجانب الذي يتعلق بموالاة علي سبق وحده في أكثر الروايات، والجانب المتعلق بحديث الثقلين سيق وحده، ولم يثر الموضوع بعد وفاة الرسول الأعظم، وظل ساكنا، لأنه كان مناقضا للواقع السياسي الذي كان سائدا آنذاك، وإثارته فيها حرج كبير. لكن فيما بعد أثير الجانب المتعلق بالإمام علي أثناء فترة العداء لعلي بن أبي طالب التي قادها معاوية والخلفاء الأمويون، ففرضوا علي الناس مسبة الإمام علي [819] . فقام سعد بن أبي وقاص اعتراضا منه علي مسبة الإمام علي وذكر الجانب المتعلق بموالاة الإمام علي، ولم يكن أمام طلاب الدنيا وقت لسماع بقية حديث الثقلين كله، ولا رغبة لسماعه، ولا مع سعد بن أبي وقاص في هكذا مناخ الوقت لإتمام حديث الثقلين، لقد كان المجتمع المسلم مشعوطا يومئذ تماما وكأنه علي كف عفريت، لا يسمع وإذا سمع فإنه لا يريد أن يعقل، وأي حيادي، غير متأثر بالثقافة التاريخية يكتشف أن الأمور الثلاثة التي أعلنها النبي في غدير خم مترابطة تماما وتصب في ذات المغزي الذي عناه رسول الله [820] . [ صفحه 448]

بأمر من الله أعد رسول الله الإمام عليا ليكون أول إمام للأمة بعد موت النبي وأهله تأهيلا خاصا ليكون قادرا علي الإجابة علي أي سؤال من أي إنسان علي وجه الأرض يتعلق بالقرآن أو سنة الرسول أو دين الإسلام بشكل عام في أي أمر من أمور الدنيا أو الآخرة، والإمام علي هو الإنسان الوحيد في زمانه الذي أعلن علي رؤوس الأشهاد قائلا " سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل نزلت أم في جبل " [821] ولقد أقسم الإمام علي قائلا: " والله ما نزلت آية إلا وقد علمت في من نزلت، وعلي من نزلت، وأين نزلت " [822] قال الإمام علي: " ما دخل رأسي نوم ولا عهد إلي رسول الله حتي علمت من رسول الله ما نزله به جبريل من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي فيما نزل فيه، وفيمن نزل " وكان الرسول يتحفظ عدد الأيام التي غاب بها عن الإمام علي فإذا التقيا قال له رسول الله يا علي نزل علي في يوم كذا كذا وفي يوم كذا كذا حتي [ صفحه 449] يعدهما عليه إلي آخر اليوم الذي وافي فيه... " [823] . كان علي يعلم كل ما يعلم رسول الله، ولم يعلم الله رسوله شيئا إلا وقد علمه رسول الله لأمير المؤمنين علي [824] . لقد علم الله رسوله القرآن وعلمه شيئا سوي ذلك، فما علمه الله ورسوله فقد علم رسول الله عليا [825] . قال الإمام الصادق: " إن الله علم رسوله الحلال والحرام والتأويل، وعلم رسول الله علمه كله عليا " [826] . وأمر رسول الله الإمام عليا أن يكتب ما يمليه عليه رسول الله قائلا " اكتب ما أملي عليك " فقال الإمام علي يا نبي الله أتخاف علي النسيان!! فقال الرسول لست أخاف عليك النسيان ولكن اكتب لشركائك، ولما سأله الإمام عن شركائه قال هم الأئمة من ولدك، وأومأ إلي الحسن، وقال هذا أولهم، ثم أومأ إلي الحسين، ثم قال الأئمة من ولده [827] . قال الإمام الباقر " يا حمران في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا بخط علي وإملاء رسول الله، ولو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة " [828] . وقال الإمام عن هذه الصحيفة يوما " ما علي الأرض شئ يحتاج إليه إلا هو فيها حتي أرش الخدش " [829] . [ صفحه 450] ووضح الإمام الصورة بقوله " إن عليا كتب العلم كله القضاء والفرائض، فلو ظهر أمرنا لم يكن شئ إلا فيه نمضيها " [830] وفي رواية " لم يكن شئ إلا وفيه سنة نمضيها " [831] وأكد الإمام الصادق هذه الحقيقة بقوله " إن عندنا صحيفة من كتاب علي طولها سبعون ذراعا فنحن نتبع ما فيها فلا نعدوها " [832] وقال أيضا " ما ترك الإمام علي شيئا إلا وكتبه حتي أرش الخدش " [833] وقال الإمام الصادق " والله إن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه الناس حتي أرش الخدش، أملاه رسول الله وكتبه الإمام علي بيده " [834] . ووضح الإمام جعفر الصادق الصورة بقوله " إن عندنا جلدا أملي رسول الله وخطه علي بيده، وإن فيه جميع ما يحتاجون إليه حتي أرش الخدش " [835] . وقل الإمام جعفر: " ما ترك علي شيعته وهم يحتاجون إلي أحد في الحلال والحرام حتي إنا وجدنا في كتابه أرش الخدش " قال الراوي ثم قال " أما إنك إن رأيت كتابه لعلمت أنه من كتب الأولين " [836] . والخلاصة أن الإمام عليا قد تعلم من رسول الله القرآن، وبيان النبي لهذا القرآن، وأن رسول الله قد أملي علي الإمام علي سنته الشريفة، وأن الإمام عليا كتبها بخط يده، واحتفظ بها طيلة حياته، ولما دنت منيته سلمها إلي الإمام الحسن، واحتفظ بها الإمام الحسن طيلة حياته، ولما دنت منيته [ صفحه 451] سلمها إلي الإمام الحسين، وقبل أن يسافر الإمام إلي العراق أودعها عند أم المؤمنين أم سلمة، وأمرها بأن تسلمها إلي ابنه علي، ثم بقيت عند الإمام علي بن الحسين طيلة حياته، ولما دنت منيته سلمها إلي الإمام محمد الباقر، وهكذا انتقلت سنة الرسول التي أملاها الرسول بنفسه وكتبها الإمام علي بخط يده من إمام إلي إمام حتي استقرت الآن بحوزة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، فكتب الإمام علي وسلاحه وسيفه ودرعه محفوظة الآن عند الإمام المهدي وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة، كما كانت محفوظة من قبل عند كل إمام من الأئمة الأحد عشر.

قال الإمام جعفر الصادق: "... ولكنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم " [837] . وقال الإمام الباقر: "... ولكنا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله نتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم " [838] . وقال الإمام جعفر الصادق: "... إنا والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، أصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم " [839] . إن سنة الرسول المكتوبة كلها قد انتقلت من إمام إلي إمام وهي ليست مروية من الناس إنما هي من إملاء رسول الله بالذات وكتبها الإمام علي بخط يده وعلي ذلك أجمع أهل بيت النبوة. [ صفحه 452]

أهل بيت النبوة لا يقولون برأيهم، ولا يحتاجون إلي الرأي، لأن سنة الرسول قد بينت كل شئ، الذين يقولون بالرأي ويلجؤون إلي الاجتهاد هم الذين يجهلون الحكم الشرعي، أو الذين لا يعجبهم الحكم الشرعي، وأهل بيت النبوة يعرفون الأحكام الشرعية ويلتزمون بها لذلك كان الأئمة الكرام قد أعلنوا وبكل وسائل الإعلان المتاحة لهم أن العمل بالرأي في مجال الأحكام جريمة. قال الإمام جعفر الصادق لرجل سأله " مهما أجبتك من شئ فهو عن رسول الله، لن نقول برأينا من شئ " [840] . قال الإمام محمد الباقر " إنا لو حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا ولكن حديثا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها لنا " [841] فلولا ذلك كنا كهؤلاء الناس [842] . وعن سماعة عن أبي الحسن قال قلت له " كل شئ نقول به في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه برأيكم؟ قال: بل كل شئ نقوله في كتاب الله وسنة رسوله " [843] . قال الإمام الباقر " يا جابر والله لو كنا نحدث الناس أو حدثناهم برأينا لكنا من الهالكين لكننا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله نتوارثها كابر عن كابر... " [844] " والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، أصول عندنا نكنزها... " [845] . [ صفحه 453]

كان أهل بيت النبوة يعلمون تفاصيل كل شئ لأن رسول الله قد أملي علي الإمام علي كل شئ، وكتبه الإمام علي بخط يده، فكان إمام أهل بيت النبوة - كل في زمانه - يرجع إلي سنة الرسول المكتوبة، ويراها وهي تشق طريقها إلي الواقع خطوة خطوة قال عبد الله بن الحسن: إن ابني هذا المهدي، وقال أبو جعفر المنصور، أن الناس يريدون هذا الفتي محمد بن عبد الله بن الحسن كان أبو جعفر أحد ثوار بني هاشم فبايع الحاضرون جميعا محمد بن عبد الله بن الحسن علي أساس أنه المهدي، وأرسلوا إلي الإمام جعفر الصادق، فأخبروه بما فعلوا. فقال الإمام جعفر لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد، إن كنت تري بأن ابنك هو المهدي فليس به، ولا هذا أوانه، وإن كنت تريد أن تخرج غضبا لله وليأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك، فغضب عبد الله وقال: والله ما أطلعك الله علي غيبه ولكن يحملك علي هذا الحسد لابني، فقال الإمام جعفر، والله ما ذاك يحملني، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم.. إنها والله ما هي إليك ولا إلي ابنيك ولكنها لهم " بني العباس " وإن ابنيك لمقتولان، ثم نهض الإمام جعفر فقال لعبد العزيز بن عمران أرأيت صاحب الرداء الأصفر، يعني أبا جعفر، فإنا والله نجده يقتله!! قال عبد العزيز أبو جعفر يقتل محمدا!! قال الإمام جعفر نعم... وحدث تماما كما قال الإمام جعفر، وقال الإمام جعفر يقتل محمد عند بيت رومي، ويقتل أخوه لأبيه وأمه بالعراق، وحوافر فراسه بالماء [846] " من خلال سنة الرسول المكتوبة علم أئمة أهل بيت النبوة ماذا سيحدث، ومن سيملك، وكيف تتجه حركة الأحداث. [ صفحه 454]

لقد تمسك أئمة أهل بيت النبوة - كل في زمانه - بسنة الرسول، وحثوا الناس علي كتابتها وروايتها والتمسك بها، وقاوموا ما وسعهم الجهد سياسة الخلفاء القائمة علي منع كتابة ورواية سنة الرسول، وبينوا للناس مساوئ هذه السياسة ومخاطرها، وكانوا ينشرون سنة الرسول ما وسعهم الجهد ويحثون المسلمين علي نشرها وكتابتها، وكانوا يشجعون من والاهم علي تحدي سياسة دولة الخلافة تجاه سنة الرسول، وكان الأئمة يجيبون السائلين عن حكم سنة الرسول في أي أمر من الأمور، ولم يجد إمام أهل بيت النبوة حرجا من بيان سنة الرسول للخليفة نفسه إذا استفتاه وإذا رأي إمام أهل بيت النبوة أو أحد، من مواليه الخليفة وهو يمارس عملا مناقضا لسنة الرسول كانوا يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر بألسنتهم ويبينون له الحكم الشرعي الوارد في سنة الرسول، ولكن لم تكن لهم طاقة علي إجبار الخليفة أو أركان دولته باتباع سنة الرسول. لما أوهم الخليفة الثاني المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وناشد الناس أن يأتوه بالمكتوب عندهم منها، اكتشف أهل بيت النبوة، مقاصد الخليفة، فأنكروا وجود سنة الرسول المكتوبة عندها وحذروا من يواليهم من تسليم ما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول للخليفة لأنه يريد أن يحرقها، وقد وثقنا ذلك وفصلناه. ولما آلت الخلافة إلي الإمام علي ركز الجزء الأعظم من اهتمامه علي نشر سنة الرسول، وتشجيع المسلمين علي كتابتها، وعندما أحس الإمام علي بتمسك الأغلبية بسنة الخليفتين، لجأ الإمام إلي أسلوب المناشدة، بأن يسأل الحاضرين من المسلمين بالله أن من سمع رسول الله يقول كذا أن ينهض، ومن خلال هذا الأسلوب المبتكر، ومن خلال ممارسات الإمام [ صفحه 455] هيئت أذهان المسلمين من جديد لتقبل فكرة كتابة ورواية سنة الرسول. وكان كل إمام من أئمة أهل بيت النبوة يبذل كل جهده ليحث من يواليه، ومن يراه من المسلمين علي كتابة ورواية أحاديث الرسول، ويفتون السائلين بسنة رسول الله المكتوبة عندهم، وقد وثقنا ذلك. لقد كان إمام أهل بيت النبوة في زمانه كالكوكب الدري المتألق في ليل مظلم. وخرج الأئمة الكرام كل في زمانه كوادر فنية علموها الأصول، وكيفية التفريع عليها، وأمر الأئمة أتباعهم بمقاطعة قضاء دولة الخلافة، وأن يتجنبوا اللجوء إليه لأنه لا يحكم لا بكتاب الله ولا بسنة رسوله، وأن يختاروا من بينهم من يعرف حلال الله من حرامه ليقضي بينهم بكتاب الله وسنة رسوله ولما فتح باب رواية وكتابة سنة الرسول الصحيحة، فأبدوا مطالعتهم علي النصوص المنسوبة للرسول، وحذروا المسلمين من أصحاب الأهواء، ومن الرواية الكذابين ولو أن علماء دولة الخلفاء قد فزعوا ساعتها لأهل بيت النبوة، وسألوهم الرأي، وطلبوا منهم أن يميزوا لهم ما قاله الرسول بالفعل عما تقوله الرواية عليه لكان للسنة الشريفة شأن غير هذا الشأن، ووضع غير هذا الوضع. لقد حمل أئمة بيت النبوة كل في زمانه راية سنة الرسول الصحيحة والموثوقة ودافعوا عنها، واضطروا وأتباعهم بإمكانياتهم المحدودة أن يواجهوا دولة عظمي تتخذ من سنة الرسول موقفا مغايرا لموقف أهل بيت النبوة، لقد تحمل أئمة أهل بيت النبوة وأولياؤهم أعباء المواجهة مئات السنين، وحافظوا علي سنة الرسول كما يحافظون علي أنفسهم وذراريهم، وتوارثوها كما يتوارث الآخرون أنفس ما لديهم. ولولا فضل الله وقوة سنة الرسول ويقظة أهل بيت النبوة لكان من [ صفحه 456] الممكن أن تضيع السنة تماما! لقد جاء وقت من الأوقات كانت فيه دولة الخلافة بكل إمكانياتها ونفوذها تقف ضد رواية وكتابة سنة الرسول وتبذل كل جهودها للقضاء عليها، ورغبة أو رهبة وقفت الأكثرية الساحقة من المسلمين مع دولة الخلافة، وسارت علي خطها، واتبعت سنتها. ولم يقف إلي جانب سنة الرسول غير أهل بيت النبوة والقلة المؤمنة التي والتهم ولولا يقظة أهل بيت النبوة وجهودهم المتواصلة، لما وصلنا حديث صحيح واحد!! ولكن الله سلم. ومن المفارقات المدهشة حقا أن الذين أحرقوا سنة الرسول المكتوبة ومنعوا رواية وكتابة السنة طوال مائة عام ونيف، وأحلوا محل سنة رسول الله سنة الخلفاء المتغلبين قد سموا أنفسهم بأهل السنة، وقصدهم الإيحاء للمسلمين بأن أهل بيت النبوة وشيعتهم ليسوا بأهل السنة!! ولكن لا أحد من أجيالهم اللاحقة يعرف أي سنة تلك التي هي أهلها!! هل هي سنة الرسول التي أحرقوا المكتوب منها، وعمموا علي كافة الأمصار الخاضعة لحكمهم ليمحوا سنة رسول الله المكتوبة في أمصارهم، ثم أمروا كافة المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله، ونفذوا هذه السياسة طوال مائة عام ونيف!!! فهل هم أهل سنة الرسول هذه أم هم أهل سنة الخلفاء التي حلت بالكامل محل سنة الرسول!! فحتي يومنا هذا فهم يعملون بسنة الخلفاء في كل الأمور المتعلقة بنظام الحكم، أما سنة الرسول المتعلقة بهذا الموضوع فهي مهجورة هجرا تاما، وقد أثبتنا ذلك بالبرهان الساطع والدليل القاطع.

[1] سورة النحل، الآية 44.
[2] سورة النحل، الآية 64.
[3] سورة الحشر، الآية 7.
[4] سورة الأعراف، الآية 158.
[5] سورة الأحزاب، الآية 21.
[6] سورة النجم، الآيتان 3 - 4.
[7] سورة الأعراف، الآية 203.
[8] سورة الأحقاف، الآية 9.
[9] سورة آل عمران، الآية 31. [
[10] سورة النساء، الآية 80.
[11] سورة آل عمران، الآية 132.
[12] سورة المائدة، الآية 92.
[13] سورة النساء، الآية 64.
[14] المراسيل لأبي داود السجستاني ج 2 ص 249.
[15] حجية السنة ص 332.
[16] المصدر السابق.
[17] سورة النجم، الآيتان 3 - 4.
[18] الإحكام في أصول الأحكام ج 1 ص 93.
[19] الحديث والمحدثون ص 11.
[20] الحديث والمحدثون ص 37 و 38.
[21] حجية السنة ص 485.
[22] أصول الحديث: محمد عجاج الخطيب ص 34.
[23] المرجع السابق ص 43.
[24] المرجع السابق ص 89.
[25] مقدمة التيجاني لكتاب الكفاية للخطيب ص 15.
[26] سنن الدارمي ج 1 ب 49 ح 594.
[27] الكفاية للخطيب ص 47.
[28] الإرشاد في تفسير القرآن.
[29] البرهان في علوم القرآن للزركشي ج 2 ص 128.
[30] الكفاية للخطيب ص 48، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 1 ص 109.
[31] الكفاية ص 49.
[32] وقد نقلنا هذه المقتطفات عن كتاب تدوين السنة الشريفة من ص 347 و 353.
[33] راجع صحيح البخاري ج 7 ص 9 و ج 4 ص 31، وصحيح مسلم ج 5 ص 75 و ج 11 ص 95 بشرح النووي، وفي الفصول اللاحقة سنورد أربعين مرجعا علي صحة هذه الواقعة.
[34] راجع تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3، والأنوار الكاشفة ص 53 وتدوين السنة ص 423.
[35] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 285، والاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30.
[36] الطبقات لابن سعد ج 5 ص 140.
[37] كنز العمال ج 1 ص 291.
[38] تقييد العلم ص 49 ورواه في دفاع عن السنة ص 21، راجع كنز العمال ج 1 ص 291، وتدوين القرآن ص 371.
[39] راجع المبحث اللاحق تحت عنوان موقف الخليفة عمر من سنة رسول الله.
[40] المصدر نفسه.
[41] مسند أحمد ج 4 ص 131، وأبو داود في سننه كتاب السنة باب 5، ولزوم السنة ج 4 ص 200 ح 4604، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 6 باب 3 ح 12، وسنن الدارمي ج 1 ص 117 ح 592، وسنن البيهقي ج 3 ص 331، ودلائل النبوة ج 1 ص 25، والمستدرك علي الصحيحين ج 1 ص 180 و 109، والترمذي كتاب العلم ج 2 ص 110، 111 وقال هو حديث صحيح، والحديث والمحدثون ص 11 و 24.
[42] سنن ابن ماجة ج 1 ص 6 - 7، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 108 وقال الحاكم هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين.
[43] الأحكام لابن حزم ج 1 ص 159، وراجع تدوين السنة الشريفة ص 352 وما فوق.
[44] بصائر الدرجات ص 290 - 291، والمعالم ج 2 ص 301 نقلا عن الإمام جعفر الصادق.
[45] بصائر الدرجات ص 168، وسليم بن قيس الهلالي العامري من أصحاب الإمام علي، راجع قاموس الرجال ج 4 ص 445. والمعالم ج 2 ص 304.
[46] الأمالي للشيخ الصدوق ج 2 ص 56 - مطبعة النعمان - النجف سنة 1384 ه، والمعالم ج 2 ص 305.
[47] بصائر الدرجات ص 148.
[48] بصائر الدرجات ص 143 وص 145 وص 147.
[49] بصائر الدرجات ص 145 وص 159.
[50] بصائر الدرجات ص 144.
[51] بصائر الدرجات 151 - 152، وأصول الكافي ج 1 ص 239، والوافي ج 2 ص 135، ومعالم المدرستين ج 2 ص 310.
[52] الكافي والوافي ج 2 ص 79، ومعالم المدرستين ج 2 ص 319.
[53] راجع بصائر الدرجات باب 4 ج 45.
[54] بصائر الدرجات باب 14 ح 3.
[55] بصائر الدرجات باب 14 ح 10.
[56] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وكنز العمال للمتقي الهندي ج 10 ص 285، وتدوين القرآن للكوراني ص 370.
[57] سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125، ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 105 و 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85، وكتابنا المواجهة ص 254.
[58] صحيح البخاري ج 1 ص 22، وأبو فلان هو أبو شاه كما في الترمذي ج 10 ص 135، راجع معالم المدرستين ج 2 ص 55.
[59] صحيح البخاري ج 3 ص 95، وتدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص 277.
[60] سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الرخصة ج 10 ص 134.
[61] مسند أحمد ج 2 ص 207.
[62] مجمع الزوائد ج 1 ص 150 باب كتابة العلم، وراجع تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص 378.
[63] مسند أحمد ج 2 ص 215.
[64] راجع تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وكنز العمال للمتقي الهندي ج 10 ص 285.
[65] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 140.
[66] راجع كنز العمال ج 1 ص 291.
[67] راجع كتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 287 وما فوق تجد التفاصيل، وراجع صحيح البخاري ج 7 ص 9، وصحيح مسلم ج 5 ص 75، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95، ومسند أحمد ج 4 ص 256 ح 2992، وشرح النهج ج 6 ص 51، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وصحيح مسلم ج 2 ص 16 و ج 11 ص 94 - 95 بشرح النووي، ومسند أحمد ج 1 ص 355، وتاريخ الطبري ج 2 ص 193، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 370، وتذكرة الخواص ص 62، وشرح العالمين وكشف ما في الدارين للغزالي وكتابنا (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) ص 235.
[68] راجع صحيح البخاري ج 4 ص 33.
[69] مجمع الزوائد للهيثمي ج 10 ص 48.
[70] وراجع تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص 232 - 233.
[71] المستدرك للحاكم ج 2 ص 28.
[72] سنن البيهقي ج 9 ص 241، وتدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص 235 - 236.
[73] راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن - محمد فؤاد عبد الباقي ص 591 وما فوق.
[74] سورة البقرة، الآية 282.
[75] الموفقيات للزبير بن بكار ص 332 - 333، ومعالم المدرستين ج 1 ص 261.
[76] الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 148.
[77] كنز العمال ج 2 ص 353.
[78] الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 148.
[79] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 3 ص 469.
[80] مجمع الزوائد للهيثمي ج 1 ص 174.
[81] كنز العمال للمتقي الهندي ج 1 ص 372، وراجع تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص 412.
[82] مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 113.
[83] مسند أحمد ج 5 ص 182، وسنن أبي داود كتاب العلم ج 3 ص 319.
[84] وقد وثقنا ذلك عند ذكرنا لتلك الروايات.
[85] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 285، والكامل لابن عدي ج 1 ص 36، وميزان الاعتدال ج 3 ص 280.
[86] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 467، والمصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 183، والمراسيل للرازي ص 37، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 43.
[87] سيرة ابن هشام ص 886 و 956، وحلية الأولياء ج 1 ص 24، والأموال لأبي عبيد ص 27.
[88] مسند أحمد ج 5 ص 228.
[89] صحيح مسلم كتاب الحج باب فضل المدينة ج 2 ص 992 رقم 1361.
[90] مسند أحمد ج 5 ص 285، وسنن الترمذي كتاب الأحكام باب اليمن مع الشاهد ج 3 ص 157.
[91] راجع تدوين السنة الشريفة من ص 205 وما فوق.
[92] ميزان الاعتدال ج 2 ص 5، والجامع الصغير للسيوطي رقم 4134، وأدب الإملاء ص 166، ولسان الميزان ج 3 ص 221، وتدوين السنة الشريفة ص 101.
[93] أدب الإملاء ص 17، والسراج المنير للعزيزي ج 1 ص 165.
[94] الكامل لابن عدي ج 1 ص 294، وتدوين السنة ص 98 وما فوق.
[95] كنز العمال ج 10 ص 262.
[96] تقييد العلم ص 89، وتدوين السنة ص 145.
[97] الاحتجاج ج 1 ص 42.
[98] الكافي ج 1 ص 52.
[99] راجع تدوين القرآن ص 404.
[100] سنن أبي داود كتاب العلم ح 3660 باب 10، وسنن ابن ماجة المقدمة باب 18 الحديث 23 و 231 و 236، وكتاب المناسك باب الخطبة يوم النحر، وسنن الدارمي ج 1 ص 74 - 76 باب المقدمة، ومسند أحمد ج 7 ص 225 و ج 4 ص 80 و 82 و ج 5 ص 473، وسنن الترمذي ج 10 ص 154.
[101] راجع صحيح البخاري ج 1 ص 24 ط بولاق كتاب العلم باب قول النبي (رب مبلغ...)، وكنز العمال ص 102 و 133 ح 1626، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 85 ح 233، ومعالم المدرستين ج 2 ص 55.
[102] صحيح البخاري ج 1 ص 24، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 85، ومعالم المدرستين ج 2 ص 55.
[103] معاني الأخبار ص 374 - 375، وعيون الأخبار ج 2 ص 36، من لا يحضره الفقيه تحقيق علي أكبر غفاري ج 4 ص 420، بحار الأنوار ج 2 ص 15 ح 7، معالم المدرستين ج 2 ص 55.
[104] راجع سنن النسائي ج 5 ص 206، ومسند أحمد ج 1 ص 83 و 437 و ج 5 ص 37، وتدوين القرآن ص 400.
[105] مجمع الزوائد للهيثمي ج 1 ص 139، وقال رواه الطبراني في الكبير.
[106] كنز العمال ج 10 ص 224 و 299، وراجع تدوين القرآن ص 400.
[107] كنز العمال ج 10 ص 158.
[108] كنز العمال ج 10 ص 164 و 224، وتدوين القرآن ص 482.
[109] شرح النهج ج 1 ص 15، وكتابنا المواجهة ص 367.
[110] شرح النهج نقلا عن البلاذري والأصفهاني، وكتابنا المواجهة ص 367.
[111] كنز العمال ج 6 ص 408، وأخرجه النسائي في خصائصه، وشرح النهج ج 3 ص 255، ومسند أحمد ج 1 ص 159، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 223.
[112] نهج البلاغة، خ 192.
[113] كتابنا المواجهة ص 368.
[114] شرح النهج ج 4 ص 315.
[115] راجع سيرة الرسول وأهل بيته مؤسسة البلاغ ج 1 ص 479 نقلا عن شرح النهج.
[116] راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 217، وتفسير الطبري ج 19 ص 75، وتفسير الخازن ج 5 ص 127، ومعالم التفسير للبغوي ج 5 ص 127، وتفسير ابن كثير ج 3 ص 774، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 62، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 125... راجع كتابنا (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) ص 201 لتقف علي بقية المراجع، وهذا حديث صحيح وقد صححه ابن جرير الطبري وأبو جعفر الإسكافي وأرسلاه إرسال المسلمات.
[117] المصدر السابق.
[118] صحيح البخاري باب كيف يبايع الإمام الناس ح 11، وصحيح مسلم كتاب الإمارة، وسنن النسائي كتاب البيعة، وسنن ابن ماجة كتاب الجهاد.
[119] راجع كتابنا (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) ص 200 وما فوق.
[120] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 25 وسيرة الرسول وأهل بيته ج 1 ص 84.
[121] المصدر السابق.
[122] المصدر السابق.
[123] المصدر السابق.
[124] تذكرة الحفاظ ص 23، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 107 و 150، وكنز العمال ج 1 ص 290، والمناقب للخوارزمي ص 7، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 109، وصحيح الترمذي ج 5 ص 30، وأسد الغابة ج 2 ص 221 و ج 3 ص 137، والاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 35، والطبقات الكبري ج 3 ص 21.
[125] تاريخ ابن عساكر ج 1 ص 123، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 5 ص 46.
[126] المناقب للخوارزمي ص 27.
[127] المناقب للخوارزمي ص 246، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 60، وأسد الغابة ج 1 ص 206، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 121.
[128] صحيح البخاري باب مناقب علي كتاب بدء الخلق، وباب غزوة تبوك، وصحيح مسلم كتاب الفضائل باب علي، وصحيح الترمذي ج 2 ص 301، وصحيح ابن ماجة ص 12، والخصائص للنسائي ص 15 و 16 وص 4 وص 14 و 19 و 32.
[129] الطبقات لابن سعد ج 2 ص 236، وقريب منه المناقب للخوارزمي ص 29.
[130] راجع سنن ابن ماجة ج 1 ص 44، وتاريخ الطبري ج 3 ص 310، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 57، وتاريخ ابن عساكر ج 1 ص 120، والاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 29.
[131] تاريخ بغداد ج 1 ص 3316، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 168، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 93، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 172، وقال رواه الطبري وكنز العمال ج 6 ص 152، وفيض القدير للمناوي ج 2 ص 223، وفضائل الخمسة ج 2 ص 180 - 181.
[132] الأدب المفرد للبخاري ص 120، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 165، ومسند أحمد ج 6 ص 165 و ج 7 ص 63، وابن الأثير في أسد الغابة ج 2 ص 18 و ج 4 ص 308، والاستيعاب ج 1 ص 139، وكنز العمال ج 6 ص 221.. الخ.
[133] صحيح الترمذي ج 1 ص 286، وصحيح أبي داود ج 3 ص 179، وفضائل الخمسة ج 3 ص 212.
[134] صحيح النسائي ج 2 ص 188، وصحيح أبو داود ج 1 ص 7، وتاريخ بغداد ج 1 ص 151، ومشكل الآثار للطحاوي ج 1 ص 456، وحلية الأولياء ج 7 ص 126، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 4 ص 236، وذخائر العقبي للطبري ص 119، وكنز العمال ج 7 ص 107، وصحيح الترمذي ج 1 ص 286.
[135] صحيح البخاري كتاب بدء الخلق، وصحيح ابن ماجة ج 1 ص 3 وص 180، والمستدرك ج 3 ص 167.
[136] مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 399، والإصابة لابن حجر ج 5 ص 231، وقال أخرجه البغوي، وصحيح ابن ماجة - باب الرؤيا ص 289، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3 ص 176، وطبقات ابن سعد ج 8 ص 204، وأسد الغابة ج 3 ص 244 و ج 2 ص 10.
[137] الأدب المفرد للبخاري باب رحمة الوالد، ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 85 و 93 و 114 و 53، وأبو داود الطيالسي في مسنده ج 8 ص 160، وحلية الأولياء ج 5 ص 70، وخصائص النسائي ص 72.. الخ.
[138] ذخائر العقبي للطبري ص 130، ومجمع الزوائد ج 9 ص 189، والمستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 170.
[139] المستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 167، وسنن البيهقي ج 2 ص 163، وصحيح النسائي ج 1 ص 171، ومجمع الزوائد ج 9 ص 182.
[140] صحيح الترمذي ج 2 ص 306، وصحيح النسائي ج 1 ص 209 و 235، والمستدرك ج 1 ص 287.
[141] صحيح الترمذي ج 2 ص 307، وصحيح ابن ماجة فضائل الحسن والحسين، ومسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 369 و ج 2 ص 288، وسنن البيهقي ج 2 ص 263، وحلية الأولياء ج 8 ص 305، وكنز العمال ج 7 ص 108.
[142] صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ج 2 ص 360 و ج 5 ص 179 بشرح النووي، وصحيح الترمذي ج 4 ص 239 ح 3085، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3 ص 150، ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 185، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 31، وراجع كتابنا الهاشميون في الشيعة والتاريخ نجد عشرات المراجع الأخري ص 136.
[143] المستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 2 ص 120 وقال هذا حديث صحيح الإسناد، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 75، وكنز العمال ج 6 ص 405 نقلا عن ابن أبي شيبة، ومجمع الزوائد ج 9 ص 134 وقال رواه أبو يعلي وفي ص 193 قال رواه البزار.
[144] راجع تفسير الكشاف للزمخشري (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
[145] خصائص النسائي ص 19، ومجمع الزوائد ج 7 ص 110 وقال رواه الطبراني.
[146] الإستيعاب لابن عبد البر ج 2 ص 464، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 164.
[147] سنن ابن ماجة ج 1 ص 44 ح 119، وصحيح الترمذي ج 5 ص 300 ح 3803، وخصائص النسائي ص 20 وص 33، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 378 ح 875 و 880، والمناقب للخوارزمي ص 79، وتذكرة الخواص لابن الجوزي، وجامع الأصول لابن الأثير ج 9 ص 471، والجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 56، والرياض للطبري ج 2 ص 229، والمشكاة للعمري ج 3 ص 243.
[148] صحيح الترمذي ج 2 ص 183، وخصائص النسائي ص 21، ومسند أحمد ج 3 ص 283.
[149] خصائص النسائي ص 20، وتفسير الطبري ج 10 ص 46.
[150] خصائص النسائي ص 20، وذكره السيوطي في تفسير (براءة من الله...) وقال أخرجه ابن مردويه.
[151] تفسير الطبري ج 10 ص 47.
[152] المستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 51.
[153] مسند الإمام أحمد ج 1 ص 3.
[154] مسند الإمام أحمد ج 1 ص 151، وكنز العمال ج 1 ص 242، وقال أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه.
[155] وثقنا ذلك.
[156] المستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 124، وحلية الأولياء ج 1 ص 163، وكنز العمال ج 6 ص 157، وقال أخرجه الحاكم والدارقطني ج 6 ص 157، وقال أخرجه الطبراني، والرياض النضرة للطبري ج 3 ص 177.
[157] المستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 124، وحلية الأولياء ج 1 ص 163 و ج 5 ص 38، وكنز العمال ج 6 ص 400، ومجمع الزوائد ج 9 ص 116، وقال أخرجه الطبراني.
[158] الصواعق المحرقة ص 73 وقال رواه البيهقي.
[159] مجمع الزوائد ج 9 ص 121 وقال رواه الطبراني في الصغير.
[160] تاريخ بغداد ج 8 ص 437، وفضائل الخمسة ج 2 ص 109.
[161] المستدرك للحاكم ج 3 ص 127 وقال الحاكم هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، وتاريخ بغداد ج 4 ص 41 بخمس طرق، وذكره أبو جعفر في تهذيب التهذيب مختصر ج 1 ص 12، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 73، والمرقاة لعلي بن سلطان ج 5 ص 573، وقالوا جميعا أخرجه ابن حنبل في المناقب.
[162] حلية الأولياء ج 5 ص 59، وتاريخ بغداد لأبي نعيم ج 4 ص 128.
[163] كنوز الحقائق للمناوي ص 188 وقال أخرجه الديلمي.
[164] راجع ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 464، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 170 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 43، والاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 ص 38، والميزان للذهبي ج 1 ص 415، والجامع الصغير للسيوطي ج 1 ص 93، وشرح النهج ج 7 ص 219.
[165] صحيح الترمذي ج 1 ص 301، وحلية الأولياء ج 1 ص 93، ومناقب علي لابن المغازلي ص 87، وذخائر العقبي للطبري ص 77، والصواعق لابن حجر ص 120، والجامع الصغير للسيوطي ج 1 ص 93.
[166] الغدير للأميني ج 3 ص 96، وفتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص 18.
[167] ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 88 ح 1008 و 1009، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 86، والمناقب للخوارزمي ص 236، وينابيع المودة للقندوزي ص 182.
[168] أخرجه الحاكم في مستدركه ولم يتعقبه الذهبي.
[169] تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام علي ج 1 ص 76 وص 121، ومجمع الزوائد ج 2 ص 102 وكفاية الطالب ص 187، والاستيعاب بهامش الإصابة ج 4 ص 170، وأسد الغابة ج 5 ص 287، وميزان الاعتدال للذهبي ج 2 ص 417، وخصائص النسائي ص 3، وتاريخ الطبري ج 2 ص 256، والإصابة لابن حجر ج 7 قسم 1 ص 197، وكنز العمال ج 6 ص 405 و ج 6 ص 152، وفيض القدير ج 4 ص 238.
[170] تاريخ بغداد ج 7 ص 421 و ج 3 ص 19.
[171] كنوز الحقائق للمناوي ص 92 وقال أخرجه أبو يعلي.
[172] كنز العمال ج 6 ص 298، وقد أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق.
[173] راجع مجمع الزوائد ج 9 ص 116 وقال رواه الطبراني في الأوسط.
[174] المستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3 ص 141 وقال هذا حديث صحيح الإسناد، حلية الأولياء ج 5 ص 58، مجمع الزوائد ج 9 ص 119، وقال رواه الطبراني وتاريخ بغداد ج 2 ص 52، وكنز العمال ج 6 ص 152، وفيض القدير للمناوي وقال أخرجه الطبراني والحاكم، والإصابة لابن حجر ج 2 ف 1 ص 183.
[175] تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام علي ج 2 ص 417، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، تفسير الطبري ج 13 ص 108، وتفسير ابن كثير ج 2 ص 502، وتفسير الشوكاني ج 3 ص 70، وتفسير الرازي ج 5 ص 271، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 129 - 130، والدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 45.
[176] راجع صحيح الترمذي ج 2 ص 297 ومسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 437، ومسند أبي داود الطيالسي ج 3 ص 111، وحلية الأولياء ج 6 ص 294، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 19 و 23، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 171 وقال أخرجه الترمذي وأبو حاتم وأحمد، وكنز العمال ج 6 ص 154 وقال أخرجه ابن أبي شيبة وفي ص 399 قال أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وصححه.
[177] مسند الإمام أحمد ج 5 ص 356، ورواه النسائي في الخصائص مع اختلاف يسير ص 24، ومجمع الزوائد ج 9 ص 127 وقال رواه أحمد والبزار باختصار، وكنز العمال ج 6 ص 155 وقال أخرجه الديلمي، وكنوز الحقائق للمناوي ص 186 وقال أخرجه الديلمي.
[178] مجمع الزوائد ج 9 ص 128 ومسند أبي داود ج 11 ص 360 وفيه أن رسول الله قال لعلي: (أنت ولي كل مؤمن من بعدي)، قال الهيثمي في مجمعه رواه الطبراني في الأوسط.
[179] تاريخ بغداد ج 4 ص 339، وكنز العمال ج 6 ص 396، وقال أخرجه ابن الجوزي وفي ج 6 ص 159 قال: أخرجه الخطيب والرافعي.
[180] كنز العمال ج 6 ص 401 وقال أخرجه الديلمي.
[181] الرياض النضرة للطبري ج 2 ص 203، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 99 وقال أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط.
[182] أسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 24، وفيض القدير للمناوي ص 357 وقال أخرجه الطبراني ومجمع الزوائد ج 9 ص 109 وقال رواه البخاري، والإصابة لابن حجر ج 6 ف 1 ص 325.
[183] سورة المائدة، الآيتان 55 - 56.
[184] التفسير الكبير للرازي، والكشاف للزمخشري، وقال البيضاوي ما يقرب من قول الزمخشري، وتفسير الطبري ج 2 ص 186، والدر المنثور للسيوطي وقال: أخرجه الخطيب في المتفق أنها نزلت في علي، وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه أنها نزلت في علي، وقال: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر أنها نزلت في علي، وقال الواقدي في أسباب النزول أن الآية نزلت في علي، راجع كنز العمال ج 6 ص 319، وقال أخرجه الخطيب في المتفق وفي ج 7 ص 305 قال أخرجه الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 7 ص 17، وقال أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه، وذخائر العقبي للطبري ص 102 وقال أخرجه الوافدي، وأبو الفرج وابن الجوزي، راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام ص 45.
[185] ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 75، ومناقب علي لابن المغازلي ص 18 ح 24، والمناقب للخوارزمي ص 94، وتاريخ بغداد للخطيب ج 8 ص 290، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 ص 158، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21، والغدير للأميني ج 1 ص 133، وفرائد السمطين للزرندي الحنفي ج 1 ص 77.
[186] ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 50، والمناقب للخوارزمي ص 94، ومسند أحمد ج 4 ص 281، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 24، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج 1 ص 122، وذخائر العقبي للطبري ص 67، وفضائل الخمسة ج 1 ص 35، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 197، ونظم درر السمطين للزرندي ص 109، وينابيع المودة للقندوزي ص 30 و 31، وتفسير الفخر الرازي ج 3 ص 63، وتذكرة الخواص للسبط الجوزي ص 29، ومشكاة المصابيح للعمري ج 3 ص 246، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج 1 ص 385، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 ص 77، والغدير للأميني ج 1 ص 272 عن المصنف لأبي شيبة، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 169، والمناقب لابن الجوزي، والبداية والنهاية لابن الأثير ص 212، والخطط للمقريزي ص 423، وكنز العمال ج 6 ص 397.
[187] سورة المائدة، الآية 3. قال السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالي: (اليوم أكملت لكم دينكم...) أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري، هبط جبريل بهذه الآية لما نصب رسول الله عليا يوم غدير خم، ونادي له بالولاية. وقال: وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر مثل ذلك عن أبي هريرة، قال الخطيب البغدادي في ج 8 ص 290 نزلت هذه الآية في غدير خم بعد المناداة بعلي وليا، راجع تاريخ دمشق لابن عساكر، ترجمة الإمام علي ج 2 ص 75، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1 ص 57، والدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 259، والاتقان للسيوطي ج 1 ص 31، والمناقب للخوارزمي ج 1 ص 47، وينابيع المودة للقندوزي ص 115، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 ص 72 و 74 وتاريخ اليعقوبي ج 1 ص 35، وكتاب الولاية لأبي جرير الطبري، وما نزل من القرآن في علي لأبي نعيم الاصفهاني، وكتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 210 وروح المعاني للآلوسي ج 6 ص 55، والبداية والنهاية لابن كثير ج 5 ص 210، وأهل بيت النبوة مجمعون علي صحة ذلك كله.
[188] في كتابنا (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) وعلي الصفحات 132 - 140 وثقنا ذلك بقرابة مائة مرجع.
[189] المصدر نفسه.
[190] المصدر نفسه.
[191] المصدر نفسه.
[192] المصدر نفسه.
[193] المصدر نفسه.
[194] في كتابنا (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) تناولنا الصيغ العشر لحديث الثقلين ووثقنا كل صيغة بعشرات المراجع المعتمدة، ثم فصلنا الجانب المتعلق بالإمام علي من هذه الصيغ وربطناها بواقعتي التنصيب والتتويج في غدير خم ووثقناها توثيقا كافيا، من هذه المراجع علي سبيل المثال صحيح مسلم كتاب الفضائل ج 2 ص 362 و ج 15 ص 179 - 181، وصحيح الترمذي ج 5 ص 328 و ج 5 ص 329، والتاج الجامع والأصول ج 3 ص 308، وتيسير الوصول ج 1 ص 16، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 15.
[195] راجع علي سبيل المثال منتخب الأثر للرازي ص 13، و 28 و 25 و 26 و 30 و 32 و 76، وأهل بيت النبوة مجمعون علي ذلك، وأهل الحديث والسير متفقون علي أن عدد الأئمة اثنا عشر ولكنهم عجزوا عن ربط هذا الرقم بالواقع التاريخي. راجع كتابنا المواجهة ص 458 وما فوق.
[196] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 6.
[197] الراغب في المحاضرات ج 7 ص 13، وكنز العمال ج 6 ص 391.
[198] راجع شرح النهج ج 2 ص 18، والطبقات لابن سعد ج 3 ص 130، وكتابنا المواجهة ص 273.
[199] ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 4 ص 321.
[200] صفين لنصر بن مزاحم - ط القاهرة سنة 1382 ه ص 118 - 119، ومروج الذهب للمسعودي ط سنة 1385 ج 3 ص 11.
[201] تاريخ الطبري - ط أوروبا ج 1 ص 3228.
[202] تاريخ ابن الأثير - ط أوروبا ج 3 ص 108.
[203] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 140.
[204] تاريخ الطبري ج 3 ص 120 وط أوروبا ج 1 ص 1818، وابن الأثير ج 2 ص 123 قال: (إن الأنصار قد قالت ذلك بعد أن بايع عمر لأبي بكر).
[205] رواه اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 103 والزبير بن البكار في الموفقيات ص 579.
[206] الموفقيات للزبير بن بكار ص 580.
[207] راجع صحيح البخاري ج 4 ص 23، وتدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص 232 - 233.
[208] البداية والنهاية لابن الأثير ج 8 ص 125، والاستيعاب لابن عبد البر ج 8 ص 397.
[209] راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 ص 24 آخر سيرة عمر من حوادث سنة 23، وشرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 107 وص 97 وقد نقلها عن تاريخ بغداد.
[210] مغازي الواقدي - ط أكسفورد ج 1 ص 48 - 49، وامتناع الأسماع للمقريزي.
[211] سيرة ابن هشام ج 2 ص 253، وصحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب غزوة بدر ج 3 ص 1403.
[212] راجع كنز العمال ج 2 ص 353، وتدوين القرآن ص 413.
[213] أسباب النزول للسيوطي ج 1 ص 21، وتدوين القرآن ص 414.
[214] تاريخ الطبري ج 2 ص 458، وتاريخ ابن الأثير ج 2 ص 224 وفيه (فجاءت أسلم فبايعت)، ومعالم المدرستين ج 1 ص 119.
[215] صحيح الترمذي ج 2 ص 30، وصحيح النسائي ج 2 ص 27، وخصائص النسائي ص 27، وصحيح ابن ماجة ص 12، ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 84 و 95 و 128، وتاريخ بغداد ج 2 ص 255، وحلية الأولياء ج 4 ص 185 وقال هذا حديث صحيح، وكنز العمال ج 6 ص 394.
[216] صحيح الترمذي ص 299، ومسند أحمد ج 6 ص 292.
[217] المستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 129 وقال هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، وكنز العمال ج 6 ص 39، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 214.
[218] تاريخ بغداد ج 3 ص 153، وكتابنا (الهاشميون في الشريعة) ص 225 وما فوق.
[219] الإستيعاب لابن عبد البر ج 2 ص 464، ومجمع الزوائد ج 9 ص 123 وقال رواه الطبراني في الأوسط ورواه البزار.
[220] رواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه راجع كنز العمال ج 1 ص 164، ومعالم الفتن ج 1 ص 67.
[221] رواه مسلم في صحيحه ج 17 ص 125.
[222] رواه أحمد في الفتح الرباني ج 21 ص 202.
[223] رواه أبو داود في عون المعبود حديث رقم 4222 - 4243.
[224] رواه البخاري كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة ج 2 ص 280.
[225] رواه البخاري أيضا في كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة ج 2 ص 280، ومسلم في صحيحه كتاب الفتن ج 18 ص 41.
[226] مجمع الزوائد ج 7 ص 236 وقال رواه الطبري.
[227] المستدرك علي الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم، وكنز العمال ج 11 ص 169.
[228] رواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 174 وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج 6 ص 243 رواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي.
[229] راجع كنز العمال ج 11 ص 167، والإصابة لابن حجر ج 2 ص 29.
[230] رواه ابن عساكر راجع كنز العمال ج 11 ص 167.
[231] رواه الدارقطني راجع كنز العمال ج 11 ص 167، وابن عساكر ج 11 ص 360، والطبراني ج 11 ص 167.
[232] مجمع الزوائد ج 5 ص 241 وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط.
[233] مجمع الزوائد ج 5 ص 241 وقال رواه البزار.
[234] مجمع الزوائد ج 5 ص 240، وابن سعد وابن عساكر راجع كنز العمال ج 11 ص 357، وابن كثير ج 8 ص 280.
[235] الإصابة لابن حجر ج 2 ص 29.
[236] السيرة الحلبية ج 2 ص 234.
[237] الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 71.
[238] وقعة صفين ص 217 تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون.
[239] وقعة صفين ص 220.
[240] مروج الذهب للمسعودي ج 3، ص 14، وإمتاع الأسماع للمقريزي.
[241] صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 1 ص 141، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 15 ص 159 ورواه أحمد والبيهقي راجع كنز العمال ج 14 ص 418.
[242] صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 1 ص 141، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 15 ص 159.
[243] راجع صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج 3 ص 160، وصحيح مسلم ج 17 ص 94.
[244] صحيح البخاري ج 4 ص 142 كتاب الدعوات باب الصراط.
[245] رواه الطبراني راجع معالم الفتن ج 1 ص 91.
[246] رواه الحاكم وأقره الذهبي في ذيل المستدرك ج 4 ص 507.
[247] رواه الطبراني كنز العمال ج 11 ص 181.
[248] صحيح البخاري مطابع الشعب ج 4 ص 100.
[249] صحيح مسلم كتاب الفتن الفتنة من المشرق ج 2 ص 560 و ج 18 ص 31 - 33 بشرح النووي.
[250] سورة التحريم آية: 4.
[251] صحيح البخاري ج 3 ص 136 - 137.
[252] الكشاف ج 4 ص 566، وتفسير الرازي ج 8 ص 332، والدر المنثور ج 6 ص 239، وتفسير القرطبي ج 18 ص 777 و 188، وفتح القدير ج 5 ص 250، وتفسير ابن كثير ج 4 ص 387.
[253] آداب النكاح ج 2 ص 35 لمحمد الغزالي، وكاشفة القلوب باب 94 ص 237.
[254] تفسير القرطبي ج 18 ص 202 وفتح القدير للشوكاني ج 5 ص 255.
[255] راجع كتابنا المواجهة تجد الكثير من النصوص التي تزيد ذلك ص 501 وما فوق.
[256] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 22.
[257] رواه أبو داود في عون المعبود حديث رقم 4222 - 4243.
[258] رواه البخاري كتاب الحج من صحيحه ج 1 ص 322، ورواه مسلم في صحيحه ج 7 ص 18.
[259] رواه أحمد بن حنبل الفتح الرباني ج 29 ص 23 وقال حديث صحيح.
[260] راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 ص 24 آخر سيرة عمر من حوادث 23، وعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 107 و 97 وقد نقلها عن تاريخ بغداد.
[261] المؤرخون متفقون علي صدور هذين القولين عن عمر بن الخطاب.
[262] المؤرخون متفقون علي صدور هذين القولين عن عمر بن الخطاب.
[263] المصدر السابق.
[264] راجع الإصابة لابن حجر ج 1 ص 484 ط السعادة، وحلية الأولياء ج 2 ص 317 و ج 3 ص 227، والطرائف لابن طاووس ج 2 ص 229، والنص والاجتهاد للعاملي ص 94.
[265] صحيح البخاري ج 7 ص 9 و ج 4 ص 31 و ج 1 ص 37، وصحيح مسلم ج 5 ص 75 و ج 2 ص 16 و ج 11 ص 94 و 95، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 288 يعالج تفصيل ذلك.
[266] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 140.
[267] سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125، ومسند أحمد ج 2 ص 162، و 207 و 216، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 105 و 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85، وكتابنا المواجهة ص 254.
[268] صحيح البخاري كتاب الدعوات باب قول النبي من آذيته، وصحيح مسلم كتاب البر والصلة باب مخالفة الرسول!!.
[269] صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده، وكتاب الطب باب هل يستخرج السحر، وكتاب الأدب، إن الله يأمر بالعدل، وكتاب الدعوات باب تكريم الدعاء، وصحيح مسلم باب السحر!!.
[270] صحيح البخاري باب قوله تعالي: (وصل عليهم) وكتاب الشهادات باب شهادة الأعمي ونكاحه، وصحيح مسلم في كتاب فضائل القرآن باب الأمر بتعهد القرآن.
[271] المغازي للواقدي ج 2 ص 604.
[272] صحيح البخاري ج 2 ص 81 آخر كتاب الشروط من صحيحه وكتابنا (الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية) ص 198.
[273] المصدر السابق.
[274] السيرة الحلبية ج 2 ص 706، والسيرة النبوية لابن كثير ج 7 ص 320.
[275] المغازي للواقدي ج 2 ص 609.
[276] النص والاجتهاد للعاملي ص 325 وما فوق.
[277] المغازي للواقدي ج 2 ص 600.
[278] المغازي للواقدي ج 2 ص 600.
[279] المغازي للواقدي ج 2 ص 600.
[280] صحيح البخاري ج 6 ص 122 باب الشروط.
[281] المغازي للواقدي ج 2 ص 607.
[282] شرح النهج ج 3 ص 790.
[283] المغازي للواقدي ج 3 ص 117، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207، وسيرة ابن دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 329، والطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 190.
[284] المغازي للواقدي ج 3 ص 119، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 57، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 و ج 3 ص 234، والسيرة الدحلانية ج 3 ص 339، وعبد الله بن سبأ ج 1 ص 70، وكنز العمال ج 10 ص 572 - 573، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182.
[285] كنز العمال ج 10 ص 573، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182.
[286] المغازي للواقدي ج 3 ص 112، والطبقات لابن سعد ج 3 ص 191، والسيرة الحلبية ج 3 ص 208 و 235، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340، وشرح النهج ج 1 ص 160، وكنز العمال ج 10 ص 574.
[287] الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 و ج 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 24.
[288] راجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية ص 176.
[289] شرح النهج لابن أبي الحديد ج 6 ص 52.
[290] تاريخ الطبري ج 3 ص 226، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340.
[291] أنساب الأشراف ج 5 للبلاذري.
[292] في كتابنا المواجهة ص 503 - 506 كشفنا عن الذي سرب الخبر، وأثبتنا بأنه كان أحد المتآمرين.
[293] راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95، ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج 4 ص 356 ح 2992، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وصحيح مسلم ج 2 ص 16، ومسند أحمد ج 3 ص 286 و ج 1 ص 355، وتاريخ الطبري ج 2 ص 192، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21.
[294] تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.
[295] صحيح البخاري ج 7 ص 9 و ج 4 ص 31، وصحيح مسلم ج 5 ص 75 و ج 2 ص 16، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95، ومسند أحمد ج 4 ص 356 و ج 1 ص 355، وتاريخ الطبري ج 2 ص 192، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وتذكرة الخواص ص 62، وسر العالمين ص 21.
[296] المصدر السابق.
[297] المراجع السابقة في البندين 1 و 2.
[298] الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 243 - 244.
[299] صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 و ج 2 ص 16 وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 - 95، ومسند أحمد ج 1 ص 355 و ج 4 ص 356، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 62، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21.
[300] شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 7 ص 114 سطر 27 الطبعة الأولي بيروت و ج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق أبي الفضل مكتبة الحياة و ج 3 ص 167 طبعة دار الفكر، وكتابنا المواجهة ص 503 وما فوق.
[301] في الصفحات السابقة حرصنا علي توثيق كل جملة نطق بها الرسول.
[302] تاريخ الطبري ج 2 ص 429: وسيرة عمر لابن الجوزي ص 37، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 85، وكتابنا النظام السياسي ص 159، وكتابنا المواجهة ص 540.
[303] تاريخ الطبري طبعة أوروبا ج 1 ص 2138.
[304] الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري والطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 64، وكتابنا الخطط السياسية ص 367 - 369، وكتابنا المواجهة ص 511 وما فوق.
[305] الطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 347 وأنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 18، وتاريخ الطبري ج 5 ص 23.
[306] مقدمة ابن خلدون ص 127.
[307] تاريخ ابن كثير ج 10 ص 7 - 8، وسنن أبي داود ج 4 ص 209 - 210 ح 4642، ومروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 147، والعقد الفريد ج 5 ص 51 - 54، وتاريخ الطبري ج 5 ص 21.
[308] راجع علي سبيل المثال مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 219، ومعالم المدرستين ج 1 ص 113.
[309] تاريخ الطبري ط أوربا ج 1 ص 1818.
[310] تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 164.
[311] الطبقات لابن سعد ج 2 ص 57، وكنز العمال ج 4 ص 53 الحديث رقم 1092، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 243، وابن ماجة الحديث 627.
[312] الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 57، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 243، والسيرة الحلبية ج 3 ص 390 - 391، وكنز العمال ج 4 ص 53 الحديث رقم 1092، والتمهيد للباقلاني ص 192 - 193.
[313] أنساب الأشراف ج 1 ص 567، والطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 53، وكنز العمال ج 4 ص 53، وتاريخ الخميس ج 2 ص 185، والسيرة الحلبية ج 3 ص 392.
[314] سورة آل عمران، الآية 144، الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ف 2 ص 54، وتاريخ الطبري ج 1 ص 1817 - 1818، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 343، والسيرة الحلبية ج 3 ص 392، وابن ماجة الحديث 1627.
[315] الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ف 2 ص 70، وفي البدء والتاريخ قريب منه، وكنز العمال ج 4 ص 54 و 60 وهذه عبارته: (ولي دفنه وأجنانه أربعة من الناس) ثم ذكر الذين ذكرناهم معالم المدرستين ج 1 ص 121.
[316] العقد الفريد ج 3 ص 61، وقريب منه تاريخ الذهبي ج 1 ص 321 و 324 و 326.
[317] كنز العمال ج 3 ص 140.
[318] سيرة ابن هشام ج 4 ص 344، وتاريخ الطبري ج 2 ص 452 و 455 وط أوروبا ج 1 ص 1833 و 1837، وابن كثير ج 5 ص 270، وابن الأثير في أسد الغابة ج 1 ص 34 في ترجمة الرسول، ومعالم المدرستين ج 1 ص 121.
[319] الطبقات الكبري لابن سعد ج 1 ف 2 ص 78.
[320] كقولهم للنبي: (أنت تهجر!!) أي لا تعي ما تقول.
[321] الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 243 - 244.
[322] راجع المراجع التي ذكرتها تحت عنوان تدخل النسوة... والعنوان الذي يليه في الصفحات العشرة السابقة.
[323] المصدر السابق.
[324] مقطع من رسالة معاوية لمحمد بن أبي بكر راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم ط القاهرة 1382 ه ص 118 - 119، ومروج الذهب للمسعودي ط 1385 ج 3 ص 11.
[325] لقد وثقنا كل كلمة في باب خاص من هذا الكتاب تحت عنوان (من يبين القرآن ومن يبلغ السنة، ومن هو مرجع المسلمين بعد وفاة نبيهم)، فارجع إلي توثيقنا إن شئت.
[326] صحيح البخاري كتاب الحج ج 1 ص 322، وصحيح مسلم ج 7 ص 18، راجع نماذج من تحذيرات الرسول.
[327] رواه أحمد الفتح الرباني ج 29 ص 23 وقال حديث صحيح.
[328] صحيح البخاري ج 1 ص 141، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 5 ص 159، وكنز العمال ج 14 ص 418 رواه أحمد والبيهقي.
[329] صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 1 ص 141، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 15 ص 159.
[330] صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج 3 ص 160، وصحيح مسلم ج 17 ص 94.
[331] صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 4 ص 142 باب الصراط.
[332] فتح الباري كتاب الأحكام ج 13 ص 98.
[333] كنز العمال ج 5 ص 77.
[334] راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 31.
[335] رواه ابن أبي شيبة والبيهقي راجع كنز العمال ج 4 ص 614.
[336] كان يسكر علنا، وصلي الصبح بالناس وهو سكران وكان أحد أمراء عمر، الإصابة ج 3 ص 363.
[337] هو الذي افتري علي الله الكذب بنص القرآن، وقد أباح الرسول دمه، تاريخ الطبري ج 5 ص 59، والبداية والنهاية لابن الأثير ج 8 ص 214.
[338] وثقنا في البحوث السابقة لعن الرسول للحكم بن العاص ولابنه مروان وتحذيراته منهما ومن نسلهما.
[339] المصدر السابق.
[340] شهد حنين مشركا، الإصابة ج 2 ص 540، وأسد الغابة ج 6 ص 16، وقد لعنه رسول الله وكان من أشد المبغضين لعلي لكن عمر أمره وجعله علي مقدمة جيش، الإصابة ج 1 ص 541.
[341] كان يعلي من الحاقدين علي علي بن أبي طالب فقد أعان الزبير في ما بعد بأربعمائة ألف عندما خرج علي علي واشتري لعائشة جملها عسكر وجهز 70 رجلا من قريش، الإستيعاب لابن عبد البر ج 6 ص 662 - 663.
[342] كان بسر بن أرطأة من أصحاب مسيلمة الكذاب أسلم وولاه عمر القضاء علي البصرة، الاستيعاب ج 1 ص 120.
[343] ادعي النبوة بعد النبي، فأعجب به عمر وطلب من أمر الله أن يشاوروه، البداية والنهاية ج 7 ص 130.
[344] راجع نصوص سنة الرسول التي سقناها تحت عنوان (الرسول يحذر من الخطر الماحق).
[345] البداية والنهاية لابن الأثير ج 8 ص 118، وتاريخ الطبري ج 5 ص 69، والاستيعاب ج 3 ص 596، وكنز العمال ج 13 ص 606.
[346] البداية والنهاية ج 8 ص 125، وتاريخ الطبري ج 6 ص 184.
[347] البداية والنهاية ج 8 ص 125، والاستيعاب ج 8 ص 397.
[348] تاريخ الطبري ج 6 ص 184.
[349] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 535.
[350] الدلائل لابن سعد وكنز العمال ج 12 ص 354.
[351] الإصابة ج 5 ص 3.
[352] قد وثقنا ذلك مرات متعددة في البحوث السابقة راجع شذرات الذهب لابن عماد ج 1 ص 99.
[353] الإصابة لابن حجر ج 6 ص 157.
[354] المستدرك علي الصحيحين للحاكم، وحلية الأولياء، راجع كنز العمال ج 11 ص 169.
[355] رواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 74 وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية رواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي.
[356] وقعة صفين ص 217 و 220 وص و 118 و 119 من وقعة صفين لنصر بن مزاحم ط القاهرة 1382 ه ص 102، ومروج الذهب للمسعودي ط 1385 ج 3 ص 11.
[357] راجع تحذيرات الرسول التي سقناها في هذا الكتاب تحت عنوان (الرسول الأعظم يحذر من الخطر الماحق ويكشف قادة التآمر) وراجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية.
[358] تاريخ الطبري ج 5 ص 110.
[359] الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 54، وتاريخ الطبري ج 1 ص 1817 - 1818، وابن كثير ج 5 ص 243، والسيرة الحلبية ج 3 ص 392، وابن ماجة الحديث 1627.
[360] راجع سنن الدارمي ج 1 ص 54، وكنز العمال ج 2 ص 331 و ج 11 ص 296، والدر المنثور ج 2 ص 7 و ج 3 ص 161 و ج 6 ص 111، وإكمال الدين ج 5 ص 221 و ج 6 ص 206، وتدوين القرآن لأبي محمد الشيخ علي الكوراني ص 209 وما فوق، لتقف علي قضية ضبيع التميمي وما لحقه من ظلم وما أصابه من عذاب نتيجة ارتكابه لبعض هذه الجرائم.
[361] السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 317، وتدوين القرآن ص 225.
[362] المستدرك للحاكم ج 2 ص 390، وتدوين القرآن ص 225.
[363] الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 317.
[364] راجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 39 - 41، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 78.
[365] راجع أمر معاوية لأهل الشام وسكان مملكته بضرورة شتم الإمام ولعنه في صحيح مسلم ج 2 ص 360، وصحيح الترمذي ج 5 ص 301 - 380، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 109، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 67.
[366] البداية والنهاية ج 8 ص 125، والاستيعاب لابن عبد البر ج 8 ص 397.
[367] راجع تحذيرات الرسول ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 217 و 220، ومروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 14، وإمتاع الأسماع للمقريزي.
[368] رواه البخاري كتاب بدء الخلق علامات النبوة ج 2 ص 280، ومسلم كتاب الفتن ج 18 ص 41.
[369] رواه الطبراني مجمع الزوائد ج 7 ص 236.
[370] رواه أحمد وقال الهيثمي أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح، الفتح الرباني ج 23 ص 240.
[371] صحيح البخاري ج 2 ص 280، وصحيح مسلم ج 12 ص 14، والفتح الرباني ج 3 ص 39، ومعالم الفتن ج 1 ص 303.
[372] صحيح البخاري ج 1 ص 141، وصحيح مسلم ج 15 ص 159، وكنز العمال ج 14 ص 418.
[373] صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج 3 ص 160، وصحيح مسلم ج 17 ص 94.
[374] صحيح البخاري ج 4 ص 142 كتاب الدعوات باب الصراط.
[375] مغازي الواقدي ط أكسفورد ج 1 ص 48 - 49، وإمتاع الأسماع للمقريزي ص 74 - 75، ومعالم المدرستين للعسكري ج 1 ص 171.
[376] المستدرك للحاكم ج 2 ص 138 ونحوه في صحيح مسلم ج 4 ص 298، وكنز العمال ج 13 ص 174، وآيات الغدير لأبي محمد الكوراني ص 161.
[377] صحيح الترمذي ج 2 ص 30، وصحيح النسائي ج 2 ص 27، وخصائص النسائي ص 27، وصحيح ابن ماجة ص 12، ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 84 و 95 و 128، وتاريخ بغداد ج 2 ص 255، وحلية الأولياء ج 4 ص 185 وقال هذا حديث صحيح، وكنز العمال ج 6 ص 394.
[378] صحيح الترمذي ص 299، ومسند أحمد ج 6 ص 292.
[379] المستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 129 وقال هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، وكنز العمال ج 6 ص 39، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 214.
[380] الإستيعاب لابن عبد البر ج 2 ص 464، ومجمع الزوائد ج 3 ص 123 وقال رواه الطبراني في الأوسط ورواه البزار.
[381] كنز العمال ج 5 ص 31 و 7 و ج 4 ص 614 وقال رواه ابن شيبة والبيهقي.
[382] كنز العمال ج 3 ص 353.
[383] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 3 ص 469.
[384] مجمع الزوائد ج 1 ص 174.
[385] تاريخ الطبري ج 3 ص 458 وط أوروبا ج 1 ص 1843.
[386] المصدر السابق.
[387] ابن الأثير ج 2 ص 224.
[388] تاريخ الطبري ج 2 ص 458 وط أوروبا ج 1 ص 1843.
[389] شرح النهج ج 6 ص 287.
[390] الجمل للمفيد ص 43.
[391] الموفقيات ص 578، والرياض النضرة للطبري ج 1 ص 164، وتاريخ الخميس ج 1 ص 188، والمراجعات ج 1 ص 169.
[392] سورة التحريم، الآية 4.
[393] راجع تفسير هذه الآية في صحيح البخاري ج 3 ص 136 - 137.
[394] تفسير القرطبي ج 18 ص 202، وفتح القدير للشوكاني ج 5 ص 255.
[395] ملخص ما ذكره الطبري في ذكره الحوادث بعد وفاة الرسول، وراجع سيرة ابن هشام ج 4 ص 336.
[396] كتاب السقيفة للجوهري شرح النهج ج 1 ص 133.
[397] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 11.
[398] تاريخ الطبري ج 2 ص 428، وسيرة عمر لابن الجوزي ص 37، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 85.
[399] نظام الحكم للقاسمي ص 419 كما نقلها عن الطبري من ابتداء معركة القادسية.
[400] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 535.
[401] وثقنا هذه الناحية توثيقا كافيا راجع ذلك تحت عنوان وقائع حفل تنصيب وتتويج من يخلف الرسول بعد موته.
[402] مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 2 ص 207.
[403] سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125 ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 105.
[404] الإصابة لابن حجر ج 1 ص 484، وحلية الأولياء ج 2 ص 317، وتاريخ ابن كثير ج 7 ص 98، والنص والاجتهاد للعاملي ص 94.
[405] النص والاجتهاد ص 94.
[406] المغازي للواقدي ج 3 ص 1117، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207، والطبقات الكبري ج 2 ص 190.
[407] تاريخ الطبري ج 3 ص 226، الكامل في التاريخ ج 2 ص 335، والسيرة الحلبية ج 2 ص 209 و 236.
[408] شرح النهج ج 7 ص 114 سطر 27 الطبعة الأولي بيروت و ج 2 ص 79 سطر 7 أبي الفضل مكتبة الحياة و ج 5 ص 167 طبعة دار الفكر.
[409] شرح النهج ج 2 ص 18، والطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 130.
[410] الكامل في التاريخ ج 3 ص 24 آخر سيرة عمر من حوادث 23، وشرح النهج مجلد 3 ص 107، وكذلك في أحوال عمر مجلد 3 ص 97.
[411] راجع الكامل في التاريخ ج 3 ص 24، واقرأ بتمعن نص المحاورة بين ابن عباس وعمر.
[412] صحيح مسلم كتاب الفضائل (باب وجوه امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الناس)، وسنن ابن ماجة باب تلقيح النخل.
[413] المصدر السابق.
[414] صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس، وكتاب الطب باب هل يستخرج السحر وباب السحر، وصحيح مسلم باب السحر.
[415] صحيح البخاري كتاب الدعوات باب قول النبي من آذيته، وصحيح مسلم كتاب البر والصلة باب من لعنه النبي (وليس له أهلا).
[416] صحيح البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي باب مقدم النبي وأصحاب المدينة وكتاب العيدين باب سنة العيدين، وصحيح مسلم كتاب صلاة العيدين باب الرخصة في لعب يوم العيد.
[417] صحيح مسلم صلاة العيدين المدينة 18 - 22.
[418] سنن الترمذي باب مناقب عمر.
[419] سنن الترمذي باب مناقب عمر ومسند أحمد ج 5 ص 353، ومعالم المدرستين ج 1 ص 41 - 42.
[420] السيرة الحلبية ج 3 ص 79.
[421] السيرة الحلبية ج 3 ص 79.
[422] راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 198، والإمامة والسياسة ص 8 وما فوق ج 2 ص 266 من شرح النهج وكتابنا النظام السياسي في الإسلام ص 127.
[423] شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 1 ص 25.
[424] شرح النهج ج 3 ص 67.
[425] راجع الكامل لابن الأثير ج 3 ص 94، وشرح النهج ج 3 ص 107 أخرجه عن الإمام أحمد بن أبي الطاهر في تاريخ بغداد مجلد 2 ص 97.
[426] مروج الذهب للمسعودي مجلد 2 ص 253 - 254.
[427] المغازي للواقدي ج 3 ص 117 والسيرة الحلبية ج 3 ص 207، والطبقات الكبري ج 2 ص 190.
[428] الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 و ج 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 24.
[429] المغازي للواقدي ج 3 ص 119، والطبقات الكبري ج 2 ص 190، وشرح النهج ج 1 ص 57، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 و 243.
[430] كنز العمال ج 10 ص 573، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182.
[431] المغازي للواقدي ج 3 ص 112، والطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 191، والسيرة الحلبية ج 3 ص 208 وص 235، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340، وشرح النهج ج 1 ص 160، وكنز العمال ج 10 ص 571.
[432] السقيفة للجوهري راجع شرح النهج ج 6 ص 52.
[433] تاريخ الطبري ج 3 ص 226، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340.
[434] في كتابنا المواجهة ص 503 - 506 كشفنا الذي سرب هذا الخبر وأثبتنا بأنه كان أحد المتآمرين.
[435] حسب الروايات التي نقلها رواه القوم وثقاتهم، فإن الرسول الأعظم لم يتلفظ سوي بجملة واحدة تحمل هذا المعني، وفي الفصول السابقة سقنا كافة هذه الروايات.
[436] راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 و ج 2 ص 16، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 - 95 ومسند أحمد ج 1 ص 355، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.
[437] المصدر السابق.
[438] شرح النهج لابن أبي الحديد ج 7 ص 114 الطبعة الأولي بيروت و ج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق محمد أبو الفضل مكتبة الحياة و ج 3 ص 167 طبعة دار الفكر، وكتابنا المواجهة ص 503 وما فوق.
[439] المصدر السابق.
[440] الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 70، وكنز العمال ج 4 ص 54 و 60، ومعالم المدرستين ج 1 ص 121.
[441] العقد الفريد ج 3 ص 63، وقريب منه تاريخ الذهبي ج 1 ص 321 و 324 و 326.
[442] كنز العمال ج 3 ص 140.
[443] سيرة ابن هشام ج 4 ص 344، وتاريخ الطبري ج 2 ص 452 و 455 وط أوروبا ج 1 ص 1833 و 1837، وابن كثير ج 5 ص 270، وابن الأثير في أسد الغابة ج 1 ص 34 ترجمة الرسول، ومعالم المدرستين ج 1 ص 121.
[444] الطبقات الكبري لابن سعد ج 1 ص 121.
[445] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 11، وكتابنا المواجهة ص 517.
[446] الإمامة والسياسة ج 1 ص 11.
[447] راجع كتابنا نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام ص 311 وما فوق.
[448] تاريخ الطبري ج 3 ص 120 وط أوروبا ج 1 ص 1818، وابن الأثير ج 2 ص 23.
[449] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 103، والموفقيات للزبير بن البكار ص 579 و 580.
[450] راجع الإمامة والسياسة ص 6، وتاريخ الطبري حوادث سنة 11.
[451] المصدر السابق.
[452] تاريخ الطبري ج 3 ص 208 وط أوربا ج 1 ص 1818، وابن الأثير ج 2 ص 123 وشرح النهج ج 2 ص 265.
[453] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 103، والموفقيات للزبير بن البكار ص 579.
[454] راجع التفصيلات في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 5 وما فوق.
[455] تاريخ الطبري ج 2 ص 458 وطبعة أوروبا ج 1 ص 1833، وابن الأثير ج 2 ص 224، والزبير بن بكار برواية ابن أبي الحديد ج 6 ص 287.
[456] تاريخ الطبري ج 3 ص 458 وط أوروبا ج 1 ص 1843.
[457] ابن الأثير ج 2 ص 224.
[458] شرح النهج ج 6 ص 287.
[459] الجمل للمفيد ص 43.
[460] الموفقيات ص 578، والرياض النضرة للطبري ج 1 ص 164، وتاريخ الخميس ج 1 ص 188.
[461] مسند أحمد ج 1 ص 55 وتاريخ الطبري ج 2 ص 466 وط أوروبا ج 1 ص 1822، وابن الأثير ج 2 ص 124، وابن كثير ج 5 ص 246، وابن أبي الحديد ج 1 ص 123، وتاريخ السيوطي ص 145، وسيرة ابن هشام ج 4 ص 328، وتيسير الوصول ج 2 ص 41، وتاريخ الخميس ج 1 ص 188، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156، وابن شحنة بهامش الكامل ص 112.
[462] أنساب الأشراف ج 1 ص 587.
[463] أنساب الأشراف ج 1 ص 587.
[464] أنساب الأشراف ج 1 ص 587.
[465] الإمامة والسياسة ص 11 - 12.
[466] تاريخ الطبري ج 2 ص 443 - 444، وأبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة حسب رواية ابن أبي الحديد ج 1 ص 130 - 134.
[467] تاريخ ابن شحنة ج 11 ص 113 بهامش الكامل وشرح النهج ج 1 ص 134.
[468] العقد الفريد لابن عبد ربه ج 3 ص 64، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156.
[469] أنساب الأشراف للبلاذري ج 1 ص 586، وكنز العمال ج 3 ص 140، والرياض النضرة للطبري ج 1 ص 167، والسقيفة للجوهري برواية ابن أبي الحديد ج 1 ص 132 و ج 6 ص 2، وتاريخ الخميس ج 1 ص 178، وشرح النهج ج 1 ص 134.
[470] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 105.
[471] تاريخ الطبري ج 3 ص 443 و 444 وطبعة أوربا ج 1 ص 1818 و 1820 و 1822، وعبقرية عمر للعقاد ص 173، والرياض النضرة للطبري ص 167، وتاريخ الخميس ج 1 ص 188، وشرح النهج ج 1 ص 122 و 123 و ج 6 ص 2، وكنز العمال ج 3 ص 128.
[472] راجع الرياض النضرة للطبري ج 1 ص 167، والسقيفة للجوهري، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 132 و ج 6 ص 293، وتاريخ الخميس ج 1 ص 188، وتاريخ اليعقوبي، وتاريخ ابن شحنة ص 113 بهامش الكامل لابن الأثير ج 11، وشرح النهج ج 1 ص 4، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 3 ص 64، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 1 ص 586، وكنز العمال ج 3 ص 140، ومروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 100.
[473] الإمامة والسياسة ص 11 - 21، وتاريخ الطبري حوادث سنة 11.
[474] مروج الذهب للمسعودي ج 1 ص 414، والإمامة والسياسة ج 1 ص 12 - 14 مع اختلاف يسير، وشرح النهج ج 6 ص 285، والسقيفة للجوهري.
[475] الإمامة والسياسة ص 12 وشرح النهج نقلا عن السقيفة ج 6 ص 285.
[476] الإمامة والسياسة ص 11.
[477] تذكره الخواص للسبط ابن الجوزي ص 23، وترجمة علي من تاريخ الدمشق لابن عساكر ج 1 ص 107 و 105، وكنز العمال ج 6 ص 290، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 109، وصحيح الترمذي ج 5 ص 30 وأسد الغابة ج 2 ص 221، والطبقات الكبري ج 3 ص 220.
[478] المناقب للخوارزمي ص 246، وأسد الغابة ج 1 ص 206، والصواعق المحرقة ص 171.
[479] تاريخ الطبري ج 2 ص 448 وطبعة أوروبا ج 1 ص 1825، والصحيح البخاري كتاب المغازي ج 3 ص 38، وابن أبي الحديد ج 1 ص 122، ومروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 414.
[480] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 105.
[481] الإمامة والسياسة ص 15.
[482] شرح النهج ج 2 ص 67، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 182.
[483] مقاتل الطالبين ص 219 - 220.
[484] شرح النهج ج 9 ص 189، ووضوء النبي للسيد علي الشهرستاني ص 235.
[485] مسند الإمام أحمد ج 4 ص 275 ح 18450.
[486] شرح النهج ج 3 ص 69 خطبة 211.
[487] شرح النهج ج 1 ص 248 - 249.
[488] صحيح الترمذي ج 7 ص 111، ومسند أحمد ج 1 ص 10 ح 60، وسنن الترمذي ج 7 ص 1009، والطبقات لابن سعد ج 5 ص 77، وتاريخ ابن الأثير ج 5 ص 286، وكنز العمال ج 5 ص 365، والطبقات ج 2 ص 315.
[489] بلاغات النساء ص 16 - 17.
[490] مسند أحمد ج 1 ص 4 ح 14، وسنن أبي داود ج 3 ص 50، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 289، وتاريخ الذهبي ج 1 ص 246، وشرح النهج ج 4 ص 81 نقلا عن الجوهري.
[491] شرح النهج ج 4 ص 87 - 89، وبلاغات النساء ص 12 - 15.
[492] فتوح البلدان ج 3 ص 34 - 35.
[493] شرح النهج ج 4 ص 81 نقلا عن الجوهري تاريخ الإسلام للذهبي ج 1 ص 347، وكنز العمال ج 5 ص 367.
[494] صحيح مسلم ج 3 ص 121، ومجمع الزوائد ج 3 ص 90، وصحيح البخاري ج 1 ص 81، وصحيح مسلم ج 3 ص 117، وسنن أبي داود ج 1 ص 212 باب الصدقة علي بني هاشم.
[495] سنن الترمذي ج 7 ص 111.
[496] صحيح البخاري ج 2 ص 200 باب مناقب قرابة الرسول، وسنن أبي داود ج 3 ص 49 كتاب الخراج، وسنن النسائي ج 2 ص 79 قسم الفئ، ومسند أحمد ج 1 ص 6 - 9.
[497] شرح النهج ج 4 ص 87، وبلاغات النساء ص 12 - 15.
[498] إرجع إلي الفصل تحت عنوان تحذيرات الرسول لتري أن كل ولاة الدولة كانوا من أعداء الله ورسوله، ومن الكارهين لآل محمد، ومن الذين حذر منهم الرسول!!!.
[499] شرح النهج ج 2 ص 58 - 59.
[500] الإمامة والسياسة ج 1 ص 15، والسقيفة وفدك ص 43، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 1225 طبعة لندن، والسنة بعد الرسول للسيد علي الشهرستاني ص 109 من مجلة تراثنا العدد 59 و 60.
[501] الإمامة والسياسة ج 1 ص 15.
[502] السقيفة وفدك ص 37، وشرح النهج ج 2 ص 44، والسنة بعد الرسول ص 111 مجلة تراثنا العدد 59 و 60.
[503] المصدر السابق.
[504] تاريخ الطبري ج 3 ص 202.
[505] تاريخ الطبري ج 4 ص 52.
[506] شرح النهج ج 1 ص 248 - 249، وراجع كتابنا المواجهة ص 526 وما فوق.
[507] راجع تاريخ الطبري ج 2 ص 429، وسيرة عمر لابن الجوزي ص 37، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 85.
[508] الإمامة والسياسة لابن قطيبة ج 1 ص 23.
[509] راجع مرض عمر وموته في تاريخ الطبري، وطبقات ابن سعد ص 15 وما فوق من الإمامة والسياسة لابن قطيبة.
[510] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 535.
[511] نظام الحكم للقاسمي ص 197 و 198.
[512] مقدمة ابن خلدون ص 127.
[513] الإمامة والسياسة ج 1 ص 23، وأعلام النساء ج 3 ص 786.
[514] الإصابة لابن حجر ج 2 ص 541.
[515] الاستيعاب ج 3 ص 662 - 663.
[516] الاستيعاب ج 1 ص 120.
[517] البداية والنهاية لابن الأثير ج 7 ص 130.
[518] البداية والنهاية ج 8 ص 125، وتاريخ الطبري ج 6 ص 184.
[519] البداية والنهاية ج 8 ص 125، والاستيعاب ج 8 ص 397.
[520] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 535.
[521] الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 78 طبعة ليدن.
[522] الأحكام السلطانية للماوردي ص 7 - 8 و 7 - 11، والأحكام السلطانية لأبي يعلي ص 15.
[523] التمهيد للباقلاني تحقيق عماد الدين أحمد حيدر ص 494، والسنة بعد الرسول للسيد علي الشهرستاني، تراثنا عدد 59 و 60 ص 118.
[524] شرح المواقف ج 3 ص 379، وانظر المرجعين السابقين.
[525] ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب ج 2 ص 378، والإصابة لابن حجر ج 2 ص 309، وأسد الغابة ج 3 ص 173.
[526] سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125، ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 105 و 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85، وكتابنا المواجهة ص 254.
[527] مسند أحمد ج 2 ص 207.
[528] سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125، ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 105 و 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85.
[529] المغازي للواقدي ج 3 ص 117، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207، والطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 190.
[530] الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 و ج 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 24.
[531] المغازي للواقدي ج 3 ص 119، والطبقات الكبري ج 2 ص 190، وشرح النهج ج 1 ص 57، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 و 234.
[532] كنز العمال ج 10 ص 573، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182.
[533] المغازي للواقدي ج 3 ص 112، والطبقات الكبري ج 3 ص 191، والسيرة الحلبية ج 3 ص 208 وص 235، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340، وشرح النهج ج 1 ص 160، وكنز العمال ج 10 ص 574.
[534] تاريخ الطبري ج 3 ص 226، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340.
[535] راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 3 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 وج 2 ص 16، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 و 95، ومسند أحمد ج 1 ص 355 وج 4 ص 356، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320 وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.
[536] المصدر السابق.
[537] المصدر السابق.
[538] المصدر السابق.
[539] المصدر السابق.
[540] الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 243 - 244.
[541] المصدر السابق.
[542] راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 3 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 وج 2 ص 16، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 و 95، ومسند أحمد ج 1 ص 355 وج 4 ص 356، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.
[543] شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 7 ص 114 سطر 27 الطبعة الأولي بيروت وج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق أبو الفضل مكتبة الحياة، وج 3 ص 167 طبعة دار الفكر.
[544] شرح النهج ج 2 ص 18، والطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 130، وكتابنا المواجهة ص 473.
[545] سلطنا الأضواء في البحوث السابقة علي مرض أبي بكر وعمر وكتابتهما لوصيتيهما وتوجيهاتهم النهائية، وكيف نفذت كأنها وحي من الله تعالي، وتوفيرا لوقتك راجع في هذا الخصوص تاريخ الطبري ص 429، وسيرة عمر لابن الجوزي ص 37، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 85، وكتابنا المواجهة ص 540 لتري كيف أتاحوا الفرصة لأبي بكر ليكتب وصيته وتوجيهاته النهائية وراجع تاريخ الطبري طبعة أوروبا ج 1 ص 2138 لتري موقف عمر المؤيد لوصيته وتوجيهات أبي بكر، وراجع الإمامة والسياسة ج 1 ص 15. وما فوق، والطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 364 وج 3 ص 347، وأنساب الأشراف ج 5 ص 18، وتاريخ الطبري ج 5 ص 23 لتري كيف كتب عمر وصيته وتوجيهاته النهائية وكيف نفذت مع أن فيها أوامر بقتل نفوس حرم الله قتلها.
[546] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3، والأنوار الكاشفة ص 53، وتدوين السنة شريفة للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي ص 423.
[547] صحيح الترمذي ج 1 ص 11 ح 60، وسنن الترمذي ج 7 ص 1009، والطبقات ج 5 ص 77.
[548] صحيح مسلم ج 3 ص 12، وصحيح البخاري ج 1 ص 81، وسنن أبي أبي داود ج 1 ص 212.
[549] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وعلوم الحديث ص 39.
[550] الاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30، وتدوين السنة الشريفة ص 264، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 1 ص 285.
[551] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 285، وتدوين القرآن ص 370.
[552] بالفصول السابقة وثقنا كل كلمة قلناها.
[553] أنساب الأشراف ج 1 ص 587.
[554] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 115.
[555] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 7 وما فوق.
[556] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 66، وتدوين السنة للجلالي ص 277.
[557] سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125، ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 105 و 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85، وكتابنا المواجهة ص 254.
[558] راجع ما كتبناه في الفصول السابقة عن هذا الموضوع تحت عنوان " أساليب مستقاة من مبادئهم " وراجع المغازي للواقدي ج 2 ص 604، وصحيح البخاري آخر كتاب الشروط، والسيرة الحلبية ج 2 ص 706، والسيرة النبوية لابن كثير ج 5 ص 320، وصحيح البخاري ج 6 ص 122، والمغازي للواقدي ص 600 و 607 و 609.
[559] المصدر السابق.
[560] المصدر السابق.
[561] شرح النهج ج 3 ص 790.
[562] الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 ص 24 آخر سيرة عمر من حوادث سنة 23، وشرح النهج لعلامة المعتزلة ج 3 ص 107 و 97 كما نقلها عن تاريخ بغداد.
[563] راجع شرح النهج ج 3 ص 114 سطر 27 الطبعة الأولي بيروت وج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق أبو الفضل مكتبة الحياة وج 3 ص 67 ط دار الفكر وج 2 ص 18، والطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 130، وكتابنا المواجهة ص 473.
[564] المغازي للواقدي ج 3 ص 119، والطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 190، وشرح النهج ج 1 ص 57، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 و 234، والسيرة الدحلانية ج 3 ص 339، وكنز العمال ج 10 ص 573 - 574.
[565] الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 وج 1 ص 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 24.
[566] تاريخ الطبري ج 3 ص 226، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340.
[567] راجع الفصول السابقة تحت عنوان " موقفهم من سنة الرسول والرسول علي فراش الموت ".
[568] المصدر السابق.
[569] راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95، ومسند أحمد ج 4 ص 256 ج 2992، وشرح النهج ج 6 ص 51، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، ومسند أحمد ج 1 و 2 وج 3 ص 286، وصحيح مسلم ج 2 ص 16 وج 11 ص 94 - 95، ومسند أحمد ج 1 ص 355، وتاريخ الطبري ج 2 ص 193، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وصحيح البخاري ج 1 ص 37 وج 5 ص 137 وج 2 ص 132 وج 4 ص 65 - 66، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 62، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 287، وما فوق.
[570] الطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 243 - 244، وراجع الفصل السابق " موقفهم من سنة الرسول اثنا مرض الرسول ".
[571] المصدر السابق.
[572] راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95، ومسند أحمد ج 4 ص 256 ح 2992، وشرح النهج ج 6 ص 51، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، ومسند أحمد ج 1 و 2 وج 3 ص 286، وصحيح مسلم ج 2 ص 16 وج 11 ص 94 - 95، ومسند أحمد ج 1 ص 355، وتاريخ الطبري ج 2 ص 193، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وصحيح البخاري ج 1 ص 37 وج 5 ص 137 وج 2 ص 132 وج 4 ص 65 - 66، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 62، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 286 وما فوق.
[573] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 140.
[574] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 140.
[575] كنز العمال ج 10 ص 291.
[576] تقييد العلم ص 49، ورواه في دفاع عن السنة ص 21 عن البيهقي في المدخل، وتدوين السنة ص 272.
[577] تقييد العلم ص 53.
[578] راجع كنز العمال ج 10 ص 291، وتدوين القرآن ص 371، وراجع المراجع المذكورة بالرقم 1.
[579] كنز العمال ج 10 ص 291.
[580] تقييد العلم ص 52.
[581] الطبقات الكبري لابن سعد ج 1 ص 140 طبعة ليدن.
[582] تقييد العلم ص 53.
[583] الطبقات الكبري لابن سعد، ترجمة القاسم بن محمد بن أبي بكر ج 5 ص 140.
[584] تذكرة الحافظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3، والأنوار الكاشفة ص 53، وتدوين السنة الشريفة للجلالي ص 423.
[585] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 85، والاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30، وتدوين السنة الشريفة ص 264.
[586] الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 140.
[587] كنز العمال ج 10 ص 291.
[588] أخرجها ابن عبد البر بثلاثة أسانيد في جامع بيان العلم باب ذكر من ذم الإكثار من الحديث ج 2 ص 147، وتذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 4 - 5، والطبقات الكبري لابن سعد ج 6 ص 7، وسنن الدارمي ج 1 ص 73، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 73، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 1 ص 110، ومعالم المدرستين ج 2 ص 45، وتدوين السنة الشريفة ص 431.
[589] المصدر السابق.
[590] الحديث رقم 4865 من الكنز الطبعة الأولي ج 5 ص 239 ومنتخبه ج 4 ص 61.
[591] المستدرك للحاكم ج 1 ص 125، والبداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107، وتدوين السنة الشريفة ص 433.
[592] أخبار المدينة ج 3 ص 800.
[593] الحديث والمحدثون ص 68، وتدوين السنة الشريفة ص 471.
[594] تدوين السنة الشريفة ص 471.
[595] المحدث الفاضل ص 554 رقم 746، والبداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 160، وتدوين السنة الشريفة ص 431.
[596] أخبار المدينة المنورة لابن شيبة ج 3 ص 800.
[597] صحيح مسلم ج 3 ص 1694، وموطأ مالك ج 2 ص 964 بلفظ آخر والرسالة للشافعي ص 43.
[598] الطبقات الكبري لابن سعد ج 4 ف 1 ص 13 - 14.
[599] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 8.
[600] شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 67، 68.
[601] البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107.
[602] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 7، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 2 ص 121.
[603] جامع بيان العلم لابن عبد البر ج 2 ص 121.
[604] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 7.
[605] البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107، وتدوين السنة الشريفة ص 486 - 487.
[606] الطبقات الكبري لابن سعد ج 4 ص 168.
[607] أسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 472 الطبعة الحديثة ترجمة سهل، وتدوين السنة ص 478.
[608] الكامل لابن عدي ج 1 ص 18.
[609] المستدرك للحاكم ج 1 ص 110 وقال هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك، ومجمع الزوائد ج 1 ص 149.
[610] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 7.
[611] مختصر تاريخ دمشق ج 17 ص 101، وتدوين السنة الشريفة ص 437.
[612] كنز العمال ج 13 ص 345 نقلا عن ابن عساكر، وراجع كتابنا الاجتهاد ص 84.
[613] صحيح البخاري ج 1 ص 34.
[614] البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107.
[615] الطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 501، والحاكم باختصار ج 2 ص 329 وج 3 ص 303.
[616] المسترشد لابن جرير الطبري، ومعالم الفتن لسعيد أيوب ج 1 ص 257، وكتابنا الاجتهاد.
[617] تقييد العلم ص 62 - 63، وتدوين السنة ص 277.
[618] تقييد العلم ص 63.
[619] نقد العلماء أو تلبيس إبليس ص 314 - 316، وتدوين السنة ص 279.
[620] تقييد العلم ص 38.
[621] الطبقات الكبري لابن سعد ج 4 ص 112.
[622] سنن الدارمي ج 1 ص 102.
[623] تقييد العلم ص 41.
[624] تقييد العلم ص 40، وتدوين السنة ص 281.
[625] مسند أحمد ج 5 ص 182، وسنن أبي داود كتاب العلم ج 3 ص 319.
[626] صحيح مسلم ج 4 ص 97 كتاب الزهد باب التثبت في الحديث وحكم كتابه العلوم ح 72، وسنن الدارمي ج 1 ص 119 المقدمة باب 42، ومسند أحمد ج 3 ص 12 و 39 و 51.
[627] الأنوار الكاشفة ص 39، وتدوين السنة ص 191.
[628] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3، والأنوار الكاشفة ص 53، وتدوين السنة الشريفة ص 423.
[629] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 285، والاعتصام بحبل الله ج 1 ص 30، وتدوين السنة ص 264.
[630] المراجع السابقة 1 و 2.
[631] تقييد العلم ص 79، ودفاع عدالته ص 21، وتدوين السنة ص 272، والطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 140، وتدوين القرآن ص 371.
[632] المصدر السابق.
[633] كنز العمال ج 10 ص 291.
[634] راجع بيان العلم ج 2 ص 147، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 4 - 5، والطبقات لابن سعد ج 6 ص 7، وسنن الدارمي ج 1 ص 73، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 73، والمستدرك علي الصحيحين ج 1 ص 110 ومعالم المدرستين ج 3 ص 45، وتدوين السنة ص 431.
[635] المحدث الفاضل ص 554 رقم 746، والبداية والنهاية ج 8 ص 160، وتدوين السنة ص 431، وأخبار المدينة ج 3 ص 8.
[636] صحيح مسلم ج 3 ص 1694، وموطأ مالك ج 2 ص 964، والرسالة للشافعي ص 430، والطبقات الكبري ج 4 ف 1 ص 13 - 14.
[637] الكامل لابن عدي ج 1 ص 18، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 110، والذهبي من ذيل المستدرك ومجمع الزوائد ج 1 ص 149، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 7.
[638] الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 100، ومسند أحمد ج 1 ص 362 - 363، وتدوين السنة ص 472.
[639] الفقيه والمتفقه للخطيب ج 1 ص 7، وتدوين السنة ص 473.
[640] الكامل لابن عدي ج 1 ص 33، وج 1 ص 18، ومسند أحمد ج 4 ص 99، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 7.
[641] صحيح مسلم ج 2 ص 718 كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة.
[642] سير أعلام النبلاء ج 4 ص 77.
[643] شرح النهج ج 3 ص 595 - 596 تحقيق حسن تميم.
[644] راجع شرح النهج لابن أبي الحديد، وما نقله عن المدائني في كتابه الأحداث ج 3 ص 595 - 596 تحقيق حسن تميم.
[645] فتح الباري باب كتابة العلم ج 1 ص 218.
[646] الحديث والمحدثون ص 127، وتدوين السنة الشريفة ص 482.
[647] البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107.
[648] سنن الدارمي ج 1 ص 73 ح 286.
[649] جامع بيان العلم ج 2 ص 121.
[650] تقييد العلم ص 54، وتدوين السنة ص 413، وعبد الله هو عبد الله بن مسعود.
[651] صحيح الترمذي ج 7 ص 111، ومسند أحمد ج 1 ص 14 ح 60.
[652] شرح النهج ج 4 ص 82، وتاريخ الإسلام ج 1 ص 347، وكنز العمال ج 5 ص 367.
[653] الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 23 - 24.
[654] كنز العمال ج 3 ص 132.
[655] تاريخ الطبري ج 3 ص 226، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236، وراجع ما كتبناه تحت عنوان " الصد العلني عن سنة الرسول وتحريض المسلمين علي عدم اتباعها ".
[656] الموفقيات للزبير بن البكار ص 22 - 223.
[657] الأغاني ج 22 ص 25، وتدوين السنة الشريفة ص 421.
[658] تقييد العلم ص 89 - 90.
[659] طبقات ابن سعد ج 6 ص 116 طبعة ليدن، وتاريخ بغداد ج 8 ص 357، وكنز العمال ج 5 ص 61، رقم 29385.
[660] كنز العمال ج 10، ص 262.
[661] راجع سير أعلام النبلاء ج 4 ص 84، والأشباه والنظائر للسيوطي ج 1 ص 12 - 14، وتاريخ الخلفاء ص 143، والفهرست لابن النديم ص 45، وتدوين السنة ص 143 - 144.
[662] راجع نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح ص 427 - 445.
[663] نهج البلاغة الحكمة رقم 315 ص 530، وتدوين السنة ص 146.
[664] الخصال للصدوق ج 1 ص 310.
[665] طبقات ابن سعد ترجمة الإمام الحسن، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 227، وسنن الدارمي ج 1 ص 107.
[666] كتاب سليم بن قيس ص 165، وتدوين السنة ص 148.
[667] سنن الدارمي ج 1 ص 122، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 60 و 146، وشرف أصحاب الحديث ص 69.
[668] سنن الدارمي ج 1 ص 119، وشرف أصحاب الحديث ص 95، وتدوين السنة ص 565.
[669] سنن الدارمي ج 1 ص 112، وصحيح البخاري ج 1 ص 27، وفتح الباري ج 18 ص 170، وحجية السنة ص 463 - 464.
[670] مختصر تاريخ دمشق ج 17 ص 172، وسير أعلام النبلاء، ج 4، ص 57.
[671] في الفصل السابق وثقنا كل كلمة ذكرناها في هذه الصفحة.
[672] سورة الحشر، الآية 7.
[673] سورة آل عمران، الآية 31.
[674] سورة النحل، الآية 44.
[675] سورة النحل، الآية 64.
[676] سورة الأعراف، الآية 203.
[677] سورة الأحقاف، الآية 9.
[678] صحيح مسلم ج 4 ص 97، وسنن الدارمي ج 1 ص 119 والمقدمة باب 42، ومسند أحمد ج 3 ص 12 و 39 و 56.
[679] سنن الدارمي المقدمة باب 42.
[680] مسند أحمد ج 3 ص 12 - 13.
[681] مسند أحمد ج 5 ص 182، وسنن أبي داود ج 3 ص 319.
[682] ابن ماجة المقدمة باب 18 وسنن أبي داود ح 3660، والترمذي كتاب العلم باب 7، والدارمي ج 1 ص 74 - 76 باب 24، ومسند أحمد ج 3 ص 225 وج 4 ص 80 و 82 وج 5 ص 173.
[683] صحيح البخاري ج 1 ص 24 كتاب العلم وكنز العمال ح 1126، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 85 ح 233.
[684] معاني الأخبار ص 374 و 375، وعيون الأخبار ج 3 ص 36، ومن لا يحضره الفقيه ج 4 ص 420، وجامع بيان العلم ج 1، ص 55، والفتح الكبير للسيوطي ج 1 ص 233، الإلماع للقاضي عياض ص 11.
[685] راجع ما كتبناه في الباب الأول تحت عنوان " التدوين الخاص للسنة ".
[686] أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 19.
[687] أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 19.
[688] راجع تاريخ اليعقوبي ج 1 ص 162.
[689] سورة النساء آية 24.
[690] سورة البقرة آية 196.
[691] راجع تفسير الرازي ج 2 ص 167 وج 3 ص 201 و 202 ط 1، وشرح النهج ج 12 ص 251 و 252 وج 2 ص 184، وتفسير القرطبي ج 2 ص 270 وج 2 ص 39، والمبسوط للسرخسي باب القرآن من كتاب الحج، والبيان والتبيين للجاحظ ج 2 ص 223، وأحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 342 و 345 وج 2 ص 184، وزاد المعاد لابن القيم ج 1 ص 444، وسنن البيهقي ج 7 ص 206، والمغني لابن قدامة ج 7 ص 527، والمحلي لابن حزم ج 7 ص 107، والنص الاجتهاد للعاملي ص 99.
[692] جامع الأصول من أحاديث الرسول لابن الأثير ج 1 ص 489 دار إحياء التراث العربي.
[693] الطبقات لابن سعد ط أوروبا ج 5 ص 30 - 31.
[694] تاريخ الطبري ج 3 ص 297، وتاريخ ابن الأثير ج 3 ص 37، والعقد الفريد ج 3 ص 76، ومعالم المدرستين ج 1 ص 141.
[695] جامع الأصول من أحاديث الرسول لابن الأثير ج 1 ص 189، وسنن الدارمي المقدمة باب اتباع السنة ج 1 ص 44 و 45.
[696] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 106 - 107، وشرح النهج ج 8 ص 111.
[697] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 7، وشرح النهج ج 1 ص 111، وتاريخ الطبري ج 5 ص 22 وكتابنا المواجهة ص 266 و 267.
[698] راجع تاريخ الطبري ص 22 سيرة عمر باب حملة الدرة.
[699] سنن أبي داود ج 2 ص 50، وتفسير الطبري ج 1 ص 50، ومسند أحمد ج 4 ص 81، والمغازي للواقدي غزوة خيبر.
[700] صحيح مسلم ج 3 ص 12، وصحيح البخاري ج 1 ص 181، وصحيح مسلم ج 3 ص 117، وسنن أبي داود ج 1 ص 212، وسنن الدارمي ج 1 ص 383، وكتابنا المواجهة ص 268.
[701] شرح النهج ج 4 ص 81 نقلا عن الجوهري، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 1 ص 347، وكنز العمال ج 5 ص 367.
[702] تفسير الطبري ج 10 ص 5، والأموال لأبي عبيد ص 233.
[703] شرح التجريد للقوشجي ص 408.
[704] شرح النهج ج 3 ص 595 - 596 تحقيق حسن تميم.
[705] كنز العمال ج 13 ص 345 نقلا عن ابن عساكر.
[706] صحيح البخاري ج 1 ص 34.
[707] البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107.
[708] الطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 501، والحاكم باختصار ج 2 ص 329 وج 3 ص 303.
[709] المسترشد لابن جرير الطبري ومعالم التفسير ج 1 ص 57.
[710] مسند أحمد ط شاكر ج 5 ص 48 ح 3121 وطبعة مصر ج 1 ص 337، والفقيه والمتفقه ج 1 ص 145، والسنة قبل التدوين ص 88، وتدوين السنة الشريفة ص 282.
[711] الفقيه والمتفقه ج 1 ص 145، وتدوين السنة الشريفة ص 282.
[712] مسند أحمد ج 8 ص 77 ح 5700 ط شاكر وإسناده صحيح ونقله ابن كثير في تاريخه ج 5 ص 141. وتدوين السنة ص 283، والسنة قبل التدوين ص 90.
[713] الفقيه والمتفقه ج 1 ص 49.
[714] الأحكام لابن حزم ج 1 ص 98.
[715] وثقنا كل ذلك بالفصول السابقة.
[716] لسان الميزان ج 3 ص 439، وتدوين القرآن لأبي محمد الكوراني ص 217 - 218.
[717] وقد وثقنا كل بند من هذه النبوة، وكل جملة قلناها في البحوث السابقة فارجع إليها وتأكد من ذلك بنفسك.
[718] الأحكام السلطانية لأبي الحسن علي بن محمد البصري البغدادي والماوردي الشافعي ص 6 طبعة 1387.
[719] الأحكام السلطانية لأبي يعلي محمد بن الحسن الفرا الحنبلي ص 7 - 11 طبعة مصر 1356، وراجع معالم المدرستين ج 1 ص 145، وما فوق للسيد العسكري.
[720] الأحكام السلطانية ص 7 - 8، وفي أخري 20 - 23.
[721] الإرشاد في الكلام لإمام الحرمين عبد الملك ابن عبد الله الجويني ص 424.
[722] شرح سنن الترمذي محمد بن عبد الله الإشبيلي المشهور بابن العربي ج 13 ص 229.
[723] جامع أحكام القرآن المسألة الثانية من تفسير (إني جاعل في الأرض خليفة).
[724] المواقف في علم الكلام ج 8 ص 352 و 353 عبد الرحمن بن أحمد الإيجي.
[725] راجع الطبقات الكبري لابن سعد ج 3 ص 281، والكامل في التاريخ ج 3 ص 31، والنص والاجتهاد ص 250.
[726] النص والاجتهاد ص 278 - 279 راجع ترجمة عمر من طبقات ابن سعد ج 3 ص 204، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 53 وج 3 ص 284 من الطبقات وص 137 من تاريخ الخلفاء.
[727] راجع النص والاجتهاد ص 279 - 307 لقد ثبت الإمام العالمي مئات المراجع الدال علي ذلك.
[728] صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 229 وراجع سنن البيهقي ج 8 ص 158 - 159.
[729] التمهيد للباقلاني.
[730] تاريخ ابن كثير ج 13 ص 9.
[731] معالم المدرستين ج 2 ص 75.
[732] الفصل في الملل والأهواء والنحل علي بن حزم الأندلسي ج 4 ص 61.
[733] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 285 تجد تحريف أبي بكر للسنة التي كتبها بنفسه والطبقات ج 5 ص 140، وراجع الاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30، وتدوين السنة الشريفة ص 264.
[734] تذكرة الحفاظ ج 1 ص 2 - 3، والأنوار الكاشفة ص 53، وتدوين السنة ص 423.
[735] كنز العمال ج 10 ص 291، وراجع البحوث السابقة تحت عنوان " منعهم لكتابة ورواية سنة الرسول، قبل استيلائهم علي منصب الخلافة، وبعد استيلائهم عليه "!!!.
[736] موطأ مالك ومعالم المدرستين ج 2 ص 44 وكتابنا الخطط السياسية ص 143، وأضواء علي السنة المحمدية ص 260.
[737] أضواء علي السنة المحمدية ص 260 النص من الذاكرة.
[738] تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ص 195 - 198، وأضواء علي السنة المحمدية ص 261.
[739] أضواء علي السنة المحمدية ص 262، والطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ف 2 ص 135 وتقييد العلم للخطيب البغدادي ص 207.
[740] أضواء علي السنة المحمدية ص 163 كما نقلها عن تاريخ آداب اللغة العربية ص 72.
[741] شرح النهج ج 3 ص 595 و 596 تحقيق حسن تميم.
[742] مشكل الآثار للطحاوي، أضواء علي السنة المحمدية ص 137.
[743] تفسير المنار ص 228 ج 9، وأضواء علي السنة المحمدية ص 137.
[744] شرح صحيح مسلم للنووي ج 1 ص 32.
[745] نقلنا الجزء الأعظم من هذه الفقرة من كتاب أضواء علي السنة المحمدية ص 137 - 138.
[746] مسند أحمد ج 1 ص 42، ومجمع الزوائد ج 5 ص 239، وتاريخ المدينة لابن شيبة ج 3 ص 891.
[747] تاريخ الطبري ج 1 ص 323.
[748] الدر المنثور للسيوطي، ج 6 ص 257.
[749] الدر المنثور ج 6 ص 285.
[750] كنز العمال ج 14 ص 148، وراجع تدوين القرآن ص 430 وما فوق.
[751] أضواء علي السنة المحمدية وحياة الحيوان ص 222.
[752] أضواء علي السنة المحمدية ص 207.
[753] ص 220 نهاية الأرب للنووي، وأضواء علي السنة المحمدية ص 208.
[754] راجع أضواء علي السنة المحمدية ص 207 وما فوق.
[755] أضواء علي السنة المحمدية ص 182.
[756] أضواء علي السنة المحمدية ص 299.
[757] البداية والنهاية لابن الأثير ج 7 ص 312.
[758] معالم المدرستين ج 1 ص 246.
[759] إذا أردت التوسع في نظرية عدالة الصحابة فارجع إلي كتابنا نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام.
[760] راجع مرتضي العسكري في 150 صحابي مختلق.
[761] أبي حنيفة لأبي زهرة ص 304، والإمام زيد ص 418، وآراء علماء المسلمين للسيد مرتضي الرضوي.
[762] المدخل إلي أصول الفقه للدواليبي ص 217، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة 119 - 120.
[763] أضواء علي السنة المحمدية ص 260 وما فوق باختصار.
[764] مقدمة فتح الباري ص 4، وهدي الساري ج 2 ص 201 وص 94 وص 11 وج 1 ص 186 من فتح الباري، وأضواء علي السنة المحمدية ص 300.
[765] ضمن الإسلام ج 2 ص 117 - 118 وص 303 من الأضواء.
[766] المنار ج 29 ص 104 و 105، والأضواء ص 305.
[767] المراجع السابقة، والأضواء ص 305.
[768] راجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية.
[769] اقتبسنا هذا الفصل من كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية.
[770] شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 و 596 تحقيق حسن تميم نقلا عن كتاب الأحداث للمدائني.
[771] شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 15، وفجر الإسلام لأحمد أمين ص 275، ومعالم المدرستين للعسكري ج 2 ص 53.
[772] شرح النهج تحقيق حسن تميم ج 3 ص 595 و 597.
[773] العقد الفريد ج 2 ص 301، وأسد الغابة ج 1 ص 134، والإصابة ج 1 ص 77، والغدير للأميني ج 1 ص 260 و 265 وج 8 ص 164 و 167، والمحلي لابن حزم ج 5 ص 86.
[774] شرح النهج ج 1 ص 358 باب شرح قول أمير المؤمنين " أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رجب البلعوم... ".
[775] شرح النهج ج 4 ص 63 - 73، وشيخ المضيرة أبو هريرة ص 236.
[776] راجع كتاب " شيخ المضيرة أبو هريرة " وكتاب أضواء علي السنة النبوية للشيخ محمود أبو ريا.
[777] سورة القلم آية 4.
[778] معالم المدرستين للعسكري ج 2 ص 48 وما فوق.
[779] سورة الأحزاب آية 33.
[780] شرح النهج تحقيق حسن تميم ج 3 ص 595 - 596.
[781] صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل أهل البيت ج 2 ص 368، وج 15 ص 195 بشرح النووي، وصحيح الترمذي ج 5 ص 30 ح 3258، وج 5 ص 328 ح 3875، ومسند أحمد ج 1 ص 330 بسند صحيح، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3 ص 133 و 146 و 158، وج 2 ص 416، والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 65 و 135، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 185، وأسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 12 و 20، وج 3 ص 413، وتفسير الطبري ج 22 ص 6 - 8، والدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 198 - 199، وراجع كتابنا " الهاشميون " في الشريعة والتاريخ ص 132 لتري مزيدا من المراجع.
[782] صحيح الترمذي ج 5 ص 30 ح 3258 وص 328 ح 3875، وص 361 ح 3963، وأسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 12 وج 3 ص 413، وتفسير ج 2 ص 7 و 8، وتفسير ابن كثير ج 3 ص 330 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 8، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 2 ص 4 حديث 659 وراجع كتابنا " الهاشميون في الشريعة والتاريخ " ص 133 للوقوف علي مراجع أخري مذكورة فيه.
[783] صحيح الترمذي ج 5 ص 31 ح 3258 وص 328 ح 3875 وص 61 ح 3963 وصحيح مسلم كتاب الفضائل، فضائل علي ج 2 ص 360 وج 5 ص 176 بشرح النووي وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 4 و 16، والمستدرك علي الصحيحين ج 2 ص 150 و 416 وج 3 ص 108 و 146 و 147 و 150 و 158، ومسند أحمد ج 1 ص 85 وج 3 ص 59 و 285، وأسد الغابة ج 3 ص 12 وج 3 ص 413، والتاريخ الكبير للبخاري ج 1 ف 2 ص 69 تحت رقم 1719... الخ.
[784] صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل أهل البيت ج 2 ص 368 وج 15 ص 194 بشرح النووي، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 2 ص 33، وقد اعترفت السيدة عائشة بأن نساء النبي لسن من أهل البيت، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 147، الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 198 و 199... الخ.
[785] المراجع السابقة وص 134 من الهاشميين.
[786] سورة الشوري آية 23.
[787] شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 2 ص 130 حديث 822 وما فوق، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص 307 ح 352، وذخائر العقبي للطبري ص 25 و 138، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 101 و 135 و 136، ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ص 8 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 11، ومقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج 1 ص 1، وتفسير الطبري ج 22 ص 25، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 172، وتلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ج 3 ص 172، وتفسير الكشاف للزمخشري ج 3 ص 403، وتفسير الرازي ج 27 ص 166 وتفسير البيضاوي ج 4 ص 123، وتفسير القرطبي ج 16 ص 22، وفتح القدير للشوكاني ج 4 ص 537، والدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 7، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 106، وحلية الأولياء ج 3 ص 201، وفضائل الخمسة ج 1 ص 259.
[788] سورة آل عمران آية 61.
[789] صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ج 2 ص 360 وج 15 ص 176 بشرح النووي، وصحيح الترمذي ج 4 ص 293 ح 3085 وج 5 ص 301 ح 3808، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 120، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3 ص 150 ومعرفة علوم الحديث للحاكم ذكره في النوع 17، وقد تواترت الأخبار بأن الرسول قد أخذ يوم المباهلة بيد علي والحسن والحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا... راجع مسند أحمد ج 1 ص 185، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 21، وتفسير الطبري ج 3 ص 299 و 301 وج 3 ص 192، وتفسير الكشاف للزمخشري ج 1 ص 368 و 370، وتفسير ابن كثير ج 1 ص 370 و 371، وتفسير القرطبي ج 4 ص 104، وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 295 و 296، وأحكام القرآن لابن العربي ج 1 ص 275، وزاد المسير لابن الجوزي ج 1 ص 299، وفتح القدير للشوكاني ج 1 ص 247 وتفسير الرازي ج 2 ص 699، وجامع الأصول لابن الأثير، ج 9 ص 470، والدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 38 و 39، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 17، وتفسير البيضاوي 29 - 22، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 169، وشرح النهج ج 16 ص 291... الخ.
[790] سورة الدهر آية 5 و 22.
[791] شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 159 ح 350 و 356، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 226، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ص 421 ح 923، وتذكرة الخواص لابن الجوزي، الحنفي ص 16، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 198، ونظم " السمطين للزرندي الحنفي، ص 91، وفتح القدير للشوكاني ج 2 ص 414، والصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص 150، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 136 و 140، والدر المنثور للسيوطي الشافعي ج 3 ص 390، وروح المعاني للألوسي ج 11 ص 41، وغاية المرام باب 42 ص 248، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 ص 314 ح 250 وص 270 ح 299 و 300.
[792] سورة النساء آية 59.
[793] راجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 ص 445، وكمال الدين للصدوق ص 157، وسيرة الرسول وأهل بيته ج 2 ص 189 مؤسسة البلاغ وكفاية الأثر للرازي ص 19 وص 7، وسيرة الرسول ج 2 ص 190، وأعلام الوري بأعلام الهدي للطبرسي ص 27، وكتابنا المواجهة ص 460 وما فوق.
[794] صحيح البخاري ج 9 ص 729 ح 2034، وصحيح مسلم كتاب الإمارة ج 3 ص 1452، وصحيح الترمذي ج 4 ص 501، ومسند أبي داود ج 2 ص 207، ومسند أحمد ج 1 ص 298، وكنز العمال ج 6 ص 201، وكتابنا الخطط السياسية ص 354، وكتابنا المواجهة ص 460.
[795] ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 134 و 137، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 148 حديث 202 و 204، وتفسير الرازي ج 3 ص 357، وفرائد السمطين ج 1 ص 314 ح 250.
[796] شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 334 حديث 459 و 466، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 51 و 140 وتفسير القرطبي ج 11 ص 272، وتفسير الطبري ج 14 ص 105، وتفسير ابن كثير ج 2 ص 570، وروح المعاني ج 4 ص 134.
[797] شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 2 ص 338، والدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 177، ومجمع الزوائد ج 7 ص 49، وتفسير الطبري ج 15 ص 72، وينابيع المودة ص 49 و 140.
[798] راجع كتابنا الهاشميون في الشريعة والتاريخ ص 138 و 140، وراجع المراجع المدونة تحت كل آية من الآيات التي ذكرناها.
[799] راجع كتاب الهاشميون في الشريعة والتاريخ ص 140 - 150.
[800] راجع كتابنا الهاشميون في الشريعة والتاريخ فقد أشرنا فيه إلي دور أهل بيت النبوة في نصرة الإسلام، وذكرنا فيه الآيات النازلة فيهم والأحاديث الواردة فيهم ووثقنا ذلك توثيقا تاما، وإني أوصي كل أولياء أهل بيت النبوة بمطالعته.
[801] راجع رواياتهم في عبقات الأنوار الجزء الأول والجزء الثاني.
[802] راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 و 596 تحقيق حسن تميم.
[803] راجع صحيح الترمذي ج 5 ص 328 وج 4 ص 387، مطبعة دار الفكر، ودرر السمطين للزرندي الحنفي ص 242 مطبعة القضاء، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 33 و 45 و 445 المطبعة الحيدرية، وكنز العمال ج 2 ص 135، وتفسير ابن كثير ج 4 ص 113 مطبعة إحياء الكتب، ومصابيح السنة للبغوي ص 206 مطبعة القاهرة، وجامع الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187، ح 65 مطبعة مصر، والمعجم الكبير للطبراني ص 137، ومشكاة المصابيح ج 3 ص 258 طبعة دمشق، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص 114 مطبعة المجلسي، والفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 507 وج 3 ص 385 مطبعة دار الكتب مصر، وعبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1 ص 94 و 112 و 114 و 151 و 184 و 211 و 237، ورفع الثياب للإدريسي، راجع كتابنا الخطط السياسية ص 258.
[804] راجع الترمذي ج 5 ص 329، ح 3876 مطبعة دار الفكر، ودرر السمطين للزرندي الحنفي ص 231، والدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 7 و 306، وذخائر العقبي للطبري ص 16، والصواعق المحرقة ص 147 و 226، والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 135، وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج 2 ص 12، وتفسير ابن كثير ج 4 ص 113، وعقبات الأفراد ص 25 وج 1 ص 31 و 93 و 114 و 135 و 173، وكنز العمال ج 1 ص 154، والفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451، وتفسير الخازن ج 1 ص 4، ومصابيح السنة للبغوي 206، وجامع الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187، ومنتخب تاريخ ابن عساكر ج 5 ص 436، ومشكاة المصابيح للعمري، وتيسير الوصول لابن الديبع ج 1 ص 16، والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 208.
[805] الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 60، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف بحب الأشراف ص 116، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 38 و 183، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 162، وعقبات الأفراد من حديث الثقلين ص 16، وكنز العمال ج 1 ص 154 ح 873 و 948، والجامع الصغير للسيوطي ج 1 ص 353، والفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451.
[806] راجع مناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص 534، ح 281، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 223، وفرائد السمطين للحمويني الشافعي، ج 2 ص 143 باب 33 وفيه بعد عزتي أهل بيتي، ألا وهما الخليفتان من بعدي وراجع عبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1 ص 131، وكتابنا الخطط السياسية ص 260.
[807] راجع كنز العمال ج 1 ص 165 ح 945، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص 225 ح 283، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 148 وفيها لا يفترقا، والصحيح لن يفترقا كما في الطبعة الأولي ص 89، وإسعاف الراغبين بهامش نور الإبصار ص 108، وينابيع المودة ص 35، و 40 و 226 و 355، والمعجم الصغير للطبراني ج 1، ص 131، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 104، ومجمع الزوائد ج 9 ص 163، وإحياء الميت بهامش الإتحاف للسيوطي ص 111، والطبقات الكبري لابن سعد ج 2 ص 194، وجامع الأصول لابن الكثير ج 1 ص 187، والأنوار المحمدية للنبهاني ص 435.
[808] راجع خصائص النسائي الشافعي ص 21، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 93، والصواعق المحرقة ص 136، وذكر صدر الحديث وصححه، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 32، وكنز العمال ج 1 ص 167.
[809] راجع مجمع الزوائد ج 5 ص 195، وأسد الغابة لابن الأثير ج 3 ص 147، وإحياء الميت للسيوطي ص 115، وكتابنا الخطط السياسية ص 261.
[810] راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص 124 و 75، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 285، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج 1 ص 277، قال ابن حجر الشافعي: " اعلم أن لحديث الثقلين طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا ".
[811] راجع صحيح مسلم كتاب الفضائل فضائل علي ج 2 ص 362 وج 5، ص 179 - 180 بشرح النووي، ومصابيح السنة للبغوي ج 2 ص 278، وتفسير الخازن ج 1 ص 4، وتفسير ابن كثير ج 4 ص 113، ومشكاة المصابيح للعمري ج 3 ص 255، وينابيع المودة ص 29 و 191 و 296، والسيرة الحلبية ج 3 ص 330 الهامش البحيرة الرملانية لمغني مكة.
[812] راجع صحيح مسلم كتاب الفضائل ج 2 ص 362، وج 5 ص 181 بشرح النووي، والصواع المحرقة لابن حجر ص 148، وفرائد السمطين ج 2 ص 250 حديث 520، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج 1 ص 36 و 104، 242، 261، 367.
[813] راجع علي سبيل المثال تاريخ دمشق / ترجمة علي لابن عساكر ج 2 ص 45 ح 47، وكنز العمال ج 1 ص 168 ح 959، ونوادر الأصول للترمذي ص 259، وراجع الأحاديث الواردة وارجع الثقلين.
[814] راجع علي سبيل المثال الخصائص للنسائي ص 93 و 26، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 93، وكنز العمال ج 5 ص 91.
[815] راجع علي سبيل المثال ذخائر العقبي للطبري ص 67، وفضائل الخمسة ج 1 ص 350، والفصول المهمة ص 24، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج 1 ص 122، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 215.
[816] الخصائص للنسائي ص 102، والبداية والنهاية لابن كثير ج 5 ص 212، والمراجع السابقة.
[817] راجع خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 101، وفضائل الخمسة ج 1 ص 365، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 149، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 282، وملحق المراجعات وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 252.
[818] راجع ذخائر العقبي للطبري ج 2 ص 23، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 23، وفضائل الخمسة ص 350، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج 1 ص 122، وكنز العمال ج 15، ص 117، وقريب من ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 50 و 52، ح 550 و 551، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 15، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 94، والغدير للأميني ج 1 ص 18 و 20.
[819] راجع صحيح مسلم ج 2 ص 360، وصحيح الترمذي ج 5 ص 301 ح 3808، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3 ص 109، وترجمة علي في تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 206 ح 271 و 272، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 28، ومعظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 107، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 84، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 59، وأسد الغابة لابن الأثير ج 1 ص 134 وج 4 ص 25 و 26، والإصابة لابن حجر العسقلاني ج 2 ص 509، والغدير للأميني ج 1 ص 257 وج 3 ص 200، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 29، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 92 و 82، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 256 و 361 وج 3 ص 100 وج 4 ص 72 تحقيق أبو الفضل، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 62.
[820] راجع كتابنا المواجهة ص 450 وما فوق وكتابنا الهاشميون ص 171 - 183.
[821] طبقات ابن سعد ترجمة علي ج 2 ف 20 ط أوروبا.
[822] المصدر السابق.
[823] بصائر الدرجات ص 197 ح 4.
[824] بصائر الدرجات ص 292 ح 13.
[825] بصائر الدرجات ص 290 - 291 ح 3 و 9، ومعالم المدرستين ج 2 ص 304 - 305.
[826] بصائر الدرجات ص 290، والوسائل ج 3 ص 391 ح 19، ومستدرك الوسائل ج 3 ص 192 ح 21.
[827] الأمالي للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ج 2 ص 56، والمعالم ج 2 ص 306.
[828] بصائر الدرجات ص 143.
[829] بصائر الدرجات ص 147.
[830] بصائر الدرجات ص 143.
[831] بصائر الدرجات ص 146.
[832] المصدر السابق.
[833] بصائر الدرجات 148.
[834] بصائر الدرجات ص 145.
[835] بصائر الدرجات ص 147 و 143.
[836] بصائر الدرجات ص 166.
[837] بصائر الدرجات ص 299.
[838] بصائر الدرجات ص 299.
[839] بصائر الدرجات ص 300 - 301.
[840] بصائر الدرجات ص 30.
[841] بصائر الدرجات ص 299 ح 2.
[842] بصائر الدرجات ص 300.
[843] بصائر الدرجات ص 301.
[844] بصائر الدرجات ص 299.
[845] بصائر الدرجات ص 299.
[846] راجع مقاتل الطالبيين ص 206 - 208 و 259 - 260 و 253 - 256، والطبري ج 9 ص 230 ط أوروبا ج 3 ص 254.

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.