النجاه في القيامه في تحقيق امر‌الامامه

اشارة

‏سرشناسه : ابن‌ميثم، ميثم‌بن‌علي، ۶۳۶ - ۶۸۹ق.
‏عنوان قراردادي : تحلع‌القيامه في امراالامامه.
‏عنوان و نام پديدآور : النجاه في القيامه في تحقيق امر‌الامامه/كمال‌الدين ميثم‌ين علي البحراني ؛ تحقيق قسم‌الدراسات‌الاسلاميه موسسه‌البعثه قم.
‏مشخصات نشر : تهران: موسسه‌البعثه، مركز‌الطباعه و‌النشر، ‏‏۱۴۲۹ق.‏‏‏ = ۱۳۸۶.
‏مشخصات ظاهري : ‏‏۲۶۱ ص.:نمونه.
‏شابك : ‏978-964-309-779-0
‏وضعيت فهرست نويسي : فيپا
‏يادداشت : عربي.
‏يادداشت : چاپ قبلي: مجمع‌الفكر‌الاسلامي، ۱۳۷۵.
‏يادداشت : كتابنامه: ص. [۲۳۳] - ۲۵۷؛ همچنين به صورت زيرنويس.
‏يادداشت : نمايه.
‏موضوع : علي‌بن‌ابي‌طالب(ع)، امام اول، ۲۳ قبل از هجرت - ۴۰ق. -- اثبات خلافت.
‏موضوع : امامت.
‏شناسه افزوده : بنياد بعثت. واحد تحقيقات اسلامي.
‏شناسه افزوده : بنياد بعثت. مركز چاپ و نشر.
‏رده بندي كنگره : ‏BP۲۲۳‏/الف۲ن۳ ۱۳۸۶
‏رده بندي ديويي : ‏۲۹۷/۴۵
‏شماره كتابشناسي ملي : ۱۱۸۵۸۴۳

كلمة المجمع

بسم الله الرحمن الرحيم لا شك أن الحوار العلمي والاحتجاجات والمناظرات القائمة علي الأسس المنطقية والأخلاقية من أبدع الوسائل للوصول إلي الحقائق والكشف عنها، وقد حث القرآن الكريم علي هذه الطريقة من البحث العلمي إذ قال تعالي: ((... فبشر عبادي - الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه...)) [1] . ومن السباقين في هذا المضمار هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فالكتب الروائية مشحونة بالاحتجاجات العقلية التي دارت بينهم وبين أصحاب المذاهب الفكرية الأخري من المسلمين وغيرهم في جانبي المعارف الاعتقادية والأحكام الشرعية. وقد سار علماؤنا رضوان الله عليهم علي هذا الدرب المنير، فأجروا حوارات ومناظرات مع من يخالفهم في الآراء الاعتقادية والفقهية عبر المشافهة والتخاطب أو التأليف والكتابة، ولم يكتفوا بالمناظرة مع الأشخاص والمفكرين المعاصرين لهم أو السابقين عليهم، بل ربما كانوا هم الذين يثيرون الشبهات، ومن ثم يتصدون للإجابة عليها. ونظرا إلي أهمية موضوع الخلافة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) والدور التأريخي والاجتماعي المهم لهذا الأمر فقد بادر علماؤنا منذ البدء إلي تأليف الكتب [ صفحه 6] والرسائل في موضوع الإمامة وشتي جوانبه العقلية والنقلية والتأريخية، كما تصدوا أيضا للرد علي الشبهات الواردة في هذا الموضوع سواء كانت الشبهات المثارة فعلا، أو التي يمكن أن تثار في المستقبل. والكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم - بالرغم من وجازته - هو من خيرة الكتب المؤلفة في هذا الموضوع فمؤلفه - كما ستقف علي نبذة من حياته العلمية - هو من فطاحل متكلمي الشيعة كما تدل علي ذلك تأليفاته الثمينة. والكتاب (النجاة في القيامة) يحتوي علي أهم المسائل المتعلقة بمبحث الإمامة. ومنهج البحث فيه هو ذكر المسألة والآراء المتضاربة فيها ثم بيان الرأي الراجح ثم العود إلي الآراء المخالفة لمناقشتها استدلاليا، ويذكر المؤلف ما يثبت الرأي المختار عنده، كما أنه يبين المناقشات الجارية في دلالة هذه الأدلة مع الإجابة عنها. هذا كله مع القناعة والالتزام بالطريق العقلي المستقيم والتجنب عن كل نزعة ذاتية والاقتصار علي الدفاع عن الحق والدين القويم. إن هذا الكتاب حلقة مكملة لما قدمه المتقدمون عليه في هذا المجال كالشيخ المفيد والسيد المرتضي والشيخ الطوسي ومن حذا حذوهم ونتاج زاخر بالعطاء يمتاز بالدقة وعمق النظر للمتأخرين عنه. ومجمع الفكر الإسلامي إذ يقدم الطبعة الأولي المحققة لهذا السفر الجليل إلي قراء المكتبة الإسلامية يأمل أن ينال هذا الموضوع مزيد عناية من العلماء والمفكرين وطلاب الحقيقة. كما ويقدم جزيل الشكر لمحققه صاحب الفضيلة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي حيث بذل جهدا مشكورا لإحياء هذا التراث الخالد راجيا الله تعالي أن يوفقه وإيانا لمراضيه إنه ولي التوفيق. مجمع الفكر الإسلامي [ صفحه 7]

من حياة المؤلف و عصره

ولادته ووفاته ومرقده: يبدو من كتب التأريخ القديم أن اسم البحرين كان يطلق قديما علي مجموعة من المدن والقري فيما بين البصرة إلي عمان، ثم تقلص تدريجا حتي اختص بمجموعة جزر بالقرب من الشاطئ الغربي من الخليج الفارسي، هي: المنامة - العاصمة - والمحرق، وحترة، والنبي صالح، وأم نسعان، وجدة، ومن قراها المعروفة: البلاد، والخيط، والدراز، والدونج، والدمست، والمهر، والماحوز [2] . وقد ترجم لعلماء البحرين عدة منهم في عدة كتب ورسائل، منهم الشيخ علي بن الحسن البلادي البحراني (م 1340) في كتابه (أنوار البدرين في علماء البحرين: 62 - 69) فذكر أن في (الدونج) و (هلتا من الماحوز) بقعتان كلتاهما مشهورتان بأنها بقعة (ابن ميثم البحراني). ولكن المحقق البحراني (م 1186) ترجم له في كتابه (لؤلؤة البحرين: 254 - 261) فعين أن قبر المترجم له في قرية " هلتا " وفي قرية " الدونج " قبر [ صفحه 8] جده. يعني الميثم بن المعلي [3] . وعليه يبدو أن أسرة المترجم له قد نزحت بعد وفاة الجد من قرية الدونج إلي قرية هلتا من ضواحي الماحوز فأما قبل ولادة المترجم له أو بعدها. وأول من أرخ مولده هو الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني (م 1121) في فهرسه (فهرست آل بويه وعلماء البحرين: 69) ولكنه أرخ وفاته بسنة (769) وهذا تأريخ غريب عن ترجمته في سائر المصادر وعليه يكون عمره مائة وثلاثا وثلاثين سنة، أي يكون من المعمرين، ولو كان لذكر. اللهم إلا أن يكون من خطأ في الطبع أو النسخ بوقوع تأخير وتقديم في الترقيم بين العددين بأن يكون الأصل (679) كما جاء ذلك في أكثر المصادر. ويبدو أن أول من أرخ وفاته بذلك الشيخ بهاء الدين العاملي (م 1030) في (الكشكول 3: 389، الطبعة الحجرية) بالأرقام كذلك، بينما نقل ذلك عنه السيد إعجاز حسين الهندي في كتابه (كشف الحجب عن أسماء المؤلفين والكتب: 357) فقال: " توفي سنة تسع وتسعين وستمائة " بالحروف. فلعله اعتمد نسخة معتمدة، أو اطمأن إلي اشتباه السبعين عن التسعين، بدلالة ما تنبه إليه العلامة الطهراني في كتابه (طبقات أعلام الشيعة 7: 187) حيث أرخ ابن ميثم فراغه من كتابه (اختيار مصباح السالكين = الشرح الصغير لنهج البلاغة) بسنة 681 [4] . ولا شك أن الأولي بالتشكيك تأريخ الوفاة، دون تأريخه لفراغه من تأليفه لكتابه، [ صفحه 9] وعليه فلا يمكن تصحيح ذلك التأريخ لوفاته إلا باحتمال تحريف السبعين عن التسعين أو تصحيفه عنه. وعليه يكون عمره ثلاثا وستين سنة، عمرا يكاد يكون طبيعيا، قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): " ما بين الستين إلي السبعين معترك المنايا... الحديث الشريف " [5] ومنسجما مع كثرة كتبه ومؤلفاته. وبهذا يضاف استبعاد آخر لصحة التأريخ السابق (679) فعليه يكون عمر المترجم له ابن ميثم ثلاثا وثلاثين سنة، وهذا أيضا لو كان لذكر بقصر العمر، ولم يذكر بذلك، هذا أولا. وثانيا: كان من المستبعد جدا أن يكون قد كتب كل ما سنذكره من كتبه خلال أقل من عقد ونصف. إذن فالمختار في تأريخ حياة المؤلف المترجم له العلامة ابن ميثم البحراني هو أنه عاش ثلاثا وستين سنة من 636 إلي 699 ه. عصر المؤلف: كانت ولادة المؤلف في أواخر عصر المستنصر بالله العباسي (623 - 640) (1242 - 1258 م) وفي الرابعة من عمره توفي المستنصر وخلفه ابنه عبد الله المستعصم بالله (640) فأوكل تدبير الملك إلي وزيره أبي طالب محمد ابن علي بن محمد القمي العلقمي، واشتغل هو باللعب بالطيور، وضرب الطنبور، واللهو والفجور، وأغار ابن الخليفة أبو بكر علي محلة " الكرخ " مسكن الشيعة في بغداد فنهبها، وأسر جمعا كثيرا من سادة الشيعة، ومعهم ألف امرأة أو فتاة منهم! فتصدي الوزير العلقمي القمي لزوال آل العباس آملا في أن يليها أحد السادة العلويين. [ صفحه 10] ومن قبل المستنصر وعلي عهد جده أحمد الناصر لدين الله (575 - 622) كان الملك في المشرق الإسلامي إيران وما والاها بيد تكش الخوارزمشاهي، وتوفي هذا في سنة 596 وخلفه ابنه علاء الدين محمد خوارزمشاه ووسع ملكه من أقصي المشرق إلي حدود العراق وملك كل هذه البلاد، وأساء التصرف مع وفود جنكيزخان المغولي فاحتج بذلك وأغار علي المشرق الإسلامي، وانهزم علاء الدين خوارزمشاه، ولم يبق فيها من يحمي البلاد ويمنع الأوغاد فاستولوا عليها، وتوفي علاء الدين سنة 617 وخلفه ابنه جلال الدين، وجهز جيشا وحارب المغول وانتصر في بعض المواقع وانكسر في أواخرها فانهزم إلي الهند، ورجع سنة 622 واستجاب دعوته المسلمون لحرب المغول، واستولي علي البلاد، ولكنه بدأ يحارب الملوك: كيقباد السلجوقي والملك الأشرف فتصالحا لحربه فانكسر وانهزم. وانتهز فرصة ضعفهم هولاكو حفيد جنكيز مع قومه التتار، فكانت الحملة التترية بقيادة هولاكو بعد الحملة المغولية بقيادة جنكيزخان سنة 628 وقتل فيها جلال الدين وانقضي ملك الخوارزمشاهيين. وانتهز الفرصة دعاة الإسماعيليين بقيادة الحسن بن الصباح، فنشروا دعوتهم في أوساط إيران: قزوين وما والاها، حتي قضي عليهم التتار في سنة 653 ه 1255 م [6] واستصحب هولاكو الخواجة نصير الدين الطوسي القمي [7] . [ صفحه 11] هذا والملك في غربي إيران إلي جانب الروم بأيدي أخلاف الملك كيقباد السلجوقي: قلج ارسلان السلجوقي ثم أبناؤه الثمانية! وفي الشامات الكبري سورية وفلسطين والأردن ولبنان ومصر، بأيدي أخلاف الفاطميين الإسماعيليين: أبناء صلاح الدين الأيوبي الثلاثة، وأبناء أخيه أبي بكر الخمسة! والشيطان يوقع بينهم العداوة والبغضاء بخمر الدنيا وميسرها، فالفتنة قائمة علي قدم وساق، وبشق الأنفس. فأدي اختلاف الكلمة بين ملوك المغرب الإسلامي إلي تجرؤ متفيئي ظلال الصليب عليهم، فأجلبوا عليهم بخيلهم ورجلهم، فاستولوا علي كثير من مدن آسيا الصغري وحكموها وأكثروا القتل والفساد فيها. وفي أوائل المحرم سنة 655 ه 1257 م حاصر هولاكو بغداد، وقد استصحب الخواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (597 - 672) وقرر هولاكو إرسال المحقق الطوسي سفيرا إلي الخليفة العباسي المستعصم للتفاوض معه [8] ، وحاول الطوسي أن يقنع الخليفة بالتنازل للأمر الواقع لتهدئة الأوضاع والحد من إراقة الدماء، إلا أن الخليفة أصر علي رفض كل الحلول المطروحة، فرجع الطوسي صفر اليدين، وبدأ هولاكو بتضييق الحصار علي بغداد. وحيث تصدي وزير الخليفة مؤيد الدين العلقمي القمي لزوال آل العباس، آملا في أن يليها أحد السادة العلويين، فقد كاتب التتار وراسلهم خفية، وأطمعهم في الاستيلاء علي بغداد بغير قتال وجلاد، وفرق جيش المستعصم، وأبلغه أن هولاكو يريد أن يزوج ابنته ابنك أبا بكر، ثم يكون لك كما كان لك السلاجقة وتبقي أنت الخليفة، فإن رأيت أن تخرج إليهم وتصالحهم وتصاهرهم، فلا تراق [ صفحه 12] الدماء وينتهي الأمر بالسلام والوئام! وحيث لم يكن للخليفة تدبير إلا في تطيير الطيور، لذلك فقد نجحت فيه خدعة الوزير، واستدعي الوزير من فقهاء بغداد وسائر علمائها أن يحضروا مجلس السلام، وخرج الخليفة وبيده قضيب النبي [9] (صلي الله عليه وآله) وعليه بردته [10] مع جماعة من العلماء والأعيان وأكابر الدولة إلي بلاط هولاكو، وأدخلهم هولاكو في مخيمه، وحيث اجتمع جمعهم جرد جنوده سيوف الخيانة والحتوف فيهم. أما المستعصم وابنه أبو بكر فقد وضعوهما في جولقين (خرجين) وضربوهما بمكدم الجص حتي ماتا، وكان ذلك في اليوم الثامن والعشرين من شهر محرم سنة 656 ه ثم استباحوا بغداد أربعين يوما، وقتلوا سائر أولاد المستعصم واسترقوا بناته، وكأن دخولهم بغداد كان بعد أسبوع من قتل المستعصم ومن اعتصم به، في الخامس من شهر صفر سنة 656 ه 1258 م. وكان هولاكو قد اتخذ تبريز عاصمة له، واستوزر بهاء الدين محمد الجويني بعنوان صاحب الديوان، لإدارة الدولة في إيران، فتركه في بغداد ورجع هو ونصير الدين الطوسي إلي عاصمته تبريز، بعد عام من دخوله بغداد في أوائل سنة 657 ه 1258 م. ورغب الطوسي هولاكو في اختيار قاعدة جديدة، ليقيم فيها أعظم رصد [ صفحه 13] ومكتبة من الكتب المنهوبة من خراسان وبغداد والموصل ودمشق [11] ومدرسة علمية، وأن يوفد وفودا إلي العلماء في البلدان يدعوهم إليها، واستجاب هولاكو لذلك، واختار الطوسي مراغة قرب مدينة زنجان لذلك، وأوفد فخر الدين لقمان المراغي لدعوة العلماء إليها [12] . وفي سنة 661 توفي بهاء الدين محمد الجويني صاحب الديوان ببغداد، ففوض هولاكو حكومة بغداد إلي ابنه علاء الدين عطاء الملك الجويني واستوزر له أخاه شمس الدين محمد بن محمد الجويني. وفي سنة 662 ه 1263 م أوكل هولاكو إلي الطوسي ولاية الأوقاف والتفتيش العام في شؤون البلاد. وفي سنة 663 ه. هلك هولاكو، وخلفه ابنه أبا خاقان، وفي سنة 672 ه. سافر الطوسي إلي العراق، وأصابه في بغداد داء عضال توفي به في يوم الغدير 18 ذي الحجة سنة 672 ه. 1272 م فدفن في رواق الإمامين الكاظمين (عليهما السلام). مشايخه في البحرين: وقد ترجم له ثلاثة من علماء البحرين في كتبهم [13] ولا نري لديهم في مشايخه من علماء البحرين سوي شيخ واحد هو الشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني (م 672) وهو من قرية مصترة، وله كتاب الإشارات، ومفتاح الطير في [ صفحه 14] شرح رسالة الطير وشرح قصيدة ابن سينا في النفس. وهذه كلها رسائل فلسفية وفيها شئ من العرفان، فلعل المؤلف قرأ عليه الفلسفة، وابن سليمان هذا هو تلميذ الشيخ كمال الدين أبي جعفر أحمد بن علي بن سعيد بن سعادة، من قرية مصترة، وله رسالة باسم " رسالة العلم ". ذكر هذه الرسالة العلامة الطهراني فقال: بعثها إليه (المؤلف المترجم له) أستاذه الشيخ علي بن سليمان البحراني. وذكر أن المؤلف أرفقها برسالة الخواجة نصير الدين الطوسي، فيها المدح له والثناء عليه في غاية البلاغة، وطلب فيها المؤلف من الخواجة شرح " رسالة العلم " لابن سعادة [14] . فالمعلوم من هذا: المرسل والمرسل والمرسل إليه بالوساطة " المؤلف " والمرسل إليه بالنهاية " الطوسي " هؤلاء معلومون، ولكن المكان والزمان مجهولان، فمتي؟ ومن أين؟ وإلي أين أرسلت الرسالة؟ لقاؤه بالخواجة: وقد ذكروا اسم المحقق الطوسي (رحمه الله) في عداد تلامذة المؤلف المترجم له ابن ميثم في الفقه [15] فأيضا متي؟ وأين كان ذلك؟ ولم يذكر للمؤلف أي سفر إلي إيران، وإنما إلي العراق فقط. وكذلك لم يذكر للمحقق الطوسي (رحمه الله) سفر إلي البحرين وإنما إلي العراق فقط أيضا. فمتي؟ وأين كان هذا التلاقي؟ وهل الرسالة قبله أو بعده؟ وقد مر أن المحقق الطوسي (قدس سره) كان ملزما بملازمة السلطان هولاكو في [ صفحه 15] محاصرته بغداد من أوائل المحرم سنة 655 ه حتي سنة بعد سقوط بغداد حيث رجع مع السلطان إلي إيران في أواخر سنة 656 ه. وسيأتي أن سفر المؤلف إلي بغداد كان في حكومة علاء الدين عطاء الملك الجويني أي بعد 661 ه. وعليه فلم يكن التلاقي في هذه السفرة. ومر أيضا أن هولاكو أوكل ولاية الأوقاف والتفتيش العام في شؤون البلاد إلي المحقق الطوسي (قدس سره) في سنة 662 ه 1263 م فأرسله لذلك إلي العراق في تلك السنة فزار البصرة وبغداد والواسط والحلة. وقد أرخوا هلاك هولاكو بسنة 663 ولم يؤرخوا لرجوع المحقق من سفرته هذه إلا أنه بعد عشر سنين سافر إلي بغداد سفرته الأخيرة التي توفي في أواخرها. ففي أي هاتين السفرتين سنة 662 و 672 كان لقاء المؤلف بالمحقق؟ في سنة 662 ه وبتذكر مولد المؤلف في 636 ه يكون عمر المؤلف 26 سنة، وعمر المحقق بالقياس إلي مولده في 597 ه [16] 65 سنة، أفليس من الغريب والبعيد أن يكون المحقق في هذه السفرة وهو في 65 من عمره قرأ الفقه علي المؤلف وهو في 25 من عمره تقريبا؟! اللهم إلا أن يكون بالعكس، أو يكون للمؤلف طرق رواية ليست للمحقق وأراد أن يتبرك بها منه، كما ذكر ذلك [17] وفي السفرة الأخيرة للمحقق الطوسي كان عمره 75 عاما والمؤلف 35 سنة، فهل فيها - دون السابقة - قرأ المحقق الفقه علي المؤلف؟ أو استجاز منه للرواية؟ ولعل بين هاتين السفرتين للمحقق الطوسي (قدس سره) من إيران إلي بغداد، سمع [ صفحه 16] شيخ المؤلف الشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني - وهو في البحرين - بالتقاء تلميذه المؤلف بالمحقق الطوسي ومعرفته به وسمع بالسمعة العالية للمحقق الطوسي في الفلسفة والكلام، وقد أشكلت عليه " رسالة العلم " لأستاذه ابن سعادة فأرسلها إلي تلميذه ليتوسط له لدي المحقق الطوسي فيطلب منه شرح الرسالة، وكان المحقق الطوسي قد رجع إلي تبريز أو مراغة زنجان، فأرفق الرسالة برسالة منه إليه يطلب فيه منه ذلك، وقد استجاب المحقق إلي ذلك فشرح الرسالة. صلته بالأمير عز الدين النيشابوري: مر آنفا: أن الفيلسوف الطوسي رغب هولاكو في اختيار قاعدة جديدة في مراغة زنجان في إيران، وأن يوفد وفودا إلي العلماء في البلدان يدعوهم إليها، واستجاب هولاكو لذلك، وأوفد فخر الدين لقمان المراغي لدعوة العلماء إليها [18] . وكان ممن استجاب للرحلة إلي مراغة السيد أبو الفضل بن المهنا الحسيني ومعه تلميذه الشيخ عبد الرزاق بن أحمد الشيباني المعروف بابن الفوطي البغدادي المتوفي في بغداد (732 ه) وله كتاب " معجم الآداب في معجم الألقاب " جاء في تلخيصه ترجمة: عز الدين أبو المظفر عبد العزيز بن جعفر بن الحسين النيسابوري الملك، صاحب البصرة، له نسب في آل الأشتر النخعي. ذكره لي شيخنا أبو الفضل ابن المهنا الحسيني وكتب لي بخطه قال: " ولد المذكور سنة 626 وسافر حتي عد من الرحال الصدور، فتعلق ببيت الأوشادي أي سنقر بيتكجي. ولما فتحت العراق لجأ إلي الصاحبين: علاء الدين وشمس الدين (الجويني) ورتب شحنة (مدير الشرطة) بواسط، وفوضت إليه البصرة وضواحيها، وكان كثير الإحسان [ صفحه 17] إلي العلويين "، ثم أضاف الفوطي: قدم علينا مراغة ورأيته. ومن شعره يمدح الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني: عطا ملك، عطاؤك ملك مصر++ وبعض عبيد دولتك العزيز تجازي كل ذي ذنب بعفو++ ومثلك من يجازي أو يجيز ولما استقر ملكه بالبصرة كانت لنجم الدين عبد السلام فيه مدائح كثيرة. وتوفي في ذي القعدة سنة 672 ه ورثاه شيخنا عبد السلام بقصيدته الغراء أولها: لم أبك حتي بكي لك الكرم++ والسيف يوم القراع، والقلم وصنف له شيخنا (ابن المهنا): (المدائح العزية والمنائح العزيزية) [19] . وذكر وفاته في كتابه الآخر (الحوادث الجامعة في المائة السابعة) فقال: في منتصف ذي القعدة 672 توفي الملك عز الدين عبد العزيز بن جعفر النيشابوري ببغداد تولي شحنكية (مديرية شرطة) الواسط والبصرة، وكان حسن السيرة عظيم الناموس (الشخصية) ودفن في مشهد علي (عليه السلام) ورثاه الشعراء وتوفي بعده في 18 ذي الحجة 672 الخواجة نصير الدين الطوسي فرثاهما علي بن عيسي الأربلي بقوله: ولما قضي عبد العزيز بن جعفر++ وأردفه رزء النصير محمد [20] . ونري مؤلفنا المترجم له يصفه في مقدمته لكتابه هذا الكلامي العقائدي الخاص بالإمامة " النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة " بقوله: " ثم أنه تعالي لما وفقني للاتصال بجناب مولانا المعظم، العالم العادل البارع، ذي النفس الأبية، [ صفحه 18] والهمم العلية، والأخلاق المرضية، والأعلاق الزكية، ملجأ الأنام، وواحد الليالي والأيام، عز الدنيا والدين، أبي المظفر عبد العزيز بن جعفر النيسابوري - أعز الله ببقائه الطائفة، وحرس به الملة - فألفيته من أخص الأولياء لأولاد سيد الأنبياء، مع ما خصه الله تعالي به من العلم، وحباه من مزيد الفهم، فهو للعلماء والد عطوف، ولمعاناة أحوالهم بر رؤوف، يتواضع لهم مع علو مرتبته ويرفع من خاملهم مع شرف منزلته، فشملني بأنعامه، وأحلني محل إكرامه، حتي أنساني الأهل والبلد، وأصدفني عن المال والولد... أشار إلي بإملاء مختصر في الإمامة، أنقح فيه الأدلة والبينات، وأقرر فيه الأسئلة والجوابات، فهممت أن أعتذر لمشقة السفر وما يستلزمه من تشعب الأذهان، ومفارقة الأهل والأوطان، ثم كرهت أن ينسب ذلك إلي تقصير مني في خدمته، وأداء بعض ما وجب علي من شكر نعمته " [21] . ولا يؤرخ الكتاب بدءا ولا ختاما، ويبدو لي من نفس هذه المقدمة أنه أول ما كتبه لأمير ناحيته البصرة، وكأنه طلب إليه كتابا آخر مثله في الكلام العام علي منهج الإمامية، فكتب له الكتاب الثاني " قواعد المرام في علم الكلام " وعلي العادة ضمن مقدمته وصف الأمير فقال: " وبعد... فلما كان... وكنت ممن وسم فيه (أصول الدين) بالتحصيل، وإن لم أحصل منه إلا القليل، أشار إلي من إشارته غنم وتلقي أوامره العالية حتم، وهو المولي المكرم، الملك المعظم، العالم العادل، الفاضل الكامل، الذي فاق ملوك الآفاق باستجماع مكارم الأخلاق، وفاز في حلبة السباق أهل الفضائل بالإطلاق، الذي ملأ الأسماع بأوصافه الجميلة، وأفاض أوعية الأطماع بألطافه [ صفحه 19] الجزيلة، حتي أنسي بضروب النعم من سلف من أهل الكرم، وأمت كعبة جوده وجوه الهمم من سائر طوائف الأمم: عز الدنيا والحق، غياث الإسلام والمسلمين، أبو المظفر عبد العزيز بن جعفر - خلد الله إقباله، وضاعف جلاله، وأبد فضله وإفضاله، وحرس عزه وكماله - إذ كانت همته العلية مقصودة علي تحصيل السعادة الأبدية، أن أكتب له مختصرا في هذا العلم يجمع بين تحقيق المسائل، وإبطال مذهب الخصم بأوضح الدلائل، المميزة للحق من الباطل " [22] . وكذلك لم يؤرخ الكتاب بدءا ولا ختاما، ولكن كاتب النسخة في سنة 717 ه أحمد بن أبي عبد الله الآوي كتب في آخر نسخته: " اتفق فراغ مصنفه ومؤلفه: ملك العلماء علامة الدهر مفتي الطوائف، كاشف الحقائق واللطائف، كمال الملة والدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني تغمده الله برحمته بمدينة السلام في العشرين من ربيع الأول سنة ست وسبعين وستمائة " [23] . وعليه وبالقياس إلي تأريخ ولادته في 636 ه يكون عمره حينئذ ثلاثين سنة. ولعل نسخ هذين الكتابين بلغا إلي علماء الشيعة في حاضرتهم يومئذ بمدينة الحلة المزيدية، فرغبوا في لقائه فكانت قصته الشهيرة: " كلي يا كمي " بين خروجه من البصرة وقبل انتقاله إلي مدينة السلام (بغداد). قصة " كلي يا كمي "!: أنه عطر الله مرقده كان في أوائل حاله، معتزلا مشتغلا بالبحث والدراسة والتحقيق، فكتب إليه فضلاء الحلة من العراق صحيفة تحتوي علي عذله ولومه [ صفحه 20] علي ذلك، فمع مهارته في العلوم والمعارف وحذاقته في التحقيق والإبداع، معتزل خامل، فكتب في جوابهم هذين البيتين من الشعر: طلبت فنون العلم أبغي بها العلا++ فقصر بي عما سموت به القل تبين لي أن المحاسن كلها++ فروع، وأن المال فيها هو الأصل فلما وصل هذا الشعر إليهم كتبوا إليه: " إن حكمك بأصالة المال عجيب غريب، بل خطأ ظاهر، أقلب تصب " فكتب في جوابهم هذه الأبيات لبعض المتقدمين: قد قال قوم بغير علم++ ما المرء إلا بأصغريه [24] . فقلت قول امرئ حكيم++ ما المرء إلا بدرهميه من لم يكن له درهم لديه++ لم تلتفت عرسه إليه ثم توجه إلي العراق لزيارة الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وبعد زيارة تلك المشاهد المشرفة، توجه إلي الحلة، فلبس بعض ثيابه العتيقة الخشنة والرثة، ودخل بعض مدارسهم المشحونة بالباحثين والدارسين، فسلم عليهم فلم يرد عليه إلا بعضهم متثاقلا عنه، ولم يلتفتوا إليه، فجلس أول المجلس في صف النعال! وعكف أولئك في بحثهم علي مسألة دقيقة مشكلة، فأدلي فيها بدلوه وأجاب عنها بتسعة أجوبة في غاية الجودة والدقة... ومع ذلك أحضروا طعاما أفردوه بشئ منه علي حده ولم يشركوه في مائدتهم! وانفض مجلسهم فقاموا. وفي اليوم التالي عاد إليهم وقد تعمم بعمامة كبيرة وبملابس فاخرة ذات أكمام واسعة وهيئة رائعة! فلما دخل عليهم وسلم قاموا فرحبوا به وأكرموه [ صفحه 21] وعظموه وأجلسوه صدر المجلس واجتهدوا في تكريمه وتوقيره وبالغوا في ملاطفته ومطايبته... وإنما داخلهم في بحثهم بكلام لا مشروع ولا معقول! ومع ذلك فقد قابلوه بالتحسين والتسليم علي وجه التكريم! ولما حضرت المائدة بادروا إليه بالآداب... فألقي الشيخ كمه في ذلك الطعام وقال لها كلي يا كمي! فاستغربوا ذلك وتعجبوا واستفسروه عن ذلك. فقال: أنتم إنما أكرمتم أكمامي هذه الواسعة، وإلا فأنا صاحبكم بالأمس، جئتكم بهيئة الفقراء ولكن بسجية العلماء، واليوم جئتكم بلباس الجبارين وتكلمت بكلام الجاهلين وأنتم رجحتم الجهالة علي العلم والغني علي الفقر... نعم، أنا صاحب الأبيات التي كتبتها إليكم في أصالة المال وفرعية صفة الكمال، وأنتم قابلتموها بالتخطئة! فاعترف الجماعة له واعتذروا إليه عما صدر منهم من التقصير في شأنه (قدس سره) [25] . ثم إلي بغداد: مر آنفا أن بهاء الدين محمد الجويني الوالي التتري علي بغداد توفي في سنة 661 ه ففوض هولاكو حكومة بغداد إلي ابنه علاء الدين عطاء الملك الجويني، واستوزر له أخاه شمس الدين محمد بن محمد الجويني. ولا يؤرخ المؤلف المترجم له لدخوله إلي بغداد واتصاله بالجوينيين وبدئه بشرحه الكبير لنهج البلاغة، ولكن يؤرخ لإتمامه ذلك سنة 677 ه. [ صفحه 22] ونراه يقول في مقدمته لهذا الشرح الكبير: " إلي أن قضت صروف الزمن بمفارقة الأهل والوطن، وأوجبت تقلبات الأيام دخول دار السلام [بغداد]، فوجدتها نزهة للناظر وآية للحكيم القادر، بانتهاء أحوال تدبيرها، وإلقاء مقاليد أمورها، إلي من خصه الله تعالي بأشرف الكمالات الانسانية... (صاحب ديوان الممالك) السالك إلي الله أقرب المسالك [26] علاء الحق والدين عطا ملك، ابن الصاحب... الفائز بلقاء رب العالمين، ومجاورة الملائكة المقربين بهاء الدنيا والدين محمد الجويني... وشد أزره بدوام عز صنوه وشقيقه... مولي ملوك العرب والعجم (صاحب ديوان ممالك العالم) شمس الحق والدين، غياث الإسلام والمسلمين محمد... ولما اتفق اتصالي بخدمته وانتهيت إلي شريف حضرته... " [27] . وقال في نهاية الكتاب: " وإذ وفقني الله تعالي لإتمام شرحه، فله الحمد... وكتب عبد الله الملتجئ إلي رحمته... ميثم بن علي بن ميثم البحراني، في منتصف ليلة السبت سادس شهر الله المبارك رمضان، من سنة سبع وسبعين وستمائة " [28] . اختيار مصباح السالكين: وفي مقدمة شرحه المختصر لنهج البلاغة الذي سماه هو " اختيار مصباح السالكين " وصف علاء الدين عطا ملك الجويني بقوله: [ صفحه 23] " وبعد... فلما كان من تمام نعم الله علي وكمال إحسانه إلي: اتصالي بخدمة حضرة من تجلت بنجوم كرمه وجوه المكارم... مولي ملوك العرب والعجم صاحب ديوان ممالك العالم: علاء الحق والدين، غياث الإسلام والمسلمين: عطا ملك - بن الصاحب المعظم السعيد الشهيد: بهاء الدنيا والدين محمد الجويني -... وجعل دأبه الكريم... والتأسف لقطع وقته بما عداها (نهج البلاغة والأحاديث الصحاح والأخبار): ككتاب اليميني (م 427) و (مقامات الحريري) وسائر منشور كلام العرب... ثم استدرك الفارط منها لكرامتها لديه، فألزم بملازمتها والتمسك بها ولديه: الأميرين الكبيرين المعظمين، العالمين الفاضلين الكاملين: جلالي الدولة وعضدي الملة: نظام الدنيا والدين أبا منصور محمد، ومظفر الدنيا والدين أبا العباس عليا. فندبهما إلي حفظ فصوصها، وحرضهما علي اقتباس أنوار نصوصها، وأشغل بها من لاذ بخدمتهما من البطانة والأتباع، وقصد بذلك إحياء ميت السنة وعموم الانتفاع. ورأيت تشوق خاطره المحروس إلي شرح كتاب (نهج البلاغة). فخدمت مجلسه العالي بشرح مناسب لهمته... فكبر لذلك حجمه... فأشار علي أن الخص منه مختصرا جامعا لزبد فصوله، خاليا من زيادة القول وطوله، ليكون تذكرة لولديه... فيسهل عليهما ضبط فوائده، والوقوف علي غاياته ومقاصده، وعلي من عساه يحذو حذوهما في اقتناء الفضائل... فبادرت إلي امتثال أمر العالي بالسمع والطاعة، وبذلت في تهذيبه وتنقيحه جهد الاستطاعة " [29] . وقال في نهاية الكتاب: " هذا اختيار مصباح السالكين، لنهج البلاغة من كلام مولانا وإمامنا أمير المؤمنين... وفرغ من اختصاره أفقر عباد الله تعالي ميثم بن علي بن ميثم البحراني عفا الله عنه، في [ صفحه 24] آخر شوال سنة إحدي وثمانين وستمائة " [30] . وإذا أعدنا النظر إلي تواريخ انتهائه من الكتب المتقدمة تكون النتيجة: أنه فرغ من كتابيه الكلاميين العقائديين: قواعد المرام، والنجاة في القيامة، في النصف الأول من سنة 676 ه وأتم شرحه الكبير لنهج البلاغة في أوائل الشهر التاسع من سنة 677 أي في حدود سنة ونصفها تقريبا، ولكنه لم يفرغ من اختصاره إلا في شوال سنة 681 أي بعد خمس سنين. فلعله رحل عن بغداد بعد ما أخذ الأخوان الوزيران الجوينيان: علاء الدين وشمس الدين، وصودرت أموالهما وحبسا في همدان، ورجع إليها بعد ما أطلقا وردت إليهما أموالهما وأعيدا إلي منصبهما في الديوان ببغداد سنة 681 ه هذا وقد توفي علاء الدين محمد في 4 ذي القعدة من نفس السنة [31] . كتاب تجريد البلاغة: وفي مقدمته لشرحه الكبير يقول: " رتبت هذه المقدمة علي ثلاث قواعد: القاعدة الأولي: في مباحث الألفاظ. وهي مرتبة علي قسمين: القسم الأول: في دلالة الألفاظ وأقسامها وأحكامها " ويستمر هذا القسم من الصفحة الخامسة حتي الثامنة عشر. ثم يقول: " القسم الثاني: في كيفيات تلحق الألفاظ بالنسبة إلي معانيها فتوجب لها الحسن والزينة، وتعدها أتم الإعداد لأداء المعاني، وتهيئ الذهن للقبول. وهو مرتب علي مقدمة وجملتين " ويستمر هذا القسم الثاني من [ صفحه 25] الصفحة الثامنة عشر حتي صفحة ستين فيدخل في القاعدة الثانية في الخطابة [32] . وفي " الذريعة " في التعريف بكتابه " تجريد البلاغة " قال: توجد منه نسخة في مدرسة سپهسالار الجديدة بطهران، ألفه باسم نظام الدين أبي المظفر منصور ابن علاء الدين عطا ملك ابن بهاء الدين محمد الجويني. رتبه علي مقدمة وجملتين. وقد شرحه الفاضل المقداد السيوري وسماه " تجريد البراعة في شرح تجريد البلاغة " [33] . فيبدو لي أن المؤلف المترجم له كما اختصر شرحه الكبير لهذين الأخوين الجوينيين، كذلك جرد القسم الثاني من قسمي القاعدة الأولي من القواعد الثلاث من مقدمة ذلك الشرح الكبير، لهذين الأخوين، أو للأخ الأكبر الذي سماه المؤلف - كما مر - نظام الدين أبا منصور محمد، وليس أبا المظفر منصور، كما في " الذريعة ". ونظام الدين هذا هو الذي قلده الملك أبا خاقان التتري المغولي حكومة أصفهان وعراق العجم في عهد والده شمس الدين محمد صاحب الديوان ببغداد، فكأنه غير لقبه من نظام الدين إلي بهاء الدين بلقب جده، وباسمه وله كتب العماد الطبري كتابه " كامل بهائي " (فارسي) نسبة إلي بهاء الدين هذا وألف له الخواجة الطوسي " أوصاف الأشراف " بالفارسية في الأخلاق، و " صد كلمهء بطلميوس " أيضا بالفارسية في الحكمة. وباسمه أيضا ألف المحقق الحلي كتابه الفقهي " المعتبر في شرح المختصر ". وتوفي في إصفهان فجأة بالسكتة القلبية عن عمر لا يزيد عن ثلاثين سنة، [ صفحه 26] فرثاه الشعراء، ووالده شمس الدين صاحب الديوان [34] . وذكره مادحا له القاضي نظام الدين الأصفهاني في بعض شعره في مدح آل محمد (صلي الله عليه وآله): قل للنواصب: كفوا، لا أبا لكم++ لشيعة الحق يأبي الله توهينا أعاد حكم ملوك الترك رونقهم++ وزادهم (ببهاء الدين) تمكينا يري (عليا ولي الله) مدخرا++ للحشر أولاده العز الميامينا [35] . وشرحه للمائة كلمة له: ونري في قائمة كتب المؤلف المترجم له كتابا ي " شرح المائة كلمة للإمام علي (عليه السلام) " يصفها في مقدمته بقوله: " مائة من الكلم جمعت لطائف الحكم، انتخبها من كلماته الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ عفي الله عنه وكان ممن استجمع فضيلتي العلم والأدب، وحكم بأن كل كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب. ولم يخصها من سائر حكمه لمزيد جلالة، بل لضمها الوجازة إلي الجزالة... ثم اتفق اتصالي بمجلس الصاحب المعظم، ملك وزراء العالم، العالم العادل، ذي النفس القدسية والرئاسة الإنسية: شهاب الدنيا والدين مسعود بن كرشاسب - ضاعف الله جلاله وأدام إقباله - فألفيته منخرطا في سلك الروحانيات، معرضا عن الأجسام والجسمانيات، موليا بوجهه شطر القبلة الحقيقية، متلقيا بقوته العقلية أسرار المباحث النفسية، أحظي جلسائه لديه من نطق بحكم، وأكرمهم عليه من حاوره في علم... أحببت أن أتحف حضرته العلية بكشف أستار بعض تلك [ صفحه 27] الكلمات ورموزها، وإبراز ما ظهر لي من دفائنها وكنوزها. فشرعت في ذلك... فإني... أحوالي الحاضرة جارية علي غير نظام " [36] . حقق هذا الكتاب ونشره المرحوم السيد المحقق الأرموي الحسيني المحدث. وقال في تقديمه للكتاب: " أما المؤلف له أعني الوزير شهاب الدين مسعود ابن كرشاسب الذي كتب الشارح هذا الشرح لأجله وأتحفه إياه، فلم أعرفه، إذ لم أعثر علي شئ - في ما عندي من الكتب - يدلني علي معرفة بحاله " [37] . ومعه الحق في ذلك، ففي مظان ذلك من كتب التراجم لم نعثر له علي ذكر بهذه الصورة " مسعود بن كرشاسب ". وإنما غاية ما في الباب من كتب التراجم لذلك العهد، أنا نجد اسم " مسعود " لأحد أبناء شمس الدين محمد الجويني الستة: محمد، وأتابك وفرج الله، ومسعود، ويحيي، الذين قتل أربعة منهم (عدا محمدا) بعد قتل أبيهم، الملك أرغون خان التتري المغولي، بدسائس اليهود، ولهم خامس يدعي زكريا، بقي حيا، وكان ذلك في 4 شوال سنة 683 ه [38] . سعي فيه فخر الدين المستوفي القزويني وحسام الدين الحاجب لدي أرغون خان واتهمه بإعداد السم لقتل آباقا خان، فقتله أرغون خان في حوالي مدينة أهر (زنجان) وبعد فترة قليلة قتل أولاده الأربعة [39] . [ صفحه 28] وقال يحيي بن عبد اللطيف القزويني (948 م) في " لب التواريخ " بالفارسية: " تملك أرغون خان بن آباقا خان - بعد أحمد خان - في 7 جمادي الآخرة سنة 683 ه فقتل الخواجة شمس الدين صاحب الديوان الذي استمرت وزارته وأبيه وجده تسعا وعشرين عاما، بتهمة سمه لآباقا خان، في ضحي يوم الاثنين 4 شعبان سنة 683 ه في آذربايجان... وعاقب أولاده الأربعة، وقبورهم في قرية " چرند آب " وهلك أرغون خان بعد سبع سنين في 5 ربيع الأول سنة 690 ه [40] . ومسعود بن شمس الدين الجويني هذا هو الذي يعبر عنه السيد ابن طاووس في كتابه " مهج الدعوات " يقول: " حدثني صديقنا الملك مسعود، ختم الله له بإنجاز الوعود " [41] . ولا نملك هنا ولا يسعنا إلا احتمال أن يكون " المسعود " المعهود في مقدمة المؤلف لشرحه المائة كلمة هو هذا، إن جوزنا أن يكون " كرشاسب " الاسم الفارسي الأصيل لأبيه شمس الدين محمد أو جده بهاء الدين محمد، أو لأحد أجداده، وإلا فالحق مع المحقق المحدث الأرموي في بقاء المؤلف له هذا الكتاب مجهولا. وإن كان المسعود هو الشهيد بن الشهيد شمس الدين، وقد قتلا في 683 ه فعليه يكون شرحه للمائة كلمة متأخرا عن شرحيه الكبير والصغير لنهج البلاغة، وقبل قتلهم. وليس في ما بأيدينا ما ينبئنا عن أواخر حياة المؤلف المترجم له، فلا ندري [ صفحه 29] ما الذي حدث له أو عليه بعد قتل هؤلاء الشهداء السعداء، وإنما نري تأريخ وفاته في بلاده البحرين، مما نستظهر منه أنه انكمش إلي بلاده بعد النكبة لهؤلاء الأعلام. كتبه ومؤلفاته: لملء الفراغ والإعواز في النصوص عن حياة المؤلف المترجم له تمسكت بمقدمات بعض كتبه، وإلي هنا نكون قد أتينا علي ذكر ستة من كتبه الأساسية الموجودة: 1- قواعد المرام في علم الكلام. فرغ منه في 20 ربيع الأول 676 ه بالبصرة لأميرها، وطبع لأول مرة في الهند بحاشيته (المنتخب في المراثي والخطب) للشيخ فخر الدين الطريحي سنة 1332 [42] وطبع ثانية بإعداد السيد المحقق أحمد الحسيني بقم المقدسة سنة 1398 ه ضمن سلسلة مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي النجفي (قدس سره). 2 - النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة، هذا الكتاب، لم يؤرخه، ولم يطبع [43] كتبه في البصرة لأميرها عز الدين النيشابوري (672 ه). 3 - شرح النهج (الكبير = مصباح السالكين) فرغ منه سنة 677 ه ببغداد طبع أولا بطهران سنة 1276 في مجلد ضخم طبع حجر قديم، وثانية بشئ من التحقيق والتقديم بقلم الحاتمي وهو الشيخ محمد رضا البروجردي المتوفي في 1401 ه. واختصره العلامة الحلي، ونظام الدين الجيلاني باسم: أنوار [ صفحه 30] الفصاحة [44] . 4 - اختيار مصباح السالكين، اختصره من شرحه الكبير بطلب علاء الدين الجويني لولديه، فرغ منه سنة 781 ه ببغداد. حققه الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني، وطبع في مشهد سنة 1408 ه [45] . 5 - تجريد البلاغة، جرده من مقدمة شرحه الكبير، لابني علاء الدين الجويني أيضا أو لنظام الدين محمد خاصة، لم يؤرخ، ولم يطبع. وتوجد منه نسخة في مدرسة سپهسالار الجديدة بطهران. شرحه الفاضل المقداد السيوري وسماه " تجريد البراعة في شرح تجريد البلاغة " [46] . ولم يعثر له علي شرح لنهج البلاغة عدا هذين الشرحين: الكبير والصغير، اللهم إلا أن يراد بالشرح الأصغر. 6 - شرح المائة كلمة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). كتبه للأمير الوزير شهاب الدين مسعود بن كرشاسب، لم يؤرخ، حققه ونشره المحقق المحدث الحسيني الأرموي سنة 1390 ه [47] . سائر كتبه ورسائله: 7 - آداب البحث، ذكره الماحوزي في السلافة البهية، كما في كشكول [ صفحه 31] البحراني 1: 45 وعنه في الذريعة 1: 14، وأعيان الشيعة 10: 198. 8 - استقصاء النظر في إمامة الأئمة الاثني عشر، ذكره الماحوزي كذلك وعنه في الذريعة 2: 32. 9 - البحر الخضم، ذكره الماحوزي كذلك وعنه في الذريعة 3: 37. 10 - الدر المنثور، الذريعة 8: 77. 11 - رسالة في شرح حديث المنزلة - أعيان الشيعة 10: 198. 12 - رسالة في العلم، ذكرها الحر في أمل الآمل، وعنه في الذريعة 15: 316 واحتمل اتحادها مع رسالة آداب الحديث. 13 - رسالة في الكلام - الذريعة 18: 108. 14 - رسالة في الوحي والإلهام - ذكرها الماحوزي في السلافة وعنه في الذريعة 25: 61. 15 - غاية النظر - الذريعة 16: 24. 16 - المعراج السماوي، ذكره الماحوزي في السلافة، وعنه في الذريعة 21: 230. وقد أسلفنا ذكر وفاة الشيخ المؤلف ومرقده في قرية هلتا من قري الماحوز في بلاد البحرين. قدس الله نفسه الزكية. [ صفحه 33]

نحن و كتاب النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

يتضمن الكتاب مقدمة وثلاثة أبواب. أما المقدمة فهي في تعريف الإمامة ومذاهب الناس فيها. والباب الأول في الشرائط المعتبرة في الإمامة. الباب الثاني: في تعيين الإمام. الباب الثالث: في تقرير شبهة الخصوم والجواب عنها، وهذه هي أهم البحوث في الإمامة ويمتاز الكتاب علي الرغم من ضآلة الحجم باستيعابه إلي حد كبير: 1 - الآراء المختلفة والمتضاربة حول الإمامة وفي مختلف شؤونها. فهو يتطرق إلي مذاهب المسلمين في وجوب الإمامة وفي تعيين الإمام والشروط المعتبرة فيه. كما ويتناول بالبحث في مذاهب طوائف الشيعة المنكرين لإمامة بعض الأئمة الاثني عشر. 2 - الأدلة والوجوه التي يقيمها لإثبات ما تراه الإمامية الاثنا عشرية في مختلف مسائل الإمامة فتراه يتطرق إلي بيان الدليل ثم يستمر في ترسيخه وتدعيمه بذكر كل الوجوه المحتملة في المسألة وإبطالها وتعيين الوجه الصحيح منها. [ صفحه 34] 3 - الأدلة والوجوه التي يقيمها أصحاب بقية الطوائف الإسلامية لا سيما مناقشاتهم في أدلة الإمامية، فيذكر كل ذلك بتفصيل ثم يدخل في نقدها وردها بالأسلوب الكلامي المعهود عن المتكلمين. عملنا في تحقيق الكتاب كما يلي: أ - استخراج منابعه ومصادره. ب - تقويم نصه ومتنه. ج - اعتمدنا في تحقيقه علي نسختين مخطوطتين: إحداهما: نسخة مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) في مشهد رمزنا لها ب (ضا)، وقد جاء في نهايتها هكذا: " بقلم أضعف العباد إلي رحمة ربه الغني الجواد: يوسف ابن محمد بن إبراهيم المثاني أعانه الله علي طاعته وجعله حجة له لا عليه. وذلك ضحي يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر الله المبارك ذو الحجة أواخر سنة اثنتين وخمسين وثمان مائة، وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل. تم ". وثانيتهما: نسخة مكتبة خاصة للسيد محمد علي الروضاتي في أصفهان ورمزنا لها ب (عا). د - توضيح الكلمات الغامضة التي وردت في الكتاب. محمد هادي اليوسفي الغروي 29 / 12 / 1413 ه ق [ صفحه 37] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مفيض الجود، وواهب وجود كل موجود، الذي أحاط بكل شئ علما، وعلا كل شئ قدرة وحكما، الإله الجبار، الذي لا تدركه الأبصار، ولا تحده الأفكار، ولا يلحقه اختلاف الليل والنهار. أحمده بلسان الحال والمقال، علي ما عم به من الأنعام والأفضال. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم المآل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختم به الكمال صلي الله عليه وآله خير آل. وبعد، فإن الله تعالي لما جعل الإسلام خير الأديان، وأفضل المناهج التي يسلكها الانسان، ولم يكن سلوك ذلك المنهج غنيا عما يرفع فيه في كل حين أعلام الهدي للسالكين، إذ كان المخطئ لمقاصده الحقيقية من أخسر الهالكين لا جرم لم يخل زمان من الأزمنة من إمام معصوم يوضح الدليل ونور مبين. وكان مقتضي الحكمة الإلهية كون تلك الأئمة الهادين من ذرية أفضل الشارعين صلي الله عليه وعليهم أجمعين مراعاة لمناسبة الفضل للفضل، وإلحاقا للفرع بالأصل، أما في الأشباح فإنها بقايا الطينة النبوية، وأما في الأرواح فلكونها أنوار من أنوار الشعلة العلوية، وذلك تقدير العزيز العليم، فسبحانه من مدبر حكيم. ثم إنه تعالي وفقني للاتصال بجناب مولانا الملك المعظم العالم العادل البارع [ صفحه 38] ذي النفس الأبية، والهمم العلية، والأخلاق المرضية، والأعلاق الزكية، ملجأ الأنام، وواحد الليالي والأيام عز الدنيا والدين، أبي المظفر عبد العزيز بن جعفر النيسابوري [48] - أعز الله ببقائه الطائفة وحرس به الملة - فألفيته من أخص الأولياء لأولاد سيد الأنبياء مع ما خصه الله تعالي به من العلم وحباه من مزيد الفهم، فهو للعلماء والد عطوف، ولمعاناة أحوالهم بر رؤوف، يتواضع لهم مع علو مرتبته، ويرفع من خاملهم [49] مع شرف منزلته، فشملني بأنعامه، وأحلني محل إكرامه، حتي أنساني الأهل والبلد، وأصدفني [50] عن المال والولد. أشار إلي بإملاء مختصر في الإمامة أنقح فيه الأدلة والبينات وأقرر فيه الأسئلة والجوابات، فهممت أن أعتذر لمشقة السفر وما يستلزمه من تشعب الأذهان، ومفارقة الأهل والأوطان، ثم كرهت أن ينسب ذلك إلي تقصير مني في خدمته وأداء بعض ما وجب علي من شكر نعمته فبادرت في امتثال أمره وسألت الله أن يفسح في مدة عمره وأن يجعل ما كتبت حجة لي لا علي إنه المنان ذو الفضل والإحسان. ورتبته علي مقدمة وثلاثة أبواب: [ صفحه 41]

المقدمة

اشاره

أما المقدمة ففيها بحثان:

تعريف الإمامة

الإمامة رئاسة عامة لشخص من الناس في أمور الدين والدنيا، إذ الرئاسة هي الجنس القريب للإمامة، ومجموع القيود الباقية خاصة مركبة [51] إذ كل منهما لا يخص نوع الإمامة دون كل ما عداه وإن خصه بالنسبة إلي بعض الأشياء: فإن كون الرئاسة عامة وإن ميز نوع الإمامة عن نوع القضاء وكل رئاسة خاصة لكنه لا يميزه عن نوع السلطنة الجورية، إذ هي عامة أيضا، وقولنا " لشخص " وإن ميزه عن رئاسة لشخصين أو أكثر غير أنه لا يميزه عن السلطنة الجورية أيضا، وقولنا " في أمور الدين والدنيا " وإن ميزه عن سلطان الجور غير أنه لا يكفي في تميزه إذ ليس كل رئاسة في أمور الدين والدنيا وجب أن تكون عامة، فإذن كل واحد من هذه القيود وإن كان أعم من نوع الإمامة إلا أنها إذا اجتمعت حصل [ صفحه 42] من المجموع قدر مميز لذلك النوع تمييزا مطلقا يسمي باصطلاح قوم الخاصة المركبة، وبالله التوفيق. [ صفحه 43]

ضبط المذاهب في الامامة

في ضبط مذاهب الناس في هذه المسألة وتقرير الصحيح منها الإمامة إما أن تكون واجبة مطلقا أو ليست واجبة مطلقا أو أن تكون واجبة في حال دون حال، وإلي كل واحد من هذه الأقوال ذهب قوم: فالأول هو مذهب جمهور المتكلمين، والثاني هو مذهب النجدات من الخوارج [52] ، والثالث مذهب أبي بكر الأصم [53] والفوطي [54] . أما القائلون بوجوبها مطلقا: فمنهم من أوجبها علي الله تعالي وجعل طريق وجوبها العقل فقط، وهو مذهب الإمامية من الاثني عشرية وغيرهم ويثبتون الوجوب علي الله تعالي بأن الإمامة لطف في الدين فتجب علي الله تعالي بأن لا يخلي الزمان عنه. ومنهم من أوجبها علي الخلق إما سمعا فقط، وهو مذهب أصحاب الحديث [ صفحه 44] والأشعرية وجمهور المعتزلة، منهم أبو علي [55] وأبو هاشم [56] وأتباعهما. وإما عقلا وسمعا وهو مذهب الجاحظ [57] وأبي القاسم البلخي [58] . وأبي الحسين البصري ومن تابعه. وهؤلاء لما لم يقولوا بأنه لطف في الدين لا جرم لم يوجبوه علي الله تعالي. وأما القائلون بوجوبها في حال دون حال: فقال الأصم: لا يجب نصب الإمام في حال ظهور العدل والإنصاف بين الخلق، إذ لا حاجة إليه، ويجب نصبه عند انتشار الظلم وظهوره. وقال هشام [59] بالعكس من ذلك أي عند ظهور الظلم لا يجب نصبه لأنه ربما كان سببا للفتنة، لتمردهم واستنكافهم عن طاعته فيكون نصبه سببا لازدياد الشرور، فأما عند ظهور الانتصاف وانتشاره فيجب نصبه لبسط الشرع وإظهار شعاره، فهذا تفصيل المذاهب في هذه المسألة. [ صفحه 45] وأما تقرير ما يتمسك به كل فريق والاشتغال بتزييفه وإبطاله فمما يخرج عن الغرض فيما نحن بصدده، غير أنه عند تحقيق الحق يزهق الباطل. فنقول: الإمامة واجبة عقلا وسمعا، أما العقل فمن وجهين: الأول: نصب الإمام إما أن يكون خيرا محضا أو الخير فيه أغلب، أو شرا محضا أو الشر فيه أغلب، أو متساويين والأقسام الثلاثة الأخيرة باطلة لما يعلم بالضرورة بعد تصفح أحوال الخلق وعاداتهم أنه متي كان بينهم رئيس منبسط اليد قوي الشوكة، يردع ظالمهم وينصر مظلومهم، ويحثهم علي الواجبات ويكفهم عن المحرمات، كانوا إلي الصلاح أقرب وعن الفساد أبعد، وإذا لم يكن بينهم مثل هذا الرئيس كان حالهم بالعكس، وفطرة العقل شاهدة بما ذكرنا، وإذا كان الأمر كذلك لم يمكن أن يقال الشر في هذه الحالة مساو للخير فضلا عن القسمين الأخيرين فبقي أن يقال أنها خير أو الخير فيه غالب، وأيما كان فهي تفيد المطلوب. أما الأول: فلأن ذات الله تعالي فياضة بالخيرات، لا توقف لها في إفاضة الخيرات علي أمر غير ذاتها، فكان إيجادها لمثل هذا الخير المحض واجبا. وأما الثاني: فهو أيضا كذلك، فأما كونها مشتملة علي شئ من الشرور فلا يضر في وجوب وجودها، لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير في الجود والحكمة. فيثبت بما قررناه أن نصب الإمام واجب من الله تعالي، وهو المطلوب. لا يقال [60] : لم قلتم بأن الأقسام الثلاثة باطلة، قوله: " لأن الخلق إذا كان لهم رئيس يأمرهم بالواجبات كانوا إلي الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد " قلنا: [ صفحه 46] يدعي هذا مطلقا في كل وقت أو في بعض أوقات دون البعض؟ والثاني مسلم، والأول ممنوع، فلم قلتم: إنه كذلك؟! وبتقدير أن لا يكون كذلك لم يكن الخير فيها أغلب. سلمنا ولكنه معارض، بما أن نصب الإمام يتضمن الإضرار بالخلق، وحينئذ يكون شرا محضا أو الشر فيه أغلب فوجب أن لا يجب، بل ولا يجوز. وإنما قلنا إنه يتضمن الضرر، لوجهين: أحدهما: أنه قد يستنكف أكثر الناس من طاعته فيحاربونه ويحاربهم، فيؤدي ذلك إلي القتل والفتن وذلك محض الضرر، واعتبر الوقائع الحاصلة بسبب إمامة علي (عليه السلام) بحرب الجمل وصفين وحرب الخوارج، فأنا نعلم بالضرورة أن ذلك إنما كان بسبب إمامة علي (عليه السلام) بحيث لو لم يكن لم يكن شئ من ذلك. الثاني: أن الإمام إن لم يكن معصوما فبتقدير فسقه أو كفره إن لم يعزل تعدي ضرر فسقه وكفره إلي الخلق، وإن عزل احتيج في عزله إلي المحاربة والفتنة، وذلك عين الضرر وإن كان معصوما جاز فسقه وكفره، وحينئذ يتوجه التقسيم المذكور فيه. سلمنا أن الإمامة لا تشمل علي ضرر، لكن لا نسلم أنها مشتملة علي شئ من المصالح، وحينئذ لا يكون فيها خير فضلا عن أن تكون خيرا محضا أو الخير فيها غالبا، وبيان ذلك: أنها إما أن تجب لا لفائدة، فتكون عبثا وهو قبيح عندكم، وأيضا فيكون تسليما للغرض أو لفائدة، وهي إما منفعة دنيوية أو أخروية أو دفع مضرة دنيوية أو أخروية، وعلي كل التقديرات فهو محال: أما أولا: فلأنكم لا توجبون علي الله تعالي تحصيل كل المنافع للعباد ولا دفع كل المضار عنهم، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن تكون الإمامة من تلك المنافع أو دفع المضار؟ وأما ثانيا: فلأن إيصال تلك المنفعة أو دفع تلك المضرة مقدور لله تعالي بدون الإمامة فينبغي أن توجبوا ذلك عليه ابتداءا. [ صفحه 47] والجواب [61] عن الأول: أنا ندعي ذلك مطلقا وفي كل وقت، ولذلك فإن العقلاء بأسرهم متفقون علي إقامة الرؤساء في كل وقت معتقدون أن الحاجة إليهم في انتظام أمور الدين والدنيا ضرورية، وهو ضروري، ولو كان نصبهم في وقت ما سببا لفساد أكثري أو متساويا لما كان اعتقاد الخلق كما ذكرناه دائما. وعن الثاني: لا نسلم أنه يتضمن الإضرار أو الأكثرية بالخلق أو المساوية للخير. قوله في الوجه الأول من المعارضة " أنهم ربما استنكفوا عن طاعته فيكون ذلك سببا للحروب والفتن كما في الوقائع المذكورة ". قلنا: هذا وإن وقع بسبب وجود الإمام إلا أنه أمر خيري بالنسبة إلي الفتن والأضاليل الواقعة علي تقدير عدمه، فإن العاقل إذا رجع إلي عقله علم أن غفلة الخلق عن أمور الدين وثوران الفتن والتغلب وعدم تسليم بعضهم لبعض عندما لا يكون الإمام المذكر بها والمعاتب علي الأخلال بها موجود أكثر مما إذا كان موجودا بكثير. قوله في الوجه الثاني: " إن الإمام إن كان معصوما جاز فسقه وكفره ". قلت: لا نسلم أنه إن كان معصوما جاز ذلك منه، وذلك كما سنبين أن العصمة ملكة ترك المعاصي، وهي متمكنة في جوهر النفس، فيستحيل زوالها إلي أضدادها، وبالله التوفيق. وعن الثالث: لم لا يجوز أن يكون وجوب الإمامة لفائدة هي تقريب عباده من طاعته المرادة له تعالي، قوله " تلك المنفعة بدون الإمامة " إن كان ممكنا إلا أنه ليس بحسن، بل هو قبيح عندنا عقلا، وينبهك علي ذلك أن من دعا غيره إلي طعامه يعلم أنه لا يحضر إلا أن يتولي دعاءه بنفسه وهو قادر علي ذلك [ صفحه 48] ولا غضاضة عليه في فعله، فإنه متي لم يفعل عد مقصرا في عرف العقل أو استقبح ذلك منه. واستعمالنا لهذا المثال في حق الله تعالي بحسب قياس الغائب علي الشاهد، فإن الفطرة شاهدة بعليته أي بمؤثرية هذا الحكم مطلقا، بل للتنبيه علي ملاحظة عدم حسنه في حق الله تعالي. الوجه الثاني: الإمامة جزء من أجزاء التمكين الذي هو واجب، وجزء الواجب لا بد وأن يكون واجبا، فالإمامة واجبة، أما الكبري فظاهرة ومتفق عليها وأما الصغري فبيانها: أن الداعي إلي فعل أكثر الطاعات واجتناب المعاصي في أكثر الخلق في كل وقت موقوف علي وجود الإمام وغير ممكن الحصول من دونه، وهذه ضرورية بعد تصحيح أحوال الخلق والاطلاع علي أخلاقهم وطبائعهم ولوازم أمزجتهم، وإذا كان فعل الطاعة غير ممكن بدون الداعي لاستحالة الترجيح من غير مرجح والداعي غير ممكن من أكثر الخلق إلا بوجود الإمام، وجب أن يكون الإمام جزءا من أجزاء التمكين، وكانت أولي بالوجوب. وهذا التقدير [62] أولي من قول أصحابنا: إن الإمامة لطف وكل لطف واجب، لأن تقدير كبري قياسهم في غاية الصعوبة والتعسر، وبالله التوفيق. لا يقال: لا نسلم أن فعل الطاعات واجتناب المعصية موقوف علي وجود الإمام، وبيانه: أنك إن أردت أن جميع الخلق في زمان وجود الإمام يمتنعون من جميع المعاصي ويفعلون جميع الطاعات فهذا ممنوع، بل الضرورة تشهد ببطلانه، وإذا كان كذلك كان بعض المعاصي واقعا وبعض الطاعات مفعولا في زمان وجوده، وهذا أيضا ثابت في حال عدمه، فإن بعض المعاصي موجود وبعض [ صفحه 49] الطاعات مفعول. سلمناه، لكن متي تكون المعاصي مرتفعة والطاعات واقعة إذا كان الإمام ظاهرا نافذ الحكم؟! وإذا لم يكن كذلك فالأول مسلم والثاني ممنوع. بيانه: أن انزجار الخلق عن القبائح بسبب الإمام إنما يكون إذا كان متمكنا من زجرهم عن القبائح، وإذا لم يكن قادرا علي ذلك لم يحصل الانزجار. والحاصل: أن الإمام الذي توجبونه لا يفيد مطلوبكم، والذي يفيد مطلوبكم لا توجبونه. لأنا نجيب عن الأول: أنا ما ادعينا أن كل الخلق يمتنعون بوجوده من كل المعاصي، بل نقول: إن الحازم يجزم بعد تصفح أحوال الخلق أن دواعي أكثرهم إلي الطاعات واجتناب المعاصي موقوف علي وجود الإمام، أما في حق تاركي أصل العبادة والمترخصين من أنفسهم فيها بما لا يجوز لهم فعله والإخلال به منها، فظاهر مما بيناه، وأما في حق من كان سالكا للعبادة قائما بها فإن الحركات فيها مقولة بحسب التشكيك أي أنها قابلة للأشد والأضعف، فالعلم الضروري حاصل بأن العبادة ممن كان قائما بها قبل وجود الإمام تكون بوجوده أوفي وأتم لتوفر الدواعي عليها بوجوده، فإذا القدر الزائد علي العبادة بعد وجوده كان موقوفا علي توفر الدواعي إليه وذلك التوفر موقوف علي وجود الإمام، والموقوف علي الموقوف علي الشئ موقوف. وعن الثاني من وجهين: أحدهما: أن الانزجار حاصل بالإمام وإن كان غائبا فإن المكلفين إذا تقرر في عقولهم وجود الإمام وصحة إمامته واعتقدوا أنه لا حال من الأحوال إلا ويجوز ظهوره عليهم ويمكنه من التصرف فيهم بالأخذ بالجرائم، فحينئذ لا حال إلا ويكون المكلف فيه خائفا، فلأجل ذلك يمتنع من القبيح. [ صفحه 50] الثاني: أن الانزجار وإن لم يحصل إلا عند ظهوره وتمكنه لكن هذا لا يقدح في وجوبه من الله سبحانه، فإن عدم تمكينه إنما كان لأمر يرجع إلي المكلفين، وهو إخافتهم للإمام وعدم أخذهم بيده، مع قدرتهم علي تمكينه وإزاحة علته، فهم إنما أتوا من قبل أنفسهم. لا يقال علي الجواب الأول: إنا إذا توقعنا حدوث الإمام في كل وقت وعلمنا أنه متي حدث كان مانعا من القبائح، كان الخوف منه في كل وقت - وإن كنا لا نعلم أنه حاصل في ذلك الوقت أم لا - كالخوف الحاصل من وجوده وإمكان ظهوره، وإذا كان كذلك فجوزوا أن لا يكون موجودا إلا أن الله تعالي يجب عليه أن يخلقه عند تحقق المصلحة في إيجاده. وعلي الثاني: أنه ضعيف أيضا، لأن العذر الذي ذكر تموه من تخويف الخلق له غير حاصل في أوليائه الذين يكونون له في غاية الولاء والإخلاص والمحبة، فكان ينبغي أن يظهر لهم عند شدة حاجتهم إليه لاستفادة ما أشكل عليهم من العلوم. لأنا نجيب عن الأول: بأن الخوف من الإمام إنما هو مشروط بوجود الإمام، لأن الخوف ممن يجزم العقل بعدمه محال وإن جوز وجوده، وما أحسب عاقلا لا يفرق في حصول الخوف بين إمام موجود يتوقع ظهوره عليه في كل لحظة، وبين من يجزم بعدمه ويجوز وجوده حتي يستوي بينهما، نعوذ بالله من عدم الإنصاف. وعن الثاني: أنا لا نسلم أن الإمام الذي نقول بغيبته الآن لا يظهر لأوليائه، بل يظهر لهم ويأخذون عنه الأحكام، وقد ظهرت إليهم عنه أحكام وأجوبة مسائل سألوها وغير ذلك من الأدعية والمكاتبات كما هو مشهور بين [ صفحه 51] الاثني عشرية [63] . سلمنا أنه لا يظهر لأحد من أوليائه وإن كانوا في غاية الصلاح والمحبة له والحاجة إليه، لكن السبب فيه أحد أمرين: أحدهما: أن الانسان وإن كان في غاية الصلاح إلا أن طبيعته مجبولة علي طلب الكمال، وأعظم كمال يتنافس فيه في الدنيا ويتخيل كونه أشرف الكمالات هو الجاه، فإن الانسان ربما يجهد في تحصيله بكل وسيلة، حتي أن كثيرا من الزهاد ربما جعلوا الوسيلة إليه إظهار بغضه، ثم إنه إذا كان مطلوبا للخلق من تعظيم أقل أمير من أمراء الجور لهم، فكيف من الإمام الحق المؤيد بالكرامات، الذي لو عرف الخلق بأسرهم حقية وجوده وصحة إمامته وأن الحق معه لبذلوا مهجتهم دونه، إذا اختص انسانا من خلق الله - ربما كان فقيرا مطرحا - فتطرق إليه وظهر إليه، فإنه والحال هذه لا يؤمن أن يفتخر بمثل ذلك ويسره إلي أخ له أو ولد أو زوجة، فينتشر ذلك إلي الأعداء أو ولاة الأشرار فإن لكل نصوح نضوحا [64] . وكل حديث جاوز اثنين شاع [65] ، وإذا انتشر ذلك كان سببا للفساد. الثاني: أن ذلك الولي لا يعرفه إلا بالكرامات التي تظهر له منه، ولا يصدقه بمجرد قوله، ثم لا يمتنع أن تطرأ الشبهة علي المكلف في ذلك فلا يقف علي وجه دلالة الكرامة علي مدعي الإمامة، فيعتقد ما جاء به منكرا فيستعين بغيره، فيصير خصما وسببا لوصول ذلك الأمر إلي الأعداء. [ صفحه 52] واعلم أن للخصم اعتراضات أخر رغبنا عن إيرادها كراهة التطويل، والله المستعان. [ صفحه 53]

في الشرائط المعتبرة في الإمامة

اشاره

1 - في كون الإمام معصوما 2 - في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته 3 - في أن الإمام يجب أن يكون عالما بكل الدين 4 - في السبب الذي يتعين به الإمام [ صفحه 55] وفيه أبحاث:

في كون الإمام معصوما

اشاره

قالت الإمامية والإسماعيلية: أن العصمة شرط في الإمامة، وإن اختلفوا في علة وجوبها، فإن الإسماعيلية بنوا وجوبها علي أنه لما كان الإمام معلما للمكلفين ما يحتاجون إليه من العلوم وجب أن لا يخطئ، وقالت الإمامية: إنما وجبت في حقه لكونه لطفا، فلو لم يكن معصوما لم يكن لطف إذ لا إمام غيره. وقال الباقون من الأمة: إنها ليست بشرط. وقبل إثبات هذا المطلوب لا بد من بيان معني العصمة: فنقول: العصمة ملكة نفسانية يمتنع معها المكلف من فعل المعصية. إذا عرفت هذا فنقول: لنا في وجوب كون الإمام معصوما وجوه:

علي وجوب عصمة الامام

الأول: لو لم يكن الإمام معصوما للزم التسلسل في وجود الأئمة، والثاني [ صفحه 56] باطل فالمقدم مثله. بيان الشرطية: أن علة حاجة الخلق إلي الإمام إنما هي جواز الخطأ عليهم، بدليل أنا متي تصورنا جواز الخطأ عليهم استلزم ذلك التصور حاجتهم إلي الإمام من غير توقف علي تصور أمر آخر، وذلك يوجب كون جواز الخطأ علة حاجتهم إلي الإمام، فلو ثبت جواز الخطأ عليه لكانت حاجته إلي إمام آخر حاصلة، لقيام علة الحاجة فيه، ولزم التسلسل. وأما بيان بطلان التالي فظاهر. لا يقال: لا نسلم أنه لو لم يكن معصوما لافتقر إلي إمام آخر، بل يكون خوفه من قيام الأمة عليه وعزله لو ارتكب خطأ يقوم في حقه مقام الإمام في حق غيره، وحينئذ لا حاجة إلي إمام آخر. سلمناه لكن ذلك معارض بأمرين: أحدهما: أن علة الحاجة إلي وجود الإمام هي بعينها علة الحاجة إلي الأمراء والقضاة، وبالاتفاق لا تجب عصمتهم، فلا تجب عصمة الإمام. الثاني: مفهوم الإمامة مركب من قيدين: أحدهما: نفوذ حكم الإمام علي الغير، والثاني: عدم نفوذ حكم غيره عليه، فلو وجبت العصمة لكان وجوبها إما للقيد الأول، أو للثاني، أولهما، والتالي بالأقسام الثلاثة باطل. لما أن الأمير الذي في الصقع البعيد عن الإمام بحيث لا يصله حكم الإمام يكون كل واحد من تلك الأقسام متحققا فيه، مع أنه لا تجب عصمته بالاتفاق. الثالث [66] : أنا سنبين أن إمامة الأئمة الثلاثة كانت صحيحة، مع أنهم ما كانوا معصومين، وحينئذ يتبين عدم وجوب اشتراط عصمة الإمام. [ صفحه 57] لأنا نجيب عن الأول: من وجهين: أحدهما: أن الأمة غير معصومة فكان الخطأ عليهم جائزا، فبتقدير أن يرتكب الإمام الكبائر جاز حينئذ أن يتابعوه علي ذلك، وعند متابعته لا يكون له منهم خشية إنكار عليه، فتحقق حاجته إلي إمام آخر، ويعود المحذور المذكور. الثاني: أن كل من تصفح أحوال العالم وعوائدهم اضطر إلي الحكم بأن الرعية في غالب الأوقات لا يتمكنون من عزل الملوك الظالمين فجاز حينئذ أن يتغلب عليهم ولا يكون له منهم خوف. وعن الثاني: أن الفرق بين الأمراء والقضاة وبين الإمام ظاهر، فإنا إنما لم نوجب عصمة من عداه لأنهم عند أن يرتكبوا ما لا يجوز كان الإمام هو الآخذ علي أيديهم والرادع لهم عما ارتكبوه من ذلك، وهذا الحكم غير موجود في حقه من جهتهم، لجواز اتفاقهم علي الخطأ علي ما بيناه أولا. وعن الثالث، من وجوه: أحدها: لا نسلم أن الإمامة مركبة من القيدين المذكورين [67] ، وبيانه: أن القيد الأول وجودي والثاني عدمي ولا يتركب منهما حقيقة محصلة بل ماهية الإمامة ما ذكرناه أولا [68] ، وهذان القيدان لازمان لها. الثاني: لا نسلم الحصر في الأقسام المذكورة، علي أنا قد بينا سبب وجوب العصمة وذلك يستلزم عدم الحصر فيما ذكراه من الأقسام الثلاثة، سلمنا الحصر لكن لم لا يجوز أن يكون وجوبها لأجل نفوذ حكمه علي كل من عداه من المسلمين، والأمير المفروض في السؤال غير نافذ الحكم علي كل المسلمين، فلم [ صفحه 58] تكن علة وجوب العصمة متحققة في حقه فلم تجب عصمته. وعن الرابع: أنا سنبين إن شاء الله تعالي أن إمامة المذكورين لم تكن حقا وبالله التوفيق.

علي وجوب عصمة الامام

البرهان الثاني: الإمام تجب متابعته بمجرد قوله، وكل من كان كذلك كان واجب العصمة، فالإمام واجب العصمة. أما أنه تجب متابعته فلوجهين: أما أولا: فبالاتفاق لأنه لا نزاع في وجوب متابعته علي العامي في الفتوي والحكم، ومتابعة من ينصبه لهما، وأن العالم والعامي يجب عليهما متابعته في سياسته، وعدله وتوليته، وأمره ونهيه، وتنفيذه إلي الغزوات، وإقامة الحدود والتعزيرات. وأما أن ذلك بمجرد قوله فلأنه لو كان لأمر آخر ما كان فعلنا متابعة له، لأنا لا نوصف بمتابعة اليهود مثلا في اعتقاد نبوة موسي (عليه السلام)، وذلك ظاهر. وأما ثانيا: فلأنه لو جاز خلافه لجاز إما في كل الأحكام أو في بعضها، والأول محال، لأن الأحكام الحقة لا يجوز خلافها، والثاني أيضا باطل، لأنا علي تقدير أنا خالفناه في حكم جاز أن يكون ذلك الحكم في نفسه حقا، وحينئذ يكون قد خالفنا الحق وإنه غير جائز. وبتقدير تسليمه فالمقصود حاصل لأن مقصودنا ليس إلا وجوب اتباعه في بعض الأحكام. وأما الكبري: فلأنه لو لم يكن معصوما لجاز أن يخطئ الحق ويرتكب خلافه ونحن لا نعرفه، فبتقدير ذلك منه وقد وجب اتباعه وجب علينا حينئذ ارتكاب ما نهينا عنه، هذا خلف. لا يقال: لا نسلم أن الإمام تجب متابعته، قوله: " لو جاز خلافه لجاز إما في كل الأحكام أو في بعضها " قلنا: لم لا يجوز أن يكون في بعضها؟ قوله: " يجوز أن يكون ذلك في نفسه حقا فنكون قد خالفنا الحق " قلنا: لا نسلم، وهذا بناء علي [ صفحه 59] أن الحق في جهة، وذلك ممنوع، فلم لا يجوز أن يكون كل مجتهد مصيبا؟! وحينئذ يجوز أن يخالفه العلماء ويكونوا مصيبين وإن كان هو أيضا مصيبا. سلمنا أنه تجب متابعته بمجرد قوله فلم قلتم إن كل من كان كذلك وجب أن يكون معصوما؟ قوله: " لو جاز عليه الخطأ فبتقدير أن يأتي به نكون مأمورين باتباعه فيه فنكون مأمورين بفعل الخطأ وإنه غير جائز ". قلت: هذا معارض بأمور: أحدها: أنه تجب علي الرعية متابعة القاضي والأمير بمجرد قولهما، مع أنه لا تجب عصمتهما. وليس لقائل أن يقول: أن الإمام من وراء القاضي والأمير فيكون آخذا علي أيديهما ومقوما لزيغهما. لأنا نقول: هذا متصور في أمير قريب الدار من الإمام بحيث يمكنه تدارك ما يهم من سفك الدماء وإباحة الفرج الحرام، فما القول في أمير يبعد عن الإمام بألف فرسخ [69] فإنه يجب علي الرعية الانقياد لقبول قوله، مع أن الإمام غير منتفع به في حق مثل هذا الأمير عند تفريطه. وهب أن الإمام يدارك ذلك في ثاني الحال ولكن كيف ما كان فإنه يجب علي الرعية [70] الانقياد للأمير الظالم في تلك الحال، وأيضا فأي نفع للمقتول ظلما والموطوءة حراما في تدارك الإمام بعد ذلك. وثانيها: أن المفتي من الشيعة يجب متابعة قوله مع أنه ليس بمعصوم. [ صفحه 60] وثالثها: يجب علي الحاكم الحكم بشهادة من ظاهره العدالة مع أنه لا تجب عصمة الشاهد. ورابعها: أنه يلزم العبد طاعة سيده فيما لا يعلمه محرما، وكذلك الابن لوالده، مع أنه لا تجب عصمة السيد والوالد. وخامسها: أن المأموم يتبع الإمام في الصلاة وإن جوز أن يكون فعل الإمام محظورا بأن قصد بركوعه وسجوده عبادة صنم، فضلا عن وجوب عصمته. والجواب عن الأول: أنه ثبت في أصول الفقه أن الحق في جهة، وحينئذ يجوز أن تكون تلك الجهة جهة الإمام. فلو جوزنا خلافه لجاز أن يقع ذلك خلاف الحق، وحينئذ يعود المحال! سلمناه، لكن خطأ في أمر منصوص عليه جائز، وحينئذ يعود الإلزام. وعن المعارضات: أما عن الأولي: فهو أنا لا نسلم أن متابعة الأمير والقاضي بمجرد قولهما، بل لقيام قولهما مقام قول الإمام ولأمره لنا باتباع أقوالهما، ولهذا فإنه لو خالفت أوامرهما شيئا من الشريعة وجب علي الخلق مراجعة الإمام. قوله: " هذا إنما يتصور في أمير قريب الدار من الإمام أما في البعيد بحيث لا يتمكن تلافي ما يفعله " إلي آخره. قلت: الأمير المفروض إما أن يمكن للإمام تدارك كل الأحكام عنه، أو لا يمكن تدارك شئ منها، أو يمكن تدارك بعضها دون البعض، وعلي التقديرات الثلاثة فاشتراط عصمة الإمام إنما هو للقدر الممكن من تدارك الأحكام، وسواء كان امتناع التدارك لبعد المسافة أو لعدم الاطلاع فإن كل ذلك لا يقدح في اشتراط وجوب العصمة، لأنه لا يلزم من اشتراط العصمة اطلاع المعصوم علي كل الكائنات، ولا اقتداره علي ما يخرج عن طاقة البشر. [ صفحه 61] وبه خرج الجواب عن الثانية وعن الثالثة: فإن قبول فعل الشاهد ليس بمجرد قول، بل لأن قوله أفاد ظنا أمرنا بوجوب العمل به، حتي [أنه] لو لم يفد قوله الظن لم يجب بمجرد قوله. وعن الرابعة: أن متابعة الإمام في الصلاة ليست أيضا بمجرد قوله، بل لقيامه مقام الإمام الحق، حتي لو اختل أمر إمامته وجبت مراجعة الإمام الأكبر. وعن الخامسة: أن حكم الأب والسيد في حق الولد والعبد حكم الأمير في رعيته، وقد مر الجواب عنه وهو جواب المعارضة الأولي، وبالله التوفيق.

علي وجوب عصمة الامام

البرهان الثالث: أنه لو جاز الخطأ علي الإمام فبتقدير أن ترجح المفاسد التي تحصل من نصبه علي المصالح يجب عزله وتولية غيره بالإجماع، لكن عزله محال، لأن العازل له إما آحاد الأمة أو مجموعها، والقسمان باطلان، فيمتنع وجوب عزله. [و] إنما قلنا أنه يستحيل أن يكون العازل له آحاد الأمة لوجوه ثلاثة: أحدها: لو صح من أحدهم عزله كما صح عزل آحادهم لم يتميز حاله عن حال كل واحد منهم، فحينئذ لا يكون هو أولي بالإمامة من أحدهم. الثاني: أن كل من شاهد أحوال الملوك والرعايا وتصفح كثيرا من جزئيات العالم، علم بالضرورة بحسب مقتضي العادة أن كل واحد من آحاد الرعية لا يتمكن من عزل ملك بلدته فضلا عن ملك الأرض بجملتها. الثالث: أنه يلزم أن يكون كل واحد من الرعية لطفا في حق الإمام الذي هو لطف في حق كل واحد منهم، فيلزم الدور. وإنما قلنا: أنه لا يجوز أن يكون العازل له مجموع الأمة لوجوه: أحدها: أن رعية الإمام هو مجموع أهل الأرض، لكن اجتماع أهل الأرض [ صفحه 62] علي الشئ الواحد محال في العرف والعادة، ولو سلمنا في صورة لكن لا نسلمه في كل صورة، فإن اجتماعهم علي إزالة ملك الأرض الذي قد خضعت له الرقاب ورغبت فيه طوائف من الأصدقاء وأحاطت به الغلمان، أصعب وأعز من اجتماعهم علي دفع منكر لا مخافة في دفعه. الثاني: أنه وإن أمكن ذلك في حق الإمام علي سبيل الندور في بعض المعاصي، لكن لا يكفي ذلك في منع الإمام عن جميع المعاصي واجتماعهم علي دفعه عند كل معصية [71] محال. الثالث: أنا نعلم أن كل واحد من الرعية يخالف غيره لا يوافقه علي المخالفة علي الإمام قتله، فيكون خلافه سببا لقتله [72] وإذا كان ذلك حاصلا لكل واحد من آحاد الأمة لم يتحقق المجموع علي الاتفاق، وبالله التوفيق. احتج الخصم بأنه لو وجب نصب الإمام المعصوم علي الله لفعله، ولو فعله لكان ظاهرا، لأنا نعلم بالضرورة أن هذا المقصود لا يحصل إلا إذا كان ظاهرا متمكنا من الترغيب والترهيب، فأما إذا كان مستخفيا عن الخلق لم يحصل منه البتة شئ من المنافع. والجواب: أن اللطف الحاصل لانبساط يده ذو أجزاء ثلاثة، جزء يجب علي الله فعله، وهو إيجاد الإمام المعصوم بجميع شرائط الإمامة، والثاني يجب علي الإمام نفسه، وهو تحمل أعباء الإمامة والقيام بأمورها، والثالث يجب علي سائر المكلفين، وهو تمكينه والانقياد تحت أوامر أقلامه. ثم إن الماهية المركبة لا تحصل إلا بتمام أجزائها، والجزء الفائت من اللطف [ صفحه 63] ها هنا إنما هو المتعلق بالمكلفين، فإنهم لما خوفوا الإمام لا جرم كان مستترا منهم، ولم يلزم من ذلك عدم وجوده، فإن الجزء المتعلق بالله تعالي أو الجزء المتعلق به نفسه موجودان. سلمناه، لكن لا نسلم أنه ليس بظاهر، وقد بينا أنه يظهر لأوليائه والانتفاع به قائم. لا يقال: الله تعالي قادر علي أن ينصره بجيش معصوم يزيلون الخوف عنه، سلمناه، لكن لم لم يخلق الله تعالي في نفسه من القدرة والعلم ما يطلع بها علي بواطن الخلق، ويقوي علي دفع شرورهم عن نفسه؟! لأنا نجيب عن ذلك بأنه معارض: بخوف الرسول (صلي الله عليه وآله) من المشركين واستتاره منهم، فإنه أمر متفق علي وقوعه مع أنه لم ينصره في حال خوفه بجيش معصوم، ولم يطلعه في تلك الحال علي ما في بواطنهم، وعلي ما يتخلص به من شرورهم. أقصي ما في هذا الباب أن يفرقوا بين الاستتارين بقصر المدة هناك وطولها ها هنا، لكن هذا لا يصلح فرقا، لجواز أن يكون قد علم [أن] فرصة التمكين التام غير ممكنة في هذه المدة، أو لعذر آخر لا يطلع عليه، وبالله التوفيق. [ صفحه 65]

في أن الامام يجب أن يكون أفضل من رعيته فيما هو امام

اشاره

في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته في ما هو إمام فيه وبرهانه من وجوه

علي وجوب أفضلية الامام

الأول: أن الإمام يجب أن يكون معصوما، وكل من كان كذلك وجب أن يكون أفضل من غير المعصوم. أما المقدمة الأولي فقد مر بيانها، وأما الثانية فمعلومة بالضرورة.

علي وجوب أفضلية الامام

الثاني: لو لم يجب كون الإمام أفضل من رعيته لكان إما أن يكون مساويا أو أنقص، والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله [و] إنما قلنا: أنه يستحيل أن يكون مساويا لأنه لو كان في رعية الإمام من هو مساو له فيما هو إمام فيه لما كان متعينا في الحاجة إليه، فلم يجب أن يوجد، وقد تعين في الحاجة إليه من بين سائر الأمة فوجب أن يكون موجودا، فوجب أن لا يكون فيهم مساو له فيما هو إمام فيه. بيان الملازمة: أنه إذا ثبت أن هناك مساويا لكان قائما مقامه فيما هو إمام فيه، فلم تتعين الحاجة إليه، فلم يجب وجوده. بيان بطلان التالي ما بينا أن الحاجة إليه معينة وأنه واجب أن يكون موجودا. وأما أنه يستحيل أن يكون أنقص، فظاهر بطريق الأولي. [ صفحه 66]

علي وجوب أفضلية الامام

الثالث: أنا سنبين إن شاء الله تعالي أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه من قبل الرسول (صلي الله عليه وآله)، وإذا كان كذلك لزم أن يكون الأفضل، لأن الرسول (صلي الله عليه وآله) لا يخص بتأدية أحكام الله تعالي وأوامره إلا من كان أحفظ لها وأقوم بتأديتها، وأعلم بمواردها، وذلك هو الأفضل الأعلم، والعلم بصدق هذه الصفة فطري فوجب أن يكون الإمام أفضل.

علي وجوب أفضلية الامام

الرابع: لو جاز تقديم غير الأفضل لجاز إما تقديم المساوي أو الأنقص، والأول باطل لأن تقديم المساوي إن كان لا لأمر كان ذلك ترجيحا للممكن من غير مرجح وهو محال، وإن كان لأمر فهو إما أن يرجع إلي ذات الإمام فيكون في نفسه أرجح من غيره وقد فرضناه مساويا هذا خلف، أو إلي غيره مع أن نسبة غيره إليه وإلي من يساويه في الحكم بالتقديم علي سواء فاختصاصه بالحكم دون الآخر يستدعي مخصصا آخر، والكلام فيه كالكلام في الأول، فيلزم إما التسلسل أو الترجيح من غير مرجح، والثاني، أيضا محال لأنك علمت في حد الإمامة أنها: رئاسة عامة لجميع الخلق في أمور الدين والدنيا، وذلك يقتضي أن يكون جميع المكلفين في محل الحاجة في طرقي الدين والدنيا إلي من تحققت هذه الرئاسة في حقه، فوجب حينئذ أن يكون الإمام أفضل من سائر الخلق فيما هو إمام فيه. واعلم أنه قد دخل في هذه المسألة بحسب مقتضي البراهين المذكورة وجوب أن يكون الإمام أعلم الخلق وأشجعهم وأحلمهم وأكرمهم وأتقاهم وبالجملة سائر الكمالات، للمعني المفهوم من الإمامة، وبالله التوفيق. [ صفحه 67]

في أن الإمام يجب أن يكون عالما بكل الدين

مرادنا بذلك أنه عالم بالأحكام الكلية من الدين بالفعل وأما الأحكام الجزئية المتعلقة بالوقائع الجزئية فله ملكة أخذ تلك الأجزاء من القوانين الكلية من موادها متي شاء وأراد، ومعني ذلك أنه يكون متمكنا من استنباط كل حكم في كل صورة صورة متي شاء. وأطلق بعض أصحابنا القول بأنه يجب أن يكون عالما بكل الدين ولم يفصلوا، فإن كان مرادهم ما ذكرناه من التفصيل فهو حق، وإن كان المراد أنه يجب أن يكون عالما بجميع قواعد الشريعة وضوابطها وقوانينها، ثم بجزئيات الأحكام المتعلقة بالحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها علي سبيل التفصيل، فليس الأمر كذلك، وبرهان فساده: أن الجزئيات التي يمكن وقوعها كالمسائل الجزئية الواقعة في كل باب من أبواب الفقه والتي يمكن وقوعها غير متناهية، وما لا نهاية له يستحيل تعلق علم الانسان به علي سبيل التفصيل دفعة، والمقدمتان نظريتان، وما كان محالا استحال أن يكون شرطا في صحة الإمامة، وبالله التوفيق. [ صفحه 69]

في السبب الذي يتعين به الإمام

أجمعت الأمة علي أن الانسان لا يصير إماما بمجرد أهليته للإمامة وأجمعت أيضا علي أن المقتضي لتعيين الإمام ليس إلا أحد الأمور الثلاثة: الأول: إما أن ينص عليه النبي أو الإمام. الثاني: أن تختاره الأمة وتجتمع عليه. الثالث: أن يدعو أهل الإمامة إلي نفسه بشرط أن يكون مباينا للظالمين آمرا بالمعروف عاملا به، ناهيا عن المنكر مجتنبا له، وهذا الإجماع إجماع عرضي ليس مقصودا بالقصد الأول من جميع الأمة، بل معناه أن أحدا من الأمة لم يذكر سببا رابعا لتعين الإمام. اعلم أن الاتفاق من كل الأمة حاصل علي كون السبب الأول - وهو النص من النبي أو الإمام - سببا إلي تعيين الإمام، واختلفوا في الطريقين [73] الباقيين، واتفقت الإمامية علي إبطال أن يكون أحدها سببا. وذهب الأشعرية [74] وجمهور [ صفحه 70] المعتزلة [75] والخوارج [76] والصالحية من الزيدية [77] إلي أن الاختيار سبب لثبوت الإمامة، وذهب الباقون من الزيدية إلي أن الدعوة طريق إلي ذلك، ووافقهم علي ذلك أبو علي الجبائي [78] دون غيره من الأمة. لنا في المسألة من الاستدلال أنواع ثلاثة: أحدها: أن نبين فساد الاختيار والدعوة عقلا فيتعين أن السبب هو النص فقط. الثاني: أن نبين أن النبي (صلي الله عليه وآله) لم يفوض أمر الإمامة إلي الاختيار والدعوة عقلا، فيتعين أن السبب [النص] [79] وإن جاز ذلك عقلا. الثالث: أن نبين أن النص وجد من الرسول (صلي الله عليه وآله)، فيكون الاختيار باطلا. أما النوع الأول فمن وجوه: الأول: أنا بينا أن الإمام يجب أن يكون معصوما، وذلك مما لا يصح معرفته بالاختيار والدعوة عقلا، فتعين أن السبب هو النص فقط. الثاني: أنا بينا أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته في كل ما هو إمام فيه، وذلك مما لا يمكن معرفته بالاختيار والدعوة. [ صفحه 71] الثالث: القول بالاختيار يؤدي إلي خلو الزمان عن الإمام، وذلك غير جائز. بيان الأول: أن الاختيار ليس لكل أحد بل لأهل الحل والعقد من الأمة الذين هم أقل الأمة عددا، وهؤلاء بالاتفاق غير معصومين، فبتقدير أن يختلفوا في إمامين مثلا فتعين كل فرقة إماما باختيارهم تتعادل الفرقتان، فأما أن يعمل باختيارهما، وهو باطل بالاتفاق، وإما أن يعمل بأحدهما، وهو تحكم محض، لأنه ترجيح فيه علي الآخر. وإما أن ينتفي الاختياران فيكون ذلك إخلاء للزمان من الإمام. وأما بيان الثاني فبالاتفاق، ولمثل هذا الدليل يبطل القول بالدعوة. لا يقال علي الأول: أنه لا امتناع في أن ينص الله تعالي علي قوم بأعيانهم ثم يفوض اختيار العقل. وعلي الثاني: أنا لا نسلم أن الإمام يجب أن يكون أفضل، وإن سلمناه لكن أفضل حقيقة. أو في الظاهر الأول ممنوع، والثاني مسلم، وكونه أفضل الخلق في الظاهر لا يتوقف علي التنصيص بل يكفي فيه الاختيار كما في تولية الأمراء والقضاة، وإنما قلنا أنه يكفي أفضليته في الظاهر لما أنا قد اكتفينا بالظنون في الشهود وعدالة إمام الصلاة وأمر السيد عبده والزوج زوجته، فيجوز أن يكون هنا كذلك. سلمناه لكن يجوز أن ينص الله تعالي علي قوم كثيرين يكون كل واحد منهم أفضل أهل زمانه في الباطن، ثم إنه يفوض الاختيار في إمامتهم إلينا. لأنا نجيب عن الأول: أنا بينا أن العصمة تستلزم الأفضلية، والأفضلية تستلزم التعيين، وحينئذ لا حاجة إلي تفويض الاختيار إلي الأمة، ويظهر اعتباره بتقدير اختيارهم غير الأفضل، وقد سبق بيان ذلك. [ صفحه 72] وعن الثاني: أنا بينا أنه يجب أن يكون أفضل، قوله: " في الحقيقة أو في الظاهر " قلنا: بل في الحقيقة، سلمنا أن أفضليته في الظاهر معتبرة لكن لا نسلم أنه يكتفي باختياره، بل لا بد فيه من التنصيص، والقياس علي الأمراء أو أئمة الصلاة، قد بينا الفرق بين إمام الأصل والمذكورين. قوله: " يجوز مع نص الله تعالي علي أفضلية قوم أن يفوض إلينا اختيارهم ". قلنا: لا نسلم، فإنا بينا أن الأفضلية تستلزم التعيين فيكون الاختيار هدرا، وبالله التوفيق. النوع الثاني: في الاستدلال، بيانه من وجوه: الأول: أن الضرورة قاضية بعد الخوص في أمر الدين أن السياسة هي التي يقوم عليها الدين ولا يتم بدونها، ثم إنه قد علم من حال الرسول (صلي الله عليه وآله) أنه كان يسوس أمته كما يسوس الوالد أولاده الصغار، ومصداق ذلك قوله (صلي الله عليه وآله): " إنما أنا لكم كالوالد الشفيق " أو قال: " أنا لكم كالوالد لولده فإذا ذهب أحدكم إلي الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها " [80] ، ثم إذا كان الوالد تجب عليه الوصية بأولاده الصغار عند موته فلأن يجب عليه أن يوصي بأمته إلي أحد يقوم فيهم مقامه وينفذ فيهم أمر الدين ويحفظه يكون أولي. الثاني: أنه (عليه السلام) قد شاع وتظاهر عنه مبالغته في بيان أحكام الشرع من [ صفحه 73] الفرائض والسنن والآداب وشرح كيفية الاستنجاء والمسح علي الخفين [81] والعقل يشهد بأن أمر الإمام أهم من كل واحد من هذه الجزئيات فإذا ثبت أنه (عليه السلام) لم يخل ببيان هذه الأشياء فبطريق الأولي أن لا يخل بأمر الإمامة. الثالث: أن الله تعالي ما قبض نبيه إليه حتي أنزل عليه ((اليوم أكملت لكم دينكم)) [82] ولا يكون مكملا للدين إلا وقد بين كل ما يتعلق به، والإمامة إن لم تكن أعظم أركان الدين فلا شك أنها من الأمور المهمة في الدين، فإذن من الواجب أن يكون تعالي قد بين أمر الإمامة إما في كتابه أو علي لسان نبيه (صلي الله عليه وآله)، وذلك يقتضي وجود النص. لا يقال علي الأول: أنا لا نسلم: أنه يلزمه في أمته كل ما يلزم الوالد في حق أولاده الصغار. لأنه ما كان يلزمه دفع الضرر عنهم ولا الانفاق عليهم وإن وجب ذلك علي الوالد. وعلي الثاني: أن الصحابة لما أجمعوا علي صحة الاختيار وجب أن يكونوا عالمين بما دلهم علي صحة الاختيار لانعقاد الإجماع لا علي الدلالة. ثم الذي يدل علي جواز الاختيار وجهان: أحدهما: قوله (عليه السلام): " إن وليتم أبا بكر وجدتموه قويا في دين الله ضعيفا في بدنه، وإن وليتم عمر وجدتموه قويا في دين الله قويا في بدنه، وإن وليتم عليا وجدتموه هاديا مهديا " [83] وذلك إشارة إلي صحة الاختيار. ما روي: أن المسلمين ولوا يوم مؤتة خالد بن الوليد ولم ينكر ذلك عليهم [ صفحه 74] رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وإذا ثبت أنه (عليه السلام) نبههم علي جوازه كان قد بين لهم أمر الإمامة كما بين لهم سائر الشرائع. وهذا هو الاعتراض أيضا علي الثالث. لأنا نجيب عن الأول: بأنا ما ادعينا أنه يلزمه في أمته كل ما يلزم الوالد مع أولاده، بل بينا أنه إذا كان قد وجب علي الوالد أن يوصي بأولاده الصغار مع أن أمرهم جزئي من جزئيات أحوال الخلق فوصية الرسول (صلي الله عليه وآله) بأمته الذين هم كل الناس في الحقيقة يكون بطريق الأولي. وعن الثاني: لا نسلم أن الإجماع حجة، سلمناه، ولكن لا نسلم علي أن الإجماع انعقد علي ذلك، فإن كثيرا من الصحابة لم يكن حاضرا، وكثير منهم لم يكن راضيا، وبالجملة فعليكم حصر الصحابة ليتم لكم الإجماع. وأما الخبر الوارد في ذكر الشيخين فلا نسلم صحته، ثم إن سلمناه لكن لا دلالة فيه علي صلاحيتهما للاختيار، فإن ذكر قوتهما في الدين لا يوجب صحة اختيارهما، فإن غيرهما من أكابر الصحابة كانوا أقوي منهما في الدين، فلو كانت القوة في هذين الأمرين موجبة للاختيار لما كانا أولي بالتعيين، بل نقول: إن هذا الخبر كأن فيه تنبيها عظيما للصحابة علي وجوب نصب علي (عليه السلام) وتعينه دونهما، لأن مقصوده الأول إلي الإقامة [84] إنما هو هداية الخلق الطريق المستقيم ممن هو مهتد في نفسه، فإنه لا يصلح لمثل هذا الأمر إلا من كان كاملا في نفسه قادرا علي تكميل غيره من الناقصين. فلذلك نبه الصحابة علي وجوب اتباعه صلي الله عليهما بقوله: " هاديا مهديا " وإنما احتاج ها هنا إلي هذه الرموز لما يعلم أن أكثر الصحابة كانوا بطباعهم الحيوانية يرغبون عن علي (عليه السلام)، وتنفر قلوبهم منه، وهذا أمر ظاهر لو كانت لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها. [ صفحه 75] وأما قوله: " إن المسلمين ولوا يوم مؤتة خالد بن الوليد ولم ينكر عليهم ذلك رسول الله (صلي الله عليه وآله) " فنقول: بعد تسليم صحة هذا الخبر فليس فيه أيضا دلالة علي صحة اختيارهم، فإن الحجة ليست إلا في تقريره (عليه السلام) لهم علي ذلك الاختيار لا في نفس الاختيار، ثم أقله [أنه] كان ذلك لضرورة أو حاجة اقتضت سكوته عن الإنكار عليهم، فأين ذلك من مجرد اختيارهم بعد موته وخلاف كثير من الصحابة لهم؟! وبهذا ظهر الجواب عن الاعتراض الثالث، وبالله التوفيق. وأما النوع الثالث من الاستدلال فسنبينه إن شاء الله تعالي في تعيين الإمام. احتج الخصم في إبطال النص بأن قال: لو نص الرسول (صلي الله عليه وآله) علي الإمام بعده نصا جليا لكان ذلك بمشهد أهل التواتر أو لا يكون والتالي بقسميه باطل، فالمقدم كذلك، أما الملازمة فظاهرة، أما بطلان القسم الثاني من التالي، فلأنه يبطل أصل الحجة، وأما القسم الأول فلأنه لو كان كذلك لوجب اشتهاره بين الأمة كسائر المتواترات. وإنما قلنا ذلك لأن تنصيص الرسول (صلي الله عليه وآله) علي إمامة شخص معين (أمر عظيم، وكل أمر عظيم) [85] يقع بمشهد أهل التواتر فلأنه لا بد وأن ينتشر في أكثر الخلق، وكل خبر هذا شأنه فلأنه لا بد وأن يحصل العلم لسامعيه فهذا ادعاء بحت... [86] يصح بصحتها المطلوب. [ صفحه 76] وإنما قلنا أن تنصيص الرسول (صلي الله عليه وآله) علي إمامة شخص معين أمر عظيم، لأن أعظم الأشياء عند الانسان الدين وأعظم الناس الشارع، فإذا أقام الشارع انسانا نائبا له في دين أمته ودنياهم فلا شك في كون تلك المنزلة أعظم المنازل. وإنما قلنا أن الأمر العظيم الواقع بمشهد الناس لا بد وأن ينتشر لأنا نعلم بالضرورة أن أهل الجمعة إذا انصرفوا عن المسجد وقد تنكس الخطيب عن المنبر مثلا فإنما يمتنع أن لا يخبروا الناس بذلك وأن تتوفر دواعيهم علي نقله. وإنما قلنا: أن الخبر الذي هذا شأنه يفيد العلم، لأن ذلك ضروري. وإذا ثبتت هذه المقدمات لزم من وجود النص انتشاره وظهوره فيما بين الخلق كسائر المتواترات، فلما لم يكن كذلك علمنا كذبه. والجواب: أنا سنبين إن شاء الله تعالي صحة النص الجلي علي إمامة علي (عليه السلام) وأنه بلغ مبلغ التواتر، وحينئذ ينتفي الاختيار، وبالله التوفيق. [ صفحه 77]

في تعيين الإمام

المقدمة

1 - في أن الإمام بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) 2 - في تعيين باقي الأئمة (عليهم السلام) [ صفحه 79] وفيه مقدمة وأبحاث: أما المقدمة، ففي تفصيل المذاهب في هذه المسألة، فنقول: ذهب جمهور المعتزلة والأشعرية والخوارج والمرجئة [87] : إلي أن النبي (صلي الله عليه وآله) لم ينص علي إمام بعده. وقال قوم: إنه نص علي إمام بعينه. ثم اختلفوا في ذلك المنصوص عليه، فقالت الشيعة: إنه نص علي علي (عليه السلام). وقال قوم من الشذاذ: إنه نص علي أبي بكر. وقال آخرون: إنه خص العباس بأقوال وأفعال تستلزم إنه الأحق بالإمامة دون غيره. والذين ذهبوا إلي القول بالنص علي أبي بكر فمنهم من قال: إنه نص خفي وهو تقديمه له في الصلاة وهذا القول محكي عن الحسن البصري. ومنهم من قال: إنه نص جلي وهو قول جماعة من أصحاب الحديث. فهذا تفصيل المذاهب. [ صفحه 81]

في بيان أن الإمام بعد رسول الله علي بن أبي طالب

انواع الادلة علي ذلك

اشاره

وبيان ذلك بثلاثة أنواع من الأدلة:

النصوص الجلية

النوع الأول: في النصوص الجلية، وهي ثلاثة: الأول: النص المتواتر علي إمامته، وهو قول النبي (صلي الله عليه وآله) مخاطبا لأصحابه: " سلموا عليه بإمرة المؤمنين " [88] . الثاني: قوله وهو مشير إليه آخذ بيده: " هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا " [89] . الثالث: قوله (عليه السلام) يوم الدار وقد جمع بني عبد المطلب: " أيكم يبايعني ويؤازرني يكن أخي ووصيي وخليفتي من بعدي " [90] فبايعه علي (عليه السلام) فوجب أن يكون أخاه ووزيره ووصيه وخليفته من بعده. لا يقال: لا نسلم وجود هذه الأخبار، بل هي موضوعة وفي المشهور أن [ صفحه 82] الواضع لها ابن الراوندي [91] ، سلمناه، لكن لا نسلم أنها متواترة، سلمناه، لكنها معارضة بأمور تنافي النص: الأول: أنه لما مرض الرسول (صلي الله عليه وآله) قال العباس لعلي (عليه السلام): " ادخل بنا عليه نسأله عن هذا الأمر فإن كان لنا بينه وإن كان لغيرنا وصي الناس بنا " [92] . ومعلوم أن عليا (عليه السلام) لو كان منصوصا عليه لكان العباس أعرف الناس بذلك فكان لا يقول مثل هذا الكلام. الثاني: لما قبض رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال العباس لعلي (عليه السلام) " امدد يدك أبايعك فيقول الناس: هذا عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان " [93] . ومعلوم أن العباس إنما قال ذلك لأنه وثق بطاعة الناس لمن يبايعه هو لكونه عما لرسول الله (صلي الله عليه وآله) إعظاما منهم لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، والذين يكونون كذلك لا بد وأن يكونوا مطيعين لمن نص عليه الرسول (صلي الله عليه وآله)، لأن من رضيه الرسول (صلي الله عليه وآله) للإمامة فقبول المسلمين له أكثر ممن رضيه غير الرسول (صلي الله عليه وآله) فالعباس كيف يمكنه الجزم بأنه لا يختلف اثنان علي من بايعه عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) مع مشاهدته أن الصحابة كلهم تركوا نص الرسول (صلي الله عليه وآله)؟! فإن هذا الكلام إما جهالة مفرطة أو وقاحة. [ صفحه 83] الثالث: أن الأنصار لما طلبوا الإمامة وقدم المهاجرون أنفسهم عليهم لمسابقتهم [94] في الإسلام، ومزيد اختصاصهم بالنبي (صلي الله عليه وآله) قال أبو بكر: بايعوا عمر أو أبا عبيدة. فدفع عمر ذلك عنه قال: ولكن اقدم فانحر كما ينحر البعير أحب إلي من أن أتقدم قوما فيهم أبو بكر [95] فقال عمر لأبي عبيدة: امدد يدك أبايعك! فقال أبو عبيدة: تقول هذا وأبو بكر حاضر؟! ثم قال لأبي بكر: كنت صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) معه في المواطن كلها، شدتها ورخائها، قدمك رسول الله (صلي الله عليه وآله) في الصلاة فخص بالإمامة لأجل الدين [96] ومعلوم أن أمثال هذه الكلمات عمن يعلم النص، ويعلم من غيره علمه بكونه كاذبا فيما يقوله، وقاحة. الرابع: أن أبا بكر قال: قد وددت أني سألت الرسول عن هذا الأمر في من هو فكنا لا ننازعه أهله [97] وقال عمر: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن ترك فقد ترك من هو خير مني [98] يعني النبي (صلي الله عليه وآله)، وإنهما بزعم الشيعة كانا عالمين بكونهما غير صادقين وأن السامعين يعلمون كذبهما، [ صفحه 84] ولو كانا كذلك لما آمنوا أن يتجاسر واحد ممن حضر مقالتهما علي تكذيبهما وتخجيلهما، فكيف يمكن إقدامهما علي هذه المكابرة والوقاحة من غير حاجة ولا ضرورة إلي هذا الكلام؟! الخامس: لو ثبت النص لامتنع علي (عليه السلام) في الشوري، لأن دخوله فيها أرضي منه بالنص علي أي واحد منهم كان. لا يقال: أنه دخل فيه للتقية. لا نقول: التقية إنما يحتاج إليها فيما يقربه إلي الإمامة لا فيما يبعده منها. السادس: ولما قال علي (عليه السلام) لطلحة " إن أردت بايعتك " فقال طلحة: أنت أحق بهذا الأمر مني وقد يجتمع لك [99] من هؤلاء ما لم يجتمع لي. السابع: لما احتج علي (عليه السلام) علي معاوية ببيعة الناس له لأنه لو كان منصوصا عليه لما كانت إمامته بالبيعة حتي يحتج بها، وقد كتب إلي معاوية: " أما بعد فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، فإنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان علي ما بايعوهم عليه [100] . الثامن: ولما قال: أترككم كما ترككم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فإن يعلم الله فيه خيرا يجمعكم علي خير كما جمعكم علي خير بأبي بكر [101] . التاسع: ولما قال: لولا أخاف عليها تيسا من تيوس بني أمية يحكم بغير ما أنزل الله لما دخلت فيها [102] . [ صفحه 85] العاشر: ولما قال حين دعي إلي البيعة: اتركوني والتمسوا غيري، فإني أسمعكم وأطوعكم إن وليتم غيري [103] . الحادي عشر: ولما أنكر أكثر أهل البيت هذا النص، فإن من المعلوم فرط حبهم لعلي (عليه السلام)، ومن كان كذلك استحال أن ينكر أعظم فضيلة لمحبوبه، ومعلوم أن زيد بن علي رضي الله عنهما - مع كمال فضله ودينه - وجميع أتباعه أنكروا ذلك [104] . الثاني عشر: روي أن السيد الحميري قال: ما لأمير المؤمنين فضيلة إلا ولي فيها قصيدة [105] وهذا النص الجلي لو صح لكان أعظم فضيلة له، وما كان كذلك استحال من مادحه إلا ذكره في أكثر قصائده وأشعاره، ولكن ليس لهذا النص في أشعار السيد الحميري ذكر، فدل علي كونه موضوعا مخلقا. فثبت بمجموع هذه الأدلة أن النص علي إمامة علي (عليه السلام) لم يوجد. والجواب عن الأول والثاني أن نقول: إن هذه الأخبار بلغت مبلغ التواتر ولا يمكن إنكارها، أقصي ما في الباب أن يقال لو كان كذلك لتواتر إلي المخالف والموافق ولما اختصت به الشيعة دون غيرهم. لأنا نقول: إنه كما يشترط صحة النقل في نفس الأمر اشترط أيضا انتفاء المانع عن الأذهان القابلة له. [ صفحه 86] وقد ذكر السيد المرتضي (رحمه الله) شرطا في التواتر لا يمكن إنكاره فقال: من شرط حصول العلم بالشئ بحسب التواتر أن لا يسبق إلي ذهن السامع اعتقاد نفي موجب الخبر لشبهة [106] ومعلوم أن هذا شرط صحيح، فإنا نجد من أنفسنا أنا متي اعتقدنا نفي شئ اعتقادا جازما استحال لنا أن نعتقد صحة ضده. وإذا كان كذلك فنقول: أن تلك النصوص لما جزم الخصم بنفي موجبها بحسب ما لاح له من الشبهة لا جرم ما يمكنه الجزم بوجود هذا النص المضاد لليقين، أما من لم يسبق له اعتقاد نفي ذلك الموجب لا جرم حصل له العلم بموجب ذلك النص ضرورة، إذا [107] . كان حصول العلم من النقل هو الدليل علي صحة ذلك التواتر. وعن الثالث وهو الأول من المعارضات أن نقول: إن العباس لم يقل لعلي (عليه السلام) ذلك لجهله بالنص والاستحقاق، وإنما مقصوده أن يسأله عن استقامة هذا الأمر فيهم بعده وتسليم الأمة لهم، وهل المعلوم لله الواقع بعد النبي (صلي الله عليه وآله) تمكينهم منه وعدم الحيلولة بينهم وبينه، فيطمئن لذلك قلبه ويسكن، أو لا يستقيم ذلك لهم، بل يكون مع استحقاقهم له كائنا لغيرهم. ويدل علي أن المراد ذلك تمام الخبر وهو جواب النبي (صلي الله عليه وآله) للعباس: " علي سبيلكم معشر الشيعة أنتم المظلومون المقهورون " [108] وهذه التتمة مما جاءت به الرواية، ولولا أن السؤال من العباس كان علي الوجه الذي ذكرناه لم يكن لجواب [ صفحه 87] النبي (صلي الله عليه وآله) بالتتمة المذكورة فائدة تعقل [109] . وعن الثاني من وجهين: أحدهما: أن دعاء العباس أمير المؤمنين (عليه السلام) إلي بسط اليد للبيعة إنما كان بعد ثبوت إمامته، لتجديد العهد في نصرته والحرب لمن خالفه وضاده، ولم يحتج (عليه السلام) في إثبات إمامته. ويدل علي ذلك قول العباس: " يقول الناس هذا عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بايع ابن عمه فلا يختلف عليه اثنان " فعلق الاتفاق بوقوع البيعة، ولم يكن متعلقه [110] . إلا وهي بيعة الحرب التي يذهب عندها الأعداء ويحذرون من مخالفته، ولو كانت بيعة الاختيار من جهة الشوري والاجتهاد لما منع ذلك من الاختلاف، بل كانت البيعة نفسها طريقا إلي تشتت الرأي وتعلق كل قبيل باجتهاده واختيار من يراه. وينبه علي ذلك تمام الخبر أنه لما [111] ألح عليه العباس قال: " يا عم إن رسول الله صلي الله عليه أوصاني أن لا أجرد سيفا بعده حتي يأتيني الناس طوعا، وأمرني بجمع القرآن، والصمت حتي يجعل الله لي مخرجا " [112] فدل ذلك علي أن البيعة إنما دعا العباس إليها للنصرة والحرب، وأنه لا تعلق لثبوت الإمامة [ صفحه 88] بها [113] . الثاني: أن يقال: إن القوم لما أنكروا النص وأظهروا أن الإمام يثبت بطريق الاختيار، أراد العباس (رضي الله عنه) أن يكيدهم من حيث ذهبوا إليه، ويبطل أمرهم بنفس ما جعلوه طريقا لهم إلي جحد النص، فقال: ابسط يدك أبايعك، فإن سلموا الحق إلي أهله لم تضرك البيعة، وإن ادعوا الشوري والاختيار وأنكروا حقك كان لك من البيعة والعقد والاختيار ما لم يكن لهم فلم يمكنهم الاستبداد بالأمر دونك. فكره (عليه السلام) أن يجعل الباطل طريقا إلي حقه [114] مع ظهور النص بينهم عليه في ذلك الوقت. فإن قلت: إن لم تكن البيعة طريقا صحيحا فلم اعتمدها بعد قتل عثمان واحتج بها علي معاوية؟! قلت: إنه لما كان يطمع منهم أن يرجعوا إلي النص في حال وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله) وقرب عهدهم به، لأجله لم يجعل البيعة طريقا إلي حقه، خصوصا مع ما انضاف إلي ذلك من إشارة الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي عدم استتمام هذا الأمر له بعده فلما طال العهد وتقادم إنكار النص وصار كأن لم يوجد، ثم رأي إقبال الخلق بأسرهم عليه، لم يمكنه إلا القيام بالحق ونصرة الدين، كما قال (عليه السلام): " والله لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله علي العلماء أن لا يقاروا علي كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها علي غاربها " [115] . وأما أن العباس لما وثق بطاعة الناس في هذا الأمر له، فدل ذلك علي أنهم [ صفحه 89] أطوع لمن نص عليه الرسول صلي الله عليه [وآله] وارتضاه للإمامة وكيف يمكنه الجزم بأنه لا يختلف اثنان مع مشاهدته أنهم بأسرهم تركوا نص رسول الله (صلي الله عليه وآله) لولا أن النص غير صحيح؟! فنقول: أنه لا يلزم من وثوق العباس بطاعتهم كونهم مطيعين لنص الرسول (صلي الله عليه وآله) لو كان النص موجودا، وكيف لا يعقل الفرق بين طاعة رجل هو عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) مع ما يتعلق به من خواص رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته ثم يبايع مثل علي (عليه السلام) قيام النص وطراوته في حقه وبين مجرد نص ذكره الرسول صلي الله عليه مرة أو مرتين في حق شخص قد اتفق السامعون لذلك النص علي حسده بما خصه الله تعالي به من الفضائل، استحق أن يقال فيه ذلك النص، وعلي بغضهم بما أبلاهم به من قتل الأعزة والأحباء، خصوصا وهم الطالبون لهذه الرئاسة فإنه لا عجب من طباع انسان تعلقت بحب رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا أن يكتم شهادة ولو أثبتها بخطه في صك وقوبل بعد الرسول (صلي الله عليه وآله)، فضلا عن نص ذكره مرة أو مرتين، فإن من لا يعقل مثل هذا الفرق كاد أن لا يكون انسانا. وعن الثالث: من المعارضة أن غايته استبعاد المستدل من أمثال هؤلاء المذكورين أن يكتموا النص ويتواطؤوا علي جحده. وقد بينا أن ذلك غير بعيد منهم، ونزيده وضوحا فنقول: إن الناس كانوا بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي طبقات ثلاث سادات، وأتباع، ومقلدة. أما السادات فإنهم اجتمعوا علي كتمان النص لأنهم كانوا علي قسمين: حسادا ومبغضين. أما حسد الحساد فلما كانوا يشاهدونه من تفضيل الرسول إياه في المواطن كلها، وأما بغضهم إياه فلأنه وتر أكابر القوم، ولا شك أن مقتضي الطباع البشرية بغض من قتل أكابرهم وأحبائهم ومحبة قتله والاجتهاد في سد [ صفحه 90] أبواب مطالبه مهما استطاعوا. وأما الأتباع والمقلدة فيتابعون السادات في ذلك، فليت شعري ممن يحصل الإنكار عليهم فيما فعلوه من عرض بعضهم البيعة علي بعض وردها إلي أبي بكر. وعن الرابع: أنهما يعلمان أن كليهما غير صادق. قوله: لو كان كذلك لم يأمنا من ينكر عليهما، وكيف يمكن منهما هذه المكابرة لو كان النص موجودا. قلنا الجواب ما مر أنهما كانا من الأكابر والباقون أتباع وحسدة مبغضون. وعن الخامس: أنه (عليه السلام) لما رأي اعتقاد الجمهور حسن سيرة الشيخين. وأنهما كانا علي الحق، لم يتمكن من ذكر ما يدل علي فساد إمامتهما، لما في ذلك من الشهادة بالظلم والجور منهما بتحديد القول بأنهما لم يكونا مستحقين للإمامة. وأما أنه (عليه السلام) لم [116] دخل في الشوري فلوجهين: أحدهما: ما قررناه من أنه مأخوذ عليه دفع الظلم والقيام بأمر الدين مهما تمكن، فلما علم عدم التفاتهم إلي النص عليه قصد التوصل إلي حقه بمثل هذا الأمر. الثاني: أنه لم يكن مقصود عمر إلا قتله، ولذلك قال: " فإن اختار رجلان رجلا ورجلان رجلا فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف "، لعلمه أن عبد الرحمن لا يقبل إلا عثمان لأنه صهره [117] ، وكان علي (عليه السلام) من الثلاثة الذين يقتلهم، وإذا كان كذلك كان دخوله في الشوري ليس إلا تقية من القوم فإنه [ صفحه 91] كان يعلم إنه لو امتنع لم يترك. وعن السادس: أنه إنما قال (عليه السلام) ذلك علي وجه الغضب من الأمور المتقدمة، أي إن مثل الأمر قد تركته إلي هذا الحين ما نازعت فيه، فإن شئت أن أسلمه أيضا إليك سلمته، وهذا كما يقول أحدنا عندما [118] يتواتر عليه الظلم ثم يجئ وقت يطمع فيه ارتفاع الظلم عنه فيظهر له من يروم ظلمه فيقول: فقد ظلمني الناس وأنت أيضا من جملتهم إن شئت فافعل. وأما قول طلحة له: أنت أحق بهذا الأمر، وتعليله ذلك باجتماع الذين لم يجتمعوا له، فلا يدل ذلك علي عدم النص، إذا [119] كان طلحة في مظنة الجحد [120] . للنص إذ [121] كان من الحاسدين له، بدليل خروجه عليه بعد ذلك. وعن السابع: أنه إنما احتج علي معاوية بالبيعة ليفئ إلي نصرته وترك الحرب والقتال، لأن إمامته لم تثبت بالنص، لأن معاوية ممن جحد بالنص أيضا علي إمامته (عليه السلام)، فلم يمكنه الاستدلال عليه إلا ببيعة الناس له ليوقع في قلبه رهبة عساه يفئ إلي الخلق بها، وقد سبق مثل ذلك في الوجه الأول. وعن الثامن: أنا لا نسلم صحة هذا الخبر، سلمناه لكن معني الخبر: أترككم كما ترككم رسول الله فإن يعلم الله فيكم خيرا يجمعكم علي خيركم، أي إن يعلم فيكم انتظام أمر يجمعكم علي خيركم بعدي كما جمعكم علي خير أي علي انتظام أموركم الدنيوية وسكون الفتنة بأبي بكر، وذلك لأن لفظ الخبر لفظ مفرد [ صفحه 92] فسواء نكر أو عرف تعريف الطبيعة فإنه لا يعم كل خير، فبقي أن يحمل علي بعض الخيرات، وليس تخصيصكم أولي من تخصيصنا. وعن التاسع: أن العلة الحاملة له علي الدخول في هذا الأمر هو المحافظة علي طاعة الله بتنفيذ أحكامه كما قال (عليه السلام): " لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر " [122] إلي آخره، وقد تقدم، فكان كل واحد من ظهور الحجة وقيام الناصر والأخذ من الله تعالي علي العلماء العهد المذكور شرطا لدخوله في هذا الأمر، وذلك خوفه من قول بني أمية لهذا الأمر شرط أيضا لدخوله فيه، ومعلوم أنه يصدق أن يقال: لولا وجود الشرط لما وجد المشروط، لكن هذا لا ينافي وجود النص لجواز أن يقال: ولولا وجود النص أيضا، ولا يكون قبيحا. وعن العاشر: أنه إنما قال ذلك لمعرفته بأنهم لا يفلحون في صحة الاجتماع عليه، ولا يتم ذلك الاجتماع منهم، فيحسن حينئذ منه أن يقول هذا الكلام لوجهين: أحدهما: إنكم ينبغي أن تجروا علي قاعدتكم السابقة، بقوله " غيري " [123] . فأنا أعلم أن قلوبكم لا تجتمع معي ولا تصفوا لي، فاطلبوا غيري، وأنا أطيعكم وأسمع كما سمعت لمن سبق، وهذا لا ينافي وجود النص في حقه فإنه يعلم أنهم كما قدموا علي كثير النص في حال طراوته حين وفاة النبي صلي الله عليه فهم بعد مضي المدة الطويلة أشد إقداما علي نفيه، فكيف يحسن منه ذكره في ذلك الوقت. الثاني: يحتمل أنه إنما قال ذلك ليختبر صدق نياتهم في الإقبال عليه، إذا [ صفحه 93] كان الانسان حريصا علي ما يمنع منه، فإن رأي لهم في الإقبال عليه وطلبه متانة [124] التزم بهم ما طلبوه، وإلا فلا فائدة. وعن الحادي عشر: لا نسلم أن أحدا من أهل البيت (عليهم السلام) أنكر ذلك النص، والزيدية بأسرهم علي أن عليا (عليه السلام) ثابت الإمامة بالنص الجلي. وعن الثاني عشر: أن للسيد الحميري (رحمه الله) في ذلك شعرا لكن عدم الوجدان لا يدل علي عدم الوجود، وبيان ذلك، أنه وجد في شعره (رضي الله عنه) في القصيدة التي أولها: ألا الحمد لله حمدا كثيرا++ ولي المحامد ربا غفورا حتي انتهي إلي قوله: علي وصي النبي الذي++ بمحضرهم قد دعاه أميرا وكان الخصيص به في الحياة++ فصاهره واجتباه عشيرا [125] . ألا تري إلي قوله أن النبي (صلي الله عليه وآله) دعا عليا (عليه السلام) في حياته بإمرة المؤمنين. وأنت بعد إحاطتك بضوابط أجوبتنا يمكنك أن تطلع منها علي فساد كل علة يذكرونها في هذا الباب! وبالله التوفيق والعصمة. [ صفحه 94]

الاستدلال بالنصوص

النوع الثاني: الاستدلال بالنصوص، وهي ثلاثة: [البرهان] الأول: قوله تعالي: ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) [126] والاستدلال بهذه الآية مبني علي أمور ثلاثة: أحدها: أن لفظة الولي محتملة في اللغة [لمعني] [127] أولي. الثاني: أن هذا الاحتمال متعين الإرادة ها هنا منها. الثالث: أن المراد بقوله: ((يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) علي (عليه السلام) وحده، ويلزم من هذه المقدمات أن يكون علي (عليه السلام) أولي بتدبير الأمة والتصرف في أمورهم، وذلك معني كونه إماما. أما المقدمة الأولي: فبيانها بالنقل والعرف، أما النقل فإن المبرد قال في كتاب (كتاب العبارة) عن صفات الله تعالي: إن الولي هو الأولي أي الأحق [128] . قال الكميت: ونعم ولي الأمر بعد وليه++ ومنتجع التقوي ونعم المؤدب [129] . أراد المقيم بتدبير الأمر. [ صفحه 95] وأما العرف: فإن أخا المرأة يوصف بأنه وليها لأنه يملك العقد عليها، ويقال: السلطان ولي من لا ولي له، ويقال: فلان ولي الدم، إذا كان أحق بالتصرف فيه بالأخذ والعفو. وأما المقدمة الثانية: فبيانها أن الولي يقال بحسب الاشتراك اللفظي علي معنيين أحدهما: ما ذكرناه. والثاني: الناصر، لكن حملها علي الناصر [منتف] [130] ، فتعين حملها علي ما ذكرناه، وإنما قلنا: أنه يتعذر حملها علي الناصر لوجهين [131] : أحدهما: أن الولاية بمعني النصرة عامة في حق المؤمنين، والولاية المذكورة هذه في الآية غير عامة في حق كل المؤمنين، ينتج من الثاني أن لا تكون الولاية المذكورة في الآية هي النصرة، وإنما قلنا: إن الولاية التي في الآية يمتنع أن تكون عامة لأن صيغة " إنما " تفيد حصر الولاية - التي في الآية - في المؤمنين الموصوفين بتلك الصفات، فأما أن صيغة " إنما " تفيد الحصر فللنقل والشعر أما النقل فلأن القائل إذا قال: إنما لك عندي درهم، أفاد حصر الدرهم ونفي ما سواه، وكذلك قولك: إنما أكلت اليوم رغيفا، فإن مفهومه نفي ما زاد علي رغيف واحد. وأما الشعر فقول الأعشي: ولست بالأكثر منهم حصي++ وإنما العزة للكاثر [132] . فإنه يفهم نفي العزة عمن ليس بالكاثر وهو مراده. وإنما قلنا: إن كل المؤمنين ليسوا موصوفين بالصفات المذكورة في الآية لأن [ صفحه 96] قوله تعالي: ((وهم راكعون)) إما أن يكون حالا أو استينافا، والثاني باطل لوجهين: أحدهما: أنه ذكر الصلاة وهي مشتملة علي الركوع، فيكون استنياف ذكر الركوع مرة أخري تكرارا. الثاني: أن من قال رأيت زيدا وهو راكب، فإن المتبادر إلي فهم السامع أن الرؤية كانت في حال الركوب، والمبادرة إلي الذهن دليل الحقيقة [133] . وإنما قلنا أن الولاية بمعني النصرة عامة لقوله: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)) [134] فثبت بما ذكرنا أن الولاية التي في الآية غير عامة وأن الولاية بمعني النصرة عامة وإحداهما مغايرة للأخري وحيث امتنع حمله علي الولاية بمعني النصرة تعين حمله عليها بمعني الأولي والأحق بالتصرف، ضرورة أنه لا ثالث لهذين المعنيين. أما المقدمة الثالثة: وهو أنه يلزم من ذلك إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بيانه من وجوه: الأول: أنه لما ثبت أن المراد من هذه الآية إثبات كون بعض الناس متصرفا في الأمة، ولا معني للإمام إلا ذلك، لزم دلالة هذه الآية علي بعض الناس، وقد أجمعت الأمة علي أن هذه الآية لا تقتضي إمامة غير علي (عليه السلام) ولو لم تقتض إمامته أيضا لزم تعطيل الآية، وأنه غير جائز، فلا بد من الجزم بدلالة هذه الآية علي إمامته. الثاني: أن الأمة أجمعت علي أن عليا (عليه السلام) مراد بهذه الآية، وإنما اختلفوا [ صفحه 97] أن غيره مراد أيضا بها أم لا؟ ومتي ثبت أن مقتضي الآية الإمامة، وثبت بالإجماع اندراج علي تحتها ثبتت إمامته، ثم يلزم من ثبوت إمامته نفي إمامة غيره بالإجماع، ويلزم من ذلك نفي اندراج غيره تحتها، لأن غيره لو اندرج تحتها لكان إماما. الثالث: أطبق المفسرون علي نزول هذه في حق علي (عليه السلام) لأنه لم يتصدق وهو راكع غيره، فوجب أن يكون هو المراد لا غير، فهذا تقرير هذه الحجة. لا يقال: إننا لم ننازعكم في المقام الأول والثالث [135] بل إنما ننازعكم في المقام الثاني فلم قلتم: إنه ليس المراد بالولي الناصر؟ قوله: الولاية في الآية بمعني النصرة عامة والولاية المذكورة في هذه الآية غير عامة. قلت: الولاية بمعني النصرة في الآية الأولي [136] وإن كانت عامة في حق المؤمنين إلا أنها لا تنافي أن تكون في هذه الآية أيضا بمعني النصرة، وذلك لأن معني تلك الآية أن كل واحد من المؤمنين موصوف بالنصرة للآخر، والحال ها هنا أيضا كذلك وأنه تعالي قسم المؤمنين قسمين، أحدهما: المخاطبون بقوله: ((إنما وليكم الله ورسوله)). وثانيهما: الذين عناهم بقوله: ((والذين آمنوا)) فكأنه قال لكل بعض من المؤمنين: إنما ناصركم الله ورسوله والبعض الآخر من المؤمنين، وإذا ثبت ذلك ظهر أن إثبات مطلق النصرة لكل واحد من المؤمنين لا ينافي نصرة أحد، فسمي المؤمنين بالقسم الآخر منها، وحينئذ لا يكون بين [ صفحه 98] قوله: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أنصار بعض، وبين قوله: إنما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا، منافاة. سلمناه لكن لم قلتم: إن الولاية التي في هذه الآية خاصة؟ قوله: لأن صيغة " إنما " تفيد حصر الولاية في المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة وكل المؤمنين ليسوا كذلك. قلنا: لا نسلم أن كلمة " إنما " تفيد الحصر، بيانه من وجوه: الأول: أنه يحسن دخول التوكيد والاستفهام عليها، تقول: إنما جائني زيد وحده، وإذا قال انسان: إنما أكلت رغيفا، حسن أن يقول: كم أكلت، رغيفا واحدا أو أكثر؟ وعندكم أن حسن التوكيد والاستفهام دليل الاشتراك، وليس لكم أن تمنعوا من حسن ما ذكرنا لأنكم تستحسنون دخول الاستفهام والتوكيد علي صيغ العموم مع أن اقتضاءها له أظهر من اقتضاء " إنما " للحصر. الثاني: أن قوله: إن زيدا في الدار لا يدل علي أن غيره ليس فيها، وكلمة ما دخلت للتوكيد فاقتضي أن قول القائل إنما زيد في الدار تأكيد لكونه فيها، ولا يدل ذلك علي أن غيره ليس فيها. الثالث: أنهم يقولون في العرف: إنما الناس أهل العلم، وإنما الرجل هو الشجاع، ولا يريدون نفي الانسانية والرجولية عن غير العالم وغير الشجاع، بل المراد أن الانسانية والرجولية في العالم والشجاع أظهر آثارا. ثم إن سلمنا أن صيغة " إنما " تفيد الحصر في المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة فلم قلتم أن المؤمنين ليس كلهم موصوفين بهذه الصفات؟ أما الزكاة حال كونه راكعا، فإنا: لا نسلم أن قوله: ((وهم راكعون)) متعين للحال، بل هو استيناف لوجوه: الأول: أن القائل إذا قال: فلان أدي الزكاة وهو راكع، حسن أن يستفهم [ صفحه 99] فيقال: أداها حال الركوع أو قبله وهو الآن راكع؟ وحسن الاستفهام دليل الاشتراك. الثاني: إن المفهوم من قوله تعالي: ((يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) إن ذلك من شأنهم وعادتهم فإنه لا يقال مثل هذا القول في من أتي بفعل مرة واحدة، ومعلوم أنه لم يكن إيتاء الزكاة ومن صفتهم أنهم راكعون. الثالث: أداء الزكاة في الصلاة مخل بكمال الخشوع والخضوع، وذلك إما أن يكون مبطلا للصلاة أو لكمالها وذلك لا يليق بأمير المؤمنين. الرابع: أن الآية لو أفادت المدح علي إيتاء الزكاة حال الركوع لكان ذلك سنة مندوبا إليها، ومعلوم أنه ليس كذلك في حقنا، فعلمنا أن هذه الواو ليست للحال. وقوله: لما جري ذكر الصلاة فذكر الركوع بعده يكون تكرارا. قلنا: يحتمل أن غرضه من ذكره علي الخصوص تشريفه، فلا يلزم من كون السجود أشرف إذ لا يخص هو بالذكر، لاحتمال أن يكون في تخصيصه بهذا [137] . التشريف مصلحة لا يطلع عليها، ومع هذا الاحتمال لا يثبت القطع. قوله: إن من قال [138] رأيت زيدا وهو راكب فهم منه الحال. قلنا: لا نسلم، أنه إذا قيل فلان يحارب عني ويبني داري فإنه لا يفهم منه أنه يحارب عنه حال كونه بانيا ها هنا، وهب أن المراد منه الاستئناف لكن المؤمنين بأسرهم ما كانوا راكعين حال نزول الآية قلنا: إذا حملنا الراكع علي ما من شأنه أن يكون راكعا صار عاما في كل المؤمنين. [ صفحه 100] قوله في الوجه الثاني: أن يكون المؤمنين بعضهم أولياء بعض بمعني النصرة أمر ظاهر عرف من قوله تعالي: ((والمؤمنون بعضهم أولياء بعض)) فلا يكون في حمل الآية فائدة. قلنا: بل فيه ثلاث فوائد: أحدها: أن الحكم العام يصح تخصيصه أي بعض منه كان، وأما التنصيص علي البعض المعين فلا يصح ذلك فيه. وثانيها: التشريف بالذكر. وثالثها: أن القصد بالآية إثبات ولاية المؤمنين للمؤمنين، ونفيها عن اليهود والنصاري علي ما دل عليه سياق هذه الآية وهذا المقصود غير حاصل في قوله: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)). لا يقال: العلم بكون اليهود والنصاري ليسوا أولياء المؤمنين ضروري فلا حاجة فيه إلي هذه الآية. لأنا نقول: لا يمتنع أن تكون الآية دلت علي سبب يقتضي الشك في وجوب نصرة اليهود والنصاري، وإذا لم يمتنع ذلك لم يكن القطع علي أنه لا فائدة في نزول الآية لبيان ذلك، كيف وقد روي أنه كان بين الخزرج وبين يهود بني قينقاع حلف في الجاهلية، فلما أسرهم النبي (صلي الله عليه وآله) أقام عبد الله بن أبي [139] علي نصرتهم ونودي عبادة بن الصامت [140] ودخل عبد الله بن أبي علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسأله وألح عليه فأطلقهم النبي (صلي الله عليه وآله) فأنزل الله هذه الآية [141] تمنعهم عما اعتقدوا من أنه إذا [ صفحه 101] تقدم حلف في الجاهلية مع اليهود والنصاري وجب التزام ذلك الحلف. فظهر أن في حمل الآية علي ما ذكرنا فائدة جديدة. ثم إن سلمنا أنه لا بد إلي بيان أنه (عليه السلام) قد نص علي إقامة علي من قبل نصا جليا لأن هذه الآية مدنية وعندهم أنه قد نص عليه بمكة نصا جليا، بل هذا لكم ألزم لأن النص الخفي بعد النص الجلي أولي أن تكون فيه فائدة من نص خاص ورد بعد نص عام، ومعلوم أن قوله تعالي ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)) يحتمل من التأويل ما لا يحتمله الخاص لأنه قد يمكن أن يقول قائل في بعض الأشخاص أنه غير داخل في ذلك العام، إذ يقول من أين لكم أنه بصفة اللفظ العام بحيث إذا قال الله تعالي هذا الشخص ولي المؤمنين لم يمكن هذا القول، فيثبت أن حمل الآية علي ما ذكرنا أكثر فائدة من حملها علي المعني الذي ذكرتموه. ثم إن سلمنا إن ما ذكرتموه يقتضي تعذر حمل الولاية التي في الآية علي النصرة ففيها ما يمنع حملها علي الإمامة من وجوه ثلاثة: الأول: أن قوله: ((الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) يشتمل علي سبعة جموع [142] ولفظ الجميع يفيد أكثر من واحد فحملها علي الواحد ترك للظاهر. الثاني: أن الآية تقتضي ثبوت الولاية في الحال، فلو كان المراد من الآية الإمامة لزم أن يكون علي (عليه السلام) إماما حال حياة النبي (صلي الله عليه وآله) وإنه باطل. أما لو حملناه علي النصرة والمحبة كان ذلك حاصلا في الحال فوجب حمله عليه. الثالث: أن ما قبل هذه الآية وما بعدها ينافي حملها علي الإمامة، وذلك من [ صفحه 102] وجوه: أحدها: أنه تعالي قال: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض)) ثم قال: ((إنما وليكم الله ورسوله)) الآية والظاهر من ذلك إنها أثبتت الولاية التي نفتها [143] عن اليهود والنصاري لأن الانسان إذا قال لأقوام الفساق: إنما وليكم [144] أهل الصلاح، عقلوا [145] أنه أثبت الولاية المنفية عن اليهود والنصاري وليست هي [146] الإمامة بل النصرة. [ثانيها] [147] : قوله تعالي في صفة اليهود والنصاري ((بعضهم أولياء بعض)) ومعلوم أن الولاية الثابتة لبعضهم مع بعض ليست ولاية استحقاق التصرف لأن المستحق لها هو النبي (صلي الله عليه وآله) وإمام المسلمين بعده فإذا يجب حمل تلك الآية علي النصرة، لأن بعضهم كان ينصر بعضا ويدفع عنه فأخبر الله تعالي عن وجود المناصرة الحاصلة بينهم. وثالثها: قوله تعالي: ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم)) والتولية هي النصرة والدفع عنهم وما قال ومن يتخذهم أئمة. ورابعها: قوله تعالي بعد الآية: ((ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا)) [148] فعلمنا أن المراد من الآية تولي النصرة لا تولي الإمامة فهذه هي الوجوه المانعة [عن] حمل الولاية علي الإمامة. [ صفحه 103] لأنا نجيب عن الأول: أنا وإن سلمنا أنه لا ينافي لكن مطلوبنا إنما هو المغايرة..، ولا شك أن المغايرة ثابتة لأن العام مغاير للخاص وغير مناف له، لأن النصرة لا تنافي الإمامة لكن المدعي لنا أن الولاية في هذه الآية بمعني الإمامة، وقد بيناه. وعن الثاني قوله: لم قلتم إن الولاية في هذه خاصة. قلنا: لما مر من الدليل. قوله: لا نسلم أن لفظة " إنما " تفيد الحصر. قلنا: بينا ذلك. قوله: في الوجه الأول من نفي إفادتها للحصر أنه يحسن دخول التوكيد والاستفهام عليها. قلنا: دخول التوكيد عليها مما يدل علي إفادتها للحصر، لأن معني التوكيد تقوية المعني الذي يفيده اللفظ الأول بلفظ ثان، فلما انحصر المعني [149] في زيد صح تقويته لذلك المعني بقوله (وحده)، وأيضا فهو معارض بحسن قولنا: ما جائني إلا زيد وحده، مع إفادة (إلا) للحصر ها هنا. وأما حسن الاستفهام فنحن نمنعه ها هنا، وبيانه أن قول القائل: إنما أكلت رغيفا، لا يفرق الذوق السليم في لغة العرب بينه وبين قولنا: أكلت رغيفا واحدا، فكما لا يحسن الاستفهام هناك فكذا لا يحسن ها هنا، سلمناه، لكن لو حسن الاستفهام ها هنا لزم الاشتراك، وأنه خلاف الأصل. قوله في الثالث: إنه يقال في العرف: إنما الناس أهل العلم، وإنما الرجل صاحب الشجاعة. [ صفحه 104] قلت: ليس المقصود ها هنا بالناس كل الناس، ولا بالرجل المختص بالرجولية دون غيره، وإنما المقصود الناس الموصوفون بصفات الكمال وكذلك الرجل، وحينئذ يتحقق الحصر، سلمناه لكن إفادتها للحصر ظاهرة، بدليل أن الجاهل والجبان يستقبحان هذا الكلام وتنفر طباعهما عنه، ولولا إفادتها للحصر لما حصل ذلك الاستقباح. وعن الثالث: قوله: لم قلتم إن المؤمنين ليسوا كلهم موصوفين بالصفات المذكورة؟ قلنا: للدليل المتقدم. قوله: لا نسلم أن قوله: ((وهم راكعون)) متعين للحال، بل هو للاستيناف. قلنا: سبق بيانه. قوله: لوجوه أربعة أحدها: أنه إذا قال: أدي الزكاة إلي آخره. قلنا: لا نسلم أنه يحسن الاستفهام ها هنا فإن ذكر كونه راكعا لا يحتمل ما بعد الركوع ولا ما قبله، سلمنا لكن حسن الاستفهام دل علي الاشتراك وأنه خلاف الأصل. قوله: ثانيا إن المفهوم من قوله: ((يقيمون الصلاة)) إلي آخره. قلنا: لا نسلم أن من عادة علي (عليه السلام) وأهل بيت الرسول (عليهم السلام) ذلك، بل هو من عوائدهم، سلمناه، لكن أهليتهم لذلك وفعلهم موافقة لتلك الأهلية مجري عاداتهم. قوله ثالثا: إن أداء الزكاة في حال الصلاة مخل بالخضوع. قلنا: لا نسلم، بل هو من تمامه فإنه (عليه السلام) جمع بين جهات الالتفات إلي الله بالجمع بين الصلاة والزكاة، وذلك مؤكد ومقو للخضوع والخشوع. [ صفحه 105] قوله: رابعا: لو أفادت المدح علي إيتاء الزكاة حال الصلاة، إلي آخره. قلنا: الملازمة ممنوعة، فليس كلما حسن وجب أن يكون سنة، لكن لم قلتم: إنه ليس سنة في حقهم (عليهم السلام) إذ [150] كانوا يلزمون أنفسهم جميع الأمور المقربة إلي الله تعالي وإن استلزمت المشاق والكلفة، فجائز أن يسن في حقهم سنن ليست في حقنا، وإذا كانت كذلك تعين أن الواو للحال كما سبق بيانه. قوله يحتمل أن يكون غرضه من ذكر الركوع علي الخصوص تشريف. قلنا: قد سلمتم أنه يكون تكرارا، بقي أن يؤولوا أنه مشتمل علي فائدة هي التشريف، لكن التكرار خلاف الأصل، وما ذكرتم أنه زيادة فليس بحق وإنه باطل لوجهين: أحدهما: أن يقول: لو كان الواو للاستئناف لكان الكلام في غاية الركاكة، وذلك لأن ذكر إقامة الصلاة أتم وأشرف من إقامة بعض أركان الصلاة، وعادة الكلام الفصيح أن يبدأ بالأشرف فالأشرف [151] لا أن يبدأ ويختم بما دونه، لأنا إذا علمنا أوصاف المؤمنين علي الوجه الأكمل ثم ذكر لنا بعد ذلك وصف دون ذلك لم يكن للوصف الثاني ذوق في النفس، بل يكون ذلك في غاية الركاكة. الثاني: لو كان الواو للاستئناف لبقي الكلام منقطعا عما قبله وصار بمنزلة من يقول ابتداء، هم راكعون، وهذا الكلام غير مفيد. بقي أن نقول: أنهم أرادوا بالاستئناف العطف لكن الخطأ قائم من وجهين: أحدهما: أن [152] واو الاستئناف لا تطلق علي واو العطف بالاتفاق. [ صفحه 106] والثاني: إن سلمنا العطف لكن عطف علي الذين يؤتون الزكاة فإما أن يكون تقديره الذين يقيمون الصلاة والذين يؤتون الزكاة وهم راكعون، وحينئذ يكون عطف جملة علي مفرد وأنه غير جائز أو يصير التقدير والذين هم راكعون وحينئذ يكون محتاجا إلي الإخبار، والتقدير، وأنه [153] خلاف الأصل، سلمنا أنه [154] يحتمل أن تكون في ذكره فائدة زائدة لكن ذكر هذه الجملة عقيب الكلام يوجب سبق الذهن إلي أن الواو للحال، والسبق إلي الذهن دليل الحقيقة. قوله: لا نسلم، فإنه إذا قيل: فلان يحارب عني ويبني داري، لم يفهم منه الحال. قلنا: الفرق من وجهين: أحدهما: أنه لم تجر العادة [155] بالمحاربة حال البناء. الثاني: أن الجمع بين البناء والمحاربة غير ممكن، بخلاف ما نحن فيه، فإن الجمع بين إيتاء الزكاة حال الركوع عادة لعلي (عليه السلام)، وهو أمر ممكن في نفسه. قوله: يحمل الراكع علي ما من شأنه أن يكون راكعا، وحينئذ يصير عاما لكل المؤمنين. قلنا: ذلك لا يكون حقيقة بل مجازا وأنه خلاف الأصل. قوله: حمل الآية ها هنا علي النصرة فيه ثلاث فوائد. أحدها أن العام يصح تخصيص أي فرد منه كان، أما التنصيص علي البعض فقط غير جائز. [ صفحه 107] قلنا: بل هو جائز لأنه لما ثبت أن الواو للحال، وامتنع بالاتفاق أن تكون هذه الصفات حال الركوع ثابتة لكل المؤمنين، وجب الحمل علي البعض، خصوصا والآية في سياق المدح والتعظيم، فاستعمال لفظ الجمع في المفرد للتعظيم مشهور في اللغة، كقوله تعالي ((إنا أرسلنا نوحا)) [156] ، ((إنا أنزلناه في ليلة القدر)) [157] . قوله في الفائدة الثانية: التشريف بالذكر. قلنا: سبق الجواب عنه. قوله في الفائدة الثالثة: المقصود من هذه الآية إثبات نصرة المؤمنين للمؤمنين ونفيها عن اليهود والنصاري. قلنا: هذا المعني بأسره موجود في الآية التي قبل هذه وهو قوله: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء)) الآية، فإنه أثبت فيها موالاة بعضهم لبعض ونهي المؤمنين عن أنهم يتخذونهم [158] أولياء، ففهمنا من مجموع هذه الآية أنهم ليسوا أنصارا للمؤمنين، وكل واحد من المؤمنين يعلم بالضرورة [159] أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسائر المؤمنين ينصرونه، ونعلم ذلك من قوله: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)) (ويعلمون أن من كان مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) والمؤمنين فلا بد [160] وأن يكون معه [161] دليل العقل، [ صفحه 108] والحس [162] أقوي من [163] اللفظ) [164] فكان [165] حمل الولاية في هذه الآية علي معني غير النصرة أولي وأكثر فائدة. سلمنا لكن النصرة لا شك أنها أعم من الإمامة، فلو حملنا هذه الآية علي الإمامة لكان أولي من حملها علي النصرة، لما أن الإمامة مستلزمة للنصرة استلزام الخاص للعام، وذلك تكثيرا [166] لفوائد كتاب الله عز وجل وصونا له عن كثرة التكرار. قوله: سلمنا: أنه ليس هناك فائدة زائدة لأن النبي (صلي الله عليه وآله) نص علي علي نصا جليا إلي آخره. قلنا: لما نحن بينا أنه يمتنع حمل الولاية ها هنا علي النصرة وجب حملها علي الإمامة، أما أن هذه الفائدة زائدة علي النص الجلي أو ليست [167] بزائدة، فحديث آخر لأن لنا أن نحملها علي التأكيد للنص الجلي ليوافق كلام الله تعالي سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أما أنتم فزعمتم حملها علي النصرة من غير ضرورة، مع دلالة الآية المذكورة علي النصرة وكان تكرارا لا حاجة إليه ولا ضرورة بحملها عليه، فافترق الأمران. قوله: ها هنا ما يمنع حمل هذه الآية علي الإمامة. الأول: قوله: ((والذين آمنوا)) إلي آخره. [ صفحه 109] قلت: هب أنه يصير مجازا لكن المجاز يصار إليه عند عدم إرادة الحقيقة، وقد بينا أنها غير مرادة. قوله: ثانيا: الآية تقتضي ثبوت الولاية في الحال فيلزم أن يكون إماما في الحال. قلنا: مقتضي الآية ذلك، إلا أن قرينة امتناع اجتماع أوامر الخليفة مع أوامر المستخلف بحسب العرف والعادة صرفت عن حملها علي ثبوت الإمامة الفعلية في الحال، وكانت قرينة في الحال فعلية بعد عدم المستخلف. وهذا ظاهر. قوله: ثالثا: ما قبل الآية وما بعدها ينافي حملها علي الإمامة لوجوه: الأول إلي آخره. قلنا: لا نسلم التنافي فإنه إذا حملناها علي الإمامة استلزمت النصرة وما يدل علي مرادية الملزوم لوجود اللازم في الملزوم، وهو الجواب عن باقي الوجوه، وبالله التوفيق والعصمة. البرهان الثاني: التمسك بقوله يوم غدير خم وقد جمع الناس بعد رجوعه عند حجة الوداع، وكان يوما صائفا حتي أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه لشدة الحر، وجمع الرحال [168] وصعد عليها مخاطبا لهم: " ألست أولي بكم منكم بأنفسكم "، قالوا: اللهم بلي، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " [169] . [ صفحه 110] والاستدلال بهذا الخبر لما كان مشروطا بصحته وجب تصحيحه أولا ثم بيان وجه الاستدلال به. أما الأول: فعندنا أن هذا الخبر متواتر لكن حصول العلم عقيب خبر التواتر لما كان من باب الوجدانيات مع أنه لا يعم، لم يمكنا الاستدلال به علي خصومنا، فلا جرم حاولنا إثباته عليهم من وجهين. أحدهما: أن الأمة أجمعت علي نقله، وإجماعهم علي مذهب الخصم حجة. أما أنها أجمعت علي صحته فلأن الشيعة بأسرهم ينقلونه ليثبتوا به إمامتهم، والخصم ينقله ليثبت به فضيلته، فوجب أن يكون مجمعا علي صحته. الثاني: أن عليا (عليه السلام) ذكره في الشوري عند أن حاول ذكر فضائله [170] ولم ينكره أحد منهم، فعدم إنكارهم لذلك مع توفر دواعي الخصم علي إنكاره فيما يفتخر خصمه عليه [171] ما يشهد بصحته شهادة ضرورية. وأما المقام الثاني، وهو دلالته علي الإمامة، فمبني علي أمور ثلاثة: أحدهما: إن لفظة المولي محتملة لمعني [172] الأولي. الثاني: أنها متعينة للمراد هنا. الثالث: أنه يلزم من ذلك القول بإمامة علي (عليه السلام). أما الأول: فيدل عليه الكتاب، والسنة، والشعر، والنقل. أما الكتاب: فقوله تعالي: ((مأواكم النار هي موليكم)) [173] قال المفسرون [ صفحه 111] معناه أولي بكم [174] . وقوله تعالي: ((ولكل جعلنا موالي)) [175] أطبق المفسرون علي أن معناه من كان أولي بالميراث وأحق به [176] . وأما السنة: فقوله (عليه السلام): " أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن مولاها " في بعض الروايات [177] ولا يصح حمل المولي ها هنا علي غير المالك لأمرها والأولي به. وأما الشعر فقول لبيد: فغدت كلا الفرجين تحسب أنه++ مولي المخافة خلفها وأمامها [178] . وقال الأخطل: فأصبحت مولاها علي الناس كلهم++ وأحري قريش أن تهاب وتحمدا [179] ). وقال: كانوا موالي حق يطلبون به++ فأدركوه وما ملوا ولا لغبوا [180] . [ صفحه 112] لم يأشروا فيه إذ كانوا مواليه++ ولو يكون لقوم غيرهم أشروا [181] . فكان الولي في هذه الأبيات ليس المقصود منه إلا الأولي. وأما النقل: فقال الفراء [182] في كتاب (معاني القرآن): الولي والمولي في كلام العرب واحدا. وقال المبرد: هو تأويل الأولي. وقال ابن الأنباري في (مشكل القرآن): المولي هو الأولي بالشئ، وأمثال ذلك كثيرة. فثبتت بهذه الوجوه أن لفظ المولي محتمل [معني] [183] الأولي. وأما بيان الثاني: وهو أن المراد بالمولي في هذا الحديث " الأولي " فمن وجوه: الأول: أن ذكر مقدمة الكلام وهي [184] قوله: " ألست أولي منكم بأنفسكم " وذكر المولي عقيب ذلك دليل يوضح أن المقصود بالمولي هو الأولي السابق لوجهين: [ صفحه 113] أحدهما: أنه السابق إلي الفهم والسبق إلي الفهم دليل الحقيقة. الثاني: أنه لم يرد إلا الأولي، وإلا لم يبق للمقدمة فائدة وكان ذلك ألغازا لا بيانا مثاله: لو قال انسان لجماعة وله عدة عبيد: ألستم تعرفون عبدي زيدا أشهدكم أن عبدي حر فإنا نفهم أنه أراد عبده زيدا دون غيره فكذا ها هنا، لما قدم ذكر الأولي ثم أردفه بذكر المولي المحتمل [معني] [185] وجب أن يكون المولي هو الأولي. والثاني: أن لفظة المولي تفيد المعتق، والمعتق، والعم، والجار، والحليف، والناصر، والأولي بالتصرف. فلفظة المولي ها هنا إما أن تكون بمعني المعتق، وهو باطل، لأنه ليس معه صفات النبي (صلي الله عليه وآله) ولا من صفات علي (عليه السلام) وكذلك المعتق، فأما ابن العم فيستلزم كذب الكلام لأن التقدير: من كنت ابن عمه كان علي ابن عمه! ومعلوم أنه (عليه السلام) [186] كان ابن عم لجعفر وعقيل ولم يكن علي كذلك بل كان أخا لهما، وأما الجار فهو أيضا ظاهر، وأما الحليف فلم يكن النبي (صلي الله عليه وآله) حليفا. وأما الناصر فغير مراد أيضا، لأن كل أحد يعلم من ضرورة الدين وجوب تولي المؤمنين بعضهم لبعض لقوله تعالي: ((والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)) فجمع الناس لشرح هذا المعني الواضح الظاهر غير لائق بالنبي (صلي الله عليه وآله) وإذا بطلت هذه الأقسام لم يبق إلا المولي بمعني الأولي بالنصر وهو المطلوب. الثالث: أنه إما أن نكون نحمل هذه اللفظة علي كل هذه المعاني ونجعلها [ صفحه 114] حقيقة في كل واحد منها فيكون ذلك اشتراكا لفظيا، وأنه خلاف الأصل، أو نستعملها في بعض هذه المعاني دون البعض، وهو ترجيح من غير مرجح وهو محال فتعين أن نحملها علي العلة المشتركة بين هذه المفهومات وهو الأولي حقيقة، وعلي كل واحد من هذه المفهومات مجازا، ولا يمكن المعارضة بأن المجاز خلاف الأصل لأنا إذا ترددنا بين المجاز والاشتراك فالمجاز أولي كما هو مبين في أصول الفقه. الرابع: أن عمر قال له عقيب كلام النبي (صلي الله عليه وآله): بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة إلي يوم القيامة [187] وظاهر بالضرورة أن عمر لم يرد معتقي ولا معتقي ولا حليفي ولا ابن عمي، بقي أن يقال: أراد: أصبحت ناصري، لكنه باطل أيضا لوجهين: أحدهما: أن النصرة معلومة من قوله تعالي: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)) وأمثاله. الثاني: أن نصرة علي (عليه السلام) وأهله أمر في غاية الظهور، بل لا نسبة لأحد من الصحابة إليه في ذلك، وما كان كذلك فلا يكون تعظيم عمر له بذلك وغبطه به لائقا بذكاء عمر وفطنته فلم يبق إلا أن يقال أنه أراد الأولي بالتصرف في الأمور، وهو المطلوب. وأما بيان الثالث: وهو أنه لما كان المراد بالولي في الحديث: الأولي كان ذلك دليلا علي إمامته، وبيانه من وجهين: أحدهما: أن تقول: إن الأولي لا يقبل إلا معني الأولي بالتصرف فإن أهل اللغة لا يطلقون لفظة الأولي إلا في من تملك تدبير الأمر المتصرف فيه فإنهم [ صفحه 115] يقولون: السلطان أولي بإقامة الحدود والولد أولي بالميراث، والزوج أولي بامرأته، ومرادهم ليس إلا ما ذكرناه، واتفق المفسرون علي أن قوله تعالي: ((النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم)) [188] المراد به أولي بتدبيرهم والقيام بأمورهم [189] . وإذا ثبت أن المراد بالأولي المتصرف فيه ثبت كونه إماما، إذ لا معني للإمام إلا الشخص الذي هو أولي الناس بتدبير الخلق والتصرف. والثاني: أن نساعد علي أن لفظة المولي [190] غير متعينة [في معني] [191] الأولي بالتصرف، لكن نبين أن المراد بالأولي ها هنا هو الأولي بالتصرف لأنه إذا ثبت حمل قوله: " فعلي مولاه " علي الأولي بالتصرف بالأمر والنهي لأجل المقدمة أيضا لأن قول النبي (صلي الله عليه وآله): " ألست أولي بكم منكم بأنفسكم " معناه: أولي بالتصرف فيكم بالأمر والنهي، فيجب أن يكون قوله: " فعلي مولاه " معناه: أولي بهم من أنفسهم في التصرف في أمورهم، وهو المطلوب. فثبت أن [192] المطلوب من هذا الحديث الإمامة. [الشبهات في الاستدلال بالحديث]: لا يقال: لا نسلم صحة هذا الحديث، أما دعوي العلم الضروري بصحته فمكابرة، إذ ليس العلم به كالعلم بوجود محمد (صلي الله عليه وآله) والعلم بغزواته مع الكفار [ صفحه 116] وفتحه لمكة وغير ذلك من المتواترات، وأيضا فلأن كثيرا من أصحاب الحديث لم ينقلوا هذا الحديث كالبخاري ومسلم والواقدي وغيرهم، وأيضا فلا تزعمون أنه (صلي الله عليه وآله) إنما قال هذا الكلام بغدير خم بعد رجوعه عن الحج، ولم يكن علي (عليه السلام) مع النبي صلي الله عليه [وآله] في ذلك الوقت لأنه كان باليمن. وأما دعواكم تواتر هذا الخبر فنقول: مخالفوكم أيضا يدعون تواتر الأخبار الدالة علي فضائل الشيخين، فإن قبلتموها تركتم مذهبكم، وإن لم تقبلوها لاحتمال أن يكون ذلك التواتر لا علي سبيل الرواية بل علي سبيل مذاكرة الخبر ببعضهم مع بعض، واحتمال إنهاء ذلك إلي جمع قليل [193] في أول الأمر، فكذلك ما ذكرتموه. وأيضا فتعويلكم علي رواية الشيعة إما أن يكون لأجل كثرتهم، أو لما تقولونه من أن إجماعهم حجة، والأول باطل لأن سلفهم بلغوا حد التواتر، ولأن مخالفيهم يروون فضائل الشيخين مع أنهم أكثر ومع ذلك فالشيعة يقدحون في تلك الأحاديث، وإن كان لما يقولون من أن إجماعهم حجة فذلك باطل عندنا، ولأن ذلك فرع من مسألة الإمامة فتصحيحها بها دور. وأما الوجه الأول مما استدلوا به فنقول: الأمة أجمعت علي جعله من أخبار الآحاد أو من أخبار التواتر، والأول مسلم والثاني ممنوع، فلم قلتم: أن ذلك يدل علي القطع بصحته. بيانه: أن أكثر الأمة يجعلونه خبرا واحدا، بمعني أنهم يعتقدون أن صحته مظنونة لا معلومة، وإن كل ما يكون صحته غير يقينية عند الأمة فإنهم لا يقبلونه، بل أكثر الأخبار التي قبلوها وعملوا بها واجتهدوا في معرفة معانيها [ صفحه 117] غير مقطوعة الصحة، فثبتت بهذا أنه لا يلزم من عدم رد الأمة لهذا الحديث أو اشتغالهم بحمله تارة علي الإمامة وتارة علي الفضيلة قطعهم بصحته. ثم إن سلمنا حصول الإجماع، ولكن قد بينا أنه لا يمكنكم التمسك بالاجماع لاحتمال أن يكون الإمام لا يظهر الحق لأجل الخوف من الظالمين. أما الوجه الثاني وهو المناشدة به في الشوري، فهو ضعيف، لأن الحاجة إلي تصحيح المناشدة كالحاجة إلي تصحيح هذا الحديث، بل ذلك أولي، لأن أكثر المحدثين ينكرون تلك المناشدة، وبتقدير صحتها فلا نسلم إنهائها إلي جميع الصحابة، وبتقدير إنهائها إلي كلهم فلا نسلم أن ذلك يدل علي قطعهم بصحة الحديث، بل الظاهر أنهم قبلوا هذا الحديث كما قبلوا سائر الأحاديث من سائر الرواة من العدول وأن يقطعوا بصحتها، وبتقدير أنهم لم يعتقدوا صحة الحديث، فلعلهم سكتوا عن التكذيب تقية وخوفا من بني هاشم. وهذه المقدمات ممن لا ينكر تقديرها لا سيما علي مذهب من يجوز علي الخلو العظيم كتمان ما عملوا به. ثم إن سلمنا صحة هذا الحديث ولكن لا نسلم صحة هذه المقدمة وهو قوله (صلي الله عليه وآله): " ألست أولي بكم من أنفسكم " بيانه أن الطرق التي ذكرتموها في تصحيح أصل الحديث لم يوجد في شئ منها هذه المقدمة، فلم يمكن دعوي التواتر فيها، ولم يمكن أيضا دعوي إطباق الأمة علي قبولها، لأن من خالف الشيعة إنما يروي أصل الحديث للاحتجاج به علي فضيلة علي (عليه السلام) ولا يروي هذه المقدمة. وأيضا فلم يقل أحد، أن عليا (عليه السلام) ذكرها يوم الشوري، فثبت أنه لا يمكنكم إثبات هذه المقدمة، سلمنا أصل الحديث ومقدمته لكن لا نسلم دلالته علي الإمامة، ولا نسلم أن لفظة المولي محتملة للأولي، ويدل عليه أمران: [ صفحه 118] أحدهما: أن أولي موضوع ليدل علي معني التفضيل، ومفعل موضوع ليدل علي الحدثان أو الزمان أو المكان، ولم يذكر أحدا من أئمة النحو واللغة أن مفعلا قد يكون بمعني أفعل التفضيل، وذلك يوجب امتناع إفادة المولي بمعني الأولي. وثانيهما: أن المولي لو كان يجئ بمعني الأولي لصح أن يقرن بأحدهما ما صح أن يقرن بالآخر، والثاني باطل، فالمقدم كذلك، بيان الشرطية أن تصرف الواضع ليس إلا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة فأما ضم بعض الألفاظ إلي بعض الوضع فهو أمر عقلي، وإذا ثبت ذلك فلفظة الأولي إذا كانت موضوعة لمعني آخر فصحة دخول إحداهما علي الأخري لا يمكن بالوضع بل بالعقل، وإذا كان كذلك فلو كان المفهوم من لفظة المولي هو المفهوم من لفظة الأولي في العقل نحكم [194] أيضا بصحة اقتران مفهومها لمفهوم الأولي لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظين بل بين مفهومهما. وأما أنه ليس كلما صح دخوله علي أحدهما صح دخوله علي الآخر فظاهر، إذ لا يقال: مولي من فلان كما يقال أولي منه، فثبت أنه لا يجوز حمل المولي علي الأولي. فأما النقل عن أئمة اللغة فلا حجة فيه لوجهين: أحدهما: أن أبا عبيدة [195] قال في قوله تعالي: ((مأواكم النار هي موليكم)) [ صفحه 119] معناه أولي بكم، وذكر ذلك أيضا الأخفش [196] والزجاج [197] وعلي بن عيسي [198] . واستشهدوا ببيت لبيد، لكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والذاكرون له لم يذكروه إلا في تفسير هذه الآية وآية أخري مرسلا غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كلما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصيلة، ولذلك فإنهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالي: ((والسماوات مطويات بيمينه)) [199] والقلب بالعقل في قوله تعالي: ((لمن كان له قلب)) [200] مع أن ذلك ليس لغة أصيلة. وثانيهما: أن أصل تركيب " والي " [201] يدل علي الدنو والقرب، يقال وليته إليه وليا أي دنوت منه دنوا وأوليته إياه أي أدنيته منه، وتباعدنا بعد ولي، ومنه قوله: " كل مما يليك "، وقولهم فلان أولي من فلان، أفعل التفضيل من الوالي: فالأدني والأقرب من الداني والقريب، ففيه معني القرب، لأن الأحق بالشئ أقرب إليه والمولي اسم لموضع الولي كالمرقي والممشي [202] لموضع الرقي والمشي. وإذا عرفت ذلك فنقول: أن تفسير أبي عبيدة: ((مأواكم النار هي موليكم)) بأنه أولي بكم فنقول إن ذلك ليس حقيقة لأن ذلك يقتضي أن يكون [ صفحه 120] للكفار حصة في الجنة إلا أن النار أحق بهم، لأن من لوازم أفعل التفضيل ذلك، وهو باطل، بل الأولي أن نحملها علي الناصر أي هي ناصركم ومعناه: لا ناصر لكم غيرها والمقصود نفي الناصر مطلقا. وأما بيت لبيد [203] فقد حكي عن الأصمعي فيه قولان: أحدهما: أن المولي اسم لموضع الولي، أي تحتسب البقرة أن كلا من الجانبين موضع المخافة، وإنما جاء مفتوح العين تغليبا لحكم اللام علي الفاعل أن الفتح في المولي ألفا قد جاء كثيرا. الثاني: أنه أراد بالمخافة الكلاب ومولاها: صاحبها. وأما قوله تعالي: ((ولكل جعلنا موالي)) [204] فمعناه: وراثا يلون [205] ما تركه الوالدان. وأما قول الأخطل: فأصبحت مولاها علي الناس كلهم... وقوله: لم يشأروا فيه إذ كانوا مواليه... وقوله: (كانوا) موالي (حق) يطلبون (به) [206] ... فالمراد به: الأولياء، ومنه قوله (عليه السلام): " مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي [ صفحه 121] الله ورسوله " [207] أي أولياء الله ورسوله. وقوله (عليه السلام): " أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها " [208] فالرواية المشهورة مفسرة له. وقوله تعالي: ((ذلك بأن الله مولي الذين آمنوا)) [209] أي وليهم وناصرهم هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين [210] فقد ظهر بما قلنا أن لفظة المولي غير محتملة الأولي. سلمناه لكن لم قلتم: بتعيين حمله في هذا الحديث عليه في الوجه الأول، وأن من ذكر كلاما محتملا لأشياء عقيب كلام خرج في أحد محتملاته. فإنه يريد بذلك المحتمل ذلك الصريح. قلنا: هذا ممنوع. قوله: الانسان إذا كان له عبيد فيهم زيد فقال للجماعة: ألستم تعرفون عبدي زيدا أشهدكم أن عبدي حر، فهم منه أنه أراد عبده زيدا. قلنا: لا نسلم، بدليل حسن الاستفهام والتوكيد ها هنا الذين هما عندكم دليل الاشتراك، فإنه لو أشهد أقواما علي ذلك لم يشهدوا حتي يستفسروه: أي عبيدك تريد؟ ويحسن منه أن يقول بعد المقدمة: أشهدكم أن عبدي الذي هو زيد. ثم سلمنا أن تقديم تلك المقدمة يقتضي أن يكون المراد بالمولي الأولي، [ صفحه 122] ولكن [211] مؤخرة الحديث وهي قوله صلي الله عليه [وآله]: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله " تقتضي أن يكون المراد من المولي الناصر، وذلك أن لفظة المولي لما كانت محتملة لذلك المعني ولغيره، ثم ذكر عقيبها لفظا صريحا في ذلك المعني وهي الموالاة التي هي ضد العداوة، يبادر إلي الذهن أنه إنما أراد بالمولي الناصر. قوله في الوجه الثاني: أن المولي له معان كثيرة لكن لا يمكن حمله ها هنا إلا علي الأولي. قلنا: لا نسلم، ولم لا يجوز حمله علي ولاية الدين والنصرة؟ قوله: كون المؤمنين بعضهم أولياء بعض معلوم، فكيف يجوز أن يجمع النبي (صلي الله عليه وآله) الجموع في مثل ذلك ليقرأ علي الخلق إيجاب ما تقدم إيجابه من موالاته. قلنا: في ذكره فائدتان: إحداهما: أن لفظ العام ممكن للمعاند من أن يقول: إنما أوجب الله تعالي ولاية المؤمنين، فمن أين فلان منهم؟ ولا يمكن أن نقول ذلك إذا عين رسول الله (صلي الله عليه وآله) فلانا بالولاية، لأن ما نص عليه الرسول (صلي الله عليه وآله) فهو أحق. الثانية: أنه (صلي الله عليه وآله) ربما أحس بقوم أنهم غير مخلصين في ولاية علي (عليه السلام) فأراد أن يحملهم علي الإخلاص في موالاته بموالاة نفسه. بيانه: أنه (عليه السلام) إنما قال ذلك بعد الفتح، وقد دخل في الإسلام بعد الفتح من كان علي (عليه السلام) قتل أقاربهم، ولا يمتنع أن يكون النبي (صلي الله عليه وآله) أشفق أن يكون قد بقي في قلوب أولئك بقايا نفار، فأراد (صلي الله عليه وآله) إزالته، وإذا كانت هذه الوجوه محتملة [ صفحه 123] لم يلزم من حمل المولي علي الناصر التكرار وخلوه عن الفائدة. ثم إن سلمنا خلوه عن الفائدة لكن لم لا يجوز ذلك؟ أليس عندكم أن إمامة علي (عليه السلام) كانت ثابتة بالنصوص الجلية فإذا جاز بعد سبق العلم بإمامته بالنصوص الجلية جمع الجموع لإثبات إمامته بمثل هذا النص الخفي فلئن يجوز فيما قلناه كان أولي. سلمناه، قوله في الوجه الثالث: إن لفظة المولي تفيد في جميع محاملها معني واحدا وهو الأولي، فوجب حملها عليها دفعا للاشتراك. قلنا: أهل اللغة في هذه اللفظة فريقان: منهم من جعلها مشتركة بين هذه المعاني، ومنهم من جعلها بمعني القرب والدنو علي ما بيناه، فالقول بأنها موضوعة لمعني واحد وهو الأولي خرق للإجماع. سلمنا أنه لا يكون مخالفا للإجماع ولكن المعتق يسمي مولي مع أنه ليس أولي بالتصرف فبطل قولكم: أن هذه الأولوية ثابتة في جميع مفهومات هذه اللفظة. سلمنا أن الأولوية ثابتة في جميع مفهوماتها، لكن معني القرب والدنو قدر مشترك بينهما، وقد نص أهل اللغة علي أنها موضوعة لذلك، فيكون ذلك أولي مما ذكرتموه، وأيضا فمعني النصرة حاصل في الجميع فلم لا تحملونه عليه؟! قوله في الوجه الرابع: إن عمر قال " بخ بخ " إلي آخره. قلنا: لم لا يجوز أن يكون أراد النصرة؟ قوله: النصرة أمر ظاهر. قلنا: تقدم الكلام فيه. سلمناه لكن لو كان المراد ما ذكرتموه للزم أن يكون أولي بالتصرف في حال وجود النبي (صلي الله عليه وآله) أيضا، كما كان النبي (صلي الله عليه وآله) كذلك، ومعلوم، أنكم لا تقولون به. [ صفحه 124] سلمنا أن المولي يفيد الأولي فلم قلتم: إن ذلك يدل علي الإمامة؟ قوله في الوجه الأول: إن أهل اللغة لا يستعملون ذلك إلا فيمن يملك التدبير والتصرف. قلنا: لا نسلم بل قد جاء في القرآن لغير ذلك قال الله تعالي: ((إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا)) [212] فأخبر أن أتباع إبراهيم كانوا أولي به، ومعلوم أنهم ليسوا بأولي بالتصرف فيه، فكذلك أتباع السلطان يقولون: نحن أولي بسلطاننا، والتلامذة: نحن أولي بأستاذنا، وليس المقصود إلا الأولوية في أمر ما، لا في التصرف فقط، لأن صحة الاستفهام عما هو فيه والتوكيد بذكره [213] دليلان علي الاشتراك. قوله في الوجه الثاني: إن قولنا: فلان أولي بي من نفسي، وإن كان لا يقتضي الأولوية في التصرف إلا أنه ها هنا كذلك، لأنه لما كان قوله (عليه السلام): " ألست أولي بكم منكم بأنفسكم " معناه أولي بالتصرف فيكم، وجب أن يكون قوله: " فعلي مولاه أولي بكم من أنفسكم في التصرف فيكم ". قلنا هذا أيضا ممنوع بدليل حسن الاستفهام والتوكيد. [بداية الإجابة عن الشبهات]: لأنا نجيب: عن الأول: أن العلم بصحته ضروري من التواتر. قوله: هذه مكابرة إذ ليس العلم له كوجود مكة وغيرها من المتواترات. [ صفحه 125] قلنا: عندنا أنه كذلك، فأما عندكم فإن زعمتم أنه لم يحصل لكم العلم به أصلا فلم يضرنا ذلك، وغير ممتنع أن يحصل لكم العلم، للعلة التي ذكرناها وهو اعتقادكم لما ينافي موجب الخبر، وإن زعمتم أن العلم به حاصل لكن بينه وبين المتواترات تفاوت، فقد سلمتم أنه متواتر، وأما التفاوت فغير ضار لأن العلوم الضرورية مختلفة بالأشدية والأضعفية. قوله: إن كثيرا من أكابر نقلة الحديث لم ينقلوها كمسلم والبخاري وغيرهما. قلنا: كون شخص أو شخصين أهملا حديثا لم يلزم منه سقوط ذلك الحديث وكذبه، فإنه لو نقل كل الرواة كل الأخبار كما وقعت عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لما وقع بين الناس خلاف في خبر قط، ومعلوم أن الخلاف في الأخبار أكثر من أن يحصي، ثم (الحامل لهم) [214] علي الاهمال إما عدم الوصول إلي التزكية، أو لاعتقادهم عدم صحته لشبهة عندهم، أو لعدم اعتقادهم لصحته، أو لتوقفهم في رواته، حتي أن تاركيه لو صرحوا بفساده لم يلزم فساده. قوله: علي أن عليا (عليه السلام) كان يوم الغدير باليمن ولم يكن حاضرا. قلنا: لا نسلم فإن كل من نقل هذا الحديث نقل حضور علي (عليه السلام) وأخذ النبي (صلي الله عليه وآله) بضبعه [215] والإشارة إليه بهذا الكلام، فالعلم الحاصل بهذا الخبر مستلزم للعلم بوجوده (عليه السلام) في ذلك الوقت. وأيضا فكلام عمر مخاطبا له [216] وشعر حسان [ صفحه 126] ابن ثابت في هذا المعني يشهدان بحضوره في ذلك الوقت [217] . قوله: أما دعواكم تواتر هذا الخبر فمخالفوكم أيضا يدعون تواتر الأخبار الدالة علي فضائل الشيخين، إلي آخره. قلنا: أما ما كان من تلك الأخبار مستلزم صحته إما منهما، أو قادحا فيما علمناه بالضرورة في حق علي (عليه السلام) فنحن نجزم بعدم صحته، لاستحالة أن يتكلم النبي (صلي الله عليه وآله) بكلامين متنافيين وما لم يكن كذلك من الأخبار الدالة علي فضيلة لهما من خارج فنحن لا نمنع أن يقول النبي (صلي الله عليه وآله) في حق أحد كلاما يستميل به قلبه، فتتأكد فيه محبة الإيمان ورسوخه، بعد ثبوت صحة ذلك النقل علي وجهه. قوله: تعويلكم علي رواية الشيعة إما لأجل كثرتهم أو لأجل إجماعهم، والأول باطل، لأنهم ما بلغوا في الزمن الأول حد التواتر. قلنا: إن مثل هذا الخبر لا يختص بنقله الشيعة فقط حتي لا تكون كثرتهم تفيد العلم. سلمنا أن الشيعة هم الناقلون فقط، لكن لم قلتم أنهم لم يبلغوا في الكثرة إلي حد التواتر؟ وظاهر أنهم لم يزالوا بالغين إلي حد التواتر؟ سلمنا لكن [218] العلم التواتري لا يتوقف علي الكثرة فإن المخبر الواحد مع انضمام القرائن إليه قد يفيد خبره العلم، فليس من شرط التواتر تحقق الكثرة دائما. قوله: إجماع الأمة إما أن يكون علي كونه من أخبار الآحاد أو أخبار [ صفحه 127] التواتر، الأول مسلم والثاني ممنوع فلم قلتم: إن ذلك يدل علي القطع؟ قلنا: اتفاق الأمة علي نقله واعتقاد صحته دليل جزمهم به. قوله: إن أكثر الأمة تجعله خبر واحد بمعني أنهم يعتقدون أن صحته مظنونة لا معلومة إلي آخره. قلنا: لا نسلم، وذلك أن أكثر الأمة إذا اعتقدوا بأسرهم مخالفهم ومؤالفهم [219] صحته خصوصا، وفي المخالفين لما يتضمنه هذا الخبر من شديد المعاندة في إنكار مقتضاه، فيستحيل أن يكون فيه تسليم له ثم بعد ذلك يتعسف في صرفه عن ظاهره إلي تأويلات نادرة لا تسمن ولا تغني من جوع. قوله: ولو سلمنا ذلك لكن، لا يمكنكم التمسك بالإجماع، لجواز [220] أن يكون الإمام لم يظهر الحق لأجل الخوف من الظالمين. قلنا: مرادنا من الإجماع إطباق الخلق بأسرهم علي نقله والتواتر به. سلمناه لكن هذا الاعتراف ليس بشئ لأن الحق إما صحة هذا الخبر أو كذبه، فإن كان الأول فالخلق بأسرهم قد أطبقوا علي نقله فالتقية ممن تكون؟ وما مانع الإمام من إظهار الحق؟ وإن كان الحق كذبه فلا شك أن مضمونه علي ما قررناه مما ينكره جمهور الخلق فلو كان الإمام يعلم أنه كذب لكان إظهار ذلك منه مما يوافق طباع أكثر الخلق ويحبوه وتميل أنفسهم إليه، لأنهم حينئذ كانوا يستغنون عن التعسف في تأويله وحمله علي الوجوه التي لا يخفي فسادها، وكانت التقية أيضا عنه زائلة لمساعفة [221] أكثر الخلق علي ذلك. [ صفحه 128] قوله في الوجه الثاني: وأما المناشدة في الشوري فضعيف لأن الحاجة إلي تصحيح هذه المناشدة كالحاجة إلي تصحيح أصل الحديث بل ذلك أولي إلي آخره. قلنا: أما المناشدة فمعلومة بالتواتر كما علم أصل الحديث. قوله: ويتعذر صحتها فلا نسلم إنهاءها إلي جميع الصحابة. قلنا: لا شك في حضور المعتبرين من الصحابة الذين يدعون الضدية في هذا الأمر وأنهم أولي به، وتقدير الاعتراض أن نقول: يجوز أن يكون احتجاج علي (عليه السلام) في الشوري بهذا الخبر لو وصل إلي كل الصحابة لأنكر واحد منهم، لكنه إذا ثبت أن أجل الصحابة المتنازعين في هذا الأمر كانوا حضورا في وقت الخبر وفي وقت احتجاج علي (عليه السلام) به لم ينقل عن أحد منهم إنكاره، فبطريق الأولي أن لا ينكره أحد من غيرهم ممن لا طمع له في هذا الأمر لو وصله، هذا مع تسليم أن الصحابة بأسرهم لم يكونوا حضورا عند احتجاج علي (عليه السلام) في الشوري، وهو غير مسلم. قوله: بتقدير تسليم إنهائها إلي كلهم، فلا نسلم أنه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك. قلنا: لا شك أن ذلك من الوقائع الكبار في الإسلام والأمور العظيمة التي يجب توافر الدواعي علي نقلها، فعلمنا أنه لو كان هناك إنكار لنقل. قوله: وبتقدير عدم النكير فلا نسلم أن ذلك يدل علي قطعهم بصحته إلي آخره. قلنا: لو لم تجزموا بصحته عند احتجاجه عليهم به لكان لهم أن ينكروه، خصوصا وهم في محل الحاجة إلي دفعه (عليه السلام) عن هذا الأمر، وقد سبق تقرير ذلك. قوله: لعلهم سكتوا تقية وخوفا. [ صفحه 129] قلنا: التقية والخوف في حق تلك الأمة من نفر يسير غير جائز، ولا مسموع، ولو صح الخوف من بني هاشم لكان الخوف منهم عند سلبهم لمنصبه علي اطلاعهم علي أولويته به وطلبه لمثل تلك المناشدة وغيرها، وكذلك ردهم لشهادته ومنعهم لإرث فاطمة (عليها السلام) وغير ذلك مما تواترت به الرواية من أفعالهم أولي وأتم، فهل يجوز أن يسكتوا لمثل هذا الخبر في مناشدته تقية لبني هاشم ولا يجوز تقيتهم في مثل هذه المواضع وأمثالها. قوله: ثم إن سلمنا أصل الحديث فلا نسلم صحة هذه المقدمة [222] إلي آخره. قلنا: أما المقدمة فمعلومة لنا بالتواتر، وذلك لأن كل ناقل من الشيعة نقل هذا الخبر فهو ناقل لها، وقد بينا أن نقل اليسير من الناس قد يفيد التواتر فضلا عن كثير الشيعة في كل الأطراف، وإنكار بعض الأمة لهذه المقدمة لا يضرنا فيما علمناه جزما. قوله: إن أحدا لم ينقل إن عليا (عليه السلام) ذكرها يوم الشوري. قلنا: من روي احتجاجه بالخبر يوم الشوري فإنه يروي المقدمة أيضا. سلمناه، لكن عدم نقلهم لمقدمته لا توجب أنهم لم يسمعوها منه، لجواز نقل البعض من الحديث اكتفاء به عن كله، لشهرته، أو لأنهم نسوا ذكره للمقدمة حال الرواية، وإن كانوا قد سمعوها حال الاحتجاج. سلمناه، لكن عدم ذكره لها يوم الشوري لا يستلزم عدم ذكرها من الرسول (عليه السلام) عند ذكر هذا الخبر، وهو ظاهر. قوله: سلمنا أصل الحديث لكن لا نسلم دلالته علي الإمامة. [ صفحه 130] قلنا: قد بيناه، وكذلك احتمال لفظ المولي (لمعني) [223] الأولي. قوله: إنه باطل لوجهين: أحدهما: أن " أفعل من كذا " موضوع ليدل علي معني التفضيل، ومفعل موضوع ليدل علي الحدثان أو الزمان أو المكان. قلنا: هب أنه كذلك ولكن وضع مفعل لو منع كونه موضوعا في الأصل لما ذكرت، من إطلاقه علي غير هذا المعني، لكان كما يدل علي معني التفضيل كذا لا يدل علي باقي المسمات المشتركة فيه، كالمعتق والمعتق والناصر والحليف وابن العم فلا يكون حينئذ لفظا مشتركا، وقد أجمع أهل اللغة والنحو أنه كذلك فإذن كون مفعل في الأصل موضوعا لهذه المعاني إما من واضع واحد أو أكثر علي ما بين في أصول الفقه. قوله: إن أحدا من أئمة اللغة لم يذكروا أن مفعلا قد يكون بمعني أفعل التفضيل. قلنا: قد بينا أن أكثر أهل اللغة ذكروه وأن المفسرين أطبقوا علي وروده بمعني أفعل التفضيل في القرآن، وكذلك أئمة النحويين كالمبرد والفراء وابن الأنباري وغيرهم، من رؤساء العربية والنحو. قوله: لو كان لفظة المولي بمعني الأولي لصح أن يقرن بأحدهما ما يقرن بالآخر، إلي آخره. قلنا: لا نسلم، بل التحقيق أن صحة إقران اللفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني، إذ لو لم يكن كذلك لصح أن يبدل اللفظ بمرادفه من الفارسي، وكان يحسن أن يقال عوض قوله: اسقني معه إناء الماء أو اسقني من آب، وإذا كان صحة الاقتران من عوارض الألفاظ لم يلزم في كل ما عرض للفظ [ صفحه 131] أن يحسن عروضه للآخر، وقد تقرر ذلك في أصول الفقه [224] فلا يلزم إذا أن يصح أن يقرن بلفظ المولي ما صح اقترانه للفظ الأولي. قوله: أما النقل عن أئمة اللغة فلا حجة لوجهين: أحدهما إلي آخره. قلنا: أما المرجع في اللغة إلي أئمة اللغة والنقل فذلك ظاهر مجمع عليه، فلا يلتفت إلي منعه. قوله: إن ذلك منهم لتساهل لا تحقيق فإن أحدا من أكابر الأئمة كالخليل وأضرابه لم يذكروه. قلنا: لا نسلم أنهم لم يذكروه، غاية ما في الباب أنكم لم تجدوا لهم نقلا، لكن عدم وجدانكم لا يدل علي عدم وجوده. سلمناه لكن كون كل واحد من أهل اللغة لم يذكره ونقله الباقون لا يوجب القدح في النقلة، فإن التساهل إذا جاز من الأكثرين جاز من الأقل فإذن الخليل لو ذكره لكان متساهلا وحينئذ لا يبقي وثوق بنقل اللغة. قوله: إن الذاكرين له لم يذكروه إلا في تفسير هذه الآية [225] وآية أخري مرسلا غير مسند لم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كلما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ولذلك فإنهم يفسرون اليمين بالقوة. قلنا: اشتمال اللغة علي الحقيقة والمجاز ظاهر، ومعلوم أن المجاز إنما يصار إليه عند تعذر حمل الكلام علي الحقيقة وإلا فالأصل في الكلام الحقيقة. ثم إن المجاز الأصلي قد يشيع ويكثر استعماله حتي تصير الحقيقة اللغوية بالنسبة إليه مجازا، وإذا كان كذلك فنقول إن لفظة المولي وإن كانت مشتركة إلا أن [ صفحه 132] أهل اللغة فهموا بحسب القرينة في هذا الخبر أن المراد من المولي هو الأولي، بعد فهمهم أنه من جملة مسمياتهم اللغوية، فدعوي أنه ليس لغة أصلية استلزم أنه منقول، وهو معارض بما أنه خلاف الأصل، فتفسير هذه الآية أو غيرها إذن بحسب اللغة الأصلية. وأما ذكر أهل اللغة له مرسلا فلا يدل علي فساده، فإن الإرسال قد يكون لظهور الرواية، وقد يكون لظهور مطابقة التفسير. وأما تفسيرهم بغير اللغة الأصلية كاليمين وأمثاله فذاك إنما كان لاستعماله اليمين بمعني الجارحة علي الله تعالي، فلا جرم لما لم تصح الحقيقة للإرادة عدلوا إلي المجاز. قوله: إن أصل تركيب والي [226] يدل علي القرب والدنو إلي آخره. قلنا: هب أنه كذلك. قوله: إذا عرفت ذلك فنقول: إن تفسير أبي عبيدة: ((مأواكم النار هي موليكم)) فإنها الأولي بكم ليس حقيقة، إلي آخره. قلنا: إن أفعل جاءت لإثبات الفضل فقط، فيحتمل أن يكون أبو عبيدة عني بذلك أن النار لها ولايتهم، لا أنها أفضل من غيرها، وذلك لا ينافي غرضنا. سلمنا أنه يقتضي أن يكون للكفار حصة في الجنة لكن ذلك حق، وأن الانسان لمبدأ فطرته ثبت استحقاق الجنة له، وبأعماله الردية الطارئة علي نفسه [227] . المرسلة لها ثبت استحقاق النار له، ولما كانت الشقاوة بحسب الكفر كانت النار لهم [ صفحه 133] أحق ويدل علي ذلك قول النبي (صلي الله عليه وآله): " كل مولود يولد علي فطرة [228] الإسلام، وإنما أبواه هما يهودانه وينصرانه ". قوله: وأما بيت لبيد فقد حكي عن الأصمعي فيه قولان: أحدهما: أن المولي اسم لموضع الولي إلي آخره. قلنا: الأصل في اسم الموضع أن يكون مكسور العين، فدعوي تقليب حكم اللام مدفوع. قوله: في الوجه الثاني: أنه أراد بالمخافة الكلاب، وبالمولي صاحبها، لو كان كذلك لكان لا يجوز له في خلفها وأمامها إلا النصب، لأن الرفع يقتضي أن يكون صاحب الكلاب، فهو نفس الخلف والإمام فيصح رفعه، وحمله علي الأولي حمل هو هو. قوله: وأما قوله تعالي: ((ولكل جعلنا موالي)) [229] فمعناه وراث يلون [230] . ما تركه الوالدان. قلنا: لو كان المراد هو أن يليه فقط دون أن يكون أولي لكان لمن [231] يلي حمله ونقله من الأجانب - والأقارب الذين ليسوا في درجة الوارث - فيه حصة كما للوارث لعلة، أنهم يلونه، وهو ظاهر الفساد. قوله: وأما قول الأخطل " فأصبحت مولاها " وقوله: " لم يثأروا فيه [ صفحه 134] إن [232] كانوا مواليه " وقوله: " موالي حق " فالمراد به الأولياء. قلنا: المرجع في هذه المفهومات إلي أهل اللغة والنحو، وقد بينا أنهم فسروها بالأولي، علي أنه لا معارض بين المفسرين، لأن الأولي فعيل بمعني فاعل فيكون المعني والي، ولا شك أن الوالي هو الأولي بالتصرف، وهو الجواب عن قوله (عليه السلام) " مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله " [233] أي أولياء الله وقوله (عليه السلام) " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مواليها " [234] فالرواية الثانية تفسره. قلنا: فإن المذكورين موالي الله، أي كل واحد منهم ولي الله، أي وال علي إقامة مراضيه. وقد عرفت أن الوالي هو الأولي، فهم أولي بالتصرف فيما يرضي الله تعالي. لا يقال [235] فلزم أن يكون هؤلاء أولي بالتصرف في مراضي الله تعالي من أكابر الصحابة. لأنا نقول: الأولوية ها هنا بالله لهم بالنسبة إلي من دونهم في ذلك. فإن قلت: فيلزم أن يكون الحال في الخبر كذلك، فيكون الأولوية فيه ثابتة لعلي (عليه السلام) بالنسبة إلي من هو دونه، وذلك مما لا نأباه. قلت: الفرق ظاهر، فإن النبي (صلي الله عليه وآله) لما كان أولي من جميع الخلق بأنفسهم وجب أن يكون علي (عليه السلام) كذلك، بخلاف خبر المذكورين، وكذلك الجواب عن [ صفحه 135] الخبر في ولي المرأة وأما قوله تعالي: ((ذلك بأن الله مولي الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولي لهم)) [236] فحمله المولي ها هنا علي الأولي بالتصرف حسن، علي أنا لا ننكر أن يكون ها هنا بمعني الناصر، فإنا ما ادعينا أن لفظة المولي في كل موضوع تفيد الأولي، بل في هذا الخبر. قوله: سلمناه لكن لم قلتم: إنه يتعين حمله في حسن الاستفهام والتوكيد؟ قلنا: أما الاستفهام فلا نسلم حسنه في هذه المواضع، بل الذهن السليم يشهد بقبحه، وأما حسن التوكيد [237] فلا يدل علي الاشتراك، بأنك إذا قلت: جاءني زيد، يتبادر إلي فهم كل عقال أن هذا الانسان المخصوص وصل إليك، والمبادرة إلي الذهن قرينة الحقيقة، فإن كان يحسن أن يؤكده فيقول: جاءني زيد بنفسه. وأما المنع من الشهادة عليه إلا بعد الاستفسار فلا نسلم ذلك مطلقا. وبيانه: أن الفهم ها هنا قد يختلف بحسب ذلك السامع وبلادته ونقصه وعدم تفطنه، فجائز أن يسبق إلي ذهن واحد المعني المراد قبل الآخر، وأقوي منه، فيجوز له علي ذلك التقدير أن يشهد عليه، وجائز لمن لم يكن كذلك أن يستفسر، بل قد يجب الاستفسار لاستثبات الحقوق الشرعية، وأما التأكيد، فقد علمت أنه لا يلزم منه الاشتراك. قوله: سلمناه لكن مؤخرة الحديث يقتضي أن يكون المراد من الحديث الناصر، إلي آخره. [ صفحه 136] قلنا: لا نسلم مبادرة الذهن إلي ما ذكرتم، بل نقول: دلالتها علي ما أوردناه أولي، بيانه: أن قوله " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " غير لائق إلا بمن كان له أولياء وأنصار وخاذلون أعداء ويحتاج إلي النصرة، ويتضرر بالخذلان، وذلك لا يليق إلا بالسلطان. وأما قوله لا يسلم حمله علي الأولي ولم لا يجوز حمله علي ولاية الدين والنصرة؟! قلنا - لما تقدم قوله - في ذكره فائدتان: إحداهما: أن لفظ العام، إلي آخره. قلنا: أما أن اللفظ عام، فظاهر، وأما تمكين المعاند من أن يقول ما قلتم حتي يحتاج إلي تعيين الرسول صلي الله عليه [وآله]. قلنا: بطلان هذا الكلام ظاهر، وذلك أن أحدا من الصحابة في زمن الرسول (صلي الله عليه وآله) لا يشك [في] أن عليا سيدا من سادات المؤمنين، وقد عرفوا مكانه من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وجهاده في سبيل الله، وطاعته لله، بل كان منهم من يعتقد أنه أفضل الخلق بعد الرسول (صلي الله عليه وآله). والذين جحدوا فضائله ونافسوا وكانوا يدعون المثلية في زمن الرسول (صلي الله عليه وآله) لم ينقصوه عن مراتب سادات المؤمنين حتي يحتاج الرسول إلي ذلك الجمع العظيم في ذلك الوقت الشديد الحر الذي [كان] يحتاج الشخص منهم إلي أن يضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر، ويخطبهم ليقرر عليهم مثل هذا الأمر الظاهر. وهذا هو الجواب عن الفائدة الثالثة. قوله: سلمنا خلوه عن الفائدة فلم لا يجوز ذلك أليس عندكم أن إمامة علي (عليه السلام) ثابتة بالنص الجلي، إلي آخره. قلنا: الفائدة ها هنا حاصلة، وذلك لأن النصوص الجلية لم تكن بمحضر [ صفحه 137] مثل هذا الجمع العظيم من الصحابة، فيجوز أن يكون النبي (صلي الله عليه وآله) قصد ها هنا أن يشهد بذلك الحال ويسمعها كل الصحابة في ذلك الوقت، لأنه قريب وفاته (صلي الله عليه وآله)، فهو وقت الحاجة. وأما أنه لم يشهره في الوقت الأول وينهيه إلي جميع الصحابة؟ فلجواز أن يكون (عليه السلام) عالما بامتداد عمره فلا يجب عليه إشاعته وجوبا مضيقا في ذلك الوقت، لأنه حكيم لا يعترض عليه بتخصيص بعض الأوقات بإيقاع فعل أو قول دون وقت آخر، لجواز أن يفعل ذلك لمصلحة لا يطلع عليها. قوله في الوجه الثالث: إن أهل اللغة فريقان، إلي آخره. قلنا: لا نسلم حصرهم في الفريقين المذكورين، فإن منهم من جعلها حقيقة في القدر المشترك أيضا. سلمنا أن ذلك لم يقل به أحد من أهل اللغة السابقين، لكن لا نسلم أن أخذ [238] كل فرقة بقول يستلزم تحريم إحداث قول ثالث. قوله: إن ذلك إجماع منهم فيكون القائل [239] بغير أحد القولين خارقا للاجماع. قلنا: لا نسلم أن الإجماع حاصل، سلمناه، لكن لا نسلم أن مثل هذا إجماع [240] فإن الإجماع عبارة عن: اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد (صلي الله عليه وآله) علي أمر من الأمور اتفاقا مقصودا بالقصد الأول، بحيث يفهم من كل منهم أن الحق ما اتفقوا عليه دون غيره. وها هنا ليس كذلك، فإن اتفاق أهل اللغة علي أن المراد بهذه اللفظة أمر واحد أو أمران لا يحتمل غيرهما، غير حاصل. [ صفحه 138] نعم لو بين الخصم أنه حصر أهل اللغة وحصر أقوالهم، ثم بين أنهم افترقوا إلي هاتين الفرقتين، وأن كل واحدة منهما قالت بوجه من الوجهين المذكورين، وأنهم اتفقوا علي أن هذه اللفظة لا تحتمل شيئا آخر، لأمكنه أن يستدل بالاجماع لكنه لم يمكنه ذلك. قوله في المعارضة بالمعتق: أنه يسمي مولي وليس أولي [241] بالتصرف. قلنا: بل هو أولي بالتصرف فيما هو أهل له، وهو خدمة معتقه والأمور التي تلزمه مراعاتها. قوله: معني القرب قدر مشترك بينهما بنص أهل اللغة، فحملها عليه أولي. قلنا: حملها علي ما ذكرناه أكثر فائدة لأن فيه معني القرب وزيادة فكان أولي. وهو الجواب عن قوله: إن معني النصرة أيضا حاصل في الجميع فلم لا تحملوها عليه؟ قوله في قول عمر: لم لا يجوز أن يكون أراد النصرة؟ قلنا: الضرورة تقتضي بأن كلام عمر مستلزم للغبطة، والنصرة لا شك أنها عامة لكل المؤمنين، ولا يحصل بتنصيصها في حق علي (عليه السلام) غبطة. وأيضا: كلامه يدل بظاهره علي حصول مرتبة لعلي ليست لغيره، والنصرة عامة لكل المؤمنين، فلا يحصل لعلي (عليه السلام) بإظهارها في حقه مرتبة له. قوله: لو كان المراد ما ذكرتموه لزم أن يكون أولي بالتصرف [242] في حياة النبي صلي الله عليه [وآله]. قلنا: ليس في اللفظ إلا إثبات الولاية له (عليه السلام) كما ثبت للنبي (صلي الله عليه وآله)، أما أن [ صفحه 139] تلك الولاية تكون في زمان النبي صلي الله عليه [وآله] أو بعده؟ فليس في اللفظ ما يدل عليه، إلا أن العقل حكم بحسب العرف والعادة أن التصرف للإمام في الأمور لا يحصل بالفعل إلا عند عدم النبي صلي الله عليه [وآله]، ثم لو سلمنا في أن اللفظ يعم الأوقات فلنا أن نقول: إن التخصيص بالعقل جائز. قوله: سلمنا ذلك، لكن لم قلتم: إنها تدل علي الإمامة؟! قلنا: لما بيناه. قوله: إنه جاء في القرآن لغير ذلك، كقوله تعالي ((إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه)) [243] قلنا: هذا مطابق لغرضنا، لأن الذين اتبعوا إبراهيم هم أولي بالتصرف في خدمته وأحواله من الكفار الذين لم يتبعوه، وكذلك الرعية للسلطان والتلامذة للأستاذ، وهذا هو المتبادر إلي الأفهام والتبادر إلي الذهن دليل الحقيقة، ولا يحتمل الاستفهام، وأما التوكيد فقد عرفت أنه لا يوجب كون اللفظ مشتركا. قوله علي الوجه الثاني: إن ذلك أيضا ممنوع، بدليل حسن الاستفهام والتوكيد. قلنا: أما حسن الاستفهام فممنوع، وأما التأكيد فقد عرفت أنه قد يؤكد اللفظ ويراد به حقيقة ظاهرة وبالله التوفيق. البرهان الثالث: قول النبي (صلي الله عليه وآله): " أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي " [244] وجه الاستدلال به أن هذا الحديث يقتضي أن يثبت لعلي (عليه السلام) من النبي (صلي الله عليه وآله) مثل جميع المنازل التي كانت ثابتة لهارون من انظر من مصادر الحديث في تتمة المراجعات: سبيل النجاة: 117 - 123. [ صفحه 140] موسي (عليهما السلام)، ومن المنازل الثابتة لهارون من موسي كونه مستحقا للقيام مقامه بعد وفاته لو عاش بعده، فوجب أن يثبت لعلي (عليه السلام) ذلك. أما الأول فبيانه من ثلاثة أوجه: الأول: أن الحكيم إذا تكلم بكلام متناول بظاهره أشياء ثم استثني بعضها وهو يريد الإفهام فإنه يكون مريدا لما عدا المستثني ويكون الاستثناء قرينة دالة علي إرادته لما عدا المستثني، لما يتناوله اللفظ، كقول القائل: من دخل داري أكرمته إلا زيدا، عرفنا أنه أراد إكرام من عداه، لأنه أراد الإفهام، فلو لم يرد الإفهام ولم يرد إكرام عمرو أيضا لاستثناه كما استثني زيد. الثاني: أن الحديث لو أفاد منزلة واحدة فقط لما جاز أن يستثني منزلة النبوة، لأن الشئ الواحد لا يمكن أن يستثني منه. الثالث: أن الأمة في هذا الحديث علي ثلاثة أقوال: أحدها: قول من قصره علي منزلة واحدة، وهو السبب الذي يدعونه من خروج الكلام عليه، وهو أنه (عليه السلام) لما لم يستصحبه في غزوة تبوك أرجف [245] المنافقون بأنه إنما تركه بغضا له، فشكا علي (عليه السلام) ذلك إلي النبي (صلي الله عليه وآله)، فذكر النبي (صلي الله عليه وآله) ذلك إزالة لذلك الوهم. والقول الثاني: أنه يتناول كل المنازل إلا ما خرج بالدليل. والثالث: التوقف إلي ظهور القرينة المعينة للمراد. فالأول: باطل لثلاثة أوجه: الأول: أن المرجف يبغض النبي (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) إن لم يكن عاقلا فلا معني لتأذيه منه، وإن كان عاقلا فالضرورة قاضية، بأنه لا يجوز أن يتوهم ذلك مع [ صفحه 141] علمه بقربه من الرسول (صلي الله عليه وآله) وأقواله فيه واعتداده به. الثاني: أن أكثر الروايات أن هذا الخبر ورد في غير غزوة تبوك. الثالث: أن ما ذكرتموه من الرواية آحادية فلا تفيد العلم، وليس في لفظ الحديث ما يقتضي الاقتصار علي هذه الواقعة، فإذا يمتنع العلم بصحة هذا. والثالث أيضا باطل، لما ثبت في أصول الفقه من القول بصيغ العموم، وإذا كان كذلك وجبت صحة القسم الثاني وإلا لكان الحق خارجا عن الأمة وإنه غير جائز. وأما بيان الثاني وهو: أن من جملة منازل هارون من موسي استحقاقه للقيام مقامه بعد وفاته، فلوجهين: الأول: أنه كان خليفة لموسي حال حياته لقوله تعالي حكاية عنه " اخلفني في قومي " [246] فوجب بقاء أهليته للخلافة بعد وفاته. التقرير الثاني: أنا لا ندعي خلافة هارون لموسي، بل نقول إن هارون كان شريك موسي (عليهما السلام) في الرسالة، ولا شك أنه لو بقي بعد وفاته لقام مقامه في كونه مفروض الطاعة، وذلك القدر كاف في المقصود، لأنه لما دل الحديث علي أن حال علي (عليه السلام) كحال هارون في جميع المنازل، كان من منازل هارون استحقاقه للقيام مقامه من وجوب العصمة، وجب أن يكون علي (عليه السلام) كذلك. لا يقال: الحديث لا يتناول إلا المنازل الثابتة دون المقدرة، وإمامة هارون بعد موسي (عليه السلام) ما كانت حاصلة بل كانت مقدرة، فلا يتناولها الحديث. لأنا نقول: استحقاق هارون للقيام مقام موسي (عليه السلام) بعد وفاته منزلة ثابتة في الحال لأن استحقاق الشئ قد يكون حاصلا وإن لم يكن المستحق حاصلا في [ صفحه 142] الحال. لا يقال: لا نسلم دلالة الحديث علي العموم، بيانه، هو: أن حسن الاستفهام والتوكيد دليل الاشتراك، ثم أنه (عليه السلام) لم يقل أنت مني بمنزلة هارون من موسي حتي الخلافة إن عشت بعدي. وعند الإمامية إذا قال الانسان ضربت كل من في الدار وكان فيه أربعة فإنه يحسن من السائل أن يستفهمه، ومن القائل أن يؤكد، فبطريق الأولي أن حسن الاستفهام والتوكيد في لفظ الحديث لا يقتضي العموم. قوله: الحكيم إذا تكلم بكلام ظاهره التناول للأشياء، ثم استثني بعضها وهو يريد الافهام، فإنه يكون مريدا لما عدا المستثني. قلنا: هذا لا يستقيم علي مذهبكم، لأن حسن الاستفهام والتوكيد دليل الاشتراك عندكم، ومعلوم أنه يحسن الاستفهام بعد الاستثناء فيقال: أكرم كل من عدا زيدا. وكذلك التوكيد من المتكلم فيقال: أما جميع من عدا زيدا فإني أكرمهم. قوله: الحديث لو أفاد منزلة واحدة لما جاز الاستثناء لامتناع الاستثناء من الشئ الواحد. قلنا: من مذهبكم أن الاستثناء يخرج من اللفظ ما لولاه لصح دخوله فيه، لا ما لولاه [247] لوجب دخوله فيه، وإذا كان كذلك فقوله (عليه السلام): " أنت مني بمنزلة هارون من موسي " يصلح لجميع المنازل ويصلح لبعضها عندكم، فصح أن يستثني منه النبوة ولا نقول: إنه يفيد منزلة واحدة فقط، بل نتوقف فيه، ونحمل الحديث علي السبب، لأنه المتيقن، إذ لا يجوز خروجه عن اللفظ، وما عداه فيلزم أن يتوقفوا فيه. [ صفحه 143] قوله: هذا الحديث روي في غير غزوة تبوك، سلمنا دلالة هذا الحديث علي العموم، لكن لا نسلم أن منازل هارون من موسي كونه قائما مقامه بعد وفاته. وقوله: إنه كان خليفة في حال حياته، فوجب بقاء تلك الخلافة بعد موته. قلنا: لا نسلم كونه خليفة له حال حياته. أما قوله تعالي: ((اخلفني في قومي)). قلنا: لم لا يجوز أن يكون ذلك إنما كان [248] علي طريق الاستظهار، كما قال ((وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)) ولأن هارون كان شريك موسي في النبوة، فلو لم يستخلفه موسي لكان هو لا محالة يقوم بأمر الأمة، وهذا لا يكون استخلافا علي التحقيق لأن قيامه بذلك إنما كان لكونه نبيا. ثم إن سلمنا أن موسي (عليه السلام) استخلف هارون في قومه، لكن في كل الأزمنة أو في بعضها؟ الأول ممنوع، والثاني مسلم، بيانه: أن قوله: ((اخلفني في...)) [249] أمر، وهو لا يفيد التكرار بالاتفاق، وأيضا القرينة دالة علي أن ذلك الاستخلاف ما كان عاما لكل الأزمنة، لأن العادة جارية بأن من خرج من الرؤساء واستخلف علي قومه خليفة أن يكون ذلك الاستخلاف معلقا بتلك السفرة فقط، وإذا ثبت أن ذلك الاستخلاف لم يكن حاصلا في كل الأزمنة لم يلزم من ثبوته في بعض الأزمنة ثبوته في كلها. قوله: لو عاش هارون بعد موسي (عليه السلام) لقام مقامه في كونه مفترض الطاعة. قلنا: تجب علي الناس طاعته فيما يؤديه عن الله تعالي؟ أو فيما يؤديه عن [ صفحه 144] موسي (عليه السلام)؟ أو في تصرفه في إقامة الحدود؟ الأول مسلم، ولكن ذلك نفس كونه نبيا، فلا يمكن ثبوته في حق علي (عليه السلام)، وأما الثاني والثالث فممنوعان لأن من الجائز أن يكون النبي صلي الله عليه [وآله] مؤديا للأحكام عن الله تعالي ويكون المتولي لتنفيذ تلك الأحكام غيره، وإذا جاز ذلك ما يلزم من تقدير بقاء هارون بعد موسي (عليه السلام) كونه متوليا لتنفيذ الأحكام، بل يجوز أن يتولي تنفيذ الأحكام غيره، وإذا لم يجب ذلك لم يجب كون علي أيضا كذلك، سلمنا أن هارون لو عاش بعد موسي لكان منفذا للأحكام، لكن لا شك في أنه ما باشر ذلك، لأنه ما يستقبل موسي إماما لزم من الثاني أن لا يكون إماما [250] وإذا تعارضا تساقطا. [الجواب عن الشبهات]: لأنا نجيب عن الأول أن لفظ المنزلة يفيد العموم، وأما حسن الاستفهام فممنوع، وأما التوكيد فبتقدير الاستئناف. علي أن التأكيد إنما هو تقوية المعني الأول الذي يفيده اللفظ الأول بلفظ ثان، فلو لم يكن اللفظ الأول مفيدا لعموم لما حسن تأكيده. قوله: إنه (صلي الله عليه وآله) لم يقل أنت مني بمنزلة هارون من موسي حتي الخلافة إن عشت بعدي. قلت: لما كانت لفظة " منزلة " مفيدة لعموم كل واحدة من المنازل، ومن جملة المنازل كونه خليفة له لو عاش بعده، لم يكن به حاجة إلي إفراد هذه المنزلة بالذكر. قوله في الثاني: هذا لا يستقيم علي مذهبكم، لأن حسن الاستفهام [ صفحه 145] والتوكيد دليلا الاشتراك، ومعلوم أنه يحسن الاستفهام بعد الاستثناء وكذلك التوكيد. قلنا: مر في الجواب عنه [251] . قوله في الثالث: من مذهبكم أن الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لصح دخوله تحت اللفظ. قلنا: لا نسلم، بل هو عندنا يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله، وصيغ العموم عندنا صحيحة. سلمناه لكن قرينة توجب مرادية الباقي لا يستثني ما يريد إخراجه. قوله: أصحاب الرواية الصحيحة كانت في غزوة تبوك. قلنا: المعتبرون من أصحاب الرواية الصحيحة عندكم في هذا النقل غير بيني العدالة عندنا، فلا ثقة بقولكم. قوله: لا نسلم أن من جملة منازل هارون من موسي كونه قائما مقامه بعد موته. قلنا: تقدم جوابه. قوله: لا نسلم كونه خليفة له حال حياته. قلنا: بل هو كذلك للآية. قوله: لم لا يجوز أن يكون ذلك إنما كان علي سبيل الاستظهار. قلنا: حمل لفظ الخلافة علي ما أردناه حقيقة، فصرفه إلي معني آخر خلاف الظاهر، وإنه محتاج إلي الدليل. قوله: ولأن هارون كان شريك موسي في النبوة، فلو لم يستخلفه موسي [ صفحه 146] كان [252] هو لا محالة يقوم بأمر الأمة، وهذا لا يكون استخلافا علي التحقيق. قلنا: حقيقة الاستخلاف هي قيام شخص مقام الآخر في تنفيذ مراسمه علي سبيل النيابة عنه، وها هنا كذلك، لأن هارون لو عاش بعد موسي (عليهما السلام) لكان متصرفا في إقامة حدود شريعته، منفذا لسنته التي خلفها في قومه، فقيامه بأمر الأمة حينئذ ليس لكونه نبيا فقط. قوله: لو سلمنا أن موسي (عليه السلام) استخلف هارون في قومه لكن في كل الأزمنة أو بعضها؟ الأول ممنوع، لأنه أمر وهو لا يفيد التكرار، والثاني مسلم، إلي آخره. قلنا: مرادنا إثبات أهلية هارون للقيام مقام موسي بعده واستحقاقه له، ولا شك أن تلك الأهلية ثابتة، بدليل الاستخلاف، والعلم حاصل ببقائها علي تقدير بقائه بعده، لمكان العصمة. قوله: يجب علي الناس طاعته فيما يؤديه عن الله تعالي؟ أو فيما يؤديه عن موسي؟ أو في نصرته في إقامة الحدود؟ قلنا: بل في الكل، أما ثبوته في حق علي (عليه السلام) فإنما كان من جهة كونه مؤديا عن الرسول (صلي الله عليه وآله) ومتصرفا في إقامة الحدود، لاستحالة كونه نبيا. قوله: الثاني والثالث ممنوعان، لأن من الجائز أن يكون النبي (صلي الله عليه وآله) هو المؤدي عن الله تعالي، ويكون المتولي لتنفيذ الأحكام غيره. قلنا: الجواز ظاهر، لكن لا يلزم من عدم توليته لإقامة الحدود بنفسه خروجه عن كونه متصرفا، فإن التصرف في إقامة الحدود مثلا يصدق أن يأمر غلامه بذلك، فيصدق حينئذ أن هارون لو عاش بعد موسي لوجبت طاعته [ صفحه 147] فيما يؤديه عن الله، وعن موسي (عليه السلام)، وفي التصرف في إقامة الحدود، وإن لم يكن هو المباشر لإقامتها. قوله: سلمنا أنه لو عاش بعد موسي لكان منفذ الأحكام، لكن لا شك في أنه ما باشر تلك الأحكام، إلي آخره. قلنا: إن هارون إنما لم يباشر تلك الأحكام لموته قبل موسي، وأما علي (عليه السلام) فإنه لم يمت قبل الرسول (صلي الله عليه وآله)، فظهر الفرق، وبالله التوفيق. [ صفحه 148]

الاستدلال بالبراهين العقلية

النوع الثالث: الاستدلال بالبراهين العقلية، وهي أربعة: البرهان الأول: علي (عليه السلام) أفضل الصحابة، والأفضل يجب أن يكون هو الإمام، فإذن يجب أن يكون علي هو الإمام. أما المقام الأول، فبيانه من اثنين وعشرين وجها. الأول: قوله تعالي: ((فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم، ونسائنا ونسائكم، وأنفسنا وأنفسكم)) [253] وجه الاستدلال به أنه (عليه السلام) دعا عليا إلي ذلك المقام، وذلك يدل علي غاية فضله. أما الأول فلوجهين: أحدهما أنه (عليه السلام) [254] قصد بالمباهلة بيان دينه الذي جاء به، وذلك يقتضي أن يخص بالمباهلة من يكون هو في غاية المحبة له، وإلا لكان للمنافقين أن يقولوا: لو كان علي بصيرة من أمره لدعا [255] إلي المباهلة نزول العذاب علي من يحبه ويخاف عليه، دون من ليس كذلك. ثم إن شفقة النبي (صلي الله عليه وآله) علي الذين أحضرهم في ذلك الموضوع إما لشدة قربهم، وهو باطل، وإلا لأحضر العباس وعقيلا كما أحضر عليا (عليه السلام)، أو لكمال فضلهم فيلزم أن يكون علي أفضل الخلق. الثاني: أنه لما كانت نفس علي (عليه السلام) نفسا له (صلي الله عليه وآله) وجب أن يثبت لعلي (عليه السلام) جميع ما يثبت له، لأن مقتضي الوحدة ذلك، ترك العمل به فيما عرف بضرورة [ صفحه 149] العقل وهو التعدد والصفات التي اختص كل واحد منهما بها، أو بنظره [256] كالنبوة، فيجب العمل به فيما عداه. الثاني: قوله تعالي: ((وإن تظاهرا عليه فإن الله هو موليه وجبرائيل وصالح المؤمنين)) [257] جاء في التفسير أن الآية نزلت في علي (عليه السلام) [258] . الثالث: قوله تعالي: ((قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي)) [259] . ولا شك في دخول علي (عليه السلام)، وخروج أبي بكر. الرابع: خبر الطير: وهو ما روي: أنه (صلي الله عليه وآله) أهدي إليه طائر مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطائر. وفي رواية أخري: " اللهم أدخل إلي أحب أهل الأرض إليك " فجاء علي (عليه السلام) وأكل معه من ذلك الطير [260] والاستدلال به: إن أحب الخلق إلي الله ليس إلا أكثرهم ثوابا، لأن المحبة منه تعالي لعبده ليس إلا إرادة الثواب. وأما أن أكثر الناس ثوابا أفضل فهو ظاهر. الخامس: حديث المؤاخاة، فإنه (عليه السلام) لما آخي بين أصحابه اتخذه أخا [ صفحه 150] لنفسه [261] وذلك يدل علي علو شأنه وزيادة منقبته. السادس: خبر الراية، وهو ما روي: أنه (صلي الله عليه وآله) بعث أبا بكر إلي خيبر فرجع منهزما، ثم بعث عمر فرجع منهزما، فبلغ ذلك من رسول الله (صلي الله عليه وآله) أي مبلغ، فبات ليلته مهموما، فلما أصبح خرج إلي الناس ومعه الراية فقال: " لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار " فتعرض لها المهاجرون والأنصار، فقال (صلي الله عليه وآله) أين علي؟ فقالوا: إنه أرمد العين فجاء إلي النبي (صلي الله عليه وآله) فتفل في عينه، ثم دفع إليه الراية [262] . فهذا الحديث وكيفية ما جري يستلزم سلب الأوصاف الحميدة التي تثبت لعلي (عليه السلام) عن غيره، خصوصا الذين غضب عليهم، وإلا لما كان في تخصيصه بهذه الأوصاف فائدة، وليس ذلك من دليل الخطاب، بل استدلال بقرائن كيفية ما جرت الحكاية عليه. السابع: قوله (صلي الله عليه وآله): " من كنت مولاه فعلي مولاه " [263] وقد تقدم بيانه. الثامن: قوله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسي " [264] وهذا الخبر وإن لم يدل علي الإمامة فلا أقل من دلالته علي أنه (عليه السلام) أفضل من الشيخين. التاسع: قوله (صلي الله عليه وآله) في ذي الثدية: " يقتله خير هذه الأمة " [265] وقاتله كان علي (عليه السلام). [ صفحه 151] العاشر: روي أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): " إن الله اطلع إلي أهل الأرض فاختار منهم أباك فاتخذني نبيا، ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك " [266] . الحادي عشر: ما روي عن عائشة أنها قالت: كنت عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) إذ أقبل علي (عليه السلام) فقال: " هذا سيد العرب " قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ألست أنت سيد العرب؟ فقال: " أنا سيد العالمين، وهذا سيد العرب " [267] . الثاني عشر: ما روي عن أنس أنه (عليه السلام) قال: " إن أخي ووزيري، وخير من أتركه بعدي، يقضي ديني، وينجز موعدي: علي بن أبي طالب " [268] . الثالث عشر: عن أبي رافع قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): " أما ترضين أن قد زوجتك خير أمتي " [269] . الرابع عشر: عن سلمان (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب " [270] . الخامس عشر: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " علي خير [ صفحه 152] البشر من أبي فقد كفر " [271] . السادس عشر: من الوجوه العقلية: علي (عليه السلام) أعلم الخلق بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والأعلم أفضل، بيان المقدمة الأولي بالإجمال والتفصيل: أما الاجمال فهو أنه لا نزاع أنه (عليه السلام) كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والاستعداد للعلوم، وكان النبي (صلي الله عليه وآله) في غاية الحرص في تربيته وإرشاده إلي اكتساب الفضائل، ثم إن عليا (عليه السلام) نشأ من أول صغره في حجر النبي (صلي الله عليه وآله)، وفي كبره صار ختنا له، وكان يدخل عليه في كل يوم، ومعلوم أن مثل هذا التلميذ إذا كان بهذه الأوصاف وكان أستاذه بالأوصاف المذكورة، ثم اتفق لهذا التلميذ أن اتصل بخدمة مثل هذا الأستاذ في زمان الصغر وفي كل الأوقات، فإنه يبلغ المبلغ التام من العلم. أما أبو بكر وأمثاله فإنهم اتصلوا بخدمة الرسول (صلي الله عليه وآله) في زمان الكبر، ثم إنهم ما كانوا يصلون إليه في يوم وليلة إلا زمانا يسيرا، وقيل: " العلم في الصغر كالنقش في الحجر، والعلم في الكبر كالنقش في المدر ". فثبت أنه (عليه السلام) كان أعلم من أبي بكر وغيره. وأما التفصيل فمن وجوه: أحدها: قوله (صلي الله عليه وآله): " أقضاكم علي " [272] والقضاء يحتاج إلي جميع أنواع العلوم فلما رجح علي الكل في القضاء وجب رجحانه عليهم في كل العلوم، وأما سائر الصحابة فقد رجح بعضهم علي بعض في علم خاص كقوله (صلي الله عليه وآله): " أفرضكم زيد بن ثابت " و " أقرأكم أبي ". [ صفحه 153] الثاني: أجمع أكثر المفسرين علي أن قوله تعالي ((وتعيها أذن واعية)) [273] . نزلت في حق علي (عليه السلام)، وقد روي: أنها لما نزلت [274] قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): اللهم اجعلها أذن علي فقال علي (عليه السلام) بعد ذلك ما نسيت بعدها أبدا [275] واختصاصه بمزيد الفهم يدل علي اختصاصه بمزيد العلم. الثالث: روي: أن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر فنبهه علي (عليه السلام) بقوله: ((وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)) [276] مع قوله: ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)) [277] علي أن أقل مدة الحمل ستة أشهر. فقال عمر سود الله وجهي، لولا علي لهلك عمر [278] . الرابع: أن امرأة أقرت بالزنا وهي حامل فأمر عمر برجمها، فقال علي (عليه السلام): إن كان لك سلطان عليها فما سلطانك علي ما في بطنها؟! دعها حتي تضع ولدها ثم افعل بها ما شئت. فترك عمر رجمها وقال: لولا علي لهلك عمر [279] . الخامس: قال (عليه السلام): " لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، [ صفحه 154] وبين أهل الفرقان بفرقانهم [280] والله ما من آية نزلت في بر أو بحر، أو سهل أو جبل ولا سماء ولا أرض ولا ليل ولا نهار، إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أي شئ نزلت " [281] وذلك يدل علي أنه لم يبار [282] في العلوم. السادس: إن أعظم العلوم علم الأصول [283] ، وقد جاء في خطبه (عليه السلام) من أسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ما لم يأت في كلام سائر الصحابة. السابع: إن جميع فرق العلماء تنتهي في علومهم مع اختلاف أنواعها إليه، فوجب أن يكون أعلمهم، بيان الأول: أما علم الأصول فالمتكلمون إما معتزلة وهم ينسبون إليه، وإما أشعرية وهم ينسبون إلي أبي الحسن الأشعري [284] وهو تلميذ أبي علي الجبائي المعتزلي [285] . وهو ينسب إلي أمير المؤمنين (عليه السلام). وأما الشيعة فانتسابهم إليه ظاهر. وأما الخوارج وهم مع بعدهم عنه منتسبون إلي أكابرهم وكانوا تلامذة علي (عليه السلام). [ صفحه 155] وأما علم التفسير: فرئيس المفسرين ابن عباس وكان تلميذا لعلي (عليه السلام). وأما علم الفقه: فكان (عليه السلام) فيه في أعلي درجة، ولهذا قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " أقضاكم علي " [286] وقال علي (عليه السلام): " لو كسرت لي الوسادة " [287] كما ذكرناه. وأما الفصاحة: فمعلوم أن أحدا من الصحابة الذين بعده والذين معه أيضا لم يدركوا درجته ولا القليل منها. وأما علم النحو: فمعلوم أنه إنما نشأ منه وهو الذي أرشد أبا الأسود الدؤلي إليه [288] . وأما علم التصفية: فمعلوم أن نسبة جميع الصوفية تنتهي إليه. وأما علم الشجاعة وممارسة الأسلحة فمعلوم أن نسبة هذا العلم تنتهي إليه أيضا. فثبت بما ذكرناه أنه (عليه السلام) كان أستاذ العالمين بعد النبي (صلي الله عليه وآله)، وجميع الخصال الحميدة والمقامات الشريفة حاصلة له، وإذا ثبت أنه (عليه السلام) كان أعلم الخلق بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وجب أن يكون أفضلهم بعده لقوله تعالي: ((هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)) [289] وقوله تعالي: ((يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)) [290] . [ صفحه 156] السابع عشر: علي (عليه السلام) كان أكثر جهادا من أبي بكر، فوجب أن يكون أفضل منه. أما الأول: فقراءة كتب السير والأخبار توضح ما قلناه [291] . وأما أن كل من كان جهاده أكثر كان أفضل، فلقوله تعالي: ((فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم علي القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسني، وفضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما)) [292] . الثامن عشر: إيمان علي (عليه السلام) كان قبل إيمان أبي بكر، وإذا كان كذلك كان صلوات الله عليه أفضل من أبي بكر. أما الأول فلوجوه: أحدها: روي أن عليا (عليه السلام) قال علي المنبر: " أنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم " [293] ثم إن تلك الدعوي كانت بمحضر جمهور الصحابة والتابعين ولم ينكر أحد منهم عليه، ولو لم يكن ذلك مشهورا بينهم لما أمكنهم السكوت عنه. الثاني: سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " أولكم ورودا [ صفحه 157] علي الحوض أولكم إسلاما، علي بن أبي طالب " [294] . الثالث: روي أنس بن مالك قال: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوم الاثنين وأسلم علي (عليه السلام) يوم الثلاثاء [295] . الرابع: عبد الله بن الحصين قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: " أنا أول من صلي وأول من آمن بالله، ولم يسبقني غير رسول الله (صلي الله عليه وآله) " [296] . الخامس: إن كون إيمان علي (عليه السلام) قبل إيمان أبي بكر أقرب إلي العقل، وذلك أن عليا (عليه السلام) كان ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفي داره مختصا به، وأما أبو بكر فإنه كان من الأجانب، وفي غاية البعد أن يعرض الانسان هذه المهمات العظيمة علي الأجانب قبل عرضها للأقارب المختصين به غاية الاختصاص سيما والله تعالي يقول: ((وأنذر عشيرتك الأقربين)) [297] . لا يقال: إسلام أبي بكر كان سابقا، لقوله صلي الله عليه [وآله]: " ما عرض الإيمان علي أحد إلا وله كبوة، غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم " [298] فلو تأخر إسلام أبي بكر [299] فإن كان من قبل تأخر عرض الرسول (صلي الله عليه وآله) الإسلام عليه كان ذلك تقصيرا من الرسول (صلي الله عليه وآله) وهو غير جائز، وإن كان من قبل أبي بكر فهو باطل [ صفحه 158] للخبر المذكور، فدل علي أن إسلامه لم يتأخر، فهو بعينه يدل علي أن من سواه قد تلعثم، فيكون علي (عليه السلام) كذلك، وذلك يدل علي تأخر إسلامه. سلمناه، لكن نقول: إن عليا (عليه السلام) حين أسلم كان صبيا، لدليل الشعر المنقول عنه قوله: سبقتكم إلي الإسلام طرا++ غلاما ما بلغت أوان حلمي [300] . وأبو بكر حين أسلم كان شيخا عاقلا، والناس قد اختلفوا في صحة إسلام الصبي، وكيف كان، ولا شك أن إسلام البالغ العاقل الصادر عن التمييز أفضل من إسلام الصبي الذي لا يكون كذلك. سلمنا أن عليا (عليه السلام) كان بالغا حين أسلم إلا أنه كان في ذلك الوقت غير مشهور بين الناس ولا محترما ولا مقبول القول، بل كان كالصبي الذي يكون في البيت، فما كان يحصل بسبب إسلامه قوة في الدين. فأما أبو بكر فإنه كان شيخا موقرا محترما، فحصل بسبب شوكته قوة، فكان إسلامه أفضل من إسلام علي (عليه السلام). لأنا نقول: أما الخبر الذي ذكرتموه فلا نسلم صحة طريقه، سلمناه، لكنه خبر واحد فلا يفيد العلم، سلمناه، لكنه لا ينافي تأخير إسلام أبي بكر لجواز تأخيره من قبل الرسول (صلي الله عليه وآله) العرض عليه، لأنه علم أنه لا يقبل الإسلام في تلك المدة ثم علم أنه قد فزع إلي الحق فعرض عليه فلم يتلعثم، وهذا لا يدل علي [ صفحه 159] سبق إسلامه، وثبت بالأدلة السابقة أن إسلام علي (عليه السلام) كان مقارنا للبعثة، فلم يلزم مما ذكروه سبق إسلام أبي بكر علي إسلامه. قوله: إن عليا (عليه السلام) حين أسلم لم يكن بالغا. قلنا: لا نسلم أنه أسلم قبل البلوغ، وبيانه: أن سن علي (عليه السلام) كان بين خمس وستين سنة وبين ست وستين سنة، والنبي (صلي الله عليه وآله) قد بلغ بعد الوحي ثلاثة وعشرين سنة، وعلي (عليه السلام) قد بقي بعد النبي (صلي الله عليه وآله) قريبا من ثلاثين سنة، فإذا أسقطنا ثلاثا وخمسين من ست وستين بقي ثلاثة عشر سنة [301] وبلوغ الانسان في مثل هذا [302] السن ممكن، فعلمنا أنه كان ممكن البلوغ في ذلك الوقت، وإذا ثبت الإمكان وجب الحكم بوقوعه لقوله (صلي الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): " زوجتك أقدمهم سلما، وأكثرهم علما " [303] ولو كان صبيا حين أسلم لما صح هذا الكلام. سلمنا أنه ما كان بالغا حين أسلم لكن لا امتناع في وجود إسلام [304] صبي كامل العقل قبل البلوغ، وكذلك حكم أبو حنيفة بصحة إسلام الصبي، وحينئذ يكون إسلام صبي قبل البلوغ دليلا علي فضله لوجهين: أحدهما: أن الغالب علي طباع الصبيان الميل إلي الأبوين، ثم إن عليا (عليه السلام) خالف أبويه وأسلم فدل ذلك علي فضله. الثاني: أن الغالب علي الصبيان الميل إلي اللعب فيكون نظره وفكره في دلائل التوحيد. وإعراضه عن اللعب من أدل الأمور علي فضله، وكان في زمان [ صفحه 160] صباه مساويا للعقلاء الكاملين. قوله: حصل بإسلام أبي بكر قوة وشوكة في الدين لم تحصل بإسلام علي (عليه السلام). قلنا: هذا أولا إنما يتم لو صح أن أبا بكر قبل إسلامه كان موقرا محترما بين الخلق، وأنه دعا الناس إلي الإسلام وهما ممنوعان. ثم لا نسلم أنه حصل بسبب إسلامه شوكة في الدين. فيثبت بما قررناه أن إسلام علي (عليه السلام) كان مقدما علي إسلام أبي بكر، وبثبوت ذلك ثبت أن عليا (عليه السلام) أفضل، لقوله تعالي: ((والسابقون السابقون أولئك المقربون)) [305] لأن المسارعة إلي الخيرات توجب الأفضلية، لقوله تعالي في حق الأنبياء (عليهم السلام): ((إنهم كانوا يسارعون في الخيرات)) [306] . التاسع عشر: أن عليا (عليه السلام) كان أفضل بني هاشم بعد الرسول (صلي الله عليه وآله)، وهو متفق عليه وبنو هاشم أفضل من عداهم لقوله (صلي الله عليه وآله): " إن الله اصطفي من ولد إبراهيم قريشا، واصطفي من قريش هاشما " [307] . والأفضل من الأفضل أفضل. العشرون: أن عليا (عليه السلام) لم يكفر بالله طرفة عين، وأبو بكر في زمان الجاهلية كان كافرا، ولذلك خص علي [308] (عليه السلام) عند الخصم بقوله عند ذكره " كرم الله وجهه ". وإذا ثبت هذا فنقول: إن عليا (عليه السلام) كان أكثر تقوي من [ صفحه 161] أبي بكر، لأن من كان مؤمنا مدة عمره فلا بد وأن يكون أكثر تقوي ممن كان أكثر عمره كافرا ثم صار مؤمنا. والأتقي أفضل، لقوله تعالي: ((إن أكرمكم عند الله أتقيكم)) [309] . الحادي والعشرون: روي أحمد البيهقي في " فضائل الصحابة " أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: " من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في تقواه، وإلي إبراهيم في خلته، وإلي موسي في هيبته، وإلي عيسي في عبادته، فلينظر إلي علي ابن أبي طالب " [310] فثبت بهذا الحديث أن عليا (عليه السلام) كان مساويا لهؤلاء الأنبياء في هذه الخصال التي هي جماع [311] المكارم، ولا نزاع في أن هؤلاء كانوا أفضل من أبي بكر وسائر الصحابة، والمساوي للأفضل لا بد وأن يكون أفضل. الثاني والعشرون: أن الفضائل إما نفسانية، أو بدنية، أو خارجية عنهما. أما النفسانية فإما علمية أو عملية. أما العلمية فقد بينا أنه (عليه السلام) كان أعلم الصحابة ويؤيد ذلك وجوه [312] : الأول: قول النبي (صلي الله عليه وآله): " أنا مدينة العلم وعلي بابها " [313] ولا شك أن العلوم إنما تخرج من تلك المدينة إلي الخلق من قبل ذلك الباب، وقد فصلنا انتهاء مبادئ العلوم إليه في حقه (عليه السلام) تصديقا لهذا الخبر. الثاني: قوله (عليه السلام): " علمني رسول الله (صلي الله عليه وآله) ألف باب من العلم فانفتح لي [ صفحه 162] من كل باب ألف باب " [314] . الثالث: قول النبي (صلي الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): " زوجتك أكثرهم علما، وأعظمهم حلما " [315] وقول ابن عباس (رضي الله عنه) قسم العلوم عشرة أجزاء تسعة في علي (عليه السلام) وواحد في الخلق، ولقد شاركهم في العاشر [316] . وأما العملية فأقسام: منها: العفة والزهد، وقد كان رؤوس الزهاد من الصحابة كأبي ذر وسلمان تلامذة لعلي (عليه السلام). ومنها: الشجاعة، ولم يكن أحد [317] من الصحابة كشجاعته في اعتدائها [318] . وثمرتها ولذلك قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): " لضربة من ضربات علي خير من عبادة الثقلين " [319] ومن أوضح براهين ذلك قلعه لباب خيبر حيث يقول: " والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية، ولكن قلعته بقوة إلهية " [320] . ومنها: السخاء، والمعلوم أنه لم يكن أحد من الصحابة أسخي منه، ويشهد بذلك لسبب نزول قوله تعالي: ((ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)) [321] في حقه، وهو مشهور. وكذلك تصدقه بخاتمه حال ركوعه. [ صفحه 163] ومنها: حسن الخلق، وقد بلغ فيه إلي حد نسبه الجاهلون معه إلي الدعابة. ومنها: البعد عن الدنيا، وظاهر أنه مع إقبالها إليه لم يلتفت إليها رأسا، وكان يقول: " يا دنيا إليك عني غري غيري، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها " [322] . وله في هذا المعني شعر: دنيا تخادعني كأني++ لست أعرف حالها مدت إلي يمينها++ فرددتها وشمالها ورأيتها محتاجة++ فوهبت جملتها لها والأمر في ذلك ظاهر. ومنها: إقباله علي الله بالكلية، ووصوله إليه، واشتغال سره به الذي هو الغاية القصوي من وجود الانسان، وقد كان (عليه السلام) في ذلك سباق غايات وصاحب آيات، ويشهد بذلك أنه (عليه السلام) لما وقع فيه في بعض الحروب سهم وقصد الحجام ينزعه فجعل يتملل فقال الحسن (عليه السلام) دعوه حتي يشتغل بالصلاة، فلما اشتغل بها نزعه منه في حال السجود ولم يحس به [323] ، وذلك لاتصال نفسه القدسية بمبدأها التام، وعدم ملاحظته شيئا آخر في ذلك الوقت. وأما الفضائل البدنية: فقد كان (عليه السلام) من أقوي الخلق وأشدهم بأسا، وكان يقط الهام قط الأقلام. وأما الفضائل الخارجية: فمنها النسب، ومعلوم أن أشرف ما ينتسب إليه [ صفحه 164] الانسان هو القرب من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكان أقرب الناس إليه. ومنها المصاهرة، ولم يكن لأحد منها مثل ما له. ومنها: أنه لم يكن لأحد من الصحابة في تمام الفضل مثل أولاده الحسن والحسين (عليهما السلام) اللذين هما سيدا شباب أهل الجنة " [324] ، ثم أنظر إلي أولاد الحسن (عليه السلام) كالحسن المثني، والمثلث [325] ، وعبد الله ابن الحسن [326] والنفس الزكية [327] وإلي أولاد الحسين مثل زين العابدين، والباقر، والصادق، والكاظم، والرضا (عليهم السلام) الذين يقر بفضلهم وعلو درجتهم كل عاقل " والفضل ما شهدت به الأعداء ". ومن أوضح دلالات فضلهم أن من أفضل المشايخ السالكين إلي الله تعالي بعدهم أبو يزيد البسطامي وكان سقاء في دار الصادق (عليه السلام) [328] . وأيضا فمعروف الكرخي أسلم علي يد علي بن موسي الرضا (عليه السلام)، وكان بواب داره، وبقي علي حاله إلي آخر عمره ولم يكن لأحد مثل هذه الفضائل. وأما تقرير المقدمة الثانية، وهو أنه كل من كان أفضل وجب أن يكون هو الإمام، فبيانها أن من جعل إماما لغيره فقد جعل متبوعا لذلك الغير، وجعل الأكمل تبعا للأنقص قبيح في بداهة العقول، مثال ذلك أنه لو أخذ بعض الفقهاء [ صفحه 165] الأوساط ونصب للتدريس وأمر الشافعي وأبو حنيفة بالجلوس بين يديه والتتلمذ [329] له لذم كل عاقل من تقدم في نصب ذلك الفقيه. فثبت أن عليا (عليه السلام) لما كان أفضل الخلق بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وجب أن يكون هو الإمام وهو المطلوب. البرهان الثاني: أن الأمة أجمعت علي أن الإمام بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) إما علي أو أبو بكر أو العباس، ثم إن أبا بكر وعباسا لم يكونا صالحين للإمامة، فتعين أن يكون الإمام علي (عليه السلام). وإنما قلنا إنهما لم يكونا صالحين للإمامة، لأنه لا واحد منهما بمعصوم، وكل من يصلح للإمامة يجب أن يكون معصوما، فينتج أنه لا واحد منهما يصلح للإمامة. أما المقدمة الأولي فبالاتفاق، وأما الثانية فقد مر بيانها، فتعين حينئذ أن يكون الإمام بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) هو علي (عليه السلام). البرهان الثالث: أنه لا واحد من الصحابة عدا علي (عليه السلام) بمنصوص علي إمامته، وكل من كان إماما يجب أن يكون منصوصا علي إمامته، ينتج: ولا واحد من الصحابة عدا عليا (عليه السلام) بإمام. أما المقدمة الثانية: فقد مر بيانها، وأما الأولي فلأن المتأهل للإمامة في نظر الأمة إما العباس وإما أبو بكر وإما علي (عليه السلام)، وثبت أن العباس وأبا بكر لم يكن [ صفحه 166] منصوصا عليهما وأما العباس فظاهر وأما أبو بكر [330] فلو كان منصوصا عليه كان توقيفه الأمر علي البيعة من أعظم المعاصي، وذلك قادح في إمامته، وإذ ليس واحد منهما بمنصوص عليه فيثبت أن عليا (عليه السلام) منصوص عليه ووجب أن يكون الإمام وإلا لخرج الحق عن جميع أقوال الأمة، وإنه غير جائز. البرهان الرابع: أنه نقل عن أبي بكر وعمر مطاعن تقدح في صحة إمامتهما، ومتي كان كذلك تعين أن يكون علي (عليه السلام) هو الإمام، وأما المطاعن فمذكورة في الكتب المطولة، وأما أنهما متي كانا كذلك تعين أن يكون الإمام عليا (عليه السلام) فلضرورة أنه لا قائل بالفرق، وبالله التوفيق. [ صفحه 167]

في تعيين باقي الأئمة

الإمام الحق بعد علي (عليه السلام) ولده الحسن، ثم الحسين، ثم ابنه علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسي الكاظم، ثم ابنه علي بن موسي الرضا، ثم ابنه محمد الجواد، ثم ابنه علي الزكي، ثم ابنه الحسن العسكري، ثم ابنه محمد الخلف الحجة المنتظر (عليهم السلام). ولنا في إثبات هذا الترتيب وجهان: الأول: أنا قد بينا أن الإمام يجب أن يكون هو المنصوص عليه من قبل الرسول (صلي الله عليه وآله) أو من يقوم مقامه، وثبت أيضا أن الإمام يجب أن يكون معصوما، ثم علمنا بالتواتر أن عليا (عليه السلام) نص علي ابنه الحسن بالخلافة، فتعين أن يكون هو الإمام بعده. وتعين أنه معصوم، وإنه نص علي أخيه الحسين وهكذا نص كل واحد منهم علي من بعده من المذكورين، فوجب أن يكون هو الإمام فلزم من ذلك أن تكون الإمامة معينة في المذكورين واحدا بعد آخر إلي آخرهم. الثاني: الخبر المتواتر عن النبي (صلي الله عليه وآله) أنه قال للحسين (عليه السلام): " ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم حجة ابن حجة أخو حجة [ صفحه 168] أبو حجج تسع " [331] وهذا نص في المسألة. بقي أن يقال لو سلمنا تواتر هذا الخبر في هذا اللفظ، لكن لم قلتم، إن التسعة هم الذين عنيتموهم، ولم يجوز أن يكون غيرهم من أولاد الحسين (عليهم السلام)، فحينئذ يتعين الرجوع منا إلي كل واحد منهم وقد نص علي من بعده. إذ نقول: إن غير الإمام يعترف باختيار الرعية له و [عدم] [332] اطلاعهم علي أنه صاحب الملكة الرادعة عن المعاصي المسماة بالعصمة من بين سائر أولاد الإمام، وبتعيين [333] الإمام يتعين أن يكون هو الإمام الحق، وبظهور الكرامات علي يده. وأما الكلام في تواتر هذا الخبر سؤالا وجوابا، وتقريرا وإبطالا، فكما تقدم في تواتر النص الجلي علي إمامة علي (عليه السلام)، وبالله التوفيق. [ صفحه 169]

في تقرير شبهة الخصوم والجواب عنها

اشاره

المقدمة 1 - شبهة المنكرين لإمامة علي (عليه السلام) 2 - مطاعن الخوارج وغيرهم في علي (عليه السلام) 3 - فساد ما قالته الطوائف من الشيعة المنكرين لواحد واحد من الأئمة (عليهم السلام) 4 - غيبة الإمام (عليه السلام) [ صفحه 171]

المقدمة

فاعلم أن المخالفين لنا في المسألة إما شيعة أو غير شيعة، أما غير الشيعة فهم المنكرون لتقديم علي (عليه السلام) علي أبي بكر وهم أكثر الأمة، وأما الشيعة فأصولهم فرق أربعة: الإمامية، والكيسانية [334] ، والزيدية [335] ، والغلاة [336] ، وكل فرقة كالنوع لأصناف، ويلزم مقالة كل واحدة من هذه الأصناف إنكار أحد الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، ونحن نعين كل واحدة من الفرق المنكرون لإمام إمام. [فالأولي]: المنكرون لإمامة علي (عليه السلام) من الشيعة بعد أن كان مستحقا لها وهم الكاملية أصحاب أبي كامل معاد بن الحصين، وذلك أنهم زعموا أن الصحابة [ صفحه 172] كفرت لمخالفتهم النص الجلي، وأن عليا (عليه السلام) كفر بترك القتال معهم. الثانية: المنكرون لإمامة الحسن بن علي (عليهما السلام)، وهم صنفان: الأول: السبأية وهم أصحاب ابن سبأ، زعموا أن عليا (عليه السلام) لم يمت وأنه في السحاب، والرعد صوته والبرق سوطه، وأنه ينزل إلي الأرض بعد حتي يقتل أعداءه. الصنف الثاني: الذين قطعوا بموته لكنهم أنكروا إمامة الحسن (عليه السلام)، وساقوا الإمامة من علي (عليه السلام) إلي ابنه محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) وزعموا أنه القائم المهدي، وهو قول بعض الكيسانية. الثالثة: المنكرون إمامة [ولد] [337] الحسين بعد أخيه الحسن (عليهما السلام)، وهم الذين ساقوا الإمامة من الحسن (عليه السلام) إلي ابنه الحسن " الرضي من آل محمد " ومنه إلي ولده عبد الله بن الحسن بن الحسن، ومنه إلي ولده محمد النفس الزكية، ومنه إلي أخيه إبراهيم. الرابعة: المنكرون لإمامة زين العابدين علي بن الحسين (عليهم السلام)، وهم الذين ساقوها من الحسين (عليه السلام) إلي أخيه محمد بن الحنفية، وهم أكثر الكيسانية. الخامسة: المنكرون لإمامة محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وهم الذين ساقوها إلي زيد بن علي (رضي الله عنه) وهم الزيدية. السادسة: المنكرون لإمامة جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، وهم فرقتان: إحداهما: الذين قالوا إن الباقر لم يمت وهم ينتظرونه. الثانية: الذين قطعوا بموته لكن ساقوا الإمامة إلي محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن، من غير ولده، وهم أصحاب المغيرة بن سعد العجلي. [ صفحه 173] السابعة: المنكرون لإمامة موسي بن جعفر (عليه السلام) وهم طوائف: إحداها: الذين قالوا بغيبة الصادق وأنه لم يمت ولن يموت حتي يظهر فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وهو القائم المهدي، وهم بعض الناووسية. الثانية: الذين قطعوا بموته لكن زعموا أنه الإمام وأنه [338] سيرجع إلي الدنيا فيملأها عدلا كما ملئت جورا وهم الناووسية أيضا. الثالثة: الذين جزموا بموته لكن ساقوا الإمامة إلي ولده عبد الله ابن جعفر، ويقال لهم الفطحية، لأن عبد الله كان أفطح [339] ويقال لهم أيضا عمارية لانتسابهم إلي بعض أكابرهم يقال له عمار. الرابعة: الذين ساقوها إلي ولده محمد ويقال لهم السمطية. الخامسة: الذين ساقوها إلي ولده إسماعيل وهم الإسماعيلية السبعية. السادسة: الذين ساقوها إلي غير ولد جعفر وهم خمس طوائف: الأولي: الذين قالوا: إن جعفر أوصي بالإمامة إلي موسي بن الطفي، ويقال لهم الطفية. الثانية: الذين زعموا أنه أوصي بها إلي موسي بن عمران الأقمص وهم الأقمصية. الثالثة: الذين زعموا أنه أوصي بها إلي يرمع بن موسي الحايك وهم اليرمعية. الرابعة: القائلون بأن الصادق (عليه السلام) أوصي بها إلي عبد الله بن سعد التميمي، وهم التميمية. [ صفحه 174] الخامسة: الذين ادعوها لأبي جعدة وهم الجعدية. السابعة: من المنكرين لإمامة موسي بن جعفر (عليه السلام) اليعقوبية، وهم أصحاب أبي يعقوب، فإنهم جوزوا الإمامة لولد جعفر ولغير ولده. الثامنة: المنكرون لإمامة علي بن موسي الرضا (عليه السلام) وهم أيضا طوائف: الأولي: الذين توقفوا علي موسي (عليه السلام) وقالوا: لا ندري أنه مات أو لم يمت، ويقال لهم الممطورة، لأن يونس بن عبد الرحمن من علماء الشيعة قال: ما أنتم إلا كلاب ممطورة. الثانية: الذين قالوا وجزموا بأنه لم يمت ولا يموت إلي يوم القيامة. الثالثة: الذين جزموا بموت موسي وساقوا الإمامة إلي ولده أحمد ابن موسي. التاسعة: والمنكرون لإمامة محمد بن علي الجواد (عليه السلام) محتجين بعدم علمه، لصغر سنه في ذلك الوقت لأنه لما مات الرضا (عليه السلام) كان سن الجواد أربع وقيل ثمان سنين. العاشرة: المنكرون لإمامة علي الزكي (عليه السلام)، وهم طائفة شاذة زعمت أن الإمام بعد محمد بن علي (عليهما السلام) ابنه موسي بن محمد أخو أبي الحسن علي بن محمد. الحادية عشر: المنكرون لإمامة الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، وهم الذين ساقوا الإمامة من علي بن محمد الزكي إلي ولده جعفر. الثانية عشر: المنكرون لإمامة الحجة الخلف المنتظر (عليه السلام)، وهي ثلاثة عشر طائفة: إحداها: الذين قالوا إن الحسن (عليه السلام) لم يمت لأنه لو مات وليس له ولد ظاهر لخلا الزمان عن الإمام المعصوم، وذلك غير جائز. الثانية: الذين قالوا إنه مات لكنه سيجئ وهو المعني بكونه قائما بعد [ صفحه 175] الموت. الثالثة: قالوا إنه مات لا يجئ لكنه أوصي بالأمة إلي أخيه جعفر. الرابعة: قالوا إنه أوصي إلي أخيه محمد. الخامسة: قالوا: إنه مات من غير عقب، فعلمنا أنه ما كان إماما، وأن الإمام كان جعفر. السادسة: قالوا بل ظهر أن محمدا [340] كان الإمام، لأن جعفر [341] كان مجاهرا بالفسق، والحسين كان فاسقا بالخفية، فتعين محمد للإمامة. السابعة: قالوا: مات، ولكن ولد له بعد موته بثمانية أشهر ولد. الثامنة: قالوا: لما مات الإمام ولا ولد له، ولا يجوز انتقال الإمامة منه إلي غيره، بقي الزمان خاليا عن الإمام وارتفعت التكاليف. التاسعة: قالوا يجوز أن يكون الإمام لا من ذلك النسل بل من غيره من العلوية. العاشرة: قالوا: لما لم يجز انتقال الإمامة من ذلك النسل إلي نسل آخر، ولا يجوز خلو الزمان عن الإمام، علمنا أنه بقي من نسله ابن وإن كنا لا نعرفه بعينه، ونحن علي ولايته إلي أن يظهر. الحادية عشر: قالوا إن الإمامة إلي الرضا (عليه السلام)، وبعده مضطربة، فنتوقف [342] . في الكل. الثانية عشر: قالوا الإمام بعد الحسن ابنه المنتظر، وأنه علي بن الحسن، [ صفحه 176] وليس كما تقول القطعية في الغيبة والانتظار حرفا بحرف. الثالثة عشر: قالوا إن أبا محمد مات من غير ولد ظاهر، ولكنه عن حمل بعض جواريه [343] والقائم من بعد الحسن محمول لم تلد به أمه بعد، وإنما يجوز أن تبقي مائة سنة حاملا. فهذه الوجوه المشهورة في ضبط هذه الطوائف، ولهم شعب أخري أضربنا عن ذكرها لعدم الفائدة فيه. وسنبين فساد ما قالوه إن شاء الله تعالي. [ صفحه 177]

في شبهة المنكرين لإمامة علي

واعلم أن من الناس من ينكرها مطلقا، أما الأولون فهم القائلون بإمامة أبي بكر، وأما الآخرون فهم الخوارج. أما الأولون فتمسكوا بعشرة شبه: الأولي: قوله تعالي ((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم)) [344] ولفظ " الذين آمنوا " لفظ جمع وأقل الجمع ثلاثة فقد وعد الله الثلاثة فما فوقها من أمة محمد (صلي الله عليه وآله) أن يستخلفهم في الأرض ويمكن لهم دينهم الذي ارتضي لهم، وكل ما وعد الله تعالي فلا بد وأن يوجد، وإلا وقع الخلف في خبره تعالي وهو محال، ومعلوم أنه لم يوجد إلا خلافة هؤلاء الأربعة. الشبهة الثانية: التمسك بقوله ((قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلي قوم أولي بأس شديد)) الآية [345] فنقول: إن الداعي لهؤلاء الأعراب إما محمد (صلي الله عليه وآله)، أو الخلفاء الثلاثة الذين بعده، وإما علي (عليه السلام) ومن بعده، أما أن الداعي هو محمد (صلي الله عليه وآله) فمحال لقوله تعالي ((سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلي مغانم لتأخذوها)) [ صفحه 178] الآية [346] وأما أنه علي (عليه السلام) فباطل، لأنه تعالي قال في صفة هؤلاء الدعاة ((تقاتلونهم أو يسلمون)) ولم يتفق لعلي (عليه السلام) بعد النبي (صلي الله عليه وآله) قتال بسبب الإسلام، بل كانت محاربته بسبب طلب الإمامة. وأما أن الدعاة هم الذين كانوا بعد علي (عليه السلام)، فهو ظاهر البطلان، لأنهم عندنا كانوا فساقا، وعند الخصم كفارا، وعلي التقديرين فلا يليق بهم [ما] [347] في قوله تعالي ((فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا)) الآية [348] فلم يبق إلا أن يكون المراد هو إمامة هؤلاء الثلاثة. الشبهة الثالثة: لو كانت إمامة أبي بكر باطلة لما كان ممدوحا معظما عند الله تعالي، وقد كان كذلك، فوجب القطع بصحة خلافته، أما الملازمة فظاهرة، وأما أنه ممدوح معظم عند الله فلقوله تعالي ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)) [349] وهو من بايع تحت الشجرة، فوجب أن يكون مرضيا عند الله تعالي، ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)) [350] وإذا ثبت أنه مرضي عنه وجب صحة إمامته. الشبهة الرابعة: أن الصحابة كانوا يخاطبون أبا بكر بخليفة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وعلي (عليه السلام) حاضر، والخصم يعترف بذلك إلا أنه يحمله علي التقية، ثم إن الله سبحانه وتعالي وصف الصحابة بالصدق فقال ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم)) إلي قوله ((أولئك هم [ صفحه 179] الصادقون)) [351] فلما ثبت أنهم خاطبوه بالخليفة، وثبت أنهم صادقون، وجب أن يكون خليفة حقا. الشبهة الخامسة: تمسكوا بقوله (صلي الله عليه وآله) " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر " [352] وقوله " اقتدوا " لفظ للجمع، وهو إما للوجوب أو الندب، وعلي التقديرين فإنه يدل علي جواز الاقتداء بهما في الأحكام، ولو كان علي الخطأ والضلالة لما جاز ذلك. الشبهة السادسة: روي شعبة: أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: " إن الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا " [353] وصف القائمين بهذا الأمر بعده مدة ثلاثين سنة بالوصف المقتضي للمدح والتعظيم، ووصف من بعدهم بالوصف الدال علي أنهم أرباب الدنيا لا أرباب الدين، وذلك نص علي صحة خلافة الخلفاء الأربعة. الشبهة السابعة: أبو بكر أفضل الخلق بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) والأفضل هو الإمام وإنما قلنا إنه أفضل لقوله (صلي الله عليه وآله): " ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين علي أحد أفضل من أبي بكر " [354] وأما أن الأفضل هو الإمام فقد مر تقريره. الشبهة الثامنة: أن النبي (صلي الله عليه وآله) استخلف أبا بكر في الصلاة، فوجب أن يبقي خليفته في باقي الأحكام ضرورة، لأنه لا قائل بالفرق. [ صفحه 180] الشبهة التاسعة: طريق ثبوت الإمامة إما بالنص، وإما الاختيار، وقد بينا أن النص باطل فثبت الاختيار، وكل من قال أن الطريق إليه الاختيار قال أن الإمام هو أبو بكر، فوجب القول بصحة إمامته ضرورة، لأنه لا قائل بالفرق. الشبهة العاشرة: لو كانت الإمامة حقا لعلي (عليه السلام) لكان تركه لها إما حال ما كانت الأمة مساعدة علي الطلب أو حال ما كانت مخالفة له، فإن كان الأول تعين عليه الطلب، بحيث لو لم يطلب تبين أن الإمامة لم تكن حقا له، وإن كان الثاني وجب أن تكون هذه الأمة شر أمة أخرجت للناس، مع أنهم خير أمة أخرجت للناس، وإذا ثبت أنهم خير أمة لم يكن تركه (عليه السلام) طلب للإمامة إلا بسبب دفعهم له عنها، وذلك يقتضي أن يكون تركه لها إنما كان لأنها ليست حقا له. الجواب عن الشبهة الأولي: لا نسلم حملها علي الأربعة فقط، فإن اللفظ ((الذين آمنوا)) لفظ عام يتناول كل من آمن وعمل صالحا، فتخصيصه بالبعض دون البعض ترجيح من غير مرجح، فوجب حمله علي كل المؤمنين. وأما لفظ الخلافة فلا نسلم أن المراد منها الإمامة فإن الخلافة أعم، ووضع العام مكان الخاص مجاز، بل المراد أن الله تعالي وعد جميع من آمن أن يستخلفهم عوضا من الكفار في الجاهلية. وعن الثانية: لم لا يجوز أن يكون الداعي هو النبي (صلي الله عليه وآله)، وأما ما تبين الاستقبال في ((سيقول)) فتحمل علي أن الآية نزلت قبل بعض الغزوات، وحينئذ يكون الوعد بالقول في المستقبل عند تلك الغزوة حسنا ويصلح دخول التبيين فيه. سلمناه، لكن لم قلتم أن الداعي إذا كان أحد هؤلاء الثلاثة وجب أن تكون إمامتهم صحيحة؟ إذ من الجائز أن يكون الانسان علي الفسق المخرج عن قبول [ صفحه 181] الشهادة فضلا عن الإمامة ويدعو مع ذلك إلي طاعة الله، ويحرص علي بعض أوامر الله، ويؤيده ما روي عن النبي (صلي الله عليه وآله) " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاسق " [355] . وعن الثالثة: لا نسلم أن أبا بكر بقي معظما مطلقا، وبيانه من وجهين: أحدهما: أن لفظ " رضي " لفظ فعل ماض، ومع ذلك فهو مقيد بوقت البيعة في الشجرة، والمقيد بوقت يحتاج في استيعابه في باقي الأوقات إلي دليل. الثاني: أن الرضا أعم من الرضا عنه في أفعاله وأحواله ومن الرضا في بعضها، والمشترك لا يدل علي إحدي الخصوصيتين، فلم لا يجوز أن يحمل رضاه عنه ها هنا علي الرضا عنه من جهة تصديقه بالرسول (صلي الله عليه وآله) ومبايعته له فقط، وهذا لا ينافي أن يكون غاصبا للخلافة من أهلها. وبأنه يجوز أن يرضي عن المؤمن من جهة إيمانه ويسخط عليه من جهة فسقه. وعن الرابعة: أن مخاطبة الصحابة أبا بكر بالخلافة كمخاطبتهم لمعاوية، بل كمخاطبة بني مروان بها، وسكوت علي لا يدل علي الرضا، فإن من لزم التقية في وقت عدم تمكن أبي بكر في طلب هذا الأمر العظيم فلئن يلزم السكوت عن إطلاق لفظ بعد امتداد يد أبي بكر أولي. وأما كون الصحابة صادقين فلا نسلم أن الفقراء الموصوفين بالصفات المذكورة كانوا هم المخاطبين لأبي بكر بالخلافة، بل كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكونوا هم أصحاب علي (عليه السلام) ومن أنكر إمامة أبي بكر. سلمناه، لكن الصادق أعم من الصادق في كل أحواله أو في بعضها، فلم قلتم أن المراد أنهم صادقون في كل أقوالهم، وحتي لا يجوز أن يكذبوا ومعلوم أن [ صفحه 182] الكذب جائز بالاتفاق علي آحادهم، وإذا جاز ذلك كانت مخاطبتهم له بالخلافة كذبا. وعن الخامسة: لا نسلم صحة الخبر، سلمناه لكنه خبر واحد لا يجوز العمل به، سلمناه لكن الاقتداء أعم من الاقتداء في كل الأمور أو في بعضها، ولم لا يجوز أن يحمل الاقتداء بها علي الاقتداء في المشاورات في أمور الدنيا، أو في أمر جزئي، سلمناه لكن الأمر لا يقتضي التكرار فلم لا يجوز الاقتداء بهما في وقت ما فلا يتعين أن يكون في خلافتهما، سلمناه لكن الأمر ورد بالاقتداء بهما معا وظاهره يقتضي أن يقتدي بهما حالة اجتماعهما علي الفتوي أو علي الأمر المقتدي فيه بهما، وهما حال الاجتماع لا يكونان إمامين، فإن الإمام يشترط أن لا يكون معه غيره، بل يشترط أن لا يكون معه في الحكم غيره. وعن السادسة: لا نسلم صحة هذا الخبر، سلمناه، لكنه خبر واحد فلا يعتمد عليه، سلمناه لكنه معارض بما أن خلافة الحسن والحسين (عليهما السلام) كانت عندكم بعد أبيهما، فعلي تقدير صحة هذا الخبر لا يكون خلافتهما صحيحة، لأن مفهومه أن هذه الرئاسة لا تسمي خلافة إلا في مدة ثلاثين سنة فأما بعدها فتكون ملكا. فإن قلت: المراد بالخلافة التي يكون المسلمون متمكنون فيها من إجراء الشريعة علي وجهها. قلت: الخلافة أعم من الإمامة، فلم لا يجوز أن يكون المراد خلافة المسلمين بعدي التي يتمكنون فيها من إظهار الحق ثلاثون سنة، وحينئذ لا يكون في الخبر دلالة علي صحة الإمامة ولا علي فسادها. وعن السابعة: لا نسلم أنه الأفضل، وأما الخبر فممنوع الصحة، وأيضا [ صفحه 183] فهو معارض بقوله (صلي الله عليه وآله) " علي خير البشر فمن أبي فقد كفر " [356] وأيضا لو صح هذا الخبر لكان مكذبا لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في قوله " وليتكم ولست بخيركم " [357] وذلك يستلزم سقوطه عن درجة الاعتبار في الإمامة. وعن الثامنة: فلا نسلم أن النبي (صلي الله عليه وآله) استخلفه في الصلاة، فإن الذي صح وثبت أن عائشة قالت: مروا أبا بكر يصلي بالناس [358] وكان الأمر بذلك من جهتها في ظاهر الحال، والخصم يقول: إنما أمر بذلك النبي (صلي الله عليه وآله) ولم تثبت لهم هذه الدعوي بحجة. ويدل علي اختصاص ذلك الأمر بعائشة قول النبي (صلي الله عليه وآله) عند إفاقته من عشيته وقد سمع صوت أبي بكر في المحراب " إنكن لصويحبات يوسف " [359] . ومبادرته معجلا معتمدا علي أمير المؤمنين (عليه السلام) والفضل بن العباس (رحمه الله) ورجلاه يخطان في الأرض من الضعف، حتي نحي أبا بكر عن المحراب، ولو كان (صلي الله عليه وآله) هو الذي أمر بالصلاة لما رجع باللوم علي أزواجه في ذلك ولا بادر في تلك الحال الصعبة حتي صرفه عن الصلاة. سلمناه، لكن أمر النبي (صلي الله عليه وآله) لا يقتضي شيئا آخر، بل لا يقتضي مرة أخري، لأن الأمر لا يقتضي التكرار. وأيضا فمثل هذا الأمر لا يستدعي العزل لأن العرب لا تحتاج إليه لو ثبت أن الاستخلاف دائما، والخصم يعترف بأنه لم يوله [ صفحه 184] دائما. وعن التاسعة: أنا بينا أن الطريق إلي إثبات الإمامة هو النص، وأما الاختيار فهو ساقط عن درجة الاعتبار. وعن العاشرة: إنما ترك بسبب خذلان أكثر الأمة وجمهورهم له، قوله: يلزم أن يكونوا شر أمة أخرجت للناس قلنا لا نسلم كونهم بأسرهم كذلك بل بعضهم، وهم الدافعون لهذا الحق عن أهله، والمقصرون عن نصرته، وكون البعض أشرارا لا ينافي ((كنتم خير أمة أخرجت للناس)) لأن هذا الخطاب إما مع كل الأمة بحيث لا يخرج منها واحد، وهذا باطل بالاتفاق لأن فيهم كثيرا من الأشرار، فيبقي أن يحمل علي الأخيار من الأمة، وحينئذ يصير التقدير: لو كان هذا الحق مدفوعا عن أهله لكان الدافع له شر أمة أخرجت للناس، والدافع له بعض الصحابة. قوله تعالي ((كنتم خير أمة أخرجت للناس)) لأنه خاص ببعضهم أيضا، والجزئيتان لا يتناقضان. سلمناه لكن لفظة " كنتم " تدل علي أنهم كانوا في زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كذلك، أما بعده فلا نسلم، لأن ذلك يدل علي الزمان الماضي. وقوله ((تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)) لا نسلم لأنه للاستقبال بل بحال الماضي، والله الموفق. [ صفحه 185]

في مطاعن الخوارج و غيرهم في علي

هؤلاء ذكروا مطاعن في علي (عليه السلام) وتوسلوا بذلك إلي خروجه عن أهلية الإمامة، وتلك المطاعن من وجوه عشرة: الأول: أنه حكم الرجال في دين الله تعالي، فلو لم يكن شاكا في إمامة نفسه لما حكم. الثاني: أنه رضي بتحكيم عمرو بن العاص " لعنه الله تعالي " مع فسقه وحكم أبا موسي الأشعري وكان يثبط أهل الكوفة عنه. الثالث: أن قتلة عثمان كانوا في جنده وقد قام جماعة منهم فقالوا: " نحن قتلنا عثمان " فلم يقتص منهم. الرابع: أنه شهد وحده لفاطمة (عليها السلام) علي فدك، ولم يعلم أن شهادة الواحد لا تقبل، وأن شهادة الزوج لزوجته لا تقبل. الخامس: أنه ما يعرف تدبير الحروب، وكان لا يستقيم له رأي، ولذلك لم ينتظم له أمر في حياة النبي (صلي الله عليه وآله) ولا بعد وفاته. السادس: أن ابن عباس أشار عليه أن يولي معاوية مدة ثم يستدرجه ويعزله فلم يفعل حتي كان منه ما كان. [ صفحه 186] السابع: أنه رد علي عمر سهم ذي القربي وكان العباس أشار عليه بغير ذلك. الثامن: أنه كان يستبد برأيه وتارك المشورة، وتارك المشورة مخط بإجماع العقلاء. التاسع: أنه اضطرب عليه عسكره لسوء تدبيره حتي قال أهل الشام: علي رجل شجاع غير أنه لا بصيرة له في الحرب [360] . العاشر: أنه أشار عليه الصحابة بالمقام بالمدينة فلم يفعل، وقد أقام بها من كان قبله. وكانوا يبعثون بالجيوش، وقد كان هو يشير عليهم بمثل ذلك، فإنه أشار علي عمر لما استشاره في الخروج إلي بعض الغزوات فقال له: " إنك إن تخرج بنفسك إلي العدو فلا يكون للمسلمين كانفة يأوون إليها " إلي آخر الكلام كما هو مذكور في (نهج البلاغة) [361] . والجواب عن الأول: أما المراد بقوله إنه حكم الرجال، إن عنيتم به أنه لا يجوز أن يرد أمر ديننا إلي حكم رجل يحكم فيه برأيه من غير مراجعة كتاب الله أو بسنة رسوله، فذلك ممنوع، بل هو جائز، والتحكيم في هذا الأمر كالتحكيم في الزوجين، وقد أشار (عليه السلام) إلي هذا فقال: " ما حكمنا الرجال وإنما حكمنا كتاب الله، وإنه خط مسطور بين لوحين لا ينطق حتي يتكلم به [ صفحه 187] الرجال " [362] وقوله: إن ذلك يقتضي أن يكون شاكا في إمامته. قلنا: هذا باطل، لأنه في أول أمره لم يرض بالتحكيم بل منع منه: " أنها مكيدة من ابن النابغة " [363] فلم يطيعوه، ويسلمونه [364] إلي التحكيم فأجاب إليه للاضطرار إليه. وعن الثاني: أنه (عليه السلام) لم يحكم عمرو بن العاص وإنما حكمه خصمه، وقد أجاب ابن العباس (رضي الله عنه) عن ذلك فقال: " أرأيتم لو كانت امرأة المسلم يهودية ووقع الخلاف بينهما فبعثت يهوديا حكما أما كان يرضي به المسلم؟ " [365] وأما أبو موسي الأشعري فلم يرضه (عليه السلام)، ولما قالوا أنه صاحب رسول الله وإنه كذا وكذا قال (عليه السلام): إن هذا الأمر لا يؤتي من زهد ولا ورع، وإنما يدفع إلي داهية العرب [366] واختار هو (عليه السلام) ابن العباس (رضي الله عنه) فلم يطيعوه ولم يشعر (عليه السلام) في ذلك الوقت أنه كان يثبط الناس عنه [367] . [ صفحه 188] وعن الثالث: أن قتلة عثمان كانوا في شوكة ويحتاج في إجراء حكم الله عليهم إلي معونة، وقد شغله من ذلك طلحة والزبير ومعاوية، وقد أجاب (عليه السلام) معاوية عن هذا فقال: " أدخل فيما دخل الناس فيه ثم حاكم القوم إلي أحملكم علي كتاب الله تعالي " [368] وكيفية إقامة حكم الله تعالي عليهم ما أشار إليه (عليه السلام) وهو أن يمهل ويعاون [369] ولا يشغل عنهم ويدعي أولياء الدم عند الإمام، ويعينوا القتلة حتي يتمكن من إقامة القصاص عليهم. وربما يقال: إن عليا (عليه السلام) هو الذي قتل عثمان! وهذا من بهت معاوية وأمثاله وافترائهم عليه، وقد أجاب (عليه السلام) عن هذا فقال مخاطبا لمعاوية: " إنك إن أنصفتني وجدتني أبرأ قريش من دم عثمان " [370] . وعن الرابع: أن الشك في علم علي (عليه السلام) بما هو واضح مشهور بين الصحابة من أعجب العجائب، أما شهادته وحده فلا يمكن الخصم أن يجزم بأنه كان عالما بأنه لا شاهد إلا هو، فإنه قد روي أن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا شاهدين بذلك أيضا [371] . سلمناه، لكن يحتمل أن يكون (عليه السلام) قد جوز أن غيره سمع ما سمع وأدي ما كان عليه، مع تجويز أن يظهر غيره فيشهد بمثل شهادته. [ صفحه 189] سلمناه، لكن يجوز أن يحكم الحاكم بشاهد ويمين كما يروي عن النبي (صلي الله عليه وآله) [372] . وأما شهادة الزوج لزوجته فهي شهادة صحيحة مقبولة، وكذلك شهادة الولد لوالده. ولا نسلم أنها لا تجوز، وبيان ذلك من المسائل الفقهية [373] . وعن الخامس: أن مشاهدة حروبه ووقائعه بحسب التواتر وتصفح كلامه في كيفية الحرب، مما تضطر معه العقول إلي أنه كان أوحد الخلق في إصابة الرأي في تدبير الحروب، وكذلك مشاورات النبي (صلي الله عليه وآله) في ذلك، ورجوع أبي بكر وعمر إليه في كثير حركاتهم، وعدم مخالفتهم لحرف مما يقوله في أمر تدبير الحرب دليل واضح علي دوام إصابة الرأي، غير أن قومه ما كانوا يطيعونه، وكان ذلك مذكورا في خطبه، مثل [374] " لا رأي لمن لا يطاع " [375] وكل فساد جري في أمر ولايته (عليه السلام) إنما كان من قبلهم لسوء تدبيرهم وقلة طاعتهم له. وعن السادس: أنه إنما لم يول معاوية لأنه لم يكن في نظره أهلا [376] للولاية لأن شرط ذلك أن يكون عدلا في الظاهر، وما كان عنده كذلك، ولذلك قال تعالي ((وما كنت متخذ المضلين عضدا)) [377] . [ صفحه 190] وعن السابع: أنه إنما رد سهم ذي القربي لأن اجتهاده [378] أدي إلي أن استحقاقهم إياه إنما يكون لفقرهم، ولذلك قال لعمر: " إن بنا العام لغنية عنه وبالناس [379] حاجة إليه " [380] ، وذلك من فضائله. وعن الثامن: لا نسلم أنه كان يستبد برأيه مطلقا بل فيما يعلمه، وظاهر أنه (عليه السلام) كان يشاور أهل العلم والرأي. سلمناه، لكن قد ثبت أنه (عليه السلام) معصوم، فيلزم حينئذ أن تكون أوامره كلها صائبة. وعن التاسع: أن اضطراب عسكره لا يدل علي سوء تدبيره. وهو لأن حركاتهم الفاسدة مربوطة بآرائهم الفاسدة، وقد بينا أنه (عليه السلام) واحد الناس بالعلم بكيفية الحروب وممارستها. وعن العاشر: أن الاهتمام بالأمور يفتح أبواب الآراء والترجيح بينها، ولا شك أن آراءه كانت أولي من آراء غيره، لشدة اهتمامه بالأمر في ذلك الوقت، فلم تأخذه في ذلك لأئمة، وقد ثبت أنه (عليه السلام) معصوم فيجب حمل جميع أفعاله علي الصواب، وبالله التوفيق. [ صفحه 191]

في فساد ما قالته الطوائف من الشيعة المنكرين لواحد واحد من الأئمة الإثني عشر

نذكر بعون الله تعالي ما يدل علي فساد ما قالوه دلالة مجملة، تشتمل علي إبطال جميع أقوالهم، ونورد بعد ذلك ما تمسك به طوائف منهم تفصيلا، إن شاء الله تعالي: أما الأول: فبيانه من وجوه: أحدها: لا واحد ممن يدعي هؤلاء الطوائف بمعصوم. وما ليس بمعصوم فليس بإمام، وهو المطلوب. أما المقدمة الأولي فمتفق علي صحتها، أما الثانية فقد مضي تقريرها. الوجه الثاني: أنه لا واحد ممن يدعي هؤلاء الطوائف إمامته بمنصوص عليه، وقد بينا أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه، ينتج أنه لا واحد ممن يدعي هؤلاء الطوائف إمامته بإمام. أما المقدمة الأولي فسنبين صحتها، وأما الثانية فقد ثبتت بالدليل. الوجه الثالث: أن الشيعة بأسرهم معترفون بتقبيح العقل وتحسينه، إذا عرفت ذلك فنقول: لو كان الحق مع أحد هؤلاء الطوائف المذكورة لما جاز انقراضها علي تقدير أن الحق معها، وإلا لزم خروج الحق عن الأمة وإنه [ صفحه 192] غير جائز، وأما فساد الثاني: فظاهر أنه لم يكن لأحد من هذه الطوائف كثرة ليعتد بنقلهم، ولم يكن بينهم من هو مشهور بالعلم، ولم يبرز لهم قول حتي اضمحل. إذا عرفت ذلك فلنشرع الآن في بيان ما تمسك به طوائف منهم من الخيالات، ثم نبين فسادها إن شاء الله تعالي. الطائفة الأولي - الكيسانية: إنما تسموا بهذا الاسم لأنهم أصحاب المختار، وكان اسمه أولا كيسان [381] ، وقيل سبب تسميته أن أباه حمله وهو صغير إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) فوضعه بين يديه فمسح يده علي رأسه وقال له " كيس كيس " [382] ثم إنهم تمسكوا في أن الإمام بعد علي (عليه السلام) محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) له يوم البصرة " أنت ابني حقا " [383] وأنه كان صاحب رايته كما كان علي (عليه السلام) صاحب راية رسول الله (صلي الله عليه وآله). استدلوا بذلك علي أنه أولي الناس بمقامه. وأما أنه القائم المهدي فلقول النبي (صلي الله عليه وآله) " لن تنقضي الأيام والليالي حتي يبعث الله رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي واسم أبيه اسم أبي " [384] وكان من أسماء علي (عليه السلام) عبد الله لقوله (عليه السلام): " أنا عبد الله وأنا أخو رسول الله وأنا [ صفحه 193] الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر " [385] وزعموا أنه إذا كان هو الإمام وكان الإمام القائم المنتظر فلا إمام إذا غيره، ولا يجوز أن يموت قبل ظهوره فتخلو الأرض من حجة. الجواب: أما قوله (عليه السلام) " أنت ابني حقا " فلا شك في هذه المقالة، وإنما النزاع في دلالة هذا الكلام علي تخصيصه بالإمامة، وظاهر أنه ليس فيه دلالة علي ذلك، بل إنما يحمل ذلك علي الشهادة له بالشجاعة وطيب المولد وذلك أن محمدا (رضي الله عنه) لما حمل الراية يوم البصرة ثم [386] صبر حتي كشف الناس، فأبان من شجاعته وبأسه ما كان مستورا [387] ، سر به (عليه السلام) وأحب أن يعظمه ويمدحه علي فعله، أي أنك تشبهني في هذه الخصال وفي الصبر في الله. وأما كونه صاحب الراية كما كان علي (عليه السلام) صاحب راية رسول الله (صلي الله عليه وآله) فليس ذلك من الدلالة علي إمامته في شئ البتة، ولو صح الاستدلال بهذا القدر علي الإمامة لكان كل من حمل راية النبي (صلي الله عليه وآله) ولعلي (عليه السلام) كان منصوصا عليه بالإمامة، وذلك ظاهر الفساد. وبالجملة فهم مطالبون علي تصحيح دعواهم بالدليل الموجه. وأما تمسكهم في أنه المهدي بقول الرسول (صلي الله عليه وآله) فليس في هذا الخبر إلا أن الله يبعث رجلا وله هذه الأوصاف، أما أنه هو هذا أو ذاك فلا يتناوله الخبر، علي [ صفحه 194] أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن اسمه عبد الله وإنما مراده من قوله " أنا عبد الله " الاعتراف لنفسه بصفة العبودية لله [388] . ثم الذي يدل علي أن محمدا (رضي الله عنه) ليس بإمام أنه لم يدع الإمامة ولا دعا أحدا إلي اعتقاد ذلك عنه. بدليل أنه سئل - عند [389] ظهور المختار وادعائه عليه أنه أمره بالخروج والطلب بثأر الحسين (عليه السلام) وأنه أمره أن يدعو الناس إلي إمامته - عن ذلك وصحته؟ فأنكره وقال: " والله ما أمرته بذلك، لكني لا أبالي أن يأخذ بثارنا كل أحد، وما يسؤني أن يكون المختار هو الذي يطلب بدمائنا " [390] فاعتمد السائلون له ذلك وكانوا خلقا كثيرا قد رحلوا إليه لهذا المعني بعينه، علي ما ذكره أهل النقل، فرجعوا ونصر أكثرهم المختار علي الطلب بدم الحسين (عليه السلام)، ولم ينصره علي القول بإمامة محمد (رحمه الله) [391] ومع ذلك لا يمكن القول بإمامته، وبالله التوفيق. الطائفة الثانية - الزيدية: ويجمعهم أن الإمام بعد النبي (صلي الله عليه وآله): علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم كل فاطمي خرج بالسيف مستحقا لشرائط الإمامة وشبهتهم أن زيد بن علي (رضي الله عنه) كان عالما زاهدا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، فوجب أن يكون مستحقا لشرائط الإمامة فكان هو الإمام. والجواب: أنا بينا أن من شرائط الإمامة العصمة والنص، وهما مفقودان في حق زيد رضي الله عنه فمن ادعاها فعليه البيان. [ صفحه 195] الطائفة الثالثة - الناووسية: وانتسابهم إلي رجل من أهل البصرة يقال له عبد الله بن ناووس [392] ويجمعهم كما عرفت أنهم يقولون: أن جعفر بن محمد سيرجع إلي الدنيا فيملأها عدلا كما ملئت جورا، وإن اختلفوا في أنه مات أو لا؟ واحتجوا علي ذلك بخبر رواه عنبسة بن مصعب عنه عليه السلام أنه قال " إن من جاء يخبركم عني بأنه غسلني وكفني ودفنني فلا تصدقوه " [393] . والجواب: أن العلم بموته معلوم بالضرورة لا يدفع بخبر واحد، وأيضا هذا الخبر إن لم يصح بطل ما قالوه، وإن صح سلطنا عليهم التأويل، لمعارضته العقل ووجوب ترجيح العقل علي النقل [394] . الطائفة الرابعة - الإسماعيلية: شبهتهم من وجهين: أحدهما: أن إسماعيل كان أكبر ولد جعفر، وليس يجوز أن ينص علي غير الأكبر [395] ! الثاني: قالوا: قد أجمع من خالفنا علي أن أبا عبد الله عليه السلام نص علي إسماعيل غير أنهم ادعوا أنه " بدا لله فيه " وهذا قول لا نقبله منهم [396] . جواب الأول: أن النص علي الأكبر متي يجب إذا كان الأكبر باقيا بعد والده أو إذا لم يكن؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع، فإن إسماعيل رضي الله عنه مات في زمن والده، وإذا كان كذلك لم يكن للنص عليه معني، ولو وقع لكان كذبا، لأن المعني [ صفحه 196] أن المنصوص عليه يكون خليفة الماضي فيما يكون يقوم به، فإذا لم يبق بعده لم يكن خليفته، فيكون النص عليه حينئذ كذبا لا محالة [397] . وجواب الثاني: أنا لا نسلم تسليم الجماعة لهم حصول النص عليه، فإن أحدا من أصحابنا لم يعترف بأن أبا عبد الله عليه السلام نص علي ولده إسماعيل، ولم ينقل أحد منهم ذلك شاذا ولا معروفا، وإنما غلطوا من حيث أن الناس كانوا في حياة إسماعيل يظنون أن أبا عبد الله عليه السلام ينص عليه لأنه كان أكبر أولاده وكان يعظمه، فلما مات إسماعيل رحمه الله زالت ظنونهم وعلموا أن الإمامة في غيره، فتمسك هؤلاء المبطلون بهذا الظن وجعلوه أصلا وادعوا وقوع النص عليه، وليس عندهم في ذلك أثر ولا خبر يسندوا دعواهم إليه. فأما ما روي [398] من قول الصادق عليه السلام: (ما بدا لله في شئ كما بدا له في إسماعيل) [399] فليس علي ما توهموه من البداء في الإمامة لوجهين: أحدهما: أن أبا عبد الله عليه السلام قال: (إن الله كتب القتل علي ابني إسماعيل مرتين فسأله فيه، فما بدا له في شئ كما بدا له في إسماعيل) [400] وعني به ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا عليه فصرفه عنه بمسألة أبي عبد الله عليه السلام [401] . [ صفحه 197] الثاني: أن الإمامة لا يوصف الله تعالي فيها بالبداء، لإجماع الإمامية علي النقل المشهور عن الأئمة عليهم السلام أنهم قالوا: (مهما بدا لله في شئ فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوته ولا إمام عن إمامته ولا مؤمن قد أخذ الله عهده بالإيمان عن إيمانه) [402] وذلك يبطل ما ادعوه من ثبوت النص، وبالله التوفيق. الطائفة الخامسة - الشمطية: القائلون بإمامة محمد بن جعفر، وسموا الشمطية لنسبتهم إلي رئيس لهم يقال له يحيي بن أبي الشمط. شبهتهم: أنهم زعموا أن أبا عبد الله عليه السلام كان جالسا في داره، فدخل عليه محمد وهو صبي فكبا في قميصه ووقع لوجهه، فقام إليه أبو عبد الله فقبله ومسح رأسه وضمه إلي صدره وقال: (سمعت أبي يقول: إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي، فهذا الولد يشبهني ويشبه الرسول صلي الله عليه وآله ويكون علي سنته) [403] . جوابها: لا نسلم صحة الخبر، سلمناه، لكنه خبر واحد ولا يجوز العمل به، سلمناه، لكنه لا دلالة فيه علي مرادكم، لأن مسح أبي عبد الله عن وجه ولده التراب وضمه إلي صدره وقوله (أن أبي أخبرني أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: سيولد لي ولد يشبهه يكون علي سنته) لا يدل شئ منه علي الإمامة لا بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام. سلمناه، لكنه معارض بما أن محمدا خرج بعد أبيه بالسيف ودعا الناس إلي إمامته، وتسمي بإمرة المؤمنين، ولم يتسم بذلك أحد خرج من آل أبي طالب، ولا خلاف بين الإمامية أن من تسمي بهذا الاسم بعد أمير المؤمنين عليه السلام فقد أتي [ صفحه 198] منكرا [404] ، ولم يكن أهلا للإمامة. الطائفة السادسة - الفطحية: القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر عليه السلام، وسموا بذلك لأن عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين [405] وقيل إنه كان لهم رئيس، يقال له عبد الله بن أفطح [406] وكلام هذه الطائفة ظاهر البطلان، لأنهم لم يدعوا نصا عن أبي عبد الله عليه السلام، وإنما عملوا علي ما رووه من أن الإمامة تكون في الأكبر. وجوابه من وجوه: الأول: لا نسلم أنه الأكبر، فأن الأكبر كان إسماعيل. الثاني: أن هذا الحديث لم يرد قط إلا مشروطا، وذلك أنه ورد (إن الإمامة تكون في الأكبر ما لم يكن به عاهة) [407] وأهل الإمامة القائلون بإمامة موسي ابن جعفر عليه السلام متواترون بأن عبد الله كانت به عاهة في الدين لأنه كان يذهب مذاهب المرجئة [408] الذين الواقعون في علي وعثمان، وأن أبا عبد الله عليه السلام قال فيه وقد خرج عنه: (هذا مرج كبير) [409] وإنه دخل عليه يوما وهو يحدث أصحابه، فلما رآه سكت حتي خرج، فسئل عن ذلك فقال: (أما علمتم أنه من [ صفحه 199] المرجئة) [410] ؟! الثالث: لم يكن له من العمل ما يتميز به من العامة، ولا يروي عنه شئ من مسائل الحلال والحرام، ولا كان بمنزلة من يستفتي في الأحكام، ولما خرج وادعي الإمامة بعد أبيه امتحن بمسائل صغيرة فلم يجب عنها ولا تأتي [411] له الجواب. فثبت بهذه الوجوه أنه ليس أهلا للإمامة. الطائفة السابعة - الممطورة: وهم الوقفة في موسي عليه السلام أنه مات أو لم يمت، شبهتهم من وجهين: أحدهما: أنهم حكموا أنه لما ولد موسي عليه السلام دخل أبو عبد الله عليه السلام علي حميدة أم موسي فقال لها: (يا حميدة بخ بخ، حل الملك في بيتك) [412] . الثاني: ما رووا أنه سئل عليه السلام عن اسم القائم فقال: (اسمه اسم حديدة الحلاق) [413] . وجواب الأول: أن أبا عبد الله عليه السلام لعله أراد بالملك الإمامة علي الخلق وفرض الطاعة علي البشر، وملك الأمر والنهي هو الملك علي الحقيقة، ومثله قوله تعالي: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) [414] فإنه أراد بالملك ملك الدين والرئاسة فيه علي العالمين. وجواب الثاني: لا نسلم صحة هذا الخبر، سلمناه، لكن لم لا يجوز أن تكون [ صفحه 200] إشارته [إلي] [415] القائم بالإمامة بعده، ولم يشر به إلي القائم بالسيف، وقد علمنا أن كل إمام فهو قائم بالإمامة بعد أبيه. الطائفة الثامنة - القائلون بإمامة أحمد بن موسي: ولهم شبهتان: إحداهما: أن الرضا عليه السلام وصي بالإمامة إليه، ونص بها عليه [416] . الثانية: أن أبا جعفر كان صغير السن في ذلك الوقت، لأن الرضا عليه السلام مات وهو ابن سبع سنين ومثل هذا لا يصلح للإمامة [417] . جواب الأولي: لا نسلم صحة النص علي أحمد بن موسي، فإن أحدا ممن يعتبر نقله من الإمامية لم يروه [418] . وجواب الثانية: أن الالتباس عليكم من جهة سنه عليه السلام بين الفساد، وذلك أن كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالي مع صغر السن، وله اعتبار بقصة عيسي عليه السلام حيث قال القوم: (كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) [419] الآية وقال تعالي في قصة يحيي: (وآتيناه الحكم صبيا) [420] فلم يكن كمال العقل منافيا للصبي في حق أولئك، فوجب أن لا يكون منافيا في حق أولياء الله تعالي، وذلك يبطل ما قالوه. [ صفحه 201] الطائفة التاسعة - القائلون بأن الإمامة بعد أبي الحسن علي بن محمد صارت إلي ابنه محمد بن علي، بنص أبي الحسن عليه السلام: وهؤلاء مطالبون - أولا - بنقل لفظ النص ولن يجدوه. الثاني: أنهم قد انقرضوا ولم يبق منهم إلا شذاذة [421] لا يعتد بنقلهم، ولا يكون حجة يتعين به الإمام. الطائفة العاشرة - الذين زعموا أن الحسن بن علي لم يمت: شبهتهم: أنه لو مات وليس له ولد، لخلا الزمان عن الإمام المعصوم، وأنه غير جائز. الجواب: أما موته فمعلوم بالضرورة. وأما أنه لا ولد له فلا نسلم، فإن الجمهور من الإمامية يثبتون ولادة ابنه القائم المنتظر، وصححوا النص عليه، وقالوا هو سمي رسول الله ومهدي الأنام، وتواتر بينهم أن الحسن عليه السلام أظهره لهم وأراهم شخصه، وإن كان بنيهم خلاف في سنه عند وفاة أبيه، فقال كثير منهم كان سنه إذ ذاك خمس سنين، لأن أباه توفي سنة ستين ومائتين، وكان مولد القائم سنة خمس وخمسين ومائتين. وقال بعضهم: بل كان مولوده سنة اثنين وخمسين، وكان [422] سنه عند وفاة أبيه ثمان سنين. واتفقوا علي أن أباه لم يمت حتي أكمل الله تعالي عقله وعلمه الحكمة وفص الخطاب، وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة، إذ كان خاتم الحجج ووصي الأوصياء وقائم الزمان [423] . واحتجوا علي جواز ذلك عقلا: بقصة عيسي عليه السلام في قوله تعالي: (كيف [ صفحه 202] نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) [424] وبقصة يحيي عليه السلام بقوله تعالي: (وآتيناه الحكم صبيا) [425] وقالوا [426] : (أن صاحب الأمر حي لا يموت حتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما) وأما إنه لم وجب بقاؤه؟ فلما تقدم من وجوب نصب الإمام من الله تعالي في كل وقت. فهذا هو الكلام علي الطوائف المشهورة منهم، وأما الباقون فكلامهم ظاهر الفساد، وبالله التوفيق. [ صفحه 203]

في غيبة الإمام

إعلم أن البحث في هذه المسألة يقع في مقامات أربع: المقام الأول: في سبب الغيبة. [المقام] الثاني: في إمكان بقاء المزاج الانساني مثل المدة التي ندعيها لهذا الإمام الغائب. [المقام] الثالث: وقوع ذلك البقاء في الأمزجة كثيرة مشهورة. [المقام] الرابع: في كون المدعي إمامته هذا هو الإمام المعين. وعند بيان هذه الأمور نبين لك أن إنكار ما يقول الاثني عشرية في أمر الغيبة جهل محض من منكريه، وعصبية باطلة في مقابلة الحق. أما المقام الأول، وهو بيان سبب الغيبة، فاعلم: أنا بينا في البحث الاول في وجوب عصمة الإمام، أن سبب انبساط يده مركب من ثلاثة أجزاء: أحدها: يجب من الله وهو إيجاده وإكماله في ذاته. والثاني: يجب عليه نفسه وهو القيام بأعباء الإمامة. والثالث: علي الخلق وهو الانقياد له ومساعدته في تنفيذ أوامر الله تعالي والقيام بها. [ صفحه 204] والماهية المركبة لا تتحقق إلا بمجموع أجزائها، لكن وإن حصل وجوده وقيامه بأعباء الإمامة - وهذان الأمران اللذان يتعلقان بالله تعالي وبه نفسه - فإن الجزء الثالث من الخلق لم يحصل، إذ لم يزل خائفا مستترا من الأعداء، فقد [427] . ظهر من ذلك: أن سبب غيبة الإمام هو قوة الظالمين والخوف منهم. علي أن لنا أن نقول: إن سلمنا أن هذا ليس بسبب، لكن إذا ثبت أنه عليه السلام معصوم لم يفعل قبيحا ولم يخل بواجب، لم يزل من عدم تعقلنا [428] لعلة غيبته أن لا يكون موجودا، لجواز أن يكون ذلك لمصلحة لا يطلع عليها. وأما المقام الثاني، وهو إمكان بقاء المزاج الانساني مثل المدة التي ندعيها لهذا الإمام القائم، فالعلم به ضروري، ويدل علي ثبوت الإمكان تواتر الوقوع. وأما المقام الثالث، وهو ثبوت البقاء في أمزجة مشهورة، فهو أيضا بين، ولنذكر عدة من أعمار المعمرين الذين تواترت بتعيين أعمارهم الأخبار: فمن أولئك: الربيع بين ضبيع الفزاري، كان من المعمرين وعاش ثلاثمائة وثمانين سنة [429] ، روي أنه دخل علي بعض خلفاء بني أمية فقال: يا ربيع، لقد طلبك جد [430] . غير عاثر. فقال: فصل لي عمرك. فقال: عشت مائتي سنة في الفترة فترة عيسي ابن مريم عليه السلام، ومائة وعشرين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الاسلام. مع [ صفحه 205] سؤالات أخر لا تتعلق بغرضنا [431] . ومنهم: المستوغر وهو عمر بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة، عاش ثلاثمائة وعشرين سنة، وأدرك أول الإسلام، وله في ذلك شعر: ولقد سئمت من الحياة وطولها++ وعمرت من بعد السنين مئينا مئة أتت من بعدها مئتان لي++ وازددت من بعد المئين سنينا [432] . هل ما بقي إلا كما قد فاتنا++ يوم يكر وليلة تفنينا [433] . ومنهم أمانة بن قيس بن الحارث بن شيبان بن العارك بن معاوية بن الكندي [434] ، عاش ثلاثمائة وعشرين سنة، وفي ذلك المسلم النخعي يقول: أيا ليتني عمرت يا أم خالد++ كعمر أمانات بن قيس بن شيبان لقد عاش حتي قيل ليس بميت++ وأفني فئاما [435] من كهول وشبان فحلت به من بعد حرس وحقبة++ دويهية حلت بنصر بن دهمان ومنهم: عبد المسيح بن بقيلة الغساني، وهو عبد المسيح بن عمر بن قيس ابن حنان بن بقيلة، وبقيلة: كنية لثعلبة وقيل الحرث، وإنما سمي بقيلة لأنه خرج علي قومه في بردين أخضرين فقالوا له: ما أنت إلا بقيلة، فعرف بذلك وعاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم وكان نصرانيا [436] . [ صفحه 206] ومنهم: دويد بن زيد بن نهد بن زيد بن أسلم بن الحاف [437] بن قضاعة، عاش أربعمائة سنة وستة وخمسين سنة. وأما من عاش في الإسلام وقبيل الإسلام المأتين وفوقها فكثيرون، كزهير ابن حباب الكلبي [438] : فإنه عاش مائتين وعشرين سنة، وواقع مائتي وقعة [439] ، وكان سيدا مطاعا في قومه. وكالرجل الجرهمي [440] قيل إنه دخل علي معاوية بن أبي سفيان رجل فقال ممن الرجل؟ فقال: من جرهم، فقال: ومنهم باق؟ فقال: بقيت ولو لم أبق لم آتك، فقال له معاوية: صف لنا الدنيا وأوجز، فقال: نعم سنيات بلاء وسنيات رخاء، يولد مولود ويهلك هالك، ولولا المولود لباد الخلق، ولولا الهالك لضاقت الأرض برحبها، وقال: وما الدهر إلا صدر يوم وليلة++ ويولد مولود ويفقد فاقد وساع لرزق ليس يدرك قوته++ ومهدي إليه رزقه وهو قاعد وكان سنة مائتين وأربعين سنة. فهؤلاء بعض من عاش إلي هذه المدة في هذا القرن. وأما الأخبار عن أعمار من كان في القرون الأولي [441] فمشهورة، وقد نبه القرآن العظيم علي بعضها كعمر نوح عليه السلام إذ لبث في قومه يدعوهم سوي ما سبق [ صفحه 207] (ألف سنة إلا خمسين عاما) [442] وما اشتهر عن عمر لقمان [443] وأنه عاش ثلاثة آلاف سنة، وقيل: سبعة آلاف سنة. وبالجملة: فالعلم التواتري حاصل بامتداد الحياة الانسانية هذه المدة وأمثالها. وأما المقام الرابع، وهو أن المدعي إمامته وغيبته هو هذا المعين، فقد بينا أن ذلك معلوم من نص أبيه [444] وأن الاثني عشرية ينقلون خلفا عن سلف أن الحسن عليه السلام أظهره لهم ونص عليه، ولم يخرج من الدنيا حتي أكمل الله عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب، وإذا عرفت هذه المقامات ظهر لك أن استنكار غيبة هذا الإمام وطول حياته ممن ينكرها ليس إلا بمجرد العصبية الفاسدة، ولو سلمنا أنه لم يوجد بقاء المزاج الانساني إلي الحد المذكور إلا أن ذلك من الأمور الممكنة، والله تعالي قادر علي جميع الممكنات، ومن مذهب الكل أن خرق العادة في حق الأولياء والصالحين أمر جائز وحينئذ يكون الاستنكار والاستبعاد قبيحا، والله ولي التوفيق والعصمة، وهو ولي السداد وله الحمد والمنة، والحول والقوة.

پاورقي

[1] الزمر: 17، 18.
[2] انظر للمزيد معجم البلدان 1: 346 - 349، طبعة بيروت 1979 م.
[3] وعليه فلا يصح ما في نهاية مقدمة شرح النهج الكبير للمؤلف 1: 300 أنه دفن في مقبرة جده المعلي في قرية هلتا.
[4] واختار الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني في تحقيقه لاختيار مصباح السالكين للمؤلف المترجم له ابن ميثم (رحمه الله) وسطا بين التأريخين: 789 بلا ذكر مستند له لذلك.
[5] البحار 6: 119.
[6] أحوال وآثار خواجة نصير الدين: 14، (فارسي).
[7] كان أبوه من كهرود واليوم يقال لها وشارة - بين قم وساوة تتمة المنتهي: 520، طبعة قم، والفوائد الرضوية: 604. انظر روضات الجنات 6: 300. بل يري الأفندي أن طوس كانت من قري قم، انظر رياض العلماء 5: 160.
[8] ياد بود خواجهء طوسي: 15، (فارسي).
[9] عصا صغيرة كان يأخذها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيده يسمي القضيب الممشوق. [
[10] نقل ابن الأثير في الكامل: أن البردة كان قد أهداها النبي (صلي الله عليه وآله) إلي كعب بن زهير الشاعر واشتراها معاوية من ورثته بعشرين ألف درهم، فكانت بيد الخلفاء حتي أحرقها التتار 2: 276.
[11] يابود خواجة طوسي، المقدمة: 2، للدكتور موسي عميد.
[12] أعيان الشيعة 46: 11.
[13] فهرست آل بويه وعلماء البحرين: 69، والسلافة البهية في الترجمة الميثمية بضمن كشكول البحراني 1: 41 - 53.
[14] الذريعة 20: 297.
[15] بدأه الطريحي في مجمع البحرين، مادة مثم 6: 172.
[16] لؤلؤة البحرين: 246، وروضات الجنات 6: 314، وتنقيح المقال 3: 179.
[17] انظر مقدمة الحاتمي لشرح النهج الكبير للمؤلف 1: ي، والحاتمي هو الشيخ محمد رضا البروجردي المتوفي في 1401 ه، معجم رجال الفكر: 146.
[18] أعيان الشيعة 46: 11.
[19] تلخيص معجم الآداب في معجم الألقاب 1: 208، برقم 263.
[20] الحوادث الجامعة: 277، وعنه في الأنوار الساطعة: 89.
[21] راجع ترجمته في مقدمة الكتاب، الصفحة: 2.
[22] مقدمة قواعد المرام في علم الكلام: 20، طبعة قم المقدسة.
[23] انظر صورة النسخة في الصفحة الأخيرة من مقدمة الكتاب.
[24] ذكرها بعضهم: بأكبريه، بينما المعروف: المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه، لا بأكبريه، ولا أراه إلا من التصحيح بالغلط.
[25] مجالس المؤمنين 2: 210. والمناسب مع هذه القصة أن تكون هذه السفرة الأولي له إلي الحلة قبل إقامته ببغداد 676 ه وفيها كانت مباحثة المحقق الحلي معه وإقراره له بالفضل، مجمع البحرين 6: 172 فهذا هو المناسب، لا بعد إقامته ببغداد وصدور كتبه واشتهاره بها.
[26] لم يسم شرحه هذا الكبير في مقدمته باسم، ولكنه سمي مختاره منه باسم: اختيار مصباح السالكين في شرح كلام أمير المؤمنين (عليه السلام). فلعل ذلك اشتقاقا من هذا الوصف " السالك " الذي أطلقه علي من كتب له هذا الشرح: علاء الدين الجويني.
[27] شرح النهج للبحراني 1: 3 - 4.
[28] شرح النهج للبحراني 5: 468.
[29] اختيار مصباح السالكين، مقدمة المؤلف: 45 - 48، طبعة مشهد.
[30] اختيار مصباح السالكين: 685، طبعة مشهد.
[31] مجالس المؤمنين 2: 467 - 481.
[32] شرح النهج للبحراني 1: 5 - 60، طبعة طهران - النصر.
[33] الذريعة 3: 352.
[34] الأنوار الساطعة: 173 - 174، وسر گذشت خواجة نصير الدين: 67، (فارسي).
[35] مجالس المؤمنين 2: 482، وسر گذشت وعقائد خواجة نصير الدين: 67.
[36] شرح المائة كلمة: 2، طبعة طهران.
[37] شرح المائة كلمة، المقدمة: ي.
[38] الأنوار الساطعة: 172، نقلا عن القاضي في مجالس المؤمنين، وانظر ترجمة ابنه بهاء الدين محمد في: 173.
[39] سرگذشت خواجة نصير الدين الطوسي: 66، (فارسي)، وانظر مجالس المؤمنين 2: 473 و 478.
[40] لب التواريخ: 236 و 237، (فارسي).
[41] مهج الدعوات: 415، كما عنه في البحار 95: 336.
[42] الذريعة 17: 179 باسم القواعد الإلهية في الكلام والحكمة. وباسم مقاصد الكلام في علم الكلام في 21: 384، وباسم منهج الأفهام في علم الكلام في رياض العلماء 5: 227.
[43] الذريعة 24: 61، برقم 296.
[44] الذريعة 14: 149، وباسم مصباح السالكين 21: 110.
[45] ذكر باسم مختصر شرح النهج في الذريعة 20: 199، وباسم شرح النهج المتوسط أو الصغير 14: 149، والوسيط 14: 170.
[46] الذريعة 3: 352. وباسمه مقدمة البلاغة 22: 44، وباسم أصول البلاغة 2: 179.
[47] أعيان الشيعة 10: 198، والذريعة 14: 41، وباسم منهاج العارفين 23: 168.
[48] راجع ترجمته في مقدمة الكتاب.
[49] الخامل: قليل الذكر والاسم.
[50] أصدفه: صرف بوجهه عنه.
[51] أي مجموعة أعراض بمجموعها تكون عرضا خاصا وسيفسره المؤلف قريبا.
[52] أتباع نجدة الخارجي، يقولون بعدم وجوب الإمامة مطلقا. انظر الملل والنحل: 96، طبعة طهران 1288 ه.
[53] هو أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم المعتزلي، وكان يخطئ عليا (عليه السلام) في كثير من أفعاله ويصوب معاوية في بعض أفعاله (225 ه)، أعلام الزركلي 3: 323.
[54] في النسختين: النوطي، والظاهر أنه يريد هشام بن عمرو الفوطي أحد رؤوس المعتزلة، الفهرست: 214.
[55] أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي الأهوازي البصري البغدادي، المعتزلي الكبير المتوفي في بغداد سنة 306 ه، وفيات الأعيان 1: 481.
[56] أبو هاشم عبد السلام بن محمد الجبائي الأهوازي البغدادي المعتزلي الكبير المتوفي في بغداد سنة 321 ه. وفيات الأعيان 1: 292.
[57] عمرو بن بحر الجاحظ البصري المتوفي بالفالج في البصرة سنة 225 وهو غلام النظام المعتزلي.
[58] أبو القاسم البلخي عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي المتوفي 317. وفيات الأعيان 1: 252.
[59] هشام بن الحكم الشيباني (175 أو 179 أو 190 أو 199 ه) ولد بالكوفة ونشأ بواسط وسكن بغداد، كانت له كتب في الرد علي الزنادقة وعلي القائلين بإمامة المفضول وعلي المعتزلة في طلحة والزبير، وفي القدر والإمامة.
[60] سيأتي الجواب عن هذا القول والإشكال بعنوان: الجواب عن الأول.
[61] هذا جواب قوله: لا يقال.
[62] كذا في النسختين " عا " و " ضا "، ولعل الأولي: التقرير.
[63] راجع الاحتجاج علي أهل اللجاج 2: 271 - 315، طبعة النجف الأشرف.
[64] النصوح: الناصح المخلص، النضوح: الرشح. أي: الناصح المخلص قد يترشح منه الكلام إلي غيره.
[65] في النسختين: شايع. والشائع ما أثبتناه.
[66] سيظهر من خلال أجوبة المؤلف علي هذه المناقشات أنها أربعة، أولها ما ذكره بعد قوله: لا يقال.
[67] الأول: نفوذ حكمه علي غيره. والثاني: عدم نفوذ حكم غيره فيه.
[68] الإمامة: رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا.
[69] فرسخ: معرب عن الفارسية: فراسنگ، بعد ما بين الحجرين المنصوبين في الطريق علامة. والفرسخ يعادل: خمس كيلومترات ونصف كيلومتر تقريبا.
[70] في النسختين: للرعية.
[71] في الأصلين: مصيبة، وهو غير مصيب.
[72] كذا في الأصلين.
[73] في الأصلين: الطرفين.
[74] نسبة إلي أبي الحسن الأشعري المتوفي 320 ه.
[75] أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس درس الحسن البصري. بهجة الآمال 1: 84.
[76] بدأوا بالخروج علي علي (عليه السلام) وافترقوا إلي أكثر من عشرين فرقة، بهجة الآمال 1: 105 - 110.
[77] الزيدية: القائلون بإمامة زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، والصالحية فرقة منهم. بهجة الآمال 1: 95.
[78] الأهوازي البصري البغدادي المعتزلي المتوفي في بغداد 306 ه.
[79].
[80] الحديث 2580 من الجامع الصغير للسيوطي عن مسند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة.
[81] كذا في النسختين، ولعله من باب الجري في الجدل.
[82] المائدة: 3.
[83] شرح النهج للمعتزلي 6: 51 و 52 عن الجوهري. وذيله في 11: 11 و 17: 171.
[84] كذا في النسختين، ولعل الصواب: لأن المقصود الأول من الإمامة إنما هو....
[85] عن هامش الأصل نسخة، أو هي مقتضي السياق ويأتي الإرجاع عليه.
[86] كلمة غير مقروءة في النسختين.
[87] سبقت الإشارة إلي هذه الفرق إلا المرجئة، وهم القائلون بإرجاء القرار بشأن الفاسقين إلي يوم القيامة، وراجع بهجة الآمال 1: 110 - 113.
[88] الغدير 1: 270.
[89] الغدير 1: 207، ومصادر حديث الدار في سبيل النجاة: 113 - 115.
[90] الغدير 1: 207، ومصادر حديث الدار في سبيل النجاة: 113 - 115.
[91] أحمد بن يحيي المروزي البغدادي المتكلم المعتزلي، كان في أول أمره حسن السيرة جميل المذهب كثير الحياء، وقيل أنه تاب ومات 1245 أو 250 ببغداد. هدية الأحباب: 68، طبعة الحيدري.
[92] سيرة ابن هشام 4: 304، ورواه المعتزلي عن كتاب السقيفة للجوهري في 2: 48 و 51، طبعة أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف و 12: 262 وفي الطبري خبر يشير إليه 4: 230.
[93] الإمامة والسياسة 1: 4، وشرح المعتزلي 1: 160.
[94] كذا في النسختين، ولعل الأولي: لسابقتهم.
[95] شرح النهج للمعتزلي 2: 25، طبعة دار التعارف، عن الواقدي.
[96] الطبري 3: 220 - 222، عن الكلبي عن أبي مخنف وأقرب منه لفظا في الإمامة والسياسة 1: 9، طبعة 69 م، و 1: 16، طبعة بيروت. وفي تأريخ الخلفاء للسيوطي: 80 - 82، بيروت 408 ه.
[97] الطبري 3: 430، بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف. و 12: 263، والإمامة والسياسة 1: 18، طبعة مصر، و 1: 24، طبعة بيروت، وشرح النهج 17: 164.
[98] الطبري 4: 228، عن أبي مخنف وغيره. والإمامة والسياسة 1: 23، طبعة مصر، و: 28، طبعة بيروت، وكنز العمال 5: 734، وشرح النهج 1: 185.
[99] البحار 32: 32، مع اختلاف في التعبير. [
[100] بمعناه في نهج البلاغة، الكتاب 6، وبنصه.
[101] صدره في مجمع الزوائد 9: 137، وكنز العمال 5: 167.
[102] لم نجده في مظانه.
[103] نهج البلاغة، الخطبة: 91، شرح النهج للمعتزلي 1: 169.
[104] النص في الخطبة 92: دعوني والتمسوا غيري... ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم.
[105] بمعناه في الأغاني 7: 257، وأخبار السيد الحميري للمرزباني بتحقيق الأميني، طبعة النجف الأشرف عام 1386 ه، وعنهما في الغدير 2: 241 و 242.
[106] بمعناه في الذخيرة: 465، وفي الذريعة 2: 492.
[107] كذا في النسختين، ويبدو أن الصحيح: إذ.
[108] كذا في النسختين، وفي الفصول المختارة 2: 203 جاء النص هكذا: " علي رسلكم معشر بني هاشم أنتم المظلومون وأنتم المقهورون " وهو الصحيح.
[109] في النسختين: يعقل.
[110] كذا في النسختين، والنص للشيخ المفيد في العيون والمحاسن والفصول المختارة منها 2: 201 وفيه: " لتعلقه بها " وعنه في الدرجات الرفيعة: 85 وفيه: " ليعلقه بها " وهو الصحيح، أي ليعلق الاتفاق بالبيعة.
[111] النص في النسختين " إنما ألخ " وأثبتنا الصحيح من الفصول المختارة 2: 201.
[112] النص في النسختين: " حتي يخرج الله مخرجا " وأثبتنا الصحيح من الفصول المختارة 2: 201.
[113] الفصول المختارة 2: 201.
[114] الفصول المختارة 2: 201 و 202.
[115] نهج البلاغة، الخطبة الثالثة، الخطبة الشقشقية.
[116] في النسختين: لما دخل... والصحيح: لم، أو: لماذا.
[117] أي لأن عبد الرحمن بن عوف كان زوج أم كلثوم بنت عقيبة بن أبي معيط الأموي وهي أخت عثمان من أمه. راجع شرح النهج للمعتزلي 1: 189. هذا وقد قتل علي (عليه السلام) عقبة بن أبي معيط يوم بدر.
[118] في النسختين: عند أن... أثبتنا الصحيح.
[119] في النسختين: إذا، وأثبتنا الصحيح.
[120] في النسختين: الحجة، وأثبتنا الصحيح.
[121] في النسختين: إذا وهو غلط.
[122] النص في النسختين: " لولا ظهور الحجة وقيام الناصر "، وأثبتنا الصحيح كما في الخطبة الشقشقية، الثالثة من نهج البلاغة.
[123] هكذا النص في النسختين، ولعل فيه سقطا.
[124] اللفظ غير واضح، وأقرب ما يقرأ: متانة كما أثبتناه.
[125] انظر الغدير 2: 16 وأخبار السيد الحميري، للمرزباني. بتحقيق الأميني، وشاعر العقيدة، للحكيم.
[126] المائدة: 55.
[127] زيادة لأزمة.
[128] لا نعرف نسخة من الكتاب، ونقل عنه هذا السيد المرتضي في الشافي وفي تلخيصه 2: 13، وفي الذخيرة: 438.
[129] انظر التبيان 3: 559، طبعة النجف الأشرف، وتلخيص الشافي 2: 11، والهاشميات، ديوان شعر الكميت بن زيد الأسدي، في قصيدة مطلعها: طربت وما شوقا إلي البيض أطرب++ ولا لعبا مني، وذو الشيب يلعب!.
[130] في النسختين: منتفية.
[131] الظاهر أنه لم يذكر إلا وجها واحدا.
[132] تلخيص الشافي 2: 16.
[133] انظر مظان البحث في كتب أصول الفقه.
[134] التوبة: 71.
[135] الأول في معني الولي، والثالث في الدلالة علي الإمامة، والثاني أي المقدمة الثانية في نفي معني الناصر.
[136] التوبة: 71.
[137] في نسخة " عا ": هذا، وأثبتنا الصحيح من نسخة " ضا ".
[138] من نسخة " ضا ".
[139] عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين.
[140] ابن القيس الأنصاري الخزرجي (38 ق - 34 ه) شهد العقبة في نقباء الأنصار، وشهد بدرا وسائر المشاهد، وحضر فتح مصر، وولي علي القضاء في الرملة أو القدس من فلسطين ومات هناك في 34 ه.
[141] سيرة ابن هشام 3: 50 - 53، ومغازي الواقدي 1: 176 - 180، وإعلام الوري: 80، ولعله عن ابن إسحاق.
[142] وليكم... والذين آمنوا... الذين يقيمون... ويؤتون... وهم راكعون.
[143] النص: نفاها.
[144] النص: وليك.
[145] في الأصل: عقل.
[146] النص: وليس هي.
[147] في الأصل: الثاني.
[148] المائدة: 51.
[149] كما في نسخة " عا "، وفي " ضا " لا تقرأ الكلمة.
[150] أثبتنا الراجح في الظن، وفي النسختين: إذا.
[151] أثبتنا الصحيح، وفي النسختين: إلا، وفي نسخة " ضا ": إلا أن يبدو.
[152] من نسخة " ضا ".
[153] زيادة الواو بمقتضي السياق.
[154] في النسختين: أن.
[155] في " عا " هنا زيادة: أن.
[156] نوح: 1.
[157] القدر: 1.
[158] أثبتنا الصحيح، وفي النسختين: يتخذوهم.
[159] هنا في النسختين: حسنه، ولا مناسبة لها.
[160] أثبتنا الراجح في الظن، وفي النسختين: ولا بد.
[161] في نسخة (عا): منعه.
[162] في " عا ": الحسن.
[163] زيادة بمقتضي السياق.
[164] كذا وردت العبارة في النسختين، وهي مضطربة.
[165] في النسختين: وكان. وأثبتنا الراجح.
[166] أثبتنا ما صح، وفي النسختين: تكثير.
[167] في النسختين: ليس.
[168] الرحال: جمع الرحل: ما يوضع علي الإبل لركوبها.
[169] انظر الجزء الأول من موسوعة الغدير في الكتاب والسنة والأدب، للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي النجفي (قدس سره).
[170] أيضا انظر الغدير 1: 159 - 163.
[171] هنا في النسختين زيادة: (ما).
[172] زيادة بمقتضي السياق.
[173] الحديد: 15.
[174] التبيان 9: 527، ومجمع البيان 9: 355، وتفسير شبر: 504، وانظر الميزان 19: 158.
[175] النساء: 33.
[176] التبيان 3: 186، ومجمع البيان 3: 65، وتفسير شبر: 113، وانظر الميزان 4: 343.
[177] انظر التبيان 3: 187، ومجمع البيان 3: 65.
[178] انظر مجمع البيان 2: 41، والضمير في غدت إلي البقرة.
[179] انظر التبيان 3: 187.
[180] الظاهر أن الصواب ما أثبتناه من ديوان الأخطل: 107. وفي الأصل: كانوا موالي حق يطلبون لهم - فأدركوه وما ملوا ولا تعبوا.
[181] الظاهر أن الصواب ما أثبتناه، راجع ديوان الأخطل: 85. والمعني: أنهم لم يبطروا فتغرهم النعمة كسواهم الذين إذا ما أنعم الله عليهم ملك رأسهم الغرور والكبر. نقلا عن هامش الديوان: 85. وفي الأصل: لم يثأروا فيه إذا هم كانوا مواليه - ولو يكون لقوم غيرهم.
[182] يحيي بن زياد الديلمي الكوفي اللغوي النحوي، كان من خواص الكسائي، واستخدمه المأمون لتأديب أبنائه، توفي في 207 ه. وقد يطلق الفراء علي معاذ بن مسلم الكوفي النحوي من أصحاب الصادق (عليه السلام) - هدية الأحباب: 230.
[183] زيادة بمقتضي السياق.
[184] في النسختين: وهو.
[185] زيادة بمقتضي السياق.
[186] المقصود به رسول الله.
[187] انظر الغدير 1: 270 - 283.
[188] الأحزاب: 6.
[189] التبيان 8: 317، ومجمع البيان 8: 530، وتفسير شبر: 397، والميزان 16: 276.
[190] في النسختين: الأولي، وفي هامش " ضا " المولي، وهو الصحيح.
[191] زيادة بمقتضي السياق.
[192] في " عا " هذا زيادة: من هذا.
[193] في نسخة " عا ": قبلتين، وفي " ضا ": فنلبن، وأثبتنا الراجح الصحيح.
[194] في نسخة " عا ": نحكم بصحة اقتران مفهوم من مفهوم الأولي نحكم... وفي نسخة " ضا ": نحكم بصحة اقتران مفهوم من مفهوم الأولي نحكم أيضا... والراجح أن الجملة متكررة زائدة.
[195] معمر بن المثني البصري اللغوي النحوي (110 - 210 ه).
[196] الأخفش علي الاطلاق هو الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة المجاشعي تلميذ الخليل وسيبويه، ومعني الأخفش: صغير العينين مع ضيق النظر تشبيها بالخفاش.
[197] إبراهيم بن محمد الزجاج الأديب النحوي تلميذ المبرد وثعلب توفي في (310 ه).
[198] علي بن عيسي بن عبد الله الرماني الواسطي النحوي والمعتزلي (296 - 384 ه).
[199] الزمر: 67.
[200] ق: 37.
[201] كذا في النسختين، ولعل الصحيح: ولي.
[202] هنا في النسختين لفظة فموضع زائدة.
[203] قوله: فغدت كلا الفرجين تحسب أنه++ مولي المخافة خلفها وأمامها وانظر مجمع البيان 3: 65..
[204] النساء: 33.
[205] في النسختين: يليون، غلطا.
[206] الألفاظ بين الأقواس ساقطة.
[207] كنز العمال 12: 88، الحديث 34113، مع تقديم وتأخير في مفردات الحديث.
[208] انظر التبيان 3: 187، ومجمع البيان 2: 41 وفيهما: نكحت.
[209] سورة محمد: 11.
[210] انظر التبيان 9: 295، ومجمع البيان 9: 151، وتفسير شبر: 475، والميزان 18: 230.
[211] اللفظ هنا في النسختين: وذلك، وأثبتنا الصحيح.
[212] آل عمران: 68.
[213] في نسخة " عا ": نذكره، غلطا.
[214] عن هامش نسخة " عا ".
[215] انظر الجزء الأول من موسوعة الغدير في الكتاب والسنة والأدب، للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي (قدس سره).
[216] انظر حديث التهنئة في الغدير 1: 270 - 283.
[217] انظر شعر حسان وترجمته في الغدير 2: 35 - 65.
[218] في نسخة " عا " هنا زيادة: لم قلتم؟ وهي في نسخة " ضا " مكتوبة ولكن مشطوب عليها.
[219] في نسخة " عا ": مخالفتهم ومؤالفتهم، وهو غلط. وفي نسخة " ضا " هنا زيادة (علي).
[220] في نسخة " عا ": يجوز، وهو غلط.
[221] من الإسعاف، بمعني المساعدة.
[222] مقدمة النبي للنص علي الوصي (عليهما السلام).
[223] زيادة بمقتضي السياق.
[224] انظر مظان البحث في كتب أصول الفقه.
[225] المائدة: 55.
[226] كذا في النسختين، ولعل الأولي: ولي.
[227] هذا أقرب ما تقرأ الكلمة في نسخة " ضا "، وجعلها في " عا ": يقينية، ولا مناسبة لها.
[228] روي الحديث إلي هنا " علي الفطرة " الكليني في أصول الكافي 2: 13 عن علي ابن إبراهيم بن هاشم القمي، وليس في تفسيره. وروي ذلك الصدوق في التوحيد: 330، 331 عن إبراهيم بن هاشم القمي.
[229] النساء: 33.
[230] في النسختين: يكون. وأثبتنا الصحيح.
[231] في النسختين: من، وأثبتنا الصحيح.
[232] في نسخة " عا ": و. وهو غلط.
[233] كنز العمال 12: 88، ح 34113.
[234] انظر التبيان 3: 187، ومجمع البيان 2: 41.
[235] في " ضا ": لا ننال. وفي " عا ": من الأنقال. وأثبتنا الصحيح.
[236] سورة محمد (صلي الله عليه وآله): 11.
[237] هنا في النسختين كلمة (قلنا)، زائدة.
[238] تقرأ الكلمة في " ضا ": اقد. ولذلك كتبت في " عا ": أقل! وأثبتنا الصحيح.
[239] في " عا ": القابل، خطأ.
[240] في " عا ": الإجماع، غلطا.
[241] من نسخة " ضا ".
[242] من نسخة " ضا "، وفي " عا ": بالنصرة. غلطا.
[243] آل عمران: 68.
[244] في النسختين: رجف، وأثبت الصحيح.
[245] الأعراف: 142.
[246] في " عا ": لو لأنه يوجب. خطأ.
[247] في النسختين: يكون، وأثبتنا الراجح.
[248] كذا في النسختين، والعبارة غير مستقيمة المعني.
[249] الأعراف: 142، وبعده في " عا ": في أمر فهو. غلطا.
[250] كذا في النسختين، والعبارة غير وافية.
[251] كذا في النسختين، والعبارة غير وافية.
[252] في " عا ": فكان. خطأ.
[253] آل عمران: 61.
[254] هنا في النسختين زيادة: إنه إن.
[255] هنا في النسختين زيادة الهاء: لدعاه.
[256] أي بنظر العقل، في مقابل ضرورة العقل.
[257] التحريم: 4.
[258] انظر تلخيص الشافي 3: 9، وبهامشه بعض مصادر الخبر، والتبيان 10: 48، ومجمع البيان 10: 474، وتفسير شبر: 533، والميزان 19: 332 و 340 و 341، وما نزل في القرآن في أهل البيت (عليهم السلام) للجبري: 86، طبعة قم الأولي، وينابيع المودة 1: 93، طبعة استانبول.
[259] الشوري: 23.
[260] انظر تلخيص الشافي 3: 11، وبهامشه بعض مصادر الخبر، والفصول المائة 2: 327 - 350.
[261] أنظر مصادر خبر المؤاخاة في تتمة المراجعات، سبيل النجاة: 123 - 127.
[262] أنظر مصادر خبر الراية في كتاب (علي في الكتاب والسنة) 2: 323 - 326، طبعة بيروت، وتلخيص الشافي 1: 236 و 2: 39 و 3: 13.
[263] أنظر البحث عن حديث الغدير وطرقه وتفاصيله في الفصول المائة 2: 407 - 487.
[264] أنظر البحث عن حديث المنزلة وطرقه في الفصول المائة 2: 357 - 397.
[265] أنظر تلخيص الشافي 2: 265 وبعض مصادره بهامشه، والذخيرة: 492 و 493.
[266] أنظر الذرية الطاهرة: 93، وتلخيص الشافي 3: 16 وبهامشه بعض مصادره، والذخيرة: 493 وبهامشه بعض مصادره، تتمة المراجعات، سبيل النجاة: 156 و 224 - 227.
[267] أنظر تلخيص الشافي 3: 16 وبهامشه بعض مصادره، والذخيرة: 493.
[268] أنظر تلخيص الشافي 3: 17 وبهامشه بعض المصادر، والذخيرة: 493 وبهامشه بعض المصادر.
[269] أنظر تلخيص الشافي 3: 16 وبهامشه بعض المصادر، والذخيرة: 493، والغدير 3: 95 و 7: 182.
[270] أنظر تلخيص الشافي 3: 17 وبهامشه بعض المصادر، والذخيرة: 493.
[271] أنظر تلخيص الشافي 3: 17 وبهامشه بعض المصادر، والذخيرة: 493 وفيه: فمن أبي.
[272] أنظر تلخيص الشافي 2: 273 و 3: 21، والغدير 3: 96 و 6: 69، و 7: 183.
[273] الحاقة: 12، وانظر التبيان 10: 98، ومجمع البيان 10: 519، وتفسير شبر: 530، والميزان 20: 395 و 396.
[274] في النسختين هنا هذه الآية. وهي زائدة.
[275] أنظر تفاسير التبيان ومجمع البيان والميزان كما سبق، والغدير 3: 394 و 4: 65.
[276] الأحقاف: 15.
[277] البقرة: 233.
[278] الغدير 6: 93 و 94.
[279] الغدير 6: 110 و 111.
[280] إلي هنا في تلخيص الشافي 3: 22 ومصادره في الهامش.
[281] الغدير 2: 44، و 7: 108.
[282] يبار: فعل مستقبل مجزوم من المباراة أي المسابقة.
[283] الأصول هنا أصول العقائد، كما يأتي.
[284] أبو الحسن علي بن إسماعيل البصري البغدادي، من أحفاد أبي موسي الأشعري، توفي في 334 ه ببغداد.
[285] أبو علي محمد بن عبد الوهاب المعتزلي البصري البغدادي المتوفي في بغداد، وعن ابن نديم أنه أوصي أن ينقل إلي قريته الجباء بناحية البصرة فيدفن بها - هدية الأحباب: 134.
[286] أشير إلي مصادره قبل قليل.
[287] أشير إلي مصادره قبل قليل.
[288] الفصول المختارة 1: 59، طبعة النجف الأشرف.
[289] الزمر: 9.
[290] المجادلة: 11.
[291] أنظر فصل جهاده (عليه السلام) في الإرشاد: 38 - 88، طبعة النجف الأشرف، ومناقب آل أبي طالب 2: 65 - 70، طبعة قم.
[292] النساء: 95.
[293] أنظر مصادر لقب الصديق والفاروق لعلي (عليه السلام) في تتمة المراجعات: سبيل النجاة: 235 و 236، والصديق فقط في هامش تلخيص الشافي 3: 344، ونص الخبر في الغدير 3: 221 و 223، وشرح النهج للمعتزلي 13: 228.
[294] أنظر مصادره في الغدير 3: 220، ثم البحث في ذلك حتي 243، والصحيح في السيرة 1: 241 - 245، والفصول المختارة: 212.
[295] أنظر الغدير 3: 224 و 225، وشرح النهج 13: 229.
[296] أنظر كلماته (عليه السلام) المختلفة في هذا المعني في الغدير 3: 221 - 224.
[297] الشعراء: 214.
[298] تلعثم الرجل: إذا مكث وتأني. ونقل الخبر المعتزلي عن نقض العثمانية للإسكافي في شرح النهج 13: 249.
[299] في النسختين: لكان إن كان. وأثبتنا الصحيح.
[300] في النسختين: غلام، وأثبتنا الصحيح. ورواه المفيد (صغيرا) كما عنه في الفصول المختارة 2: 211 وفي 226 هكذا: سبقتكم إلي الإسلام طرا++ علي ما كان من فهمي وعلمي وبحثه من 204 - 228، وفي الغدير 2: 25 - 33.
[301] هنا (ثلاث عشرة سنة) مكررة في النسختين.
[302] من نسخة " عا ".
[303] أنظر تلخيص الشافي 3: 233 و 234 متنا وهامشا. ونزل الأبرار: 64.
[304] من نسخة " عا ".
[305] الواقعة: 10 و 11.
[306] الأنبياء: 90.
[307] أنظر تأريخ بغداد 13: 64، وأمالي المفيد: 216، طبعة الغفاري، كلاهما عن واثلة بن الأصقع.
[308] في النسختين: عليا. وأثبتنا الصحيح.
[309] الحجرات: 13.
[310] أنظر إحقاق الحق 4: 389 - 405.
[311] الجماع بالضم: المجمع، أو الجامع، وبالكسر: النكاح.
[312] في النسختين: وجهان، وما أثبتناه هو الصواب.
[313] أنظر كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي. لابن الصديق الحسني المغربي، طبعة طهران. وراجع تلخيص الشافي 2: 281، والفصول المائة 2: 509 - 520.
[314] أنظر ينابيع المودة: 72، وكتاب فتح الملك العلي: 19.
[315] أنظر الذرية الطاهرة للدولابي: 93 متنا وحاشية.
[316] لم أجده مسندا.
[317] جاءت هذه الكلمة في " عا ": أحدا، وفي " ضا ": أحد. وأثبتنا الصحيح.
[318] كذا في النسختين، ولعل الصحيح: اعتدالها، أو احتدامها.
[319] أنظر إحقاق الحق 6: 4 - 8 و 16: 402 - 405، ونزل الأبرار: 76.
[320] البحار 102: 138 مع اختلاف يسير.
[321] الدهر: 8، وانظر التبيان 10: 211، ومجمع البيان 10: 611، وتفسير شبر: 542، والميزان 20: 132 - 139.
[322] نهج البلاغة، الكتاب: 45، القطع: 21، وقصار الحكم: 77 ومصادر الكتاب في المعجم المفهرس: 1396، طبعة قم. ومصادر الحكمة: 1402. وعن زهده (عليه السلام) في إحقاق الحق 4: 425 و 8: 272 و 274 و 598 - 600 و 15: 638 - 644.
[323] لم أعثر له علي مصدر معتبر موثوق به.
[324] أنظر الإمام الحسن (عليه السلام) من تأريخ دمشق لابن عساكر: 128 - 142، والإمام الحسين (عليه السلام) كذلك: 41، ونزل الأبرار: 93.
[325] هو الحسن بن الحسن بن الحسن السبط.
[326] أمه وأخيه المثلث: فاطمة بنت الحسين (عليهم السلام).
[327] هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.
[328] هو طيفور بن عيسي بن آدم، زاهد صوفي معروف، توفي في 261 ه فيستبعد جدا أن يكون سقاء في بيت الإمام الصادق (عليه السلام) المتوفي في 148 ه إلا أن يكون من المعمرين فوق المائة والأربعين ولم يكن ولم نجد للدعوي مصدرا معتبرا.
[329] في النسختين: التلمذ، ونحن أثبتنا الصحيح، واللفظة من التلموذ بالعبرية، فالتلمذة تعني درايته بالتلموذ، تفسير التوراة.
[330] في النسختين: أبا بكر.
[331] إكمال الدين 2: 262، مع اختلاف في التعبير.
[332] زيادة بمقتضي السياق.
[333] في النسختين: بتعين.
[334] الكيسانية: نسبة إلي كيسان معرب كيشان مولي المختار بن أبي عبيدة الثقفي والوسيط بينه وبين محمد بن علي (عليه السلام) المعروف بابن الحنفية، وكان كيسان يقول بإمامته.
[335] الزيدية: نسبة إلي زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) يقولون بإمامته بعد أبيه.
[336] الغلاة: الذين غالوا في علي (عليه السلام) بالقول بأن الله قد اتحد به أو حل فيه!.
[337] زيادة بمقتضي السياق.
[338] هنا في النسختين: بعده. زائدة.
[339] الأفطح: المنبطح باطن قدميه فلا حفرة ولا تقعر فيهما.
[340] في النسخة " ضا ": محمد.
[341] في النسختين: جعفرا.
[342] في النسختين: متوقف. وأثبتنا الصحيح.
[343] في النسختين: جواره.
[344] النور: 55.
[345] الفتح: 16.
[346] الفتح: 15.
[347] زيادة بمقتضي السياق.
[348] الفتح: 16.
[349] الفتح: 18.
[350] التوبة: 100.
[351] الحشر: 8.
[352] الصواعق المحرقة: 19، والجامع الصغير للسيوطي 1 - مادة أق.
[353] الصواعق المحرقة، والرياض النضرة، باب فضائل أبي بكر، وانظر تلخيص الشافي 3: 39 وفيه الرواية عن سفينة بدل شعبة.
[354] الروض الفائق: 220، مع اختلاف يسير.
[355] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2: 309.
[356] مرت مصادره قبل هذا.
[357] أنظر سيرة ابن هشام 4: 311، وعنه في الطبري 3: 210، وفي الإمامة والسياسة 1: 16، وشرح النهج للمعتزلي 1، 134، وتأريخ الخلفاء: 82 طبعة بيروت.
[358] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6: 44.
[359] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 9: 197.
[360] نهج البلاغة، الخطبة 27، المقطع 15: حتي لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب. والمصادر في المعجم المفهرس: 1379، طبعة قم.
[361] إنك متي تسير إلي هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصي بلادهم - نهج البلاغة، الخطبة 134، المقطع 2، والأموال لأبي عبيد: 252، والفتوح لابن الأعثم 2: 165، وشرح النهج للبحراني - المؤلف 3: 162.
[362] نهج البلاغة، الخطبة 125: إنا لم نحكم الرجال وإنما حكمنا القرآن، وإن هذا القرآن إنما هو خط مستور بين الدفتين لا ينطق بلسان، ولا بد له من ترجمان، وإنما ينطق عنه الرجال. والمصادر في المعجم المفهرس: 1387.
[363] أنها من مشورة ابن النابغة - وقعة صفين: 491 من كلام الأشتر، وعن علي (عليه السلام): لكنها الخديعة والمكيدة: 489 طبعة هارون.
[364] في النسختين: فسلم ليطيعوه ويسلموه. غلطا.
[365] لم نعثر عليه.
[366] لم نجده في مظانه في التأريخ.
[367] في النسختين: أنه إنما. وإنما زائدة. بل الجملة زائدة في غير محلها، فإنه (عليه السلام) كان قد علم بأن الأشعري كان يثبط الناس عنه في الكوفة، ولذلك أرسل إليه ابنه الحسن (عليه السلام) مع صاحبه عمار بن ياسر ومعهم كتاب منه إلي أهل الكوفة يدعوهم إلي نصرته في البصرة ثم عزل الأشعري عن الكوفة. أنظر شرح النهج للمعتزلي.
[368] نهج البلاغة: الكتاب 64، المقطع 10، والإمامة والسياسة 1: 70.
[369] هاتان الكلمتان في نسخة (عا): يمهد ويبادر، والأولي في (ضا) كما أثبتناه: يمهل، والثانية غير واضحة والأقرب والأنسب ما أثبتناه: يعاون.
[370] لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان - نهج البلاغة، الكتاب 6، المقطع 4، ووقعة صفين: 29، وعنه في الطبري 5: 235، طبعة أوربا وسائر المصادر في المعجم المفهرس: 1394 طبعة قم.
[371] أنظر كتاب فدك في التأريخ للشهيد السيد الصدر (رحمه الله).
[372] رواه الكليني في فروع الكافي 7: 385 عن الصادق عن النبي (صلي الله عليه وآله)، وفي الفقيه 3: 54، وفي أماليه عن أهل السنة: 218 طبعة حجر، وفي التهذيب 2: 83، والوسائل 18: 193.
[373] راجع المقنعة: 726، والخلاف والبحث والأدلة في الانتصار: 244 - 246، والسرائر 2: 134، والتفصيل في الجواهر 41: 74 - 78 طبعة النجف الأشرف.
[374] في النسختين: المثل.
[375] نهج البلاغة، الخطبة 27، المقطع 16، ومصادره في المعجم المفهرس: 1379 طبعة قم.
[376] في " عا ": أمر. غلطا.
[377] الكهف: 51.
[378] في نفي الاجتهاد عن الإمام أنظر تلخيص الشافي 1: 249 - 252.
[379] نسخة " ضا ".
[380] وفي هامش نسخة " ضا ": والحق في الجواب أن يقال: إن كان المراد بهم ذوي القربي المردود هو ما يخصه (عليه السلام)، فذلك جائز لا اعتراض عليه فيه، لأن له التصرف فيه بأي جهة كانت، ويدل عليه قوله (عليه السلام): " إن بنا العام لغنية عنه " فإن ظاهره الإخبار عن نفسه، وإن كان المراد سهم ذوي القربي غير الإمام، فهو ممنوع، وكيف يحق لمتبرع أن يتبرع... إلي غير أهله؟!..
[381] كان لقبه كيسان - رجال الكشي: 128 برقم 204. وكيسان معرب كيشان، وكيش - بالفارسية - الدين.
[382] رجال الكشي: 127 برقم 201 طبعة مشهد، والفصول المختارة: 296.
[383] الفصول المختارة: 296، وتلخيص الشافي 4: 191.
[384] أنظر هذه الأحاديث والجواب عنها في العنوان 22 من الجزء الأول من معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، والشيعة والرجعة: 2.
[385] أنظر الغدير 2: 214 و 3: 212، وتلخيص الشافي 3: 244 (الهامش)، وتتمة المراجعات: سبيل النجاة: 143 برقم 556 و 235 برقم 758. ويبدو أن المؤلف قد أخذ ذلك كله عن الفصول المختارة 2: 296.
[386] (ثم) من الفصول المختارة 2: 302.
[387] هنا في النسختين زيادة: و.
[388] راجع وقارن بالفصول المختارة: 303.
[389] في النسختين: عن، ولا يستقيم الكلام إلا أن تكون هذه الكلمة: عند.
[390] أنظر الفصول المختارة: 300.
[391] راجع وقارن الفصول المختارة 2: 294 - 305 فلا تكاد تري إلا اختصارا وتلخيصا.
[392] أنظر الفصول المختارة: 305.
[393] الفصول المختارة: 305.
[394] راجع وقارن بالفصول المختارة: 305 و 306.
[395] الفصول المختارة: 306.
[396] الفصول المختارة.
[397] أنظر الفصول المختارة: 308.
[398] هنا في (ضا: فأما ما من قول... وفي (عا) كتبت (من) ثم شطب عليها. وبالنظر إلي الفصول المختارة: 309 يبدو أن لفظة روي محذوفة.
[399] كذا ذكره المفيد في الفصول المختارة: 309، وتصحيح الاعتقاد: 66، ورواه الصدوق عن الصادق عليه السلام في التوحيد: 336، وأخرجه المجلسي عن أصل زيد النرسي الكوفي عن الحلبي عن الصادق عليه السلام في البحار 4: 122.
[400] تصحيح الاعتقاد: 66، والفصول المختارة: 309، واللفظ للأخير.
[401] الفصول المختارة: 309.
[402] راجع وقارن بالفصول المختارة 2: 251.
[403] راجع وقارن الفصول المختارة: 306.
[404] راجع وقارن الفصول المختارة 2: 310 و 311.
[405] أي كان باطن قدميه لا قعر فيه.
[406] الفصول المختارة: 312.
[407] راجع وقارن بالفصول المختارة: 312.
[408] هنا في النسختين: وهم... وعدلنا النص من الفصول المختارة 2: 253 فهو الصحيح، إذ ليس كل المرجئة يقعون في علي وعثمان.
[409] (هذا مرجئ كبير) الفصول المختارة: 312.
[410] الفصول المختارة: 312.
[411] في (ضا): ولا يتأتي، وفي (عا): ولم يتؤتي، وفي الفصول: ولا تأتي: 312.
[412] الفصول المختارة: 313.
[413] الفصول المختارة: 313.
[414] النساء: 54.
[415] زيادة بمقتضي السياق.
[416] الفصول المختارة: 315.
[417] الفصول المختارة: 314 و 315.
[418] في النسختين: لم يرووه.
[419] مريم: 29 و 30.
[420] مريم: 12.
[421] يبدو منه بقاء عدة منهم حتي عصر المصنف رحمه الله، بينما الشيخ المفيد يفيد: أنهم انقرضوا ولا بقية لهم، وذلك مبطل لما ادعوه - الفصول المختارة: 318.
[422] في الأصل: كانت.
[423] في النسختين: إذا خطأ. أنظر الفصول المختارة: 318.
[424] مريم: 29 و 30.
[425] مريم: 12.
[426] في النسختين: قال. والصحيح من الفصول المختارة: 309.
[427] هنا في النسختين: فإن وأثبتنا مقتضي السياق.
[428] في الأصل: عقيلتنا. ولعل الصواب ما أثبتناه.
[429] عاش ثلاثمائة وأربعين سنة، أنظر الفصول العشرة في الغيبة: 96، والغيبة للطوسي: 80 طبعة النجف الأشرف.
[430] الجد هنا بمعني الحظ.
[431] أنظر الغيبة للطوسي: 79 و 80 وإكمال الدين: 512، 513 و 522.
[432] إلي هنا في الفصول العشرة في الغيبة للمفيد: 97 و المعمرون: 13 - 14.
[433] وإلي هنا في الغيبة للطوسي: 80.
[434] ذكره الصدوق: أماباة بن قيس بن الحارث بن شيبان الكندي، عاش ستين ومائة سنة، إكمال الدين: 557.
[435] الفئام: جماعات، وفي النسختين: قياما. غلطا.
[436] أنظر الغيبة للطوسي: 81.
[437] في النسختين: الحرث، وأنظر الغيبة للطوسي: 83.
[438] وفي الغيبة للطوسي: 83: الحميري.
[439] في النسختين: واقع مائتي وتسعة. والصحيح من الغيبة للطوسي: 83.
[440] ذكره الصدوق في إكمال الدين: 511.
[441] في النسختين: القرن الأول. والصحيح بالسياق ما أثبتناه.
[442] العنكبوت: 14.
[443] أنظر إكمال الدين: 521، والفصول العشرة في الغيبة للمفيد: 94.
[444] الكلمة في النسختين: الله. إلا أنها في (عا) مصححة (أبيه) وهو الصحيح بمقتضي السياق.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.