الموقف الإسلامي من اسطورة تحريف القرآن الكريم

اشارة

مولف:مجمع العالمي لاهل البيت

مقدمة

لقد أطبق المسلمون كافة علي أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا هو كتاب الله الذي لم يأته ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. وهو كما وصفه _ ربيب الرسالة _ أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب(عليه السلام): «ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده... وشعاعاً لا يُظلِمُ ضَوْؤُه وفرقاناً لا يُخمدَ برهانه وتبياناً لا تهدم أركانه.. فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره.. وأثافيّ الإسلام وبنيانه.. وأعلام لا يعمي عنها السائرون.. جعله الله ريّاً لعطش العلماء.. ودواءً ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذِروته، وعزّاً لمن تولاّه، وسلماً لمن دخله، وهديً لمن ائتمّ به.. وعلماً لمن وعي.. وحكماً لمن قضي» [1] . «واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يُضِلّ، والمحدّث الذي لا يكذب.. وإن الله سبحانه لم يَعِظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنّه حبل الله المتين وسببه الأمين، إذ فيه ربيع القلب وينابيع العلم، وما للقلب جلاءٌ غيره» [2] . إنّ مثل هذا الكتاب الذي ربّي الأجيال وصنع العظماء، وحضّر الاُمم.. لم يتوان الحاقدون والحاسدون في عزل الاُمّة الإسلامية عنه، وإن كان ذلك بالتشكيك في سلامة نصوصه، ومحاولة النبز فيه بتسرّب التحريف إليه، وإلقاء الفتنة والعداوة والبغضاء بين المؤمنين به.. إنها الخطّة الشيطانية الماكرة لإحلال الزيغ محلّ الهدي، وحرمان الأجيال الصاعدة من هذا المعين الإلهي الزاخر. ولكن الله أبي إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. من هذا المنطلق لفهم كتاب الله سوف نتناول (اُسطورة تحريف القرآن الكريم) بالبحث في قسمين، وسيكون القسم الأوّل منهما

حول عوامل صيانة القرآن من التحريف. بينما يكون القسم الثاني حول اُسطورة التحريف.

عوامل صيانة القرآن من التحريف

اشاره

والبحث في هذا القسم ينصب علي جملة من النقاط:

مستوي علاقة الامة بالقرآن

لقد أحدث القرآن الكريم في بداية نزوله تغيّراً وانقلاباً جذرياً في حياة الإنسان المسلم، من حيث بنائه الثقافي والنفسي والاجتماعي، وقد أدرك هذا الإنسان آنذاك بأنّ القرآن الكريم لم يكن نتيجة طبيعية لظروفه الحضارية، ليفسر ظاهرته وفق المنطق الأرضي، واصطباغها بالطابع البشري، ليعرض عنها بظرف مغاير آخر، أو يتعامل معها بنظرة هامشية، بل استحوذ القرآن علي كل العقل العربي ومشاعره، وأصبح رمزاً لوجوده وكرامته وثقافته ومستقبله، ومحوراً يتراءي بواسطته تفاصيل حياته الشخصية والعامة، واغنائها بالفكر الإلهي الجديد. ومن المعروف أنّ إنسان الجزيرة لم يمتلك عقيدة دينية، كما هي عند أهل الكتاب، أو حضارة تعتمد اُصولاً فلسفية، كما هي الحضارة الرومانية أو الفارسية، ليحول هذا العامل أو ذاك دون قبول الرسالة سوي بعض القيم التي أطّرها الإسلام بالطابع المبدئي، والاُخري الخرافية التي سرعان ما تهاوت وتخلي عنها منبهراً ببلاغة القرآن وفكره، ويكفيك ما جاء في البخاري عن أبي رجاء العطاردي، قال: كنّا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو اخير ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً، جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به [3] . وقال الكلبي: (كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار فنظر الي أحسنها فاتخذه ربّاً وجعل ثلاث أثافي لقدره وإذا إرتحل تركه» [4] . الي غير ذلك من ألوان القيم والأفكار الوثنية التي حاورها القرآن الكريم، وأثبت بطلانها كعبادة الملائكة ووأدهم للبنات. كما عبر الإنسان العربي عن عجزه وحيرته أمام التحدي القرآني العظيم، فمن ذلك أن المغيرة استمع ذات يوم الي النبي(صلي الله عليه وآله)في المسجد الحرام وهو يقرأ القرآن فانطلق الي مجلس قومه بني

مخزوم، فقال: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ماهو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمعذق وإنّه ليعلو وما يُعلي [5] . فانتقل القرآن الكريم بالإنسان العربي من ظلمات الجهل والاُمية والخرافة الي نور العلم والقيادة للبشرية تحت راية القرآن، فليس من المعقول وفي هذا الظرف بالذات أن تكون علاقته بكتاب الله علاقة هامشية وثانوية، فإذا كان الجواب بالنفي وأخذنا القول بأنّ القرآن قد احتل الصدارة في حياة الإنسان المسلم، فهذا بطبيعة الحال يشكّل عاملاً إيجابياً وداعياً يحرّكه نحو حمايته والدفاع عنه.

التصدي الإلهي لحفظ القرآن و صيانته من التحريف

استدلّ العلماء والمحققون علي عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم، بجملة من الأدلّة والشواهد القرآنية التي تثبت دخول اليد الإلهية في حفظ القرآن: 1 _ قوله تعالي: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) [6] . يتفق المفسرون قاطبة، بأن الذكر هنا هو القرآن الكريم. أما قوله تعالي: (وإنّا له لحافظون) وكما يقول المفسرون [7] ، أيضاً إن صيانة القرآن من التحريف تعتبر من أبرز مصاديق الحفظ، ولولا تكفل الله سبحانه وحفظه للقرآن الكريم، لتعرض الي الدس والتبديل والتحريف، كما تعرضت إليه الكتب السماوية من قبل، ولكن الخاصية الإلهية التي تمتع بها هذا الكتاب دون غيره من الكتب، جعلته يطرد كل غريب ويفرز كل شائبة تصيبه، ويبقي يتمتع بهذه الخاصية، فعليه يظل سالماً محفوظاً ومصوناً من كل باطل حتّي قيام الساعة. 2 _ قوله تعالي: (...وإنّه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) [8] . التحريف في هذه الآية يعتبر من أبرز مصاديق الباطل، وعليه فالقرآن مصون من التحريف، حيث ينفي

بنفسه دخول الباطل فيه بجميع أقسامه، منذ نزوله وإلي يوم القيامة، لأ نّه تنزيل من لدن حكيم حميد، بالإضافة إلي أ نّه يشهد لدخول التحريف بالباطل الذي تنفيه الآية عن الكتاب بالعزة، وعزة الشيء تقتضي المحافظة عليه من التغيير والضياع والتلاعب، ومن التصرف فيه بما يشينه ويحط من كرامته وإلي الأبد. 3 _ قوله تعالي: (لا تحرّك به لسانك لتعجل به، إنّ علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه، ثم إنّ علينا بيانه) [9] . عن ابن عباس وغيره في قوله تعالي: (إنّ علينا جمعه وقرآنه)أن المعني: إن علينا جمعه في صدرك حتي تحفظه وقرآنه أي تأليفه علي ما نزل عليك، وقيل: إن علينا جمعه حتي تحفظه ويمكنك تلاوته فلا تخف فوت شيء منه [10] . فهذه الأدلّة القرآنية تثبت دخل يد القدرة في حماية القرآن، وعلي نفي التحريف بكل صوره وأشكاله عن كتاب الله العزيز. وقد يناقش الاستدلال في الآية الاُولي باُمور ثلاثة: الأمر الأوّل: إنّه يكفي لصدق الحفظ المقرر في الآية، حفظه لدي بعض الأفراد، وإن كان الموجود بين أيدي سائر الناس قد نالته يد التحريف. وقد اُجيب علي ذلك: «أن هذا الكلام غير وارد، حيث إن الهدف من إنزال القرآن هو هداية الناس والتدبّر فيه وفي آياته: (أفلا يتدبّرون القرآن أم علي قلوب أقفالها) [11] وما إلي ذلك من الآيات التي تبيّن الهدف من إنزال القرآن، في هذا الإتجاه، أو في غيره. وواضح أن ذلك لا يختصّ بفرد دون فرد، ولا بجماعة دون اُخري... وحفظ القرآن إنّما هو لأجل ذلك، فإذا كان محرفاً لم يكن هديً لأحد ولا هو ممّا لا ريب فيه... إلخ. ولا يصح لوم الناس وتقريعهم لعدم تدبّرهم القرآن.

ولعلك تقول: يمكن أن يكون التحريف أو الحذف قد نال القسم الذي يكون تحريفه أو حذفه غير مخل بالمعني، ولا يؤثر في العقائد والأحكام ولا يمنع من أن تكون الهداية علي أتمّها. والجواب علي ذلك: أ _ إن ذلك يحتاج إلي مَنْ يثبته فمن قال إن التحريف قد نال هذه الناحية دون سواها! فكيف يمكن إثبات ذلك؟! ب _ إنّنا لا نجد مبرراً للمنافقين والذين في قلوبهم مرض وأعداء الإسلام لإرتكاب هذه الحماقة، فإنّ الداعي للدسّ والوضع والتحريف في الاُمور الاعتقادية، وقصص الأنبياء، والاُمم الخالية، وأحوال المبدأ والمعاد، وفي كثير من الأحكام وغيرها، هذه الدواعي أكثر وأوفر، مادام أن الهدف من الدسّ هو تفويت الغرض، واستبدال الهداية بضدّها. الأمر الثاني: وقد يناقش في الاستدلال أيضاً: بأنّه لا ريب في وقوع التحريف في القرآن، بسبب اشتباه النسّاخ في كتابتهم للقرآن، وهذا يعني: أنّ الآية غير ناظرة للحفظ عن التحريف عند الناس. والجواب: أنّ هذا النوع من التحريف لا يضرّ ولا يوجب صرف الآية عمّا لها من الظهور، وذلك لأن اشتباه النسّاخ، لا يوجب تحريف القرآن ما دام أنّه يبقي محفوظاً علي حقيقته، ومعروفاً لدي الناس والاُ مّة، الذين سرعان ما يكتشفون الخطأ، ويعرف ذلك حفّاظه وحاملوه والمهتمّون بشأنه، وما أكثرهم [12] . الأمر الثالث: أنّ التمسّك بالقرآن لإثبات عدم تحريف القرآن باطل، لإمكان أن يكون التحريف قد نال نفس هذه الآية التي يستدلّ بها. والجواب: أنّ هناك اجماعاً علي عدم تحريف هذه الآية بالذات، وقد ذكروا المواضيع التي ادّعوا حصول التغيير فيها، وليست هذه الآية منها...

تصدي الرسول لصيانة القرآن من التحريف

اشاره

لقد بالغ رسول الله(صلي الله عليه وآله) واهتمّ كثيراً بقضية حفظ القرآن وحمايته، وله(صلي الله عليه وآله) نشاطات وأساليب

متعددة كلّها تؤدي إلي حفظ القرآن، وبقائه مصاناً من أن تناله يد التبديل والتغيير، منها:

الحث علي تلاوته و حفظه

فأما من ناحية حفظ القرآن وتعلمه وقراءته وتلاوة آياته بمجرد نزولها، فقد جاء عنه(صلي الله عليه وآله): «من قرأ القرآن حتّي يستظهره ويحفظه، أدخله الله الجنّة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته، كلّهم قد وجبت لهم النار» [13] . وعن عبادة بن الصامت قال: فإذا قدم رجل مهاجر علي رسول الله(صلي الله عليه وآله)دفعه إلي رجل منّا يعلّمه القرآن [14] . وكان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يحث الصحابة علي ختم القرآن، فقد روي عنه(صلي الله عليه وآله)،أنّه قال: «إنّ لصاحب القرآن عند كل ختم دعوة مستجابة» [15] . وعنه(صلي الله عليه وآله)، قال: «من قرأ القرآن في سبع فذلك عمل المقربين، ومن قرأه في خمس فذلك عمل الصدّيقين» [16] . وعنه(صلي الله عليه وآله)، قال: «من شهد فاتحة الكتاب حين يستفتح كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله، ومن شهد خاتمته حين يختمه كان كمن شهد الغنائم» [17] . وعن عائشة عن رسول الله(صلي الله عليه وآله)، قال: «النظر في المصحف عب_ادة» [18] . وعن ابن مسعود عن رسول الله(صلي الله عليه وآله)،قال: «أديموا النظر في المصحف» [19] . وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله(صلي الله عليه وآله): «أعطوا أعينكم حظّها من العبادة، قالوا: وما حظها من العبادة يارسول الله؟ قال: النظر في المصحف، والتفكّر فيه، والاعتبار عند عجائبه» [20] . وقال(صلي الله عليه وآله): «أفضل عبادة اُمّتي تلاوة القرآن» [21] . ولوجود هذا الاهتمام في عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وبعد وفاته في حفظ القرآن، فقد بلغ من كَثرة حفّاظه أن قُتل منهم سبعون في

غزوة بئر معونة خلال حياته، وقتل أربعمائة وقيل سبعمائة منهم في حروب اليمامة عقيب وفاته [22] .

تدوين القرآن

هيّأ رسول الله(صلي الله عليه وآله) جمعاً من الصحابة لغرض كتابة القرآن، فكان هؤلاء يكتبون ما يملي عليهم من لسان الوحي، وكان(صلي الله عليه وآله)قد رتّبهم لذلك. عن زيدبن ثابت،قال:كنّا عندرسول الله(صلي الله عليه وآله) نؤلّف القرآن من الرقاع [23] . وقد نصّ المؤرخون علي أسماء كُتّاب الوحي وأنهاهم البعض إلي اثنين وأربعين رجلاً. وكان كلّما نزل شيء من القرآن أمر بكتابته لساعته. روي البراء: إنّه عندما نزل قوله تعالي: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين...) [24] . قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «ادعُ لي زيداً، وقل يجيء بالكتف والدواة واللوح، ثم قال: اُكتب لا يستوي...» [25] . كما روي عن ابن عباس، قال: إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) كان إذا نزل عليه الشيء، دعا مَن كان يكتب فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» [26] .

جمع القرآن

وكان النبي(صلي الله عليه وآله) يشرف بنفسه مباشرة علي ما يُكتب ويراقبه ويصححه بمجرد نزول الوحي. عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله(صلي الله عليه وآله) وكان إذا نزل عليه الوحي أخذتهُ برحاء شديدة فكنت اُدخل عليه لِقطة الكتف أو كسرة، فأكتب وهو يُملي عليَّ فإذا فرغت قال: إقرأه، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم أخرج إلي الناس [27] . 1 _ روي في أحاديث صحيحة «أنّ جبرئيل كان يعارض رسول الله(صلي الله عليه وآله) القرآن في شهر رمضان، في كلِّ عام مرّة، وأ نّه عارضه عام وفاته مرّتين» [28] ، وكان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يعرض ما في صدره علي ما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وكان أصحاب المصاحف منهم يعرضون القرآن علي النبي(صلي الله عليه

وآله)، فعن الذهبي: «أنّ الذين عرضوا القرآن علي النبي(صلي الله عليه وآله) سبعة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، واُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسي الأشعري، وأبو الدرداء» [29] . 2 _ وعن ابن قتيبة: «أ نّ العرضة الأخيرة كانت علي مصحف زيد بن ثابت» [30] . وفي رواية ابن عبدالبرّ عن أبي ظبيان: «أ نّ العرضة الأخيرة كانت علي مصحف عبدالله بن مسعود» [31] . 3 _ عن محمد بن كعب القرظي، قال: «كان ممّن يختم القرآن ورسول الله(صلي الله عليه وآله) حيّ: عثمان، وعليّ، وعبدالله بن مسعود» [32] . 4 _ وقال الطبرسي: «إنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن علي النبيّ(صلي الله عليه وآله) عدّة ختمات» [33] . ومعني ذلك أن القرآن كان مجموعاً من أوّله الي آخره علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله). 5 _ وروي عنه(صلي الله عليه وآله): «أ نّه قد أمر عبدالله بن عمرو بن العاص بأن يختم القرآن في كلِّ سبع ليال _ أو ثلاث _ مرّة، وقد كان يختمه في كل ليلة» [34] . وأمر النبي(صلي الله عليه وآله) سعد بن المنذر أن يقرأ القرآن في ثلاث، فكان يقرؤه كذلك حتي تُوفيّ» [35] . كان الصحابة يدوّنون القرآن في صحف وقراطيس ولا يكتفون بالحفظ والتلاوة، فلعلك قرأت ما روي في إسلام عمر بن الخطاب: «أنّ رجلاً من قريش قال له: اختك قد صبأت; أي خرجت عن دينك، فرجع الي اُخته ودخل عليها بيتها، ولطمها لطمة شجّ بها وجهها، فلمّا سكت عنه الغضب، نظر فإذا صحيفة في ناحية البيت، فيها (بسم الله الرحمن

الرحيم، سبّح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) [36] . واطّلع علي صحيفة اُخري فوجد فيها (بسم الله الرحمن الرحيم، طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي...) [37] . فأسلم بعدما وجد نفسه بين يدي كلام معجز ليس من قول البشر» [38] ، وهذا يدلّ علي أنهم كانوا يكتبون بإملاء الرسول(صلي الله عليه وآله)، وأن هذا المكتوب كان يتناقله الناس. 6 _ جمع القرآن طائفة من الصحابة علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله)، هم أربعة علي ما في رواية عبدالله بن عمرو، وأنس بن مالك [39] ، وقيل: خمسة كما في رواية محمد بن كعب القرظي [40] ، وقيل: ستة كما في رواية الشعبي [41] ، وكذا عدّهم ابن حبيب في (المحبّر) [42] ، وأنهاهم ابن النديم في (الفهرست) إلي سبعة [43] ، وليس المراد من الجمع هنا الحفظ، لأنّ حفّاظ القرآن علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) كانوا أكثر من أن تُحصي أسماؤهم في أربعة أو سبعة. 7 _ إطلاق لفظ الكتاب علي القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة، ولا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل لابدّ أن يكون مكتوباً مجموعاً، وكذا ورد في الحديث عن النبي(صلي الله عليه وآله): «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي» [44] ، وهو دليل علي أ نّه(صلي الله عليه وآله)قد تركه مكتوباً في السطور علي هيئة كتاب. 8 _ تفيد طائفة من الأحاديث أنّ المصاحف كانت موجودة علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) عند الصحابة، بعضها تام وبعضها ناقص، وكانوا يقرأونها ويتداولونها، وقرر لها الرسول الأكرم(صلي الله عليه وآله)طائفة من الأحكام، منها: عن أوس الثقفي، قال رسول الله(صلي الله عليه

وآله): «قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف علي ذلك ألفي درجة» [45] . وقال(صلي الله عليه وآله): «من قرأ القرآن نظراً مُتِّع ببصره ما دام في الدنيا» [46] . وهذه الروايات والتي سبق ذكرها تدلّ علي أ نّ إطلاق لفظ المصحف علي الكتاب الكريم لم يكن متأخّراً إلي زمان الخلفاء، كما صرحت به بعض الروايات، بل كان القرآن مجموعاً في مصحف منذ عهد الرسول(صلي الله عليه وآله). ونزيد علي ما تقدّم أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) كان لديه مصحف أيضاً، ففي حديث عثمان بن أبي العاص حين جاء وفد ثقيف الي النبي(صلي الله عليه وآله)، قال عثمان: «فدخلتُ علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فسألته مصحفاً كان عنده فأعطانيه» [47] ، بل وترك رسول الله(صلي الله عليه وآله) مصحفاً في بيته خلف فراشه _ لا حسبما صرّحت به بعض الروايات _ مكتوباً في العسب والحرير والأكتاف، وقد أمر علياً(عليه السلام)بأخذه وجمعه، قال علي(عليه السلام): «آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلاّ إلي الصلاة حتّي أجمعه» [48] . فجمعه(صلي الله عليه وآله)، وكان مشتملاً علي التنزيل والتأويل، ومرتّباً وفق النزول علي ما مضي بيانه. وجميع ما تقدّم، أدلّة قاطعة وبراهين ساطعة علي أنّ القرآن قد كُتب كلّه علي عهد النبي(صلي الله عليه وآله)، تدويناً في السطور علاوة علي حفظه في الصدور،وكان له أوّل وآخر، وكان الرسول(صلي الله عليه وآله)يشرف بنفسه علي وضع كلّ شيء في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه. إذاً، فكيف يمكن أن يقال: إنّ جمع القرآن قد تأخّر إلي زمان خلافة أبي بكر، وإنه احتاج الي شهادة شاهدين يشهدان أ نّهما سمعاه من رسول الله(صلي الله عليه

وآله) [49] ؟ نعم، في عهد عثمان وحِّدت المصاحف من ناحية الشكل والترتيب لا من حيث المضمون.

السنة النبوية تؤكد سلامة القرآن من التحريف

من الأدلّة علي صيانة القرآن من التحريف في منظور مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)،مسألة عرض الأحاديث الواردة عن الأئمة(عليهم السلام)علي القرآن الموجود في حالة تعارضها لا بل مطلق الأحاديث، بمعني أن يكون القرآن هو المقياس لمعرفة صدق الحديث أو كذبه، فما وافق كتاب الله اُخذ به وما خالف اُعرض عنه، فلو أن القرآن الموجود قد حرّف لما صحّت هذه القاعدة التي قررها الأئمة(عليهم السلام)، وعمل بها علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)،ومن تلك الأحاديث التي وردت بهذا الشأن: 1 _ قال الإمام الصادق(عليه السلام)، قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «إنّ علي كلّ حقّ حقيقة وعلي كل صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه» [50] . والدلالة في هذا الحديث تتنافي مع احتمال التحريف، وذلك لأن المعروض عليه يجب أن يكون مقطوعاً به لأ نّه المقياس الذي يفرق بين الحق والباطل وينبغي أن يرد الشكّ في نفس المقياس. وعليه، فلو عرضت روايات التحريف علي نفس ما قيل بسقوطه لتكون موافقة له، فهذا عرض علي المقياس المشكوك فيه وهو دور باطل، وإن عرضت علي غيره فهي تخالفه، حيث يقول: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ثمّ إن العرض لابد أن يكون علي هذا الموجود المتواتر لدي عامة المسلمين، لما ذكرناه من أن المقياس لابد أن يكون متواتراً مقطوعاً به، وروايات التحريف إذا عرضت علي هذا الموجود كانت مخالفة له، لأ نّها تنفي سلامة هذا الموجود وتدل علي أنه ليس ذلك الكتاب النازل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وهذا تكذيب صريح للكتاب

ومخالفة عارمة مع القرآن [51] . 2 _ قول الرسول(صلي الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً...». وهذا من الأحاديث المتواترة عن رسول الله(صلي الله عليه وآله)، ورواه علماء الجمهور بأسانيد متكثرة متواترة وبألفاظ مختلفة عن أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية. وعليه، يقتضي أن يكون القرآن الكريم مدوناً في عهد الرسول بجميع آياته وسوره حتّي يصح إطلاق اسم الكتاب عليه، كما ذكرنا ذلك في ثنايا البحث، كما يقتضي أيضاً بقاء القرآن كما كان عليه علي عهده(صلي الله عليه وآله) إلي يوم القيامة لتتم به، وبالعترة الهداية الأبدية للاُ مّة الإسلامية، ما داموا متمسكين بهما، وإلاّ يلزم من ذلك القول بأن رسول الله(صلي الله عليه وآله) لا يعلم بما سيكون في اُ مّته أو إخلاله بالنصح التام لاُ مّته، وهذا لا يقول به أحد من المسلمين.

حراسة المسلمين و دقتهم في حفظ القرآن الكريم

كان المسلمون بغاية من الدقّة والعناية في حفظ وكتابة القرآن، بل وفي حراسته مخافة أن يتعرض إلي التغيير أو التبديل. ويكفي أن نذكر: أن عثمان بن عفان، لم يجرأ علي حذف آية منسوخة ويعتذر لابن الزبير عن ذلك، بأ نّه لا يريد أن يغيّر شيئاً من مكانه [52] . ولعلّ ذلك كان منه بعد أن تعرض لذلك الموقف الصعب والامتحان العسير، حينما أصرّ علي حذف الواو من آية الكنز ((و) الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) [53] . فأراد أن يحذف واو الذين; التي جعلناها آنفاً بين قوسين; وذلك من أجل أن يظهر: أن الآية خاصة بأهل الكتاب، ولا تشمل المسلمين. فتصدي اُبي بن كعب _ الصحابي المعروف _ بشدة

بالغة، وهدده بأنه لسوف يضع سيفه علي عاتقه، إن فعل عثمان ذلك. الأمر الذي اضطرّ معه عثمان إلي التراجع [54] . وحينما أراد عمر بن الخطاب حذف الواو من قوله تعالي: (والذين اتّبعوهم بإحسان) [55] _ ولعله بهدف الحط من منزلة الأنصار، وتكريس المدح للمهاجرين _ اعترض عليه زيد بن ثابت، وأيّده اُبي بن كعب [56] ، فلم يمكنه أن ينفذ ما أراد. كما أن عمر بن الخطاب نفسه، لا يجرأ علي أن يكتب آية الرجم، التي كان يقول ويؤكد بشدة بالغة علي أنها من القرآن،.. لئلا يقال: إن عمر قد زاد في كتاب الله تعالي... فإذا كان هذا حال عمر حيث لا يجرأ علي زيادة آية واحدة، بل وحتّي حرف واحد، فهل يجرأ غيره علي التصرف بزيادة أو حذف آيات أو سور من القرآن أو تحريفها؟! إن ذلك يكاد يلحق بالممتنعات والمحالات، فكيف يسوغ لأحد أن يدّعي وقوعه بهذه السهولة؟!! [57] .

اسطورة تحريف القرآن الكريم

اشاره

وإذا ثبت أن القرآن الكريم قد تمتع بعوامل ربّانية وموضوعية، تشكّل السرّ في بقائه خالداً مصاناً من دون أن يمسّه التحريف والتغيير، كما هي الكتب السماوية الاُخري، بقي الحديث عن الإتجاه الثاني الذي أفردناه لاُسطورة التحريف، وسوف يتوزع البحث في هذا الاتجاه، ضمن عدّة نقاط:

المعني اللغوي والاصطلاحي للتحريف

حرف الشيء: طرفه وجانبه، وتحريفه: إمالته والعدول به عن موضعه إلي طرف أو جانب. قال تعالي: (ومِن الناس من يَعبدُ الله علي حَرْف) [58] . قال الزمخشري: أي علي طرف من الدين، لا في وسطه وقلبه، وهذا مثلٌ لكونهم علي قلق واضطراب في دينهم، لا علي سكون وطمأنينة [59] . أما التحريف في الإصطلاح فله معان كثيرة: 1 _ التحريف الترتيبي: أي نقل الآية من مكانها إلي مكان آخر، سواء كان هذا النقل بتوقيف أو باجتهاد. فلا خلاف في وقوعه، إذ كم من آية مكّية بين آيات مدنية، والعكس. 2 _ التحريف المعنوي: ويراد به حمل اللفظ علي معان بعيدة عنه لم ترتبط بظاهره، مع مخالفتها للمشهور من تفسيره، وهذا النوع واقع في القرآن، وذلك عن طريق تأويله من غير علم، وهو محرّم بالإجماع لقوله(صلي الله عليه وآله): «من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار» [60] ، وهو من التفسير بالرأي المنهي عنه، قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «من فسّر القرآن برأيه وأصاب الحق فقد أخطأ» [61] ، وهذا المعني منحدر عن الأصل اللغوي لتحريف الكلام. 3 _ التحريف اللفظي: وهو علي أقسام، منها التحريف بالزيادة والنقصان وهذا القسم علي ثلاث أنحاء: أ _ تحريف الحروف أو الحركات: وهذا راجع إلي القراءات القرآنية، وهو باطل إلاّ في ألفاظ قليلة، كقوله تعالي: (وامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ وأرْجُلَكُم) [62]

بجرّ لفظة الأرجل ونصبها، وغيرها ممّا لم يخالف اُصول العربية وقراءة جمهور المسلمين، وورد به أثر صحيح. ب _ تحريف الكلمات: وهو إمّا أن يكون في أصل المصحف، وهو باطل بالإجماع، وإمّا أن تكون زيادة لغرض الإيضاح لما عساه يشكل في فهم المراد من اللفظ، وهو جائز بالاتفاق. ج _ تحريف الآيات والسور: وهو باطل بالاجماع. 4 _ التحريف بالزيادة: بمعني أنّ بعض المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل، والتحريف بهذا المعني باطل بإجماع المسلمين، بل هو ممّا عُلِم بطلانه بالضرورة، لأنه يعني أن بعض ما بين الدفّتين ليس من القرآن، ممّا ينافي آيات التحدّي والإعجاز، كقوله تعالي: (قُل لئِن اجتَمَعَتِ الإنسُ والجنُّ علي أن يأتوا بِمثْلِ هذا القُرآن لا يأتون بمثلهِ ولوْ كانَ بَعضُهُمْ لِبْعض ظَهيراً) [63] . 5 _ التحريف بالنقص: بمعني أنّ بعض المصحف الذي بين أيدينا لا يشتمل علي جميع القرآن الذي نزل من السماء، بأن يكون قد ضاع بعض القرآن علي الناس إمّا عمداً، أو نسياناً، وقد يكون هذا البعض كلمة أو آية أو سورة، والتحريف بهذا المعني هو موضوع البحث، حيث ادّعي البعض وقوعه في القرآن الكريم إستناداً إلي أحاديث هي بمجملها إمّا ضعيفة سنداً، أومؤوّلة بوجه يُخْرِجها عن افادة ذلك، وإلاّ فهي أحاديث وأخبار مدسوسة وباطلة، وقد أعرض عنه محققو المسلمين علي مرّ العصور [64] .

تصريحات علماء المسلمين بسلامة القرآن من التحريف

صرّح علماء المسلمين بشكل عام وعلماء الشيعة بشكل خاص عبر القرون كلّها بسلامة النصّ القرآني من التحريف، لكن مَن يتّهم الشيعة بالقول بالتحريف يهمل هذه التصريحات المهمّة التي تكشف عن الموقف الموضوعي للمذهب الإمامي بشكل واضح. وإليك نماذج من هذه التصريحات عبر القرون التالية حتي عصرنا هذا: 1 _

شيخ المحدثين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق _ المتوفّي سنة 381 ه_ _ قال في رسالته التي وضعها لبيان معتقدات الشيعة الإمامية: «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالي علي نبيّه(صلي الله عليه وآله)، هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك وعدد سوره علي المعروف (114) سورة. ثمّ قال: ومن نسب إلينا إنّا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كذّاب» [65] . 2 _ الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، الملقّب بالمفيد، المتوفّي سنة 413 ه_ _. قال: «وقد قال جماعة من أهل الإمامة، إنه لم ينقص من كلمة، ولا من آية، ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين(عليه السلام) من تأويله، وتفسير معانيه علي حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالي الذي هو القرآن المعجز. وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعي نقصان كلم من نفس القرآن علي الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب» [66] . 3 _ الشريف المرتضي علي بن الحسين الموسوي، الملقّب بعلم الهدي، المتوفّي سنة 436 ه_ _. قال:«إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت علي نقله وحراسته، وبلغت إلي حدٍّ لم يبلغه في ما ذكرناه، لأ نّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتّي عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيِّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!». وقال: «إنّ العلم

بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجري ذلك مجري ما علم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها، حتّي لو أنّ مُدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعُرِف ومُيّز، وعلم أ نّه ملحق وليس في أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء». وقال: «إنّ القرآن كان علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) مجموعاً مؤ لّفاً علي ما هو عليه الآن...». واستدلّ علي ذلك «بأن القرآن كان يُدرّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتّي عيّن علي جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأ نّه كان يعرض علي النبي(صلي الله عليه وآله) ويُتلا عليه، وأ نّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن علي النبي(صلي الله عليه وآله) وسلّم عدّة ختمات». كل ذلك يدلّ بأدني تأمّل علي أ نّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث. وذكر: «أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلي قوم من أصحاب الحديث، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا بصحّتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع علي صحّته» [67] . ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضي حتّي ذكر ذلك عنه كبار علماء أهل السُنّة، وأضافوا أ نّه كان يُكفّر من قال بتحريف القرآن، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه: «كان من كبار المعتزلة الدعاة، وكان إمامياً، لكنّه يكفّر من عزم أنّ القرآن بُدّل أو زيد فيه، أو نقص

منه، وكذا كان صاحباه أبو القاسم الرازي وأبو يعلي الطوسي» [68] . 4 _ الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي، الملقّب بشيخ الطائفة _ المتوفّي سنة 460 ه_ _ قال في مقدمة تفسيره: «والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه، وأ مّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمع علي بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضي _ رحمه الله تعالي _ وهو الظاهر من الروايات، غير أ نّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلي موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، والأولي الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأ نّه يمكن تأويلها، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً علي ما هو موجود بين الدفّتين، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من الاُ مّة ولا يدفعه» [69] . 5 _ الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي، الملقّب بأمين الإسلام _ المتوفّي سنة 548 ه_ _ قال ما نصّه: «... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فجمع علي بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روي جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة: إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً... والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضي _ قدّس الله روحه _ واستوفي الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات» [70] . 6 _ السيد أبو القاسم علي بن طاووس الحلّي _ المتوفي سنة 664 ه_ _ فقد نصّ علي أن القرآن مصون من الزيادة والنقصان،

كما يقتضيه العقل والشرع [71] . واستنكر ما روي العامة عن عثمان وعائشة، من أن في القرآن لحناً وخطأً، قائلاً: «ألا تعجب من قوم يتركون مثل علي بن أبي طالب، أفصح العرب بعد صاحب النبوّة وأعلمهم بالقرآن والسنّة ويسألون عائشة؟ أما يفهم أهل البصائر أنّ هذا لمجرد الحسد أو لغرض يبعد من صواب الموارد والمصادر... ولو ظفر اليهود والزنادقة بمسلم يعتقد في القرآن لحناً جعلوه حجة» [72] . 7 _ العلاّمة الحلّي _ المتوفي سنة 726 ه_ _ وممّا قاله في بعض أجوبته حيث سئل: «ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أ نّه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه، أم لم يصح عندهم شيء من ذلك؟ الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأ نّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالي من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجب التطرق إلي معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر» [73] . 8 _ الشيخ زين الدين البياضي العاملي _ المتوفي سنة 877 ه_ _ قال: «علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله، وكان التشديد في حفظه أتمّ، حتّي نازعوا في أسماء السور والتفسيرات. وإنّما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكّر في معانيه وأحكامه، ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كلّ عاقل وإن لم يحفظه، لمخالفة فصاحته واُسلوبه» [74] . 9 _ وأ لّف الشيخ علي بن عبدالعالي الكركي العاملي، الملقّب بالمحقق الثاني _ المتوفي سنة 940 ه_ _ رسالة في نفي النقيصة في القرآن الكريم. وأجاب عن الأخبار التي تتضمن وجود النقص، قائلاً: «بأ نّ الحديث إذا جاء علي خلاف الدليل والسُنّة المتواترة أو الإجماع، ولم يمكن

تأويله ولا حمله علي بعض الوجوه، وجب طرحه» [75] . 10 _ وبه صرّح الشيخ فتح الله الكاشاني _ المتوفّي سنة 988 ه_ _ في مقدمة تفسيره منهج الصادقين، وفي تفسير الآية المباركة (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون). 11 _ وهو صريح السيد نور الله التستري، المعروف بالقاضي الشهيد _ المستشهد سنة 1019 ه_ _ في كتابه مصائب النواصب في الإمامة والكلام، حيث قال: «ما نسب إلي الشيعة الإمامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإمامية، إنّما قال به شرذمة قليلة منهم، لا اعتداد بهم فيما بينهم». 12 _ الشيخ محمد بن الحسين، الشهير ببهاء الدين العاملي، المتوفّي سنة 1030 ه_. قال: «الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك، زيادة كان أو نقصاناً، ويدلّ عليه قوله تعالي: (وإنّا له لحافظون). وما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين(عليه السلام) منه في بعض المواضع مثل قوله تعالي: (يا أيها الرّسول بلّغ ما اُنزل إليك _ في علي)، وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء» [76] . 13 _ الشيخ محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني، المتوفي سنة 1019 ه_ _. قال: «فلو تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد علي شيء منه، إذ علي هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة، وتكون علي خلاف ما أنزله الله، فلا يكون القرآن حجّة لنا، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به، وعرض الأخبار المتعارضة عليه. ثم استشهد _ رحمه الله تعالي _ بكلام الشيخ الصدوق المتقدّم، وبعض الأخبار [77] . وقال في تفسير قوله تعالي: (وإنا له لحافظون): «من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان» [78] . 14

_ الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي _ المتوفي سنة 1104 _ قال: «إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم _ علماً قطعياً _ بأنّ القرآن قد بلغ أعلي درجات التواتر، وأنّ آلاف الصحابة كانوا يحفظونه ويتلونه، وأ نّه كان علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله)مجموعاً مؤلفاً» [79] . 15 _ العلاّمة محمد باقر المجلسي _ المتوفّي سنة 1111 ه_ _ قال: «غير أن الخبر قد صحّ عن أئمتنا (عليهم السلام) أ نّهم اُمروا بقراءة ما بين الدفّتين وأن لا نتعدّاه بلا زيادة فيه ولا نقصان منه.. وإنّما نهونا(عليهم السلام) عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف يزيد علي الثابت في المصحف، لأ نّه لم يأت علي التواتر وإنّما جاء بالآحاد، وقد يغلط الواحد فيما ينقله» [80] . 16 _ السيد محمد مهدي الطباطبائي، الملقّب ببحر العلوم، المتوفّي سنة 1212 ه_. قال ما نصّه: «الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي علي مرّ الدهور، وهو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد، أنزله بلسان عربيّ مبين هدي للمتقين وبياناً للعالمين... ثم ذكر روايتي: «القرآن أربعة أرباع»، و «القرآن ثلاث أثلاث»، ثم قال: والوجه حمل الأثلاث والأرباع علي مطلق الأقسام والأنواع وإن اختلف في المقدار...» [81] . 17 _ الشيخ الأكبر الشيخ جعفر، المعروف بكاشف الغطاء، المتوفّي سنة 1228 ه_. قال ما نصّه: «لا ريب في أ نّ القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح الفرقان وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر، ما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها، ولا سيّ_ما ما

فيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه، فإنّه لو كان كذلك لتواتر نقله، لتوفر الدواعي عليه، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن علي الإسلام وأهله، ثم كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة علي ضبط آياته وحروفه؟!... فلابد من تأويله بأحد وجوه» [82] . 18 _ السيد محسن الأعرجي الكاظمي _ المتوفّي سنة 1228 ه_ _ قال ما ملخّصه: إنّ القوم إنّما ردّوا مصحف علي(عليه السلام) لما اشتمل عليه من التأويل والتفسير، وقد كان عادة منهم أن يكتبوا التأويل مع التنزيل، والذي يدلّ علي ذلك قوله(عليه السلام) في جواب الثاني: «ولقد جئت بالكتاب كملاً مشتملاً علي التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ». فإنّه صريح في أ نّ الذي جاءهم به ليس تنزيلاً كلّه [83] . 19 _ السيد محمد الطباطبائي _ المتوفّي سنة 1242 ه_ _ قال ما ملخّصه: «لا خلاف أنّ كل ماهو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه، فكذلك عند محقّقي أهل السُنّة، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم م_مّا توفّرت الدواعي علي نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يُقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً» [84] . 20 _ الإمام روح الله الموسوي الخميني _ المتوفّي سنة 1409 ه_ _ قال: «إنّ الواقف علي عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه، قراءةً وكتابةً، يقف علي بطلان تلك الروايات المزعومة. وما ورد فيها من أخبار _ حسبما تمسّكوا به _ إمّا ضعيف لا يصلح للاستدلال به، أو موضوع تلوح عليه أمارات الوضع، أو غريب يقضي بالعجب، أو الصحيح منها فيرمي الي مسألة

التأويل والتفسير، وأن التحريف إنّما حصل في ذلك، لا في لفظه وعباراته. وتفصيل ذلك يحتاج إلي تأليف كتاب حافل ببيان تاريخ القرآن والمراحل التي قضاها طيلة قرون، ويتلخص في أن الكتاب العزيز هو عين ما بين الدفّتين، لا زيادة ولا نقصان، وأن الاختلاف في القراءات أمر حادث، ناشئ عن اختلاف الاجتهادات، من غير أن يمسّ جانب الوحي الذي نزل به الروح الأمين علي قلب سيد المرسلين» [85] . 21 _ السيد أبو القاسم الخوئي _ المتوفّي 1413 ه_ _ قال: «إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه يجب القول به. والحب يعمي ويصم، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته» [86] . 22 _ الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني دام ظلّه. قال: «فالقرآن الموجود بين الدفتين هو كتاب دين الفريقين وهو أصلهم الأوّل الّذي تأتي بعده السنّة المشروط صحة الاعتماد عليها بأن لا تكون مخالفة للقرآن، وهذا الأمر يحتج به الجميع في الاُصول والفروع وفي خلافاتهم ويعتمدون عليه وعلي السنّة. فكلّ الاُمة _ شيعة وسنّة _ يتمسّكون بجميع محكماته، وفي متشابهاته أيضاً يقولون: آمنّا به كل من عند ربّنا» [87] . وبعد كشف القناع وازاحة الغبار والتشويش المقصود عن الموقف الأصيل الذي تتبناه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) من مسألة شبهة التحريف، علي أن اعتقادهم بالقرآن الموجود بأنه نفسه الذي تنزل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) لنري الآن موقف المذاهب الإسلامية من هذه المسألة.

المذاهب الإسلامية تنفي التحريف أيضا

إنّ المعروف من مذهب أهل السُنّة هو تنزيه القرآن الكريم عن الخطأ والنقصان، وصيانته عن التحريف، وبذلك صرّحوا في

تفاسيرهم وفي كتب علوم القرآن، إلاّ أنّه رويت في صحاحهم أحاديث يدلّ ظاهرها علي التحريف، تمسّك بها الحشوية منهم، فذهبوا الي وقوع التحريف في القرآن تغييراً أو نقصاناً،كما أشار الي ذلك الطبرسي في مقدمة تفسيره [88] ، وقد تقدّم قوله في تصريحات أعلام الإمامية. ولا شكّ أنّ ما كان ضعيفاً من هذه الأحاديث فهو خارج عن دائرة البحث، وأمّا التي صحّت عندهم سنداً، فهي أخبار آحاد، ولا يثبت القرآن بخبر الواحد، علي أنّ بعضها محمولٌ علي التفسير، أو الدعاء، أو السُنّة، أو الحديث القدسي، أو اختلاف القراءة، وأمّا ما لا يمكن تأويله علي بعض الوجوه، فقد حمله بعضهم علي نسخ التلاوة، أي قالوا بنسخه لفظاً وبقائه حكماً،وهذا الحمل باطلٌ، وهو تكريسٌ للقول بالتحريف، وقد نفاه أغلب محققيهم وعلمائهم علي ما سيأتي بيانه في محلّه إن شاء الله تعالي، وذهبوا الي تكذيب وبطلان هذه الأحاديث لاستلزامها للباطل، إذ أنّ القول بها يفضي الي القدح في تواتر القرآن العظيم. يقول عبدالرحمن الجزيري: (أما الأخبار التي فيها أن بعض القرآن المتواتر ليس منه، أو أنّ بعضاً منه قد حُذف، فالواجب علي كل مسلم تكذيبها بتاتاً، والدعاء علي راويها بسوء المصير) [89] . ويقول ابن الخطيب: (علي أن هذه الأحاديث وأمثالها، سواء صحّ سندها أو لم يصحّ فهي _ علي ضعفها وظهور بطلانها _ قلّةٌ لا يُعتدّ بها، ما دام إلي جانبها إجماع الاُ مّة، وتظاهر الأحاديث الصحيحة التي تدمغها وتظهر أغراض الدين والمشرع بأجلي مظاهرها) [90] . وجماعة منهم قالوا بوضع هذه الأحاديث واختلاقها من قبل أعداء الإسلام المتربّصين به، يقول الحكيم الترمذي: «ما أري مثل هذه الروايات إلاّ من كيد الزنادقة». ويقول الدكتور مصطفي زيد: (وأما الآثار

التي يحتجّون بها.. فمعظمها مروي عن عمر وعائشة، ونحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار بالرغم من ورودها في الكتب الصحاح، وفي بعض هذه الروايات جاءت العبارات التي لا تتّفق ومكانة عمر وعائشة، ممّا يجعلنا نطمئن إلي اختلاقها ودسّها علي المسلمين) [91] . إذاً، فهم موافقون للشيعة الإمامية في القول بنفي التحريف، فيكون ذلك ممّا اتّفقت عليه كلمة المسلمين جميعاً، يقول الدكتور محمد التيجاني: «إنّ علماء السُنّة وعلماء الشيعة من المحقّقين، قد أبطلوا مثل هذه الروايات واعتبروها شاذّة، وأثبتوا بالأدلّة المقنعة بأنّ القرآن الذي بأيدينا هو نفس القرآن الذي اُنزل علي نبيّنا محمد(صلي الله عليه وآله) وليس فيه زيادةٌ ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير» [92] . فان قيل: إنّ الروايات التي ظاهرها نقصان القرآن، أو وجود اللحن فيه، مخرّجة في كتب الصحاح عن بعض الصحابة، وإنّ تكذيبها وإنكارها قد يوجب الطعن في صحّة تلك الكتب، أو في عدالة الصحابة، نقول: أوّلاً: إنّ القول بصحّة جميع الأحاديث المخرّجة في كتابي مسلم والبخاري _ وهما عمدة كتب الصحاح، وأنّ الاُمّة تلقّتهما بالقبول _ غير مسلّم، فلقد تكلّم كثير من الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل في أحاديث موضوعة وباطلة وضعيفة، فتكلم الدارقطني في أحاديث وعلّلها في (علل الحديث)، وكذلك الضياء المقدسي في (غريب الصحيحين)، والفيروزآبادي في (نقد الصحيح) وغيرهم، وتكلّموا أيضاً في رجال رُوي عنهم في الصحيحين، وهم مشهورون بالكذب والوضع والتدليس. وفيما يلي بعض الأرقام والحقائق التي توضّح هذه المسألة بشكل جليّ: 1 _ قد انتقد حفّاظ الحديث البخاري في مائة وعشر حديثاً، منها اثنين وثلاثون حديثاً وافقه مسلم فيها، وثمانية وسبعون انفرد هو بها. 2 _ الذي انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلاً،

المتكلّم فيه بالضعف منهم ثمانون رجلاً، والذي انفرد مسلم بالاخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم مائة وستون رجلاً. 3 _ الأحاديث المنتقدة المخرّجة عندهما معاً بلغت مائتين وعشرحديثاً، اختصّ البخاري منها بأقلّ من ثمانين حديثاً، والباقي يختصّ بمسلم. 4 _ هناك رواة يروي عنهم البخاري، ومسلم لا يرتضيهم ولا يروي عنهم، ومن أشهرهم عكرمة مولي ابن عباس. 5 _ وقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، فلو أفادت علماً لزم تحقّق النقيضين في الواقع، وهو محال، لذا أنكر العلماء مثل هذه الأحاديث وقالوا ببطلانها. وقد نصّ ببعض ما ذكرناه أو بجملته متقدّمو شيوخهم ومتأخروهم، كالنووي والرازي وكمال الدين بن الهمّام، وأبي الوفاء القرشي، وأبي الفضل الأدفوي، والشيخ علي القاري، والشيخ محبّ الله بن عبدالشكور، والشيخ محمّد رشيد رضا، وابن أمير الحاج، وصالح بن مهدي المقبلي، والشيخ محمود أبو ريّة، والدكتور أحمد أمين، والدكتور أحمد محمّد شاكر وغيرهم، معترفين ومذعنين بحقيقة أنّ الاُمّة لم تتلقّ أحاديث الصحيحين بالقبول، أو أ نّه ليس من الواجب الديني الإيمان بكلّ ما جاء فيهما، فتبيّن أن جميع القول بالاجماع علي صحّتهما لا نصيب له من الصحّة. قال أبو الفضل الأدفوي: «إنّ قول الشيخ أبي عمرو بن الصلاح: إنّ الاُمّة تلقّت الكتابين بالقبول; إن أراد كلّ الاُمّة فلا يخفي فساد ذلك. وإن أراد بالاُمّة الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الاُمّة. ثمّ إن أراد كلّ حديث فيهما تُلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم، فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الإسراء، وقال: إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة

لا يمكن الجمع بينها، والقطع لا يقع التعارض فيه» [93] . وقال الشيخ محمد رشيد رضا: «ليس من اُصول الدين، ولا من أركان الإسلام، أن يؤمن المسلم بكل حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام، ولا في معرفته التفصيلية، الاطلاع علي صحيح البخاري والإقرار بكلّ ما فيه» [94] . فاتّضح أن ما يروّجه البعض من دعوي أنّ أحاديث نقصان القرآن ووجود اللحن فيه، مخرّجة في الصحاح، ولا ينبغي الطعن فيها، ممّا لا أساس له، لأنّه مخالف للإجماع والضرورة، ومحكم التنزيل، فليس كلّ حديث صحيح يجوز العمل به، فضلاً عن أن يكون العمل به واجباً، ورواية الأخبار الدالّة علي التحريف غير مُسلّمة عند أغلب محقّقي أهل السُنّة إلاّ عند القائلين بصحّة جميع ما في كتب الصحاح، ووجوب الإيمان بكلّ ما جاء فيها وهؤلاء هم الحشوية ممّن لا اعتداد بهم عند أئمة المذاهب. ثانياً: دعوي الاجماع علي عدالة جميع الصحابة باطلة لا أصل لها، إذ أنّ عمدة الأدلة القائمة علي عدالتهم جميعاً ما روي أنّه(صلي الله عليه وآله)، قال: «أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم». وقد نصّ جمعٌ كبيرٌ من أعيان أهل السُنّة علي أنّه حديثٌ باطل موضوعٌ [95] ، هذا فضلاً عن معارضته للكتاب والسنّة والواقع التاريخي، فقد نصّت كثير من الآيات القرآنية علي أنّ بعض الأصحاب ممّن هم حول النبي(صلي الله عليه وآله)خلال حياته، كانوا منافقين فسقة، كما في سورة التوبة وآل عمران والمنافقون، وأشارت بعض الآيات الي ارتداد قسم منهم بعد وفاته(صلي الله عليه وآله)، كقوله تعالي: (أفَإن ماتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ علي أعقابِكُم) [96] ، وممّا يدلّ علي ارتداد بعضهم بعده(صلي الله عليه وآله)، حديث الحوض: «أنا فرطكم

علي الحوض، ولاُنازعنّ أقواماً ثم لاُغلبن عليهم، فأقول: يا ربّ أصحابي. فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» [97] ، وقد عدّه الزبيدي الحديث السبعين من الأحاديث المتواترة، حيث رواه خمسون نفساً [98] ، كما قامت الشواهد عل جهل كثير من الأصحاب بالقرآن الكريم والأحكام الشرعية، كما أنّ بعضهم تسابّوا وتباغضوا وتضاربوا وتقاتلوا، وحكت الآثار عن ارتكاب بعضهم الكبائر واقتراف السيئات كالزنا وشرب الخمر والربا وغير ذلك. قال الرافعي: «لا يتوهمن أحدٌ أنّ نسبة بعض القول الي الصحابة نصّ في أنّ ذلك القول صحيح البتّة، فإنّ الصحابة غير معصومين، وقد جاءت روايات صحيحة بما أخطأ فيه بعضهم في فهم أشياء من القرآن علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله)» [99] . إذاً، فنسبة أحد الأقوال الدالّة علي تحريف القرآن الي أحد الصحابة، لا تعني التعبّد به، أو التعسّف في تأويله، بل إنّ إمكانية ردّه وإنكاره قائمة مادام شرط عدالة الجميع مرفوعاً. وتحصّل لدينا أن الموقف موحّد عند كبار علماء المدرستين إزاء شبهة التحريف، وذلك من خلال تصاريحهم التي تهاجم من يروّج لهذه الاُسطورة، أمّا الأخبار التي وردت في كتب الصحاح عند أهل السنّة فسوف نتناولها في الفقرة التالية.

نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنة والجواب عليها

اشاره

نذكر هنا جملة من الروايات الموجودة في كتب أهل السنّة، ونبيّن ما ورد في تأويلها، وما قيل في بطلانها وإنكارها، وعلي هذه النماذج يقاس ما سواها، وهي علي عدة طوائف نذكر منها طائفتين:

الروايات التي ذكرت سورا أو آيات زعم أنها كانت من القرآن وحذفت منه، أو زعم البعض نسخ تلاوتها، أو أكلها الداجن، نذكر منها

الآيات والسور

1- أنّ سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة رُوي عن عمر واُبي بن كعب وعكرمة مولي ابن عباس: «أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم» [100] . وعن حذيفة: «قرأتُ سورة الأحزاب علي النبي(صلي الله عليه وآله)فنسيتُ منها سبعين آية ما وجدتها» [101] . وقد حمل ابن الصلاح المدّعي زيادته علي التفسير، وحمله السيوطي وابن حزم علي نسخ التلاوة، والمتأمّل لهذه الروايات يلاحظ وجود اختلاف فاحش بينها في مقدار ما كانت عليه سورة الأحزاب، الأمر الذي يشير إلي عدم صحّة هذه النصوص وبطلانها، أما آية الرجم الواردة في الحديث الثاني فستأتي في القسم الرابع من هذه الطائفة. 2- لو كان لابن آدم واديان... رُوي عن أبي موسي الأشعري أنّه قال لقرّاء البصرة: «كنّا نقرأ سورة نُشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فانسيتها، غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب» [102] . وقد حمل ابن الصلاح هذا الحديث علي السنّة، قال: «إنّ هذا معروف في حديث النبي(صلي الله عليه وآله)، علي أ نّه من كلام الرسول، لا يحكيه عن ربّ العالمين في القرآن، ويؤيّده حديث روي عن العباس بن سهل، قال: سمعت ابن الزبير علي المنبر يقول: «قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لو أنّ ابن آدم اُعطي واديان...» وعدّه الزبيدي الحديث الرابع والأربعين من الأحاديث المتواترة وقال: «رواه من الصحابة خمسة

عشر نفساً» [103] . ورواه أحمد في المسند عن أبي واقد الليثي علي أ نّه حديث قدسيّ [104] . أمّا إخبار أبي موسي بأ نّه كان ثمّة سورة تشبه براءة في الشدّة والطول، فلو كانت لحصل العلم بها، ولما غفل عنها رسول الله(صلي الله عليه وآله)، والصحابة وكُتّاب الوحي وحُفّاظه وقُرّاؤه. 3- سورتا الخلع والحفد روي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس واُبي ابن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة، وأنّ أبا موسي الأشعري كان يقرأهما... وهما: أوّلاً: «اللّهمّ إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك». ثانياً: «اللّهمّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشي عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق» [105] . وقد حملهما الزرقاني والباقلاني والجزيري وغيرهم علي الدعاء، وقال صاحب الانتصار: «إنّ كلام القنوت المروي: أنّ اُبي ابن كعب أثبته في مصحفه، لم تقم الحجّة بأ نّه قرآن منزّل، بل هو ضرب من الدعاء، ولو كان قرآناً لنقل إلينا وحصل العلم بصحتّه» إلي أن قال: «ولم يصحّ ذلك عنه، وإنّما روي عنه أ نّه أثبته في مصحفه، وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أو تأويل...الخ» [106] . وقد روي هذا الدعاء في الدر المنثور والإتقان والسنن الكبري والمصنّف وغيرها من عديد من الروايات عن ابن الضرس والبيهقي ومحمد بن نصر، ولم يُصرّحوا بكونه قرآناً [107] . 4- الرابعة: آية الرجم روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب، قال: «إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم.. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها، الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً

من الله، والله عزيز حكيم. فإنّا قد قرأناها» [108] . وأخرج ابن أشتة في المصاحف عن الليث بن سعد، قال: «إنّ عمر أتي إلي زيد بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لأ نّه كان وحده» [109] . وقد حمل ابن حزم آية الرجم في المحلّي علي أ نّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه، وهو حملٌ باطلٌ، لأ نّها لو كانت منسوخة التلاوة لما جاء عمر ليكتبها في المصحف، وأنكر ابن ظفر في الينبوع عدّها ممّا نسخ تلاوة، وقال: «لأنّ خبر الواحد لا يُثبت القرآن» [110] . وحملها أبو جعفر النحاس علي السنّة، وقال: «إسناد الحديث صحيح، إلاّ أ نّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة، ولكنها سُنّة ثابتة، وقد يقول الإنسان كنت أقرأ كذا لغير القرآن، والدليل علي هذا أ نّه قال: لولا أ نّي أكره أن يقال زاد عمر في القرآن لزدته» [111] . 5- آية الجهاد رُوي أنّ عمر قال لعبدالرحمن بن عوف: «ألم تجد فيما اُنزل علينا، أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرة، فأنا لا أجدها؟ قال: اُسقطت فيما اُسقط من القرآن» [112] . نقول: ألم يرووا في أحاديث جمع القرآن، أ نّ الآية تُكتب بشهادة شاهدين من الصحابة علي أ نّها ممّا أنزل الله في كتابه؟ فما منع عمر وعبدالرحمن بن عوف من الشهادة علي أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه؟ فهذا دليل قاطع علي وضع هذه الرواية، وإلاّ كيف سقطت هذه الآية المدّعاة عن كُتّاب القرآن وحُفّاظه في طول البلاد وعرضها، ولم تبق إلاّ مع عمر وعبدالرحمن بن عوف؟

النسخ و نسخ التلاوة

قسّموا النسخ في الكتاب العزيز الي ثلاثة أقسام: 1 _ نسخ الحكم دون التلاوة، وهذا هو القسم الذي

نطق به محكم التنزيل، وهو المشهور بين العلماء والمفسرين، وهو أمر معقول مقبول، حيث إنّ الأحكام لم تنزل دفعة واحدة، بل نزلت تدريجياً لتألفها النفوس وتستسيغها العقول، فنسخت تلك الأحكام وبقيت ألفاظها، لأسرار تربوية وتشريعية، يعلمها الله تعالي. 2 _ نسخ التلاوة دون الحكم، وقد مثّلوا له بآية الرجم، فقالوا: إنّ هذه الآية كانت من القرآن ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها. 3 _ نسخ التلاوة والحكم معاً، وقد مثّلوا له بآية الرضاع. وقد تقدّم في ثنايا البحث السابق أنّ البعض حمل قسماً من الروايات الدالة علي النقصان علي أنّها آيات نسخت تلاوتها وبقيت أحكامها، أو نسخت تلاوة وحكماً، وذلك تحاشياً من التسليم بها الذي يفضي الي القول بتحريف القرآن، وفراراً من ردّها وتكذيبها الذي يؤول الي الطعن في الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، أو الطعن في الأعيان الذين نُقلت عنهم، ولا شكّ أن القول بالضربين الأخيرين من النسخ هو عين القول بالتحريف: وهو باطل لما يلي: 1 _ يستحيل عقلاً أن يرد النسخ علي اللفظ دون الحكم، لأنّ الحكم لا بدّ له من لفظ يدل عليه، فإذا رفع اللفظ ما هو الدليل الذي يدلّ عليه؟ فالحكم تابع للفظ، ولا يمكن أن يرفع الأصل ويبقي التابع. 2 _ النسخ حكم، والحكم لابدّ أن يكون بالنصّ، ولا انفكاك بينهما، ولا دليل علي نسخ النصوص التي حكتها الآثار المتقدّمة وسواها، إذ لم ينقل نسخها ولم يرد في حديث عن النبي(صلي الله عليه وآله)في واحد منها أ نّها منسوخة، والواجب يقتضي أن يبلّغ الاُ مّة بالنسخ كما بلّغ بالنزول، وبما أنّ ذلك لم يحدث فالقول به باطل. 3 _ الأخبار التي زعم نسخ تلاوتها أخبار آحاد، ولا تقوي دليلاً وبرهاناً

علي حصوله، إذ صرحوا باتفاق العلماء أجمع علي عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد [113] ، ونسبه القطّان إلي الجمهور [114] ، وعلّله رحمة الله الهندي «بأ نّ خبر الواحد إذا اقتضي عملاً ولم يوجد في الأدلّة القاطعة ما يدلّ عليه وجب ردّه» [115] ، بل إن الشافعي وأصحابه وأكثر أهل الظاهر، قد قطعوا بامتناع نسخ القرآن بالسنّة المتواترة، وبهذا صرّح أحمد بن حنبل في إحدي الروايتين عنه، بل من قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة منع وقوعه [116] ، لذا لا تصحّ دعوي نسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو بدونه، حتّي لو ادّعي التواتر في أخبار النسخ، فضلاً عن كونها أخبار آحاد ضعيفة الأسناد واهية المتن كما تقدّم [117] . 4 _ أنكر بعض المعتزلة وعامة علماء الإمامية وأعلامهم الضربين الأخيرين من النسخ واعتبروهما نفس القول بالتحريف، وكذا أنكرهما أغلب علماء ومحققي أهل السنّة المتقدمين منهم والمتأخرين، وحكي القاضي أبو بكر في الإنتصار عن قوم، إنكار الضرب الثاني منه [118] ، وأنكره أيضاً ابن ظفر في كتاب الينبوع [119] ، ونُقل عن أبي مسلم: «أنّ نسخ التلاوة ممنوع شرعاً» [120] . وفيما يلي بعض أقوال محقّقي أهل السنّة في إبطال القول بنسخ التلاوة: 1 _ قال الخضري: «أنا لا أفهم معني لآية أنزلها الله تعالي لتفيد حكماً ثم يرفعها مع بقاء حكمها، لأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والاعجاز معاً بنظمه، فما هي المصلحة في رفع آية مع بقاء حكمها؟ إنّ ذلك غير مفهوم، وقد أري أ نّه ليس هناك ما يدعو إلي القول به» [121] . 2 _ وقال الدكتور صبحي الصالح: «أمّا الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث اللّذين نسخت فيهما _

بزعمهم _ آيات معينة، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا دون نسخ أحكامها، والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأ مركباً، فتقسيم المسائل إلي أضرب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضرب شواهد كثيرة أو كافية علي الأقل ليتيسّر استنباط قاعدة منها، وما لعشّاق النسخ إلاّ شاهد أو اثنان علي كلّ من هذين الضربين، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع علي إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها» [122] . 3 _ وقال الدكتور مصطفي زيد: «ومن ثمّ يبقي منسوخ التلاوة باقي الحكم مجرّد فرض لم يتحقّق في واقعة واحدة، ولهذا نرفضه، ونري أ نّه غير معقول ولا مقبول» [123] . 4 _ وقال عبدالرحمن الجزيري: «إنّ الأخبار التي جاء فيها ذكركلمة (من كتاب الله) علي أ نّها كانت فيه ونسخت في عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) فهذه لا يُطلق عليها أ نّها قرآن، ولا تُعطي حكم القرآن باتفاق، ثم ينظر إن كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإنّ الإخبار بها يعطي حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أ نّها لا تصلح للدلالة علي حكم شرعي، لأنّ دلالتها موقوفة علي ثبوت صيغتها، وصيغتها يصحّ نفيها باتفاق، فكيف يمكن الاستدلال بها؟! فالخير كلّ الخير في ترك مثل هذه الروايات» [124] . 5 _ وقال ابن الخطيب: «أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها، فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالي من نعمة العقل، إذ ما هي الحكمة من نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها؟ ما الحكمة من صدور قانون واجب التنفيذ ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه؟

ويستدلّون علي باطلهم هذا بإيراد آية من هذا النوع يدّعون نسخها، ويعلم الله تعالي أ نّها ليست من القرآن، ولو كانت لما أغفلها الصحابة رضوان الله عليهم، ولدونها السلف الصالح في مصاحفهم [125] .

الروايات الدالة علي الخطأ واللحن والتغيير

الاُولي: روي عن عثمان أ نّه قال: «إنّ في المصحف لحناً، وستقيّمه العرب بألسنتها. فقيل له ألا تغيره؟ فقال: دعوه، فإنّه لا يحلّ حراماً، ولا يحرّم حلالاً» [126] . حمل ابن أشتة اللحن الوارد في الحديث علي الخطأ في اختيار ما هو أولي من الأحرف السبعة، وعلي أشياء خالف لفظُها رسمها، وهذا الحمل غير مستقيم، والأولي منه هو ترك الرواية وتكذيبها وإنكارها، كما فعل الداني والرازي والنيسابوري وابن الأنباري والآلوسي والسخاوي والخازن والباقلاني وجماعة آخرون [127] ، حيث صرّحوا أن هذه الرواية لا يصحّ بها دليل ولا تقوم بمثلها حجّة، لأن إسنادها ضعيف، وفيه اضطراب وانقطاع وتخليط، ولأن المصحف منقول بالتواتر عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) فلا يمكن ثبوت اللحن فيه، ثم إن ما بين الدفّتين هو كلام الله بإجماع المسلمين، ولا يجوز أن يكون كلام الله لحناً وغلطاً، وقد ذهب عامّة الصحابة وسائر علماء الاُ مّة من بعدهم إلي أ نّه لفظ صحيح ليس فيه أدني خطأ من كاتب ولا من غيره، واستدلّوا أيضاً علي إنكار هذه الرواية، بقولهم: إنّ عثمان جعل للناس إماماً، فكيف يري فيه لحناً ويتركه لتقيّمه العرب بألسنتها، أو يؤخّر شيئاً فاسداً ليصلحه غيره؟! وإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيّموا ذلك _ وهم الخيار وأهل اللغة والفصاحة والقدرة علي ذلك _ فكيف يتركون في كتاب الله لحناً يصلحه غيرهم! ثمّ إن عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً، بل كتب عدة مصاحف، فلم تأتِ

المصاحف مختلفة قطّ، إلاّ فيما هو من وجوه القراءات والتلاوة دون الرسم، وليس ذلك باللحن» [128] . والذي يهوّن الخطب في هذه الرواية ومثيلاتها الآتية أ نّها برواية عكرمة مولي ابن عبّاس، وكان من أعلام الضلال ودعاة السوء، وكان يري رأي الخوارج، ويضرب به المثل في الكذب والافتراء، حتّي قدح به الأكابر وكذّبوه، أمثال ابن عمر ومجاهد وعطاء وابن سيرين ومالك بن أنس والشافعي وسعيد بن المسيّب ويحيي بن سعيد، وحرّم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم [129] . الثانية: روي عن ابن عباس في قوله تعالي: (حتّي تستأنسوا وتسلّموا) [130] قال: «إنّما هو (حتّي تستأذنوا)، وأنّ الأول خطأٌ من الكاتب [131] ، والمراد بالاستئناس هنا الاستعلام، أي حتّي تستعلموا مَن في البيت، فهذه الرواية مكذوبة علي ابن عباس ولا تصحّ عنه، لأن مصاحف الإسلام كلّها قد ثبت فيها (حتّي تستأنسوا) وصحّ الإجماع فيها منذ عهد الرسول(صلي الله عليه وآله)وإلي الآن، فلا يعوّل علي مثل هذه الرواية، قال الرازي: «إعلم أنّ هذا القول من ابن عبّاس فيه نظر، لأ نّه يقتضي الطعن في القرآن الذي نُقل بالتواتر، ويقتضي صحّة القرآن الذي لم يُنقل بالتواتر، وفتح هذين البابين يطرق الشكّ في كل القرآن، وإنّه باطل» [132] . وقال أبو حيان: من روي عن ابن عبّاس أنّ قوله تعالي: (حتّي تستأنسوا) خطأ أو وهمٌ من الكاتب، وأ نّه قرأ (حتّي تَسْتَأذِنُوا) فهو كافر في الإسلام مُلحد في الدين، وابن عباس بريءٌ من هذا القول [133] . الثالثة: روي عروة بن الزبير عن عائشة: أ نّه سألها عن قوله تعالي: (لكن الراسخون في العلم) [134] ثم قال: (والمقيمين)، وفي المائدة: (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون) [135] ،

و (إنْ هذان لساحران) [136] فقالت: يابن اُختي، هذا عمل الكُتّاب، أخطأوا في الكتاب [137] . أمّا قوله تعالي: (والمقيمين) فإنّه علي العطف يكون (والميقمون) كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار، والذي في المصاحف وقراءة اُبيّ والجمهور (والمقيمين) قال سيبويه: «نُصِب علي المدح، أي وأعني المقيمين» وذكر له شواهد وأمثلة من كلام العرب [138] . قال الآلوسي: «ولا يُلتفت إلي من زعم أنّ هذا من لحن القرآن، وأنّ الصواب (والمقيمون) بالواو.. إذ لا كلام في نقل النظم متواتراً، فلا يجوز اللحن فيه أصلاً [139] . وأما قوله تعالي: (والصابئون) بالرفع فهو معطوف علي محلّ اسم إنّ. قال الفراء: «ويجوز ذلك إذا كان الاسم ممّا لم يتبيّن فيه الإعراب، كالمضمر والموصول، ومنه قول الشاعر: فمن يكُ أمسي بالمدينة رحله،،،فاني وقيارٌ بها لغريب برفع (قيار) عطفاً علي محلّ ياء المتكلم [140] وقد أجاز الكوفيون والبصريون الرفع في الآية، واستدلّوا بنظائر من كلام العرب. وقال صاحب المنار: «قد تجرأ بعض أعداء الإسلام علي دعوي وجود الغلط النحوي في القرآن، وعدّ رفع (الصابئين) هنا من هذا الغلط، وهذا جمعٌ بين السخف والجهل، وإنّما جاءت هذه الجرأة من الظاهر المتبادر من قواعد النحو، مع جهل أو تجاهل أنّ النحو استنبط من اللغة، ولم تستنبط اللغة منه» [141] . وأما قوله تعالي: (إنْ هذان لساحران) فإنّ القراءة التي عليها جمهور المسلمين هي تخفيف إن المكسور الهمزة، فتكون مخففة من الثقيلة غير عاملة، ورفع (هذان). قال الزمخشري: «إنْ هذان لساحران علي قولك: إن زيد لمنطلق، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة» [142] ، وعليه فلا إشكال في هذه الآية، ولا لحن من الكتاب! قال الرازي: «لما كان نقل

هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن، فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يفضي الي القدح في التواتر، والي القدح في كلّ القرآن، وإنّه باطل» [143] . الرابعة: روي أنّ الحجاج بن يوسف غيّر في المصحف اثني عشر موضعاً، منها: 1 _ كانت في سورة البقرة (لَم يَتَسَنَّ) فغيّرها (لَم يَتَسَنّه) [144] بالهاء. 2 _ وكانت في سورة المائدة (شريعةً ومنهاجاً) فغيّرها (شِرعة ومنهاجاً) [145] . 3 _ وكانت في سورة يونس (هو الذي ينشركم) فغيّرها (هو الذي يسيّركم) [146] . وهذه الأمثلة، وسواها منقولة من مصاحف السجستاني برواية عباد بن صهيب [147] ، وعباد متروك الحديث لدي أئمة الحديث والجرح والتعديل، ومغموزٌ فيه بالكذب والاختلاق [148] . قال السيد الخوئي: «هذه الدعوي تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والأطفال، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني اُمية، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيء، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الإسلامية، فكيف يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها؟! وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه؟! ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الأهمية وكثرة الدواعي الي نقله؟! وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته؟ وكيف أغضي المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته؟! وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها، ولم تشذّ عن قدرته نسخة واحدة من أقطار المسلمين المتباعدة، فهل تمكن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله؟» [149] . وقد بيّنا في

أدلّة نفي التحريف أنّ خلفاء الصدر الأوّل لم يجرأُوا علي حذف حرف منه، وقد بلغ من دقّة وتحرّي المسلمين أن يهدّدوا برفع السيف في وجه من يُقدِم علي ذلك، فكيف يتمكن الحجّاج بعد اشتهار القرآن وتعدّد نسخه وحفّاظه أن يغيّر اثني عشر موضعاً من كتاب الله علي مرأي ومسمع جمهور المسلمين ومصاحفهم؟! هذا حال الأخبار التي وردت في كتب الصحاح، فنلاحظ الأخبار التي وردت في كتب الإمامية والموقف منها.

نماذج من الروايات الموجودة في كتب الإمامية والجواب عليها

اشاره

سنورد هنا شطراً من الروايات الموجودة في كتب الشيعة الإمامية، والتي ادّعي البعض ظهورها في النقصان أو دلالتها عليه، ونبيّن ما ورد في تأويلها وعدم صلاحيتها للدلالة علي النقصان، وما قيل في بطلانها وردّها، وعلي هذه النماذج يقاس ما سواها.

الروايات التي ورد فيها لفظ التحريف، ومنها

1 _ ما رُوي في الكافي بالإسناد عن علي بن سويد، قال: كتبت إلي أبي الحسن موسي(عليه السلام)_ وهو في الحبس كتاباً _ وذكر جوابه(عليه السلام)، إلي أن قالوا: «اُؤتمنوا علي كتاب الله، فحرّفوه وبدّلوه» [150] . 2 _ ما رواه ابن شهر آشوب في المناقب من خطبة أبي عبدالله الحسين الشهيد(عليه السلام) في يوم عاشوراء وفيها: «إنّما أنتم من طواغيت الاُ مّة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب» [151] . فمن الواضح أنّ المراد بالتحريف هنا حمل الآيات علي غير معانيها، وتحويلها عن مقاصدها الأصلية، بضروب من التأويلات الباطلة والوجوه الفاسدة، دون دليل قاطع، أو حجة واضحة، أو برهان ساطع، ومكاتبة الإمام(عليه السلام) لسعد الخير صريحة في الدلالة علي أنّ المراد بالتحريف هنا التأويل الباطل والتلاعب بالمعاني، قال(عليه السلام): «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه...» [152] أي إنّهم حافظوا علي ألفاظه وعباراته، لكنهم أساءوا التأويل في معاني آياته.

الروايات الدالة علي أن بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكرت فيها أسماء الأئمة، ومنها

1 _ ما رُوي في الكافي عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل بهذه الآية علي محمد(صلي الله عليه وآله)هكذا: (وإن كُنتم في ريب ممّا نزّلنا علي عبدنا _ في علي _ فأتوا بسُورة من مثله) [153] ، [154] . 2 _ ما رُوي في الكافي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في قول الله تعالي: (مَن يُطِع الله ورَسُولهُ _ في ولاية عليّ والأئمة من بعده _ فقَد فازَ فوزاً عظيماً) [155] ، [156] . 3 _ ما رُوي في الكافي عن منخّل، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «نزل جبرئيل علي محمّد(صلي الله عليه وآله)بهذه الآية هكذا: يا أيّها الّذين اُوتُوا الكتاب

آمِنوا بما نَزّلنا _ في علي _ نوراً مُبيناً» [157] ، [158] . ويكفي في سقوط هذه الروايات عن درجة الاعتبار نصّ العلاّمة المجلسي في مرآة العقول علي تضعيفها، ويغنينا عن النظر في أسانيدها واحداً واحداً اعتراف المحدّث الكاشاني بعدم صحّتها [159] ، وقول الشيخ البهائي: «ما اشتهر بين الناس من اسقاط اسم أمير المؤمنين(عليه السلام)من القرآن في بعض المواضع.. غير معتبر عند العلماء» [160] ، وعلي فرض صحّته يمكن حمل قوله: «هكذا نزلت» وقوله: «نزل جبرئيل علي محمد(صلي الله عليه وآله) بهذه الآية هكذا» علي أ نّه بهذا المعني نزلت، وليس المراد أ نّ الزيادة كانت في أصل القرآن ثم حُذفت. قال السيد الخوئي: «إنّ بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه، فلابدّ من حمل هذه الروايات علي أنّ ذكر أسماء الأئمة في التنزيل من هذا القبيل، واذا لم يتمّ هذا الحمل فلابدّ من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب والسنّة والأدلّة المتقدّمة علي نفي التحريف» [161] . وعلي فرض عدم الحمل علي التفسير، فإنّ هذه الروايات معارضة بصحيحة أبي بصير المروية في الكافي، قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن قول الله تعالي: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرّسول واُولي الأمر منكم) [162] . قال: فقال: «نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين(عليهم السلام)». فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله؟ قال(عليه السلام): «فقولوا لهم: إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله)نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّي كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) هو الذي فسّر لهم ذلك» [163] . فتكون هذه الرواية حاكمة علي جميع تلك الروايات وموضحة للمراد منها،

ويضاف إلي ذلك أنّ المتخلفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجّوا بذكر اسم علي(عليه السلام) في القرآن، ولو كان له ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجة، فهذا من الأدلّة الواضحة علي عدم ذكره في الآيات، ومما يضاف لهذه الطائفة من الروايات أيضاً: 1 _ ما رُوي في الكافي عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: «نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام» [164] . 2 _ ما رُوي في تفسير العياشي عن الصادق(عليه السلام)، قال: «لو قُرئ القرآن كما اُنزل لألفيتنا فيه مُسمّين» [165] . وقد صرّح العلاّمة المجلسي(رحمه الله) بأن الحديث الأول مجهول، أ مّا الحديث الثاني فقد رواه العياشي مرسلاً عن داود بن فرقد، عمّن أخبره، عنه(عليه السلام) وواضح ضعف هذا الإسناد، وعلي فرض صحّته، فإنّ المراد بالتسمية هنا هو كون أسمائهم(عليهم السلام) مثبتة فيه علي وجه التفسير، لا أ نّها نزلت في أصل القرآن، أي لولا حذف بعض ما جاء من التأويل لآياته، وحذف ما أنزله الله تعالي تفسيراً له، وحذف موارد النزول وغيرها، لألفيتنا فيه مُسمّين، أو لو اُوِّل كما أنزله الله تعالي وبدون كَدَر الأوهام وتلبيسات أهل الزيغ والباطل لألفيتنا فيه مُسمّين.

الروايات الموهمة بوقوع التحريف في القرآن بالزيادة والنقصان، و منها

1 _ ما رواه العياشي في تفسيره عن مُيسّر، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: «لولا أ نّه زيد في كتاب الله ونقص منه، ما خفي حقّنا علي ذي حجي، ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» [166] . 2 _ ما رواه الكليني في الكافي والصفار في البصائر عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول: «ما ادّعي أحدٌ من الناس أ نّه جمع القرآن كلّه كما

اُنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالي إلاّ علي بن أبي طالب(عليه السلام) والأئمة من بعده(عليهم السلام)» [167] . 3 _ ما رواه الكليني في الكافي والصفار في البصائر عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)، أ نّه قال: «ما يستطيع أحد أن يدّعي أ نّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء» [168] . وهذه الطائفة قاصرة أيضاً عن الدلالة علي تحريف القرآن، فالحديث الأوّل من مراسيل العياشي، وهو مخالف للكتاب والسنّة ولاجماع المسلمين علي عدم الزيادة في القرآن ولا حرف واحد، وقد ادعي الاجماع جماعة كثيرون من الأئمة الأعلام منهم السيد المرتضي والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي وغيرهم. أما النقص المشار إليه في الحديث الأول فالمراد به نقصه من حيث عدم المعرفة بتأويله وعدم الاطلاع علي باطنه، لا نقص آياته وكلماته وسوره، وقوله: «ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن» فإنّ الذي يصدّق القائم (صلوات الله عليه) هو هذا القرآن الفعلي الموجود بين أيدي الناس، ولو كان محرفاً حقّاً لم يصدقه القرآن، فمعني ذلك أنّ الإمام الحجة (صلوات الله عليه) سوف يُظهر معاني القرآن علي حقيقتها بحيث لا يبقي فيها أي لبس أو غموض، فيدرك كلّ ذي حجي أن القرآن يصدقّه، فالمراد من الحديث الأول _ علي فرض صحّته _ أ نّهم قد حرّفوا معانيه ونقصوها وأدخلوا فيها ما ليس منها حتّي ضاع الأمر علي ذي الحجي. أما الرواية الثانية ففي سندها عمرو بن أبي المقدام، وقد ضعّفه ابن الغضائري [169] ، وفي سند الرواية الثالثة المنخّل بن جميل الأسدي، وقد قال عنه علماء الرجال: ضعيف، فاسد الرواية، متّهم بالغلوّ، أضاف إليه الغلاة أحاديث كثيرة [170] . وعلي فرض صحّة الحديثين

فإنّه يمكن توجيههما بمعني آخر يساعد عليه اللفظ فيهما، قال السيد الطباطبائي: «قوله(عليه السلام): إنّ عنده جميع القرآن... إلي آخره»، الجملة وإن كانت ظاهرةً في لفظ القرآن، ومشعرة بوقوع التحريف فيه، لكن تقييدها بقوله: «ظاهره وباطنه» يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن، من حيث معانيه الظاهرة علي الفهم العادي، ومعانيه المستبطنة علي الفهم العادي [171] . وقد أورد السيد عليّ بن معصوم المدني هذين الخبرين ضمن الأحاديث التي استشهد بها علي أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)والأوصياء من أبنائه، علموا جميع ما في القرآن علماً قطعياً بتأييد إلهي، وإلهام رباني، وتعليم نبوي، وذكر أنّ الأحاديث في ذلك متواترة بين الفريقين [172] . ويمكن حمل الروايتين أيضاً علي معني الزيادات الموجودة في مصحف أمير المؤمنين(عليه السلام)والتي أخذها عمّن لا ينطق عن الهوي تفسيراً، أو تنزيلاً من الله شرحاً للمراد، إلاّ أنّ هذه الزيادات ليست من القرآن الذي اُمر رسول الله(صلي الله عليه وآله) بتبليغه إلي الاُمّة. هذا خلاصة موقف علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) إزاء الأخبار التي وردت في كتبهم والتي يفهم منها وقوع التحريف، وقد اتّضح تمسّكهم بثبوت النصّ القرآني وبسلامته من التحريف. ويشهد لذلك تصريحات أئمة أهل البيت ودورهم التاريخي مع الاُمّة في حفظ القرآن الموجود بأيدينا كما ستري لاحقاً.

تصريحات أئمة أهل البيت و حثهم علي الارتباط بالقرآن الموجود

وردت عدّة أخبار عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، كلّها تصرّح بأنهم يعتقدون بأن القرآن الموجود، هو نفس القرآن الذي نزل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله). فلو لاحظنا إرشاداتهم ووصاياهم وحواراتهم، ذات الموضوعات المختلفة، لوجدناها تجعل هذا القرآن محوراً رئيسياً لها من حيث الاستدلال علي الأحكام، أو من حيث التربية، أو تبيان القواعد التفسيرية، أو الفقهية ويضاف لهذا النشاط حثّهم لتلاوة القرآن، وضرورة حفظه

والتدبّر في آياته، فهذه الألوان من الوصايا تكشف لنا مدي اهتمام الأئمة(عليهم السلام) بالقرآن الموجود، ومدي اعتمادهم عليه، وإليك جملة من تلك الروايات: 1 _ الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) يوصي بالقرآن ويبيّن علومه، وهذا يتضمن الإقرار بأن القرآن الموجود هو نفسه النازل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله)، قال(عليه السلام): «كتاب ربّكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصه وعامه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسراً مجمله، ومبيّناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق في علمه، وموسّع علي العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنّة نسخه، وواجب في السنّة أخذه، ومرخّص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه، من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبوله في أدناه، موسع في أقصاه» [173] . وقال(عليه السلام): «أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم علي إتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضي؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصّر الرسول(صلي الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه؟ والله سبحانه يقول: (ما فرّطنا في الكتاب من شيء). 2 _ وقول الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) في كتاب له إلي الحارث الهمداني(رضي الله عنه): «وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه، وأحل حلاله، وحرّم حرامه» [174] . 3 _ وقال الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): «لقاح الإيمان تلاوة القرآن» [175] . وقال(عليه السلام) وهو يحث علي التدبّر عند قراءة القرآن: «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر. ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه» [176] . والتلاوة والتدبّر اللّذين أرادهما الإمام(عليه السلام) يتمان في هذا القرآن لا

غيره. 4 _ الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) يصف القرآن: «جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجَّ لطرق الصلحاء، ودواءً ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة» [177] . 5 _ الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) يصف القرآن: «إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور، فليجل جال بضوئه، وليلجم الصفة، فإن التلقين حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور» [178] . 6 _ وكان الإمام علي بن الحسين السجاد(عليهما السلام) يدعو عند ختمه القرآن. فقد جاء في الدعاء: «اللّهمّ فإذ أفدتنا المعونة علي تلاوته وسهّلت جواسي ألسنتنا بحُسن عبارته فاجعلنا ممّن يرعاه حق رعايته ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته» [179] . 7 _ وجاء عن الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام): «إن الله يقول للمؤمنين (وإذا قُرئ القرآن)يعني في الفريضة خلف الإمام (فاستمعوا) [180] . وهذه وصية عامة للمسلمين فيما إذا قرأوا سوراً من هذا القرآن. 8 _ الإمام الباقر(عليه السلام) يصف القرآن: «إن للقرآن بطناً، وللبطن بطن، وله ظهر، وللظهر ظهر... وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية لتكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف علي وجوه» [181] . 9 _ عن علي بن سالم عن أبيه، قال: سألت الإمام الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام)،فقلت له: يابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال: «هو كلام الله وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)» [182] . وقال(عليه السلام): «إن الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن، وقطب جميع الكتب،

عليها يستدير محكم القرآن، وبها يوهب الكتب ويستبين الإيمان» [183] . 10 _ الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) يقول في القرآن: «من فسّر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه» [184] . 11 _ وقول الإمام الباقر(عليه السلام): «من أوْتَر بالمعوذتين، وقل هو الله أحد، قيل له: يا عبد الله أبشر فقد قبل الله وَتْرك» [185] . 12 _ وقول الإمام الباقر(عليه السلام): «من ختم القرآن بمكة من جمعة إلي جمعة، وأقلّ من ذلك وأكثر، وختمه يوم الجمعة، كتب الله له من الأجر والحسنات من أول جمعة كانت إلي آخر جمعة تكون فيها، وإن ختمه في سائر الأيام فكذلك» [186] . إلي غير ذلك من الأحاديث وما أكثرها، وقد ذكر الفقهاء _ رضي الله تعالي عنهم _ تفصيل ما يستحب أن يُقرأ في الصلوات الخمس من سور القرآن [187] . كما روي الشيخ الصدوق(رحمه الله) ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن بحسب الأحاديث الواردة عن الأئمة(عليهم السلام) [188] . وبهذا القسم من الأحاديث استدلّ بعض أكابر الإمامية كالشيخ الصدوق علي ما ذهب إليه من عدم تحريف القرآن [189] . 13 _ قول الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه عن رسول الله(صلي الله عليه وآله): «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كُتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كُتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كُتب له قنطار...» [190] . 14 _ وقول الإمام الصادق(عليه السلام): «... وعليكم بتلاوة القرآن، فإن درجات الجنّة

علي عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وارقَ، فكلّما قرأ آية رقي درجة...» [191] . 15 _ وقول الإمام الصادق(عليه السلام): «الواجب علي كل مؤمن إذا كان لنا شيعة، أن يقرأ ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلي... فإذا فعل ذلك فإنّما يعمل بعمل رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وكان جزاؤه وثوابه علي الله الجنة» [192] . 16 _ الإمام علي بن موسي الرضا(عليه السلام) يُبين إشارات القرآن الكريم في قوله تعالي: (عفا الله عنك لِمَ اَذِنتَ لهم؟): هذا ممّا نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة... وكذلك قوله تعالي: (لئن أشركت ليحبطن عملك) وقوله تعالي: (ولولا أن ثبتناك لقد كدّت تركن إليهم) [193] . 17 _ وعن الريّان بن الصلت قال: قلت للرضا(عليه السلام) يابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال: «كلام الله، لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدي في غيره فتضلوا» [194] . 18 _ وجاء فيما كتبه الإمام الرضا(عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين: «وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبدالله هو الحق المبين، والتصديق به وبجميع من مضي قبله من رُسُل الله وأنبيائه وحججه. والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وأنه المهيمن علي الكتب كلّها، وأنه حق من فاتحته إلي خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله» [195] . فإذا كانت تصاريح كبار علماء المدرستين تؤكّد سلامة القرآن من التحريف، بالإضافة الي مواقفهم العلميّة والموضوعية إزاء الأخبار التي وردت في كتبهم ونفيهم القاطع لهذه الاُسطورة، إذاً فما هي الدواعي

لإثارة تلك الشبهة; ثم ماهي الأيدي التي تخطط لهذا المشروع الذي يهدف بوضوح الي ضرب الإسلام من الداخل وماهي الأدوات التي سخّرت لتنفيذه والتي مازالت مصرّة بعناد علي اجتراره وتكراره بالرغم من تظافر الردود والاجابات علي مثل هذه الشبهة والأساطير؟

البؤر المعادية التي تقف وراء إثارة شبهة التحريف

اشاره

لقد اتّضح لديك من خلال ذكر التصاريح السابقة، أن الموقف الإسلامي بمختلف مذاهبه قد أطبق علي أن هذا القرآن الكريم هونفسه الذي نزل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وأن جميع المزاعم التي تذرّع بها الخصوم لا تمتلك الدليل العلمي، ومخالفة للمنطق الشرعي الذي نطق به الذكر الحكيم: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه...) حتي قيام الساعة. إذاً لابدّ لنا أن نشخّص بدقة ونحدّد بوعي مسؤول، ماهي البؤر التي تحرك بعض الأقلام لأجل اختراق الموقف الإسلامي الموحّد، وبلا شك نجد أنفسنا أمام طائفتين هما:

المستشرقون

أرّخ العلاّمة السيد مرتضي العسكري، لبداية الطعن في القرآن الكريم وبما عاناه حملة الإسلام من شأن الحاقدين بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: «وفي مقدمتهم يوحنا الدمشقي _ الذي كان يعيش في كنف البلاد الاُموي _ أوّل من تصدّي للإسلام هو وخليفته ثيودر أبو قرة وبدأ بالتلاعب الجدلي البيزنطي الذي كان يتقنه المسيحيون المتأثرون بالفلسفات اليونانية وأثار مسائل جدلية مثل: هل كلام الله مخلوق أم غير مخلوق؟ وهل روح الله مخلوق أم غير مخلوق؟ والذي انتشر بعد ذلك بين المسلمين. وأنّ الوحي الذي ادعاه الرسول(صلي الله عليه وآله) (كذا) كان يصاغ حسب رغباته الجنسية، مشيراً الي قصة زيد وزينب والتي اعتبرت بعد ذلك عند المسيحيين من الأساليب الجدلية التي يتفننون بها كيداً للإسلام. ومثل قوله: إنّ المفاهيم منقولة من التوراة والإنجيل، وتأثر به بيزنطينيون حاقدون علي الإسلام، رافضون للقرآن مثل نيكيتاس وزيجابينوس في كتاباتهما المتأثرة بالدمشقي، ثم أخذ منه اللاتين الغربيون وردّدوا أقواله بأساليب مختلفة، وكان ذلك إبّان الحروب الصليبية، وعندما أدرك المسيحيون قوة المسلمين الذين يدينون بالإسلام ويحملون القرآن، شنوا حملة ضدهم، وكان الرائد لهذه

الحملة بطرس الكلوني الذي ذهب الي اسبانيا وترأس إدارة دير كلوني سنوات (1094 _ 1156 م) ونادي بحرب المسلمين عسكرياً وفكرياً، ويكتب للملوك الصليبيين: إنّ الراهب ينبغي أن يكون مسيحياً في فضائله عسكرياً في أعماله، وأن تنصير المسلمين أنفع للمسيحية من قتلهم وبينما كان الصليبي همه فتح بيت المقدس وذبح المسلمين كان يتمني أن يصحب هذا الفتح المجيد فتحاً روحياً بتنصير المسلمين. ويري أن سيف الكنيسة الحقيقي سيف التبشير بالانجيل والتنصير، وليس سيف القتل فحسب، وأنّ الحروب الصليبية كانت تهدف أوّلاً تنصير المسلمين وتحوّلت أخيراً الي عمل سياسي وعسكري فقط فاقدة بذلك مهمتها الأساسية، وأن السبب في ذلك عدم معرفة المسيحيين بحقيقة الدين الإسلامي، ولذلك أوجب علي نفسه ومن استطاع أن يؤثر فيه، دراسة الدين الإسلامي ومحاجة المسلمين واقناعهم بالتخلي عن الإسلام والدخول في المسيحية، بدلاً من ذبح المسلمين في محبّة الربّ ورفع شعار الكلمة بدلاً من السيف، وأنا أقترب منك بالكلمة وليس بالقوة، وبالتفاهم والمحبّة وليس بالكره والسلام، كما يفعل قومنا دائماً. وقد درست الحرب الصليبية التي انتهت وأهملت دراسة الحرب الفكرية والتي لازالت قائمة. وفي هذا السبيل سافر بطرس الكلوني الي اسبانيا سنة 1142م وتفقد شؤون أديرتها، وحصل من الامبراطور الفونس السابع الذي كان يحاصر المرابطين في (Coria) لمشاريعه أملاكاً واسعة وأموالاً جمّة، ولمعرفة الإسلام كلّف بطرس في هذه السفرة جمعاً من المترجمين لدراسة بعض الكتب وترجمتها، وموّل مشروع الترجمة واختار لذلك كتاباً ألفها يهود متنصرون ونصاري مستعربون، والتي كانت أبعد ما تكون عن الإسلام الحقيقي، بل كانت أساطير ملفقة كما وصي بترجمة القرآن الكريم، استعداداً للهجوم عليه وتفنيده وتحريف كلماته ومعانيه، والاستهزاء بما جاء فيه والتشفّي من المسلمين، وكان من الكتب التي

اختارها بطرس للترجمة كتب من مدرسة للترجمة من العربية الي اللاتينية، أسسها القس رايموند في كنيسة بطليطلة سنوات (1125 _ 1151م) بعد سقوط المدينة بيد الفونس السادس، بعد أن كانت مركزاً حضارياً إسلامياً سنوات (712 _ 1085م) وكان من جملة ماترجموا كتب الفارابي وابن سينا والغزالي وارسطاطاليس وغيرهم. واجتمع بطرس الكلوني عام (1142 م) مع القس رايموند في سلامانكا وموّل مشروعه للترجمة، وكلّف بطرس خمسة مترجمين بترجمة مجموعة طليطلة وحفظت بدير كلوني أربعمائة سنة، ونشرت المجموعة بعد اختراع الطباعة في بازل عام (1543 م.) وبعد ذكره لمجموعة من المترجمين المستشرقين، ذكر خلاصة الأعمال الاستشراقية لترجمات القرآن الكريم، مسلطاً الضوء علي أهم المراحل التي مرت بها، فقال: يمكن القول بأن الترجمات الأوربية قد مرت بعدة مراحل متداخلة: 1 _ من القرن الحادي عشر حتي الثامن عشر: أ _ مرحلة الترجمة من العربية الي اللاتينية (بذرة الاستشراق). ب _ مرحلة الترجمة من اللاتينية الي اللغات الاوربية (أكثر الترجمات سوءاً).

في العصر الحديث

أ _ مرحلة الترجمة من اللغة العربية مباشرة الي اللغات الاوربية، بواسطة المستشرقين وأضرابهم، بعد أن اشتد ساعد الاستشراق وعرف العربية ودرس كتبها. ب _ مرحلة دخول المسلمين مؤخراً في ميدان الترجمة الي اللغات الاُوربية مع ليبرالية العصر، والنظرة العلمية المجردة لموضوع الترجمة، بصرف النظر عن مشاعر المترجم الدينية، إن لم يكن مسلماً. وفي المرحلة الأخيرة فقط، يمكن القول بأن هناك بعض الترجمات القليلة تعد علي أصابع اليد الواحدة في ترجمات اللغات الاوربية مجتمعة، والتي زادت علي 450 ترجمة كاملة غير مئات من الترجمات الجزئية، التي يمكن القول بأنها علي شيء من الموضوعية. والتقسيم السابق يبين المراحل التي مرت بها الترجمات في البلدان الاوربية وذلك بدءاً بالترجمة

اللاتينية الاُولي التي أشعلت الفتيل. ولكن هناك تقسيم آخر يمثل وجهة النظر المسيحية اللاتينية. فقد مرت الترجمات والكتابات المسيحية المختلفة عن القرآن الكريم بعدة مراحل: 1 _ من عام (1100 _ 1250 م) وفيها ترجم القرآن الكريم الي اللاتينية كما سبق، وفي هذه الفترة زاد الاهتمام بدراسة الإسلام بين الرهبان والدارسين. 2 _ من عام (1250 _ 1400 م) بدأ تراجع الحملات الصليبية واندحارها، ممّا حدا بالكنيسة بأن تزيد من نغمة العداء للإسلام، حفاظاً علي شعلة الصليبية متأججة، وتعويضاً عن التراجع ويمكن ملاحظة ذلك في كتاباتهم خلال هذه المدة. 3 _ من عام (1400 _ 1500 م) خمدت جذور التحريض الي حين، ثم استعرت وتأججت مرة اُخري عام 1453م وهو عام فتح القسطنطينية الذي نكأ الجروح وأيقظ الحقد الصليبي مرة اُخري، بعد أن هدأ قليلاً بعد انهزاماته في حروبه الصليبية. ومنذ الترجمة اللاتينية الكلونية الاُولي، والمسيحية تعيش في وهم اكتشفوه بعد اطلاعهم علي القرآن الكريم. فقد وجدوا أن المسلمين يؤمنون بعيسي وموسي ومريم وإبراهيم وآدم وحواء، وأن هناك كثيراً من التشابه بين الإسلام والمسيحية، وأن الإسلام ما هو إلاّ صورة مشوهة من المسيحية (كذا). ومن هذا المنطلق فإنه من الممكن دراسة القرآن وتنقيته ممّا شابه من انحرافات عن المسيحية، فإنه يمكن العودة بالمسلمين الي حظيرة المسيحية. وقد ظهرت هذه الفكرة بصورة واضحة في كتابات نقولاس الكوزي، وخاصة في كتابه «تنقية القرآن Cribratio Alcoraniوقد اعتمد في كتاباته هذه علي الترجمة اللاتينية المحفوظة في دير كلوني في ذلك الوقت، والمحفوظة حالياً في مكتبة الأسينال في باريس وممهورة بتوقيع المترجم Bibliontheque de LArsenal - Paris. كما اعتمد أيضاً علي كتابات اُخري كثيرة ظهرت عن القرآن الكريم أهمها كتابه

«ريكولدوس الفلورنسي الدومينيكاني» Ricoldus of Monte Crusis بعنوان Propunaculum Fideiوالمطبوع في فينسيا عام 1609 م. وتحت تأثير هذا المفهوم، وهو أن المسلم هو قاب قوسين أو أدني من المسيحية تجرأ البابا بيوس الثاني فأرسل رسالة للسلطان محمد الثاني يدعوه الي النصرانية ويصبح خليفة لأباطرة بيزنطة. ولما لم يكلف السلطان خاطره بالرد علي هذه الدعوة أخذ الخيال يداعب الداعي باقتراب نصر سهل في الشرق بعد الكارثة التي حاقت بحروبهم الصليبية. وفي النهاية فإنه يمكن القول بأن ترجمة القرآن الكريم الي اللغة اللاتينية لغة الكنيسة وبأيدي رجالها لم تكن عملاً أكاديمياً أثاره حب الاستطلاع فقط، بل كانت عن سابق تخطيط وترصد احتاج الي تنفيذه إرسال البعثات لسنين عديدة لدراسة العربية، ثمّ اعتكاف طويل للترجمة بتوجيهات أعلي سلطة دينية مسيحية وبمساعدة وإشراف رئيس رهبان أكبر رهبانية في ذلك الوقت، وأقصد بها رهبانية كلوني، والأخطر من هذا هو البحث عمّا ظنوه اختلافاً أو أخطاء أو ما شابه من الظنون، فكان الرد علي القرآن والطعن فيه أهم عندهم من الترجمة، حتي أن ماراكيوس في طعنه للقرآن كان جاداً في استكمال مطاعنه وردوده التي فاقت ترجمة سابقيه وردودهم، وأشار إليها جورج سال مشمئزاً ممّا حوت مفضلاً عليها موضوعية مهذبة ماكرة قد تكون أفضل في التعامل مع المسلمين. قال هذا الماكر في ترجمته: إني لم أسمح لنفسي عند التحدث عن محمد أو قرآنه أن استعمل السباب المشين والتعبيرات اللا أخلاقية، والتي ظنها الكثيرون ممّن كتبوا ضده أنها أقوي اُسلوب للمجادلة. ولكن العكس هو الصحيح، فقد وجدت أنه من الملائم معالجة الموضوع بالحكمة والأدب، بل والموافقة علي الأساسيات التي أعتقد أنها تستحق الموافقة، كمدي الجريمة الأبدية التي ارتكبها بفرضه ديناً مزيفاً علي البشرية...

جورج سال 1874م [196] . وأخيراً لابد أن نذكر خطأ ما تقوله دائرة المعارف الإسلامية الألمانية حول موضوع التحريف التي حاولت أن تدّعيه بخبث عبر منهجها المشبوه، حين قالت: «وقد اُثيرت تهمة التحريف فيما وقع من جدل بين الفرق الإسلامية المختلفة. فالشيعة يصرّون عادة علي أن أهل السنّة قد حذفوا وأثبتوا آيات في القرآن، بغية محو أو تفنيد ما جاء فيه من الشواهد معززاً لمذهبهم. وقد كال أهل السنّة بطبيعة الحال نفس التهمة للشيعة»؟ [197] . وقد عرفت أن الأمر في الواقع ليس كذلك، بل كان وما يزال موقف مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)وعامة مذاهب المسلمين هو سلامة النصّ القرآني من التحريف طبعاً.

الوهابية

وجاء شرذمة لا يمثلون الطائفتين فردّدوا نغمة الاستشراق، وفهم احسان الهي ظهير ومن لفّ لفّه ماهو المطلوب من هذا الايحاء الشيطاني الغربي، وتأكّد من أنّ المراد هو الطعن والتشكيك بأقدس أصل إسلامي، فأبدي حرصه بتباكيه الشديد علي أهل السنّة، عن طريق الطعن بمدرسة أهل البيت، وبهذا يكون قد حقق غرضه الخبيث من أن القرآن الكريم قد تعرض للتحريف، فقال: إنّ الكليني روي من أئمته المعصومين أنهم كانوا يقولون بالتحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس، كما كانوا يوعزون الي شيعتهم أن يعتقدوا بمثل هذا الاعتقاد، ولقد وردت في هذه الروايات الثمانية عقيدة الأربعة من الأئمة علي بن أبي طالب، محمد الباقر، ابنه جعفر وأبي الحسن. وقال في موضع آخر: «إن الشيعة كانوا يعتقدون التحريف في القرآن في الدور الأوّل، بما فيهم أئمة مذهبهم وواضعوا شرعتهم حسب مروياتهم، ولم يثبت عن واحد منهم أ نّه كان يعتقد خلاف ذلك [198] . وقال صاحب الوشيعة: «وللأئمة مثل الباقر والصادق(عليهما السلام)،في تحريف الكتاب الكريم أيمان بالغة،

ولهم في تكذيب ما ثبت في القرآن الكريم، والمصاحف علي التواتر كلمات شديدة» [199] .

خلاصة الموقف الإسلامي من القرآن الكريم

ولأجل التوصل الي تصور الموقف الإسلامي بطرفيه وبعيداً عن التخندق والتشنّج، ولئلا نقع تحت قوله تعالي:(قُل هَلْ اُنبّ_ئكم بالأخسرين أعمالاً، الذين ظلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أ نّهم يحسنون صنعا) [200] ، وسعياً للبحث عن حقيقة هذه المسألة بالذات واستناداً الي التصريحات والروايات السابقة، نجد أنفسنا أمام حقيقة واحدة مشتركة لا غبار عليها، بأن الكل قد اتفقوا بأن هذا القرآن لم يتعرض الي التغيير والتبديل والنقص والزيادة، وهو الذي نزل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله). نعم، إنّ التراث الحديثي الذي نقلته كتب الحديث والمناهج التي تعاملت مع تلك الأخبار الواردة فيها، مضافاً لما فيها من الدس والتحريف والضعف كانت هي السبب في إيجاد هذا الارباك، وهذا لا يمكن الاستفادة منه كاعتراف بأنّ القرآن الكريم قد تحرّف كما هي الكتب السماوية الاُخري، علماً أن أصحاب تلك الكتب كان الأكثر منهم بلحاظ النقل لا بلحاظ الاعتقاد فيما ينقلون، وعلي فرض وجود من يعتقد بأن القرآن الموجود محرّف، فهؤلاء نوادر جداً جداً لا يمثلون الطائفتين.

موقف مدرسة أهل البيت من القرآن في عمقه التاريخي

اشاره

وأما إذا أردنا أن نتحرّي من جهة، وبسعة صدر واسعة لفهم منهج مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)وكيفية تعاملها مع التراث الإسلامي والدور التاريخي الذي لعبته في حماية الثقلين، لوجدناه منهجاً لا ينحصر في تلك الشبهة وردّها، بل هناك منهج أوسع من ذلك له أبعاده وأهدافه وأساليبه، وقد شهد له التاريخ، ولا يسعنا ذكر تفاصيله في هذا البحث المختصر. فكما تعرضت العقيدة الإسلامية الصافية الي التشويش والانحراف والتلوث، فداخلها مثل فكرة التجسيم أو الحلول والاتحاد وفكرة الجبر والتفويض والإرجاء والبغض لآل محمد(صلي الله عليه وآله)والتناسخ وبروز تيارات منحرفة مثل الزندقة والغلاة، تعرض التفسير هو الآخر الي التشويش فطرحت مناهج وصيغ منحرفة

في التعامل معه، وقد واجهتها مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)بقوة وثبات، وحافظوا علي الصيغ الأصيلة في فهم القرآن الكريم ومن جملة ما واجهوه:

توظيف النص القرآني لخدمة الأهداف السياسية

ونحاول أن نعطي مثالاً واحداً لهذه الحالة نختاره من أمثلة كثيرة يزخر بها تاريخ الاُمّة السياسي، والمثال الذي نضعه بين يدي القارئ هو «دور معاوية بن أبي سفيان» في توظيف النصوص القرآنية لخدمة أهدافه السياسية... كان معاوية يؤمن تماماً أنّ سلطانه لا يملك مبرراته الشرعية، ويؤمن أيضاً أنّ الشعور العام في داخل الاُمّة لا يرتاح للحكم الاُموي، فبدأ يضع خططه لمواجهة هذه الحالة التي تقلقه كثيراً، وتهدد نظامه وسلطانه. ومن أهم الوسائل التي اعتمدها معاوية استخدام «سلاح الدين» ومن خلاله حاول أن يحقق الأهداف التالية: 1 _ إعطاء الشرعية لحكمه وسلطانه. 2 _ تخدير الجماهير وشل روح الثورة في داخلها. 3 _ إسقاط القوي المعارضة الرافضة لنظامه. وأبرز القوي التي وجدها تشكل خطراً علي سلطانه، هم أهل البيت(عليهم السلام)، فسعي لتحطيم مواقعهم الروحية في ذهنية الاُمّة. إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في علي(عليه السلام)تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه منه: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة ابن الزبير [201] . وتتحدث مصادر التاريخ أيضاً _ وهذا مثال من أمثلة توظيف النّص القرآني لخدمة الأهداف السياسية _: إنّ معاوية بذل للصحابي سمرة بن جندب أربعمائة ألف درهم علي أن يروي أنّ هذه الآية: (ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألدّ الخصام، وإذا تولّي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل

والله لا يحب الفساد) [202] . قد نزلت في علي ابن أبي طالب. وأنّ الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالي: (ومن النّاس من يشري نفسه إبتغاء مرضاة الله) [203] فروي ذلك [204] .

توظيف النص القرآني لتأييد الاتجاهات المذهبية والكلامية والفلسفية

حاولت بعض المذاهب والفرق والإتجاهات أن تلوي أعناق النصوص القرآنية لتأييد أفكارها وعقائدها ومتبنياتها بلا شاهد من أثر صحيح، أو ظهور لفظي سليم، أو فهم عقلي مصيب. وهذا المنحي في التعامل مع النص القرآني لون من ألوان التحريف لمعاني القرآن وشكل من أشكال التفسير الخاطئ لآيات الكتاب... وقد ينشأ هذا المنحي نتيجة خلل في استخدام الأدوات المعتمدة في فهم القرآن وتفسير آياته، وربّما يكون بدوافع تحريفية مقصودة، فكثير من أصحاب المذاهب والنظريات أوّلوا القرآن لخدمة آرائهم وأهوائهم. ومن أمثلة هذا اللون من التعامل مع النص القرآني: 1 _ حاول أصحاب «نظرية الشوري» في انتخاب الخليفة بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) اعتماد قوله تعالي: (وأمرهم شوري) [205] في تأييد هذه النظرية. 2 _ حاول أصحاب «نظرية الجبر» اعتماد بعض النصوص القرآنية لتأييد هذه النظرية، ومن تلك النصوص قوله تعالي: (والله خلقكم وما تعملون) [206] . 3 _ نجد بعض الفلاسفة الإسلاميين يحاولون توجيه وتفسير نصوص قرآنية علي ضوء متبنياتهم وآرائهم، فالفارابي وضع بعض الآيات والحقائق الدينية بتعبير فلسفي محض [207] . ويكتب إخوان الصفا في رسائلهم وهم يتحدثون عن (الجنة والنار): إنّ الجنّة هي عبارة عن عالم الأفلاك، والنار عبارة عن العالم الموضوع تحت فلك القمر، يعني عالم الدنيا [208] . ويقول ابن سينا في تفسير قوله تعالي: (ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية) [209] . «القصد من العرش الفلك التاسع الذي يسمي فلك الأفلاك، والملائكة الثمانية _

الذين يحملون عرش الإله _ يعني الأفلاك الثمانية التي تقع تحت الفلك التاسع» [210] . الي غير ذلك من المحاولات التي تخضع النصوص لمتبنياتها بدلاً من أن تكوّن رؤاها وأفكارها من خلال النصوص، وتستوحي نظرياتها في ضوء المعطيات التي يحملها النّص ودلالته اللغوية والعرفية والعقلية.

الجمود في التعامل مع المعاني الحرفية للألفاظ القرآنية

وهذا الاتجاه في فهم القرآن يلغي دور العقل، ويجمّد حالة التأمل والتدبر في الدلالات القرآنية بما تحمله من مضامين قد تتجاوز المعاني الحرفية للألفاظ، ثم إنّ هذا الإتجاه يتغافل الصيغ التعبيرية البلاغية المجازية في لغة القرآن. وعلي ضوء هذا اللون من التعامل مع نصوص القرآن، تكونت مجموعة تصورات ومعتقدات خاطئة، أنتجتها حالة الجمود في فهم الألفاظ القرآنية: 1 _ عقيدة التجسيم والتشبيه: أفرزتها الرؤية الجامدة في فهم بعض النصوص القرآنية مثل: أ _ قوله تعالي: (يد الله فوق أيديهم) [211] . ب _ قوله تعالي: (ويبقي وجه ربّك ذو الجلال والإكرام) [212] . ج _ وقوله تعالي: (الرحمن علي العرش استوي) [213] . 2 _ عقيدة الرؤية: القائلون بإمكان رؤية الله عياناً، وقد اعتمدت هذه العقيدة ظواهر بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالي: (وجوه يومئذ ناضرة الي ربّها ناظرة) [214] . 3 _ الإعتقاد بصدور المعاصي والذنوب من الأنبياء(عليهم السلام) إعتماداً علي التعامل الحرفي مع الألفاظ القرآنية في بعض النصوص والآيات: أ _ مثل قوله تعالي: (وعصي آدم ربّه فغوي) [215] . ب _ وقوله تعالي: (ووجدك ضالاً فهدي) [216] . ج _ وقوله تعالي: (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأي برهان ربه) [217] . وقد عالج هذه الآيات القرآنية ونظائرها، علماء وباحثون في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، وأعطوها دلالالتها المقبولة بما يتناسب مع موقع النبوة، وقداسة

الأنبياء(عليهم السلام). معتمدين في ذلك: أ _ الأحاديث الصحيحة الثابتة... ب _ القرائن اللفظية الواضحة... ج _ المعاني اللغوية للمفردات... د _ المباني العقلية المسلّمة... ومن أراد التعرف علي هذه الاُمور مفصلاً بامكانه مراجعة كتاب «تنزيه الأنبياء والأئمة» للسيد المرتضي.

التأويلات الباطنية الفاسدة

توجد صيغتان للتأويل القرآني: الاُولي: الصيغة التي تعتمد الأدوات الصحيحة في تأويل النص القرآني، وذلك من خلال الرجوع الي الأحاديث الواردة عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) وعن أهل بيته(عليهم السلام)، باعتبارهم العارفين بتأويل القرآن... قال الإمام الباقر(عليه السلام): «أفضل الراسخين في العلم رسول الله(صلي الله عليه وآله)، قد علم جميع ما أنزل الله في القرآن من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله» [218] . وقال الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ الله علّم نبيّه التنزيل والتأويل، فعلّم رسول الله(صلي الله عليه وآله) عليّاً(عليه السلام)وعلّمنا والله» [219] . وقال(عليه السلام): «نحن الراسخون في العلم، فنحن نعلم تأويله» [220] . الثانية: الصيغة التي لا تعتمد الأدوات الصحيحة في تأويل النص القرآني، كما نجد ذلك عند جماعة من المتصوفة حيث توغلوا في التأويلات الباطنية بلا حجة ولا دليل، ومن تأويلاتهم الفاسدة: 1 _ تأويلهم لقوله تعالي: (فلمّا بلغ معه السعي قال يابني إنّي أري في المنام أ نّي أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) [221] . حيث قالوا: إنّ إبراهيم هو العقل، وأنّ إسماعيل هو النفس وأنّ العقل هنا كان ينوي قتل النفس [222] . 2 _ تأويل محيي الدين بن عربي لقوله تعالي: (إنّ الذين كفروا بآياتنا) [223] . أي حجبوا عن تجليات صفاتنا وأفعالنا إذ مطلع الآية كونه متجلياً بالعلم والحكمة

والملك في آل إبراهيم (سوف نصليهم) نار شوق الكمال لاقتضاء غرائزهم وطبائعهم بحسب استعدادهم ذلك مع رسوخ الحجاب ولزومه، أو نار قهر من تجليات صفات قهره تناسب أحوالهم، أو نار شره نفوسهم وحدّة شوقها وطلبها لما ضربت بها في كمالات صفاتها وشهواتها مع حرمانها عنها (كلما نضجت جلودهم) رفعت حجبهم الجسمانية بانسلاخهم عنها (بدّلناهم) حجباً غيرها جديدة (ليذوقوا العذاب) نيران الحرمان [224] .

تفسير القرآن بالرأي

وهو الذي لا يعتمد أحد المرتكزات التالية: 1 _ الأحاديث والروايات الصحيحة الصادرة عن النبي(صلي الله عليه وآله)، أو أحد الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام). 2 _ الأحكام العقلية الفطرية الأولية. 3 _ الظهور اللفظي الثابت في لغة العرب الفصحي [225] . فإذا لم يعتمد التفسير واحداً من هذه المرتكزات فهو من التفسير بالرأي المنهي عنه، كماجاء في حديث الرسول(صلي الله عليه وآله): «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» [226] . وفي حديث آخر عنه(صلي الله عليه وآله): «فأما من قال في القرآن برأيه، فإن اتفق له مصادفة صواب، فقد جهل في أخذه عن غير أهله، وإن أخطأ القائل في القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار» [227] . وما أوردناه من الحالات السابقة هي من ألوان التفسير بالرأي المنهي عنه، لأنها لا تعتمد الأدوات الصالحة في فهم النص القرآني المنزل من الله عز وجل.

اعتماد الروايات الإسرائيلية في تفسير القرآن

في مجتمع المدينة المنورة كان يعيش عدد كبير من اليهود، وقد اعتنق البعض من هؤلاء اليهود الرسالة الجديدة ودخلوا الإسلام بدوافع متعددة منها: 1 _ للكيد للرسالة من داخلها. 2 _ الحفاظ علي المصالح المادية والاجتماعية في ظل الوضع الجديد. 3 _ الخوف الذي ضغط علي البعض وألجأهم الي اظهار الانتماء الي الإسلام. 4 _ وربّما يكون البعض صادقاً في إسلامه. فنجد ضمن الدوافع محاولة التحرك من الداخل لمواجهة الرسالة، واجهاض الدعوة، وفي اتجاه تحقيق هذا الهدف، مارسوا أساليب الدس والتشويه وإرباك الرؤية الإسلامية سواء علي مستوي العقيدة، أو الأخلاق أو الأحكام الفقهية أو الآراء التفسيرية. وهكذا تسربت بعض الرؤي اليهودية، والخرافات الإسرائيلية الي بعض التفاسير القرآنية من خلال عدة قنوات: أ _ الدس المباشر من قبل

شخصيات يهودية أظهرت انتماءها للإسلام، وحظيت بمكانة كبيرة عند المسلمين خاصة في أيام الخليفة عمر بن الخطاب، وأيام الخليفة عثمان بن عفان... ب _ توظيف عناصر مشبوهة في داخل الساحة الإسلامية، وبذلك التأمت وتوافقت أهداف اليهود وجهود المنافقين والحاقدين علي الرسالة الذين يشكلون نسبة ليست عادية في داخل الاُمّة... ولعلنا من خلال الآيات القرآنية التي تناولت ظاهرة النفاق والمنافقين، نستطيع أن نتبيّن حجم هذا الوجود المشبوه في مجتمع المسلمين. وقد استفادت العناصر اليهودية المتسللة من ذلك الوجود المشبوه المعادي للرسالة ووظفته لصالح أهدافها الفاسدة. ج _ التأثير غير الواعي من قبل بعض العناصر الإسلامية، التي أحسنت الظن في عدد من اليهود والنصاري الذين أظهروا تفاعلهم مع الإسلام، وأبدوا نسبة كبيرة من الحماس تجاه العقيدة الجديدة، وأخذوا يدافعون ظاهراً عن الرسالة وأهدافها، ممّا هيأ لهم أجواء ملائمة للتحرك، والنفوذ الي نفسية الاُمّة، وقد وفّر لهم ذلك إمكانية الاستفادة من بعض الوجودات الإسلامية التي لم تستوعب هذا الدور وأهدافه.

تأثر التفاسير بالمنقولات اليهودية

اشاره

يعلل بعض الباحثين السبب في رواج المنقولات المستقاة من أهل الكتاب في تفاسير المسلمين: إنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنّما غلبت عليهم البداوة والاُمية، وإذا تشوقوا الي معرفة شيء ممّا تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنّما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصاري، وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلاّ ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ومعظمهم من حِمْير [228] الذين أخذوا بدين اليهودية، فلمّا أسلموا بقوا علي ما كان عندهم ممّا لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها، مثل أخبار

بدء الخليقة وما يرجع الي الحدثان والملاحم وأمثال ذلك، وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله ابن سلام وأمثالهم. فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم، وليست ممّا يرجع الي الأحكام فيتحري في الصحة التي يجب بها العمل، وتساهل المفسرون في مثل ذلك وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات، وأصلها عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك [229] . وهكذا دخلت الثقافة الإسرائيلية في فكر المسلمين وصبغته في جانب منه بلونها، ومن هنا انتشر بمدرسة الخلفاء الاعتقاد بأنّ الله جسم، وأنّ الأنبياء تصدر منهم المعاصي، والنظرة الي المبدأ والمعاد، الي غيرها من أفكار إسرائيلية [230] . ونحاول هنا أن نعطي صورة موجزة للتعريف ببعض الكوادر من أهل الكتاب الذين برزوا في تاريخ المسلمين:

كعب الأحبار

كان من أحبار اليهود، أظهر الإسلام علي عهد الخليفة عمربن الخطاب وطلب منه عمر البقاء في المدينة، ولما ظهرت بوادر الثورة علي عثمان ارتحل الي الشام، فاستصفاه معاوية وجعله من مستشاريه، ومات بحمص سنة 32 أو 34 أو 38 للهجرة. وبواسطة كعب وأمثاله تسربت الي الحديث طائفة من أقاصيص التلمود _ الإسرائيليات _ التي أصبحت جزءاً من الأخبار الدينية والتاريخية. كان بعض الصحابة يسألونه عن مبدأ الخلق، وقضايا المعاد، وتفسير القرآن، وروي عنه عدة من الصحابة والتابعين أمثال: أنس بن مالك، وأبي هريرة، ومعاوية، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، وأسلم مولي عمر، وعطاء بن يسار وغيرهم، وقد روي له الترمذي وأبو داود والنسائي في صحاحهم وسننهم [231] .

تميم بن أوس الدارمي

كان راهباً نصرانياً، قدم المدينة بعد غزوة تبوك، وأظهر الإسلام، وفي عصر الخليفة عمر قرّبه وألحقه بأهل بدر في العطاء، وخصص له ساعة في كل اسبوع يتحدث فيها قبل صلاة الجمعة بمسجد الرسول(صلي الله عليه وآله)، وجعلها عثمان علي عهده ساعتين في يومين. قد بلغ من ثقة الخليفة عمر به أن عيّنه إماماً يصلي بالناس صلاة التراويح، وبقي تميم الدارمي في المدينة الي أن قتل عثمان، فانتقل الي الشام وعاش في كنف معاوية، ومات سنة أربعين للهجرة، وروي عنه جماعة من الصحابة، أمثال: أنس بن مالك، وأبي هريرة ومعاوية [232] .

وهب بن منبه

كان فارسي الأصل، هاجر جده الي اليمن، وهناك أخذ آباؤه آداب اليهود وتقاليدهم، وقيل: إنّ والده منبهاً قد أسلم في اليمن، وأنّ ابنه وهباً كان يختلف من بعده الي بلاده بعد فتحها. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: إنّه عالم أهل اليمن ولد سنة 34 ه_. أدرك بعض الصحابة وروي عنهم، كما روي عنه كثير من الصحابة، منهم: أبو هريرة، وعبدالله بن عمر. ومن أقواله: إني قرأت من كتب الله 72 كتاباً [233] .

امثلة من المنقولات الإسرائيلية في تفاسير المسلمين

1- ذكر القرطبي في تفسير سورة غافر عن خالد بن معان عن كعب أنّه قال لمّاخلق الله العرش قال: لم يخلق الله أعظم مني واهتز تعاظماً، فطوقه الله تعالي بحية لها سبعون ألف جناح، في كل جناح سبعون ألف ريشة، في كل ريشة سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان، يخرج من أفواهها كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر،وعدد ورق الشجر، وعدد الحصي والثري، وعدد أيام الدنيا، وعدد الملائكة أجمعين، والْتَوَت الحيّة علي العرش، فالعرش الي نصف الحية وهي ملتوية عليه، فتواضع عند ذلك [234] . قال معاوية لكعب: أنت تقول إنّ ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك فإنّ الله قال: (وآتيناه من كل شيء سبباً) [235] . وقال كعب: الأرضون السبع علي صخرة، والصخرة في كف ملك، والملك علي جناح الحوت، والحوت في الماء، والماء علي الريح، والريح علي الهواء، ريح عقيم لا تلقح، وإنّ قرونها معلقة في العرش [236] .

نتيجة البحث

لقد ثبت من خلال استقصاء الأدلّة الشرعية والتاريخية بالإضافة إلي ما تفرضه طبيعة الأشياء، أنّ القرآن الكريم قد تمتّع بعوامل وقائية وحصانة ذاتية وموضوعيّة تؤكّد سلامته من التحريف علي مدي القرون السالفة، وذلك بفعل كونه النبع الأساس لكيان الاُمّة ولوجودها السياسي والثقافي والعقيدي. وبهذا سيطر القرآن الكريم علي مشاعر الاُمّة واحتوي تفاصيل حركتها وأغناها بالفكر الإلهي الجديد، وهذا الالتصاق والاعتزاز الفكري والحياتي دفع بالإنسان المسلم آنذاك لأن يتحدّي كل دخيل أو مُلابس للقرآن الكريم. كما تميّز القرآن دون غيره من الكتب السماوية بعامل حصانة غيبي باعتباره المعجزة الخالدة للرسالة الإسلامية الخاتمة، وذلك بتدخل يد القدرة الإلهية

في حفظه مادام نصاً معجزاً يتحدّي البشرية علي مدي القرون والأجيال. مضافاً للجهد الذي بذله الرسول(صلي الله عليه وآله) من هذه الناحية، من حيث الاهتمام بتلاوته وحفظه، وتدوينه، وقد كان(صلي الله عليه وآله) يعرض ما في صدره علي ما في صدور الحفظة الذين كانوا كثرة، وكان أصحاب المصاحف منهم يعرضون القرآن علي النبي(صلي الله عليه وآله) حتي تكللت جهوده بجمعه ضمن قراطيس وعلي الألواح والجلود وعسب النخيل من أوّله الي آخره. الي جانب إيكال أمر رعايته بشكل خاص الي أهل بيته وعترته الطاهرة من كل رجس ودنس. وقام المسلمون من بعد وفاة النبي(صلي الله عليه وآله) بأروع دور حيث أتقنوا حمايته وحراسته ورصدوا كلّ محاولة من شأنها المساس بنصّ القرآن الكريم كما هي قصة حذف الواو. وجاءت السنّة الشريفة بتواترها وبكثرة حثّها، لتؤكّد سلامة القرآن وتشهد علي سلامته من التحريف عن طريق تثبيتها لمرجعية القرآن الكريم ودعوتها الاُمّة وعلماءها الي ارجاع الروايات المشكوكة في صدورها ومضامينها الي القرآن الكريم، وعرضها علي نصوصه ومقارنتها بها إنطلاقاً من الإيمان بحاكميّته عليها. وبهذا لا يبقي مجال لحديث التحريف الذي زعم البعض وقوعه أو احتمل وقوعه في القرآن، والذي أصبح في نظر علماء الطائفتين من الأساطير الخرافية التي لا طائل من البحث ورائها. وقد صرّح بهذا عامّة علماء المدرستين قديماً وحديثاً وهاجموا كل من قال به، كما ذكرنا ذلك في طيّات البحث. والمتتبّع للموقف الإسلامي إزاء الروايات التي تنقلها كتب الحديث، والتي قد يفهم منها احتمال وقوع التحريف في القرآن يجد الموقف الإسلامي واضحاً تجاهها، فلا يؤمن بها إلاّ الاتجاه المتطرّف الذي يري صحّة صدور كل ما جاء في كتب الصحاح أو كل كتب الحديث غثّها وسمينها، وهذا الاتجاه

لا يتعامل بموضوعية مع كتب الحديث، كما هو منهج علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)بالنسبة لكل كتب الحديث والتي منها كتبهم التي اعتنوا بها أيّما اعتناء، فهو يدين هذه النصوص المرويّة تارةً من حيث أسنادها واُخري من حيث دلالتها علي التحريف. وبهذا يتّضح زيف الجهود القديمة والحديثة، الخفية منها والظاهرة، التي تقف وراء إثارة هذه الفتنة وإلصاقها بالمسلمين، أو ببعض مذاهبهم تحت شعار حفظ المذهب، أو الموضوعية في التحقيق في مجال تاريخ الإسلام والمسلمين. وصدق الله العظيم، حيث يقول: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) [237] . ومن جهة اُخري فلو تجاوزنا الفهم المحدود وفتّشنا بدقّة، لاتّضح لنا ضخامة الدور التاريخي الذي لعبته مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، في تطويرها للبحث القرآني وحمايته، انطلاقاً من الاُسس والقواعد التي خطّها الرسول(صلي الله عليه وآله)، وكيف تصدّت مدرستهم بوجه تلك التيارات، التي ولّدتها الظروف السياسية، وما جاءت به من مناهج وصيغ دخيلة لفهم القرآن، كالتي وظّفت النصّ القرآني لصالح بعض المذاهب الكلامية، أو الفلسفية المتطرفة، أو خدمة للسياسة الحاكمة.

پاورقي

[1] راجع نهج البلاغة: الخطبة رقم 198، صبحي الصالح.

[2] نهج البلاغة: الخطبة رقم 176.

[3] صحيح البخاري: 5/119.

[4] الأصنام للكلبي: 33.

[5] البداية والنهاية: 3/78 عن السيرة النبوية لابن هشام.

[6] الحجر: 9.

[7] التفسير الكبير: 19 / 160 _ 161، والميزان: 12 / 101 و 106، واظهار الحق: 2 / 33 و 32 / 90، الكشاف: 2 / 572، والبيان للخوئي: 225 و 226، مجمع البيان: 6/331، الجامع لأحكام القرآن: 1 / 48 و 84، ولباب التأويل للخازن: 3 / 89، ومدارك التنزيل للنسفي بهامشه: 3 / 189، تفسير القرآن العظيم: 2/547، البرهان للزركشي: 2/127، مناهل العرفان: 1/144، فواتح الرحموت، بهامش

المستصفي: 2 / 73، المحجة البيضاء: 2/263، أجوبة مسائل موسي جار الله: 31، مختصر التحفة الاثني عشرية: 32، الاحتجاج: 1/378 الهامش، عن كاشف الغطاء. اُصول السرخسي: 2/79، تاريخ بغداد: 2/209، آلاء الرحمن: 26، تفسير الصافي: 1/51.

[8] فصّلت: 41 _ 42.

[9] القيامة: 16 _ 19. [

[10] مجمع البيان للطبرسي: 10/219.

[11] سورة محمد: 24.

[12] راجع حقائق هامة حول القرآن الكريم، السيد جعفر مرتضي العاملي: 40.

[13] مجمع البيان: 1/85.

[14] مسند أحمد: 5/324، مستدرك الحاكم: 3/356.

[15] كنز العمال: 1 حديث 2280.

[16] المصدر السابق: 1 حديث 2417.

[17] كنز العمال: 1 حديث 2430.

[18] البرهان للزركشي: 1/546.

[19] مجمع الزوائد: 7/171.

[20] كنز العمال: 1 حديث 2262.

[21] المصدر السابق: 1 حديث 2407.

[22] الإتقان: 1 / 250.

[23] المستدرك: 2/611.

[24] النساء: 95.

[25] كنز العمال: 2، حديث 4340.

[26] المستدرك: 2/222، الجامع الصحيح للترمذي: 5/272، تاريخ اليعقوبي: 2/43، البرهان، الزركشي: 1/304، مسند أحمد: 1/57 و 68، تفسير القرطبي: 1/60.

[27] مجمع الزوائد: 1 / 152.

[28] صحيح البخاري: 6/319، مجمع الزوائد: 9/23، كنزل العمال 12: حديث 34214، نعم لم يرو هذا من طرقنا إلاّ فيما ذكره الشيخ المفيد في الارشاد: 181 وانّما عنه في إعلام الوري ومناقب آل أبي طالب وكشف الغمّة.

[29] البرهان للزركشي: 1/306.

[30] المعارف: 260.

[31] الاستيعاب: 3/992.

[32] الجامع لأحكام القرآن: 1/58.

[33] مجمع البيان: 1/84.

[34] سنن الدارمي: 2/471، سنن أبي داود: 2/54، الجامع الصحيح للترمذي: 5/196، مسند أحمد: 2/163.

[35] مجمع الزوائد: 7/171.

[36] الحديد: 1.

[37] طه: 1 و 2.

[38] الموسوعة القرآنية: 1/352. عن السيرة النبوية لابن هشام: 1/367 _ 370 وهو النص الوحيد عن كتابة قرآنية بمكة.

[39] مناهل العرفان: 1/236، الجامع لأحكام القرآن: 1/56، اُسد الغابة: 4/216، الجامع الصحيح: 5/666.

[40] طبقات ابن سعد 2: ق 2/113، فتح الباري: 9/48، مناهل

العرفان: 1/237، حياة الصحابة: 3/221.

[41] طبقات ابن سعد 2: ق 2/112، البرهان للزركشي: 1/305، الإصابة: 2/50، مجمع الزوائد: 9/312.

[42] المحبر: 286.

[43] الفهرست: 41.

[44] صحيح مسلم: 4/1873، سنن الترمذي: 5/662، سنن الدارمي: 2/431، مسند أحمد: 4/367 و 371 و 5/182، المستدرك: 3/148.

[45] مجمع الزوائد: 7/165، البرهان للزركشي: 1/545.

[46] كنز العمال: 1، حديث 2407.

[47] مجمع الزوائد: 9/371، حياة الصحابة: 3/244.

[48] كنز العمال 2: حديث 4792.

[49] نقلاً عن سلامة القرآن من التحريف / اصدار مركز الرسالة: 87 _ 95.

[50] الكافي: 1/69.

[51] راجع صيانة القرآن من التحريف، محمد هادي معرفة: 51.

[52] صحيح البخاري: 3/70، وتفسير الميزان: 12/124، ومباحث في علوم القرآن: 140 كلاهما نقلاً عن الاتقان: 1/60.

[53] التوبة: 34.

[54] الدر المنثور: 3/232، تفسير الميزان: 9/256.

[55] التوبة: 100.

[56] الدر المنثور: 3/269 عن أبي عبيدة في فضائله، وسنيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، وكنز العمال: 2/379 و380 و385 عن أكثر هؤلاء، وعن الحاكم وأبي الشيخ في تفسيره وتاريخ القرآن للزنجاني: 36 ومقدمة تفسير البرهان: 42 والتمهيد في علوم القرآن: 2/44 عن تفسير الطبري: 11/7.

[57] حقائق هامة حول القرآن الكريم، جعفر مرتضي العاملي: 44.

[58] الحج: 11.

[59] الكشاف: 3/146.

[60] التبيان للطوسي: 1/24، الإتقان للسيوطي: 4/210.

[61] التبيان للطوسي: 1/4.

[62] المائدة: 6.

[63] الإسراء: 88.

[64] اُنظر البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي: 215، وصيانة القرآن من التحريف، محمد هادي معرفة: 1، ودفاع عن الكافي، ثامر العميدي: 2/220.

[65] كتاب اعتقادات الإمامية المطبوع، مع شرح الباب الحادي عشر: 93 _ 94.

[66] أوائل المقالات في المذاهب المختارات: 55 _ 56.

[67] نقل هذا في مجمع البيان: 1/15، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضي.

[68] لسان الميزان: 4/223، ولا يخفي ما فيه من الخلط والغلط.

[69] التبيان في تفسير القرآن: 1/3.

[70] مجمع البيان:

1/15.

[71] سعد السعود: 192.

[72] سعد السعود: 267.

[73] أجوبة المسائل المهناوية: 121.

[74] الصراط المستقيم: 1/45.

[75] مباحث في علوم القرآن _ مخطوط. راجع شرح الوافية في علم الاُصول، نقل أكثر عباراته.

[76] آلاء الرحمن: 26.

[77] الوافي: 1 / 273 _ 274.

[78] الصافي في تفسير القرآن: 3 / 348.

[79] جاءت الرسالة بالفارسية مع ترجمتها العربية في الفصول المهمة لشرف الدين: 168.

[80] بحار الأنوار: 92/74.

[81] الفوائد في علم الاُصول مبحث حجية كتاب _ مخطوط.

[82] كشف الغطاء في الفقه، كتاب القرآن: 299.

[83] شرح الوافية في علم الاُصول، مخطوط.

[84] مفاتيح الاُصول، مبحث حجّية ظواهر الكتاب.

[85] تهذيب الاُصول: 2/165.

[86] البيان في تفسير القرآن، الخوئي: 259.

[87] القرآن مصون عن التحريف: 5، دار القرآن الكريم. وراجع للمزيد: صيانة القرآن من التحريف للمعرفة: 46 _ 70 والتحقيق في نفي التحريف للميلاني: 10 _ 26.

[88] مجمع البيان: 1/83.

[89] الفقه علي المذاهب الأربعة: 4/260.

[90] الفرقان: 163.

[91] النسخ في القرآن: 1/283.

[92] لأكون مع الصادقين: 168 _ 176.

[93] التحقيق في نفي التحريف: 312.

[94] تفسير المنار: 2/104 _ 105.

[95] اُنظر لسان الميزان: 2/117 _ 118 و 137 _ 138، ميزان الاعتدال: 1/413، كنز العمال: 1 / 198/1002، نظرية عدالة الصحابة: 20، الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية: 463 _ 514.

[96] آل عمران: 144.

[97] صحيح البخاري: 9/ 90و 26 _ 29، صحيح مسلم: 1/81 _ 118 _ 120 و 4/1796 / 32، مسند أحمد: 5/37 و44 و 49 و 73، سنن الترمذي: 4/486 / 2193، سنن أبي داود: 4/221 / 4686.

[98] التحقيق في نفي التحريف: 342.

[99] اعجاز القرآن: 44.

[100] الإتقان: 3/82، مسند أحمد: 5/132، المستدرك: 4/359، السنن الكبري: 8/211، تفسير القرطبي: 14/113، الكشاف: 3/518، مناهل العرفان: 2/111، الدر المنثور: 6/559.

[101]

الدر المنثور: 6/559.

[102] صحيح مسلم 2: 726 / 1050.

[103] مقدمتان في علوم القرآن: 85 _ 88.

[104] مسند أحمد: 5/219.

[105] مناهل العرفان: 1/257، روح المعاني: 1/25.

[106] مناهل العرفان: 1/264.

[107] السنن الكبري، البيهقي: 2/210، المصنف: 3/212.

[108] المستدرك: 4/359 و 360، مسند أحمد: 1/23 و 29 و 36 و 40 و 50، طبقات ابن سعد: 3/334، سنن الدارمي: 2/179.

[109] الاتقان: 3/206.

[110] البرهان للزركشي: 2/43.

[111] الناسخ والمنسوخ: 8.

[112] الإتقان: 3/84، كنز العمال: 2 حديث 4741.

[113] الموافقات للشاطبي: 3/106.

[114] مباحث في علوم القرآن: 237.

[115] إظهار الحق: 2/90.

[116] الأحكام للآمدي: 3/139، اُصول السرخسي: 2/67.

[117] اُنظر سلامة القرآن من التحريف، اصدار مركز الرسالة: 72.

[118] البرهان في علوم القرآن: 2/47.

[119] المصدر السابق: 2/43.

[120] مناهل العرفان: 2/112.

[121] التحقيق في نفي التحريف: 279، صيانة القرآن من التحريف: 30.

[122] مباحث في علوم القرآن: 265.

[123] فتح المنان: 229.

[124] الفقه علي المذاهب الأربعة: 4/260.

[125] الفرقان: 157.

[126] الاتقان: 2 / 320 _ 321.

[127] تاريخ القرآن للكردي: 65، التفسير الكبير: 11/105، تفسير النيسابوري: 6/23 المطبوع في هامش تفسير الطبري، تفسير الخازن: 1/422.

[128] روح المعاني: 6/13.

[129] اُنظر وفيات الأعيان: 1/319، ميزان الاعتدال: 3/93، المغني في الضعفاء: 2/84، الضعفاء الكبير: 3/373، طبقات ابن سعد: 5/287، تهذيب الكمال: 7/263.

[130] النور: 27.

[131] الإتقان: 2/327، لباب التأويل: 3/324، فتح الباري: 11/7.

[132] التفسير الكبير: 23/196.

[133] البحر المحيط: 6/445.

[134] النساء: 4/162.

[135] المائدة: 5/69.

[136] طه: 20/63.

[137] الاتقان: 2/320.

[138] الكشّاف 1/590، تفسير الآية 162 من سورة النساء.

[139] روح المعاني: 6/13.

[140] معاني القرآن: 1/310، مجمع البيان: 3/346، صيانة القرآن من التحريف: 183.

[141] تفسير المنار: 6/478.

[142] الكشاف: 3/72.

[143] التفسير الكبير: 22/75.

[144] البقرة: 259.

[145] المائدة: 48.

[146] يونس: 22.

[147] المصاحف: 49.

[148] اُنظر المغني: 2 / 326 _3037.

[149] البيان في تفسير القرآن: 219.

[150] الكافي:

8 / 125، ح95.

[151] بحار الأنوار: 45/8.

[152] الكافي 8: 53/16.

[153] البقرة: 23.

[154] الكافي: 1/ 417 ح 26.

[155] الأحزاب: 71.

[156] الكافي: 8 / 414.

[157] النساء: 47.

[158] تفسير نور الثقلين: 1/487 نقلاً عن اُصول الكافي.

[159] الوافي: 2/273.

[160] آلاء الرحمن: 1/26.

[161] البيان في تفسير القرآن: 230.

[162] النساء:59.

[163] الكافي: 1/ 286 ح1.

[164] الكافي: 2/ 627 ح 2.

[165] تفسير العياشي: 1/ 13 ح4.

[166] تفسير العياشي: 1 / 13 ح 6.

[167] الكافي 1: 228 / 1، بصائر الدرجات: 213 ح 2.

[168] الكافي: 1/ 228 ح2، بصائر الدرجات: 213 ح1.

[169] اُنظر مجمع الرجال: 4/257 و 6/139، رجال ابن داود: 281/516.

[170] المصدر السابق.

[171] التحقيق في نفي التحريف: 62.

[172] شرح الصحيفة السجادية: 401.

[173] نهج البلاغة: الخطبة الاُولي.

[174] شرح نهج البلاغة: 315 خ198.

[175] غرر الحكم: 7633 نقلاً.

[176] بحار الأنوار: 92/211.

[177] نهج البلاغة، الخطبة 198، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10/199.

[178] بحار الأنوار: 78/112.

[179] الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين: الدعاء 42.

[180] بحار الأنوار: 92/222.

[181] المصدر السابق: 92/20.

[182] أمالي الشيخ الصدوق: 545.

[183] بحار الأنوار: 92/27.

[184] بحار الأنوار: 92/110.

[185] الأمالي للشيخ الصدوق: 60، ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: 157.

[186] ثواب الأعمال: 125.

[187] جواهر الكلام: 9/400 _ 416.

[188] ثواب الأعمال: 130 _ 158.

[189] الاعتقادات للشيخ الصدوق: 93.

[190] الأمالي للشيخ الصدوق: 59 _ 60، الكافي: 2/448.

[191] الأمالي: 359.

[192] ثواب الأعمال: 146.

[193] عيون أخبار الرضا: 1/202.

[194] عيون أخبار الرضا: 2/57، الأمالي: 546.

[195] عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 2/130، الأمالي: 546.

[196] القرآن الكريم وروايات المدرستين، السيد مرتضي العسكري: 2/705.

[197] دائرة المعارف الإسلامية: 4/608.

[198] الشيعة والقرآن: 34.

[199] الوشيعة، موسي جارالله: 23، وقد تصدّي لأجوبة تلك الإتهامات الحاقدة، السيد ثامر العميدي في كتابه القيّم: (دفاع عن الكافي) فراجع: 2/248.

[200] الكهف: 103 _ 104.

[201] ابن أبي

الحديد: شرح نهج البلاغة: 4/63 ط القاهرة بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف.

[202] البقرة: 204، 205.

[203] البقرة: 207.

[204] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 4/63 ط القاهرة.

[205] الشوري: 38.

[206] الصافات: 96.

[207] الدكتور حجتي: مجلة الثقافة الإسلامية: 148، العدد 11/1407.

[208] إخوان الصفا: الرسائل: 1/91 باقتضاب ط مصر.

[209] الحاقة: 17.

[210] ابن سينا: تسع رسائل: 87 ط القسطنطينية.

[211] الفتح: 10.

[212] الرحمن: 27.

[213] طه: 5.

[214] القيامة: 23.

[215] طه: 121.

[216] الضحي: 7.

[217] يوسف: 24.

[218] البحار: 23/192 باب 10 ح15 ط ايران.

[219] بحار الأنوار: 26/173 باب 12 ح 43.

[220] المصدر السابق 43/182 ح 49.

[221] الصافات: 102.

[222] تفسير القرآن/ ابن عربي 2/166 ط بيروت.

[223] النساء: 56.

[224] تفسير القرآن، محيي الدين بن عربي: 1/152 ط بيروت.

[225] البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي: 505 ط بيروت.

[226] البحار: 3/223 باب 6 ح 14 ط ايران.

[227] وسائل الشيعة 18/19 ط طهران.

[228] حِمْير: بطن عظيم من القحطانية، ينتسب الي حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن ?قحطان، ومن بلاد حمير في اليمن، وأما أديان حمير فانتشرت اليهودية فيهم، وكانوا يعبدون الشمس، وكان لحمير بيت بصنعاء يقال له: رئام، يعظمونه، ويتقربون عنده بالذبائج. عن عمر رضا كحالة: معجم قبائل العرب 1/304 ط بيروت.

[229] المقدمة، ابن خلدون: 555 ط بيروت.

[230] معالم المدرستين، العسكري 2/48 ط طهران.

[231] العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن حنبل 2/521 ط المكتب الإسلامي.

[232] مختصر تاريخ دمشق، ابن منظور 5/307 ط دمشق.

[233] ميزان الاعتدال، الذهبي 4/352 ط حلب، أضواء علي السنّة المحمّدية، أبو رية: 149 _ 150 ط بيروت.

[234] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 15/282 ط القاهرة.

[235] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير 3/106 ط بيروت.

[236] أضواء علي السنّة المحمدية، ابو رية: 158 _ 159 ط بيروت.

[237]

سورة الحجر: 9.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.