الصوم في السفر

اشارة

مولف:مجمع العالمي لاهل البيت

مقدمة

من جملة ما تميّزت به مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) الفقهية قولها بوجوب الإفطار علي المسافر وعدم جواز الصوم بالنسبة له، واختاره من الصحابة عبدالرحمن بن عوف، وعمر وابنه عبدالله وأبو هريرة وعائشة وابن عباس، ومن التابعين سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة بن الزبير وشعبة والزهري والقاسم بن محمد بن أبي بكر ويونس بن عبيد وأصحابه، وعليه فقهاء الظاهرية [1] . بينما ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلي كون الإفطار بالنسبة إلي المسافر رخصة، فله أن يصوم وله أن يفطر، ثم اختلفوا في أن الأفضل له هل هو الصوم أم الإفطار؟ والتحقيق في المسألة يستلزم استعراض أدلة الطرفين ثم تقويمها، ولكننا قبل ذلك نطرح مقدمتين، نتناول في الاُولي المسألة من زاوية قرآنية، وفي الثانية المسألة من زاوية حديثية.

المسألة في ضوء القرآن

وقبل أن نطرح المسألة في ضوء الفقه والحديث لابد لنا أوّلاً من أن ندرس كتاب الله ونصوصه وآياته فيها، وهي قوله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب علي الذين من قبلكُم لعلّكم تتّقون - أيّاماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو علي سفر فعدّة من أيّام اُخر وعلي الذين يُطيقونه فِدية طعامُ مسكين فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون- شهر رمضان الذي اُنزل فيه القُرآن هُديً للناس وبيّنات من الهُدي والفُرقان فمن شهد منكم الشهر فليَصُمْهُ ومن كان مريضاً أو علي سفر فعدّة من أيّام اُخر يريد الله بكم اليُسر ولا يُريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله علي ما هداكم ولعلّكم تشكرون) [2] . ومحل الشاهد فيها قوله تعالي: (فَمن كان منكم مريضاً أو علي سفر فعدّة من أيّام اُخر) فإن هذه الآية تدل بظاهرها دلالة

واضحة وقطعية علي أن وظيفة المسافر هي الافطار ثم القضاء، فالآية بظاهرها تشهد للقول بالعزيمة وبطلان الرخصة، ولذا يجد القائلون بالرخصة أنفسهم بلا سند قرآني فيضطرون إلي تأويل الآية ودعوي وجود كلمة محذوفة مقدّرة حتّي يوفروا لأنفسهم سنداً قرآنياً. كما يشهد للقول بالعزيمة أيضاً قوله تعالي: (فمن شهد منكم الشهر فليَصُمْهُ) فإن مفهوم هذه العبارة هو: إن مَن لم يشهد الشهر وكان مسافراً فليفطر فيه؛ ولذا قال الإمام الصادق(عليه السلام) عن هذه الآية: «ما أبينها! مَن شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه» [3] . وقال السيد عبدالحسين شرف الدين وحسبنا حجة لوجوب الإفطار في السفر قوله تعالي: (فمن شهد منكم الشهر فليَصُمْهُ ومن كان مريضاً أو علي سفر فعدّة من أيّام اُخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فإنّ في الآية دلالة علي وجوب الإفطار من وجوه: أحدها: أن الأمر بالصوم في الآية إنّما هو متوجّه للحاضر دون المسافر، ولفظه كما تراه: فمن شهد منكم الشهر _ أي حضر في الشهر _ فليصمه وإذاً فالمسافر غير مأمور، فصومه إدخال في الدين ما ليس من الدين، تكلّفاً وابتداعاً. ثانيها: أنّ المفهوم من قوله تعالي: (فمن شهد منكم الشهر فليَصُمْهُ) أنّ من لم يحضر في الشهر لا يجب عليه الصوم، ومفهوم الشرط حجّة، كما هو مقرر في اُصول الفقه، وإذاً فالآية تدل علي عدم وجوب الصوم في السفر بكل منطوقها ومفهومها. ثالثها: أنّ قوله عزّ وجلّ: (ومن كان مريضاً أو علي سفر فعدّة من أيّام اُخر) تقديره فعليه عدّة من أيّام اُخر، هذا إذا قرأت الآية برفع عدّة، وإن قرأتها بالنصب، كان التقدير، فليصم عدّةً من أيّام اُخر؛ وعلي كلٍّ فالآية توجب صوم أيام اُخر،

وهذا يقتضي وجوب إفطار أيام السفر، إذ لا قائل بالجمع بين الصوم والقضاء؛ علي أنّ الجمع ينافي اليسر المدلول عليه بالآية. رابعها: قوله تعالي: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، واليسر هنا إنّما هو الإفطار، كما أنّ العسر هنا ليس إلاّ الصوم؛ وإذاً فمعني الآية يريد الله منكم الإفطار ولا يريد منكم الصوم [4] .

المسألة في ضوء السنة النبوية

وهكذا يتّضح من خلال دلالات آية الصوم أن القول بالعزيمة هو الرأي الطبيعي في المسألة، وأن القول بالرخصة أقل ما يقال فيه أنّه يحتاج إلي تكلّف، وأن دوران المسألة بين القولين دوران بين رأي طبيعي وآخر يحتاج إلي تكلّف واصطناع. هذا من الزاوية القرآنية. وإذا جئنا إلي السنّة النبوية وجدنا فيها طائفتين من الروايات، طائفة تؤيّد القول بالعزيمة، واُخري تؤيد القول بالرخصة، والموقف العلمي بشأنها يتم في مرحلتين: في المرحلة الاُولي تتم دراسة سند ودلالة كل حديث من أحاديث الطائفتين، وفي ضوء هذه الدراسة؛ فإن اتّضح ما إذا كان الصواب مع القول بالعزيمة أم مع القول بالرخصة، وزال التعارض بين الطائفتين بانتصار احداهما علي الاُخري، يكون المطلوب قد تحقق. وإن لم يتحقق ذلك وظلّ التعارض بين الطائفتين مستحكماً بين طرفين يتمتع كل منهما بقوة سندية ودلالية كافية انتقلنا إلي المرحلة الثانية. وفي المرحلة الثانية نعود إلي القرآن الكريم كحَكَم له كلمة الفصل، وكمرجع نعرض عليه ما وصلنا من أحاديث الرسول(صلي الله عليه وآله)فنأخذ بما وافقه منها ونترك ما خالفه منها طبقاً للأحاديث الصحيحة الواردة عنه(صلي الله عليه وآله) التي تأمرنا بعرض الأحاديث علي الكتاب والأخذ بما وافقه وترك ما خالفه، والتي يعبر عنها الاُصوليون بقاعدة العرض علي الكتاب في بحوث التعادل والتراجيح. وبعد هاتين المقدمتين ننظر في

أدلة القائلين بالرخصة.

نظرة الي أدلة القائلين بالرخصة

استدلّ القائلون بالرخصة بأدلة عديدة ننقلها عن كتاب المجموع للنووي حيث كتب يقول: واحتج أصحابنا بحديث عائشة أن حمزة بن عمرو قال للنبي(صلي الله عليه وآله): أصوم في السفر؟ قال: «إن شئت فصم وإن شئت فافطر»، رواه البخاري [5] ومسلم [6] . وعن حمزة بن عمرو أنه قال: يا رسول الله! أجد بي قوة علي الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «هي رخصة من الله تعالي فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» رواه مسلم [7] . وعن أبي الدرداءقال: خرجنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) في شهر رمضان في حرٍّ شديد ما فينا صائم إلاّ رسول الله(صلي الله عليه وآله)وعبدالله بن رواحة. رواه البخاري [8] ومسلم [9] . وعن أنس قال: كنّا نسافر مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) فلا يعيب الصائم علي المفطر ولا المفطر علي الصائم. رواه البخاري [10] ومسلم [11] . وعن أبي سعيد الخدري وجابر _ رضي الله عنهما _ قالا: سافرنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) فيصوم الصائم ويفطر المفطر ولا يعيب بعضهم علي بعض. رواه مسلم [12] . وعن أبي سعيد الخدريقال: كنا نغزو مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) في رمضان فمنّا الصائم ومنّا المفطر فلا يجد الصائم علي المفطر ولا المفطر علي الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن، رواه مسلم [13] . وعن أبي سعيد أيضاً قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «من صام يوماً في سبيل الله عزّ وجلّ باعد الله وجهه عن النار سبعين

خريفاً» رواه البخاري [14] وابن ماجة [15] . وعن ابن عباس(رضي الله عنه)قال: سافر رسول الله(صلي الله عليه وآله) في رمضان فصام حتّي بلغ عسفان، ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهاراً ليراه الناس فأفطر حتّي قدم مكّة، فكان ابن عباس يقول: صام رسول الله(صلي الله عليه وآله)في السفر وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر. رواه البخاري [16] . وعن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله(صلي الله عليه وآله)في عمرة في رمضان فأفطر رسول الله(صلي الله عليه وآله)وصمت وقصّر وأتممت، فقلت: بأبي واُمي أفطرت وصمت وقصّرت وأتممت؟ فقال: أحسنت يا عائشة. رواه الدارقطني [17] . وقال: اسناده حسن، وقد سبق بيانه في صلاة المسافر وفي المسألة أحاديث كثيرة صحيحة سوي ما ذكرته [18] . ولأجل اعتمادهم علي هذه الروايات كأدلة لمذهبهم، وأصل يعتمدون عليه في الاستنباط اضطروا إلي تأويل الأدلّة المعارضة، فقالوا عن آية الصوم: إنّ فيها كلاماً مقدراً محذوفاً، وأن أصلها: «فمن كان منكم مريضاً أو علي سفر فأفطر فعدّة من أيام اُخر» فحذفت كلمة فأفطر من الآية. وقالوا عن الأحاديث المعارضة: إنها محمولة علي من يتضرر بالصوم [19] . ويناقش دليل القائلين بالرخصة أولاً بأنّ التأويل الذي اعتمدوا عليه يخضع لضوابط معروفة، ولا يُصار إليه بنحو عفوي لئلاّ يقع التحريف في الدين، وتنطمس حقائقه، وتتميع معالمه بحيث تتقبل معان متعددة متضادة. واُولي هذه الضوابط أن الأصل عدم التأويل ولا يصار إليه إلاّ لأسباب كافية، وعند وجود قرائن دالّة علي الاحتياج إليه. وإذا جئنا إلي آية الصوم وجدناها غنية عن التأويل، وليس فيها ما يدل علي محذوف في الكلام حتّي نقدّر وجوده تقديراً. ثم علي فرض أنّ هناك مقدّراً محذوفاً، فإن التقدير لا

يجعل الآية دالة علي الرخصة، فإن عبارة: (فمن كان مريضاً أو علي سفر _ فأفطر _ فعدّة من أيّام اُخر) لا تدل علي الرخصة في الإفطار دلالة حتمية حتّي يكون التقدير مساعداً للقول بالرخصة، فربّما كان غرض الآية أن تقول: إن المسافر الذي تقيّد بلزوم الإفطار عليه فأفطر لا تسقط عنه الفريضة بالمرّة، وإنّما عليه القضاء بعد انقضاء شهر رمضان، بمعني أنّه لا يكفي أن نقدّر كلمة «فأفطر» حتّي نقول: إن الآية دالة علي الرخصة، إذ قد يكون إفطاره لأجل تقيّده بوجوب الإفطار عليه، وقد يكون لأجل الرخصة في ذلك، وما دام الأمر مردداً بين الاحتمالين لا يكون التقدير بكلمة «فأفطر» مساعداً علي القول بالرخصة. قال العلاّمة الطباطبائي: «وقد قال قوم _ وهم المعظم من علماء أهل السنّة والجماعة _: إن المدلول عليه بقوله تعالي: (فَمن كان منكم مريضاً أو علي سفر فعدّة من أيّام اُخر)، هو الرخصة دون العزيمة، فالمريض والمسافر مخيران بين الصيام والإفطار، وقد عرفت أن ظاهر قوله تعالي: (فعدّة من أيّام اُخر) هو عزيمة الإفطار دون الرخصة، وهو المروي عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وهو مذهب جمع من الصحابة كعبدالرحمن بن عوف، وعمر بن الخطاب، وعبدالله بن عمر، وأبي هريرة، وعروة بن الزبير، فهم محجوجون، بقوله تعالي: (فعدّة من أيام اُخر). وقد قدّروا لذلك في الآية تقديراً فقالوا: إن التقدير فمن كان مريضاً أو علي سفر فأفطر فعدة من أيام اُخر. ويرد عليه أولاً: أن التقدير _ كما صرحوا به _ خلاف الظاهر لا يصار إليه بقرينة ولا قرينة من نفس الكلام عليه. وثانياً: أن الكلام علي تقدير تسليم التقدير لا يدل علي الرخصة، فإن المقام _ كما ذكروه _ مقام

التشريع، وقولنا: فمن كان مريضاً أو علي سفر فأفطر غاية ما يدل عليه أن الإفطار لا يقع معصية بل جائزاً بالجواز بالمعني الأعم من الوجوب والاستحباب والإباحة، وأما كونه جائزاً بمعني عدم كونه إلزامياً فلا دليل عليه من الكلام البتة بل الدليل علي خلافه، فإن بناء الكلام في مقام التشريع علي عدم بيان ما يجب بيانه لا يليق بالمشرّع الحكيم وهو ظاهر» [20] . وقال العلاّمة الحلّي في ذيل الآية «إنّ التفصيل قاطع للشركة فكما أن الحاضر يلزمه الصوم فرضاً لازماً، كذا المسافر يلزمه القضاء فرضاً مضيقاً، وإذا وجب عليه القضاء مطلقاً سقط عنه فرض الصوم» [21] . وهكذا يتّضح: 1 _ إن حمل الآية علي الحقيقة هو الأصل، بحيث لا يصل المجال إلي المجاز والتأويل والتقدير إلاّ استثناءاً واضطراراً، ولا اضطرار هنا ولا استثناء، كما اتّضح أن التأويل لا يغير من معني الآية. 2 _ إنّ الآية إن حملت علي الحقيقة دلّت علي لزوم الإفطار بالنسبة إلي المسافر، وإن حملت علي المجاز وقُدِّر لها كلام محذوف لا تدل علي القول بالرخصة، وستكون غاية دلالتها هو الاجمال، فإن المسافر المفطر في مفروض الآية قد يكون مفطراً لأجل لزوم الإفطار عليه وقد يكون مفطراً لأجل رخصة الإفطار له، وليس هناك قرينة تقطع الترديد وتوقفنا علي احتمال دون آخر، فتصبح الآية مردّدة بين التعيين والإجمال، والإجمال دون نصب قرينة علي تعيين أو ترجيح المراد قبيح من المتكلم الحكيم، فلابد من حمل الآية علي الحقيقة، لأنها هي الأصل، ولأن التأويل يؤدي بنا إلي الاجمال وهو قبيح. ثم إن القائلين بالرخصة تمسكوا بقوله تعالي: (وأن تصوموا خير لكم) ببيان أن المخاطب المتناسب معها لابد وأن يكون فرداً معذوراً عن

الصوم ومرخصاً باتيانه في الوقت نفسه حتّي يصح مخاطبته ب_ (وأن تصوموا خير لكم) ولو لم يكن مرخصاً في ذلك لا معني لأن يقال له هذا الكلام. وردّ ابن حزم علي هذه المحاولة بشدّة، إذ كتب يقول: أما قوله تعالي: (وأن تصوموا خير لكم)، فقد أتي كبيرة من الكبائر وكذب كذباً فاحشاً من احتجّ بها في إباحة الصوم في السفر، لأنه حرّف كلام الله تعالي عن موضعه _ نعوذ بالله من مثل هذا_، وهذا عار لا يرضي به محقّق، لأن نص الآية: (كُتب عليكم الصيام كما كُتب علي الذين من قبلكُم لعلّكم تتّقون - أيّاماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو علي سفر فعدّة من أيّام اُخر وعلي الذين يُطيقونه فِدية طعامُ مسكين فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم)، وإنّما نزلت هذه الآية في حال الصوم المنسوخة، وذلك أنّه كان الحكم في أوّل نزول صوم رمضان إن من شاء صامه ومن شاء أفطره وأطعم مكان كل يوم مسكيناً وكان الصوم أفضل، هذا نص الآية، وليس للسفر فيها مدخل أصلاً، ولا للإطعام مدخل في الفطر في السفر أصلاً، فكيف استجازوا هذه الطامة؟ وبهذا جاءت السنن [22] . فقد أورد البخاري في صحيحه باباً باسم: «وعلي الذين يُطيقونه فِدية» ونقل عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع أن هذه الآية نسختها الآية التي بعدها وهي: (شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن هدي للناس وبيّنات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم...)، ثم نقل عن نمير في الباب نفسه عن الأعمش عن عمرو بن مرّة عن ابن أبي ليلي أن أصحاب النبي(صلي الله عليه وآله) حدثوه أن حكم الصوم في رمضان لما نزل علي المسلمين شقّ

عليهم ذلك فرخّص لهم في تركه علي أن يطعموا مسكيناً بدل كل يوم يفطرون فيه، ثم نسخ هذا الترخيص بقوله تعالي في ذيل الآية: (وأن تصوموا خيرٌ لكم) فاُمروا بالصوم [23] . وحتّي لو لم نقل بالنسخ فإن الاستدلال بها علي الترخيص لا يتم، وفي ذلك كتب العلاّمة الطباطبائي يقول: قوله تعالي: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) جملة متمّمة لسابقتها، والمعني بحسب التقدير _ كما مر _: تطوّعوا بالصوم المكتوب عليكم فإن التطوّع بالخير خير والصوم خير لكم فالتطوّع به خير علي خير. وربما يقال: إنّ الجملة، أعني قوله: (وأن تصوموا خير لكم) خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة، فإنّ ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك فيناسب الاستحباب دون الوجوب، ويحمل علي رجحان الصوم واستحبابه علي أصحاب الرخصة من المريض والمسافر، فيستحب عليهم اختيار الصوم علي الإفطار والقضاء. ويرد عليه عدم الدليل عليه أوّلاً، واختلاف الجملتين، أعني قوله: (فمن كان منكم... إلخ)وقوله: (وأن تصوموا خير لكم... الخ)، بالغيبة والخطاب ثانياً، وأ نّ الجملة الاُولي مسوقة لبيان الترخيص والتخيير، بل ظاهر قوله: (فعدّة من أيّام اُخر) تعيّن الصوم في أيام اُخر كما مرّ ثالثاً، وإنّ الجملة الاُولي علي تقدير ورودها لبيان الترخيص في حقّ المعذور لم تذكر الصوم والافطار حتّي يكون قوله: (وأن تصوموا خير لكم) بياناً لأحد طرفي التخيير، بل إنّما ذكرت صوم شهر رمضان وصوم عدّة من أيام اُخر، وحينئذ لا سبيل إلي استفادة ترجيح صوم شهر رمضان علي صوم غيره من مجرد قوله: (وأن تصوموا خير لكم) من غير قرينة ظاهرة رابعاً، وأنّ المقام ليس مقام بيان الحكم حتّي ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبياً، بل المقام

_ كما مر سابقاً _ مقام ملاك التشريع، وأنّ الحكم المشرّع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن كما في قوله: (فتوبوا إلي بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم) [24] وقوله تعالي:(... فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم) [25] وقوله تعالي: (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون) [26] والآيات من ذلك كثيرة خامساً [27] . هذا تمام الكلام في ردّ دليلهم القرآني علي الترخيص، أما أدلتهم عليه من السنّة النبوية التي ذكرناها آنفاً فنأتي عليها واحداً بعد الآخر. أما حديث عائشة بأن النبي(صلي الله عليه وآله) قال لحمزة بن عمرو في جواب سؤاله عن الصوم في السفر: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» فيرد عليه ما يلي: أوّلاً: بأن الحديث لم ترد فيه اشارة إلي صيام شهر رمضان، وكذا الأمر في سؤال السائل، فلعلّ السائل كان يسأل عن صيام منذور أو مستحب وكانت هناك قرائن حالية تفيد ذلك، فأجابه النبي(صلي الله عليه وآله)بالترخيص، فان محل البحث عندنا ليس مطلق الصوم وإنّما صوم شهر رمضان، والحديث خال من القيد تماماً. وثانياً: إن تمسّكوا بإطلاق الحديث وشموله لكل صوم، ومنه صوم شهر رمضان، فجوابنا أن هذا الاطلاق يُعمل به في كل ما لم يدل الدليل علي استثناءه، وقد دلّت الآية _ كما مضي _ علي عدم جواز الصوم في شهر رمضان بالنسبة إلي المسافر، وستأتي دلالة الأحاديث النبوية الكثيرة عليه، فإطلاق الحديث لصوم شهر رمضان، يعارضه ظهور الآية وصريح أحاديث نبوية كثيرة فنرفع اليد عنه في هذا المورد، ويبقي الباقي مشمولاً له. وثالثاً: قد ورد في صحيح البخاري ما يدل علي أن السائل لا يقصد شهر

رمضان، ذلك أن عائشة وصفت السائل وهو حمزة بن عمرو بأنه كان كثير الصيام، وهذا الوصف لا يُذكر لمن يصوم شهر رمضان وإنّما لمن يأتي الصيام المستحب. والحديث الثاني مروي عنه أيضاً: فانّه سأل النبي(صلي الله عليه وآله) قائلاً: يا رسول الله أجد بي قوّة علي الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال الرسول(صلي الله عليه وآله): «هي رخصة من الله تعالي فمن أخذ بها فحسن ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه». وهو خال أيضاً من الإشارة إلي شهر رمضان، ولما كان السائل معروفاً بكثرة الصيام فلعلّه كان يسأل عن الصوم المستحب في السفر. وهو خارج عن محل الكلام. يضاف إلي ذلك أن ابن حزم قد ضعّف محمد بن حمزة الذي نقل الحديث عن أبيه [28] . والحديث الثالث المروي عن أبي الدرداء أ نّه قال: خرجنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) في شهر رمضان في حرّ شديد ما فينا صائم إلاّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) وعبدالله بن رواحة، هو الآخر يحتمل فيه أن يكون صيام النبي(صلي الله عليه وآله) وعبدالله بن رواحة كان نذراً معيناً، ومادام هذا الاحتمال موجوداً فيه ليس بوسع أحد الاستدلال به علي جواز ايقاع صيام شهر رمضان في السفر. والحديث الرابع والخامس مرويان عن أنس وجابر بن عبدالله ومضمونهما أن أصحاب الرسول(صلي الله عليه وآله) كانوا يصاحبونه في أسفاره منهم الصائم ومنهم المفطر فلا الصائم يعيب علي المفطر ولا المفطر يعيب علي الصائم، وليس فيهما ما يدل علي أن الصيام كان لأجل شهر رمضان، فلعلّ الصائم منهم كان لأجل نذر أو تطوع. ومن الطبيعي أن لا يعيب أحد علي أحد ما دام الرسول(صلي الله عليه وآله)بينهم وهو

الذي يبيّن أحكام الله سبحانه وتعالي لهم، فعدم التعييب لا يدل علي اجماع من الصحابة، وعلي فرض دلالته علي ذلك، فالاجماع لا قيمة له مع وجود النبي(صلي الله عليه وآله)، فإذا كان هناك من دليل فهو سكوت النبي(صلي الله عليه وآله)وامضاءه لعملهم، ولكن من أين يتأتي لنا إثبات أن صيامهم كان بنيّة أداء شهر رمضان حتّي نقول إن سكوت النبي(صلي الله عليه وآله) عنهم يدل علي شرعية عملهم هذا؟ والحديث السادس يرويه أبو سعيد الخدري بقوله: «كنا نغزو مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) في رمضان فمنّا الصائم ومنّا المفطر فلا يجد الصائم علي المفطر ولا المفطر علي الصائم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن». والظاهر من الحديث أن الراوي بصدد بيان عمل بعض الصحابة، وليست هناك اشارة تدل علي أن النبي(صلي الله عليه وآله) قد اطّلع علي وجود صائمين في عسكره حتّي يكون سكوته عنهم دليلاً علي امضاء عملهم من قبله، وعملهم بحد ذاته لا حجّة فيه ولا يُعد اجماعاً ودليلاً ما دام النبي(صلي الله عليه وآله)موجوداً بينهم، وممّا يدل علي أن الراوي منصرف إلي بيان عمل من كان معهم من الصحابة وما كان يدور في ذهنهم قوله: «يرون _ أي الصحابة _ إن من وجد قوّة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن». وكلام الراوي خال تماماً من أدني اشارة تدل علي أن الراوي كان يقصد بيان موقف النبي(صلي الله عليه وآله)، أو أن الصحابة كانوا بصدد عرض عملهم علي النبي(صلي الله عليه وآله)، وغاية ما في كلام الراوي بيان رؤية بعض الصحابة لمسألة الصوم

في السفر، وقد اتّضح أن هذه الرؤية ليست دليلاً شرعياً يصح الاحتجاج به. والحديث السابع أغرب ما في الباب، إذ يقول الراوي _ وهو أبو سعيد الخدري أيضاً_: ان رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: «من صام يوماً في سبيل الله عزّ وجلّ باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً». فأي دلالة لهذا الكلام علي مسألة الصوم الواجب في السفر؟ فإن الاستحباب طافح فيه، ومؤدّاه الحث علي الصوم المستحب، وهو منصرف عن بيان التفاصيل، ومنها مسألة الصوم في السفر فضلاً عن صوم شهر رمضان في السفر. والحديث الثامن مروي عن ابن عباس، فانه قال: «سافر رسول الله(صلي الله عليه وآله) في رمضان فصام حتّي بلغ عسفان، ثم دعا باناء من ماء فشرب نهاراً ليراه الناس فأفطر حتّي قدم مكة، فكان ابن عباس يقول: صام رسول الله(صلي الله عليه وآله) في السفر وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر». أما كلام ابن عباس الأول الذي فيه حكاية صيام النبي(صلي الله عليه وآله)حتّي بلوغه عسفان فكان الأولي بالنووي أن لا يذكره، لأنه علي حرمة الصيام في السفر أدلُّ منه علي جوازه فيه، لما فيه أن الرسول(صلي الله عليه وآله)دعا بماء فأفطر في منتصف النهار وبحالة كان يقصد منها بيان ذلك للناس، فإن صيام الرسول(صلي الله عليه وآله) في أول الأمر ثم افطاره نهاراً وتأكيده علي أن يراه الناس وهو يشرب الماء دليل واضح علي أن النبي(صلي الله عليه وآله)كان بصدد النهي عن الصيام للمسافر في شهر رمضان، ولو كان(صلي الله عليه وآله)قد أفطر في يوم من سفره وصام في يوم آخر منه لكان للقائلين بالرخصة وجه، لكنه لم يفعل ذلك. وأما كلامه الثاني المنقول عنه: أن الرسول

صام في السفر وأفطر، فإن كان ابن عباس ناظراً في كلامه هذا إلي الحادثة المذكورة، فقد اتّضح أن هذه الحادثة لا تدل علي الرخصة والتخيير بالنسبة لمن أراد الصيام في أداء شهر رمضان، بل هي علي المنع وتحريم الصيام أدلّ، وإن لم يكن ناظراً إلي هذه الحادثة وكان ناظراً إلي مجموع سيرة النبي(صلي الله عليه وآله) في هذا الموضوع، فكلامه لا يدل علي الرخصة في صوم رمضان بالنسبة إلي المسافر، وإنّما يدل علي جواز الصوم بالنسبة إلي المسافر، وهذا في الجملة لا نقاش فيه، إنّما البحث والنقاش كلّه في خصوص صيام شهر رمضان الذي قام الدليل من الكتاب والسنّة علي استثنائه، فعلي مدعي الرخصة أن يثبت شمولها لصيام شهر رمضان وعدم ورود استثناء بشأنه، وهذا ما لم يثبت، وكلام ابن عباس الثاني لا وجه للاستدلال به عليه. يضاف إلي ذلك كلّه ما سيأتي من أن ابن عباس قد وردت عنه رواية تفيد نسخ رخصة الصوم في السفر. والحديث التاسع المروي عن عائشة أنّها قالت: «خرجت مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصّر وأتممت فقلت: يا رسول الله بأبي أنت واُمي أفطرت وصمت وقصّرت وأتممت؟ فقال(صلي الله عليه وآله): أحسنت يا عائشة». قال ابن قدامة في المغني: رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وهذا صريح في الحكم. غير أن الذي يطالع المسند المذكور وروايات عائشة المذكورة فيها لا يجد فيها هذه الرواية، نعم رواها الدارقطني في سننه تارة عن الأسود واُخري عن ابنه عبدالرحمن [29] . وجوابنا علي الاستدلال بهذا الحديث أن الامرأة التي تصرّح بمخالفتها للرسول(صلي الله عليه وآله)، وعدم متابعتها له في أعزّ المسائل الدينية وهي مسائل الصلاة والصوم،

كيف يُعتمد علي روايتها للسنّة النبوية؟ فهي تصرّح بأن النبي قد أفطر وقصّر وأ نّها لم تتابعه في إفطاره ولا تقصيره، بل مضت في صيامها وإتمامها للصلاة، وبعد ذلك سألته عن عملها المخالف لعمله(صلي الله عليه وآله)، والمفروض أ نّها إما أن تتابعه بلا سؤال، أو تسأله قبل العمل، ولا معني لأن تراه في افطار وتقصير، وتخالفه في الحالتين، ثم تسأله بعد فوات الأوان عن عملها. ولأجل ما يستلزمه هذا الحديث من نسبة النقص إلي شخصية عائشة، قال ابن القيّم الجوزية: «سمعت من شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث كذب علي عائشة،ولم تكن عائشة تصلّي بخلاف صلاة رسول الله(صلي الله عليه وآله) وسائر الصحابة، وهي تشاهدهم يقصّرون ثم تتم هي وحدها بلا موجب... الخ» [30] . ثم التفت ابن القيّم الجوزية إلي نقض آخر يرد علي حديث عائشة، وهو تناقض هذا الحديث مع حديث آخر مروي عنها ذكرناه آنفاً، وهو: أن الصلاة فرضت ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر، فقال ابن القيّم: «كيف وهي القائلة: فرضت الصلاة ركعتين، فزيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر، فكيف يظنّ أ نّها تزيد علي ما فرض الله وتخالف رسول الله(صلي الله عليه وآله)وأصحابه؟! قال الزهري لعروة لما حدّثه عن أبيه عنها بذلك: فما شأنها تتم الصلاة؟ فقال: تأوّلت كما تأوّل عثمان، فإذا كان النبي(صلي الله عليه وآله) قد حسّن فعلها وأقرّ ها عليه، فما للتأويل حينئذ من وجه، ولا يصح أن يضاف إتمامها إلي التأويل علي هذا التقدير» [31] . وممّا يشهد لعدم صحة الحديث أن أصحاب السنن والسيَر ينفون وجود عمرة للرسول(صلي الله عليه وآله)في شهر رمضان، ويؤ كّدون أ نّه(صلي الله عليه وآله)

قد اعتمر في حياته ثلاث مرات في ذي القعدة ومرة اُخري كانت مقرونة مع الحج في ذي الحجة، وهي التي في حجة الوداع، ذكر ذلك صاحب السيرة الحلبية وأكده بأخبار نقلها عن صحيح البخاري وصحيح مسلم، منها خبر عن عائشة، كما نقل عن ابن القيّم، أن خبر عائشة في عمرة شهر رمضان خطأ نُسب إليها [32] . واضافة إلي ما ذكره النووي من أحاديث، استدلّ فقهاء المذاهب الأربعة بأحاديث اُخري منها الحديث المروي عن عائشة: إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) كان يتم في السفر ويقصر [33] . أورده الدارقطني في سننه بثلاثة أسانيد: الأوّل والثالث منها ضعيفان عنده، والثاني بسند صحيح عنده [34] . ويرد عليه _ وعلي سابقه أيضاً _ أ نّه مخالف لعمل الصحابة، ومعارض للسيرة النبوية الثابتة علي القصر في السفر بعشرات الأدلة المذكورة سابقاً، ومنها أحاديث روتها عائشة نفسها، وحينما يدور الأمر بين طرح حديث واحد وعشرات الأحاديث المعارضة له، لا يمكننا إلاّ العمل بالأحاديث الكثيرة وطرح الحديث الواحد. بل إن بعض أعلام السنّة قد صرّح بأنّ هذا الحديث غير صحيح. قال ابن القيّم بعد أن ذكر الحديث: فلا يصح. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب علي رسول الله(صلي الله عليه وآله). وقد روي «كان يقصّر وتتم» الأوّل بالياء آخر الحروف والثاني بالتاء المثناة من فوق. وكذلك «يفطر وتصوم» أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين. قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل ما كانت اُم المؤمنين لتخالف رسول الله(صلي الله عليه وآله) وجميع أصحابه فتصلّي خلاف صلاتهم. كيف والصحيح عنها أنّ الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين، فلمّا هاجر رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلي المدينة زيد في الحضر واُقرّت

صلاة السفر فكيف يظن بها _ مع ذلك _ أن تصلّي بخلاف صلاة النبي(صلي الله عليه وآله)والمسلمين معه. قلت: وقد أتمت عائشة بعد موت النبي(صلي الله عليه وآله). قال ابن عباس وغيره: إنّها تأوّلت كما تأ وّل عثمان، وإنّ النبي(صلي الله عليه وآله)كان يقصر دائماً، فركّب بعض الرواة من الحديثين حديثاً، وقال: فكان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقصّر وتتم هي. فغلط بعض الرواة فقال كان يقصر ويتم، أي هو [35] . ونقل الشوكاني استنكار الإمام أحمد لهذا الحديث واستبعاد صحته باعتبار أن عائشة كانت تتم الصلاة [36] . هذه هي الأحاديث التي احتجّ بها القائلون بالرخصة، وقد اتّضح عدم صحة الاستدلال بكل واحد منها لاثبات الرخصة بالنسبة إلي صيام المسافر في شهر رمضان. واضافة إلي إبطال كل واحدة منها بما مضي، يرد عليها جميعاً أ نّها معارضة بآية الصوم، وبأحاديث كثيرة ستأتي دلّت علي بطلان الصوم في السفر. ولو فرض تساوي الطائفتين من الروايات في السند والدلالة فإن طائفة الترخيص قابلة للحمل علي النسخ بطائفة المنع عن صيام شهر رمضان في السفر، لما ورد في صحيح مسلم بسنده عن ابن عباس: أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) خرج عام الفتح في رمضان فصام حتّي بلغ الكديد، ثم أفطر، قال: وكان صحابة رسول الله(صلي الله عليه وآله) يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره [37] . والأخير من أمره(صلي الله عليه وآله) هو الأمر بالإفطار لما رواه مسلم بسنده عن الزهري قال: وكان الفطر آخر الأمرين، وإنّما يؤخذ من أمر رسول الله(صلي الله عليه وآله) بالآخر فالآخر [38] . وبسنده عن ابن شهاب قال: فكانوا يتبعون الأحدث من أمره ويرونه الناسخ المحكم [39] . هذا كلّه في

المرحلة الاُولي من فقه المسألة في ضوء الأحاديث النبوية، ولو فرض استحكام التعارض بين الطائفتين، وعدم وجود مزية لطائفة المنع علي طائفة الترخيص، انتقل الأمر إلي المرحلة الثانية، وهي تساقط الطائفتين وعدم الاحتجاج بأي منهما والرجوع إلي القرآن الكريم، وقد مرّ أن آية الصوم ظاهرة في المنع عن صيام شهر رمضان بالنسبة إلي المسافر، بدليل أن القائلين بالترخيص احتاجوا إلي تأويل وتقدير كلمة محذوفة فيها، والأصل عدم التأويل والتقدير، ومادامت الآية دالّة علي حكم ما بلا تأويل فالأصل العمل بهذا الحكم، وليست هناك ضرورة تضطرنا إلي التقدير والتأوّل.

ادلة القائلين بالعزيمة

اتّضح ممّا سبق أن أوّل دليل يعتمد عليه القائلون بالعزيمة هو آية الصوم، وقد مرّ بيانه فلا نعيد. ولهم أدلّة عديدة يعتمدون عليها من السنّة النبوية، منها: كما في صحيح مسلم: أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) خرج عام الفتح إلي مكة في رمضان، فصام حتّي بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتّي نظر الناس إليه، ثم شرب فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال(صلي الله عليه وآله): «اُولئك العُصاة، اُولئك العُصاة» [40] . وأخرج عن جابر أيضاً قال: كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) في سفر، فرأي رجلاً قد اجتمع الناس عليه، وقد ظلّل عليه فقال: ماله؟! فقالوا: صائم، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «ليس من البرّ أن تصوموا في السفر» [41] . وروي ابن ماجة عن عبدالرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر» [42] . وروي أيضاً عن أنس بن مالك، أن رجلاً من بني عبدالأشهل قال: أغارت علينا خيل رسول الله(صلي الله عليه وآله)،

فأتيت رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهو يتغدي فقال: «اُدنُ فَكُلْ» قلت: إنّي صائم. قال: «اجلس اُحدّثك عن الصوم أو الصيام. إنّ الله عزّ وجلّ وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع، الصوم أو الصيام». ثم أردف الرجل قائلاً: والله لقد قالها النبي(صلي الله عليه وآله)كلتاهما أو إحداهما. فيالهف نفسي. فهلاّ كنت طعمت من طعام رسول الله(صلي الله عليه وآله) [43] . وعلي هذا جملة من الصحابة والتابعين، فضلاً عن إجماع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ومذهب داود بن علي الاصفهاني وأصحابه من الظاهرية. فقد روي أ نّ دحية الكلبي خرج من قرية من دمشق إلي قدر ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنّه أفطر وأفطر معه اُناس وكره آخرون أن يفطروا، فلمّا رجع إلي قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمراً ما كنتُ أظن أ نّي أراه، إنّ قوماً رغبوا عن هدي رسول الله(صلي الله عليه وآله)يقول ذلك للذين صاموا قبل، رواه أبو داود [44] . يا تُري! فهل يمكن أن يتعجب مثل دحية الكلبي عن قوم لم يفعلوا شيئاً إلاّ أ نّهم أخذوا بالرخصة في الصوم سفراً؟ فتعجّبه وتأوّهه هذا ينبئ عن أ نّهم كانوا مخالفين لسنّة الرسول(صلي الله عليه وآله)، وهذا يعرب عن أنّ الإفطار كان هو السائد علي الأوساط الإسلامية ولو كان أمراً جائزاً لما كان لتعجبه وجه. ونقل الخطابي في أعلام التنزيل عن ابن عمر، قال: لو صام في السفر قضي في الحضر [45] . وروي أنّ عمر بن الخطاب أمر رجلاً صام في السفر أن يعيد صومه [46] . وروي يوسف بن الحكم، قال: سألت ابن عمر عن الصوم في السفر فقال: أرأيت لو تصدقت علي رجل صدقة فردّها

عليك ألا تغضب؟ فإنها صدقة من الله تصدّق بها عليكم فلا تردّوها [47] . وعن ابن عباس: الإفطار في السفر عزيمة [48] . وقد اعتني ابن حزم بجمع أقوال الصحابة والتابعين في هذه المسألة فكتب يقول: «روينا من طريق سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن كلثوم بن جبر، عن رجل من بني قيس أ نّه صام في السفر فأمره عمر بن الخطاب أن يعيد. ومن طريق سفيان ابن عيينة، عن عاصم بن عبدالله، عن عبدالله ابن عامر بن ربيعة، عن عمر بن الخطاب: أ نّه أمر رجلاً أن يعيد صيامه في السفر... وعن عمر بن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه قال: نهتني عائشة اُم المؤمنين عن أن أصوم رمضان في السفر. وعن أبي هريرة: ليس من البرّ الصيام في السفر. ومن طريق شعبة عن أبي حمزة نصر بن عمران الضبعي قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر؟ فقال: يسر وعسر خذ بيسر الله تعالي. قال أبو محمد: إخباره بأن صوم رمضان في السفر عسر إيجابٌ منه لفطره. وعنه أيضاً: الافطار في رمضان في السفر عزيمة... وعن عمار مولي بني هاشم _ هو ابن أبي عمار _ عن ابن عباس أ نّه سئل عمّن صام رمضان في السفر، فقال ابن عباس: لا يجزئه. يعني لا يجزئه صيامه. وعن ابن عمر أ نّه سئل عن الصوم في السفر، فقال: (من كان منكم مريضاً أو علي سفر فعدة من أيام اُخر). وعن يوسف بن الحكم الثقفي أنّ ابن عمر سئل عن الصوم في السفر، فقال: إنّما هي صدقة تصدّق الله بها عليكَ أرأيت لو تصدقت بصدقة فردّت عليك؟ ألم تغضب؟ قال أبو

محمد: هذا يبيّن أ نّه كان يري الصوم في رمضان مغضِباً لله تعالي، ولا يقال هذا في شيء مباح أصلاً. ومن طريق حمّاد بن سلمة عن كلثوم بن جبر: أنّ امرأة صحبت ابن عمر في سفر فوضع الطعام فقال لها: كلي، قالت: إنّي صائمة، قال: لا تصحبينا. ومن طريق معن بن عيسي القزاز، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه قال: يقال الصيام في السفر كالافطار في الحضر. قال أبو محمد: هذا إسناد صحيح، وقد صح سماع أبي سلمة عن أبيه ولا يقول عبدالرحمن بن عوف في الدين: يقال كذا، إلاّ عن الصحابة أصحابه رضي الله عنهم، وأ مّا خصومنا فلو وجدوا مثل هذا لكان أسهل شيء عليهم أن يقولوا: لا يقول ذلك إلاّ عن رسول الله(صلي الله عليه وآله). ومن طريق أبي معاوية. حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وهذا سند في غاية الصحة. ومن طريق عطاء عن المحرر. وابن أبي هريرة قال: صمت رمضان في السفر فأمرني أبو هريرة أن اُعيده في أهلي وأن أقضيه فقضيته... وعن عبدالرحمن بن حرملة: أنّ رجلاً سأل سعيد بن المسيب اُتِمّ الصلاة في السفر وأصوم؟ قال: لا. فقال: إنّي أقوي علي ذلك.. قال سعيد: رسول الله(صلي الله عليه وآله) كان أقوي منك قد كان يقصّر ويفطر... وعن عطاء أ نّه سئل عن الصوم في السفر، فقال: أ مّا المفروض فلا، وأ مّا التطوع فلا بأس به. وعن عروة بن الزبير، أنّه قال في رجل صام في السفر: إنّه يقضيه في الحظر. وقال شعبة: لو

صمت رمضان في السفر لكان في نفسي منه شيء. وعن طريق معمر عن الزهري، قال: كان الفطر آخر الأمرين من رسول الله(صلي الله عليه وآله) وإنّما يؤخذ من أمر رسول الله(صلي الله عليه وآله) بالآخر فالآخر. ومن طريق اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، قال: لا تصوموا في السفر. وعن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام):أ نّ أباه كان ينهي عن صيام رمضان في السفر. وكان محمد بن علي(عليهما السلام)ينهي عن ذلك أيضاً. وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: لا يصوم المسافر، أفطر... أفطر. وعن يونس بن عبيد وأصحابه أ نّهم أنكروا صيام رمضان في السفر» [49] . وهذا كلّه يكشف عن أ نّ المسألة كانت علي قدر كبير من الوضوح عند الصحابة والتابعين، ثم لما دخلت عصر التدوين الفقهي أخذت مساراً آخر، ومن هنا كانت عملية الاستدلال من قبل القائلين بالرخصة موهونة تستند إلي نزعة تحكمية واضحة، فحينما جاءوا إلي آية الصوم ووجدوها لا تؤيد مطلوبهم، قالوا: في الآية محذوف مقدّر، وحينما جاءوا إلي الأحاديث النبوية استدلّوا بنصوص عامة، ليس فيها ما يدل علي إباحة صوم رمضان في السفر، الذي دلّت الآية علي منعه، ثم عطفوا الرأي علي الأحاديث المانعة من الصوم في السفر فتأ وّلوها تأويلاً غريباً. وقد سرد الشوكاني هذه التأويلات ناقلاً بذلك رأي الجمهور، وردودهم علي أدلّة القائلين بالعزيمة حيث كتب يقول: «واحتجّوا بما في حديث ابن عباس المذكور أن النبي(صلي الله عليه وآله)أفطر في السفر، وكان ذلك آخر الأمرين وأن الصحابة كانوا يأخذون بالآخر فالآخر من فعله، فزعموا أن صومه(صلي الله عليه وآله) في السفر منسوخ. وأجاب الجمهور عن ذلك: بأنّ هذه الزيادة

مدرجة من قول الزهري، كما جزم بذلك البخاري في الجهاد وكذلك وقعت عند مسلم مدرجة، وبأن النبي(صلي الله عليه وآله) صام بعد هذه القصة كما في حديث أبي سعيد المذكور في آخر الباب بلفظ: «ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) بعد ذلك في السفر». واحتجّوا أيضاً بما أخرجه مسلم عن جابر: «أ نّ النبي(صلي الله عليه وآله)خرج عام الفتح في رمضان فصام حتّي بلغ كراع الغميم وصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتّي نظر الناس ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال اُولئك العصاة». وفي رواية له: «أن الناس قد شقّ عليهم الصيام وإنّما ينظرن فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر» الحديث. وأجاب عنه الجمهور بأ نّه إنّما نسبهم إلي العصيان لأ نّه عزم عليهم فخالفوا. واحتجّوا أيضاً بما في حديث جابر المذكور من قوله(صلي الله عليه وآله): «ليس من البر الصوم في السفر». وأجاب عنه الجمهور بأ نّه(صلي الله عليه وآله) إنّما قال ذلك في حق من شق عليه الصوم كما سبق بيانه في الفطر، ولا شك أن الافطار مع المشقة الزائدة أفضل. وفيه نظر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن قيل: إن السياق والقرائن تدل علي التخصيص. قال ابن دقيق العيد: وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب والسياق والقرائن علي تخصيص العام وعلي مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام علي سبب، فإنّ بين المقامين فرقاً واضحاً ومن أجراهما مجريً واحداً لم يصب، فإن مجرد ورود العام علي سبب لا يقتضي التخصيص به، كنزول آية السرقة في قصة رداء صفوان. وأما السياق والقرائن الدالة علي مراد المتكلم فهي

المرشدة إلي بيان المجملات كما في حديث الباب. وأيضاً نفي البر لا يستلزم عدم صحة الصوم. وقد قال الشافعي: يحتمل أن يكون المراد ليس من البرّ المفروض الذي من خالفه أثم. وقال الطحاوي: المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلي المراتب، وليس المراد به اخراج الصوم في السفر عن أن يكون براً، لأن الافطار قد يكون أبرّ من الصوم إذا كان للتقوي علي لقاء العدو. وقال الشافعي: نفي البرّ المذكور في الحديث محمول علي من أبي قبول الرخصة. وقد روي الحديث النسائي بلفظ: «ليس من البرّ أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخّص لكم فاقبلوا». قال ابن القطّان: إسنادها حسن متّصل _ يعني الزيادة _ ورواها الشافعي ورجّح ابن خزيمة الأوّل. واحتجّوا أيضاً بما أخرجه ابن ماجة عن عبدالرحمن بن عوف مرفوعاً: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر. ويجاب عنه بأن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف، ورواه الأثرم من طريق أبي سلمة عن أبيه مرفوعاً. قال الحافظ: والمحفوظ عن أبي سلمة عن أبيه موقوفاً كذا أخرجه النسائي وابن المنذر ورجّح وقفه ابن أبي حاتم والبيهقي والدارقطني ومع وقفه فهو منقطع؛ لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه، وعلي تقدير صحته فهو محمول علي الحالة التي يكون الفطر فيها أولي من الصوم كحالة المشقة جمعاً بين الأدلة. واحتجّوا أيضاً بما أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسّنه عن أنس بن مالك الكعبي بلفظ: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة» ويجاب عنه بأنه مختلف فيه، كما قال ابن أبي حاتم، وعلي تسليم صحته فالوضع لا يستلزم عدم صحة الصوم في السفر وهو محل النزاع [50] .

نظرة في تأويلات الجمهور لأدلة القائلين بالعزيمة

1 _ أما حديث ابن عباس

فإنّ ما يُحتج به منه كلامه الذي يقول فيه: إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) خرج عام الفتح في رمضان فصام حتّي بلغ الكديد ثم أفطر [51] . هذا هو محل الاحتجاج من الحديث، وهو يدل بوضوح علي عدم جواز صيام شهر رمضان في السفر، أما ما أدرج عليه من كلام فالاستدلال علي العزيمة غير متوقف عليه، سواء كان كلاماً للزهري أوغيره، فإنّه من المقرر لدي علماء الجمهور أن السنّة اللاحقة تنسخ السنّة النبويّة السابقة، كما هو النسخ في القرآن، فإذا كان النبي(صلي الله عليه وآله) قد خرج عام الفتح في شهر رمضان وهو صائم ثم أفطر، فإنّ هذا يدل علي عدم جواز صوم شهر رمضان في السفر، وإذا كان الفطر هو الأمر الأخير في سنّة رسول الله(صلي الله عليه وآله) حسبما نصّ عليه الزهري وذكره مسلم في صحيحه باسناده إليه [52] فهذا يدل علي أن الترخيص قد نُسخ. وهنا لابدّ من التنبيه علي أن البحث هنا جدلي، فإن القائل بالعزيمة لا يسلّم بوجود ترخيص نبوي سابق ومنع لاحق ناسخ، وقد مرّ أن الأحاديث المذكورة لاثبات الترخيص قاصرة عن ذلك، وأنها جميعاً منصرفة عن شهر رمضان، وإنّما يريد بذلك أن يقول للقائل بالترخيص: إنّه علي فرض دلالة تلك الأحاديث علي الرخصة بالنسبة الي صيام المسافر لشهر رمضان فإن القول بالترخيص لا يتناسب _ مع ذلك _ مع مذهبكم، لما ورد في صحاحكم عن ابن عباس من أن النبي(صلي الله عليه وآله) قد أفطر في سفر شهر رمضان، وعند التعارض نأخذ بالأمر الأخير من سيرته(صلي الله عليه وآله)، والأمر الأخير هو الإفطار علي ما نصّ عليه الزهري. فلازم مذهب الجمهور حينئذ هو العزيمة لا الرخصة. فإن

قالوا: إن إفطار النبيّ (صلي الله عليه وآله) في عام الفتح عمل والعمل مجمل قد يدل علي حرمة الصيام وقد يدل علي أن الفطر أفضل من الصيام، فمن أين يتأتي لنا إثبات أن النبي(صلي الله عليه وآله) قد أفطر لأجل وجوب الإفطار عليه؟ فقد يكون ذلك منه لأجل أن الإفطار أفضل لا أ نّه واجب. والجواب: إنّ هذا الاعتراض صحيح وفي محلّه وهو يرد علي الطرفين معاً، والحق مع الطرف الذي يجيب عليه جواباً منسجماً مع مذهبه، فإنّ القائل بالعزيمة سوف يرفع هذا الإجمال بالاستدلال بآية الصوم الدالة علي العزيمة كما مرّ، بينما القائل بالترخيص لا يستطيع أن يفعل ذلك، لأن الآية في ظاهرها لا تؤيده وقد اضطرّ إلي تأوليها كما رأينا، وقد قلنا هناك إنّ الأصل عدم التأويل، فتكون نتيجة البحث في هذا الحديث لصالح القول بالعزيمة، ويكون دليلاً صالحاً للاحتجاج به عليه. وهو المطلوب. وإن قالوا: إن الفطر لم يكن الأخير من سيرته وانّه(صلي الله عليه وآله) قد صام بعد ذلك في السفر، كما ذكر ذلك الشوكاني واحتجّ له بحديث أبي سعيد الخدري: «سافرنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله)إلي مكّة ونحن صيام قال: فنزلنا منزلاً فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): انّكم قد دنوتم من عدوّكم والفطر أقوي لكم، فكانت رخصة فمنّا من صام ومنّا من أفطر ثم نزلنا منزلاً آخر فقال: انّكم مصبّحوا عدوّكم والفطر أقوي لكم فافطروا، وكانت عزمة فأفطرنا، ثم قال: لقد رأيتنا نَصوم مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) بعد ذلك في السفر» [53] . والجواب: أ _ إنّ استدلالنا بحديث ابن عباس غير متوقف علي كون افطار رسول الله(صلي الله عليه وآله) المذكور فيه هو الأمر الأخير

من سيرته، فسواء كان هو الأمر الأخير أو لم يكن فإن الحديث صالح للدلالة علي العزيمة، إذ إن القائل بالعزيمة لا يسلّم بوجود ترخيص سابق حتّي يتوقف استدلاله بالحديث علي مسألة النسخ والتقدم والتأ خّر، وإنّما هذا بحث جدلي كما قلنا. ب _ إنّ القائل بكون الافطار هو الأمر الأخير من سنّة رسول الله(صلي الله عليه وآله) هو الزهري، وقد ثبّت مسلم هذا القول في صحيحه كما مرّ. ج _ إنّ حديث أبي سعيد الخدري لا يدل علي مخالفة كلام الزهري، بل إن كلاًّ منهما يتحدث عن شيء مختلف عمّا يشير إليه الآخر، فإنّ أبا سعيد الخدري تحدث عن سفر الصحابة مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلي مكّة وكان فيه بعضهم صائمين، وليس في كلامه ما يدل علي أن السفر قد وقع في شهر رمضان، وأ نّ صيامهم كان صيام شهر رمضان الذي هو محل البحث، بينما حديث ابن عباس يتحدث بوضوح عن صيام شهر رمضان، ويصرّح بنهي النبي(صلي الله عليه وآله)عنه في السفر، وحينئذ فلا تنافي بين الحديثين، وكلام الزهري بأن الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله(صلي الله عليه وآله)، لا يراد به الفطر في مقابل كل صيام حتّي يكون خبر أبي سعيد الخدري معارضاً له، وإنّما يراد به الافطار في سفر شهر رمضان. وأبو سعيد الخدري لا يتحدث عن صيام كان في سفر وقع في شهر رمضان، بل لم يُعلم من سيرة الرسول(صلي الله عليه وآله) أ نّه سافر في شهر رمضان بعد سفرة عام الفتح _ التي تحدث عنهاابن عباس _، وهذا الشاهد التاريخي يساعد كلام الزهري ويشهد علي أن كلام الخدري بأ نّه: رأيتنا نصوم مع رسول الله(صلي الله

عليه وآله) بعد ذلك في السفر، يقصد به أسفاراً وقعت في غير شهر رمضان. هذا تمام الكلام في دفع شبهة الشوكاني علي المحتجّين بحديث ابن عباس لإثبات العزيمة في إفطار المسافر في شهر رمضان. 2 _ وأما حديث «اُولئك العصاة» الوارد في صيام بعض الصحابة في شهر رمضان أثناء سفرهم مع الرسول في عام الفتح، فإنّه يأتي تأكيداً لحديث ابن عباس الوارد في الحادثة نفسها، وأما ما ذكره الشوكاني من أن الجمهور قد أجابوا عنه: بأ نّه(صلي الله عليه وآله) نسبهم إلي العصيان لأ نّه عزم عليهم فخالفوا، فهو أشبه باللف والدوران منه بالاحتجاج، فإنّه(صلي الله عليه وآله) إذا كان قد عزم عليهم فهذا بنفسه يدل علي أن الإفطار كان عزيمة، ولعل الشوكاني يقصد: أ نّ هؤلاء أصبحوا عصاة لا لأجل مخالفة الحكم العبادي التشريعي الخاص بالصوم، وإنّما لأجل مخالفة الرسول(صلي الله عليه وآله) بما هو ولي الأمر عليهم. وجوابه: إنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله) في أمر تشريعي عبادي وليس في أمر ولائي حتّي نحتمل ذلك الاحتمال، ولو كان هذا الاحتمال وارداً لكانت كل أوامره التشريعية أوامر ولائية، ولما أمكننا حينئذ إثبات الشريعة بأمر من أوامره(صلي الله عليه وآله) لاحتمال أن يكون ذلك أمراً ولائياً زمنياً، ولكان ذلك الاحتمال طامة كبري علي الشريعة. 3 _ وأمّا جواب الجمهور عن حديث: «ليس من البر الصيام في السفر» بأن ذلك كان من النبي(صلي الله عليه وآله) في حق شخص أحرج نفسه بالصوم وصار في مشقة شديدة، وبأن نفي البر لا يستلزم عدم صحة الصوم، فهنا شقّان: جواب الشقّ الأوّل: إنّ الشخص الذي ورد فيه الحديث وإن كان قد أحرج نفسه وأوقعها في مشقة شديدة، إلاّ أن الخطاب

النبوي لم ينظر إلي هذه الجهة، وإنّما نظر إلي جهة السفر وجاء الحكم منصبّاً عليها، فقال(صلي الله عليه وآله): «ليس من البر الصيام في السفر»، ولو كان الأمر كما يقول الجمهور _ والشوكاني معهم _، لقال النبي(صلي الله عليه وآله): ليس من البر الصيام المؤدي إلي المشقة والحرج، ولكان ذلك عاماً شاملاً لحالة السفر والحرج والضرر والعسر. وهذا من الوضوح بمكان بحيث لا يحتاج إلي ما أتعب الشوكاني به نفسه من الإيراد علي جواب الجمهور بأ نّه فيه نظر، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم ردّ علي هذا الإيراد بأ نّه قيل: إن السياق والقرائن تدل علي التخصيص، ثم نقل عن ابن دقيق العيد كلاماً يقول فيه بأنّ مجرد ورود العام علي سبب لا يقتضي التخصيص... وأما السياق والقرائن الدالة علي مراد المتكلم فهي المرشدة إلي بيان المجملات كما في حديث الباب. فإنّ هذا الكلام كلّه ممّا لا ضرورة له، لأن السبب متطابق مع اللفظ، وليس أخصّ منه حتّي يقال: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فاللفظ جاء في المسافر، والسبب كان شخصاً مسافراً، ثم لا وجه لما قيل: من أن السياق والقرائن تدل علي التخصيص، إذ لا توجد أي قرينة تشير إلي جانب المشقة، والحرج، واللفظ الصريح يشير إلي جانب السفر، فبأي دليل نصرف الحديث عن جانب السفر إلي جانب الحرج والمشقة؟ وإذا أخذنا بالسياق والقرائن، وبكلام ابن دقيق العيد فمقتضي ذلك تفسير الحديث بالسفر الذي جاء به لفظ الحديث ونصّه، لا المشقة والحرج التي أهمل الخطاب النبوي النظر إليها. وجواب الشقّ الثاني: إنّ تفسير الكلمات الواردة في النصوص الشرعية، لابد وأن يتم في ضوء استخدامات الكتاب والسنّة لها في الموارد الاُخري،

وأن لا يُعتمد في ذلك علي مجرد الاُنس باللغة والعرف، ومن ذلك البر المنفي في الحديث محل البحث، فقبل أن نعرض هذه الكلمة علي اللغة والعرف، لابد لنا من عرضها علي الكتاب والسنّة لنعرف معناها فيهما، فإن اتّضح فهو، وإلاّ رجعنا إلي العرف واللغة. وإذا جئنا إلي القرآن الكريم نجده يستخدم نفس التعبير «ليس البر» مرتين في سورة البقرة في المرّة الاُولي يقول: (ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب ولكن البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب...) [54] وفي المرّة الثانية يقول: (...وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البرّ من اتّقي وأتوا البيوت من أبوابها...) [55] . وفي كلتيهما جاء نفي البر بمعني السقوط عن الاعتبار الشرعي، إذ الآية الاُولي تفيد أن التوجه الي القبلة لوحده ليس برّاً، إنّما البر ما كان من ذلك عن ايمان بالله واليوم الآخر، والآية الثانية جاءت لتبطل سيرة كانت في الجاهلية، هي أ نّهم كانوا إذا رجعوا من الحج دخلوا بيوتهم من نقب يكون في ظهورها، ولا يدخلونها من أبوابها فجاءت الآية لتنهي عن هذه السيرة ولتبيّن أن هذه السيرة ممّا لم يأت بها دين وشرع [56] . ومن مجموع هاتين الآيتين يتّضح أن معني «ليس البر» في القرآن الكريم هو نفي الأساس الشرعي لاُمور يُدعي شرعيتها. والحديث محل البحث لابد من تفسيره بهذا المعني الذي جاء به القرآن الكريم، ويكون معناه حينئذ أن الصيام في السفر لا يقوم علي أساس شرعي. وهذا المعني يستلزم بطلان الصوم في السفر، وذلك لتوقف العبادة علي وجود أمر شرعي بها، فإذا ثبت عدم وجود أمر شرعي بعمل معين، فهذا يدل علي بطلان ذلك العمل. والاعتماد علي القرآن

في تفسير الحديث أولي من اعتماد الشوكاني علي كلمات الشافعي والطحاوي. 4 _ وأما جواب الجمهور عن حديث: «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» بضعف إسناده تارة، وبحمله علي حالة المشقة تارة اُخري، فردّ شقه الأوّل ما قاله ابن حزم، حيث كتب يقول: «ومن طريق معن بن عيسي القزاز، عن ابن ابي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة ابن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه، قال، يقال: الصيام في السفر كالافطار في الحضر. قال أبو محمد: هذا إسناد صحيح وقد صح سماع أبي سلمة من أبيه ولا يقول عبدالرحمن بن عوف: في الدين يقال [57] كذا إلاّ عن الصحابة أصحابه رضي الله عنهم، وأ مّا خصومنا فلو وجدوا مثل هذا لكان أسهل شيء عليهم أن يقولوا: لا يقول ذلك إلاّ عن رسول الله(صلي الله عليه وآله). ومن طريق أبي معاوية، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وهذا سند في غاية الصحة...» [58] . وردّ شقّه الثاني: أن الحمل علي المشقة لا وجه له، وانتحال علي الشرع ما لم يقله، والجمع بين الأدلة يُعمل به عند استحكام الخلاف بين طائفتين مختلفتين من الأحاديث في موضوع واحد، وقد اتّضح أن أحاديث الرخصة لم تثبت دلالتها علي الرخصة للمسافر في صيام شهر رمضان، وبقيت أحاديث العزيمة فلا مجال للجمع والتأويل. 5 _ وأما جواب الشوكاني عن حديث: «إنّ الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة» بأنّه مختلف فيه وفرض التسليم به لا يستلزم عدم صحة الصوم في السفر. فيرد علي الشق الأوّل منه بأن الاختلاف في صحة حديث لا يقتضي ردّه، ولنا أن نعمل

بقول المؤيدين لصحته، ويرد علي الشق الثاني أنّ التسليم بالحديث يستلزم بطلان الصوم في السفر، لأنّ الصوم عبادة والعبادة لا تصح إلاّ إذا ثبت وجود الأمر بها، ووضع الصوم عن المسافر كناية عن انتفاء الأمر الشرعي التعبدي به، فإن صام المسافر يكون صومه بلا أمر شرعي تعبدي وهذا هو معني البطلان. وحينئذ يكون هذا الحديث علي غرار حديث «ليس من البر الصيام في السفر».

حصيلة البحث

وحصيلة البحث أن القول بالعزيمة يحضي بدليل قرآني قاطع وأدلّة عديدة من السنّة النبويّة، وبدعم كبير من سيرة الصحابة والتابعين، وأ نّ القول بالرخصة لمّا كان فاقداً لمثل هذا الدليل؛ اعتمد أصحابه علي التأويل، حيث أ وّلوا الآية، وأ وّلوا الأحاديث الدالّة علي العزيمة بما نقله الشوكاني عنهم، اعتماداً منهم علي أحاديث ليست ظاهرة في مقصودهم، وقد اتّضح أن الأصل عدم التأويل وأن التأويل إنّما يُلجأ إليه عند الاضطرار، وحيث إنّه ليس في مسألتنا اضطرار فالقول بالعزيمة الذي انتصرت له مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) هو الصواب في هذه المسألة الفقهية.

پاورقي

[1] المحلّي: 6/258.

[2] البقرة: 183 _ 185.

[3] الكافي: 4/126 باب كراهية الصوم في السفر.

[4] مسائل فقهية: 67 _ 68، ط المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام).

[5] صحيح البخاري: 2/237 باب الصوم في السفر.

[6] صحيح مسلم: 3/144 كتاب الصوم باب التخيير في الصوم.

[7] المصدر السابق: 145.

[8] صحيح البخاري: 3/81، كتاب الصوم، باب 121، حديث 201، طبعة دار القلم / بيروت.

[9] صحيح مسلم: 3/145، كتاب الصوم، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر. [

[10] صحيح البخاري: 3/81، كتاب الصوم باب 123 من لم يصب، ح 203، ط دار القلم.

[11] صحيح مسلم: 3/142، كتاب الصوم باب جواز الفطر والصوم في السفر.

[12] المصدر السابق: 3/143، كتاب الصوم، باب المفطر في السفر اذا تولي العمل.

[13] المصدر السابق: 3/143، كتاب الصوم، باب أجر المفطر في السفر.

[14] صحيح البخاري: 4/423، كتاب الجهاد والسير، باب 679 فضل الصوم في سبيل الله، ح 1033، ط دار القلم.

[15] سنن ابن ماجة: 3/203، حديث 1717 باب في صيام يوم في سبيل الله، طبعة محقّقة.

[16] صحيح البخاري: 3/81، كتاب الصوم، باب 124، حديث 204 طبعة دار القلم

/ بيروت.

[17] سنن الدارقطني: 2/188، كتاب الصوم، حديث 39.

[18] المجموع: 6/264.

[19] المجموع: 6/265.

[20] تفسير الميزان: 2/12.

[21] تذكرة الفقهاء: 6/152.

[22] المحلّي: 6/248 _ 249.

[23] صحيح البخاري: 2/238 _ 239.

[24] البقرة: 54.

[25] الجمعة: 9.

[26] الصف: 11.

[27] تفسير الميزان: 2/15.

[28] المحلّي: 6/250.

[29] سنن الدارقطني: 2/188، ط عالم الكتب.

[30] زاد المعاد: 1/161.

[31] زاد المعاد: 1/161.

[32] السيرة الحلبية: 3/277.

[33] الحاوي الكبير: 2/364، المغني: 2/109.

[34] سنن الدارقطني: 2/189.

[35] ابن القيّم، زاد المعاد: 1/158.

[36] نيل الأوطار: 3/203، ط دار الكتب العلمية.

[37] صحيح مسلم بشرح النووي: 7/230.

[38] المصدر السابق: 7/231.

[39] المصدر السابق.

[40] صحيح مسلم: 3/141.

[41] المصدر السابق: 142.

[42] سنن ابن ماجة: 1/532، حديث 1666.

[43] سنن ابن ماجة: 1/533، حديث 1667.

[44] سنن أبي داود: 2 / 319، كتاب الصوم، باب قدر مسيرة ما يفطر فيه. ونقله ابن قدّامة في المغني: 2/93.

[45] التفسير الكبير، للفخر الرازي: 5/76.

[46] مسند أحمد بن حنبل: 3/329 ط. الميمنية.

[47] كنز العمّال: 8/502، ح 23838.

[48] الدر المنثور: 1/191، اصدار مكتبة المرعشي.

[49] المحلّي لابن حزم: 6/256 _ 258.

[50] نيل الأوطار: 4/224 _ 225 دار الكتب العلمية.

[51] صحيح البخاري: 5/90. ط دار الفكر، صحيح مسلم: 3/140 ط دار الفكر.

[52] صحيح مسلم: 3/141.

[53] صحيح مسلم: 3/144.

[54] البقرة: 177.

[55] البقرة: 189.

[56] تفسير الميزان: 2/57.

[57] كذا في المصدر.

[58] المحلّي: 6/257.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.