الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ

اشارة

نوع: كتاب
پديدآور: مركز الرساله
عنوان و شرح مسئوليت: الصحابه في القرآن و السنه و التاريخ
مركز الرساله
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت(ع)
يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس
موضوع: صحابه در قرآن‌

مقدمة المركز

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد: فإنه ما زال الكثير من قضايا الفكر والتاريخ يقرأ وفق إسقاطات الذات والمواقف المسبقة، بعيدا عن قوانين النقد العلمي وموازين البحث الموضوعي وضوابطه. وبالرغم من أننا جميعا - كمسلمين - نؤمن بقوله تعالي: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا) ونعلم أن الرد إلي الله هو الرجوع إلي كتابه الكريم، والرد إلي الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) هما الرجوع إلي سنته الشريفة، بالرغم من ذلك فإننا في غالب البحوث من هذا النوع نلاحظ غلبة الأسلوب الانتقائي الخاضع لهيمنة الذات والمواقف المسبقة نفسها، إذ يذهب أكثر الباحثين إلي انتقاء النصوص التي يمكنه أن يسند فيها موقفه ورأيه، دون النظر إلي النصوص الأخري المشتركة في الموضوع نفسه، والتي تشكل مع النصوص السابقة الصورة المتكاملة للموضوع. فالذي اتخذ موقفا مؤيدا للسلطان - مثلا - ويحرم الخروج عليه وإن كان ذلك السلطان جائرا وفاسقا، تراه يذهب إلي الإحتجاج بالحديث الشريف الذي يقول: (من فرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان)، ونظائر هذا، دون أن يلتفت إلي الأحاديث الأخري، من قبيل قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله) وأمثاله التي جاءت لتبين مفاد الأحاديث الأولي وترسم حدودها. والذي يذهب إلي القول بالتجسيم تراه يقتصر علي متشابه القرآن والسنة الذي يفيد ظاهره بعض معاني التجسيم، دون الالتفات إلي المحكم الذي يوجه تلك الظواهر ويصرفها من الحقيقة إلي المجاز. [ صفحه 6] ولعل مفهوم (عدالة الصحابة) هو واحد من أبرز تلك المفاهيم التي استمر الجدل حولها إلي يومنا هذا بسبب وجود من يلجأ إلي ذلك الأسلوب الانتقائي، فهذا ابن خلدون الذي وضع في مقدمته قوانين دقيقة ومتينة في نقد التاريخ تراه يخفق في استخدامها في تاريخه عامة، وفي تأريخ هذه الحقبة خاصة، وكأنها غابت عنه بشكل كامل، فهو حين ينتهي من التاريخ لهذه الحقبة، يقول: (هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية وما كان فيها... أوردتها ملخصة من كتاب محمد بن جرير الطبري، وهو تاريخه الكبير، فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك، وأبعد عن المطاعن والشبه في كبار الأمة من خيارها وعدولها من الصحابة والتابعين، فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء، فلا ينبغي أن تسود بها الصحف)! ونحو هذا قاله ابن الأثير في مقدمته، دون اعتماد لقوانين النقد والمقارنة والاستقراء. أما المتكلمون فقد ذهبوا إلي أبعد من ذلك حين أوجبوا التأويل والتبرير لكل ما حفظه التاريخ من وقائع وأحداث تستدعي النظر والتحقيق في هذه المسألة (وما لم تجد له تأويلا، فقل: لعل له تأويل لا أعلمه)! ولا شك أن مثل هذا المفهوم يجب أن يخضع - تحقيقا وبرهانا - للبحث التاريخي الذي يقوم علي الاستقراء الشامل لتاريخ الصحابة أفرادا وجماعات. ولا ينفصل هذا البحث التاريخي عن القرآن والسنة بحال، ذلك أن القرآن الكريم كان راصدا لتلك المرحلة من مراحل التاريخ حافظا للكثير من مشاهدها، وهو المصدر المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والقول نفسه مع السنة المطهرة حيث كان صاحبها (صلي الله عليه وآله وسلم) الشاهد والمربي والمرشد والموجه والقائد، وقد ترك لنا الكثير من الأثر المعصوم الذي ينبغي أن نستنير به في معرفة ما يتصل بهذه الحقبة التاريخية ورجالها. ووفق هذا المنهج سار هذا الكتاب الذي يقدمه مركزنا للقراء، خدمة للحقيقة الدينية والتاريخية، راجين أن يعم النفع به، والله الهادي إلي سواء السبيل. مركز الرسالة [ صفحه 7]

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي خاتم الرسل والأنبياء محمد المصطفي وعلي آله الطيبين الطاهرين، وصحبهم المنتجبين، وبعد: فإن من المسائل التي لا زالت تثير جدلا واسعا في الأوساط العلمية مسألة عدالة الصحابة، وقد بقي البحث فيها موزعا علي آراء مطابقة للآراء المتقدمة علي مر التاريخ، فذهب البعض إلي عدالة جميع الصحابة، وذهب آخرون إلي عدالة بعض الصحابة دون بعض. إن المنهج العلمي يستدعي النظر إلي الآراء والأفكار بموضوعية بحثا عن الحقيقة لذاتها، وبعيدا عن تحكيم المرتكزات الذهنية المسبقة في البحث والتحقيق، لتكون النتيجة تابعة للدليل بما هو دليل وإن اصطدمت بالمألوف والمتعارف من الآراء والأفكار والأحكام. وفي بحثنا هذا نتتبع المسألة باستنطاق القرآن والسنة والتاريخ للوصول إلي الرأي النهائي، بحيادية وموضوعية تبعا للدليل دون التأثر بالمرتكزات الذهنية والأحكام المسبقة، مواكبين موارد ذكر الصحابة في القرآن الكريم، والآيات النازلة فيهم مدحا وذما، وما ورد عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الصحابة من روايات مادحة وذامة، ونواصل البحث من خلال تتبع سيرهم الذاتية ضمن الحركة التاريخية لمراحل الدعوة الإسلامية، منذ انضمامهم للإسلام في بداية البعثة، ومساهمتهم الجادة [ صفحه 8] في إرساء دعائم العقيدة والشريعة، بجهادهم وتضحياتهم المتواصلة، معتمدين الموازين الثابتة، دون أن نبخس أحدا حقه في التقييم الموضوعي تبعا للقرآن والسنة والتاريخ. ونترك للقارئ الكريم حرية الاختيار في الحكم علي النتائج طبقا للأدلة والشواهد التاريخية، والله ولي التوفيق. [ صفحه 9]

المعني اللغوي للصحبة

اشاره

قال الخليل الفراهيدي: (كل شئ لاءم شيئا فقد استصحبه، والصحابة: مصدر صاحبك، الصاحب يكون في حال نعتا ولكنه عم فيالكلام فجري مجري الاسم) [1] . وقال الجوهري: (كل شئ لاءم شيئا فقد استصحبه. اصطحب القوم:صحب بعضهم بعضا. أصحب: إذا انقاد بعد صعوبة) [2] . وقال الراغب الأصفهاني: (الصاحب: الملازم... ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر، أو بالعناية والهمة. ويقال لمالك الشئ: هو صاحبه، وكذلك لمن يملك التصرف فيه. والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع، لأجل أن المصاحبة تقتضي طول لبثة، فكل اصطحاب اجتماع، وليس كل اجتماع اصطحابا) [3] . [ صفحه 10] وعلي نحو هذا سار معظم أصحاب اللغة، ومن خلاله يكون معني الصاحب هو: الملائم والمعاشر والملازم والمتابع، ولا يتم ذلك إلا باللقاء والاجتماع.

الصحبة في القرآن الكريم

المعني اللغوي للصحبة كما تقدم ورد في القرآن الكريم في ألفاظ متعددة تشترك في معني متقارب، وهو المعاشرة والملازمة المتحققة بالاجتماع واللقاء واللبث، دون النظر إلي وحدة الإعتقاد أو وحدة السلوك، فقد أطلقها القرآن الكريم في خصوص المعاشرة بين مؤمن ومؤمن، وبين مؤمن وكافر، وبين كافر وكافر، وقد أشار إلي ذلك ابن كثيرفي تفسيره [4] . أولا: الصحبة بين مؤمن ومؤمن قال الله تعالي حكاية عن موسي (عليه السلام) في حديثه مع العبد الصالح:(قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني) [5] . فقد أطلق القرآن الصحبة علي الملازمة بين موسي (عليه السلام) والخضر (عليه السلام). ثانيا: الصحبة بين ولد ووالدين مختلفين بالاعتقاد قال تعالي: (وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) [6] . [ صفحه 11] ثالثا: الصحبة بين رفيقي سفر قال تعالي: (... والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب...) [7] . رابعا: الصحبة بين تابع ومتبوع قال تعالي: (... ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) [8] . خامسا: الصحبة بين مؤمن وكافر قال تعالي: (... فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا...قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب) [9] . سادسا: الصحبة بين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وقومه وإن كانوا كافرين قال تعالي: (ما ضل صاحبكم وما غوي) [10] . وقال تعالي: (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين) [11] . سابعا: الصحبة بين كافر وكافرين قال تعالي: (فنادوا صاحبهم فتعاطي فعقر) [12] . [ صفحه 12] ووردت كلمة (أصحاب) في القرآن الكريم تدل علي معني اللبث والمكوث ومنها: أصحاب الجنة، وأصحاب النار، وأصحاب الكهف، وأصحاب القرية، وأصحاب مدين، وأصحاب الأيكة. ووردت في العلاقة الاضطرارية الوقتية كما في خطاب يوسف (عليه السلام) لصاحبيه في السجن: (يا صاحبي السجن) [13] . فالصاحب كما ورد في الآيات الكريمة المتقدمة يعني المعاشر والملازم، ولا تصدق المعاشرة والملازمة إلا باللقاء والاجتماع واللبث معا. وبالتوفيق بين المعني اللغوي عند علماء اللغة، وبين الآيات القرآنية، يكون معني الصاحب هو: من كثرت ملازمته ومعاشرته، وهذا ما نص عليه بعضهم كصديق حسن خان حيث قال: (اللغة تقتضي أن الصاحب هو من كثرت ملازمته) [14] .

الصحبة في الحديث النبوي

أطلق لفظ الصحابي - في الروايات - علي كل من صحب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من المسلمين، سواء كان مؤمنا به واقعا وحقيقة، أو ظاهرا، فكان اللفظ شاملا للمسلم المؤمن وللمسلم المنافق، سواء كان مشهورا بنفاقه أو غير مشهور. [ صفحه 13] فحينما طلب عمر بن الخطاب من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقتل عبد الله بن أبي بن سلول - المنافق المشهور - قال (صلي الله عليه وآله وسلم): (فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟) [15] . وحينما طلب عبد الله بن عبد الله بن أبي من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقوم بنفسه بقتل والده أجابه (صلي الله عليه وآله وسلم) بالقول: (بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا) [16] . فقد أطلق (صلي الله عليه وآله وسلم) لفظ الصحابي ليشمل حتي من اشتهر بفسقه كعبد الله ابن أبي بن سلول، وأطلقه أيضا علي المستور نفاقهم، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (إنفي أصحابي منافقين) [17] .

المعني الاصطلاحي للصحابي

وردت عدة آراء في خصوص المعني الاصطلاحي لصحابي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): الرأي الأول: لا يشترط أصحاب هذا الرأي كثرة الملازمة والمعاشرة مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في إطلاق لفظ الصحابي، بل يكتفون بها ولو كانت ساعة أو كانت مجرد رؤية. ففي رواية عبدوس بن مالك العطار عن أحمد بن حنبل أنه قال: [ صفحه 14] (أفضل الناس بعد أهل بدر القرن الذي بعث فيهم، كل من صحبه سنة أوشهرا أو يوما أو ساعة أو رآه، فهو من أصحابه) [18] . ومن القائلين بهذا الرأي البخاري: (ومن صحب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه) [19] . وقال علي بن المديني: (من صحب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)) [20] . وقال ابن حجر العسقلاني: (الصحابي من لقي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مؤمنا به ومات علي الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روي عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمي) [21] . وذهب ابن حزم الأندلسي إلي هذا الرأي، ولكنه قيده بعدم النفاق، فقال: (أما الصحابة رضي الله عنهم فهو كل من جالس النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولو ساعة، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها، أو شاهد منه (عليه السلام) أمرا يعيه، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر حتي ما توا علي ذلك، ولا مثل من نفاه (عليه السلام) باستحقاقه، كهيت المخنث، ومن جري مجراه، فمن كان كما وصفنا أولا فهو صاحب... ووفد عليه جميع البطون من جميع القبائل [ صفحه 15] وكلهم صاحب) [22] . وقيد (لم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر) مخالف لما ورد من روايات أطلق فيها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) اسم الصحابي علي المنافق المشهور وغيره. وتابع زين الدين العاملي رأي المشهور من المحدثين فقال: (الصحابي: من لقي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مؤمنا به ومات علي الإسلام، وإن تخللت ردته بين كونه مؤمنا وبين كونه مسلما علي الأظهر، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلي الآخر، وإن لم يكالمه...) [23] . ووزع الحاكم النيسابوري الصحابة علي طبقات، وذكر في الطبقة الثانية عشرة: (صبيان وأطفال رأوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الفتح وفي حجة الوداع...ومنهم أبو الطفيل عامر بن واثلة) [24] . ومن خلال هذه الأقوال يصدق معني الصحابي علي كل من صحب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولو ساعة من الزمان، ورآه وإن لم يكلمه، سواء كان رجلا كبيرا أو امرأة أو طفلا صغيرا، ويشترط فيه الإسلام الظاهري فيشمل المؤمن والمنافق. الرأي الثاني: الصحابي من عاصر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وإن لم يره. [ صفحه 16] وذهب إلي هذا الرأي يحيي بن عثمان بن صالح المصري، فقال: (إن الصحابي من عاصره فقط)، وقال: (وممن دفن: أي بمصر من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ممن أدركه ولم يسمع به: أبو تميم الجيشاني، واسمه عبد الله بن مالك، كان صغيرا محكوما بإسلامه تبعا لأحد أبويه) [25] . وعلي هذا الرأي فإن الصحابي يطلق علي جميع من عاصر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من المسلمين كبارا وصغارا وإن لم يروه، وبعبارة أخري، إن جميع المسلمين في عهد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) هم من الصحابة، وكذا من يحكم بإسلامهم تبعا لأحد الأبوين. الرأي الثالث: رأي الأصوليين. الصحابي في رأي الأصوليين: هو من رأي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) واختص به، واتبعه أو رافقه مدة يصدق معها إطلاق (صاحب فلان) عليه بلا تحديد لمقدار تلك الصحبة. نقل هذا الرأي محمد أمين المعروف بأمير بادشاه ونسبه إلي جمهورالأصوليين [26] . ونسب الآمدي هذا الرأي إلي عمر بن يحيي وآخرين لم يذكرأسماءهم [27] . وذهب إلي هذا الرأي الغزالي، فقال: (لا يطلق إلا علي من صحبه، ثم [ صفحه 17] يكفي للاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة، ولكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته) [28] . لكن سعيد بن المسيب جعل حدا معلوما في أحد شرطين، إذ كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) سنة فصاعدا أو غزا معه غزوة فصاعدا [29] . وقد اعترض البعض علي هذا الرأي، ومنهم ابن حجر العسقلاني، فقال: (والعمل علي خلاف هذا القول، لأنهم اتفقوا علي عد جمع جمفي الصحابة لم يجتمعوا بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا في حجة الوداع) [30] . واعترض ابن حزم الأندلسي علي هذا الرأي فقال: (... وهذا خطأ بيقين، لأنه قول بلا برهان، ثم نسأل قائله عن حد التكرار الذي ذكر وعن مدة الزمان الذي اشترط) [31] . وعند متابعة الكتب المؤلفة في الصحابة نجد أن كثيرا من المذكورين فيها لم يروا أو يصحبوا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا ساعات أو أيام معدودة، بل أن بعضهم كان طفلا صغيرا كجرير بن عبد الله وغيره. الرأي الرابع: أن الصحابي هو: من صحب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وطالت صحبته وأخذ عنه العلم. نسب أبو يعلي الفراء الحنبلي إلي عمرو بن بحر الجاحظ أنه قال: (إن [ صفحه 18] هذا الاسم إنما يسمي به من طالت صحبته للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) واختلاطه به، وأخذ عنه العلم) [32] . والذي قيل في هذا الرأي: إن طول الصحبة ليس شرطا في إطلاق التسمية علي من صحبه، لأنه يلزم إخراج كثير من الذين سموا صحابة عن الصحبة، واشتراط أخذ العلم أيضا يستلزم تضييق عدد الصحابة وإخراج الكثير منهم لأنهم لم يأخذوا العلم منه [33] .

تقييم الآراء

قد عرفنا أن المعني اللغوي - الذي عليه استعمالات مادة " صحب " في الكتاب والسنة - لا يصدق إلا حيث تصدق " المعاشرة " و " الملازمة "، ومن الواضح عدم صدق هذه المعاني علي مجرد " المعاصرة " أو " الرؤية ". فالمفهوم اللغوي لهذه اللفظة مقيد بأن تكون " المصاحبة " في زمان تصدق فيه " المعاشرة "، كما أنه مطلق من حيث الإيمان وعدمه، إذ يصدق علي كل من لازم شخصا أنه صاحبه، وإن لم يكن مثله أو تابعا له في الفكر والعقيدة، وكذا من حيث التعلم منه والأخذ عنه، وعدمه، نعم طول الملازمة وكثرة المعاشرة مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يقتضيان الإيمان به واقعا والأخذ عنه والتعلم منه، إلا أن تكون المعاشرة والملازمة لأغراض أخري. وأما ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كاف في إطلاق [ صفحه 19] الصحبة فيحتاج إلي دليل مقبول. وقد يشهد بما ذكرنا ما روي عن أنس بن مالك، وقد سئل: (هل بقي من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) غيرك؟ قال: ناس من الأعراب رأوه، فأما من صحبه فلا) وإن حاول ابن كثير توجيهه قائلا: (وهذا إنما نفي الصحبة الخاصة، ولا ينفي ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كاف في إطلاق الصحبة) [34] . إن ما اصطلح عليه الجمهور يحتاج إلي دليل مقبول - كما أشرنا - وإلا فإن مجرد عدهم جماعة لم يروا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا رؤية في الصحابة لا يكون دليلا، ودعوي الاتفاق منهم علي ذلك غير مسموعة مع وجود الخلاف والأقوال العديدة في المسألة. وعلي الجملة، فإنه بناء علي أن يكون للمسألة أثر في العمل، فلا بد من الاقتصار علي ما ذكرناه حتي يقوم الدليل الصحيح علي خلافه فيكون هو المتبع، والله العالم. [ صفحه 21]

الصحابة في القرآن الكريم

اشاره

وتعرض القرآن الكريم لأحوال الصحابة وصفاتهم منذ بداية بعثة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وحتي وفاته... في كثير من سوره وآياته... لقد قسم القرآن الكريم الملتفين حول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) - في مقابل الكافرين والذين أوتوا الكتاب - إلي ثلاثة طوائف هم: 1 - الذين آمنوا. 2 - الذين في قلوبهم مرض. 3 - المنافقون. والجدير بالدراسة والبحث وجود عنوان " الذين في قلوبهم مرض " إلي جنب " الذين آمنوا " في بعض السور المكية. ففي سورة المدثر، المكية بالإجماع، وهي من أوليات السور، جاء قوله تعالي: (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة - وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا [ صفحه 22] أراد الله بهذا مثلا...) [35] . دلت الآية المباركة علي وجود أناس " في قلوبهم مرض " حول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) منذ الأيام الأولي من الدعوة الإسلامية، و " المرض " بأي معني فسر، فهؤلاء غير المنافقين الذين ظهروا بالمدينة المنورة، قال الله تعالي:(وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة...) [36] . فالذين في قلوبهم مرض لازموا النبي منذ العهد المكي، حيث كان الإسلام ضعيفا والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مطاردا. أما المنافقون فقد ظهروا بعد أن ظهرت شوكة الإسلام، فتظاهروا بالإسلام حفظا لأنفسهم وأموالهم وشؤونهم. وبناء علي هذا، فكل آية من القرآن الكريم ورد في ظاهرها شئ من الثناء علي عموم الصحابة، فهي - لو تم الاستدلال بها - محفوفة بما يخرجها عن الاطلاق والعموم وتكون مخصصة ب " الذين آمنوا " حقيقة، فلا يتوهم شمولها للذين في قلوبهم مرض، والمنافقين، الذين وقع التصريح بذمهم كذلك في كثير من الآيات [37] . وفيما يلي نستعرض الآيات القرآنية التي نزلت في الصحابة في مختلف مراحل الدعوة الإسلامية، وفي مختلف ظروفهم من حيث القرب والبعد عن الأسس الثابتة في العقيدة والشريعة، ومن حيث درجة الانقياد لله ورسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الأوامر والنواهي. [ صفحه 23]

آيات المدح والثناء

ذكر غير واحد من المؤلفين آيات من القرآن الكريم للاستدلال علي أن الله قد أثني في كتابه علي الصحابة بنحو العموم: الآية الأولي: قال تعالي: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرونبالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...) [38] . قالوا: نزلت هذه الآية في المهاجرين من مكة إلي المدينة كما ورد عن عبد الله بن عباس أنه قال: (هم الذين هاجروا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من مكة إلي المدينة) [39] . وعن عكرمة ومقاتل: (نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولي أبي حذيفة، وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله تعالي هذه الآية...) [40] . لكن قول ابن عباس لو ثبت مقيد بما أشرنا إليه، فلا يكون المراد عموم المهاجرين الشامل للذين في قلوبهم مرض قطعا. كما أن قول عكرمة وأمثاله ليس بحجة. [ صفحه 24] والآية حتي لو كانت نازلة في مورد خاص إلا أن المفسرين وسعوا المفهوم ليشمل جميع الأمة الإسلامية كما يقول ابن كثير: (والصحيح أنهذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه) [41] . واختلف العلماء القراءة المشهورة - في تشخيص من تشمله الآية، هل هو الأمة بأفرادها فردا فردا؟ أي أن كل فرد من الأمة الإسلامية هو موصوف بالخيرية، أو هو الأمة إجمالا، أي بمجموعها دون النظر إلي الأفراد فردا فردا. فذهب جماعة إلي الرأي الأول ومنهم: الخطيب البغدادي، وابن حجر العسقلاني، وابن عبد البر القرطبي، وابن الصلاح، وابن النجار الحنبلي [42] . فالآية في نظرهم شاملة لجميع أفراد الأمة وهم الصحابة آنذاك، فكل صحابي يتصف بالخيرية والعدالة ما دام يشهد الشهادتين. وذهب آخرون إلي الرأي الثاني، وهو اتصاف مجموع الأمة بالخيرية دون النظر إلي الأفراد فردا فردا، وقيدوا هذه الصفة بشرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يتصف بالخيرية من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، سواء كان فردا أو أمة. قال الفخر الرازي: (... المعني أنكم كنتم في اللوح المحفوظ خير الأمم وأفضلهم، فاللائق بهذا أن لا تبطلوا علي أنفسكم هذه الفضيلة... وأن تكونوا منقادين مطيعين في كل ما يتوجه عليكم من التكاليف... والألف [ صفحه 25] واللام في لفظ (المعروف)، ولفظ (المنكر) يفيدان الاستغراق، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكل معروف وناهين عن كل منكر... (تأمرون)المقصود به بيان علة تلك الخيرية) [43] . وقال الفضل الطبرسي: (كان بمعني صار، ومعناه: صرتم خير أمة خلقت لأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر وإيمانكم بالله، فتصير هذه الخصال... شرطا في كونهم خيرا) [44] . وقال القرطبي: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر: مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا علي المنكر،زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببا لهلاكهم) [45] . فالخيرية تزول إن زالت علتها، وذهب إلي ذلك - أيضا - نظام الدين النيسابوري [46] ، والشوكاني [47] ، وآخرون. وذكر ابن كثير قولين - في ذكر الشروط - أحدهما لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والآخر لعمر بن الخطاب: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (خير الناس أقرأهم، وأتقاهم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم) [48] . [ صفحه 26] فالآية الكريمة ناظرة إلي مجموع الأمة، أما الأفراد فقد وضع (صلي الله عليه وآله وسلم) مقياسا لاتصافهم بالخيرية كما جاء في قوله. وفي حجة حجها عمر بن الخطاب رأي من الناس دعة، فقرأ هذه الآية، ثم قال: (من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها) [49] . وذهب أحمد مصطفي المراغي إلي أن الخيرية مختصة بمن نزلت فيهم الآية في حينها، ثم وسع المفهوم مشروطا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: (... أنتم خير أمة في الوجود الآن، لأنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون إيمانا صادقا يظهر أثره في نفوسكم... وهذا الوصف يصدق علي الذين خوطبوا به أولا، وهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأصحابه الذين كانوا معه وقت التنزيل... وما فتئت هذه الأمة خير الأمم حتي تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) [50] . وأضاف محمد رشيد رضا: الإعتصام بحبل الله، وعدم التفرق، إلي شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: (شهادة من الله تعالي للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن اتبعه من المؤمنين الصادقين إلي زمن نزولها بأنها خير أمة أخرجت للناس بتلك المزايا الثلاث، ومن اتبعهم فيها كان له حكمهم لا محالة، ولكن هذه الخيرية لا يستحقها من ليس لهم من الإسلام واتباع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا الدعوي وجعل الدين جنسية لهم، بل لا يستحقها من أقام الصلاة وآتي الزكاة وصام رمضان وحج البيت الحرام والتزم الحلال واجتنب الحرام مع الإخلاص الذي هو روح الإسلام، إلا بعد القيام بالأمر [ صفحه 27] بالمعروف والنهي عن المنكر وبالإعتصام بحبل الله مع اتقاء التفرق والخلاف في الدين... إن هذه الصفات العالية والمزايا الكاملة لذلك الإيمان الكامل، لم تكن لكل من يطلق عليه المحدثون اسم الصحابي) [51] . ومن خلال طرح هذه الآراء نجد أن الرأي الثاني هو الأقرب للمعني المراد، فإن الآية ناظرة إلي مجمل الأمة وليس إلي الأفراد فردا فردا. وأكد الدكتور عبد الكريم النملة هذا المعني فقال: (... لا يجوز استعمال اللفظ في معنيين مختلفين، فالمراد مجموع الأمة من حيث المجموع، فلا يراد كل واحد منهم - أي من الصحابة -) [52] . الآية الثانية: قال تعالي: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداءعلي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا...) [53] . جعل الله تعالي المسلمين أمة وسطا بين الأمم، لا سيما اليهود والنصاري، فالأمة الوسط بعيدة عن التقصير والغلو في الإعتقاد وفي المواقف العملية من الأنبياء، قال النيسابوري: (إنهم متوسطون في الدين بين المفرط والمفرط، والغالي والمقصر في شأن الأنبياء لا كالنصاري...ولا كاليهود) [54] . ويطلق الوسط أيضا علي الخيار والعدل. [ صفحه 28] قال الزمخشري: (... وقيل للخيار وسط لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعوار، والأوساط محمية محوطة.. أو عدولا لأن الوسط عدلبين الأطراف ليس إلي بعضها أقرب من بعض) [55] . وقال القرطبي نحو ذلك [56] . والوسطية بمعني الاعتدال بين الافراط والتفريط هي المستعملة فيآراء المشهور من المفسرين [57] . فهذه الآية كسابقتها في أن المراد مجموع الأمة من حيث المجموع، وإن حاول جماعة - ومنهم: عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي، والخطيب البغدادي، وابن حجر العسقلاني، وابن عبد البر القرطبي، وابن الصلاح، وابن النجار [58] - تنزيلها علي الأفراد فجعلوا كل مسلم وسطا وعدلا، فالصحابة جميعهم عدول بشهادة القرآن لهم. قال الفضل الطبرسي: (... إنه - تعالي - جعل أمة نبيه محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) عدلا وواسطة بين الرسول والناس، ومتي قيل: إذا كان في الأمة من ليس هذه صفته، فكيف وصف جماعتهم بذلك؟ فالجواب: إن المراد به من كان بتلك الصفة، ولأن كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم) [59] . [ صفحه 29] وجعل أحمد مصطفي المراغي شرطا للاتصاف بالعدالة والوسطية، وهو اتباع سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فمن لم يتبعها يعتبر خارجا عن هذه الأمة فقال: فنحن إنما نستحق هذا الوصف إذا اتبعنا سيرته وشريعته، وهو الذي يحكم علي من اتبعها ومن حاد عنها وابتدع لنفسه تقاليد أخري وانحرف عن الجادة، وحينئذ يكون الرسول بدينه وسيرته حجة عليه بأنه ليس من أمته.. وبذلك يخرج من الوسط ويكون في أحد الطرفين) [60] . وذهب إلي هذا الرأي محمد رشيد رضا في تفسير المنار [61] . وخصص العلامة الطباطبائي هذه الصفة بالأولياء دون غيرهم، فقال: (ومن المعلوم أن هذه الكرامة ليست تنالها جميع الأمة، إذ ليست إلاكرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم) [62] . وقال - أيضا -: (فالمراد بكون الأمة شهيدة أن هذه الشهادة فيهم، كما أن المراد بكون بني إسرائيل فضلوا علي العالمين، أن هذه الفضيلة فيهم من غير أن يتصف بها كل واحد منهم، بل نسب وصف البعض إلي الكل لكون البعض فيه ومنه) [63] . ومما يشهد علي أن المقصود ليس أفراد الأمة، هو أن الذين ذهبوا إلي حجية إجماع الأمة استندوا إلي هذه الآية، واعتبروا إجماع الأمة هو الحجة دون النظر إلي الأفراد فردا فردا، كما حكي عنهم الشريف [ صفحه 30] المرتضي [64] وأبو حيان الأندلسي [65] . وأكد علاء الدين البخاري علي أن المقصود هو مجموع الأمة فقال: (فيقتضي ذلك أن يكون مجموع الأمة موصوفا بالعدالة، إذ لا يجوز أنيكون كل واحد موصوفا بها، لأن الواقع خلافه) [66] . وبعد، فإن من غير الصحيح الاستدلال بالآية الكريمة علي عدالة الصحابة أجمعين، أما علي تفسير العلامة الطباطبائي فالأمر واضح، وأما علي ما ذكرنا سابقا من ضرورة لحاظ آيات القرآن الكريم كلها وضم بعضها إلي البعض الآخر، فهي وإن شملت الأفراد لكن " الذين آمنوا " فقط، دون " الذين في قلوبهم مرض " و " المنافقين "، وأما علي أقوال الجمهور، فلا يمكن أن يكون المقصود أفراد الأمة واحدا واحدا ليستفاد منها عدالة الصحابة، لأن الواقع خلافه كما نص عليه العلاء البخاري. فالآية الكريمة جعلت المسلمين أمة وسطا أو عدلا، وهذه الوسطية والعدلية ممتدة مع امتداد الأمة الإسلامية في كل عصر وزمان، فالأمة الإسلامية في مراحل لاحقة هي أمة وسط في عقيدتها وشريعتها وتطبيقها للمنهج الإسلامي، وفي مرحلتنا الراهنة حينما نقول إن الأمة الإسلامية أمة وسط أو أمة عادلة، يصح القول إذا كان المقصود مجموع الأمة، أما سراية الوسطية والعدلية للأفراد فردا فردا فلا تصح، لأن الواقع يخالف ذلك، فكثير من المسلمين بعيدون عن الإسلام كل البعد في تصوراتهم [ صفحه 31] ومشاعرهم ومواقفهم، فكيف نعمم العدالة علي الأفراد؟ وما نقوله هنا نقوله في حق أفراد الأمة في زمن النزول، فالآية مختصة بمجموع الأمة بما فيها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) والمهاجرون والأنصار السابقون للخيرات والذين لم يخالفوا الأوامر الإلهية والنبوية طرفة عين، واستمروا علي ذلك حتي بعد رحيل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). الآية الثالثة: قال تعالي: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا) [67] . استدل البعض علي طهارة وعدالة جميع الصحابة فردا فردا بهذه الآية الكريمة ومنهم عبد الرحمن الرازي [68] . ووجه الاستدلال: أن الله تعالي جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فيكون اتباع سبيلهم واجبا، ولا يصح الأمر باتباع سبيل من يجوز عليهم الانحراف والريبة والفسق. ولا علاقة للآية بمسألة عدالة الصحابة أبدا كما لا يخفي. ومع التنزل فإن الاستدلال بهذه الآية علي عدالة جميع الصحابة فردا فردا لا يصح من عدة وجوه: الأول: ذهب كثير من المفسرين والمتكلمين إلي أن المقصود بسبيل المؤمنين هو مجموع الأمة، ومنهم القصار المالكي والسبكي [69] . [ صفحه 32] الثاني: المراد بسبيل المؤمنين هو الاجتماع علي الإيمان وطاعة الله ورسوله، فإن ذلك هو (الحافظ لوحدة سبيلهم) [70] . الثالث: أن يكون سبيل المؤمنين خاليا من الإثم والعدوان، كما ورد في الآيات الكريمة، ومنها: قوله تعالي: (وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان) [71] ، وقوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبروالتقوي) [72] . فالله تعالي ينهي عن التعاون والمناجاة بالإثم والعدوان، لإمكان وقوعه من قبل المسلمين. الرابع: اختلف الصحابة فيما بينهم حتي وصل الحال بهم إلي الاقتتال، كما حدث في معركة الجمل وصفين، فيجب علي الرأي المتقدم اتباع الجميع، اتباع علي بن أبي طالب (عليه السلام) والخارجين عليه، وهذا محال، واتباع أحدهم دون الآخر يعني عدم اتباع الجميع بل البعض منهم، وهذا هو الوجه الصحيح، وهو وجوب اتباع من وافق الحق والشريعة وليس اتباع كل سبيل. فالسبيل المقصود هو سبيل المؤمنين الموافق للحق وللأسس الثابتة في الشريعة، وليس هو سبيل كل فرد من أفراد المؤمنين. وقد أشار ابن قيم الجوزية إلي استحالة توزيع سبيل المؤمنين علي [ صفحه 33] الأفراد فقال: (إن لفظ الأمة ولفظ سبيل المؤمنين لا يمكن توزيعه علي أفراد الأمة وأفراد المؤمنين) [73] . الآية الرابعة: قال الله تعالي: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) [74] . في هذه الآية تطييب لخاطر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بأن الله حسبه أي كافيه وناصره ومؤيده علي عدوه، واختلف في بيان المقصود من ذيل الآية، فقال مجاهد: (حسبك الله والمؤمنون) [75] ، فجعل المؤمنين معطوفين علي الله تعالي، فالله تعالي والمؤمنون هم الذين ينصرون النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ويؤيدوه. وذهب ابن كثير إلي جعل المؤمنين معطوفين علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وأن الله تعالي ناصرهم ومؤيدهم فقال: (يخبرهم أنه حسبهم، أي كافيهم وناصرهم ومؤيدهم علي عدوهم) [76] . وذكر العلامة الطباطبائي كلا الرأيين ورجح الرأي الأول [77] . وهنالك قرينة تدل علي ترجيح الرأي الأول، وهي قوله تعالي:(... فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) [78] . والآية تسمي من كان مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالمؤمنين سواء كان الله تعالي [ صفحه 34] ناصره وناصرهم، أو كان الله والمؤمنون ناصرين له (صلي الله عليه وآله وسلم)، ولا دلالة علي أكثر من ذلك. وقد ذهب الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني إلي أن الآية تدل علي ثبوت عدالة الصحابة أجمعين وطهارتهم [79] وجعلوا الآية شاملة لجميع الصحابة حتي الذين لم يشتركوا في أي غزوة من الغزوات، وهذا التعميم بحاجة إلي دليل، ولا يكفي أن نقول: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد، فالآية قد نزلت في مورد خاص وفي معركة بدر بالخصوص، فكيف نعممها علي جميع الصحابة حتي الذين كانوا يقاتلون في صف المشركين ثم أسلموا فيما بعد؟ وتسالم المفسرون علي نزول الآية في مورد خاص وهو غزوة بدر، وفي جماعة خاصة من الصحابة، وهم الصحابة الأوائل الذين اشتركوا في الغزوة ولم يتخلفوا، لا في مطلق الصحابة.فقيل: أنها نزلت في الأنصار [80] . وقيل: أنها نزلت في الأربعين الذين أسلموا في بداية البعثة [81] . وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (أنها نزلت في علي بن أبي طالب) [82] . والجامع المشترك لهذه الآراء أنها نزلت في الصحابة الذين شاركوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في القتال. [ صفحه 35] وبهذا يتضح عدم صحة ما ذهب إليه الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني من شمولها لجميع الصحابة فردا فردا، فالمتسالم عليه أن عدد الصحابة الذين اشتركوا في غزوة بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر، أما بقية الصحابة الذين أسلموا فيما بعد وخصوصا بعد فتح مكة، فقد كان بعضهم في صفوف المشركين الذين قاتلوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فكيف تشملهم الآية التي نزلت لتطييب خاطر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإبلاغه بأن الله تعالي كافيه وناصره علي أعدائه الذين جمعوا له للقضاء عليه وعلي رسالته، وجميعهم من الصحابة الذين أسلموا فيما بعد، كمعاوية، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد وغيرهم! ومع نزول الآية في الصحابة الأوائل، إلا أنها مشروطة بحسن العاقبة،كما سيأتي فيما بعد [83] . وهذا كله بحسب الأقوال والآراء في معني الآية ونزولها. أما بالنظر إلي ما قدمناه فإن الآية المباركة تقول للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) وهل يعم هذا اللسان غير " الذين آمنوا " من " الذين في قلوبهم مرض " ومن " المنافقين "؟! الآية الخامسة: قال الله تعالي: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا...) [84] . [ صفحه 36] في هذه الآية ثناء من الله تعالي للسابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، وتصريح منه تعالي برضاه عنهم لما قدموا من تضحيات في سبيل الله. واختلف المفسرون في مصداق السابقين علي آراء [85] . الرأي الأول: أهل بدر. الرأي الثاني: الذين صلوا إلي القبلتين. الرأي الثالث: الذين شهدوا بيعة الرضوان. واختلفوا في تفسير التابعين علي آراء:الأول: هم الأنصار، علي قراءة من حذف الواو من قوله (والذين) [86] . الثاني: هم المسلمون الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار [87] . الثالث: هم المسلمون الذين جاءوا بعد عصر الصحابة [88] . الرابع: هم المسلمون في كل زمان إلي أن تقوم الساعة [89] . واستدل الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني وابن النجار حسب رأيهم المعروف بهذه الآية علي رضوان الله تعالي عن جميع الصحابة [ صفحه 37] الذين عاصروا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإن أسلموا فيما بعد، أو ارتدوا ثم عادواإلي الإسلام، حسب تعريفهم للصحابة، وبهذا الرضوان كانوا عدولا [90] . وهذا الاستدلال خلاف للواقع، فالآية مختصة بالمهاجرين والأنصار الذين سبقوا غيرهم في الهجرة والنصرة، من غير " الذين في قلوبهم مرض " و " المنافقين " أما التبعية لهم فمشروطة بالإحسان، سواء فسر بإحسان القول فيهم كما ذهب الفخر الرازي [91] ، أو حال كونهم محسنين في أفعالهم وأقوالهم، كما قال المراغي: (فإذا اتبعوهم في ظاهر الإسلام كانوا منافقين مسيئين غير محسنين، وإذا اتبعوهم محسنين في بعض أعمالهم ومسيئين في بعض كانوا مذنبين) [92] . فمن لم يحسن القول فيهم أو من لا يتبعهم بإحسان لا يكون مستحقا لرضوان الله تعالي، فمن أمر بشتم الإمام علي (عليه السلام) وذمه لا تشمله الآية، فقد جاء في وصية معاوية للمغيرة بن شعبة: (لا تترك شتم علي وذمه)،فكان المغيرة (لا يدع شتم علي والوقوع فيه) [93] . فكيف يدعون رضوان الله عنهم وقد خالفوا شرطه في الاتباع بإحسان، وخرجوا علي أول المؤمنين ووصي رسول رب العالمين، أو من استقرت له الخلافة ببيعة أهل الحل والعقد حسب رأيهم، وسفكوا في هذا الخروج دماء السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان [ صفحه 38] كعمار بن ياسر وذي الشهادتين وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وغيرهم كما هو مشهور؟! وإضافة إلي ذلك فرضوان الله تعالي مشروط بحسن العاقبة كما ورد عن البراء بن عازب، حينما قيل له: (طوبي لك صحبت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وبايعته تحت الشجرة)، فقال للقائل: (... إنك لا تدري ما أحدثنا بعده) [94] . وقول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) [95] . الآية السادسة: قال تعالي: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) [96] . أثني الله تعالي علي الصحابة " المؤمنين " الذين بايعوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تحت الشجرة، وهي بيعة الرضوان، ومصداق الثناء هو رضوان الله عنهم وإنزال السكينة علي قلوبهم. وعلي الرغم من نزول الآية في بيعة الرضوان عام الحديبية واختصاصها بالمبايعين فقط، وعددهم - حسب المشهور من الروايات - كان ألفا وأربعمائة [97] وهي بقرينة الآيات الأخري مخصصة بالذين آمنوا ولم يكن في قلوبهم مرض، واستقاموا علي الإيمان ولم ينحرفوا عن لوازم البيعة، إلا أن الخطيب البغدادي أدرج جميع الصحابة في هذه الآية، [ صفحه 39] وتابعه ابن حجر العسقلاني مستشهدا برأيه [98] ، ولهذا ادعوا عدالة جميع الصحابة كما هو المشهور في تعريفهم للصحابي. وهذا الادعاء غير صحيح، فرضوان الله وسكينته مختصة بالمبايعين الموصوفين بما ذكرناه فقط، أما غيرهم فخارج عن ذلك، ولأن سبب البيعة هو وصول الخبر بمقتل عثمان من قبل المشركين بعد أن أرسله (صلي الله عليه وآله وسلم) مبعوثا عنه إلي قريش، فدعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي البيعة علي قتال المشركين [99] ، وهؤلاء المشركون هم الذين أسلموا فيما بعد وأصبحوا من الصحابة، فكيف يشملهم رضوان الله وسكينته، وهم السبب الأساسي في الدعوة إلي البيعة، فكيف يعقل أن يكون رضوان الله شاملا للمبايعين وللمراد قتالهم في آن واحد؟! وإضافة إلي ذلك فإن الأجر المترتب علي البيعة موقوف علي الوفاء بالعهد، كما جاء في الآية الكريمة: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) [100] ، فرضوان الله وسكينته مشروطة بالوفاء بالعهد وعدم نكثه [101] . وكل ذلك مشروط بحسن العاقبة كما في رواية البراء بن عازب المتقدمة، ولم تمض علي البيعة إلا أيام معدودة حتي عقد رسول [ صفحه 40] الله (صلي الله عليه وآله وسلم) معاهدة الصلح في الحديبية، فدخل الشك والريب قلوب بعض الصحابة حتي خالفوا أوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فلم يستجيبوا له حينما أمرهم بالحلق والنحر [102] إلا بعد التكرار وقيامه بنفسه بالحلق والنحر، وهذا يدل علي أن لحسن العاقبة دورا كبيرا في الحكم علي البعض بالعدالة وعدمها، فرضوان الله تعالي إنما خصص بالبيعة، ولا دليل لشموله لجميع المراحل التي تعقب مرحلة البيعة، فمثلا أن قاتل عمار بن ياسر في صفين كان من المبايعين تحت الشجرة [103] وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في عمار: (قاتله وسالبه في النار) [104] ، وقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلي الله، ويدعونه إلي النار) [105] . الآية الثامنة: قال الله تعالي: (محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا... وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) [106] . وصف الله تعالي رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأصحابه بأنهم أشداء علي الكفار رحماء بينهم، عرفوا بالركوع والسجود وابتغاء الفضل والرضوان من الله، ووعد تعالي المؤمنين منهم والذين عملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما. [ صفحه 41] وقد أختلف في الصحابة الذين نزلت فيهم الآية، فذهب ابن الصلاح وابن النجار إلي أن الآية شاملة لكل الصحابة [107] . وذهب آخرون إلي أن الآية خاصة بالذين آمنوا وعملوا الصالحات من الصحابة، وإلي هذا الرأي أشار العلامة الطباطبائي بالقول: (... ضمير " منهم " للذين معه، و " من " للتبعيض علي ما هو الظاهر المتبادر... ويفيد الكلام اشتراط المغفرة والأجر العظيم بالإيمان حدوثا وبقاء، وعمل الصالحات، فلو كان منهم من لم يؤمن أصلا كالمنافقين الذين لم يعرفوا بالنفاق... أو آمن أولا ثم أشرك وكفر... أو آمن ولم يعمل الصالحات، لم يشمله وعد المغفرة والأجر العظيم. وقيل: إن " من " في الآية بيانية لا تبعيضية، فتفيد شمول الوعد لجميع الذين معه، وهو مدفوع... بأن " من " البيانية لا تدخل علي الضميرمطلقا...) [108] . والآية الكريمة نزلت في أصحاب بيعة الرضوان ومن شهد الحديبية [109] ،وتعميمها علي الصحابة جميعا - حتي الذين أسلموا بعد صلح الحديبية - بحاجة إلي دليل. وأصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الذين كانوا معه والرحماء بينهم والأشداء علي الكفار هم الذين شهدوا الحديبية، أما غيرهم فكان باقيا علي كفره [ صفحه 42] ولم يسلم إلا بعد فتح مكة، فكيف يصح التعميم؟! وصفات الرحمة بينهم والشدة علي الكفار، هي التي أوجبت لهم المغفرة والأجر من الله تعالي، ومن لا يتصف بهذه الصفات فخارج موضوعا عنهم، وقد حذرهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من الاقتتال الداخلي فقال:(لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) [110] . فقد قتل عبد الرحمن بن عديس البلوي عثمان بن عفان، وعبد الرحمن من الذين بايعوا بيعة الرضوان [111] ، وحارب معاوية الإمام عليا (عليه السلام)، بعد أن أهدي إلي قيصر الروم ذهبا وفضة ليتفرغ إلي حرب الإمام علي (عليه السلام) [112] ، فكان مخالفا لصفة الذين آمنوا وهي الرحمة بينهم والشدة علي أعدائهم، فقد وادع عدوه، وحارب وليه. وقتل في معركة صفين خيار الصحابة ومن المهاجرين الأوائل، كعمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين. وقتل معاوية الصحابي حجر بن عدي، وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بحقه وحق من قتل معه: (يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات) [113] . وإذا برر البعض ما فعله معاوية بأنه كان مجتهدا - كما سيأتي - فلا اجتهاد لبسر بن أرطأة حينما قتل طفلين لعبيد الله بن العباس بن [ صفحه 43] عبد المطلب [114] . وهذه الأحداث تدل علي انتزاع صفة الرحمة من بعض الصحابة، فكيف يدخلون في عموم الآية؟! الآية التاسعة: قال تعالي: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) [115] . ويلحق بها قوله تعالي: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) [116] . وقوله تعالي: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) [117] . أثني الله تعالي علي الصحابة من المهاجرين والأنصار والذين آمنوا فيما بعد، والظاهر من الثناء اختصاصه بالمجموع لا بالأفراد فردا فردا، لأن الثناء انصب علي خصائصهم المشرقة النبيلة المتمثلة بنصرهم لله ورسوله والإيثار علي النفس، والدعاء للسابقين بالمغفرة، ونزع الغل - أي العداوة - من قلوب الذين آمنوا بعد الهجرة، فمن يتصف بهذه الصفات [ صفحه 44] يستحق الثناء. وقد وردت تفاسير عديدة تؤكد أن المراد بالصادقين بعض المؤمنين وليس جميعهم [118] . ولا ريب في أن المراد من هذا البعض هم المؤمنون الصادقون في إيمانهم والمخلصون لله سبحانه في جميع حالاتهم، فالآية لا تعم الذين في قلوبهم مرض، والذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم. بينما ذهب الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني إلي أن الثناء يشمل جميع أفراد المؤمنين، أي الصحابة فردا فردا [119] ، فهم الصادقون والمفلحون. لكن هذا القول يدفعه الثابت من سير بعض الصحابة وتاريخهم، فإذا تتبعنا سيرة بعض الصحابة نجدهم قد بدلوا الدعاء بالغفران للسابقين إلي اللعن والشتم، والدعاء برفع الغل والعداوة إلي العداء الحقيقي الذي وصل إلي حد استحلال قتل من تقدمهم بالإيمان والهجرة، فكيف تشملهم الآية؟!وكان معاوية وولاته يسبون الإمام عليا (عليه السلام) من علي منابر المسلمين [120] . ووضع معاوية قوما من الصحابة علي رواية أخبار قبيحة في الإمام علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، ويجعل لهم هدايا من بيت المال [ صفحه 45] مقابل ذلك [121] . فأين الدعاء بالمغفرة، والدعاء برفع الغل والعداوة؟ وهل يصح الاجتهاد في سب المهاجرين الأوائل المنزهة قلوبهم من أي مرض؟! وقد اعترف مروان بن الحكم بأن سب علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا مبرر له إلا الحفاظ علي كرسي الحكم بعد أن أثبت براءته من دم عثمان، حيث جاء في قوله للإمام علي بن الحسين (عليهما السلام): (ما كان أحد أكف عن صاحبنا من صاحبكم) فقال (عليه السلام): (فلم تشتمونه علي المنابر؟) قال مروان: (لايستقيم لنا الأمر إلا بذلك) [122] . فمن بدل الدعاء بالغفران ورفع الغل بالشتم والقتال، لا يكون مصداقا للآيات المتقدمة. وخلاصة ما تقدم أن الآيات النازلة بحق الصحابة والثناء عليهم، لم تكن شاملة لجميع الأفراد، فبعضها ناظر إلي المجموع بما هو مجموع دون السراية إلي الأفراد، وبعضها مختص بطائفة منهم وضمن مواصفات خاصة، وبعضها مشروط بشروط معينة، وبعضها مشروط بحسن العاقبة. [ صفحه 46]

آيات الذم والتقريع

ابتعد كثير من الصحابة في مواقفهم وسلوكهم عن المنهج الإلهي المرسوم لهم، وخالفوا القواعد الأساسية للسلوك الإسلامي، فنزلت الآيات في ذمهم وتقريعهم، وسنذكر بعض هذه الآيات حسب ترتيبها في القرآن الكريم. الآية الأولي: قال تعالي: (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) [123] . النفاق قسمان: قسم واضح وظاهر للعيان، وقسم خفي لا يعلمه إلاالله، لأنهم يبطنون الكفر في سويداوات قلوبهم إبطانا [124] . أو كما وصفهم الفخر الرازي: (إنهم تمرنوا في حرفة النفاق، فصاروا فيها أستاذين، وبلغوا إلي حيث لا تعلم أنت نفاقهم مع قوة خاطرك وصفاء حدسك ونفسك) [125] . وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يتعامل مع المسلمين حسب ظواهرهم ولا يتابعهم أو يعلن عن أسماء المنافقين الذين يعرفهم، فعن أبي الدرداء أن رجلا يقال له حرملة.. قال: يا رسول الله: إنه كان لي أصحاب من المنافقين، وكنت رأسا فيهم، أفلا آتيك بهم، قال (صلي الله عليه وآله وسلم): (من أتانا [ صفحه 47] استغفرنا له، ومن أصر فالله أولي به، ولا تخرقن علي أحد سترا) [126] . فوجود منافقين بين الصحابة، يعني أننا لا نستطيع أن نحكم علي أفراد الصحابة بالخيرية والعدالة، وإنما ننظر إلي سلوكهم ومواقفهم العملية، فمن كان سلوكه وموقفه مطابقا لقواعد الإسلام الثابتة فهو من الأخيار والعدول، ومن لم يكن كذلك، فلا نحكم عليه بالخيرية والعدالة، وإنما نصفه بالوصف الذي يستحقه دون الحاجة إلي تبرير سلوكه وموقفه تارة بالتأويل وأخري بالاجتهاد، فما دام النفاق موجودا لدي بعضهم في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فإنه مستمر بالوجود بعد وفاته، وخصوصا أن المنافقين أصبحوا في مأمن من كشف الوحي أسرارهم. الآية الثانية: قال الله تعالي: (ومن الناس من يعبد الله علي حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب علي وجهه خسر الدنياوالآخرة...) [127] . نزلت الآية في الذين أسلموا إسلاما غير مستقر، قال الزمخشري: (علي حرف: علي طرف من الدين لا في وسطه وقلبه، وهذا مثل لكونهم علي قلق واضطراب في دينهم لا علي سكون وطمأنينة... قالوا: نزلت في أعاريب قدموا المدينة، وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهرا سريا، وولدت امرأته غلاما سويا، وكثر ماله وماشيته، قال: ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا... وإن كان الأمر بخلافه قال: ما أصبت إلا [ صفحه 48] شرا) [128] ونحو ذلك قال ابن كثير [129] . والأعراب هم قوم من الصحابة، لأنهم صحبوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولو ساعة من نهار حسب تعريف المشهور، وإن درجات إيمانهم تتناسب طرديا مع ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، فهم بين اندفاع وانكماش وبين تقدم وتراجع تبعا للظروف، وهؤلاء وإن أسلموا ورافقوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعض الوقت، إلا أن الإيمان لم يدخل قلوبهم، كما عبر عنهم القرآن الكريم: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم... إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) [130] . ويلحق بهم المؤلفة قلوبهم من الصحابة، فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يعطيهم الأموال ليتألفهم علي الإسلام، ومنهم أبو سفيان وأولاده [131] . ومثل هؤلاء الذين يكون ارتباطهم بالإسلام قائما علي أساس مقدار العطاء، لا نتوقع أن يكونوا بمستوي المجاهدين الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ثم لم يرتابوا. الآية الثالثة: قال الله تعالي: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم... لكلامرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولي كبره منهم له عذاب عظيم) [132] . [ صفحه 49] نزلت هذه الآية وآيات أخري في الصحابة الذي اتهموا إحدي زوجات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالفاحشة، فكان بعضهم من المنافقين، وكان البعض الآخر من الصحابة غير المنافقين، قال ابن كثير: (جماعة منكم يعني ما هو واحد ولا اثنان، بل جماعة.. فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، فإنه كان يجمعه ويستوشيه حتي دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين فتكلموا به، وجوزه آخرون منهم، وبقي الأمر كذلك قريبا من شهر حتي نزل القرآن) [133] . فقد ارتكب جماعة من الصحابة ذنبا عد من كبائر الذنوب، فاتهام المسلمة وقذفها من الكبائر، فكيف والمتهمة زوجة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟! ولم يحاول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تبرئة زوجته محتجا بأن شرف الصحبة له يمنعها من ممارسة ما اتهمت فيه، وإنما انتظر الوحي واكتفي (صلي الله عليه وآله وسلم) بقوله: (يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي... ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا). فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: (يا رسول الله، أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك)، فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: (كذبت، لعمر الله لا تقتله ولا تقدر علي قتله)، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: (كذبت، لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن [ صفحه 50] المنافقين) [134] . وما جري بين الصحابة، من مشادة واتهام بالكذب والنفاق يعني تجويز الكذب عليهم، وتجويز النفاق عليهم، وإن شرف الصحبة لا يحصنهم من ذلك. هذا ما كان يقوله الصحابة أنفسهم في بعضهم، فهل للجدال فيه معني؟! الآية الرابعة: قال الله تعالي: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) [135] . نزلت هذه الآية في الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والوليد بن عقبة، قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): (أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا). فقال له الإمام علي (عليه السلام): (اسكت، فإنما أنت فاسق)، فنزلت الآية، قال عبد الله بن عباس: (يعني بالمؤمن عليا، وبالفاسق الوليد بن عقبة) [136] . وقد اتفق كثير من المفسرين في أن المراد بالفاسق هو الوليد بن عقبة [137] . ونزلت آية أخري في الوليد بن عقبة، وسمته فاسقا، وهي قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة [ صفحه 51] فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) [138] . وسبب النزول أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعث الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني المصطلق، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه، فرجع لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وقال له إنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة، فجاؤوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأخبروه بعدم صحة قول الوليد، فنزلت الآية. وهي محل اتفاق بين المفسرين والمؤرخين في نزولها في الوليد بن عقبة، وفي تسميته فاسقا [139] . والوليد بن عقبة كان مشهورا بالفسق حتي بعد رحيل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ففي خلافة عثمان بن عفان كان الوليد أميرا علي الكوفة، فشرب الخمر، وصلي بالناس جماعة وهو سكران [140] . وقال ابن حجر العسقلاني: (وقصة صلاته بالناس الصبح أربعا وهو سكران مشهورة مخرجة، وقصة عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضا مخرجة في الصحيحين) [141] . الآية الخامسة: قال الله تعالي: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) [142] . [ صفحه 52] وقال تعالي: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة...) [143] . يذكر الله تعالي صنفين من المسلمين أو من الصحابة: المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، فكلاهما يشهد الشهادتين ويعترف ولو بالظاهر برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رسولا. وهنالك ثلاثة آراء في معني (الذين في قلوبهم مرض): فعن محمد بن كعب قال: يعني المنافقين. وعن عكرمة قال: أصحاب الفواحش.وعن عطاء قال: كانوا مؤمنين، وكانوا في أنفسهم أن يزنوا و... [144] . وهذه الأقوال كلها واضحة الضعف. والظاهر أن معني (الذين في قلوبهم مرض): (هم ضعفاء الإيمان من المؤمنين، وهم غير المنافقين) [145] . نعم، هم غير المنافقين، لأنهم الذين تظاهروا بالإسلام والإيمان لا خوفا علي أنفسهم وأموالهم بل لأغراض غير ذلك. وضعفاء الإيمان يمكن صدور الذنب والمعصية منهم، وقد صدر بالفعل بقولهم: (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)، وهذا القول من أعظم [ صفحه 53] الذنوب والمعاصي. وقد حذر الله تعالي نساء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من ترقيق القول، وقال: (... فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض...) [146] . وقال العلامة الطباطبائي في تفسيره: ((فيطمع الذي في قلبه مرض) وهو فقدانه قوة الإيمان التي تردعه عن الميل إلي الفحشاء) [147] . فالذي في قلبه مرض يميل إلي الذنوب والمعاصي حسب درجة قوة وضعف إيمانه وعاقبته إما الاستقامة وإما الانحراف. الآية السادسة: قال الله تعالي: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين... ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما) [148] . إنه قد تكون المرأة من نساء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أكثر وأطول صحبة له من الغير، ولكن لا تأثير لهذه الصحبة في السلوك والموقف العملي، فهي لا تعصم من الخطأ والزلل إلا إذا أعطي الصاحب للصحبة حقها بالاقتداء برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ولهذا فالله تعالي يحذر نساء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من إتيان الفاحشة، ويهدد بجعل العذاب ضعفين لقربهن من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). قال القرطبي: (لما كان أزواج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه، قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم [ صفحه 54] غيرهن فضوعف لهن الأجر والعذاب، وقيل: إنما ذلك لعظم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فكانت العقوبة علي قدر عظم الجريمة في إيذاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)) [149] . فالصحبة بمفردها غير عاصمة من الزلل والخطأ، ويكون الزلل والخطأ أكثر قبحا إن صدر ممن صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، لأن الحجة عليه تكون آكد وأشد. والأخطاء التي ارتكبت من قبل بعض نساء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر واقع، فعن عائشة أنها قالت: (إن رسول الله كان يمكث عند زينب بنت جحش... فتواطأت أنا وحفصة أن أينا دخل عليها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير.. فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (لا بل شربت عسلا عند زينب) [150] . وفي رواية أن عمر بن الخطاب قال لحفصة: (أتغاضبن إحداكن رسول الله يوما إلي الليل؟) قالت: نعم، قال: (أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله فيهلكك؟) [151] . وقد نزلت آيات عديدة في نساء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ونساء الأنبياء (عليهم السلام)، منها: قال الله تعالي: (إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن [ صفحه 55] الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير - عسي ربه إنطلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن...) [152] . وقال الله تعالي: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) [153] . وقال تعالي: (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون... ومريم ابنة عمران) [154] . وفي تفسير الزمخشري للآيات المتقدمة قال: (... وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين - يعني عائشة وحفصة - وما فرط منهما من التظاهر علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بما كرهه، وتحذير لهما علي أغلظ وجه وأشده لما في التمثيل من ذكر الكفر... وإشارة إلي أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين، وأن لا تتكلا علي أنهما زوجا رسول الله، فإن ذلك الفضل لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين...) [155] . فالصحبة الطويلة والكثيرة لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فضل وشرف ولكنها غير عاصمة من الزلل، فلو كانت عاصمة لعصمت امرأة نوح وامرأة لوط، فكان مصيرهما النار، ولم تنفعهما صحبتهما للنبي. [ صفحه 56] فالميزان هو الاستقامة والاعتدال، والاستعداد لهما، ومجاهدة النفس للوصول إلي مراتب الكمال والعدالة. الآية السابعة: قال الله تعالي: (... وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أنتنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) [156] . نزلت هذه الآية في بعض الصحابة الذين آذوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقد روي الطبرسي: (أن رجلين قالا: أينكح محمد نساءنا ولا ننكح نساءه، والله لئن مات لنكحنا نساؤه، وكان أحدهما يريد عائشة، والآخر يريد أمسلمة) [157] . وعن السدي أنه قال: (بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا، لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه منبعده) [158] . وفي رواية أن محمد بن عمرو بن حزم، قال: (إذا توفي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تزوجت عائشة) [159] . وعن عبد الله بن عباس قال: (إن رجلا أتي بعض أزواج النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فكلمها وهو ابن عمها، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا... فمضي ثم قال: يمنعني من كلام ابنة عمي، لأتزوجنها من بعده، فأنزل الله هذه الآية... فأعتق ذلك الرجل رقبة، وحمل علي عشرة أبعرة [ صفحه 57] في سبيل الله، وحج ماشيا توبة من كلمته) [160] . وفي هذه الرواية أدرك ذلك الصحابي عظم الذنب، فتاب إلي الله تعالي، وهذا إن دل علي شئ إنما يدل علي أن الصحابي معرض للانحراف والانزلاق، وهو يستقيم أحيانا وينحرف أخري وباب التوبة مفتوح للتائبين. الآية الثامنة: قال الله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) [161] . عن أبي العالية قال: (كان أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت (الآية)، فخافوا أن يبطل الذنب العمل) [162] . فهذه الآية نزلت لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وأثبتت أن الأعمال الصالحة تبطل بالذنوب. وقد أكد القرآن الكريم علي أن الذنوب تبطل وتحبط الأعمال وإن كانت غير واضحة عند مرتكبيها قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أنتحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) [163] . [ صفحه 58]

آيات واضحة الدلالة

وردت آيات عديدة واضحة الدلالة في وصف واقع الصحابة من حيث قربهم وبعدهم عن المنهج الإسلامي الثابت في أسسه وموازينه، وفيما يلي نستعرض هذه الآيات. قال الله تعالي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) [164] . وقال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم... ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) [165] . وقال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون - كبر مقتا عندالله أن تقولوا ما لا تفعلون) [166] . وقال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكرالله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) [167] . ووردت آيات عديدة تتحدث عن دور الأهواء والمغريات الخارجية ودور الشيطان في منع الإنسان من الاستقامة والاعتدال، ووردت آيات عديدة تنهي الصحابة عن ممارسات خاطئة وقعوا فيها، وتحذرهم من [ صفحه 59] عذاب الله تعالي، وتخوفهم من سوء العاقبة بالارتداد والرجوع إلي الكفر، وكان الترغيب والترهيب هو السائد في أغلب الآيات القرآنية من أجل إصلاح الصحابة وربطهم بالمنهج الإسلامي ليكون حاكما علي تصوراتهم ومشاعرهم ومواقفهم، بمعني أن الصحابة يجوز عليهم الاشتباه والخطأ والانحراف والفسق، بل حتي الارتداد عن دين الله تعالي والكفر بالرسالة، وقد وقع هذا فعلا بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فمنهم من مات مرتدا ومنهم من عاد إلي الإيمان بعد حروب الردة كما هو مشهور في كتب التاريخ والسيرة، وإذا جاز علي بعض الارتداد، وقد حصل بالفعل وبالواقع، فمن الأولي يجوز عليهم الفسق في السلوك بعد غياب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وانقطاع الطاقة الدافعة للإيمان وللتقوي بانقطاع الوحي عن الأرض، لأن عوامل الانحراف والفسق لم تغب عن الواقع، وهي الأهواء النفسية والمغريات الخارجية، ودور الشيطان في ربط بعضها بالبعض الآخر. [ صفحه 61]

الصحابة في السنة المطهرة

اشاره

وفي السنة المطهرة أيضا أحاديث كثيرة عن الصحابة يروونها عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، في بعضها الثناء والمدح لهم والأمر بحبهم علي نحو العموم، وفي بعضها القدح والذم الشديد والأخبار عن سوء العاقبة للأكثرية الساحقة منهم، وفي بعضها المدح أو القدح لأشخاص معينين منهم. وإذا أردنا أن نصل إلي حقيقة الأمر وواقع الحال في هذه الأحاديث كان من الضروري النظر فيها من جهة السند ومن جهة الدلالة ودراسة النسب الموجودة فيما بينها. لكنا نستعرض فيما يلي طائفة من الروايات الواردة في المسألة، مع غض النظر عن أسانيدها:

روايات المدح والثناء

فهذه أولا نصوص روايات وردت في الكتب في مدح الأصحاب عامة أو المهاجرين والأنصار كلهم أو الأنصار كلهم فقط ونحو ذلك: [ صفحه 62] الرواية الأولي: (اللهم امض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم علي أعقابهم) [168] . الرواية الثانية: (الأنصار كرشي وعيبتي) [169] . الرواية الثالثة: (في كل دور الأنصار خير) [170] . الرواية الرابعة: (المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنياوالآخرة) [171] . الرواية الخامسة: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار) [172] . الرواية السادسة: قبل بدء القتال في غزوة بدر قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم):(اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد) [173] . الرواية السابعة: (يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال (صلي الله عليه وآله وسلم): بالثناء الحسن والثناء السئ، أنتم شهداء الله في الأرض) [174] . الرواية الثامنة: (طوبي لمن رآني وآمن بي، وطوبي ثم طوبي - يقولها [ صفحه 63] سبع مرات - لمن لم يرني وآمن بي) [175] . الرواية التاسعة: قال له رجلان: يا رسول الله، أرأيت من رآك فآمن بك وصدقك واتبعك، ماذا له؟ قال (صلي الله عليه وآله وسلم): (طوبي له) [176] . الرواية العاشرة: (لا زال هذا الدين ظاهرا علي الأديان كلها ما دام فيكم من رآني) [177] . الرواية الحادية عشر: (أثبتكم علي الصراط أشدكم حبا لأهل بيتي ولأصحابي) [178] . الرواية الثانية عشر: كان بين خالد بن الوليد وبين أحد المهاجرين الأوائل كلام، فقال خالد له: " تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها "، فسمع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بذلك فقال: (دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لوأنفقتم مثل أحد - أو مثل الجبال - ذهبا ما بلغتم أعمالهم) [179] . والظاهر أن الروايتين الأخيرتين ليست عامة في جميع الصحابة السابقين والمتأخرين في الإيمان والجهاد، وإنما هي مختصة في بعض منهم. فقد جمع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بين حب أهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه، فلو كان قصده جميع الصحابة لحدث تناقض لأن بعض الصحابة آذي بضعته من [ صفحه 64] بعده، وبعضهم كان مبغضا لأهل بيته، وقد وصل حد البغض إلي قتالهم واستباحة دمائهم، فقد حارب معاوية وعمرو بن العاص وبسر بن أرطأة وآخرون الإمام عليا (عليه السلام) ومن بعده الإمام الحسن (عليه السلام)، فكيف يجتمع حب الإمام علي (عليه السلام) وحب معاوية وأتباعه في قلب واحد، والكلام موجه إلي الصحابة، فكيف يوجه الصحابة إلي حب الصحابة؟ ورواية (دعوا لي أصحابي) مختصة أيضا ببعض الصحابة، لأن الأمر موجه إلي خالد بن الوليد وهو من الصحابة، يأمره بالكف عن صحابي آخر، ويقارن بين أعمال المتقدمين في الإيمان والهجرة والنصرة وأعمال المتأخرين، فالرواية واضحة الدلالة باختصاصها ببعض الصحابة. وما تقدم من ثناء مشروط بشروط، منها: الإيمان الحقيقي، فلا يكون من في قلبه مرض مرادا قطعا، والاستقامة علي المنهج الإسلامي وحسن العاقبة، لأن بعض الصحابة ارتدوا ثم عادوا إلي الإسلام، وبعضهم منافقون أسروا نفاقهم، ولكنه ظهر من خلال أعمالهم ومواقفهم كما سيأتي بيانه. وقد أثني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي بعض الصحابة بأسمائهم، ووجه الأنظار إلي عدد محدود منهم، فكرر مدحهم والثناء عليهم وجعلهم الصفوة من بين آلاف الصحابة، ولم يساو بين السابقين في الهجرة والإيمان وبين المتأخرين الذين أسلموا خوفا أو طمعا. وفي مقابل الثناء علي بعض الصحابة، وردت أحاديث مفتعلة منسوبة إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بحق آخرين من الصحابة. وقد كثر تزوير الأحاديث في عهد بني أمية، قال ابن عرفة، المعروف [ صفحه 65] بنفطويه: (إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت فيأيام بني أمية، تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم) [180] . وقال أبو الحسن المدائني: (كتب معاوية نسخة واحدة إلي عماله... أن برئت الذمة ممن روي شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته)، ثم كتب: (ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله... فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها... فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضي علي ذلك الفقهاء والقضاة والولاة... حتي انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلي أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنها حق،ولو علموا أنها باطلة لما رووها، ولا تدينوا بها) [181] .

روايات الذم والتقريع

شخصية الإنسان تتحكم فيها عوامل ثلاثة: الفكر، والعاطفة، والإرادة، وهي التي تحدد موقف الإنسان وسلوكه في الحياة، فالإيمان بعقيدة معينة وفكرة معينة يجعل الشعور الباطني حركة سلوكية في الواقع، ويحول هذه الحركة إلي عادة ثابتة متفاعلة مع ما يحدد لها من تعاليم ومفاهيم وقيم، إن تطابقت الإرادة مع أسس الإيمان وقواعده، والإرادة هي الحد الفاصل بين مرحلة الشعور ومرحلة الواقع، وبها تتميز [ صفحه 66] شخصية الإنسان في الخارج في قرارها النهائي، وكل هذه العوامل مرتبطة في ظواهرها مع عوامل أخري كالوراثة والمحيط الاجتماعي التي تؤثر علي تلك العوامل تأثيرا إيجابيا أو سلبيا، وبالتالي تؤثر علي تحديد شخصية الإنسان، ولذا نري الصحابة متفاوتين في شخصياتهم، فمنهم من هو في قمة التكامل والسمو، ومنهم من هو في مراتب أدون فأدون، تبعا لتفاوت درجات الإيمان ودرجات الأنس بالعقيدة والفكر، ودرجات الارتباط بالقدوة الصالحة المجسدة للعقيدة والشريعة في واقعها السلوكي، والتفاعل مع المغريات والمثيرات الخارجية اندفاعا وانكماشا، فبعض الصحابة الذين بقي إيمانهم متزعزا قد نكصوا علي أعقابهم وارتدوا عن الإسلام، وبعضهم عاد إلي الإيمان بعد ردته خوفا أو طمعا أو استسلاما للأمر الواقع أو قناعة بصحة الرسالة، وبعضهم لم يقاوم جبهة التصدع في شخصيته، فاستسلم للأهواء واستجاب للمغريات الخارجية كحب الرئاسة وحب المال، فانحرف عن الاستقامة في موقفه وسلوكه العملي، ولذا جاءت الروايات في مقام التحذير من الانحراف والنكوص والتردد، وجاء بعضها في مقام الذم والتقريع لمواقف سلوكية اتخذها بعض الصحابة في مراحل حياتهم.

من آثار الجاهلية

في أحد الأيام قام أحد الكفار بتذكير نفر من الصحابة من الأوس والخزرج بقتلاهم في الجاهلية، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار في يوم بعاث، وهو اليوم الذي اقتتل فيه الأوس والخزرج، فهاجتهم تلك الأشعار وتنازعوا وتفاخروا، وغضبوا جميعا، فخرجوا إلي الحرة ومعهم السلاح، وقبل بدء القتال خرج إليهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: [ صفحه 67] (يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم) فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيدمن عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا [182] . فلولا الاسراع في حل الأزمة لحدث القتال ولبقيت آثاره قائمة، حدث ذلك ورسول الله بين أظهرهم، فكيف يكون الوضع لو لم يكن معهم كما حدث بعد رحيله! وفي أحد الأماكن ازدحم علي الماء أحد المهاجرين وأحد الأنصار، فصرخ أحدهم: يا معشر المهاجرين، وصرخ الآخر، يا معشر الأنصار، وكادت تحدث الفتنة لولا تدخل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في تجاوزها وإشغال المسلمين بالمسير لمدة يومين [183] . وقد خالف خالد بن الوليد المهمة التي كلف بها، وهي الدعوة السلمية إلي الإسلام، وقام بقتل جماعة من بني جذيمة ثأرا لعمه المقتول في الجاهلية، وحينما سمع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعمل خالد رفع يديه إلي السماء ثم قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) [184] .

الكذب علي رسول الله

كثر الكذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حياته، وقد حذر (صلي الله عليه وآله وسلم) الصحابة [ صفحه 68] من الكذب عليه في الحديث والرواية فقال (صلي الله عليه وآله وسلم):(لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار) [185] . (من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار) [186] . (من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار) [187] . (من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) [188] . ولتفشي الكذب مطلقا سواء علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أو في الشؤون الأخري وتتابعه، كان (صلي الله عليه وآله وسلم) يحذر من ذلك وينهي عن ممارسته بعد وقوعه، وكان يكرر هذا التحذير في أوقات ومناسبات عديدة ليرتدع الكذابون عن الكذب، فقد قام (صلي الله عليه وآله وسلم) خطيبا وقال: (ما يحملكم علي أن تتابعوا علي الكذب، كما يتتابع الفراش في النار! كل الكذب يكتب علي ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته فيرضيها) [189] . ووضح الإمام علي (عليه السلام) أصناف نقلة الحديث عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقسمهم إلي أربعة: الأول: المتعمد للكذب. [ صفحه 69] الثاني: المتوهم في نقل الحديث، إلا أنه غير متعمد. الثالث: القليل العلم بالناسخ والمنسوخ في الأوامر والنواهي. الرابع: الصادق الواضع للحديث في موضعه. وقال في معرض هذا التقسيم: (إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا... ولقد كذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي عهده، حتي قام خطيبا فقال: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) [190] . فالكذب علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حقيقة لا تقبل التأويل - وسيأتي ذكر مصاديقها في البحوث القادمة - وهو أشد أنواع الكذب تأثيرا في بلبلة المفاهيم والتصورات وخلق الاضطراب في المواقف الخاصة والعامة، لما فيه من إغراء بالقبيح والمنكر، وتحريف للمنهج الإسلامي الثابت في مفاهيمه وقيمه وموازينه.

روايات التحذير من سفك الدماء لأجل الدنيا

حذر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) من التنافس علي الدنيا، وخصوصا في بعض محاورها وهي السلطة التي تسفك من أجلها الدماء، ويستحل الصحابي دم صحابي مثله من أجل الحصول عليها وعلي المكاسب والمغانم التي تكون وسيلة لوجودها. قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (... إني لست أخشي عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشي عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتلوا، فتهلكوا، كما هلك [ صفحه 70] من كان قبلكم) [191] . وأخبر (صلي الله عليه وآله وسلم) أصحابه بأنهم سيحرصون علي الإمارة فقال: (إنكم ستحرصون علي الإمارة، وستصير ندامة وحسرة يوم القيامة، فبئست المرضعة، ونعمت الفاطمة) [192] . وحذر (صلي الله عليه وآله وسلم) من الرجوع إلي الكفر من بعده، وجعل سفك الدماء علة لهذا الكفر، وقد يكون مقصوده (صلي الله عليه وآله وسلم) هو الكفر الحقيقي، لأن المؤمن لا يستحل دم أخيه ما دام مؤمنا بالله تعالي وبالعقاب يوم القيامة، وقد يكون مقصوده هو الانحراف الحقيقي عن الإسلام في الواقع العملي، وفي صدد ذلك التحذير قال (صلي الله عليه وآله وسلم): (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) [193] . وسيأتي في هذا الشأن تفصيل في الفصل الأخير.

روايات الارتداد والرجوع علي الأعقاب

وردت روايات مستفيضة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أكد فيها أن النكوص والانقلاب علي الأعقاب واقع بعده من قبل الصحابة. قال (صلي الله عليه وآله وسلم): (أنا فرطكم علي الحوض، وسأنازع رجالا فأغلب عليهم، فلأقولن رب أصيحابي أصيحابي! فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا [ صفحه 71] بعدك) [194] . والرواية واضحة الدلالة في أن هؤلاء الأصحاب كانوا معروفين في الناس بالاستقامة في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ولكنهم انحرفوا من بعده. وفي رواية أخري أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (ليردن علي الحوض رجال مما صحبني ورآني، حتي إذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولن: ربأصحابي أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) [195] . وقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (إنكم محشورون إلي الله تعالي... ثم يؤخذ بقوم منكم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي! فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم مذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شئ شهيد - إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) [196] . والعذاب المذكور في الآية قرينة علي ارتكاب الذنب والاتصاف بالفسق والخروج عن العدالة والاستقامة، وإلا لا موجب لعذاب العادل النزيه. ومن خلال تتبع الروايات نجد أن الانحراف عن نهج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والابتعاد عن المفاهيم والقيم الإسلامية المعبر عنه بالارتداد والرجوع [ صفحه 72] علي الأعقاب والتقهقر، قد عم عددا كبيرا من الصحابة الذين صحبوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) صحبة ليست بالقصيرة، وقد عبر (صلي الله عليه وآله وسلم) عن كثرتهم بالقول: (بينا أنا قائم إذا زمرة، حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلي النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم... قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) [197] . والروايات المتقدمة تنص علي أن المتسائل هو رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والمجيب غيره، وهنالك روايات تنص علي أن المجيب هو رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مباشرة حيث يخاطب بعض أصحابه في يوم القيامة بإثبات انحرافهم عن الاستقامة بعد رحيله من الدنيا، كما هو في الرواية عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (ما بال أقوام يقولون: إن رحمي لا ينفع، بلي والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرطكم علي الحوض، فإذا جئت قام رجال، فقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، فأقول قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقري) [198] . وتنص الروايات علي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يتبرء منهم ولا يتدخل في إنقاذهم مما هم فيه عند ورودهم الحوض، ففي رواية يقول (صلي الله عليه وآله وسلم): (.. فأقول أصحابي أصحابي! فقيل: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، [ صفحه 73] فأقول: بعدا بعدا.. - أو - سحقا سحقا لمن بدل بعدي) [199] . وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يحذر من الانحراف بعد رحيله، ويجعل ملاك التقييم هو حسن أو سوء العاقبة، ففي رواية أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لشهداء أحد: (هؤلاء أشهد عليهم) فقال أبو بكر: (ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا) فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (بلي، ولكنلا أدري ما تحدثون بعدي) [200] . وقد أكد بعض الصحابة حقيقة الانحراف عن نهج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد رحيله، ومن ذلك قول أبي بن كعب: (ما زالت هذه الأمة مكبوبة علي وجهها منذ فقدوا نبيهم) [201] . وقوله: (ألا هلك أهل العقدة، والله ما آسي عليهم، إنما آسي علي من يضلون من الناس) [202] . [ صفحه 75]

الصحابة في التأريخ

اشاره

للصحابة الذين آمنوا بالله ورسوله حقا دور كبير في انتصار الإسلام واستمرار وجوده ودوره في قيادة البشرية، فهم الطليعة التي واكبت مسيرة الرسول منذ انطلاقها، فقد آمن به وصدقه عدد من الصحابة في مرحلة من أشد المراحل عليه، حيث تكالبت عليه قوي الكفر والشرك والطغيان وطوقوا دعوته من كل جانب، فلم يجد له ناصرا إلا الصفوة من الصحابة، حيث خرجوا عن المألوف من العقائد والأعراف والتقاليد الجاهلية وانضووا تحت لواء الإسلام وقيادة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) دون أن ينتظروا جزاءا دنيويا أو عرضا من أعراض الدنيا، آمنوا بالله وبرسوله إيمانا حقيقيا في وقت كان الإسلام ضعيفا تحيطه الأعداء من كل حدب وصوب، لا يجدون ناصرا لهم ولا معينا يساندهم ويدفع عنهم إلا الله، ولا يجدون القوة التي يواجهون فيها الطغيان سوي قوة الإيمان بالله ورسوله. فتجاوزوا الواقع الجاهلي ولم يعبئوا بما حولهم من قبائل وشعوب وأمم غارقة في الجهل والانحراف والرذيلة، وكان الأمل بالنصر يراود أفكارهم ومشاعرهم ليغيروا الأرض ومن فيها، ويجعلوا الإسلام في موقعه الريادي في حياة البشرية، وتحملوا من أجل ذلك أصناف العذاب. [ صفحه 76] وكان من تعذيب المشركين إياهم (يضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتي لا يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به) [203] . وكان الصحابة الأوائل يتقاسمون العذاب والأذي بإيمان واطمئنان بلا تضعضع ولا تراجع ولا هزيمة روحية، ولم يزدهم العذاب إلا إصرارا علي الإيمان ثباتا علي طريق الهدي، وكان شعارهم (أحد أحد)، وحينما اشتد الأذي والعذاب أمرهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالهجرة إلي الحبشة، فهاجروا فرارا بدينهم. واشتد الأذي والعذاب علي من بقي من الصحابة في مكة إلي أن شاء الله عز وجل أن يأذن لهم بالنصر المؤزر بعد حصارهم في شعب أبي طالب (رضي الله عنه) ثلاث سنوات، ثم امتدت الدعوة الإسلامية - بعد ذلك - وانضوي تحت لوائها عدد من أهل المدينة، فبايعوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في العقبة علي السمع والطاعة وعلي أن يؤمنوا له الحماية اللازمة كما يحامون عن أبنائهم ونسائهم، وعلي حرب من يحاربه مهما كان انتماؤه [204] . وعاهدوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي إيواء المهاجرين ونصرتهم، فأذن (صلي الله عليه وآله وسلم) بهجرة من بقي معه في مكة إلي المدينة، وعلي أثر ذلك تعرض الكثير منهم إلي عنت المشركين واضطهادهم [205] ، وما أن وصلوا إلي يثرب حتي آخي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين والأنصار، فجعل لكل مهاجر أخا من [ صفحه 77] الأنصار، فآواه وآزره وشاركه في داره [206] ، وقد تحقق الإخاء بأفضل صورة في تاريخ البشرية، واستجاب له المهاجرون والأنصار عن قناعة وتسليم واطمئنان، حتي وصل الأخاء إلي قمته، فكان الأنصاري يطلق إحدي زوجتيه (فيخير أخاه المهاجر في إحداهما) [207] . وكان المهاجرون والأنصار (يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء الإسلام إرثا مقدما علي القرابة) [208] . وقد حقق ذلك الإخاء دورا في إنجاح المسيرة الإسلامية والتفرغ إلي العمل الجاد لدعوة الناس إلي الإسلام، والجهاد في سبيل الله، فتكاتفوا في حمل أعباء الرسالة، وتبليغها. ولم يمض علي استقرار النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والمهاجرين إلا أشهر معدودة حتي دعاهم الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الجهاد، فكانت فرصة جيدة لمعرفة الذين آمنوا حقا من الذين في قلوبهم مرض ومن المنافقين الذين تظاهروا بالإسلام خوفا، فاستجاب الذين آمنوا وترسخ الإيمان في قلوبهم فخرجوا في غزوات لملاحقة قوافل المشركين، وكانوا لا يستريحون من أعباء الغزوة حتي يشاركوا في غزوة أخري قاطعين المسافات الطويلة استجابة لله ورسوله. فقاوموا واجتازوا كل الصعوبات والأخطار والمشاكل والمعوقات الواقعة في طريقهم، واستمروا في المسيرة التكاملية متعالين علي هوي [ صفحه 78] النفس وميولها واتجاهاتها المادية. وقطعوا أواصر القربي مع المشركين، فخرجوا إلي بدر يقاتلون آباءهم وأبناءهم ولا يزيدهم ذلك إلا ثباتا علي الإيمان والجهاد، حتي أمدهم الله تعالي بملائكة مسومين [209] . وهكذا استمر الصحابة في الجهاد وأرخصوا دماءهم في سبيل الدعوة والانقياد لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، لا يكلون ولا يملون، وكانوا في عمل دؤوب وجهاد مستمر لا يجدون طعم الراحة والهناء إلا بإنجاز التكاليف الإلهية، فشاركوا في غزوة أحد، فكانت هذه الواقعة إحدي المواقع الحساسة التي عرف فيها المؤمنون الحقيقيون من غيرهم. وكذلك غزوة الخندق حيث قعد الذين لاذوا بالفرار في أحد، عن المواجهة مع قائد جيوش المشركين. ولقد تكرر منهم المخالفة لأوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حتي أخذ منهم البيعة تحت الشجرة علي الموت وعدم الفرار [210] . وهكذا بدأت المفارقات تظهر شيئا فشيئا، وحقائق الأشخاص تنكشف يوما فيوما:

الفواصل السلوكية

الكاشفة عن الحقائق الباطنية لم يكن الصحابة علي مستوي واحد من الإيمان والإخلاص والاستقامة، وإنما هم متفاوتون في كل ذلك، والصحبة وإن كانت شرفا لهم جميعا إلا أنها لا تعني التزكية والتطهير ما لم يكن الصحابي مؤهلا لها [ صفحه 79] ومستعدا للارتقاء والسمو والتكامل، والصحابي بما هو بشر يحمل في جوانحه عناصر الخير والشر، وإن التزكية والتطهير تابعة للإرادة، فالإنسان بطبعه مخير في اختيار موقفه في الحياة، وتلعب الوراثة - متفاعلة مع المحيط التربوي والاجتماعي - دورا أساسيا في تكوين الشخصية الإنسانية من حيث درجة الاقتراب والابتعاد عن المنهج الإسلامي في الواقع. وإذا كان لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تأثير في التوجيه والتربية والإصلاح والتغيير، فإن كثيرا من الصحابة لم يصحبوه إلا قليلا بعد ما مرت عليهم السنين العديدة وهم في الصف المعادي له، وكان بعضهم أحرص الناس علي قتله، والقضاء علي رسالته، وبعضهم أسلم خوفا أو طمعا، وبعضهم بقي منافقا مستترا في نفاقه لا يعلمه إلا الله تعالي، أو معلوما عند رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خافيا علي غيره. فلا غرابة أن نجد بعضهم مبتعدا عن المنهج الإسلامي في تصوراته ومواقفه العملية لعدم انصهاره بالعقيدة والقيم الجديدة، وعدم تحكيمه لها في التصورات والعواطف والمواقف، وخصوصا في العلاقات الاجتماعية والسياسية بين الصحابة، فإن بعضهم قطع أواصر المودة والأخاء مع البعض الآخر، وتعامل البعض بالتنابز بالكفر والفسق والنفاق مع البعض الآخر، ووصلت الفواصل بينهما إلي حد البراءة والاقتتال. وقد ظهرت بوادر ذلك في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلا أنها كانت في طور الخفاء والمحدودية ثم توسعت وطفحت بارزة للعيان بعد عهده (صلي الله عليه وآله وسلم)، ولا غرابة في ذلك وقد حذرهم (صلي الله عليه وآله وسلم) من التنافس علي الدنيا والاقتتال فيما بينهم. [ صفحه 80] ولكن المهم أن تري أن الذين فروا في أحد، وقعدوا في الخندق، وخالفوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في غير موضع، أخذوا يجاهرون بالمخالفة مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في قراراته المصيرية الحاسمة:

التخلف عن جيش أسامة والاعتراض علي إمرته

أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أغلب المهاجرين والأنصار بالتوجه إلي غزو الروم تحت إمرة أسامة بن زيد، وكان علي رأسهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وآخرون [211] ، فطعنوا في إمارته وتثاقلوا حتي قام بهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خطيبا وقال: (إن تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله لقد كان خليقا للإمارة) [212] . وتثاقل كثير من الصحابة ولم يلتحقوا بأسامة، وعصوا أوامر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حتي أغضبوه فأمرهم ثانية وثالثة حتي لعن المتخلفينوقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه) [213] . وفي رواية أنه قال: (جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة،أرسلوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عنه) [214] . وعند قرب وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عاد أسامة ومعه الجيش ينتظرون مصيره (صلي الله عليه وآله وسلم) وحينما علم بهم أمر أسامة بالخروج وتعجيل النفوذ وجعل [ صفحه 81] يقول: (أنفذوا بعث أسامة) ويكرر ذلك [215] . ولقد كان اعتراضهم علي إمرته ثم اعتذارهم عن الخروج معه بمرض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) محاولة منهم للتغطية علي المرض الكامن في قلوبهم!!

اتهام رسول الله بالهجر

عند قرب وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أراد أن يكتب للصحابة كتابا يرسم لهم منهجا لحياتهم كي لا يضلوا من بعده، حيث ربط (صلي الله عليه وآله وسلم) بين الكتاب وبين عدم الضلالة، وهذا يعني إن كتابة الكتاب من أهم وصاياه (صلي الله عليه وآله وسلم) ومن أساسيات القضايا التي يجب مراعاتها بعد وفاته، وبدلا من الاستجابة له، والعمل علي طبق وصيته للوصول إلي تمام الهداية والرشاد، والحيلولة دون الضلال عصوا أوامره (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يكتفوا بالعصيان بل اتهموا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالهجر كما تنص الرواية أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (إئتوني بكتاب أكتب كتابا لن تضلوا بعده أبدا)، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: (هجر رسول الله)، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه) [216] . وفي رواية: قالوا: ما شأنه؟ أهجر! استفهموه، فذهبوا (يعيدون عليه)القول [217] . وذكر المؤرخون في روايات أخري اسم عمر بن الخطاب، وأنه هو [ صفحه 82] الراد علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) [218] . ويري ابن أبي الحديد أن الحديث المذكور: (اتفق المحدثون كافة علي روايته) [219] . ويفهم من الروايات أن الذين اتهموا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالهجر وجها لوجه أو الذين أيدوا قول عمر بن الخطاب هم من كبار الصحابة ومن الذين صاحبوه فترة طويلة، ومنهم آباء زوجاته والمقربون إليه، وهذا القول ينسجم مع الأعراف من أن الذين يحضرون الميت هم من هذا الصنف دون بقية الصحابة الذين لم يصحبوه إلا أياما أو ساعات معدودة، إضافة إلي ذلك أن موته (صلي الله عليه وآله وسلم) كان في المدينة ويستبعد أن يكون الأعراب أو الذين ارتدوا بعد وفاته كانوا من ضمن الحاضرين. ويفهم أيضا من الرواية أن جل الصحابة كانوا متخلفين عن بعث أسامة وخصوصا الصحابي عمر بن الخطاب. ومخالفة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) واتهامه بالهجر لم يكن في قضية هامشية أو سطحية، وإنما كان في أهم القضايا التي فيها النجاة من الضلالة الأبدية. وهكذا، فقد تمكنا من خلال هذه القضايا من معرفة حقيقة أمر أولئك الصحابة الذين رافقوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في بدء دعوته وفي قلوبهم مرض كما في القرآن الكريم. فدراسة التاريخ والنظر في سير الأحداث من أحسن الطرق لمعرفة [ صفحه 83] حال الصحابة، وللتوصل إلي معني الآيات القرآنية ومعني الحديث المخرج في كتابي البخاري ومسلم وغيرهما الصريح في ارتداد الأصحاب إلا مثل " همل النعم "!! هذا خلاصة ما كان في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

معرفة الصحابة من خلال الحوادث بعد الرسول

اشاره

وأما ما كان من الصحابة بعد عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فتلك أحداث السقيفة وما تلتها من حوادث وما ترتب عليها من آثار... لقد ثبت وتحقق في الكتب المؤلفة في مسألة الإمامة والولاية بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أن الله سبحانه وتعالي أمر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بإبلاغ الأمة بأن الخليفة والإمام من بعده بلا فصل هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا ما كان من أولي اهتمامات النبي منذ بعثته وحتي الساعات الأخيرة من حياته الكريمة، وقد استدل العلماء في كتب الإمامة بالكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة بل المتواترة عند الفريقين. فمن ذلك: النص الذي بدأ منذ وقت مبكر وبالتحديد في السنة الثالثة للهجرة حيث نزول آية الانذار وقصة حديث الدار الذي قال فيه (صلي الله عليه وآله وسلم) مشيرا إلي الإمام علي (عليه السلام): (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم،فاسمعوا له وأطيعوا) [220] . وصرح النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في أكثر من مناسبة قائلا: (إن عليا مني، وأنا منه، [ صفحه 84] وهو ولي كل مؤمن بعدي) [221] . وجاء قوله تعالي: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [222] ليؤكد ويرسخ ولاية وخلافة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ويقطع الطريق أمام المشككين بهذه المنزلة الرفيعة. وعند قصة الغدير ونزول آية التبليغ [223] وآية إكمال الدين [224] في حجة الوداع لم يعد ثمة عذر لمعتذر في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، حيث جمع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الناس في منتصف النهار والحر شديد وخطب خطبة طويلة جاء فيها: (من كنت مولاه فهذا مولاه [225] ، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره) [226] . لكن القوم تجاوزوا كل تلكم النصوص، حتي تركوا جنازة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الأرض وراحوا إلي سقيفة بني ساعدة يتنازعون الأمر من [ صفحه 85] بعده، فكان ما كان مما لسنا الآن بصدد ذكره، وتمخضت الأحداث عن البيعة لأبي بكر بن أبي قحافة، ثم أكره الممتنعون عن البيعة - وعلي رأسهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأعلام بني هاشم ورجال من المهاجرين والأنصار - علي أن يبايعوه، في قضايا يطول شرحها. أما الزهراء الطاهرة بضعة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) فلم تبايعه أبدا، ولما استولي أبو بكر علي فدك وغير فدك مما كان يتعلق بها، ذهبت إلي أبي بكر وطالبته بحقوقها، فلم يعطها شيئا، فعادت وهي غضبي عليه وعلي عمر ابن الخطاب. وقال عمر لأبي بكر انطلق بنا إلي فاطمة (عليها السلام) (فإنا قد أغضبناها) وحينما دخلا عليها قالت: (... ألم تسمعا رسول الله يقول: " رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي.. فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه) وكانت فاطمة (عليها السلام) تقول: (والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها) [227] . وبقيت سلام الله عليها مهاجرة لأبي بكر حتي فارقت الدنيا (فهجرته فاطمة فلم تكلمه... حتي ماتت، فدفنها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر) [228] . ولقد كان من المتخلفين عن بيعة أبي بكر: مالك بن نويرة وعشيرته، فسير أبو بكر إليهم خالد بن الوليد، فأغار عليهم وقتل مالكا وجماعة من [ صفحه 86] قومه وسبي نساءهم، وتزوج بامرأة مالك من ليلة قتله، في قضية معروفة مفصلة في كتب التاريخ، تعد من أكبر ما طعن به أبو بكر بعد تصديه للأمر. وحينما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة وتزوج امرأته، بلغ ذلك عمر بن الخطاب، فتكلم في خالد عند أبي بكر فأكثر وقال: (عدو الله عدا علي امرئ مسلم فقتله، ثم نزا علي امرأته)! وحينما عاد خالد قام إليه عمر وقال: (قتلت امرءا مسلما، ثم نزوت علي امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك) [229] . وفي معركة اليرموك كان أبو سفيان ومشيخة من قريش علي تل لا يقاتلون، فإذا كانت الكرة للروم، قالوا: (إيه بني الأصفر)! وإذا كانت الكرة للمسلمين، قالوا: (ويح بني الأصفر)! فلما هزم الله تعالي الروم سمع الزبير بما كانوا يقولون، فقال: (أبوا إلا ضغنا، لنحن خير لهم من الروم) [230] . وعند قرب وفاة أبي بكر دخل عليه عبد الرحمن بن عوف، فقال له أبو بكر: (إني وليت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه من ذلك، يريد أن يكون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت.. وأنتم أول ضال بالناس غدا، فتصدوهم عن الطريق يمينا وشمالا...) [231] . وقال أبو بكر أيضا: (فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن، فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ، وإن كانوا قد غلقوه علي الحرب.. [ صفحه 87] وأما اللاتي تركتهن، فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا كنتضربت عنقه، فإنه تخيل إلي أنه لا يري شرا إلا أعان عليه...) [232] . وأوصي أبو بكر بالأمر إلي عمر بن الخطاب بالرغم من اعتراض أعلام الصحابة، محتجا بكونه خير الناس، فدل ذلك علي أن ولايته لم تكن بنص من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولا برضا من المسلمين. وقد كان في عهده من تعطيل الحدود الشرعية وتغيير الأحكام الإلهية ما ليس هنا موضع ذكره، ومن شاء فليراجع الكتب المؤلفة في ذلك، ويكفينا أن نعلم أن عمر هو الذي رمي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بالهجر وحال دون كتابته الوصية كما تقدم. وكان عمر هو الذي طرح فكرة تعيين الخليفة بالشوري، وقد جاء ذلك تفاديا لأن يبايع المسلمون الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إذ بلغه أن جماعة من أكابر الصحابة يقولون: لو مات عمر لبايعنا علي بن أبي طالب [233] . ولكنه - حيث كان يريد عثمان بن عفان وبني أمية للخلافة - عين ستة أشخاص للشوري، ومن غير مشورة من المسلمين في تعيينهم، وحدد لهم حدودا لا ينتهي الأمر بمقتضاها إلا إلي عثمان. وبعد تعيين عمر للستة من أهل الشوري أخبرهم عن أنفسهم فقال: (أما أنت يا زبير فوعق لقس [234] ، مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوما إنسان، [ صفحه 88] ويوما شيطان.. من يكون للناس يوم تكون شيطانا؟ ومن يكون يوم تغضب؟) ثم أقبل علي طلحة - وكان له مبغضا - فقال له: أقول أم أسكت؟ قال: (قل، فإنك لا تقول من الخير شيئا) فقال عمر: (أما إني أعرفك منذ أصيبت أصبعك يوم أحد والبأو - أي الكبر - الذي حدث لك، ولقد مات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب) [235] . وأوصي عمر صهيب الرومي بقتل كل من يصر علي مخالفة الاجماع في الشوري المتكونة من الستة، وقال له: (.. فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبي واحد فاشدخ رأسه - أو اضرب رأسه بالسيف - وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبي اثنان، فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم.. فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف،واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس) [236] . وفي اجتماع الشوري قال علي بن أبي طالب لعبد الرحمن بن عوف: (أعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوي، ولا تخص ذا رحم..)، لكن عبد الرحمن اتبع الهوي ومال إلي عثمان، ففي أمر الشوري يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: (فصبرت علي طول المدة، وشدة المحنة، حتي إذا مضي لسبيله، جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشوري متي اعترض الريب في مع الأول منهم، حتي صرت أقرن إلي هذه النظائر! لكني أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم [ صفحه 89] لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن...) [237] فالذي صغا لضغنه هو طلحة، إذ وهب حقه لعثمان لانحرافه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، والذي مال لصهره هو عبد الرحمن، مال إلي عثمان، لأن زوجة عبد الرحمن - وهي أم كلثوم بنت عقبة - كانت أخت عثمان من أمه. واشترط عبد الرحمن علي الإمام علي (عليه السلام) إن رشحه للخلافة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فلم يوافق الإمام علي (عليه السلام) علي الشرط الأخير، ووافق عثمان علي ذلك فرشحه عبد الرحمن للخلافة فقال الإمام علي (عليه السلام): (ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا) [238] . وبعد تمام البيعة قال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن: (يا أبا محمد، قد أصبت إذ بايعت عثمان!) وقال لعثمان: (لو بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا)، فقال عبد الرحمن: (كذبت يا أعور، لو بايعت غيره لبايعته،ولقلت هذه المقالة) [239] . ودخل أبو سفيان علي عثمان وقال: (يا بني أمية، تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة) [240] . وحينما بدل كثيرا من الأحكام، وتصرف في أموال المسلمين في غير حلها، وقرب إليه الفجرة الفسقة وخاصة من بني أمية وجعلهم خواصا [ صفحه 90] وولاة له، كمروان بن الحكم والوليد بن عقبة، كثر الطعن عليه من قبل الصحابة والتابعين [241] . وكان الوليد بن عقبة من ولاة عثمان وقد اشتهر بالفسق وشربه للخمر فقد شرب الخمر وهو علي رأس جيش متوجه إلي الروم، فأراد بعض المسلمين إقامة الحد عليه، فقال حذيفة: (أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم...) [242] . وقال ابن حجر العسقلاني عنه (وقصة صلاته بالناس الصبح أربعا وهو سكران مشهورة ومخرجة، وقصة عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضا مخرجة في الصحيحين) [243] . فحينما أكثر المسلمون في الوليد عزله عثمان وجلده الحد [244] . وطعن جماعة من الصحابة علي عثمان، لأنه آثر أقاربه الأموال والهدايا، فكان أبو ذر الغفاري يقول: (والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأري حقا يطفأ وباطلا يحيا، وصادقا مكذبا، وأثرة بغير تقي، وصالحا مستأثرا عليه) [245] . وقال عثمان ذات مرة لأبي ذر: (لا أنعم الله بك عينا يا جنيدب... أنت [ صفحه 91] الذي تزعم أنا نقول: إن يد الله مغلولة...) فقال أبو ذر: (لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله علي عباده، ولكني أشهد لسمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: (إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دخلا) فقال عثمان: (ويلك يا أبا ذر! أتكذب علي رسول الله).. فقال أبو ذر: (أحدثكم أني سمعت هذا من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ثم تتهمونني!ما كنت أظن أني أعيش حتي أسمع هذا من أصحاب محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)) [246] . هذا وقد قال الصادق الأمين (صلي الله عليه وآله وسلم) في حق أبي ذر: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر). والأدهي من ذلك هو طرد أبي ذر من مدينة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي يد طريد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وابن طريده مروان بن الحكم [247] . واشتد الطعن علي عثمان، ففي ذات مرة صلي عثمان بالناس، فلما كبر قالت عائشة: (يا أيها الناس... تركتم أمر الله وخالفتم عهده)، ثم صمتت وتكلمت حفصة بمثل ذلك، فلما أتم عثمان الصلاة أقبل علي الناس، وقال: (إن هاتين لفتانتان، يحل لي سبهما، وأنا بأصلهما عالم) [248] . وتجاوز الطعن إلي التصريح بكفر عثمان من قبل إحدي نساء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهي عائشة حيث كانت تفتي بقتله وتقول: (اقتلوا نعثلا فقد كفر) [249] . [ صفحه 92] وكثر الطعن عليه (ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد) [250] ، وكان طلحة بن عبيد الله من ضمن الطاعنين علي عثمان حتي اجتمع عليه بعض الطاعنين، فأمسك بمفاتيح بيت المال والناس حوله، فلما سمع الإمام علي (عليه السلام) بالخبر قام بكسر باب بيت المال وتوزيع ما فيه، فتفرق الجمع عن طلحة وانصرفوا عنه، وسمع عثمان بذلك فأبدي رضاه وسروره، وجاء طلحة ودخل علي عثمان، فقال عثمان: (والله ما جئت تائبا، ولكن جئت مغلوبا، الله حسيبك يا طلحة) [251] . وكتب جمع من أهل المدينة من (الصحابة وغيرهم إلي من بالآفاق منهم: إن أردتم الجهاد فهلموا إليه، فإن دين محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أفسده خليفتكم فأقيموه) [252] . وحينما اشتدت الأزمة بين عثمان والطاعنين عليه دخل عليه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال له: (أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك مثل الظعينة يقاد حيث يسار به، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه! وأيم الله إني لأراه يوردك ولا يصدرك...) [253] . وتدخل الإمام علي (عليه السلام) لتهدئة الأزمة وقال لطلحة: (أنشدك الله إلا رددت الناس عن عثمان!)، فرفض طلحة نصيحة الإمام علي (عليه السلام) وقال: [ صفحه 93] (لا والله حتي تعطيني بنو أمية الحق من أنفسها) [254] . وكلم الإمام علي (عليه السلام) القادمين من الأمصار ووعدهم بإصلاح الأوضاع من قبل عثمان، فخرجوا من المدينة، وفي طريقهم إلي مصر أمسكوا بغلام عثمان وعنده كتاب مختوم بختم عثمان يأمر فيه والي مصر بقتلهم، فجاءوا بالكتاب إلي عثمان فأنكر كتابته له، وقيل: إن مروان قد كتبه باسم عثمان، فقالوا له: (ما أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من قتلنا بغير حق، وإن كنت صادقا فقد استحققت أن تخلع نفسك لضعفك عن هذا الأمر وغفلتك وخبث بطانتك.. فاخلع نفسك منه كما خلعك الله) فقال: (لا أنزع قميصا ألبسنيه الله، ولكني أتوب وأنزع)، فقالوا: (لو كان هذا أول ذنب تبت منه قبلنا، ولكنا رأيناك تتوب ثم تعود، ولسنا منصرفين حتي نخلعك أو نقتلك أوتلحق أرواحنا بالله تعالي) [255] . فحوصر عثمان من قبل المسلمين أربعين يوما ثم قتلوه، وكان أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) منهم من حرض علي المعارضة له، وعلي رأسهم عائشة وحفصة وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وطلحة والزبير وعمرو بن العاص. ومنهم من حاصره ولم يقدم علي قتله. ومنهم من اشترك في قتله أيضا كعبد الرحمن بن عديس، وكان أمير القادمين لقتله، وهو ممن بايع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تحت الشجرة [256] ومنهم من كان هواه في [ صفحه 94] قتل عثمان، كمعاوية بن أبي سفيان [257] ليتخذ قتله ذريعة للوصول إلي الخلافة، حيث تربص به وأقر الجيش الذي بعثه لنصرته [258] . وكان ابن عباس يري أن مروان هو المسؤول عن قتل عثمان، فكان يخاطبه بالقول: (يا عدو الله وطريد رسول الله والمباح دمه، والداخلبين عثمان ورعيته بما حملهم علي قطع أوداجه..). [259] . هذا، وقد اتخذ دمه ذريعة للتمرد علي خلافة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) سواء من قبل المحرضين علي عثمان أو من المتربصين بقتله، في ظرف مضطرب لا استقرار فيه، وبدلا من انتظار استقامة الظروف وهدوء الأوضاع الصاخبة، خرج بعض الصحابة، وأحدثوا فتنة بين المسلمين متمردين فيها علي الخلافة الشرعية [260] .

حرب الجمل

فخرجت عائشة - ومعها طلحة والزبير ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة وسائر بني أمية - إلي البصرة وأعلنوا الطلب بدم عثمان. وفي أول المسير لقي عبد بن أم كلاب عائشة فأخبرته بالطلب بدم عثمان فأجابها: (فوالله أول من أمال حرفه لأنت! ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر)، فقالت: (إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، [ صفحه 95] وقولي الأخير خير من قولي الأول) [261] . وفي البصرة تصالح طلحة والزبير مع عثمان بن حنيف علي عدم الاقتتال، إلا أنهم هجموا عليه ليلا واقتادوه أسيرا، وحينما سألوا عائشة عن أمره قالت: (اقتلوه) فقالت لها امرأة: (نشدتك بالله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)) فأمرت بحبسه بعد أن ضربوه أربعين سوطا ونتفوا شعر لحيته [262] . وقبل بدء القتال قال الزبير: (ألا ألف فارس أسير بهم إلي علي أقتله، فلم يجبه أحد)، فقال: (إن هذه للفتنة التي كنا نحدث عنها) فقال له مولاه: (أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟!) قال: (ويلك! إنا نبصر ولا نبصر، ما كان أمر قط إلا وأنا أعلم موضع قدمي فيه غير هذا الأمر، فإني لا أدري أم قبل أنا فيه أم مدبر) [263] . وكتب الإمام علي (عليه السلام) إلي طلحة والزبير: (... فإن كنتما بايعتماني طائعين، فارجعا وتوبا إلي الله من قريب... فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما، فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يتجمع العار والنار) [264] . وفي بداية المعركة قال الإمام علي (عليه السلام) للزبير: (أنشدك الله، أسمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: إنك تقاتلني وأنت ظالم لي)، قال: (نعم، ولم أذكر إلا في موقفي هذا) ثم اعتزل القتال، ولكنه رجع إليه بعدما هاجه ابنه [ صفحه 96] عبد الله، فأعتق مولاه كفارة عن يمينه، ثم قاتل [265] . وكان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: (ما زال الزبير رجلا منا أهلالبيت حتي نشأ ابنه المشؤوم عبد الله) [266] . وفي أثناء المعركة قام مروان بن الحكم بقتل طلحة بن عبيد الله مبررا قتله بالثأر من قتلة عثمان [267] علي الرغم من خروجهما معا للطلب بدم عثمان بقتالهم للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). وانتهت المعركة بمقتل عشرة آلاف من الطرفين [268] وقد تنبأ الإمام علي (عليه السلام) بمصير أهل الجمل، فقال قبل بدء القتال: (والله إن راكبة الجمل لا تصعد عقبة ولا تنزل منزلا إلا إلي معصية الله وسخطه، حتي تورد نفسهاومن معها متالف الهلكة) [269] . وكان عدد المشاركين من الصحابة إلي جنب الإمام علي (عليه السلام) هو العدد الراجح حيث كان معه ثمانمائة من الأنصار وأربعمائة ممن شهد بيعة الرضوان [270] لإيمانهم بوجوب القتال معه. [ صفحه 97]

حرب صفين

عزل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أغلب ولاة عثمان بن عفان، وحينما أشار عليه المغيرة بن شعبة بإبقاء معاوية قال (عليه السلام): (لا أداهن في ديني، ولا أعطي الدنية في أمري) [271] ، فكان يري إبقاء معاوية في ولايته مداهنة في الدين، ولذا عزله بعد أن يئس من رجوعه إلي الطاعة. وقد كتب إليه عدة كتب يدعوه فيها إلي الطاعة، ويبين له غيه ومساوئه، جاء في أحدها قوله (عليه السلام): (وأرديت جيلا من الناس كثيرا، خدعتهم بغيك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجاوزوا عن وجهتهم، ونكصوا علي أعقابهم.. فاتق الله يا معاوية في نفسك، وجاذب الشيطان قيادك..) [272] . وكتب (عليه السلام) إليه أيضا: (فسبحان الله! ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة... فإما إكثارك الحجاج علي عثمان وقتلته، فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، وخذلته حيث كان النصر له) [273] ، فقد بين له أنه اتخذ دم عثمان وسيلة لينتصر بها، حيث إنه لم ينصره في حياته. وحينما أراد معاوية استمالة عمرو بن العاص إلي جانبه استشار الأخير ابنيه عبد الله ومحمدا، فقال له عبد الله: (.. فإنك إنما تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها مع معاوية فتضجعان غدا في النار)، وقال ابنه محمد: (بادر هذا الأمر) وقال له مولاه وردان: (اعترضت الدنيا والآخرة علي قلبك، فقلت: علي معه آخرة بلا دنيا، ومعاوية معه دنيا بلا آخرة، وليس في [ صفحه 98] الدنيا عوض من الآخرة).وقال ابنه عبد الله أيضا: (بال الشيخ علي عقبيه، وباع دينه بدنياه) [274] . وكتب الإمام علي (عليه السلام) إلي ابن العاص كتابا جاء فيه: (فإنك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه، مهتوك ستره... فأذهبت دنياك وآخرتك...) [275] . وبعد خدعة رفع المصاحف خطب الإمام علي (عليه السلام) أصحابه قائلا: (عباد الله، امضوا علي حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، فإن معاوية وعمرا وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالا ثم رجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، ويحكم والله ما رفعوها إلا خديعة ووهنا ومكيدة... فإني إنما أقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب، فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم، ونسواعهده، ونبذوا كتابه) [276] . وكتب الإمام علي (عليه السلام) إلي معاوية: (... فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله، ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه، وقد دعوتنا إلي حكم القرآن ولست من أهله، ولسنا إياك أجبنا، ولكنا أجبنا القرآن في حكمه) [277] . وانتهت المعركة بالتحكيم، وقد كان الإمام علي (عليه السلام) يحذر معاوية من [ صفحه 99] القتال وسفك الدماء فلم يستجب وكان جوابه لسفراء الإمام علي (عليه السلام):(... ليس بيني وبينكم إلا السيف) [278] . وكان عدد القتلي من الطرفين سبعين ألفا [279] وقتل مع الإمام علي (عليه السلام) خمسة وعشرون صحابيا، منهم عمار بن ياسر قتله أبو العادية يسار بن سبع السلمي وهو من الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان [280] . وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لعمار (رضي الله عنه): (تقتلك الفئة الباغية) [281] والفئة الباغية التي قتلت عمار كان يقودها معاوية وعمرو بن العاص.

ما بعد صفين

انتهت معركة صفين بالتحكيم، وانتهي التحكيم بخديعة عمرو بن العاص لأبي موسي الأشعري، فقال الأشعري لابن العاص: (غدرت وفجرت، إنما مثلك كمثل الكلب) فقال له ابن العاص: (إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا) [282] . وبما أن الحكم كان نابعا من الهوي والابتعاد عن الهدي تبرء الإمام علي منهما ونسب إليهما نبذ حكم القرآن ومخالفته فقال (عليه السلام): (ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء [ صفحه 100] ظهورهما، وأحيا ما أمات القرآن، واتبع كل منهما هواه بغير هدي من الله، فحكما بغير حجة بينة ولا سنة ماضية، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين) [283] . وحول الحكمين قال عبد الله بن عمر: (أنظروا إلي ما صار أمر هذه الأمة، إلي رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيفا) [284] . ولم يكتف معاوية بالبغي علي إمام زمانه وقتل في هذا البغي آلاف المسلمين وخيرة الصحابة، بل استمر في بغيه بالاعتداء علي الأبرياء الذين يوالون الإمام علي (عليه السلام) باعتباره الخليفة الشرعي، وكان يبعث الغارات علي المدن التابعة للدولة الإسلامية التي يحكمها الإمام علي (عليه السلام) فبعث بسر بن أرطأة - وهو من الصحابة - في ثلاثة آلاف إلي الحجاز وإلي المدينة فدخلها فخطب في الناس وهددهم وقال: (والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتي تأتوني بجابر بن عبد الله) فلما سمع الصحابي جابر بن عبد الله انطلق إلي أم المؤمنين أم سلمة وقال لها: (ماذا ترين؟ أني قد خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلالة)، وكان ذلك الجيش يقتل (من أبي أن يقر بالحكومة) [285] . ثم مضي بسر بن أرطأة إلي اليمن فقتل جماعة من أهلها، ومنهم طفلان صغيران لعبيد الله بن العباس [286] . [ صفحه 101] وكثر الحديث حول دهاء معاوية فأجاب الإمام علي (عليه السلام) قائلا: (والله ما معاوية بأدهي مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهي الناس...) [287] .

الفواصل السلوكية في عهد معاوية بن أبي سفيان

ثم إن الإمام (عليه السلام) قد أوصي بالإمامة من بعده - بأمر من الله ورسوله - إلي ولده الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) وقد بايعه أيضا أهل الكوفة وبعض الأمصار، وعلي الرغم من شرعية خلافته إلا أن معاوية لم يستجب إلي بيعته وتمرد علي شرعيته وأعلن العصيان والبغي، وحينما رأي الإمام الحسن (عليه السلام) أنه لا يستطيع إخماد التمرد، وأنه لا يملك القوة اللازمة في الاستمرار في الخلافة صالح معاوية [288] واشترط الإمام الحسن (عليه السلام) شروطاعلي معاوية ولكنه لم يف بها [289] . وكانت سياسة معاوية بعد استيلائه علي السلطة المخالفة لسيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وقد اعترض الإمام الحسن (عليه السلام) علي معاوية في ذلك قائلا: (إن الخلافة لمن سار بسيرة رسول الله... وليس الخلافة لمن عمل بالجور وعطل الحدود) [290] . وفي مجلس معاوية والحسن حاضر شتم جماعة - وهم من الصحابة!! - [ صفحه 102] الإمام عليا (عليه السلام) وذكروه بسوء، فأجاب الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية بالقول: (أما بعد يا معاوية، فما هؤلاء شتموني ولكنك شتمتني، فحشا ألفته، وسوء رأي عرضت به، وخلقا سيئا ثبت عليه، وبغيا علينا، عداوة منك لمحمد وأهله...) [291] . وأغلظ القول لعمرو بن العاص وقال له: (... فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام... وأما ما ذكرت من أمر عثمان، فأنت سعرت عليه الدنيا نارا... ثم حبست نفسك إلي معاوية، وبعت دينك بدنياه...). وقال الإمام الحسن (عليه السلام) للوليد بن عقبة: (... فوالله ما ألومك علي بغض علي، وقد جلدك ثمانين في الخمر... وأنت الذي سماه الله الفاسق، وسمي عليا المؤمن) [292] . وقال (عليه السلام) للمغيرة بن شعبة: (... وإن حد الله في الزنا لثابت عليك) [293] . وقال الإمام الحسن (عليه السلام) لمروان: (لقد لعن الله أباك الحكم وأنت فيصلبه علي لسان نبيه، فقال: لعن الله الحكم وما ولد) [294] .

اوامر معاوية في شتم الإمام علي

بعد استقرار الأمر لمعاوية، أمر ولاته بلعن وشتم الإمام علي بن أبي [ صفحه 103] طالب (عليه السلام) من علي منابر المسلمين. وأوصي معاوية المغيرة بن شعبة (لا تترك شتم علي وذمه)، فقال له المغيرة: (قد جربت وجربت، وعملت قبلك لغيرك فلم يذم مني، وستبلو فتحمد أو تذم)، فكان المغيرة (لا يدع شتم علي والوقوع فيه) [295] . وكان ينال في خطبته من علي، وأقام خطباء ينالون منه [296] . وكان حجر بن عدي يرد اللعن علي المغيرة [297] . ونتيجة لاستمرار شتم الإمام علي (عليه السلام) وسبه، كتبت أم المؤمنين أم سلمة إلي معاوية: (إنكم تلعنون الله ورسوله علي منابركم، وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله) [298] . وروي أن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية: (... إنك قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل، فقال: لا والله حتي يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا) [299] . كما وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين علي (رواية أخبار قبيحة في الإمام علي (عليه السلام)، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلك جعلا... منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وغيرهم. [ صفحه 104] وروي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب: (مائة ألف درهم حتي يروي أن هذه الآية نزلت في حق علي (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام) [300] فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل، وروي ذلك). وقام معاوية بقتل أخيار الصحابة الموالين للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)ومنهم حجر بن عدي صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) [301] .

اعتراض الإمام الحسين بن علي علي معاوية

ارتكب معاوية أعمالا مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ووجد في ذلك اعتراضا من قبل الصحابة، ومن أعماله ادعاؤه زياد بن سمية واستلحاقه بأبي سفيان خلافا لسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) [302] . واعترض الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) علي مجمل أعماله، فقد جاء في كتابه (عليه السلام) إلي معاوية بعد أن وصفه وأصحابه بالقاسطين الملحدين حزب الظالمين وأولياء الشياطين: (ألست قاتل حجر بن عدي وأصحابه المصلين العابدين، الذين ينكرون الظلم ويستعظمون البدع... أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الذي أبلته العبادة... أولست المدعي زياد بن سمية..؟! فتركت سنة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وخالفت أمره متعمدا، واتبعت هواك مكذبا بغير هدي من الله.. فلا أعلم فتنة علي الأمة [ صفحه 105] أعظم من ولايتك عليها.. وأخذك بالبيعة لابنك غلام سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ولا أعلمك إلا خسرت نفسك، وأوبقت دينك، وأكلت أمانتك، وغششت رعيتك، وتبوأت مقعدك من النار، فبعدا للقوم الظالمين) [303] . ففي هذا الكتاب بين الإمام الحسين (عليه السلام) لمعاوية خلافه لسنة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وابتعاده عن هدي الله تعالي، وجعله في صف الظالمين، ليتبوأ مقعده من النار.

ما جري بين الصحابة في بيعة يزيد

شجع المغيرة بن شعبة معاوية علي تولية يزيد العهد من بعده حينما علم أن معاوية سيعزله عن إمرة الكوفة، وحينما رجع من معاوية قال: (... فوالله لقد وضعت رجل معاوية في غرز لا يخرجها منه إلا سفك الدماء) [304] . وفي رواية أنه قال: (لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية علي أمة محمد، وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا) [305] . وحينما أراد مروان أن يدعو إلي بيعة يزيد، قال له عبد الرحمن بن أبي بكر: (كذبت والله يا مروان، وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأمة محمد...) فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: (والذي قال لوالديه أف لكما) فسمعت عائشة مقالته فقالت: (يا مروان... أنت القائل لعبد الرحمن [ صفحه 106] إنه نزل فيه القرآن؟ كذبت! والله ما هو به.. ولكنك أنت فضض من لعنة نبي الله) [306] . ودخل معاوية علي عائشة فأخبرها عن موقفه من الإمام الحسين وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير فقال: (لأقتلنهم إن لم يبايعوا) [307] . وهكذا استباح دم الصحابة لرفضهم بيعة ابنه يزيد. [ صفحه 107]

الآراء في تقييم الصحابة

اشاره

اختلف العلماء والمؤرخون في تقييم الصحابة من حيث درجات قربهم وبعدهم عن العقيدة والشريعة الإسلامية، فمن العلماء من ذهب إلي أن جميع الصحابة قد جسدوا المفاهيم والقيم الإسلامية في سلوكهم ومواقفهم إلي آخر حياتهم، ومنهم من ذهب إلي ذلك مقيدا بظهور الفتن، فالداخلون في الفتنة صنفوا إلي صنفين، فمنهم العدول، ومنهم غير العدول، ومن العلماء من اختار أوسط الآراء بعد تتبعهم للسيرة الذاتية للصحابة في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعده، فكانوا عدة أصناف فمنهم العدول، ومنهم غير العدول، ومنهم المنافقون الذين انكشفت حقيقتهم، ومنافقون أسروا النفاق فلم يعلمهم إلا القليل من بقية الصحابة. ذكر الآمدي هذه الآراء ورجح الرأي الأول قال: (اتفق الجمهور من الأئمة علي عدالة الصحابة. وقال قوم: إن حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية. ومنهم من قال: إنهم لم يزالوا عدولا إلي حين ما وقع من الاختلاف [ صفحه 108] والفتن فيما بينهم، وبعد ذلك فلا بد من البحث في العدالة عن الراوي أو الشاهد منهم إذا لم يكن ظاهر العدالة. ومنهم من قال: بأن كل من قاتل عليا عالما منهم، فهو فاسق مردود الرواية والشهادة لخروجهم علي الإمام الحق.والمختار: إنما هو مذهب الجمهور من الأئمة) [308] .

عدالة جميع الصحابة

اشاره

وهو رأي جمهور العلماء من العامة المتفقين علي عدالة جميع الصحابة، قال ابن حجر العسقلاني: (اتفق أهل السنة علي أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة) [309] . واستشهد بما قاله الخطيب البغدادي في ذلك: (... وإنه لا يحتاج إلي سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم... لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم) [310] . واستثني ابن الأثير الصحابة من الجرح والتعديل فقال: (والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل، فإنهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح، لأن الله عز وجل ورسوله زكيا هموعدلاهم، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره) [311] . [ صفحه 109] ويري الشوكاني (استواء الكل في العدالة) [312] . ونسب محمد الفتوحي المعروف بابن النجار إلي ابن الصلاح وغيره القول بأن: (الأمة مجمعة علي تعديل جميع الصحابة، ولا يعتد بخلاف من خالفهم) [313] .

الادلة علي عدالة جميع الصحابة

الآيات القرآنية

استدل القائلون بعدالة جميع الصحابة ببعض الآيات القرآنية، وقد سبق أن ذكرناها في الفصل الثاني، وأثبتنا أنها لا تدل علي عدالة جميع الصحابة فردا فردا، وإنما تدل علي مدح الله وثنائه علي الصحابة بما هم مجموع، ولا يسري هذا المدح والثناء إلي الأفراد، وإضافة إلي ذلك أن المدح والثناء أو الرضي من قبل الله تعالي مشروط بالوفاء بالعهد والاستمرار علي الاستقامة وحسن العاقبة، كما تقدم. والآيات القرآنية لا تقتصر علي المدح والثناء، فهنالك آيات وردت في ذم بعض الصحابة لما ارتكبوه من أعمال ومواقف مخلة بالعدالة، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في محله.

الروايات

استدل بعض القائلين بعدالة جميع الصحابة بعدد من الروايات ومنها: الرواية الأولي: نسب إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن أصحابي بمنزلة [ صفحه 110] النجوم في السماء، فأيها أخذتم به اهتديتم) [314] . وهذه الرواية غير تامة السند عند كثير من الفقهاء والعلماء بما فيهم بعض المؤمنين بعدالة جميع الصحابة. قال أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي: (وهذا مذهب ضعيف عند جماعة من أهل العلم، وقد رفضه أكثر الفقهاء وأهل النظر) [315] . وذكر ابن حزم الأندلسي أسماء الرواة الضعاف والكذابين والمجهولين في أسانيد هذه الرواية، ثم أبرز رأيه من خلال تلك المقدمات فقال: (فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلا، وبلا شك أنها مكذوبة... فمن المحال أن يأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) باتباع كل قائل من الصحابة، وفيهم من يحلل الشئ وغيره من يحرمه، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداءبسمرة بن جندب) [316] . وضعف ابن قيم الجوزية إسناد الرواية ثم ناقش الدلالة فقال: (إن هذا يوجب عليكم تقليد الجميع، فإن سوغتم هذا، فلا تحتجوا لقول علي قول ومذهب علي مذهب... ولا تنكروا علي من خالف مذهبكم واتبع قول أحدهم، وإن لم تسوغوه فأنتم أول مبطل لهذا الحديث ومخالفله) [317] . وفي معرض تقييم الذهبي لجعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال: (ومن [ صفحه 111] بلاياه.. عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): (أصحابي كالنجوم من اقتدي بشئ منها اهتدي) [318] . ومن الذين ضعفوا إسناد الرواية الإسفرايني [319] ، وأبو حيان الأندلسي وتلميذه تاج الدين الحنفي [320] واعتبروها مكذوبة علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). ومنهم: (أحمد بن حنبل، البزار، ابن عدي، الدارقطني، ابن حزم، البيهقي، ابن عبد البر، ابن عساكر، ابن الجوزي، ابن دحية، الذهبي، الزين العراقي، ابن حجر العسقلاني، السخاوي، السيوطي، المتقي،القاري) [321] . ويمكن مناقشة الرواية من حيث الدلالة ومن حيث نتائج الأخذ بها من الناحية العملية والواقعية. فالأمر بالاقتداء موجه إلي الصحابة، فكيف يأمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الصحابة بالاقتداء بالصحابة وهذا يعني أنه أمر للصحابة بالاقتداء بأنفسهم، وهذا محال. ولو فرضنا صحته، فإنه مختص بالاقتداء ببعض الصحابة لا جميعهم، وقد وردت روايات مستفيضة يأمر (صلي الله عليه وآله وسلم) الصحابة بالاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام) كما ورد في رواية التمسك بالثقلين وهما الكتاب والعترة [ صفحه 112] الطاهرة [322] . والأعراف المتبعة عند العرب آنذاك إنهم لا يهتدون بأي نجم كان، وإنما كانوا يهتدون بنجوم معينة ومحددة في مسيرهم، والإطلاق الذي في الحديث لا يتناسب مع علومهم ومعارفهم الدارجة آنذاك. ولو تتبعنا سيرة الصحابة وأخذنا بها لوقعنا في تناقض حتمي، كما تراه في قول ابن حزم وابن القيم، وقد تكفل الفصل السابق بعرض الكثير من أسئلة التناقض. وإذا قيل: إن المراد هو الاقتداء ببعض المواقف دون بعض، فلا بد من مخصص لهذا الاقتداء، ولا مخصص له، لأن الرواية مطلقة. فالرواية إذن لا يصح الاستدلال بها علي عدالة جميع الصحابة، فهي غير تامة السند ولا الدلالة. الرواية الثانية: نسب إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن الله اختارني، واختار أصحابي فجعلهم أصهاري، وجعلهم أنصاري، وإنه سيجئ في آخر الزمان قوم ينتقصوهم، ألا فلا تناكحوهم، ألا فلا تنكحوا إليهم، ألافلا تصلوا معهم، ألا فلا تصلوا عليهم، عليهم حلت اللعنة) [323] . والرواية غير تامة السند، فلا يصح نسبتها إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وفي [ صفحه 113] هذا الصدد قال الدكتور عبد الكريم النملة [324] : (فهذا حديث لا يصلح الاستدلال به، لأن فيه بشير بن عبيد الله، وهو غير معروف. قال ابن حبان: والحديث باطل لا أصل له، نقل ذلك أبو الفضل محمد ابن طاهر المقدسي في تذكرة الموضوعات) [325] . وقال الدكتور عطية بن عتيق الزهراني: (هذا الحديث لا يصح) [326] . ومن ناحية الواقع نري أن الذي ابتدأ بانتقاص الصحابة أو سبهم - كما في رواية الطبراني والهيثمي - هم بعض الصحابة، وهذا يستلزم التناقض، فاللعنة تكون شاملة لبعض الصحابة الذين انتقصوا وسبوا غيرهم من الصحابة، وتشمل من لعنهم أيضا، وهذا مما لا يصح التمسك بدلالته. ووردت روايات أخري في استدلال القائلين بعدالة جميع الصحابة، وهي غير تامة السند والدلالة معا، أو أحدهما، أو تدل علي عدالة بعض الصحابة دون الجميع كرواية: (خير أمتي قرني...) و (لا تسبوا أصحابي) [327] وغيرهما. وذهب أصحاب هذا الرأي إلي نسبة الزندقة لمن لا يري عدالة جميع الصحابة، قال أبو زرعة: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فاعلم أنه زنديق وذلك أن رسول (صلي الله عليه وآله وسلم) عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدي إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، [ صفحه 114] وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولي، وهم زنادقة) [328] . ونحن لا نتفق مع أبي زرعة وغيره من القائلين بهذا الرأي من عدة جهات: الجهة الأولي: إن الذي أدي إلينا القرآن والسنن بعض الصحابة وليس جميعهم. الجهة الثانية: ليس لجرح الشهود دخالة في إبطال الكتاب والسنة، وإنما يكون غالبا مصحوبا بالتثبت والاحتياط في الدين، من أجل الوصول إلي العقيدة الحقة والشريعة الحقة، ليكون السلوك مطابقا للكتاب والسنة. الجهة الثالثة: إن الجرح لا يشمل جميع الصحابة بل بعضهم. الجهة الرابعة: إن بعض الصحابة استتروا علي نفاقهم فلم يظهروه، فمن العقل والمنطق السليم أن نبحث عن عدالتهم. الجهة الخامسة: إن بعض الصحابة انتقصوا وسبوا وجرحوا غيرهم من الصحابة، وخصوصا الصحابة الذين انتقصوا وسبوا وجرحوا الإمام عليا (عليه السلام)، وهو الأقرب إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكان علي رأس الصحابة الذين أدوا إلينا القرآن والسنة، وهو الأعلم بكتاب الله وسنة رسوله كما تظافرت علي ذلك الروايات [329] . [ صفحه 115] فهل يحق لنا جرحهم؟ طبقا لهذا الرأي، فإذا قيل يحق فقد انخرمت القاعدة، وإذا قيل لا يحق جرحهم فكيف كان لهم الحق في جرح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟

تقييدات المازري

حاول المازري التخفيف من الافراط في تقييم الصحابة، فلم ينسب الجميع إلي العدالة، وإنما وضع قيودا لتقليل عدد الصحابة وتقييد الاطلاق في العدالة، فقال: (لسنا نعني بقولنا: الصحابة عدول، كل من رآه (صلي الله عليه وآله وسلم) يوما أو زاره لماما أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) [330] . وهذه المحاولة هي تراجع موضوعي عن الأصل الذي تبناه الجمهور، وهي قائمة علي أسس موضوعية من خلال تتبع حياة الصحابة وسيرتهم الذاتية وما نزل فيهم من آيات وما قيل فيهم من روايات.

ثبوت العدالة في الواقع الخارجي

اشاره

يتبني هذا الرأي ثبوت العدالة في الواقع الخارجي لجميع الصحابة، فلا يوجد من بينهم من ارتكب ما يؤدي إلي فسقه، قال الغزالي: (والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف: أن عدالتهم معلومة.. إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت، [ صفحه 116] فلا حاجة لهم إلي التعديل) [331] . ولا دليل علي هذا الرأي، والواقع الخارجي ملئ بالأدلة والشواهد النافية لعدالة بعض أو كثير من الصحابة. وإذا تتبعنا سيرة الصحابة نجدهم لا يتبنون هذا الرأي، بل يتثبتون في الحكم علي بعضهم البعض جرحا أو تعديلا، وكان بعضهم يجوز الفسق علي نفسه أو علي غيره، والأمثلة علي ذلك مستفيضة. وقد تكرر بحثه والإشارة إليه مرارا.

عدم التكلف في البحث عن عدالة الصحابة

ذهب جماعة إلي تجويز المعصية علي الصحابة، ولكنهم توقفوا في البحث عن عدالتهم وطلب التزكية لهم، ونسب هذا الرأي إلي ابن الأنباري وغيره، حيث قالوا: (وليس المراد بكونهم عدولا: العصمة واستحالة المعصية عليهم، إنما المراد أن لا نتكلف البحث عن عدالتهم ولا طلب التزكية لهم) [332] . وهذا الرأي غير تام، فلو جوزنا علي الصحابة المعصية، فإن هذا يستلزم البحث عن عدالتهم وطلب التزكية لهم، لمعرفة العادل منهم والفاسق، وهذه المعرفة ضرورية لتحديد معالم الدين في التفسير وفي السنة، وتشخيص صحة الرواية بلحاظ رواتها، وهي ضرورية في كتابة التاريخ وأخذ العبر والتجارب منه، وقد ألفت الكتب في الجرح والتعديل [ صفحه 117] في جميع مراحل المسيرة الإسلامية، وهو أمر مألوف إلي يومنا هذا.

عدالة جميع الصحابة قبل دخولهم في الفتنة

ذهب البعض إلي عدالة جميع الصحابة إلي حين وقوع الاختلاف والفتن فيما بينهم، فلا بد من البحث في العدالة عن الصحابي إذا لم يكن ظاهر العدالة [333] ، وذهب المعتزلة إلي عدالة الجميع باستثناء من قاتل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهو فاسق مردود الشهادة [334] . ورأي المعتزلة غير مقبول عند الجمهور الذين يرون عدالة جميع الصحابة حتي من قاتل الإمام علي (عليه السلام)، قال ابن كثير: (وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل عليا، قول باطل مرذول ومردود، وقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: عن ابن بنته الحسن بن علي... (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر...وسمي عام الجماعة... فسمي الجميع مسلمين...) [335] . وهذا الوجه لا يصح الاستدلال به علي عدالة جميع الصحابة، وغاية ما يدل عليه أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) سمي الفئتين بالمسلمين، وإطلاق اسم المسلم علي فرد أو جماعة لا يستفاد منه العدالة، فليس كل مسلم عادلا، لأن التسمية تطلق علي من شهد الشهادتين وإن كان فاسقا أو كان منافقا مستترا، بل إن كلمة الإسلام تطلق حتي علي مرتكب الكبائر ما عدا الشرك [ صفحه 118] بالله تعالي. ومثل ذلك ما قاله محمد بن إسحاق، كما حكي عنه البيهقي: (وكل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمارته فهو باغ)، وأضاف البيهقي: (علي هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس الشافعي... ثم لم يخرج من خرج عليه ببغيه عن الإسلام) [336] . وغاية ما يستدل بهذا القول: إن الباغين علي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يخرجوا عن الإسلام، وعدم الخروج عن الإسلام لا يستلزم العدالة.

تأويل مواقف الصحابة

اشاره

إن عدالة جميع الصحابة لم تثبت حسب موازين الجرح والتعديل، فقد ارتكب بعضهم أفعالا ظاهرة الانحراف والفسق، ومن أجل الحفاظ علي نظرية عدالة الجميع، ذهب جمهور من علماء العامة إلي ضرورة تأويل مواقفهم بما ينسجم مع القول بالعدالة. قال ابن حجر الهيتمي: (إعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب علي كل مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكف عن الطعن فيهم... والواجب أن يلتمس لهم أحسن التأويلات، وأصوب المخارج، إذ هم أهل لذلك) [337] . ولهذا أولوا ما ارتكبه بعض الصحابة من معاصي وإن كانت من الكبائر، [ صفحه 119] بأن ما ارتكبوه قد صدر منهم عن اجتهاد وتأويل، ومن ذلك بغي معاوية وعمرو بن العاص علي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وما رافق ذلك البغي من سفك الدماء وقتل خيرة الصحابة كعمار وخزيمة بن ثابت وحجر بن عدي وآخرين. قال ابن حجر: (وفئة معاوية وإن كانت هي الباغية، لكنه بغي لا فسقبه، لأنه صدر عن تأويل يعذر به أصحابه) [338] . ولم يكتف القائلون بالتأويل بذلك، فترقي بهم الحال ليدعوا أن للبغاة أجرا علي بغيهم: قال ابن كثير: (... لأنهم وإن كانوا بغاة في نفس الأمر، فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال، وليس كل مجتهد مصيبا، بل المصيبله أجران، والمخطئ له أجر) [339] . وقال ابن حزم: (وعمار (رضي الله عنه) قتله أبو العادية يسار بن سبع السلمي، وقد شهد بيعة الرضوان، فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه، فأبو العادية... متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجورا أجرا واحدا) [340] . وذكر ابن حجر الرواية المشهورة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في قوله لعمار بن ياسر: (تقتلك الفئة الباغية) وأردفها بالقول: (إخبار من الصادق المصدق (رضي الله عنه) أن معاوية باغ علي علي، وأن عليا هو الخليفة الحق). [ صفحه 120] وقال: وجوابه أن غاية ما يدل عليه هذا الحديث أن معاوية وأصحابه بغاة... ذلك لا نقص فيه، وأنهم مع ذلك مأجورين غير مأزورين...) [341] . وعلي الرغم من القول بالتأويل، إلا أنهم خرموا القاعدة في رأيهم بقتلة عثمان بن عفان، قال ابن حجر: (... إن الذي ذهب إليه كثيرون من العلماء أن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة، وإنما كانوا ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبههم، ولأنهم أصروا علي الباطل بعد كشف الشبهة وإيضاح الحقلهم) [342] . والرأي في قتلة عثمان ينقض قاعدة التأويل، بل ينقض عدالة جميع الصحابة، لأن بعض الصحابة قد فسقوا بقتلهم عثمان كما يدعون، فما هو الملاك في التأويل؟! فإذا كان قتلة عثمان قد قتلوا شخصا واحدا، فإن معاوية ومن معه قتلوا آلاف المسلمين وعشرات الصحابة، بل استمر معاوية علي هذا النهج وقتل جماعة من أخيار الصحابة حينما تسلط علي المسلمين بقوة السيف، فلماذا نبرر لمعاوية بغيه علي الخليفة الحق وسفكه الدماء، ولا نبرر لبعض الصحابة مشاركتهم في قتل عثمان؟ فما هو المرجح في التبرير؟ ولماذا يبرر لابن ملجم قتله الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما ورد عن البيهقي أنه قال: (ولا خلاف بين أحد من الأمة أن ابن ملجم قتل عليا متأولا مجتهدا مقدرا علي أنه علي صواب) [343] . [ صفحه 121] فالحق أنه لا ملاك في تأويل أخطاء الصحابة إلا ولاء المؤرخين وبعض العلماء إلي الوضع السياسي الغالب - لا سيما أيام معاوية بن أبي سفيان - وإظهاره بأفضل صور العدالة.

نقض التأويل والاجتهاد

لو سايرنا الرأي الذي يبرر لبعض الصحابة ما ارتكبوه من أعمال وممارسات، سفكت فيها الدماء وتشتت فيها إلفة المسلمين وتخلخلت جبهتهم الداخلية، تحت ذريعة التأويل والاجتهاد، فإننا نقطع بأن بعض الصحابة كمعاوية وعمرو بن العاص غير متأولين وغير مجتهدين في بغيهم علي الإمام علي (عليه السلام) وسفكهم الدماء، وإنما بغوا عليه متعمدين، وليس مطالبتهم بدم عثمان إلا ذريعة واهية، وفيما يلي نستعرض الظروف والوقائع التي تؤكد تعمدهم في البغي بلا تأويل ولا اجتهاد. أولا: عدم نصرة عثمان في حياته: إن المطالبين بدم عثمان لم ينصروه في حياته وهم قادرون علي ذلك، فقد أوصي معاوية قائد جيشه أن يرابط قرب المدينة في زمن حصار عثمان، وقال له: (إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها، ولا تقل الشاهد يري ما لا يري الغائب). فأقام قائده بذي خشب حتي قتل عثمان، وحينما سئل جويرية عن ذلك قال: (صنعه عمدا ليقتل عثمان فيدعو إلي نفسه) [344] . [ صفحه 122] ولهذه الحقيقة أدلة وشواهد كثيرة، فحينما طلب معاوية من عبد الله بن سعد بن أبي سرح البيعة أجاب: (ما كنت لأبايع رجلا أعرف أنه يهوي قتل عثمان) [345] . وقال عمرو بن العاص لمعاوية: (إن أحق الناس ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت... أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام، واستغاثك فأبطأت، وأما أنا فتركته عيانا) [346] . وكان ابن العاص يحرض علي قتل عثمان حتي الراعي في غنمه،وحينما سمع بمقتله قال: (أنا أبو عبد الله، أنا قتلته وأنا بوادي السباع) [347] . فالذي تباطأ عن نصرة عثمان والذي حرض الناس علي قتله هل يكونا مجتهدين في المطالبة بدمه؟ إلا أن نقول إن التباطؤ والتحريض هو اجتهاد للوصول إلي الخلافة، واجتهد معاوية أيضا حينما أصبح خليفة بترك ما يسميهم قتلة عثمان خوفا علي سلطانه [348] . فلا ميزان ولا مقياس للاجتهاد عند أصحاب هذا الرأي، وهذا التبرير مخالف للقواعد الثابتة للإسلام، فالإسلام ثابت بموازينه وقيمه، والمسلمون هم الذين يقتربون ويبتعدون عن تلك الموازين والقيم، فيصيبون ويخطؤون، ومن الأفضل للباحثين أن يصفوا الأشخاص بالوصف الذي يستحقونه دون تبرير حفاظا علي سلامة الموازين والقيم [ صفحه 123] الإسلامية الثابتة. ثانيا: عدم اتباع الأسلوب المشروع في القصاص: إن طاعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) واجبة علي معاوية وجميع أهل الشام، وهذا متسالم عليه عند فقهاء السنة في وجوب طاعة الإمام المبايعمن قبل أهل الحل والعقد [349] . وقد حاجج الإمام علي (عليه السلام) معاوية بما هو مرتكز عند المسلمين، من أن طاعة الخليفة المبايع واجبة علي بقية الأمصار، فقال في كتابه إليه: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان علي ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشوري للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا علي رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضي، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلي ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه علياتباعه غير سبيل المؤمنين) [350] . فطاعة الإمام علي (عليه السلام) واجبة، والأمر في القضاء والقصاص من اختصاصه، ولا حق لأحد من الأمة التدخل في ذلك، لأن ذلك يؤدي إلي الاضطراب والتشتت وضعف النظام، فالأسلوب المنطقي والشرعي أن يدخل معاوية في الطاعة ثم يطالب بالقصاص - لو كان له حق المطالبة لقرابته من عثمان - وفي ذلك كتب الإمام علي (عليه السلام) إلي معاوية: (فأما طلبك قتلة عثمان، فادخل في الطاعة، وحاكم القوم إلي، أحملك وإياهم [ صفحه 124] علي كتاب الله وسنة رسوله) [351] . فالواجب علي معاوية الطاعة أولا ثم طلب المحاكمة وانتظار الحكم النهائي فهو الذي يحدد استدامة البيعة للخليفة أو الخروج عليه، ولكنه التجأ إلي أسلوب البغي والعدوان، وحينما أحس بقرب انتصار الإمام علي (عليه السلام) رفع المصاحف والتجأ إلي الصلح وترك المطالبة بدم عثمان. ثالثا: إلقاء الحجة: إن اجتهاد معاوية باطل، لأن الحجة ملقاة عليه، فقد وردت أحاديث مستفيضة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) تؤكد علي فضائل الإمام علي (عليه السلام) ووجوب موالاته، ومنها حديث الغدير قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) وهذا الحديث أخرجه (الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان) [352] . وقول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) للإمام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام):(أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم) [353] . وقوله للإمام علي (عليه السلام): (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)وقد ورد بألفاظ متنوعة ترجع إلي معني واحد [354] . [ صفحه 125] والبغي أشد صور البغض، وحديث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حول عمار بن ياسر - كما تقدم - واضح الدلالة في أنه سيقتل من قبل الفئة الباغية الناكبة عن الطريق، وقد ألقيت الحجة علي معاوية وابن العاص، وهي واضحة لا لبس فيها ولا غموض، كما جاء في الرواية التالية: (وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لعمار بن ياسر: (تقتلك الفئة الباغية...) فكان ذو الكلاع يقول لعمرو: ما هذا ويحك يا عمرو؟ فيقول عمرو: إنه سيرجع إلينا، فقتل ذو الكلاع قبل عمار مع معاوية، وأصيب عمار بعده مع الإمام علي (عليه السلام)، فقال عمرو لمعاوية: ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا... والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمارلمال بعامة أهل الشام إلي علي) [355] . وهذه الرواية تبين لنا أن الحق واضح حتي عند معاوية وابن العاص، فلا مجال للاجتهاد بعد وضوح الحجة. رابعا: الاعتراف ببطلان الموقف: اعترف عمرو بن العاص ببطلان موقفه من الإمام علي (عليه السلام)، كما ظهر في كلامه مع معاوية حيث قال له: (أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة فإن في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكن إنما أردنا هذه الدنيا) [356] . واستشار ابن العاص ولديه، فأشار عليه عبد الله بعدم الالتحاق بمعاوية، وأشار عليه محمد بالالتحاق، فقال ابن العاص: (أما أنت [ صفحه 126] يا عبد الله فأمرتني بما هو لي في آخرتي وأسلم لي في ديني، وأما أنتيا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي، وشر لي في آخرتي) [357] . وأشار عليه غلامه وردان بالقول: (اعتركت الدنيا والآخرة علي قلبك، فقلت مع علي الآخرة بلا دنيا، ومع معاوية الدنيا بغير آخرة... أري أن تقيم في منزلك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك)، فقال ابن العاص: (الآن حين شهرتني العرب بمسيري إلي معاوية؟) [358] . لم يترك الرجلان إذن مجالا لتأويل أفعالهما، بعد أن أفصحا عما في الضمائر والنوايا، فهل تكلف التأويل بعد كل هذه الاعترافات إلا تمحل وعصبية؟!

الرأي المعتدل

يري أصحاب هذا الرأي أن حال الصحابة كحال غيرهم من حيث العدالة، ففيهم العادل والفاسق، فليس كل من صحب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) كان عادلا، وليس للصحبة دور في عدالة الصحابي ما لم يجسد سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في سلوكه ومواقفه، فالملاك هو السيرة العملية، فمن تطابقت سيرته مع المنهج الإسلامي فهو عادل، ومن خالف المنهج الإسلامي فهو غير عادل. وهذا هو الرأي المعتدل المطابق للواقع الموضوعي الذي أشار إليه [ صفحه 127] القرآن الكريم والسنة النبوية، وأكدته سيرة الصحابة في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعده، وقد أجمع علماء وفقهاء الشيعة علي ذلك، وتابعهم جمهور من علماء وفقهاء العامة مخالفين للمشهور لديهم في ذلك. ذكر السيد مرتضي العسكري الشواهد علي هذا الرأي فقال: (تري مدرسة أهل البيت تبعا للقرآن الكريم: أن في الصحابة مؤمنين أثني عليهم الله في القرآن الكريم... وكذلك تبعا للقرآن تري فيهم منافقين ذمهم الله في آيات كثيرة... وفيهم من أخبر الله عنهم بالإفك... وفيهم من قصد اغتيال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في عقبة هرش... وإن التشرف بصحبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ليس أكثر امتيازا من التشرف بالزواج بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فإن مصاحبتهن له كانت من أعلي درجات الصحبة، وقد قال الله تعالي في شأنهن: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين... ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين...)، ثم ذكر الروايات الدالة علي ما سيقوم به بعض الصحابة من أحداث بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)) [359] . ورأي الشيعة الإمامية هو أوسط الآراء كما يقول السيد عبد الحسين شرف الدين: (رأي الإمامية في هذه المسألة... أوسط الآراء، إذ لم يفرطوا تفريط الغلاة، ولا أفرطوا إفراط الجمهور) [360] . وفي بحثنا هذا لم نذكر رأي الغلاة الذين يكفرون جميع الصحابة، لأنه من الآراء الشاذة المخالفة للقرآن وللسنة ولسيرة الصحابة وللمنطق السليم، وقد انقرض هذا الرأي، ولا يوجد في الوقت الراهن من يقول به، [ صفحه 128] فالصحابة وإن انحرف بعضهم وفسق في ممارساته العملية إلا أن صفة الإسلام لا تسلب منه ما دام يشهد الشهادتين. والرأي المعتدل الذي ذكرناه آنفا، تسالم عليه بل أجمع عليه علماء وفقهاء ومتكلم و الشيعة، وهو الرأي الموافق للقرآن، والموافق للسنة - كما تقدم في حديث الحوض - وأحاديث أخري، والموافق لسيرة الصحابة حيث كذب بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا، ونسب بعضهم الفسق إلي البعض الآخر. وعدالة جميع الصحابة لم تذكر علي لسان أي صحابي، ولم يحتج بها أحد من الصحابة في خضم الأحداث والوقائع، ففي جواب عائشة لخالد ابن الواشمة حينما قال فيهم: (لا يجمعهم الله في الجنة أبدا). قالت: (أو لا تدري أن رحمة الله واسعة وهو علي كل شئ قدير) [361] فلم تحتج عليه بالعدالة، وإنما أرجأتهم إلي رحمة الله تعالي. وهذا الرأي المعتدل لم يكن من مختصات الشيعة وحدهم، ولم ينفردوا به، بل تابعهم عليه جمع غفير من علماء وفقهاء العامة وصرحوا بأن الصحابة غير معصومين، ففيهم العدول وغير العدول، ومن القائلين بهذا: سعد الدين التفتازاني، والمارزي، وابن العماد الحنبلي، والشوكاني وآخرون [362] . ومن المتأخرين محمد عبده، ومحمد بن عقيل العلوي، ومحمد رشيد رضا، والمقبلي، وسيد قطب، ومحمد الغزالي، ومحمود أبو رية وآخرون. [ صفحه 129] فهم يقولون بقول الشيعة من أن العدالة مختصة ببعض الصحابة الذين استقاموا علي المنهج الإسلامي ولم يبدلوا ولم يغيروا. ومن يتابع القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الصحابة أنفسهم كما تتبعناها، يجد صحة هذا الرأي القائل بعدم عدالة جميع الصحابة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

پاورقي

[1] ترتيب كتاب العين، للفراهيدي: 440 مؤسسة النشر الإسلامي قم 1414 ه ط 1.
[2] الصحاح، للجوهري 1: 162 دار العلم للملايين 1407 ه ط 2.
[3] مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني: 275 المكتبة المرتضوية 1373 ه.
[4] تفسير القرآن الكريم، لابن كثير راجع تفسير الآيات المذكورة.
[5] سورة الكهف 18: 76.
[6] سورة لقمان 31: 15.
[7] سورة النساء 4: 36.
[8] سورة التوبة 9: 40.
[9] سورة الكهف 18: 34 - 37. [
[10] سورة النجم 53: 2.
[11] سورة الأعراف 7: 184.
[12] سورة القمر 54: 29.
[13] سورة يوسف 12: 39.
[14] قواعد التحديث، محمد جمال الدين القاسمي: 200 دار الكتب العلمية 1399 ه ط 1 - بيروت -عن كتاب: حصول المأمول لصديق حسن خان: 65.
[15] السيرة النبوية، لابن هشام 3: 303. والسيرة النبوية، لابن كثير 3: 299. وبنحوه في: صحيحالبخاري 6: 192. وأسباب نزول القرآن، للواحدي: 452.
[16] السيرة النبوية، لابن هشام 3: 305. والسيرة النبوية، لابن كثير 3: 301. وبنحوه في:الطبقات الكبري، لابن سعد 2: 65. وأسباب نزول القرآن: 453.
[17] مسند أحمد 5: 40. وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير 2: 399.
[18] العدة في أصول الفقه، للفراء الحنبلي 3: 988 - الرياض 1410 ه ط 2.
[19] فتح الباري 7: 3.
[20] فتح الباري 7: 3.
[21] الإصابة، لابن حجر العسقلاني 1: 4 دار الكتب العلمية.
[22] الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم الأندلسي 5: 86 دار الجيل - بيروت 1407 ه ط 2.
[23] الدراية، زين الدين العاملي: 120 مطبعة النعمان - النجف الأشرف.
[24] معرفة علوم الحديث، للحاكم النيسابوري: 24 دار الكتب العلمية 1397 ه ط 2.
[25] تيسير التحرير، لمحمد أمير بادشاه 3: 67 - دار الفكر.
[26] تيسير التحرير 3: 66.
[27] الإحكام في أصول الأحكام 2: 321.
[28] المستصفي، للغزالي 2: 261 المدينة المنورة 1413 ه.
[29] فتح الباري 7: 2.
[30] فتح الباري 7: 2.
[31] الإحكام في أصول الأحكام 5: 86.
[32] العدة في أصول الفقه 3: 988.
[33] راجع العدة في أصول الفقه 3: 989.
[34] الباعث الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير: 175 دار الكتب العلمية1403 ه ط 1.
[35] سورة المدثر 74: 31.
[36] سورة التوبة 9: 101.
[37] أنظر تفسير الميزان 20: 90.
[38] سورة آل عمران 3: 110.
[39] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 1: 399. والدر المنثور، للسيوطي 2: 293. وبنحوه في الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 4: 170.
[40] أسباب نزول القرآن، للواحدي: 121.
[41] تفسير القرآن العظيم 1: 399.
[42] الكفاية في علم الرواية: 46. الإصابة 1: 6. والاستيعاب 1: 2. ومقدمة ابن الصلاح: 427.وشرح الكوكب المنير 2: 274.
[43] التفسير الكبير 8: 189 - 191.
[44] مجمع البيان في تفسير القرآن، للطبرسي 1: 486.
[45] الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 4: 173.
[46] تفسير غرائب القرآن، للنيسابوري 2: 232.
[47] فتح القدير، للشوكاني 1: 371.
[48] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 1: 399.
[49] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 1: 404.
[50] تفسير المراغي، لأحمد مصطفي المراغي 4: 29.
[51] تفسير المنار 4: 58 - 59.
[52] مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف: 82.
[53] سورة البقرة 2: 143.
[54] تفسير غرائب القرآن 1: 421.
[55] الكشاف 1: 318.
[56] الجامع لأحكام القرآن 2: 154.
[57] مجمع البيان 1: 244. وتفسير المراغي 2: 6. وتفسير المنار 2: 5.
[58] الجرح والتعديل 1: 7. والكفاية في علم الرواية: 46. والإصابة 1: 6. والاستيعاب 1: 2 ومقدمة ابن الصلاح: 427. وشرح الكوكب المنير 2: 474.
[59] مجمع البيان 1: 224.
[60] تفسير المراغي 2: 6.
[61] تفسير المنار 2: 5.
[62] الميزان في تفسير القرآن 1: 321.
[63] الميزان في تفسير القرآن 1: 321.
[64] الشافي في الإمامة 1: 232 وما قبلها.
[65] تفسير البحر المحيط 1: 421.
[66] كشف الأسرار، لعلاء الدين البخاري، دار الكتاب العربي - بيروت 1394 ه.
[67] سورة النساء 4: 115.
[68] الجرح والتعديل، لعبد الرحمن الرازي 1: 7.
[69] المقدمة في الأصول، للقصار المالكي: 45. والابهاج في شرح المنهاج، للسبكي 2: 353.
[70] الميزان في تفسير القرآن 5: 82.
[71] سورة المائدة 5: 2.
[72] سورة المجادلة 58: 9.
[73] أعلام الموقعين 4: 127.
[74] سورة الأنفال 8: 64.
[75] الدر المنثور 4: 101.
[76] تفسير القرآن العظيم 2: 337.
[77] الميزان في تفسير القرآن 9: 121.
[78] سورة الأنفال 8: 62.
[79] الكفاية في علم الرواية: 46. والإصابة في تمييز الصحابة 1: 6.
[80] التفسير الكبير 15: 191. والدر المنثور 4: 101.
[81] أسباب النزول، للسيوطي: 183. والدر المنثور 4: 101.
[82] شواهد التنزيل، للحسكاني 1: 230.
[83] راجع الآية السابعة من هذا الفصل.
[84] سورة التوبة 9: 100.
[85] مجمع البيان 3: 64. والجامع لأحكام القرآن 8: 236. والكشاف 2: 210. وتفسير القرآن العظيم 2: 398. والدر المنثور 4: 269.
[86] التفسير الكبير 16: 171.
[87] المصدر السابق 16: 172.
[88] الجرح والتعديل 1: 8.
[89] الدر المنثور 4: 272.
[90] الكفاية في علم الرواية: 46. والإصابة 1: 6. وشرح الكوكب المنير 2: 472.
[91] التفسير الكبير 16: 172.
[92] تفسير المراغي 11: 11.
[93] الكامل في التاريخ 3: 472.
[94] صحيح البخاري 5: 160.
[95] مسند أحمد 6: 19.
[96] سورة الفتح 48: 18.
[97] السيرة النبوية، لابن هشام 3: 322. والسيرة النبوية، لابن كثير 3: 324.
[98] الكفاية في علم الرواية: 46. والإصابة 1: 6 - 7.
[99] السيرة النبوية، لابن هشام 3: 330. [
[100] سورة الفتح 48: 10.
[101] الكشاف 3: 543. ومجمع البيان 5: 113. وتفسير القرآن العظيم 4: 199.
[102] تاريخ اليعقوبي 2: 55. والكامل في التاريخ 2: 205.
[103] الفصل في الأهواء والملل والنحل 4: 161.
[104] سير أعلام النبلاء 1: 420 - 426. والطبقات الكبري 3: 261. وأسد الغابة 4: 47. وكنز العمال 13: 531 / 7383. ومجمع الزوائد 9: 297 وقال: رجاله رجال الصحيح.
[105] صحيح البخاري 4: 25. وبنحوه في العقد الفريد 5: 90. والكامل في التاريخ 3: 310.
[106] سورة الفتح 48: 29.
[107] مقدمة ابن الصلاح: 427. وشرح الكوكب المنير: 474.
[108] الميزان في تفسير القرآن 18: 301 - 302.
[109] تفسير الماوردي 5: 309. وأسباب نزول القرآن، للواحدي 397. وأسباب النزول، للسيوطي: 341.
[110] مسند أحمد 6: 19. وصحيح البخاري 1: 39. وصحيح مسلم 1: 82.
[111] تاريخ المدينة المنورة 4: 155.
[112] الإمامة والسياسة 1: 98.
[113] تاريخ اليعقوبي 2: 231.
[114] الكامل في التاريخ 3: 384. وشرح نهج البلاغة 1: 340.
[115] سورة الحشر 59: 8.
[116] سورة الحشر 59: 9.
[117] سورة الحشر 59: 10.
[118] مختصر تاريخ دمشق 18: 10. وشواهد التنزيل: 351. والدر المنثور 4: 316.
[119] الكفاية في علم الرواية: 46. والإصابة 1: 6 - 7.
[120] مسند أحمد 7: 455. والمعجم الكبير 23: 323. والعقد الفريد 5: 115.
[121] شرح ابن أبي الحديد 4: 63.
[122] شرح ابن أبي الحديد 13: 220. وبنحوه في أنساب الأشراف 2: 184.
[123] سورة التوبة 9: 101.
[124] راجع الكشاف 2: 211.
[125] التفسير الكبير 16: 173.
[126] تفسير القرآن العظيم 2: 399.
[127] سورة الحج 22: 11.
[128] الكشاف 3: 7.
[129] تفسير القرآن العظيم 3: 219.
[130] سورة الحجرات 49: 14 - 15.
[131] ربيع الأبرار 1: 788. ومختصر تاريخ دمشق 11: 64. وسير أعلام النبلاء 2: 106.
[132] سورة النور 24: 11.
[133] تفسير القرآن العظيم 3: 279.
[134] صحيح البخاري 6: 130.
[135] سورة السجدة 32: 18.
[136] أسباب نزول القرآن، للواحدي 363.
[137] الكشاف 3: 514. وأسباب النزول، للسيوطي: 293. والدر المنثور 3: 514.
[138] سورة الحجرات 49: 6.
[139] السيرة النبوية، لابن هشام 3: 309. وأسباب نزول القرآن، للواحدي: 407. والكشاف 3:559. وتفسير القرآن العظيم 4: 224. والإصابة 6: 321. وأسباب النزول، للسيوطي: 347.
[140] الإمامة والسياسة 1: 32. وتاريخ اليعقوبي 2: 174. والكشاف 3: 559.
[141] الإصابة 6: 322.
[142] سورة الأحزاب 33: 12.
[143] سورة الأحزاب 33: 60.
[144] الدر المنثور 6: 662 - 663.
[145] الميزان في تفسير القرآن 16: 286.
[146] سورة الأحزاب 33: 32.
[147] الميزان في تفسير القرآن 16: 309.
[148] سورة الأحزاب 33: 30 - 31.
[149] الجامع لأحكام القرآن 14: 174.
[150] سير أعلام النبلاء 2: 214. وبنحوه في المعجم الكبير 23: 310. والمغافير: جمع المغفار، وهو صمغ حلو يسيل من بعض الشجر.
[151] الطبقات الكبري، لابن سعد 8: 182. وبنحوه في المعجم الكبير 23: 209.
[152] سورة التحريم 66: 4 - 5.
[153] سورة التحريم 66: 10.
[154] سورة التحريم 66: 11 - 12.
[155] الكشاف 4: 131.
[156] سورة الأحزاب 33: 53.
[157] مجمع البيان 4: 366.
[158] أسباب النزول، للسيوطي: 306.
[159] أسباب النزول، للسيوطي: 306. والدر المنثور 5: 215.
[160] أسباب النزول، للسيوطي: 307.
[161] سورة محمد 47: 33.
[162] أسباب النزول، للسيوطي: 341.
[163] سورة الحجرات 49: 2.
[164] سورة آل عمران 3: 144.
[165] سورة الحجرات 49: 11.
[166] سورة الصف 61: 2 - 3.
[167] سورة المنافقون 63: 9.
[168] صحيح البخاري 5: 87 - 88.
[169] السيرة النبوية، لابن كثير 2: 282.
[170] صحيح مسلم 4: 1785.
[171] بحار الأنوار 22: 311، عن أمالي ابن الشيخ: 168.
[172] صحيح البخاري 5: 137. وتفسير القمي 1: 177.
[173] السيرة النبوية، لابن هشام 2: 279.
[174] تفسير القرآن العظيم 1: 197.
[175] الخصال 2: 342.
[176] بحار الأنوار 22: 306، عن أمالي ابن الشيخ: 332.
[177] نوادر الراوندي: 15.
[178] نوادر الراوندي: 23.
[179] مجمع الزوائد 10: 15.
[180] شرح نهج البلاغة 11: 46.
[181] شرح نهج البلاغة 11: 44 - 46.
[182] السيرة النبوية، لابن هشام 2: 204 - 205.
[183] السيرة النبوية، لابن هشام 3: 303. والطبقات الكبري، لابن سعد 2: 65.
[184] صحيح البخاري 5: 203. وتاريخ اليعقوبي 2: 61. وتاريخ الطبري 3: 67. والكامل في التاريخ2: 256.
[185] صحيح البخاري 1: 38. وصحيح مسلم 1: 9.
[186] صحيح البخاري 1: 38. وسنن ابن ماجة 1: 13.
[187] صحيح البخاري 1: 38. وصحيح مسلم 1: 10.
[188] صحيح البخاري 1: 38. وبنحوه في المستدرك علي الصحيحين 1: 102.
[189] الدر المنثور 4: 317.
[190] نهج البلاغة: 325 - 326 الخطبة 210.
[191] صحيح مسلم 4: 1796.
[192] مسند أحمد 3: 199. وبنحوه في تحف العقول: 25.
[193] مسند أحمد 1: 664 و 6: 19. وصحيح البخاري 1: 41. وصحيح مسلم 1: 82. وسنن ابن ماجة 2: 130.
[194] مسند أحمد 2: 35. وبنحوه في صحيح مسلم 4: 180.
[195] مسند أحمد 6: 33. وبنحوه في صحيح البخاري 8: 148 و 9: 58.
[196] مسند أحمد 1: 389. وبنحوه في: صحيح البخاري 6: 69 - 70، 122. والآية من سورة المائدة5: 117 - 118.
[197] صحيح البخاري 8: 151.
[198] المستدرك علي الصحيحين 4: 74 - 75.
[199] مسند أحمد 3: 410. وبنحوه في صحيح مسلم 4: 1793.
[200] موطأ مالك 2: 462 دار إحياء التراث العربي - بيروت 1370 ه.
[201] شرح نهج البلاغة 20: 24.
[202] شرح نهج البلاغة 20: 24.
[203] السيرة النبوية، لابن هشام 1: 343. والسيرة النبوية، لابن كثير 1: 495.
[204] السيرة النبوية، لابن هشام 2: 84 - 88. والسيرة النبوية، لابن كثير 2: 195. وإعلام الوري بأعلام الهدي: 70.
[205] السيرة النبوية، لابن كثير 2: 215.
[206] السيرة النبوية، لابن كثير 2: 204.
[207] تاريخ المدينة المنورة 1: 488.
[208] الفصول في سيرة الرسول، لابن كثير: 120.
[209] السيرة النبوية، لابن هشام 2: 285.
[210] السيرة النبوية لابن كثير 3: 328.
[211] الكامل في التأريخ 2: 317.
[212] صحيح البخاري 5: 179. وآفة أصحاب الحديث: 12. والكامل في التأريخ 2: 317. وبنحوهفي الطبقات الكبري، لابن سعد 2: 190. وتاريخ اليعقوبي 2: 112.
[213] الملل والنحل، للشهرستاني 1: 29. وشرح نهج البلاغة 6: 52.
[214] آفة أصحاب الحديث: 12.
[215] شرح نهج البلاغة 1: 160.
[216] صحيح البخاري 4: 85. وصحيح مسلم 3: 1258. وتاريخ الطبري 3: 193. والكامل فيالتاريخ 2: 320. وتاريخ ابن الوردي 1: 129.
[217] تاريخ الطبري 3: 193. وتاريخ ابن الوردي 1: 129. والكامل في التاريخ 3: 320.
[218] صحيح البخاري 1: 39. وصحيح مسلم 3: 1259. والملل والنحل 1: 29.
[219] شرح نهج البلاغة 6: 51.
[220] تاريخ الطبري 3: 218 - 219. وتفسير الخازن 3: 371.
[221] سنن الترمذي 5: 594. والتاج الجامع للأصول 3: 335.
[222] سورة المائدة 5: 55 وقد نزلت هذه الآية في الإمام علي (عليه السلام). راجع الكشاف 1: 649. وأسباب النزول، للواحدي: 134.
[223] الآية 67 من سورة المائدة، قال الواحدي في أسباب النزول: 135 نزلت في غدير خم.
[224] الآية 3 من سورة المائدة، وقد نزلت في غدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجة، راجع الإتقان للسيوطي 1: 75. وأسباب النزول للواحدي: 135 وقد قال (صلي الله عليه وآله وسلم) عند نزولها: (الحمد لله علي إكمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي وبالولاية لعلي بعدي) راجع مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) للحافظ محمد بن سليمان القاضي الكوفي 1: 119.
[225] سنن الترمذي 5: 591. والتاج الجامع للأصول 3: 333.
[226] مسند أحمد 4: 281 و 368. وسنن ابن ماجة المقدمة 1: باب 11. وتفسير ابن كثير 1: 233.والبداية والنهاية 7: 360 - 361.
[227] الإمامة والسياسة 1: 14.
[228] تاريخ الطبري 3: 208. وتاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين، للذهبي: 21. وبنحوه في: شرح نهج البلاغة 6: 50.
[229] تاريخ الطبري 3: 280. والكامل في التاريخ 2: 359.
[230] الكامل في التاريخ 2: 414.
[231] تاريخ الطبري 3: 430. وبنحوها في تاريخ اليعقوبي 2: 137.
[232] تاريخ الطبري 3: 430 - 431. وتاريخ اليعقوبي 2: 137. والعقد الفريد 5: 21.
[233] مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني، إرشاد الساري في شرحالبخاري / للقسطلاني.
[234] الوعق: الضجر المتبرم، واللقس: من لا يستقيم علي وجه.
[235] شرح نهج البلاغة 1: 185 - 186.
[236] تاريخ الطبري 4: 229.
[237] نهج البلاغة: الخطبة 3.
[238] الكامل في التاريخ 3: 71. وشرح نهج البلاغة 9: 53.
[239] تاريخ الطبري 4: 234. وبنحوه في: شرح نهج البلاغة 9: 53.
[240] شرح نهج البلاغة 9: 53 - 54. وأنساب الأشراف 1: 12 - 13.
[241] الطبقات الكبري 5: 36.
[242] مختصر تاريخ دمشق 26: 341.
[243] الإصابة 6: 322.
[244] تاريخ الطبري 4: 277. ومختصر تاريخ دمشق 26: 336. وبنحوه في: شرح نهج البلاغة 8:120.
[245] شرح نهج البلاغة 3: 55.
[246] شرح نهج البلاغة 3: 55 - 56.
[247] تاريخ اليعقوبي 2: 171 - 173. وتاريخ المدينة 3: 1034. والرياض النضرة 3: 83.
[248] شرح نهج البلاغة 9: 5.
[249] تاريخ الطبري 4: 459. والكامل في التاريخ 3: 206.
[250] تاريخ الطبري 4: 336.
[251] الكامل في التاريخ 3: 167.
[252] الكامل في التاريخ 3: 168.
[253] تاريخ الطبري 4: 362. والكامل في التاريخ 3: 165 - 166.
[254] الكامل في التاريخ 3: 183.
[255] المصدر السابق 3: 196.
[256] الكامل في التأريخ 3: 287. وتاريخ المدينة المنورة 4: 1155.
[257] تاريخ المدينة المنورة 4: 1153.
[258] الكامل في التاريخ 3: 170.
[259] شرح نهج البلاغة 6: 299.
[260] تاريخ الطبري 4: 436.
[261] تاريخ الطبري 4: 459. والكامل في التاريخ 3: 206.
[262] تاريخ الطبري 4: 269. والكامل في التاريخ 3: 216.
[263] تاريخ الطبري 4: 476. والكامل في التاريخ 3: 220.
[264] نهج البلاغة: 445 - 446 الكتاب 54.
[265] تاريخ الطبري 5: 200. والكامل في التاريخ 3: 239. وتهذيب تاريخ دمشق 5: 367 - 368.
[266] شرح نهج البلاغة 20: 102.
[267] تاريخ المدينة المنورة 4: 1170. وتاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين، للذهبي: 486. وشرح نهج البلاغة 9: 36.
[268] تاريخ الطبري 4: 539. وقيل: عشرون ألفا. والعقد الفريد 5: 74.
[269] المعيار والموازنة: 53.
[270] تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين: 484.
[271] الكامل في التاريخ 3: 197.
[272] نهج البلاغة: 406 الكتاب 31.
[273] نهج البلاغة: 410 الكتاب 37.
[274] تاريخ اليعقوبي 2: 184 - 185.
[275] نهج البلاغة: 411 الكتاب 39.
[276] الكامل في التاريخ 3: 316 - 317. وبنحوه في المنتظم 5: 121.
[277] نهج البلاغة: 423 الكتاب 48.
[278] مروج الذهب 2: 377.
[279] مروج الذهب 2: 352. والمنتظم 5: 120.
[280] الفصل في الأهواء والملل والنحل 4: 161.
[281] صحيح البخاري 1: 194. وصحيح مسلم 4: 2235 / 70 و 72 و 73. ومسند أحمد 2: 16 و 164.
[282] نهاية الإرب 20: 159.
[283] تاريخ الطبري 5: 77. والكامل في التأريخ 3: 338.
[284] نهاية الأرب 20: 159.
[285] تاريخ الطبري 5: 139.
[286] تاريخ الطبري 5: 140.
[287] شرح نهج البلاغة 10: 211.
[288] تاريخ اليعقوبي 2: 215. والكامل في التأريخ 3: 404. وتاريخ الخميس 2: 290.
[289] الكامل في التأريخ 3: 405.
[290] ربيع الأبرار 2: 837.
[291] شرح نهج البلاغة 6: 288.
[292] شرح نهج البلاغة 6: 292.
[293] شرح نهج البلاغة 6: 294. يشير الإمام (عليه السلام) إلي قيام البينة علي المغيرة بالزنا في زمن عمر، لكن عمر عطل الحد ولم يجره في حقه، انظر: تاريخ اليعقوبي 2: 146، الأغاني 16: 99، شرح نهج البلاغة 12: 245.
[294] البداية والنهاية 8: 259.
[295] الكامل في التاريخ 3: 472.
[296] سير أعلام النبلاء 3: 31.
[297] تاريخ اليعقوبي 2: 230.
[298] العقد الفريد 5: 115. وبنحوه في مسند أحمد 7: 455. والمعجم الكبير 23: 323.
[299] شرح نهج البلاغة 4: 57.
[300] سورة البقرة 2: 204 وما بعدها.
[301] الكامل في التاريخ 3: 473. وتاريخ اليعقوبي 2: 231.
[302] سير أعلام النبلاء 3: 495.
[303] أنساب الأشراف 1: 120 - 122. وبنحوه في الإمامة والسياسة 1: 181.
[304] تاريخ اليعقوبي 2: 220.
[305] الكامل في التاريخ 3: 504.
[306] الكامل في التاريخ 3: 506 - 507.
[307] الكامل في التاريخ 3: 509.
[308] الإحكام في أصول الأحكام 2: 320.
[309] الإصابة 1: 6.
[310] الكفاية في علم الرواية: 46.
[311] أسد الغابة 1: 10.
[312] إرشاد الفحول، للشوكاني: 70 مطبعة البابي الحلبي - مصر 1358 ه.
[313] شرح الكوكب المنير 2: 473.
[314] الكفاية في علم الرواية: 48.
[315] جامع بيان العلم وفضله 2: 300 مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت 1415 ه.
[316] الإحكام في أصول الأحكام 6: 244.
[317] إعلام الموقعين 2: 234 دار الجيل - بيروت.
[318] ميزان الاعتدال، للذهبي 1: 413 دار المعرفة - بيروت.
[319] التبصير في الدين: 179.
[320] البحر المحيط 5: 528 دار الفكر - بيروت 1403 ه ط 2.
[321] الإمامة في أهم الكتب الكلامية، للسيد علي الميلاني: 461 - 514.
[322] صحيح مسلم 4: 1873 و 1874. وسنن الترمذي 5: 662 / 3786. ومسند أحمد 3: 14 و 17، 4: 367 و 371، 5: 182 و 189. وسنن الدارمي 2: 432. ومصابيح السنة 4: 185 /4800.
[323] الكفاية في علم الرواية: 48 ووردت الرواية في تعابير مختلفة.
[324] أستاذ بكلية الشريعة في الرياض.
[325] مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف، لعبد الكريم النملة: 83.
[326] السنة، لأبي بكر الخلال 1: 483 في الهامش دار الراية - الرياض 1415 ه - ط 2.
[327] الكفاية في علم الرواية: 47.
[328] الكفاية في علم الرواية: 49.
[329] الطبقات الكبري 2: 338. ومناقب علي بن أبي طالب، لابن المغازلي: 82. وحلية الأولياء 1: 5. وكفاية الطالب: 197. وتذكرة الخواص: 25. والمستدرك علي الصحيحين 3: 127.ومختصر تاريخ دمشق 18: 17. ومجمع الزوائد 9: 114. والصواعق المحرقة: 189.
[330] الإصابة 1: 7.
[331] المستصفي، للغزالي 2: 257 - المدينة المنورة 1413 ه.
[332] شرح الكوكب المنير 2: 477 في الهامش هذا القول لابن الأنباري وغيره.
[333] الإحكام في أصول الأحكام 2: 320.
[334] المصدر السابق نفسه.
[335] الباعث الحثيث في شرح علوم الحديث: 177.
[336] الإعتقاد علي مذهب السلف، للبيهقي: 219 دار الكتب العلمية - بيروت 1406 ه ط 2.
[337] الصواعق المحرقة: 325.
[338] الصواعق المحرقة: 328.
[339] السيرة النبوية، لابن كثير 2: 308.
[340] الفصل في الأهواء والملل والنحل 4: 161.
[341] تطهير الجنان: 42.
[342] الصواعق المحرقة: 326.
[343] السنن الكبري 8: 58.
[344] تاريخ المدينة المنورة 4: 1289.
[345] تاريخ المدينة المنورة 4: 1153.
[346] الإمامة والسياسة 1: 98.
[347] الكامل في التاريخ 3: 275.
[348] أنساب الأشراف 1: 125.
[349] الأحكام السلطانية، للماوردي: 7. وأصول الدين، لعبد القاهر البغدادي: 280.
[350] نهج البلاغة: 366 - 367 الكتاب 6.
[351] شرح نهج البلاغة 9: 294.
[352] فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني 7: 61 دار إحياء التراث العربي- بيروت 1402 ه ط 2.
[353] سنن ابن ماجة 1: 52. وسير أعلام النبلاء 2: 122.
[354] صحيح مسلم 1: 86. وسنن الترمذي 5: 635. وسنن ابن ماجة 1: 42. وتاريخ بغداد 2: 255.
[355] الكامل في التاريخ 3: 311.
[356] تاريخ الطبري 4: 561. والكامل في التاريخ 3: 276.
[357] الكامل في التاريخ 3: 275. وبنحوه في الإمامة والسياسة 1: 96.
[358] الإمامة والسياسة 1: 96.
[359] معالم المدرستين 97 - 98. والآية من سورة الأحزاب 33: 30 - 32.
[360] الفصول المهمة، لعبد الحسين شرف الدين: 189 مؤسسة البعثة - طهران ط 1.
[361] السنن الكبري، للبيهقي 8: 174.
[362] الإمامة في أهم الكتب الكلامية: 465.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.