الزواج الموقت

اشارة

مولف:مجمع العالمي لاهل البيت

مقدمة

يقوم تشريع الزواج في الإسلام علي خطّين: الأول: الزواج الدائم ويعتبر أفضل ما بناه الإسلام، وهذا هو الخط التشريعي الأوّل في باب الزواج. والثاني: الزواج المؤقّت وهو صمّام الأمان الذي يحول دون وقوع المجتمع في رذيلة الزنا، عندما لا يتيسر الزواج الدائم للفرد، أو يتيسر ولكنّ أغراضاً عقلائية ومشروعة تدعو الي ذلك. إنّ الزواج المؤقت يشترك مع جوهر الزواج الدائم من جهة صرف الشهوة في طريق الحلال، وحفظ الأنساب والحيلولة دون اختلاطها، ورعاية مظاهر العفّة والاحتشام في المجتمع، ويتسامح من جهة ثانية في اُمور جانبية لا تمس جوهر الزواج، ففي الزواج المؤقّت عقد ومهر وعِدّة وأجل محدود، وينتفي فيه الميراث والنفقة. وهذا النوع من الزواج ثابت من الناحية الشرعية بنصّ الكتاب العزيز والسنة الشريفة، ولم يخالف أحد من المسلمين في تشريعه في عصر الرسول(صلي الله عليه وآله). وكلّ ما حصل بشأنه أنّ الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب قد منعه وعاقب عليه، فتبعته مدرسة الخلفاء اعتماداً منها علي مبدئها القائل بحجية عمل الصحابي، ومنهم من نزّل ذلك منزلة النسخ له. ومن أجل تصحيح موقفه من المتعة ظهرت ادعاءات شتي منها: أن التحريم والمنع بدأ من عصر النبي(صلي الله عليه وآله)نفسه، وأنّ القرآن قد نسخ آية المتعة. ولأجل إجلاء الحقيقة في هذه القضية التشريعية المهمة لابد لنا من المرور بنقاط ثلاث: النقطة الاُولي: الزواج المؤقت في الكتاب والسنّة. النقة الثانية: هل نسخ حكم الزواج المؤقت؟ النقطة الثالثة: موقف الصحابة والتابعين من الزواج المؤقت.

الزواج المؤقت في الكتاب و السنة

اشاره

لقد أجمع أهل القبلة كافة علي أنّ الله تعالي قد شرّع هذا النكاح في دين الإسلام، ولا يرتاب في هذا أحد من علماء المذاهب الإسلامية علي اختلافها، بل لعل أصل مشروعيته يُلحق بالضروريات.

و الكتاب العزيز يدلّ علي مشروعيته، كما أنّ الأخبار في مشروعيته متواترة حتي عند من يدّعي نسخه.

اما الكتاب العزيز

فقد قال الله تعالي (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اُجورهن فريضة) [1] وكان اُبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير وابن مسعود والسدي يقرأونها «فما استمعتم به منهن إلي أجل مسمي» أخرج ذلك عنهم الطبري في تفسير الآية من تفسيره الكبير، وأرسل الزمخشري في الكشاف هذه القراءة، ارسال المسلّمات، وكذلك الرازي في تفسيره، وشرح صحيح مسلم للنووي في أول باب نكاح المتعة. وأيد الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن، وأبو بكر البيهقي في السنن الكبري، والقاضي البيضاوي في تفسيره، وابن كثير في تفسيره، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والقاضي الشوكاني في تفسيره، وشهاب الدين الآلوسي في تفسيره نزول هذه الآية في موضوع المتعة، بأسناد تنتهي الي أمثال ابن عباس، واُبي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعمران بن حصين، وحبيب بن أبي ثابت، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد. وليس بالإمكان تفسير الآية بالنكاح الدائم كما أصرّ عليه صاحب تفسير المنار، وذلك للأسباب التالية: 1 _ ما مرّ من أن عدداً من الصحابة كانوا يقرأون الآية (فما استمتعتم به منهن _ الي أجل مسمي _ فآتوهن اُجورهن فريضة) بإضافة جملة شارحة في الوسط هي «الي اجل مسمي»، وغرضهم منها بيان المعني والمورد والتفسير، وهذه الجملة الشارحة لا تنسجم إلاّ مع النكاح المؤقت. 2 _ إنّ لفظ المتعة، وإن كان صالحاً للاستخدام في الزواج الدائم إلاّ أنه في الزواج المنقطع أظهر، كما أن لفظ النكاح وإن كان صالحاً للاستخدام في الزواج المنقطع، إلاّ أنه في الزواج الدائم أظهر، وورود لفظ المتعة في

الآية يساعد علي تفسيرها بالزواج المنقطع لا الدائم، وإن لم يكن فيه أظهر، فلا أقل من قبول دلالته علي الزواج المنقطع، ويكون حينئذ من الألفاظ المشتركة المستعملة في أكثر من معني واحد. 3 _ إن آية المتعة واردة في سورة النساء التي ابتدأت بذكر النكاح والزواج الدائم، و أحكامه خلال الآيات 3 و 4 و 20 _ 23، فإن كان المراد من المتعة هو النكاح الدائم أيضاً تكون هذه الآية تكراراً لمطلب مذكور في ما سبق من السورة. 4 _ لو كانت المتعة بمعني الزواج الدائم فما هو المقصود بدعوي النسخ حينئذ؟ هل المقصود نسخ حكم الزواج الدائم؟! فلهذا تكون دعوي النسخ مؤيّدة لكون آية المتعة بمعني الزواج المنقطع لا الدائم.

اما النصوص والأخبار

فهي متواترة وكثيرة جداً ونشير الي بعضها: 1 _.. عن جابر، قال كنّا نستمتع... علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله)وأبي بكر.. ثم نهي عنه عمر [2] . 2 _... عن ابن عباس: إن آية المتعة محكمة ليست بمنسوخة [3] . 3 _... تمتعنا علي عهد رسول الله وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ثم نهي عمر الناس [4] . 4 _ عن الحكيم، وابن جريح وغيرهما، قالوا: قال علي(رضي الله عنه): لولا أن عمر نهي عن المتعة ما زني إلاّ شقي [5] . 5 _ عن عمران بن حصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالي، لم تنزل آية بعدها تنسخها، فأمرنا بها رسول الله، وتمتّعنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) ومات ولم ينهنا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء [6] . 6 _ وأخيراً فقد روي ابن جريح وحده ثمانية عشرحديثاً في حلّية المتعة [7] فضلاً عمّا رواه

غيره. فالأخبار والنصوص تؤكّد ما دلّت عليه الآية الكريمة من حلّية الزواج المؤقت (أي زواج المتعة) ودوام مشروعيتها، وأنّ التحريم إنّما كان من عمر _ لا من النبي الأعظم(صلي الله عليه وآله) _ وأن طائفة من الصحابة والتابعين وحتي ابن عمر نفسه، قد استمروا علي القول بحلّيتها رغم تحريم عمر.

هل نسخ حكم الزواج المؤقت

لجأ جمعٌ من علماء مدرسة الخلفاء الي القول بنسخها لتصحيح موقف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فقال بعضهم: إنّها منسوخة بالقرآن، وقال آخرون: بأنها منسوخة بالسنّة، ثم اختلف الفريقان علي أقوال شتي: أمّا دعوي النّسخ بالقرآن: فهناك قول بأن الناسخ هو قوله تعالي: (إلاّ علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين - فمن ابتغي وراء ذلك فاُولئك هم العادون) [8] . لكن هاتين الآيتين مكيتان، وآية المتعة مدنية، والمتقدم لا ينسخ المتأخر. ثم إنّ المتعة زواج، والمتمتع بها زوجة، فلا تعارض بين هاتين الآيتين وبين آية المتعة حتي يصح القول بالنسخ. وهناك قول بأن الناسخ هو آية العدة قوله تعالي (فطلقوهن لعدتهن) [9] فإن الأمر بالعدّة في هذه الآية ينسخ حكم المتعة التي لا طلاق فيها ولا عدّة. والجواب: إن المتعة ليست مستثناة من العدّة، نعم استثني الطلاق فيها، ونحن إذا أثبتنا أنّ الزواج في الإسلام علي قسمين: دائم ومنقطع، تكون آية الطلاق خاصة بالدائم دون المنقطع لأن العلاقة الدائمة هي التي تحتاج إلي إعلان عن إنهاء العلاقة عند حصول سبب طارئ معين، أمّا العلاقة المؤقتة فلا تحتاج الي هذا الإعلان، وهي تنتهي بانتهاء أمدها المحدد بشكل تلقائي، وحينئذ تكون آية الطلاق منصرفة الي الدائم، ولا نظر فيها الي المتعة حتي تكون ناسخة لها. وهناك قول ثالث بأنها منسوخة بآية الميراث، حيث

لا ميراث في المتعة. ويرد علي هذا القول الجواب السابق، كما يرد عليه أيضاً أنّ انتفاء بعض الآثار لا يدل علي انتفاء الموضوع، فالزوجة الناشزة لا نفقة لها، ومع أنّ النفقة قد انتفت عنها إلاّ أنها مع ذلك تبقي زوجة وتجري عليها سائر الأحكام والآثار المختصّة بالزوجات، والكتابية إذا تزوجت من مسلم، فهي لا ترثه ومع ذلك تبقي زوجة في باقي الآثار والأحكام. علي أنّ تعدد مزاعم النسخ بنفسه دليل آخر علي عدم ثبوته، ويشهد لذلك أيضاً: اختلافهم في زمن النسخ. فقيل: إنّها نسخت ونهي النبيّ(صلي الله عليه وآله) عنها في عام خيبر. وقيل: إن النهي جاء في عام الفتح. وقيل: كانت مباحة ونهي عنها في غزوة تبوك. وقيل: اُبيحت في حجة الوداع ثم نهي عنها. وقيل: اُبيحت ثم نسخت ثم اُبيحت ثم نسخت ثم اُبيحت ثم نسخت. وقيل: غير ذلك. [10] . والقرائن القطعية تفيد عدم النسخ، وأهمّ هذه القرائن اضطراب وتعدد ادعاءات النسخ، حتي جعل مسلم في صحيحه عنوان باب المتعة هكذا «باب نكاح المتعة وبيان أنه اُبيح ثم نسخ ثم اُبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الي يوم القيامة». [11] . وقد أورد القرطبي في تفسيره ما قاله ابن العربي من أن النسخ تناول هذا الحكم مرتين، ثم علّق عليه بقوله: «وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها، إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات» ثم عدد ادعاءات النسخ وقال: «هذه سبعة مواطن اُحلّت فيها المتعة ثم حرّمت» [12] . وقال ابن قيم الجوزية: «وهذا النسخ لا عهد بمثله في الشريعة البتة ولا يقع مثلها فيها» [13] . ثم ما بال هذه الادعاءات تظهر بعد انقراض عصر الصحابة؟ ولِمَ لم يستشهد بواحدة منها عمر

بن الخطّاب نفسه في تحريمه للمتعة؟ فإنه من الواضح لو كان بيده شيء منها لاستشهد به، وقد اُثر عنه أنه عارض أبا بكر في محاربته مانعي الزكاة بالأحاديث النبوية المانعة من قتال أهل الشهادتين، فلماذا لم يتمسك هنا بالسيرة النبوية الناسخة إن كان يوجد منها شيء كما يقال؟ أم أن أصحاب هذه الادعاءات أعلم بسيرة النبي(صلي الله عليه وآله) من الصحابة ومن عمر بن الخطاب نفسه؟ ولم يكن الخليفة الثاني مستغنياً عن ذلك، بل كان في أمسّ الحاجة إليه، لأن المسلمين وعلي رأسهم الصحابة لم يتلقوا موقف الخليفة بالقبول وإنّما ردّوا عليه، بأنهم قد عملوا ذلك في عهد الرسول(صلي الله عليه وآله) وعهد أبي بكر، فلو كان هناك نسخ لظهر. ثم إنّ هذه الادعاءات معارضة لكلام الخليفة الثاني نفسه فإنه قال: «متعتان كانتا علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنهي عنهما واُعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج» [14] فلو كان هناك شيء من النسخ لنسب لذكره ولما نسب ذلك الي نفسه. وعليه، تكون ادعاءات النسخ معارضة لكلام الخليفة نفسه. وحادثة اُخري تفضح حكاية النسخ هذه، فقد روي الطبري في تاريخه في حوادث سنة (23 ه_) أن عمران بن سوادة دخل علي عمر ابن الخطّاب وذكر له ما يتحدث به الناس من الاُمور التي أحدثها فيهم ولم يرضوها منه، منها تحريمه المتعة، قال: «ذكروا أنك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث! قال _ أي عمر بن الخطاب في جوابه _: إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) أحلّها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس الي سعة، ثم لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من

شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت» [15] . وفي هذا الحوار يؤكد الخليفة الثاني مرّة اُخري علي أن الموقف من المتعة موقف شخصي خاص به، ورأي ارتآه، وليس هناك أثر نبوي فيه. ثم إن الاجتهاد الذي بيّنه في تحريمها في هذه المحاورة غير تام، وواضح البطلان فهو يدّعي أنّ الرسول(صلي الله عليه وآله) قد أحلّها في زمان ضرورة، وهذا يعني أنّها مباحة عند الضرورات، فلماذا أطلق تحريمها ومنعها وتوعّد العقوبة عليها ولم يقيد ذلك بالضرورة؟ علي أنّ الرسول(صلي الله عليه وآله) قد أباحها في أسفاره، والسفر شيء والضرورة شيء آخر.

موقف الصحابة و التابعين من الزواج المؤقت

اشاره

ودليل آخر علي عدم النسخ هو اشتهارها لدي الصحابة والتابعين والفقهاء الي حين ظهور المذاهب الأربعة في القرنين الثالث والرابع. ومن شواهد ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من روايات عن سلمة بن الأكوع، وجابر بن عبدالله الأنصاري وعبدالله ابن مسعود، وابن عباس، وسبرة بن معبد، وأبي ذر الغفاري، وعمران ابن حصين، والأكوع بن عبدالله الأسلمي [16] . وقد أخرج مسلم في باب نكاح المتعة عدّة روايات عن جابربن عبدالله، وأبي الزبير، أنهما عملا بالمتعة علي عهد الرسول(صلي الله عليه وآله)، وأبي بكر، حتي نهي عنها عمر بن الخطاب. وفي صحيح البخاري [17] قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتي مات، قال رجل برأيه ما شاء. بل عارض تحريمها جمع من كبار الصحابة كالإمام علي(عليه السلام)وعبدالله بن عباس، وجابر بن عبدالله الانصاري، وعبدالله بن عمر وعبدالله بن مسعود. وهناك من علماء السنة في القرن الهجري الأول والثاني من أفتي بها، بل وعمل بها وهو عبد الملك بن جريج

المتوفي سنة (149 ه_). قال ابن حزم في المحلّي: «وقد ثبت علي تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف منهم من الصحابة، أسماء بنت أبي بكر، وجابر ابن عبدالله، وابن مسعود وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة ومعبد ابنا اُمية بن خلف، ورواه جابر بن عبدالله عن جميع الصحابة مدّة رسول الله(صلي الله عليه وآله)ومدّة أبي بكر وعمر الي قرب آخر خلافة عمر.. وإليك فهرس جمع من الصحابة والتابعين لهم باحسان من الذين قالوا بحلّيتها وعدم نسخها، وهم: 1 _ عمران بن الحصين 2 _ عبدالله بن عمر 3 _ سلمة بن اُمية 4 _ معبد بن اُمية 5 _ الزبير بن العوام 6 _ خالد بن مهاجر 7 _ اُبي بن كعب 8 _ ربيعة بن اُمية 9 _ سمير _ في الإصابة _ لعله سمرة ابن جندب 10 _ السدي 11 _ مجاهد 12 _ ابن أوس المدني 13 _ أنس بن مالك 14 _ معاوية بن أبي سفيان 15 _ ابن جريح 16 _ نافع 17 _ صبيب بن أبي ثابت 18 _ الحكم بن عتيبة 19 _ جابر بن يزيد 20 _ البراء بن عازب 21 _ سهل بن سعد 22 _ المغيرة بن شعبة 23 _ سلمة بن الأكوع 24 _ زيد بن ثابت 25 _ خالد بن عبدالله الأنصاري 26 _ يعلي بن اُمية 27 _ صفوان بن اُمية 28 _ عمرو بن حوشب 29 عمرو بن دينار 30 _ ابن جرير 31 _ سعيد بن حبيب 32 _ إبراهيم النخعي 33 _ الحسن البصري 34 _ ابن المسيب 35 _ الأعمش

36 _ الربيع بن ميسرة 37 _ أبي الزهري مطرف 38 _ مالك بن أنس 39 _ أحمد بن حنبل في بعض الحالات 40 _ أبو حنيفة علي بعض الوجوه [18] . هذا مضافاً الي ما قاله أمثال أبي عمرو: إن أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً... وقال القرطبي في تفسيره [19] : أهل مكّة كانوا يستعملونها كثيراً. وقال الرازي في تفسيره [20] وقال السوّاد منهم: أنها بقيت مباحة كما كانت. وقال أبو حيان في تفسيره بعد نقل حديث إباحتها: وعلي هذا جماعة من أهل البيت والتابعين [21] . ولمن أراد المزيد من التفصيل في هذا المجال فقهياً وتأريخياً وحديثياً مراجعة كتاب المعالم [22] للعلاّمة السيد مرتضي العسكري. وإذا صدقت دعوي تحريم النبي (صلي الله عليه وآله) لها فالتحريم يكون من قبيل الحكم الحكومي الولائي المؤقت، وليس من قبيل التشريع الدائم، ولهذا السلوك نظائر في سيرة الرسول(صلي الله عليه وآله)،كتحريمه أكل لحوم الحمر الأهلية في عام خيبر، فإنه كان منعاً حكومياً وليس تحريماً شرعياً ثابتاً. ولو أننا سايرنا مزاعم النسخ والتحريم وافترضنا أنّ زوجين اتفقا علي الزواج وتباينا علي الطلاق بعد مدّة، فما هو حكم هذه العلاقة؟ فهل يحكم بحرمتها وأنّها زنا؟ أم يحكم بجوازها؟ فإنّ القول بحرمتها زعم بلا دليل، والمصير الي جوازها هو الموافق للصواب الذي عليه مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

هل المتعة هي الزنا؟

وأما القول بأنها تشبه الزنا أو أن المتعة هي الزنا فهو مجازفة خطيرة حتي لو كانت منسوخة، لأن ذلك يعني أنّ الشارع المقدس قد أباح الزنا ثمّ حرّمه، فهل يقبل بذلك مسلم؟! وقد تقدم أن الزواج المؤقت نكاح كالنكاح الدائم، له شروط وقيود، وهي العقد والمهر

والأجل، ومثل العقل والبلوغ، وعدم مانع شرعي من نسب أو سبب أو رضاع وغير ذلك. وأما الزنا فلا عقد فيه ولا يلحق الولد بأبيه ولا يرثه ولا علاقة زوجية ولا عدة عليها، فتشبيه المتعة بالزنا قول باطل وقائله مكابر ومجادل. نعم، يمكن القول بأن الزواج المؤقت تشريع قابل للاستغلال من قبل النفوس الهابطة والمريضة. والجواب حينئذ: أن الدنيا مليئة بالظواهر الإيجابية التي تقع عرضة لاستغلال سيئ من أفراد سيئين، والحل في مثل هذه الحالة ليس في تحريم هذه الظواهر، وإنّما في إيجاد سبل من شأنها الحيلولة بين هذه الظواهر الإيجابية وبين الاستغلال السيئ لها، فبإمكان الحاكم الإسلامي أن يشترط في تنفيذ حكم الزواج المؤقت الشروط الزمانية اللازمة لانقاذ هذا التشريع من مخالب الاستغلال والمستغلين.

النتيجة

و هكذا يتّضح لدينا أنّ ما عليه نصوص القرآن الكريم و السنّة النبوية الشريفة و نصوص الصحابة و التابعين هو تشريع الزواج المؤقت بالإجماع و عدم ثبوت النسخ له عند كثير من الصحابة والتابعين، و لا سيّما عند أهل البيت الطاهرين و هم «عليّ» سيد الوصيين و أبناؤه الأئمة المعصومون(عليهم السلام) وعلماء مدرستهم الفقهية جيلا بعد جيل. فالزواج المؤقت زواج مشروع بنصّ الكتاب و السنة كالزواج الدائم في الشريعة الإسلامية، و يختلف عنه في بعض الأحكام التي أشرنا إليها. و ما نقل عن عمر بن الخطاب غير صالح لإثبات دعوي النسخ كما اعترف بذلك غير واحد من الصحابة و التابعين.

پاورقي

[1] النساء: 24.

[2] صحيح مسلم: 4 / 131 طبع مشكول، مسند أحمد: 6 / 405، فتح الباري: 9/ 149.

[3] الكشاف: 1 / 498 طبع بيروت، والغدير: 6 عن تفسير الخازن: 1 / 357.

[4] بداية المجتهد: 2 / 58 والغدير: 6 / 223 و 207.

[5] تفسير الطبري: 5 / 9 وتفسير الرازي: 10 / 50 والدر المنثور:2 / 140 بل: شقيّ، أي قليل.

[6] صحيح البخاري: 2 / 168 و6 / 33، وصحيح مسلم: 4 / 48، وسنن النسائي: 5/ 155 ومسند احمد: 4 / 426 بسند صحيح.

[7] نيل الأوطار: 6 / 271، فتح الباري: 9 / 150.

[8] المؤمنون: 6 _ 7.

[9] الطلاق: 1. [

[10] أحكام القرآن: 2/184 _ 195، باب المتعة، ط دار الكتب العلمية، صحيح مسلم بشرح النووي: 9/179، باب نكاح المتعة، ارشاد الساري بشرح صحيح البخاري: باب 32، باب نهي رسول الله(صلي الله عليه وآله) عن نكاح المتعة، أحاديث 5115، 5119.

[11] صحيح مسلم: 2 /130 طبعة دارالفكر _ بيروت.

[12] تفسير القرطبي: 5 /

130 _ 131.

[13] زاد المعاد: 2 / 204.

[14] شرح معاني الآثار: 2/ 146، أحمد بن محمد بن سلمة الأزدي.

[15] تاريخ الطبري: 5 / 32.

[16] انظر: صحيح مسلم بشرح النووي: 9 / 179 _ 189 وصحيح البخاري كتاب التفسير باب 33 ح 4156 وكتاب النكاح باب 32 ح 4724 وكتاب الاعتصام باب 28 ح 6819.

[17] صحيح البخاري: 5/ 185 طبعة، دار الفكر.

[18] راجع الغدير: 6 / 220. والزواج المؤقّت في الإسلام: 123 والمتعة للفكيكي، والأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية: 1 / 28.

[19] الجامع لأحكام القرآن: 5/132.

[20] التفسير الكبير للرازي: 3/200.

[21] الغدير: 6 / 222 نقلاً عن الاستيعاب وغيره.

[22] معالم المدرستين: 2/242 _ 280.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.