الروض النضير في معنى حديث الغدير

اشاره

سرشناسه:کریم، فارس حسون، - 1331

عنوان و نام پديدآور:الروض النضیر فی معنی حدیث الغدیر/ فارس حسون کریم

مشخصات نشر:قم: موسسه امیرالمومنین (ع) للتحقیق، 1419ق. = 1378.

مشخصات ظاهری:ص 454

شابک:964-6422-04-715000ریال ؛ 964-6422-04-715000ریال

يادداشت:عربی

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع:غدیر خم

غدیر خم -- ماخذ

علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اثبات خلافت

شناسه افزوده:موسسه تحقیقاتی امیرالمومنین (ع)

رده بندی کنگره:BP223/54/ک 44ر9 1378

رده بندی دیویی:297/452

شماره کتابشناسی ملی:م 78-113

خیراندیش دیجیتالی : جناب آقای سید علی بحرینی به نیابت از مرحومه حاجیه خانم کسایی _گروه هم پیمانان موعود غدیر.

ص :1

اشارة

الروض النضير

في معنى

حديث الغدير

ص :3

اسم الكتاب: الروض النضير في معنى حديث الغدير المؤلف: فارس حسون كريم

الناشر: قم، مؤسسة أمير المؤمنين عليه السلام للتحقيق

الطبعة: الأولى

التاريخ: 1419 ه

المطبعة: دانش

ص :4

بسم الله الرحمن الرحيم

ص :5

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم إن الشعوب الإسلامية في كل أنحاء العالم بإمكانها نيل الوحدة وتحقيق الأخوة بمختلف الطرق، وأحدها الوحدة وتحقيق الأخوة بمختلف الطرق، وأحدها في " العقيدة والمبدأ " لأن الاختلاف في المباني الفكرية والأيديولوجية تمثل الأساس الذي تتفرع عليه الاختلاف في السلوك المترجم على أرض الواقع، الجميع يتسائلون: الجواب على هذه الأسئلة واضح، لأنه: لأن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا إبهام فيها، وبما أن جميع الفرق والمذاهب الإسلامية تعتقد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجميع المسلمين يتعشقونه، ويأتون إلى زيارته من كل فج عميق، فلا بد أن يتعرفوا على سيرته وأحاديثه، ويتخذوا منها منهجا يسيرون عليه في حياتهم، وهكذا تزول الاختلافات باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

إن علماء السنة يؤمنون بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سموا أنفسهم باسم السنة لذلك، ولشدة عشقهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يحترمون أصحابه أيضا، حتى أولئك الذين لم يصحبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أياما قلائل نجدهم ينظرون إليهم بإجلال وإكبار ويقبلون آراءهم، إذا، فلا بد أن يقبلوا وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع، في أرض " الجحفة " في " غدير خم " حيث اختار صلى الله عليه وآله وسلم عليا لإمامة المسلمين، وذلك عندما رجع 120 ألف من حجاج بيت الله الحرام من مكة المكرمة وبايعوا عليا، وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدوا أيديهم لمبايعة الإمام علي عليه السلام، وقد تناقل خبر هذه الواقعة جميع الحاضرين ودونوها في كتبهم، وحفظت صدورهم، حديث الغدير وتناقلته أفواههم وأنشد فحول الشعراء من العرب آنذاك القصائد العصماء في تلك الحادثة الهامة، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقبولا، وقوله وفعله حجة. فحديث الغدير وخطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في نصب علي بن أبي طالب عليه السلام إماما من بعده، وسلوكه صلى الله عليه وآله وسلم في أخذ البيعة للإمام علي عليه السلام حجة، تلك حقيقة لا تقبل الرد، ومن هذا الجهد المبارك الكتاب الروض النضير في معنى حديث الغدير، من تأليفات الأستاذ فارس حسون كريم، حول واقعة الغدير الكبرى ونسأل الله أن يوفقه في الدنيا بالمكارم الأخلاقية وفي القيامة بالوصول إلى الشفاعة العترة النبوية.

إن شاء الله

قم المقدسة، مؤسسة أمير المؤمنين عليه السلام

للتحقيق محمد الدشتي

محرم الحرام 1375 ه ش.

ص :6

الإهداء

إلى من كان رضاهما مصدر التوفيق.

إلى من ليس أحب إليها من أن تسمع وترى أني سعيد محظوظ.

إلى من قدمت إلي كل غال ورخيص في سبيل إسعادي.

إلى الكنز الزاخر من الحنان والعطف الصادقين، أعب منهما كلما أظلمت الحياة في وجهي، وصدمتني الأيام بمصائبها.

إلى أمي الحنون حفظها الله ورعاها بعنايته.

إلى من حفرت وصاياه كما يشاء على قلبي بأحرف لا تمحوها يد النوى، ولا تعبث بها نار الغربة.

إلى من ترعرعت على مهد آدابه، وشبت على رحيب صدره.

إلى من أتذكره كلما لاح غصن وهدلت حمامة.

إلى سيدي الوالد الأكرم أعزه الله.

أقدم هذه الصفحات فارس

ص :7

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك يا من هدانا الصراط المستقيم وسبيل السداد، وجعلنا أكمل العباد، وأسكننا في أحسن البلاد، وأسعدنا في ذكر مناقب الأئمة والأوصياء المرضيين، واستسعد أنفسنا بمدائح الأنبياء والأولياء الصديقين، وصيرنا غير من يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وأعطانا الجنان وعينا فيها تسمى سلسبيلا.

وجعلنا من الزمرة الناجين الاثني عشرية القائلين: بأن عليا عليه السلام بلا فصل بعد خير المرسلين، خليفة ومقتدى العالمين، وإمام المخلوقين، وأمير المؤمنين، ويعسوب الدين، وقائد الغر المحجلين.

ووفقنا للتمسك بأذيال الأئمة الطاهرين، مولانا أمير المؤمنين وعترته الميامين، ودلنا إلى سواطع أنوار الملة البيضاء، ولوامع أخبار الشريعة الغراء، ومشارق شموس الهداية، وشوارق أقمار الرواية والدراية، فبذلك صرنا أشياعا لسادة يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا، وأتباعا لقادة يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.

ص :9

والصلاة على من ختمت به النبوة والرسالة، وكملت به الرفعة والجلالة، وغلت به الشرافة والنبالة، وعلت به النجابة والأصالة.

وعلى أهل بيته أقطاب رحى الإسلام والإيمان، ومراكز دائرة الفتوة والإحسان، ومطالع أنوار السعادة، ومنابع أنهار السيادة.

لا سيما من تمت به الولاية، ونمت به الوصاية، وسمت به الدراية، ووسمت به الرواية، يد الله الواهب، وهزبره السالب، وشهابه الثاقب، علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، ما طلع الشارق، وغرب الغارب.

جعلني الله تعالى من مواليهم، وصيرني ممن يتبرأ من أعاديهم.

وبعد:

لا يذهب على اللبيب السالك مهيع الانصاف، التارك لهواه، النائي بجنبه عن العصبية الباردة التي هي تراث الكامنين بغض آل الرسول صلى الله عليه وآله لأحقاد بدرية وحنينية، إن هذا الحديث الشريف من المتواترات بين النقلة وحفاظ الأحاديث النبوية، قد بلغت كثرة أسانيده واستفاضتها إلى درجة لو ارتاب فيه أحد لم يجد متواترا في الدنيا، ولعد المكابر له من السوفسطائية في الحسيات، فكيف يتطرق إلى صدوره الإنكار، وإلى صراحة دلالته الاحتمال، وقد شهد بتواتره فطاحل الآثار وحفظة الأخبار؟! أودعوه في كتبهم على تنوعها، وأذعنوا بعد التأويلات الباردة بصراحته في ما نقول نحن معاشر شيعة أهل البيت عليهم السلام.

فممن صرح بتواتره:

1 - السيد محمد بن إسماعيل بن صلاح الدين الأمير، قال في كتابه " الروضة الندية في شرح التحفة العلوية ": وحديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة

ص :10

الحديث.

2 - أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني، وهو من أوثق رجال المذاهب الأربعة، له كتاب " دراية حديث الولاية " وهو سبعة عشر جزءا، روى فيه نص النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام بالخلافة عن مائة وعشرين صحابيا وست صحابيات، وعدد أسانيد هذا الكتاب ألف وثلاثمائة.

3 - الشيخ ضياء الدين صالح بن المهدي المقبلي في كتاب " الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة ". حيث قال - بعد ذكر الغدير - ما لفظه: وطرقه كثيرة جدا ولذا ذهب بعضهم إلى أنه متواتر لفظا فضلا عن المعنى.

4 - صاحب كتاب " نخب المناقب لآل أبي طالب " حيث قال ما لفظه:

قال جدي شهرآشوب: سمعت أبا المعالي الجويني يتعجب ويقول: شاهدت مجلدا ببغداد بيد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". وتتلوه المجلدة التاسعة والعشرون. وذكره ابن كثير أيضا في " التاريخ ".

5 - صاحب كتاب " السراج المنير في شرح الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ".

6 - أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني النيسابوري الرازي، صنف كتابا في حديث الغدير سماه " دعاة الهداة إلى أداء حق الموالاة " في مجلد كبير.

7 - القاضي سناء الله الهندي الباني بتي في كتاب " السيف المسلول " على ما نقله صاحب " عبقات الأنوار ".

8 - العلامة الشيخ جلال الدين عبد الرحمان السيوطي في كتابه " الأزهار

ص :11

المتناثرة في الأحاديث المتواترة ".

9 - شمس الدين التركماني الذهبي، حيث إنه بعد معلومية حاله من التسرع في تضعيف الأسانيد حكم بكون هذا الحديث متواترا، وجعل يتكلف في دلالته ويحمله على محامل بعيدة.

10 - الشيخ ابن كثير الشامي في " تاريخه " عند ترجمة محمد بن جرير الطبري، وأنه رأى كتابا جمع فيه أسانيد هذا الحديث في مجلدين ضخمين.

11 - الجزري في " أسنى المطالب "، حيث قال: إنه حديث صحيح رواه الجم الغفير عن الجم الغفير.

12 - الشيخ جمال الدين النيسابوري في " الأربعين "، حيث قال:

حديث الغدير تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة.

13 - الميرزا مخدوم بن مير عبد الباقي الشريفي الحنفي المتعصب في كتاب " نواقض الروافض ".

14 - المولوي محمد مبين الهندي الحنفي في كتاب " وسيلة النجاة " كما في " العبقات ".

إلى غير ذلك من كلماتهم المودعة في كتبهم قد طوينا عن نقلها كشحا روما للاختصار، ورعاية لحال النظار، وما نقلناه قطرة بالنسبة إلى ما لم ننقل، ومن أراد أن يقف على أكثر مما ذكر فليرجع إلى كتبهم.

ونعم ما قال سيدنا ذو المجدين علم الهدى الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي في كتابه المسمى ب " الشافي في الرد على القاضي المعتزلي ":

وما المطالب بتصحيح خبر الغدير إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي صلى الله

ص :12

عليه وآله الظاهرة المنثورة وأحواله المعروفة، وحجة الوداع نفسها، لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة، وقد أورد مصنفو الحديث في جملة الصحيح، وقد استبد هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الأخبار لأن الأخبار على ضربين:

أحدهما: أن يعتبر في نقله الأسانيد المتصلة كالخبر عن واقعة بدر وخيبر والجمل وصفين وما جرى مجرى ذلك من الأمور الظاهرة التي يعلمها الناس قرنا بعد قرن بغير إسناد وطريق مخصوص.

والثاني: يعتبر فيه اتصال الأسانيد كأخبار الشريعة، وقد اجتمع في خبر الغدير الطريقان مع تفرقهما في غيره.

وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة المتصفة بالصحة الجمع الكثير.

وكذلك تجد أكثر المصادر الشيعية التي تتناول حديث الغدير تركز على المصادر السنية.

ونحن آثرنا أن نعطي صورة من الحديث في مصادر المسلمين غير الشيعة وقد فعلنا بعونه تعالى.

مع أنهم ذكروا في صحاحهم في فضيلة نزول آية * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (1) ما رواه مسلم في صحيحه في الجلد الثالث عن طاوس بن شهاب قال: قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية ونعلم اليوم الذي أنزلت فيه لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.

وها هم يروون أنه يوم غدير خم يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام

ص :13


1- (1) سورة المائدة: 3.

كما في رواية أبي هريرة قال: " من صام ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا ".

وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب!! أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (1)، فأنزل الله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * الآية.

ولم تجد أو تسمع أحدا من أهل السنة من يتخذ ذلك اليوم عيدا في جميع الأعصار والأمصار، بل يكتمونه عن العوام، وينكرونه عند الجهال أشد الإنكار، فهل كان إلا عنادا لربهم، وخلافا لنبيهم، وتسفيها لحلوم أهل شريعتهم، وردا على كتابهم، وقد تمحض قيام ذلك عند شيعة أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله فإنهم هم الذين عملوا بمقتضى ما أنزله الله في كتابه، وأكده نبيه حينئذ في خطابه، واستقاموا على سنن الهادين من آل نبيهم، وهذا لا ينكره أحد كما أفاد الفاضل في " نهج المحجة ".

وبعد اطلاعك بما نقلناه، وفهم الفصحاء والشعراء منه ما أوردناه، واستحضارك بنزول رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك الزمان الشديد الحرارة، والمكان الممتلئ بالأشواك الضارة، الذي لم يكن نزول المسافر

ص :14


1- (1) مسند أحمد بن حنبل: 4 / 281، وذكره عن أحمد في كنز العمال: 6 / 397، الرياض النضرة: 2 / 169، وسيلة المآل في عد مناقب الآل: 109 (مخطوط).

فيه متعارفا حتى أن الرجل يستظل بناقته من شدة الحرارة، ويضع رداءه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وصعوده صلى الله عليه وآله على منبر من الأقتاب والدعاء لعلي عليه السلام على وجه يناسب لشأن الملوك والخلفاء وولاة العهد تقطع بأن ذلك لم يكن إلا لنزول الوحي الايجابي الفوري لإظهار أمر عظيم الشأن، جليل القدر، يختص بعلي عليه السلام دون سائر أهل البيت عليهم السلام، كنصبه للإمامة والخلافة، واختصاصه بصفة النبالة والشرافة، لا لمجرد طلب المحبة والنصرة، وأمثالهما المعلومة بديهة للبررة والفجرة، سيما مع قوله صلى الله عليه وآله: " ألست أولى بكم من أنفسكم؟ " فإنه نص صريح في إرادة رئاسة الدين والدنيا، وقول عمر:

بخ بخ، إلخ.

وبهذا ظهر أن ما ذكر الفاضل القوشجي وأجيب بأنه غير متواتر إلى آخر ما قال في " شرحه على تجريد العقائد " بعيد عن الانصاف.

وأنا لشديد التعجب من أهل السنة فإنهم إذا رأوا رواية الأخبار من متقدمي محدثيهم دالة على إمامة علي عليه السلام مع كونها متواترة ومتفقا عليها بين الفريقين، كحديث الغدير والمنزلة وما ضاهاهما ينكرون تواترها وحجيتها بسبب عدم ذكرها بعض متأخري محدثيهم الذي تفطن بدلالتها على مطلوب الإمامية للعصبية! وليت شعري كيف يقبلون روايتهم في ما سوى ذلك مع كونها غير متواترة وغير متفق عليها بين الفريقين، بل غير متفق عليها بينهم أيضا نقلا ودلالة وسندا؟! فوالله لا عيب أشد من الجهل، ولا داء أضر من خفة العقل، ولا فساد أعظم من التعصب، ولا مرض أكبر من التغلب والتقلب.

ص :15

ولم تكن رغبتي في غور البحث في " حديث الغدير " وليدة الساعة، فقد كانت أمنيتي أن أوفق لتبييض مسوداتي، وإذا أشرق - إن شاء الله تعالى - بدره المنير من أفق التمام، وتفتق زهره النضير من حجب الكمام، وسمته ب " الروض النضير في معنى حديث الغدير "، والله أسأل أن يوفقني لإتمامه، ويشفع حسن ابتدائه بحسن ختامه.

وهذا بدء الكتاب، والله الهادي إلى طريق الصواب.

وهو مشتمل على مقدمة وسبعة فصول.

فارس حسون كريم قم المقدسة جمادى الثانية 1417 ه. ق

ص :16

الفصل الأول: خطبة الغدير

ص :17

خطبة الرسول صلى الله عليه وآله يوم غدير خم خطبة رويت بسند متواتر، وليس في الإسلام حديث - بعد حديث بعثة الرسول صلى الله عليه وآله - أكثر تواترا من حديث الغدير، فقد رواها أكثر المهاجرين والأنصار، والتابعين والرواة - رغم أن الاتجاه السياسي كان يمنع من روايته - وقد ألف العلماء مئات من الكتب المستقلة، في تدقيق نصه وأسانيده، ومنها كتاب " عبقات الأنوار " للعلامة المغفور له السيد مير حامد حسين، وكتاب " الغدير " للبحاثة الشيخ عبد الحسين الأميني، ومن أراد الاطلاع على مجمل ما ألف وصنف في هذا الشريف فليرجع إلى " الغدير في التراث الإسلامي " تأليف أستاذنا العلامة الفقيد السيد عبد العزيز الطباطبائي قدس سره.

ونحن هنا نورد هذا الحديث عن كتاب الاحتجاج للطبرسي: 55 - 66، فقد رواه بالسند التالي (1):

حدثني السيد العالم أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني، عن الشيخ أبي علي الحسن بن السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، عن الشيخ أبي جعفر، عن جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي محمد بن همام، عن علي السوري، عن أبي محمد العلوي - من ولد الأفطس -، عن محمد بن موسى الهمداني، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن

ص :19


1- (1) انظر أيضا: روضة الواعظين: 89 - 101، تفسير البرهان: 1 / 436 ح 9، الغدير: 1 / 214 وما بعدها.

عميرة، وصالح بن عقبة جميعا، عن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال:

حج رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة، وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله جل اسمه يقرؤك السلام، ويقول لك: إني لم أقبض نبيا من أنبيائي، ولا رسولا من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان، مما تحتاج أن تبلغهما قومك: فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فإني لم أخل أرضي من حجة، ولن أخليها أبدا، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج، وتحج، ويحج معك من استطاع إليه سبيلا، من أهل الحضر والأطراف والأعراب، وتعلمهم معالم حجهم، مثلما علمتهم من صلاتهم، وزكاتهم، وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع.

فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا إن رسول الله يريد الحج، وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم، ويوقفكم من ذاك على أوقفكم عليه من غيره. فخرج صلى الله عليه وآله وخرج معه الناس، وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم، وبلغ من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألفا أو يزيدون..

فلما أتم الحج ورجع، وبلغ غدير خم، قبل الجحفة (1) بثلاثة أميال، أتاه

ص :20


1- (1) الجحفة: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة على أربع مراحل.. وكان اسمها " مهيعة " وسميت الجحفة لأن السيل جحفها، وبينها وبين البحر ستة أميال. " مراصد الاطلاع: 1 / 315 ".

جبرائيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار، والعصمة من الناس، فقال: يا محمد، إن الله عز وجل يقرؤك السلام، ويقول لك:

* (يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك - في علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (1).

وكان أوائلهم قريبا من الجحفة، فأمر بأن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ليقيم عليا علما للناس، ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي، وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله - عندما جاءته العصمة - مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة، ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر، وتنحى عن يمين الطريق، إلى جنب مسجد الغدير - أمره بذلك جبرائيل عن الله عز وجل - وكان في الموضع سلمات (2)، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقم ما تحتهن (3)، وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فوق تلك الأحجار، ثم حمد الله وأثنى عليه فقال:

ص :21


1- (1) سورة المائدة: 67.
2- (2) أي أشجار.
3- (3) أي يكنس ما تحتهن.

الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجل في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكل شئ علما وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، مجيدا لم يزل، محمودا لا يزال، بارئ المسموكات، وداحي المدحوات، وجبار الأرضين والسماوات، قدوس سبوح، رب الملائكة والروح، متفضل على جميع من برأه، متطول على جميع من أنشأه، يلحظ كل عين والعيون لا تراه، كريم، حليم، ذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته، ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه، ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر، وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شئ، والغلبة على كل شئ، والقوة في كل شئ، والقدرة على كل شئ، وليس مثله شئ، وهو منشئ الشئ حين لا شئ، دائم قائم بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، جل عن أن تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية، إلا بما دل عز وجل على نفسه.

وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشي الأبد نوره، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير، ولا معه شريك في تقدير، ولا تفاوت في تدبير، صور ما أبدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال، أنشأها فكانت، وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا إله إلا هو، المتقن الصنعة، الحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، والأكرم الذي ترجع إليه الأمور.

ص :22

وأشهد أنه الذي تواضع كل شئ لقدرته، وخضع كل شئ لهيبته، ملك الأملاك، ومفلك الأفلاك، ومسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاصم كل جبار عنيد، ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، إله واحد، ورب ماجد، يشاء فيمضي، ويريد فيقضي، ويعلم فيحصي، ويميت ويحيي، ويفقر ويغني، ويضحك ويبكي، ويمنع ويعطي.

له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، لا إله إلا هو العزيز الغفار، مستجيب الدعاء، ومجزل العطاء، محصي الأنفاس، ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شئ، ولا يضجره صراخ المستصرخين، ولا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين، والموفق للمفلحين، ومولى العالمين، الذي استحق من كل من خلق أن يشكره ويحمده.

أحمده على السراء والضراء، والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته، وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع، وأبادر إلى كل ما يرضاه، وأستسلم لقضائه، رغبة في طاعته، وخوفا من عقوبته، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره، ولا يخاف جوره، وأقر له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحى إلي، حذرا من أن لا أفعل، فتحل بي منه قارعة (1) لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته، لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحى إلي

ص :23


1- (1) القارعة: الداهية والنكبة المهلكة.

* (بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك) * في علي - يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب - * (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) *.

معاشر الناس، ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلي، وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: إن جبرائيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا، يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد، فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي، ووصيي، وخليفتي، والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وهو وليكم بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (1) وعلي بن أبي طالب عليه السلام أقام الصلاة، وآتى الزكاة وهو راكع، يريد الله عز وجل في كل حال.

وسألت جبرائيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم - أيها الناس - لعلمي بقلة المتقين، وكثرة المنافقين، وإدغال (2) الآثمين، وختل (3) المستهزئين بالإسلام، الذين وصفهم الله في كتابه، بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة أذاهم لي في غير مرة، حتى سموني: أذنا، وزعموا أني كذلك، لكثرة ملازمته إياي، وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا: * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن

ص :24


1- (1) سورة المائدة: 55.
2- (2) الإدغال: المخالفة والخيانة.
3- (3) الختل: الخديعة.

قل أذن) * على الذين يزعمون أنه أذن * (خير لكم) * (1).

ولو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميت، وأن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي.

ثم تلا صلى الله عليه وآله: * (يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك) * في علي * (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) *.

فاعلموا - معاشر الناس - أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما، مفترضا طاعته، على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر، وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى كل موحد، ماض حكمه، جائز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، مؤمن من صدقه، فقد غفر الله له، ولمن سمع منه، وأطاع له.

معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا، وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربكم، فإن الله عز وجل هو مولاكم، وإلهكم، ثم من دونه محمد صلى الله عليه وآله وليكم، القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولده، إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الحلال والحرام، وأنا أفضيت بما علمني ربي، من كتابه وحلاله وحرامه إليه.

معاشر الناس، ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين، وما من علم إلا علمته عليا، وهو الإمام المبين.

ص :25


1- (1) سورة التوبة: 61.

معاشر الناس، لا تضلوا عنه، ولا تنفروا منه، ولا تستكبروا (1) من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهى عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله، وهو الذي فدى رسوله بنفسه، وهو الذي كان مع رسول الله، ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره.

معاشر الناس، فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.

معاشر الناس، إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، وأن يعذبه عذابا نكرا، أبد الآباد، ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه، فتصلوا نارا وقودها الناس والجارة أعدت للكافرين.

أيها الناس، بي والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين، والحجة على جميع المخلوقين، من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شئ من قولي هذا فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار.

معاشر الناس، حباني الله بهذه الفضيلة، منا منه علي، وإحسانا منه إلي، ولا إله إلا هو، له الحمد مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.

معاشر الناس، فضلوا عليا، فإنه أفضل الناس بعدي، من ذكر وأنثى، بنا أنزل الله الرزق وأبقى الخلق، ملعون ملعون، مغضوب مغضوب، من رد علي قولي هذا ولم يوافقه، ألا إن جبرائيل أخبرني عن الله تعالى بذلك، ويقول: من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي، فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله أن تخالفوه، فتزل قدم بعد ثبوتها، إن الله خبير بما تعملون.

ص :26


1- (1) تستنكفوا - خ ل -.

معاشر الناس، إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه، فقال تعالى: * (أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) * (1).

معاشر الناس، تدبروا القرآن، وافهموا آياته، وانظروا إلى محكماته، ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره، ولا يوضح لكم تفسيره، إلا الذي أنا آخذ بيده، ومصعده إلي، وشائل بعضده، ومعلمكم: أن من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن أبي طالب، أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل، أنزلها علي.

معاشر الناس، إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، فكل واحد منبئ عن صاحبه، وموافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، هم أمناء الله في خلقه، وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال، وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره (2).

معاشر الناس، هذا علي أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على أمتي، وعلي تفسير كتاب الله عز وجل، والداعي إليه، والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه، والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين، والإمام الهادي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، بأمر الله.

ص :27


1- (1) سورة الزمر: 56.
2- (2) ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ أول ما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال:...

أقول: ما يبدل القول لدي، بأمر ربي أقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره، واغضب على من جحد حقه، اللهم إنك أنزلت علي: أن الإمامة بعدي لعلي، وليك، عند تبياني ذلك، ونصبي إياه، بما أكملت لعبادك من دينهم، وأتممت عليهم بنعمتك، ورضيت لهم الإسلام دينا، فقلت: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * (1). اللهم إني أشهدك، وكفى بك شهيدا: أني قد بلغت.

معاشر الناس، إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به، وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، والعرض على الله عز وجل، فأولئك الذين حبطت أعمالهم وفي النار هم فيها خالدون لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.

معاشر الناس، هذا علي، أنصركم لي، وأحقكم بي، وأقربكم إلي، وأعزكم علي، والله عز وجل وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضى إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد بالجنة في * (هل أتى على الإنسان) * (2) إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس، هو ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله، وهو التقي النقي، الهادي المهدي، نبيكم خير نبي، ووصيكم خير وصي، وبنوه خير الأوصياء.

معاشر الناس، ذرية كل نبي من صلبه، وذريتي من صلب علي.

ص :28


1- (1) سورة آل عمران: 85.
2- (2) المراد سورة الدهر.

معاشر الناس، إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم، وتزل أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة، وهو صفوة الله عز وجل، وكيف بكم وأنتم أنتم، ومنكم أعداء الله؟ ألا إنه لا يبغض عليا إلا شقي، ولا يتوالى عليا إلا تقي، ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، وفي علي والله نزلت سورة والعصر: * (بسم الله الرحمن الرحيم.

والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) *.

معاشر الناس، قد استشهدت الله، وبلغتكم رسالتي، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

معاشر الناس، اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

معاشر الناس، آمنوا بالله ورسوله، والنور الذي أنزل معه، من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها.

معاشر الناس، النور من الله عز وجل في مسلوك، ثم في علي، ثم في النسل منه، إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحق الله، وبكل حق هو لنا، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين، والمعاندين، والمخالفين، والخائنين، والآثمين، والظالمين، من جميع العالمين.

معاشر الناس، أنذرتكم أني رسول قد خلت من قبلي الرسل، أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين.

ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من صلبه.

معاشر الناس، لا تمنوا على الله إسلامكم، فيسخط عليكم، ويصيبكم

ص :29

بعذاب من عنده، إنه لبالمرصاد.

معاشر الناس، إنه سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون.

معاشر الناس، إن الله وأنا بريئان منهم.

معاشر الناس، إنهم وأنصارهم، وأتباعهم وأشياعهم في الدرك الأسفل من النار، ولبئس مثوى المتكبرين، ألا إنهم أصحاب الصحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته (1).

معاشر الناس، إني أدعها إمامة، ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما أمرت بتبليغه، حجة على كل حاضر وغائب، وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد، إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، ألا لعن الله الغاصبين، والمغتصبين، وعندها سنفرغ لكم أيها الثقلان، فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.

معاشر الناس، إن الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه، حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.

معاشر الناس، إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة، كما ذكر الله تعالى، وهذا علي إمامكم، ووليكم، وهو مواعيد الله، والله يصدق ما وعده.

معاشر الناس، قد ضل قبلكم أكثر الأولين، والله لقد أهلك الأولين، وهو

ص :30


1- (1) قال: فذهب على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة.

مهلك الآخرين، قال الله تعالى: * (ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل المجرمين ويل يومئذ للمكذبين (1) معاشر الناس، إن الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرت عليا ونهيته، فعلم الأمر والنهي من ربه عز وجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوا تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده، ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله.

أنا صراط الله المستقيم، الذي أمركم باتباعه، ثم علي من بعدي، ثم ولدي من صلبه، أئمة يهدون إلى الحق وبه يعدلون. ثم قرأ: الحمد لله رب العالمين، إلى آخرها، وقال: في نزلت، وفيهم نزلت، ولهم عمت، وإياهم خصت، أولئك أولياء الله، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا إن حزب الله هم الغالبون، ألا إن أعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق، والحادون وهم العادون، وإخوان الشياطين، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.

ألا إن أولياءهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عز وجل: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) * (2).

ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل، فقال: * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * (3).

ص :31


1- (1) سورة المرسلات: 16 - 19
2- (2) سورة المجادلة: 22.
3- (3) سورة الأنعام: 82.

ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل، فقال: " الذين يدخلون الجنة آمنين وتتلقاهم الملائكة بالتسليم أن طبتم فادخلوها خالدين " (1).

ألا إن أولياءهم الذين قال لهم الله عز وجل: * (يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) * (2).

ألا إن أعداءهم يصلون سعيرا.

ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور، ولها زفير (3).

ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم: * (كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) * (4).

ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل: * (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال مبين) * (5).

ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب، لهم مغفرة وأجر كبير.

معاشر الناس شتان ما بين الجنة والسعير، عدونا من ذمه الله ولعنه، وولينا من مدحه الله وأحبه.

معاشر الناس، ألا إني منذر وعلي هاد.

ص :32


1- (1) اقتباس من الآية: 73 من سورة الزمر: * (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) *.
2- (2) سورة غافر: 40.
3- (3) إشارة إلى الآية: 12 من سورة الفرقان.
4- (4) سورة الأعراف: 38.
5- (5) سورة الملك: 8 - 9.

معاشر الناس، إني نبي، وعلي وصي.

ألا إن خاتم الأئمة منا، القائم المهدي.

ألا إنه الظاهر على الدين.

ألا إنه المنتقم من الظالمين.

ألا إنه فاتح الحصون وهادمها.

ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك.

ألا إنه مدرك بكل ثأر لأولياء الله.

ألا إنه الناصر لدين الله.

ألا إنه الغراف من بحر عميق.

ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل ذي جهل بجهله.

ألا إنه خيرة الله ومختاره.

ألا إنه وارث كل علم والمحيط به.

ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل، والمنبه بأمر إيمانه.

ألا إنه الرشيد السديد.

ألا إنه المفوض إليه.

ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه.

ألا إنه الباقي حجة، ولا حجة بعده، ولا حق إلا معه، ولا نور إلا عنده.

ألا إنه لا غالب له، ولا منصور عليه.

ألا إنه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته.

معاشر الناس، قد بينت لكم، وأفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي.

ألا وإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته، والإقرار به، ثم مصافقته بعدي.

ص :33

ألا وإني قد بايعت الله، وعلي قد بايعني، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل * (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) * (1).

معاشر الناس، * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم) * (2).

معاشر الناس، حجوا البيت، فما ورده أهل بيت إلا استغنوا، ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا.

معاشر الناس، ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك، فإذا انقضت حجته استؤنف عمله.

معاشر الناس، الحجاج معانون، ونفقاتهم مخلفة، والله لا يضيع أجر المحسنين.

معاشر الناس، حجوا البيت بكمال الدين والتفقه، ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة وإقلاع.

معاشر الناس، أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، كما أمركم الله عز وجل، لئن طال عليكم الأمد فقصرتم، أو نسيتم، فعلي وليكم، ومبين لكم، الذي نصبه الله عز وجل بعدي، ومن خلقه الله مني وأنا منه، يخبركم بما تسألون عنه، ويبين لكم ما لا تعلمون.

ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما، فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم، والصفقة لكم

ص :34


1- (1) سورة الفتح: 10.
2- (2) سورة البقرة: 158.

بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين، والأئمة من بعده، الذين هم مني ومنه أئمة قائمة، منهم المهدي، إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق.

معاشر الناس، وكل حلال دللتكم عليه، أو حرام نهيتكم عنه، فإني لم أرجع عن ذلك، ولم أبدل.

ألا فاذكروا ذلك واحفظوه، وتواصوا به، ولا تبدلوه، ولا تغيروه.

ألا وإني أجدد القول، ألا فأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر.

ألا وإن رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي، وتبلغوه من لم يحضر، وتأمروه بقبوله، وتنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عز وجل ومني، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم.

معاشر الناس، القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده، وعرفتكم أنه مني وأنا منه، حيث يقول الله في كتابه: * (وجعلها كلمة باقية في عقبه) * (1)، وقلت:

لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما.

معاشر الناس، التقوى التقوى، احذروا الساعة، كما قال الله عز وجل:

* (إن زلزلة الساعة شئ عظيم) * (2). اذكروا الممات، والحساب، والموازين، والمحاسبة بين يدي رب العالمين، والثواب والعقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب عليها، ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.

ص :35


1- (1) سورة الزخرف: 28.
2- (2) سورة الحج: 1.

معاشر الناس، إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وقد أمرني الله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين، ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه فقولوا بأجمعكم: إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في أمر علي، وأمر ولده من صلبه من الأئمة: نبايعك على ذلك بقلوبنا، وأنفسنا، وألسنتنا، وأيدينا، على ذلك نحيا، ونموت، ونبعث، ولا نغير، ولا نبدل، ولا نشك، ولا نرتاب، ولا نرجع عن عهد، ولا ننقض الميثاق، نطيع الله، ونطيعك وعليا أمير المؤمنين، وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه، بعد الحسن والحسين، اللذين قد عرفتكم مكانهما مني، ومحلهما عندي، ومنزلتهما من ربي عز وجل، فقد أديت ذلك إليكم، وإنهما سيدا شباب أهل الجنة، وإنهما الإمامان بعد أبيهما علي، وأنا أبوهما قبله، وقولوا: أطعنا الله بذلك، وإياك وعليا، والحسن والحسين، والأئمة الذين ذكرت، عهدا وميثاقا، مأخوذا لأمير المؤمنين، من قلوبنا، وأنفسنا، وألسنتنا، ومصافقة أيدينا، من أدركهما بيده، وأقر بهما بلسانه، ولا نبتغي بذلك بدلا، ولا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا، أشهدنا الله، وكفى بالله شهيدا، وأنت علينا به شهيد، وكل من أطاع ممن ظهر واستتر، وملائكة الله وجنوده، وعبيده، والله أكبر من كل شهيد.

معاشر الناس، ما تقولون؟ فإن الله يعلم كل صوت، وخافية كل نفس، * (فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) * (1) ومن بايع فإنما يبايع الله، * (يد الله فوق أيديهم) * (2).

ص :36


1- (1) سورة الزمر: 41.
2- (2) سورة الفتح: 10.

معاشر الناس، فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين، والحسن والحسين، والأئمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر، ويرحم الله من وفى، * (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) *.

معاشر الناس، قولوا الذي قلت لكم، وسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وقولوا: * (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) * (1)، وقولوا: * (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) * (2).

معاشر الناس، إن فضائل علي بن أبي طالب عند الله عز وجل، وقد أنزلها في القرآن، أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها وعرفها فصدقوه.

معاشر الناس، من يطع الله ورسوله، وعليا والأئمة الذين ذكرتهم، فقد فاز فوزا عظيما.

معاشر الناس، السابقون السابقون إلى مبايعته، وموالاته، والتسليم عليه بإمرة المؤمنين، أولئك هم الفائزون في جنات النعيم.

معاشر الناس، قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا، فلن يضر الله شيئا.

اللهم اغفر للمؤمنين، واغضب على الكافرين، والحمد لله رب العالمين.

* * * فلما أنهى الرسول صلى الله عليه وآله خطابه هتف الحاضرون بأعلى أصواتهم: " يا رسول الله، سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله، بقلوبنا

ص :37


1- (1) سورة البقرة: 285.
2- (2) سورة الأعراف: 43.

وألسنتنا وأيدينا " فنزل جبرائيل عليه السلام بالوحي: * (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * (1).

فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: " الحمد لله على كمال الدين، وتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي " وانهال الناس على علي يصفقون على يده بالبيعة، ويسلمون عليه بإمرة المسلمين، وتقدمهم عمر بن الخطاب وهو يقول: " بخ بخ لك، يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة " (2) وكلما بايعت جماعة قال الرسول صلى الله عليه وآله:

" الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين ".

وطالت البيعة ثلاثة أيام وظهر جبرائيل عليه السلام في صورة شاب جميل متعطر وقال للمسلمين: " والله ما رأيت كاليوم قط، ما أشد وما أكد لابن عمه، أن يعقد له عقدا لا يحله إلا كافر بالله العظيم ورسوله الكريم، ويل طويل لمن حل عقده ".

فلما سلم الناس على علي بإمرة المؤمنين قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: " إنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وهذا ولي كل مؤمن بعدي، وإن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة ".

واستأذن حسان بن ثابت، شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله من النبي صلى الله عليه وآله أن يلقي خواطره، فقال له الرسول: قل يا حسان على اسم

ص :38


1- (1) سورة المائدة: 3.
2- (2) مسند أحمد: 4 / 281، فضائل أحمد: 111، 164، مصنف ابن أبي شيبة: 12 / 78 / 1267، تاريخ بغداد: 8 / 290، البداية والنهاية: 5 / 210، مناقب الخوارزمي: 94، كفاية الطالب: 62، فرائد السمطين: 1 / 38، 71.

الله، فصعد ربوة من الأرض، وأنشأ:

يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم واسمع بالرسول مناديا وقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك تعاديا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا فخص بها دون البرية كلها * عليا وسماه الغدير أخائيا فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أتباع صدق مواليا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى معاديا فقال له الرسول صلى الله عليه وآله: " لا زلت يا حسان مؤيدا بروح القدس، ما دمت مادحنا " (1).

وسار الشعراء على نهج حسان، فنظموا قصة الغدير بملايين القصائد، وما مر شاعر من الشيعة بهذه الواقعة إلا وسكب فيها أروع مشاعره، ونظمها الكثيرون من شعراء غير الشيعة، ومن غير المسلمين، وخصصوا بنظمها ملاحم واسعة، ك " عبد المسيح الأنطاكي " الذي نظمها في ملحمة تتجاوز سبعة آلاف بيت، و " بولس سلامة " الذي نظم عنها ملحمة في ثلاثة آلاف وخمسمائة بيت.

ص :39


1- (1) كفاية الطالب: 64، مناقب الخوارزمي: 80 و 94، فرائد السمطين: 1 / 39، 72.

الفصل الثاني: دلالة الحديث الشريف

اشارة

ص :41

المولى والولي وصفان من الولاية، وحقيقتها الجارية في جميع مشتقاتها - القيام بأمر والتقلد له - كما يستفاد من كتب اللغة.

قال في " الصحاح " (1): ولي الوالي البلد، وولي الرجل البيع، ولاية فيهما.

وأوليته معروفا.

ويقال في التعجب: ما أولاه للمعروف.

وتقول: فلان ولي وولي عليه. وولاه الأمير عمل كذا، وولاه بيع الشئ، وتولى العمل: أي تقلده.

وقال في " النهاية " (2): والولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل - إلى أن قال -: وكل من ولي أمرا فهو مولاه ووليه - إلى أن قال -: وقول عمر لعلي:

أصبحت مولى كل مؤمن، أي ولي كل مؤمن.

وقال في " القاموس " (3): ولي الشئ وعليه ولاية وولاية أو هي المصدر، وبالكسر الخطة والإمارة والسلطان، وأوليته الأمر وليته إياه - إلى أن قال -:

تولى الأمر تقلده... وأولى على اليتيم: أوصى... واستولى على الأمر: بلغ الغاية.

ص :43


1- (1) ج 6 / 2529 - ولى -.
2- (2) ج 5 / 227 - 228 - ولا -.
3- (3) ج 4 / 401 - 402 - الولي -.

وقال في " لسان العرب " (1): قال سيبويه: الولاية - بالكسر - الاسم مثل الإمارة والنقابة، لأنه اسم لما توليته وقمت به، فإذا أرادوا المصدر فتحوا.

- إلى أن قال -: والولي ولي اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته، وولي المرأة: الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه. وفي الحديث: " أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل " (2)، وفي رواية وليها أي متولي أمرها. انتهى.

فحقيقة كلمة " المولى " من يلي أمرا ويقوم به ويتقلده، وما عدوه من المعاني له فإنما هي مصاديق حقيقتها، وقد أطلقت عليها من باب إطلاق اللفظ الموضوع لحقيقة على مصاديقها، كإطلاق كلمة الرجل على زيد وعمرو وبكر، فيطلق لفظ المولى على الرب لأنه القائم بأمر المربوبين، وعلى السيد لأنه القائم بأمر العبد، وعلى العبد لأنه يقوم بحاجة السيد، وعلى الجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر لأنهم يقومون بنصرة صاحبهم فيما يحتاجون إلى نصرتهم، وهكذا فاللفظ مشترك معنوي.

فمعنى قوله صلى الله عليه وآله: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، من كنت متقلدا لأمره وقائما به فعلي متقلد أمره والقائم به. وهذا صريح في زعامة الأمة وإمامتها وولايتها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله زعيم الأمة ووليهم وسلطانهم والقائم بأمرهم، فثبت لعلي عليه السلام ما ثبت له من الولاية العامة والزعامة التامة.

هذا ما يقضي به التأمل في كلام أئمة اللغة وإن أبيت إلا عن تعدد

ص :44


1- (1) ج 15 / 407 - ولي -.
2- (2) سنن الترمذي: 1 / 204، نهاية ابن الأثير: 4 / 229، وسائل الشيعة: 7 / 206.

معاني المولى وأنه مشترك لفظي ووضع لكل واحد واحد منها بوضع على حدة.

فمن جملة معانيها لا محالة بشهادة أرباب اللغة كالجوهري في الصحاح " الأولى " وذكروا قول لبيد:

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها (1) وتعرض لذكره جماعة من الأقدمين.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، المتوفى عام 209 ه، وهو من أئمة علوم العربية في كتابه " غريب القرآن ": المولى بمعنى الأولى، واستشهد بقول لبيد المتقدم وقول الأخطل (2) في يزيد بن معاوية:

فأصبحت مولاها من الناس كلهم * وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه " تفسير المشكل في القرآن " ما لفظه: الولي والمولى: الأولى بالشئ.

وقال الزجاج والفراء - كما في تفسير الفخر - (3): المولى يجئ بمعنى الأولى.

ص :45


1- (1) هذا البيت من المعلقات السبع، راجع لمعرفته والوقوف على معناه كتاب " شرح المعلقات السبع " للحسين بن أحمد الزوزني: 126، و " شرح المعلقات العشر للتبريزي ": 150.
2- (2) هو غياث برغوث التغلبي، لقب بالأخطل لبذاءة لسانه. انظر ديوانه ص 84.
3- (3) ج 29 / 227. ط مصر. التزام عبد الرحمان محمد.

وقد حكي عن أبي العباس المبرد أنه قال: الولي الذي هو الأولى والأحق، ومثله المولى.

وقد ذكر جماعة كثيرة من مفسري العامة في تفسير قوله تعالى: * (النار هي موليكم) * (1) أي أولى بكم.

ونحن لا نذكر - لضيق المجال - إلا أنموذجا منها، ومن شاء فليراجع:

1 - الطبري في تفسيره: ج 27 ص 117 ط مصر، قال: هي مولاكم أولى بكم.

2 - ابن كثير في تفسيره: ج 4 ص 310 ط مصر 1356 ه، قال: هي مولاكم أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم.

3 - الزمخشري في تفسيره: ج 4 ص 66 ط مصر 1354 ه، قال: وحقيقة مولاكم محراكم ومقمتكم، أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم.

4 - قال الفخر في تفسيره: ج 29 ص 227 ط مصر، التزام عبد الرحمان محمد، عند تفسير الآية المذكورة: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة.

وبالجملة لم يمنع أحد من المتكلمين في الطبقات المختلفة مجئ كلمة المولى بمعنى الأولى.

وأما تعين معنى الأولى للإرادة من الحديث دون غيره من معاني كلمة المولى، فلأن لفظ المولى إما أن يكون مشتركا لفظيا بين هذا المعنى وغيره من

ص :46


1- (1) سورة الحديد: 15.

المعاني المشار إليها آنفا، أو يكون حقيقة في أحدها ومجازا في الباقي، وعلى أي تقدير يتعين حمله على معنى " الأولى ".

أما على التقدير الثاني فلما ذكره جماعة منهم: الحلبي في " التقريب " من أن المولى حقيقة في الأولى لاستقلالها بنفسها ورجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها، لأن المالك إنما كان مولى لكونه أولى بتدبير رقيقه وتحمل جريرته، والمملوك مولى لكونه أولى بطاعة مالكه، والمعتق والمعتق كذلك، والناصر لكونه أولى بنصرة من نصره، والحليف لكونه أولى بنصرة حليفه، والجار لكونه أولى بنصرة جاره والذب عنه، والصهر لكونه أولى بمصاهره، والإمام لكونه أولى بمن يليه، وابن العم لكونه أولى بنصرة ابن عمه.

وإذا كانت لفظة مولى حقيقة في الأولى وجب حملها عليها دون سائر معانيها لافتقارها إلى القرينة الصارفة عن الموضوع له والمعينة لأحدها بخلاف الأولى كما لا يخفى.

وأما على التقدير الأول فلوجهين:

" أحدهما " ما ذكره العلامة ابن بطريق الأسدي الحلي، المتوفى سنة 600 ه، قال في " العمدة " (1) ما لفظه: مقدمة الكلام التي بدأ بذكرها وأخذ إقرار الأمة بها من قوله صلى الله عليه وآله: " ألست أولى منكم بأنفسكم؟ " ثم عطف عليها بلفظ يحتملها ويحتمل غيرها دليل على أنه لم يرد بها غير المعنى الذي قررهم عليه من دون إحدى محتملاتها، وأنه قصد بالمعطوف ما هو معطوف عليه، فلا يجوز أن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى مخصوص، ثم يعطف عليه بلفظ يحتمله إلا ومراده المخصوص الذي ذكره وقرره دون أن

ص :47


1- (1) ص 115 - 116.

يكون أراد بها غيره ما عداه.

يوضح ذلك ويزيده بيانا لو قال: ألستم تعرفون داري التي في موضع كذا؟ ثم وصفها وذكر حدودها، فإذا قالوا: بلى، قال لهم: فاشهدوا أن داري وقف على المساكين، وكانت له دور كثيرة، لم يجز أن يحمل قوله في الدار التي وقفها إلا على أنها الدار التي قررهم على معرفتها ووصفها.

وكذلك لو قال لهم: ألستم تعرفون عبدي فلانا النوبي؟ فإذا قالوا: بلى، قال لهم: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله تعالى، وكان له مع ذلك عبيد سواه لم يجز أن يقال: إنه أراد إلا عتق من قررهم على معرفته دون غيره من عبيده وإن اشترك جميعهم في اسم العبودية.

وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ثبت أن مراد النبي صلى الله عليه وآله بقوله:

" من كنت مولاه فعلي مولاه " معنى الأولى الذي قدم ذكره وقرره، ولم يجز أن يصرف إلى غيره من سائر أقسام لفظة المولى وما يحتمله، وذلك يوجب أن عليا عليه السلام أولى بالناس من أنفسهم بما ثبت أنه مولاهم، كما أثبت النبي صلى الله عليه وآله لنفسه أنه مولاهم، وأثبت له القديم تعالى أنه أولى بهم من أنفسهم، فثبت أنه أولى بهم من أنفسهم، فثبت أنه أولى بلفظ الكتاب العزيز، وثبت أنه مولى بلفظ نفسه.

فلو لم يكن المعنى واحدا لما تجاوز ما حد له في لفظ الكتاب العزيز إلى لفظ غيره، فثبت لعلي عليه السلام ما ثبت له صلى الله عليه وآله في هذا المعنى من غير عدول إلى معنى سواه. انتهى.

وحيث أجاد فيما أفاد، وأتى فوق ما يؤمل ويراد، نقلنا عبائره بعينها تتميما للفائدة، وتعميما للمائدة.

ص :48

" الوجه الثاني " ما ذكره سيدنا الشريف المرتضى علم الهدى ذو المجدين في كتاب " الشافي في الإمامة " (1)، وغيره في غيره، وهو أن ما تحتمله لفظة " مولى " ينقسم إلى أقسام:

(منها) ما لم يكن عليه السلام عليه.

و (منها) ما كان عليه ومعلوم لكل أحد أنه عليه السلام لم يرده.

و (منها) ما كان عليه ومعلوم بالدليل أنه لم يرده.

و (منها) ما كان حاصلا له ويجب أن يريده لبطلان سائر الأقسام، واستحالة خلو كلامه من معنى وفائدة.

فالقسم الأول: هو المعتق والحليف لأن الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته والدفاع عنه فيكون منتسبا إليها متعززا بها، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله حليفا لأحد على هذا الوجه.

والقسم الثاني: ينقسم إلى قسمين: " أحدهما ": معلوم أنه لم يرده لبطلانه في نفسه، كالمعتق والمالك والجار والصهر، و " الآخر ": معلوم أنه لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة وكان ظاهرا شائعا وهو ابن العم.

والقسم الثالث: الذي يعلم بالدليل أنه لم يرده هو ولاية الدين والنصرة فيه والمحبة أو ولاء العتق، والدليل على أنه لم يرد ذلك أن كل أحد يعلم من دينه وجوب تولي المؤمنين ونصرتهم، وقد نطق الكتاب به، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي حكيت في تلك الحال، ويعلمهم ما هم مضطرون إليه من دينه، وكذلك هم يعلمون أن ولاء العتق لبني العم قبل الشريعة وبعدها، وقول ابن

ص :49


1- (1) ج 2 / 268 وما بعدها.

الخطاب في الحال على ما تظاهرت به الرواية لأمير المؤمنين عليه السلام: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن (1)، يبطل أن يكون المراد بالخبر ولاء العتق أو إيجاب النصرة في الدين استبعد أن يكون أراد به قسم ابن العم لاشتراك خلو الكلام عن الفائدة بينهما، فلم يبق إلا القسم الرابع الذي كان حاصلا له عليه السلام ويجب أن يريده وهو الأولى بتدبير الأمة وأمرهم ونهيهم. انتهى.

ص :50


1- (1) انظر: مسند أحمد: 4 / 281، تاريخ بغداد: 8 / 290، الرياض النضرة: 2 / 169، الملل والنحل: 1 / 163.

الرد على الآلوسي ومن جميع ذلك ظهر فساد ما ذكره الآلوسي في تفسيره " روح البيان " (1) حيث أظهر في المقام عناده وتعصبه، وبغضه لعلي عليه السلام، فقال بعد الآية ما لفظه:

وخبر " الغدير " عمدة أدلتهم على خلافة الأمير كرم الله وجهه وقد زادوا فيه إتماما لغرضهم زيادات منكرة، ووضعوا في خلاله كلمات مزورة، ونظموا في ذلك الأشعار، وطعنوا على الصحابة بزعمهم أنهم خالفوا نص النبي المختار.

فقال إسماعيل بن محمد الحميري عامله الله تعالى بعدله من قصيدة طويلة.. ثم ذكر القصيدة.

ثم قال ما لفظه: إلى آخر ما قال لا غفر الله تعالى له عثرته ولا أقال، وأنت تعلم أن أخبار " الغدير " التي فيها الأمر بالاستخلاف غير صحيحة عند أهل السنة ولا مسلمة لديهم أصلا، ولنبين ما وقع هناك أتم تبيين، ولنوضح الغث منه والسمين، ثم نعود على استدلال الشيعة بالإبطال، ومن الله سبحانه الاستمداد وعليه الاتكال.

ص :51


1- (1) ج 6 ص 193 (ط - بيروت).

فنقول: إن النبي صلى الله عليه وآله خطب في مكان بين مكة والمدينة عند مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة يقال له: غدير خم.

ثم تكلم كثيرا، ونقل روايات متعددة في ذلك المقام.

ثم قال: وقد اعتنى بحديث - الغدير - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فجمع فيه (مجلدين) أورد فيهما سائر طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين، والصحيح والسقيم على ما جرت به عادة كثير من المحدثين، فإنهم يوردون ما وقع لهم في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف.

وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة، والمعول عليه فيها ما أشرنا إليه ونحوه مما ليس فيه خبر " الاستخلاف " كما يزعمه الشيعة.

وعن الذهبي: أن " من كنت مولاه فعلي مولاه " متواتر يتيقن أن رسول الله صلى الله عليه وآله قاله.

وأما " اللهم وال من والاه " فزيادة قوية الإسناد.

وأما " صيام ثماني عشرة ذي الحجة " فليس بصحيح.

ولا والله نزلت تلك الآية إلا يوم " عرفة " قبل " غدير خم " بأيام.

والشيخان لم يرويا خبر " الغدير " في " صحيحيهما " لعدم وجدانهما له على شرطهما، وزعمت " الشيعة ": أن ذلك لقصور وعصبية فيهما، وحاشاهما من ذلك.

ووجه استدلال " الشيعة " بخبر " من كنت مولاه فعلي مولاه " أن المولى

ص :52

بمعنى الأولى بالتصرف، وأولوية التصرف عين الإمامة، ولا يخفى أن أول الغلط في هذا الاستدلال جعلهم " المولى " بمعنى " الأولى ".

وقد أنكر ذلك أهل العربية قاطبة، بل قالوا: لم يجئ " مفعل " بمعنى " أفعل " أصلا، ولم يجوز ذلك إلا أبو زيد اللغوي متمسكا بقول أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى: * (هي مولاكم) * (1) أي أولى بكم، ورد بأنه يلزم عليه صحة فلان مولى من فلان، كما يصح فلان أولى من فلان، واللازم باطل إجماعا، فالملزوم مثله.

وتفسير أبي عبيدة بيان لحاصل المعنى، يعني النار مقركم ومصيركم والموضع اللائق بكم، وليس نصا في أن لفظ المولى ثمة بمعنى الأولى.

وفيه مواقع للنظر:

الأول: إن قوله: بزعمهم أنهم خالفوا نص النبي صلى الله عليه وآله فيه أن " الشيعة " قد قطعوا بأن " العامة " خالفوا نص النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام، بل لا ريب فيه أصلا باعتراف أكثرهم.

كيف وأنتم مضافا إلى مخالفتكم نص النبي صلى الله عليه وآله قد خالفتم أنفسكم، وسيأتي ما عن الغزالي واعترافه بأن عمر قال: بخ بخ لك يا علي! لكن بعد ذلك قد غلب عليه هواه، وهو أعلم وأزهد وأتقى من " الآلوسي " بمراتب كثيرة باعتراف جميع علمائكم، بل كان مثل " الغزالي " فيكم عزيز الوجود وقد اعترف بعصيان " عمر " نص النبي صلى الله عليه وآله وكيف عن تبعه.

وسبط ابن الجوزي منا أو منكم، وقد أبطل جميع معاني " المولى " إلا

ص :53


1- (1) سورة الحديد: 15.

بمعناه " العاشر "، وهو " أولى ". وهو أعرف من " الآلوسي " وأعلم.

غاية الأمر إنصافه أوقعه في إظهار الحق، وترك العناد، وأنت - أيها الآلوسي - من كثرة العناد والتعصب كدت تموت غيظا، حتى قلت في حق - الحميري - أولا: عامله الله تعالى بعدله، وثانيا: لا غفر الله عثرته ولا أقال.

يا هذا، أهذا من الانصاف؟ أيكون دأب الناظر في كلام الغير إساءة الأدب، والدعاء عليه، مع أنه حرام قطعا؟ ألا ترى بأن الدعاء أعرف بموضعه وبمكانه وبمن وقع عليه وبما استقر فيه؟ أما تعرف بأن دعاءك يضرب على رأسك.

الثاني: إن قوله: غير صحيحة عند أهل السنة.

فيه إن أهل السنة كمثلك في شدة العناد والتعصب، وليس فيكم منصف إلا نادرا.

ومع ذلك قد رأيت من العبارات الكثيرة التي نقلتها قبلا أن أكثرهم قد اعترفوا تمامية النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله في حق علي بن أبي طالب عليه السلام خصوصا حديث " المقام ".

وكم من العامة اعترفوا بكونه نصا في إمامة علي عليه السلام لكثرة القرائن الواردة فيه - داخلية وخارجية - بحيث إن من له أدنى تدبر وتأمل يعرف أن الغرض من ذلك في ذلك الموقع والموضع ليس إلا نصب علي عليه السلام بالإمامة.

وكان الأمر بمثابة من الوضوح حتى لا يخفى ذلك على أحد، ولم يكن موضع ترديد وريب.

ص :54

وقد عرفت أنه لما بلغ ذلك الحارث بن النعمان، وكان مثلك - أيها الآلوسي - في العناد، جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله مع كمال العناد والتعصب، ووقع بينهما ما مر.

أكان هذا الاهتمام في مقام إظهار المحبة ونحوها؟ كلا ثم كلا.

الثالث: إن قوله: وقد اعتنى بحديث " الغدير " أبو جعفر محمد بن جرير الطبري.

أليس قد اعترفت بأنه جمع أخبار " الغدير " في " مجلدين "، وهو أعلم منك بمراتب؟ أليس في " مجلدين " من الأخبار " صحيح "، ودال على المراد؟ وقد اعترفت أنت بأنه جمع فيها الصحيح والسقيم.

سلمنا في المجلدين مخلوط من الصحاح وغيرها فلا أقل كان نصفها صحيحا ونصفها سقيما، ومن المعلوم أن السقيم منها ليس يخالف الصحاح منها، بل الجميع بمفاد واحد أقصاه أنها لم يكن بنفسها دليلا لضعفها، أما لو كانت مع الصحاح كانت الصحاح جابرة لضعفها، وصار المجموع دليلا.

سلمنا عدمه وأنت تسقط الضعاف منها ويكون على اعترافك بقدر " مجلد " من الأخبار صحيح.

سلمنا أقل من ذلك، أليس في مقدار " المجلدين " عدة قليلة من " الصحاح " الدالة على المقصود، وهو كاف؟ والفرض أن الضعاف غير مخالف لها في المضمون كي يسقط الجميع عن الاعتبار.

ص :55

الرابع: قوله: وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة.

وكذا، قوله: وعن الذهبي أن " من كنت مولاه فعلي مولاه " متواتر.

فما الداعي على التنصيص بهذه الأخبار المتواترة؟ الخامس: قوله: والشيخان لم يرويا خبر " الغدير " في " صحيحيهما ".

ومن المعلوم أن عدم روايتهما فيهما إما لعنادهما كما هو الحق فزعم الشيعة في محله، وإما لجهلهما.

فإنه إذا جمع " الطبري " هذه الأخبار في " مجلدين "، وادعى " الذهبي " تواترها، فعدم ذكرهما إما لجهل وإما لعناد.

وكيف لا وإنهما رويا أحاديث كثيرة مكذوبة في حق أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة و... و...، وتركا ما هو النص في إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام، فإذا تعرف أن قولك: لا غفر الله له، بمن يرجع.

أما فهمت أنه لا يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله أمر لغو؟ أيكون هذا الفعل منه مع هذه الشدة لأجل أن يفهم أن عليا عليه السلام ناصركم؟ في مجئ " مفعل " بمعنى " أفعل " السادس: قوله: بل قالوا: لم يجئ " مفعل " بمعنى " أفعل ".

وفيه أولا - أن معيار المجئ وعدمه هو: الكتاب والسنة وكلمات العرب والفرض قد ورد فيهما.

ص :56

أما الأول: فقوله * (مأواكم النار هي مولاكم) * (1) - أي النار أولى بكم - وما أمكن إرادة نفس المعنى من اللفظ لا يصح إرادة غيره، ولو كان هو حاصل المعنى أو عبارة أخرى عنه، ولو لم يصح إرادة " الأولى " لم يصح إيراده منه تعالى في ذلك المقام.

فقول " أبي عبيدة " حق، وتمسكه بالآية صحيح، ولا معنى " للمولى " حينئذ إلا " الأولى ".

وأما في " السنة " و " الفرض " أن وروده بمعنى " الأولى " في المقام غير منكر.

وقد عرفت عبارة " سبط ابن الجوزي " وقد استدل على بطلان كل من معانيه إلا بمعنى " الأولى ".

ونحن لم نذكر العبارة جميعها خوفا للإطالة، وهو أعلم وأدرى منك، بل القرائن الحالية والمقالية دلت على عدم صحة إرادة غير " الأولى " من " المولى ".

وأنت مضافا إلى جهلك بموارد اللغة لم تكن تفهم المطالب بضميمة القرائن، ومن ثم لا اعتماد بكل شئ ذكرتموه، وأفتيتم به، فإنه يدور بين كونه عن جهل أو عناد.

أفهذه الأخبار الكثيرة الواردة في هذا المكان كلها ضعيفة أو غير دالة، وأن في مثل المقام كان " المولى " بمعنى " المحب " و " الناصر "؟ فلو كان هذا فهم " الآلوسي " وفهم أمثاله، لكانوا إما من الجهال، أو من أشد الناس عداوة لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

ص :57


1- (1) سورة الحديد: 15.

وممن أظهر التعصب والعناد في إنكار مجئ " مفعل " على " أفعل " " الفخر الرازي "، فقال بعد نقله معنى " الأولى " عن جماعة ما نصه:

قال تعالى: * (مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) *، وفي لفظ " المولى " هاهنا أقوال:

أحدها - قال ابن عباس: " مولاكم " - أي مصيركم، وتحقيقه أن " المولى " موضع " الولي " وهو القرب، فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه، وتصلون إليه.

والثاني - قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول " الزجاج " و " الفراء " و " أبي عبيدة "، واعلم أن هذا الذي قالوه معنى، وليس بتفسير اللفظ، لأنه لو كان " مولى " و " أولى " بمعنى واحد في اللغة لصح استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يقال: هذا مولى من فلان، ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه: معنى وليس بتفسير، انتهى موضع الحاجة.

ولا يخفى ما فيه، فإنه نقل كلام " أئمة اللغة " وتصريحهم بأن " المولى " بمعنى " أولى "، وقولهم هو الحجة في هذا الفن، وهم الذين يرجع الناس إليهم في فهم المعاني.

ثم قال من شدة عناده: بأن الذي قالوه: يكون معنى ولا يكون تفسير اللفظ.

وهذا من الغرائب، ومراده أن الذي قاله " أعاظم أئمة اللغة " من كون " المولى " بمعنى " الأولى " هو حاصل المعنى لا نفس معنى اللغة وتفسيرها.

وهذا منه عجيب، إذ اللغوي لو بين شيئا وفسره، كان ذلك بحكم وظيفته

ص :58

بيان معناه في اللغة التي هي شأنه، فإذا قال معنى اللفظ الفلاني كذا، ليس لأحد أن يقول: أنه حاصل معناه وليس بتفسير له. وهذا أمر واضح.

على أنا نقول: لو كان ما ذكره أئمة اللغة من أن " المولى " بمعنى " الأولى " حاصل المعنى ولم يكن تفسيرا للفظ " المولى " فما معنى نفس " المولى " فهل له معنى في قوله تعالى: * (هي مولاكم) * أو لا، والثاني كما ترى.

وعلى الأول: فإن كان معنى " المولى " هو " أولى " فهو المطلوب، وكان قول أئمة اللغة معناه، وإن كان غيره نسأل بأنه ما معنى نفس اللفظ حينئذ؟ فإن قلت: أحد معانيه الأخر سوى " الأولى " فبطلانه كما ترى، وإن كان غيرها مثل المصير والمقر - أي النار مصيركم ومقركم - فيرد عليه: بأنك قد اعترفت بأنه ليس معنى اللفظ، بل هو تفسيره، فما معناه؟ والحاصل: أنه في المقام لا يمكن الالتزام بعدم المعنى " للمولى " ولا الالتزام بغير " الأولى " من سائر معانيه، فثبت تعين إرادة " الأولى " من " المولى ".

وأما توهم عدم صحة استعمال " المولى " مكان " الأولى " فهو أول الكلام، وعدم الاستعمال غير عدم الصحة، وقد يكون شئ وضع في اللغة لمعنى خاص، ولكن لم يستعمل فيه، ولفظة " من " وضع للابتداء وتكون مرادفا مع لفظة الابتداء الاسمي عند بعض المحققين.

ومع ذلك لا تستعمل مكان لفظة الابتداء، فلا يقال: من خير من الانتهاء، كما يقال: الابتداء خير من الانتهاء.

ص :59

اعتراف الغزالي بعصيان عمر

قال سبط ابن الجوزي في " تذكرته " ما لفظه: وذكر أبو حامد الغزالي في كتاب " سر العالمين وكشف ما في الدارين " (1) ألفاظا تشبه هذا، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام يوم " غدير خم ": " من كنت مولاه فعلي مولاه "، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ يا أبا الحسن! أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

قال: وهذا تسليم ورضاء وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى حبا للرئاسة، وعقد البنود، وخفقان الرايات، وازدحام الخيول في فتح الأمصار، وأمر الخلافة ونهبها، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون.

قال: ولما مات رسول الله صلى الله عليه وآله، قال قبل وفاته بيسير:

" ائتوني بدواة وبيضاء لأكتب لكم كتابا لا تختلفون فيه بعدي "، فقال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر.

وقال: إن العباس وعليا وولده وبني هاشم لم يحضروا " البيعة " ثم خالفهم

ص :60


1- (1) ذكر ذلك في المقالة الرابعة.

الأنصار يوم " السقيفة "، انتهى موضع الحاجة، وفي عبارة " سر العالمين " أدنى تفاوت فراجع (ص 21) وفيه: " بدواة وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر وأذكر لكم من المستحق لها بعدي ".

ولا يخفى أن عباراته، ونقل عبارة " الغزالي " وعدم رده صريحة في تصديق كون الحق مع علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن الروايات نصت في تصريح النبي صلى الله عليه وآله بأنه الخليفة بعده، وأن " عمر " خالف " عليا " للهوى، وغصب حقه عصيانا، وأن الإجماع على خلافة أبي بكر غير تام من حيث مخالفة جمع كثير منهم: العباس وعلي وولده وبني هاشم فإنهم لم يحضروا " البيعة " مع أنه لو كانت خلافة أبي بكر حقا عند علي بن أبي طالب عليه السلام لما خالفه، فإنه عليه السلام ليس بمثل أبي بكر وعمر متابعا للهوى، ومريدا للعصيان، وسيأتي في مسألة إجماعهم مخالفة أبي سفيان، وقوله لعلي عليه السلام: أبسط يدك أبايعك، إلخ.

وقد صرح رضي الله عنه بأن المراد من " المولى " هو " الإمامة "، وقد قبلا واعترفا بأن الخليفة هو علي بن أبي طالب عليه السلام.

وقال أيضا في " تذكرته " بعد الحديث ما لفظه: اتفق علماء السير على أن قصة " الغدير " كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وآله من " حجة الوداع " في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا، وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " الحديث، نص صلى الله عليه وآله على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة (انتهى).

أفلا يكفي ذلك؟ ألا ترى قول الغزالي مستشهدا بآية: * (واشتروا به ثمنا

ص :61

قليلا فبئس ما يشترون) * (1).

وهو صريح في أنه بئس ما عمل الشيخان، وبئس ما يشترون، وأنهما باعا الآخرة الباقية بالخلافة وهي ثمن قليل، وتركا الدار الباقية لأجل رئاسة سنتين.

أليست الآية واردة في ذم اليهود وأهل الكتاب الذين لم يقبلوا نبوة محمد صلى الله عليه وآله مع حصول علمهم بذلك، حبا للدنيا؟ أليس مراد الغزالي بنقل قصة - الدواة والبيضاء - في ذلك المقام هو بيان أن غرض النبي صلى الله عليه وآله في هذه الحالة هو تثبيت أمر الخلافة لعلي عليه السلام، وأن عمر فهم مقصوده صلى الله عليه وآله، فقال ما قال فيمن كان كلامه وحيا محضا كما هو صريح قوله عز من قائل: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * (2)، فهل النبي صلى الله عليه وآله يهجر؟ أليس ذلك رد لقول الله تعالى وقول النبي صلى الله عليه وآله؟ فيا أهل الانصاف، لو سئل أحد منكم بأنه ما حال من رد قول الله تعالى، وقول الرسول صلى الله عليه وآله، فماذا أجبتم في جوابه؟ أليس ذلك منظور " الغزالي " و " ابن الجوزي "؟ أفهمت - يا آلوسي - أيكون الغزالي منا أم منكم؟ أيصح نقض هذا العهد؟ ألا ترى قوله تعالى: * (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية

ص :62


1- (1) سورة آل عمران: 187.
2- (2) سورة النجم: 3 و 4.

يحرفون الكلم عن مواضعه) * (1) الآية؟ أتعرفون خلفاءكم؟ وهذا الذي غلبه هواه بمثابة غصب حق الخلافة، وجعل أقوال النبي صلى الله عليه وآله ووصاياه تحت قدميه يليق لذلك المقام؟ أما قرأت القرآن: * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) * (2).

فمن ليس له دار الآخرة في صورة الإرادة فضلا عن الفعلية، كيف يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ والظاهر من الآية عدم دار الآخرة لمن كان كذلك.

ونقل رضي الله عنه في " تذكرته " (3) أيضا رواية البراء بن عازب، ثم قال بعد ذلك ما هو نصه: فإن قيل: فهذه الرواية التي فيها قول عمر: " أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة " ضعيفة.

فالجواب: إن هذه الرواية صحيحة، وإنما الضعيف حديث رواه أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب، عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشر، عن علي بن عمرو الدارقطني، عن أبي نضر خيشون بن موسى بن أيوب الخلال، رفعه إلى أبي هريرة، وقال في آخره: لما قال النبي صلى الله عليه وآله: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، نزل قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * (4) الآية.

ص :63


1- (1) سورة المائدة: 13.
2- (2) سورة القصص: 83.
3- (3) تذكرة الخواص: 29.
4- (4) سورة المائدة: 3.

قالوا: وقد انفرد بهذا الحديث " خيشون "، ونحن نقول: نحن ما استدللنا بحديث " خيشون " بل بالحديث الذي رواه " أحمد " في " الفضائل " عن البراء بن عازب، وإسناده صحيح.

ورواية حديث " خيشون " مضطربة، لأنه قد ثبت في " الصحيحين " أن قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * الآية نزلت عشية " عرفة " في " حجة الوداع ".

على أن " الأزهري " قد روى عن " خيشون " ولم يضعفه، فإن سلمت رواية " خيشون " احتمل أن الآية نزلت مرتين: مرة " بعرفة " ومرة " يوم الغدير "، كما نزلت * (بسم الله الرحمن الرحيم) * مرتين: مرة " بمكة " ومرة " بالمدينة ".

انتهى كلامه، وهذا توجيه حسن على زعمهم، وقد عرفت أنه قوت هذه الجملة الرواية التي قالها عمر.

وأيضا مقتضى ما ذكره هذا " المنصف " أن حديث نزول آية * (اليوم) * الخ في يوم " الغدير " غير ضعيف، فلم يكن حجة من ضعفه بتمام.

مضافا إلى أن الآية عند الإمامية نزلت في " غدير خم " عندما نصب النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام.

على أن نزولها إن كان في " يوم الغدير " فلا كلام.

وإلا فلنا أولا - سؤال: إن الآية صريحة في نزولها في " اليوم " حيث قال * (اليوم أكملت) *، وعشية " عرفة " ليست بيوم، فلو صحت للزم أن يقال: الليلة أكملت لكم دينكم.

وثانيا - أن عشية " عرفة " التي كانت ليلة نزول الآية، كيف يكون زمانا

ص :64

أكمل فيه الدين، ويتم فيه النعمة، وأن هذا الاكمال فيها هل يكون بلا سبب، أو مع ورود حكم فيه؟ والأول: - كما ترى -، إذ الشئ بلا سبب لا يصير كاملا فضلا عن صيرورته إكمالا مضافا إلى كونه ترجيحا بلا مرجح، فإن كان المرجح فضيلتها كانت ليال القدر أفضل منها بلا كلام مع أن الأفضلية غير موجب للاكمال.

وعلى الثاني: ما كان هذا الحكم الذي ورد فيه وكيف يكون سببا لإكمال الدين، فإن المسائل غير متناهية، فكيف بورود حكم أكمل الدين ويتم النعمة الدينية؟ وهل ينزل في ذلك اليوم أو الليلة من الأحكام الكثيرة بمقدار أكمل الدين بحيث لا يبقى حكم للناس إلا وقد نزل في هذا اليوم أو الليلة أو حكم واحد.

والثاني باطل جدا، ولا سبيل إلى الأول لكونه على خلاف الوجدان، فكم من موضوعات لم يبين حكمها في هذا اليوم بل حكم ما لم يذكر أكثر مما ذكر، لأن الأزمان والأيام غير متناهية تقريبا إلى زمان فناء الجميع، وفي كل يوم قد تحقق موضوع غير مذكور حكمه.

فإن كان المراد هو إكمال أحكام الحج، فمضافا إلى عدم صحة إسناد الاكمال إلى الجميع حينئذ نسأل من خصوصية أوجبت لإكمال الحج في السنة الأخيرة، فإنه إن كان أكمل في السنوات الماضية فلا معنى للإسناد إلى الأخير، وإن لم يكمل قبلا فما علة عدم بيان أحكام الحج قبلا؟ وكيف يجوز ذلك؟ فهل يكون الحج من السابقين باطلا لعدم إكمال أحكامه؟! فربما يقع لهم شئ يحتاج إلى بيان حكمه وكان مما أبطل فقده، وكيف يصح من الحكيم تنقيص أحكام الحج في السنوات السابقة وإكماله في السنة الأخيرة.

ص :65

وبالجملة لا يتصور إكمال الأحكام في العادة حتى على مذهب " الإمامية " حيث إن الحجة عندهم اثنا عشر وزمان مكثهم قريب ثلاثمائة سنة، فكم من روايات صدرت عنهم في هذه المدة الكثيرة حتى كتبوا من الأصول المتلقاة عنهم عليهم السلام أربعمائة أصولا سميت ب " الأصول الأربعمائة " ومع ذلك لم ينقل عنهم عليهم السلام في غاية الكثرة.

فضلا عن العامة التي يكون مدرهم منحصرا فيما وصل إليهم عن النبي صلى الله عليه وآله فكم من روايات لم تكن في الأخبار النبوية عين منها ولا أثر.

وما كان أيضا لم يكن حجة إذ حال رئيسهم معلوم، وناقلي الأخبار ينقلون مع علمهم بهذا الحال فلا إشكال حينئذ في إبطال جميع ذلك، ولا يصح إلا إذا كان النزول بعد نصب الإمام، فإنه بالإمام قد تمت النبوة والرسالة، فلو مات النبي صلى الله عليه وآله، وبقي من الموضوعات التي لم يبين حكمها لعدم كون زمانه مقتضيا لبيانها، لقد بينها الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله.

ولو لم يبق أيضا فالإمام بعده فيصدر من الأئمة الاثني عشر في مدة (260) تقريبا جميع كليات ما يحتاج إليه الناس.

وما بقي أيضا استنبطه العلماء العاملين من الأصول التي تتلقاها من الأئمة بخلاف ما إذا لم يعين الإمام فلا إكمال للدين، ولا إتمام للنعمة على الناس، بل يقع الهرج والمرج، وتقع ودائع النبوة في يد الخائنين المتبعين للهوى، وينتفي ويندرس بمرور الأيام ما صدر عن النبي لعدم بقاء حافظ لها.

والحاصل: لا معنى للآية إلا ما إذا أريد إكمال الدين بنصب إمام حافظ له

ص :66

إلى يوم القيامة، فإنه بذلك يكمل الدين، ولا مدخلية للأيام أصلا وفي أي يوم وساعة نصب الإمام أكمل الدين وتم.

ولذا اتفق الخاصة بأن الآية نزلت في يوم " الغدير " بعد تبليغ النبي صلى الله عليه وآله رسالته في علي عليه السلام، وقد اعترف به أيضا كثير من العامة.

وفي " الدر المنثور " (1): عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام يوم غدير خم فنادى له بالولاية، هبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (2).

وكذا غيره، فراجع كتبهم تجد كثيرا منهم نصوا على ذلك.

والحاصل: لا سبيل لرد سند هذه الأحاديث، كما لا سبيل لرد دلالتها، فإن " المولى " وإن كان بمعنى الناصر والولي أيضا، وكان من الألفاظ المشتركة، إلا أن اللفظ المشترك لا يصح استعماله إلا مع القرينة والفرض، إن القرينة الحالية والمقالية موجودتان لقوله صلى الله عليه وآله: " أولى من أنفسكم " فالأولوية هي الأولوية اللازمة المساوقة لمعنى الإمام والتي أثبتها الله لنبيه صلى الله عليه وآله، وأما الحالية لفهم أبي بكر وعمر منها معنى الأولوية لبداهة أنه لا معنى للتهنية فيما كان المراد غير هذا المعنى، وأن الذي فهمه ابن النعمان هو معنى " الولاية " المساوقة لمعنى " الإمامة ".

ص :67


1- (1) ج 2 / 259.
2- (2) سورة المائدة: 3.

في الرد على ما نسجه ابن حجر

ومن جميع ما ذكرنا ظهر عناد ابن حجر المكي في " الصواعق المحرقة "، فإنه قال فيه: الفصل الخامس - في ذكر شبهة الشيعة والرافضة، ثم بين واحدا بعد واحد، فقال: الحادية عشرة - زعموا أن من النص التفصيلي المصرح بخلافة علي قوله صلى الله عليه وآله يوم " غدير خم " - موضع بالجحفة مرجعه من " حجة الوداع ".

ثم رفع يد علي، وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار ".

قالوا: فمعنى " المولى " - " الأولى "، أي فلعلي عليه السلام عليهم من الولاء ماله صلى الله عليه وآله عليهم منه، بدليل قوله: " ألست أولى بكم " لا الناصر، وإلا لما احتاج إلى جمعهم، كذلك مع الدعاء له، لأن ذلك يعرفه كل أحد.

قالوا: ولا يكون هذا الدعاء إلا لإمام معصوم مفترض الطاعة.

قالوا: فهذا نص صريح صحيح على خلافته.

ثم شرع في الجواب عنها واحدا بعد واحد بما قد ظهر فساده من عدم

ص :68

كون الحديث متواترا، وكون " المولى " بمعنى " الناصر " ونحوه.

ثم قال: ثالثها - على تسليم كون " المولى " بمعنى " الأولى " لا نسلم أن المراد أنه الأولى بالإمامة، بل بالاتباع والقرب منه، كقوله تعالى: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) * (1)، ولا قاطع ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما من الحديث فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا بن أبي طالب مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة - أخرجه الدارقطني.

وأخرج أيضا أنه قيل لعمر: إنك تصنع لعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله! فقال: إنه مولاي.

رابعها - سلمنا أنه أولى بالإمامة فالمراد المآل وإلا كان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وآله ولا تعرض فيه لوقت المآل، فكان المراد حين يوجد عقد البيع له فلا ينافي حينئذ تقديم الأئمة الثلاثة عليه لانعقاد الإجماع حتى من علي عليه كما مر وللأخبار السابقة المصرحة بإمامة أبي بكر.

وأيضا فلا يلزم من أفضلية علي على معتقدهم بطلان تولية غيره لما مر من أن " أهل السنة " أجمعوا على صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل بدليل إجماعهم على صحة خلافة عثمان، واختلافهم في أفضلية علي.

والجواب: أما التواتر فلا كلام في أن " حديث الغدير " متواتر، بل لم يكن في جميع ما ورد من الأحاديث أصولا وفروعا حديث بمثله، فلو لم يكن متواترا لم يكن حديث متواتر أصلا، وأما كون " المولى " بمعنى " الناصر " فقد

ص :69


1- (1) سورة آل عمران: 68.

عرفت بطلانه، وقبح صدور مثله من الحكيم في مثل هذا الموضع، وهكذا سائر معانيه.

وأما كون " المولى " بمعنى " الأولى " بالاتباع والقرب فلا شك في أنه حينئذ ليس إلا بمعنى الإمامة، بل ما ذكره من أنه بمعنى " الأولى " بالاتباع والقرب أيضا هو الإمام فإنه لولا كون علي عليه السلام إماما لا وجه لاتباعه لعدم وجوب اتباع غير الإمام والقرب إلى النبي صلى الله عليه وآله ليس إلا لمن كان بمنزلته ونفسه، وإلا فلا يحصل القرب إلى النبي صلى الله عليه وآله لكل أحد، فإذا سلم هذا الخصم كون " المولى " بمعنى " الأولى " فلا يتصور له معنى غير الإمامة.

وأما كون الإمامة المسلمة بالمآل وعند انعقاد البيعة فلا أدري أهذا جهل أم تجاهل؟ فلو قلت لأحد أبنائك أو أصدقائك: أنت أولى من غيري بعدي، أو أنت بمنزلتي بعدي، أو أنت قائم في مقامي بعدي.

هل يكون معناه تصرفه وتصديه بعد تصرفات الغير وتغييراته كيف كان ولو بعد سنين عديدة؟ فهذا معنى كلامه.

فكيف يكون هذا الكلام ظاهرا في هذا المعنى، فضلا عن الصراحة، مضافا إلى أن الظهور بل الصراحة للخلافة خصوصا بعد وجود القرائن، وخصوصا بعد فهم أبي بكر وعمر كما نقلت أنت قولهما.

أفيصح " بخ - بخ - " لهما لعلي إذا علما ذلك بعد خلافتهما بداهة أنه على هذا المعنى لكان على علي أن يقول: بخ - بخ - لهما، فإن التهنية حينئذ لأبي بكر لا لعلي، فإن خلافته عاجل ولعلي آجل، فلا مورد لتهنيتهما أصلا، بل لعله يعد من القبائح، بل يضحك به كل أحد، بل يكون التهنية والفضل والكرامة حينئذ لأبي بكر لتقدمه

ص :70

وفعلية خلافته، بل اللازم بحكم العقل لو كان خلافة أبي بكر فعلا ولعلي عليه السلام بعد الخلفاء الثلاثة هو كون التشريفات لأبي بكر.

لم ينصف ابن حجر، ولم ينظر موقفه بين يدي الله يوم القيامة، فليمهد نفسه للجواب.

وأنا أسأله: إذا كانت هذه التشريفات لأبي بكر، ورسول الله صلى الله عليه وآله نصبه، وقال فيه ما قال لعلي عليه السلام. هل أوردت عليه بمثل هذه الشبهات أم كنت تسليما لأمره صلى الله عليه وآله وقبلت منه بلا إيراد وإشكال، أما قال لك الغزالي ولأمثالك: واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون؟ فكم من رواياتكم فيها التصريح بلفظ " بعدي ".

ففي " مسند أحمد ": (1) بسنده عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سرية، وأمر عليهم علي بن أبي طالب عليه السلام فأحدث شيئا في سفره فتعاهد، قال عفان: فتعاقد أربعة من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أن يذكروا أمره لرسول الله صلى الله عليه وآله.

قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلى الله عليه وآله فسلمنا عليه، قال: فدخلوا عليه، فقام رجل منهم، فقال: يا رسول الله، إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني، فقال: يا رسول الله، إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الثالث، فقال: يا رسول الله، إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع، فقال: يا رسول الله، إن عليا فعل كذا وكذا.

ص :71


1- (1) ج 4 / 437.

فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على الرابع وقد تغير وجهه، فقال:

" دعوا عليا، دعوا عليا، إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي ".

ونظيره بأدنى تفاوت، وفي آخره: ثم قام الرابع، فقال مثل ما قالوا: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله والغضب يعرف من وجهه، فقال: " ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي " (1).

فلفظة " من بعدي " هل تكون بمعنى بعد خلافة الخلفاء، فحينئذ يكون بعده غيره، فهل يقول صلى الله عليه وآله: بعدي أبو بكر، بئس ما تحكمون.

ولعمري أنهم يتبعون آباءهم بلا علم تقليدا لهم. فظاهر كلماتهم يوحي بأنهم ليسوا من أهل العلم، وإلا فلو كانوا فصحاء بلغاء ذوو فطانة لعلموا قطعا بأنه لو كان نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صيرورة علي عليه السلام خليفة بعد الخلفاء لما تصح هذه التشريفات منه بمحضر مائة وعشرين ألف من الناس.

إذ حينئذ كان على الناس الاعتراض به وبعمله بمثل أن هذا التحريض والترغيب إنما يلزم في حق من هو خليفة " ابن حجر " و " الآلوسي " بلا فصل وهو " أبو بكر "، فلا مورد لعلي عليه السلام أصلا، ولا جواب لرسول الله صلى الله عليه وآله حينئذ.

ألم يكن قول " ابن حجر " مساوقا لإنكار جميع ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام.

أبهذا المنطق يقال: إن من ترك طريقة " الشيخين " كان في النار؟

ص :72


1- (1) صحيح الترمذي: ج 2 ص 297.

أبذلك يحكم بأن الرافضة - أي الشيعة - من كلاب النار؟ أف لكم ولما تحكمون، مع أن فضائل شيعة علي عليه السلام ملأت كتب العامة، فإذا حكم رسول الله صلى الله عليه وآله بحكم من جانب الله أكان معناه هو الالتزام به بالمآل ولو بعد خمس وعشرين سنة.

وأما قول " ابن حجر ": وإلا كان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وآله، فهذا أمر يعرفه الأصاغر من الطلاب فضلا عن أكابرهم، بأن مقصوده صلى الله عليه وآله من ذلك، هو إمامته عليه السلام بعده بلا فصل، لوجود القرائن الكثيرة على ذلك - كما عرفت -.

(ومنها): ما ذكره الهيثمي في " مجمعه " (1) قال: وعن عبد الله بن مسعود، قال: استتبعني رسول الله صلى الله عليه وآله " ليلة الجن " فانطلقت معه حتى بلغنا أعلى مكة، فخط لي خطا - وساق الحديث إلى أن قال - قال - أي النبي صلى الله عليه وآله -: " إني وعدت أن يؤمن بي الجن والإنس، فأما الإنس فقد آمنت بي، وأما الجن فقد رأيت، قال: وما أظن أجلي إلا قد اقترب "، قلت: يا رسول الله، ألا تستخلف أبا بكر؟ فأعرض عني، فرأيت أنه لم يوافقه، قلت: يا رسول الله، ألا تستخلف عليا؟ قال: " ذاك والذي لا إله إلا هو إن بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنة أكتعين ".

قال: رواه الطبراني.

(ومنها): ما ذكره المناوي في " كنوز الحقائق " (2) قال: " من قاتل عليا

ص :73


1- (1) مجمع الزوائد: ج 8 / 314.
2- (2) ص 145.

على الخلافة، فاقتلوه كائنا من كان ".

قال: أخرجه الديلمي.

(ومنها): ما رواه الخطيب البغدادي في " تاريخه " (1): بسنده عن أحمد بن حنبل، قال: كنت بين يدي أبي جالسا ذات يوم، فجاءت طائفة من الكرخيين فذكروا خلافة أبي بكر، وخلافة عمر بن الخطاب، وخلافة عثمان بن عفان، فأكثروا، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام وزادوا فأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم، فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم القول في علي عليه السلام، بل علي عليه السلام زين الخلافة، قال الخطيب: قال السياري: فحدثت بهذا بعض الشيعة، فقال لي: قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض.

(ومنها): ما رواه ابن الأثير الجزري في " أسد الغابة " (2): بسنده عن المدائني، قال: لما دخل علي بن أبي طالب عليه السلام الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب، فقال: والله، يا أمير المؤمنين، لقد زنت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها.

فهل تكفي هذه التصريحات؟ أليس صريح ما نقله الهيثمي هو الإعراض عن خلافة الخلفاء؟ أليس هذا وأمثاله وهذه النصوص كاف في أن الخليفة هو علي عليه السلام لا غير؟ في تاريخ ابن جرير الطبري (3): روي بسنده عن ابن عباس، عن علي بن

ص :74


1- (1) تاريخ بغداد: 1 / 135.
2- (2) ج 4 / 32.
3- (3) تاريخ الطبري: 2 / 62.

أبي طالب عليه السلام، قال: " لما نزلت هذه الآية: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (1) على رسول الله صلى الله عليه وآله دعاني رسول الله، فقال لي: يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أني متى أبدأهم بهذا الأمر رأيت منهم ما أكره، فصمت عليه - أي سكت - حتى جاءني جبرئيل، فقال: يا محمد، إنك إن لم تفعل ما أمرت به يعذبك ربك فاصنع صاعا من الطعام واجعل عليه رجل شاة واملأ عسا من لبن، ثم اجمع بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعا بالطعام الذي صنعته لهم فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وآله بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: كلوا باسم الله، فأكلوا حتى ما لهم إلى شئ من حاجة، وأيم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمته لجميعهم، ثم قال: اسق القوم يا علي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لشد ما سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله.

فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي، إن هذا الرجل قد سبقي إلى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا اليوم إلى مثل ما صنعت بالأمس ثم اجمعهم لي، ففعلت، ثم جمعتهم، ثم دعا بالطعام فقربته لهم، ففعل مثل ما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشئ من

ص :75


1- (1) سورة الشعراء: 214.

حاجة، ثم قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا منه جميعا حتى رووا.

ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم أن شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي منكم، فأحجم القوم عنه جميعا، فقلت:

أنا، وإني لأحدثهم سنا، وأرمضهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا، أنا يا رسول الله، أكون وزيرك عليه، فأعاد القول، فأمسكوا عنه، وأعدت ما قلت، فأخذ برقبتي، ثم قال لهم: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب رضي الله عنه: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع " (1).

فانظروا إلى هذا الاستهزاء، وإلى من يرجع، وقد أطلت بنقل هذه الأحاديث لئلا يقول ابن حجر وأمثاله بأن المقصود من " بعدي " هو البعد بالمآل.

حكمة أخيرة:

كل الدلائل توضح أن المقصود من كلمة " مولى وولي " في الحديث، هو الخليفة والقائد للأمة الإسلامية، ولا يمكن أن ينسجم مع معنى آخر.. وإليك الدليل:

1 - علمنا مما سبق أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخشى من طرح حديث الغدير... ولم يفعل ذلك إلا بعد أن ورد إليه الأمر الصريح وباللهجة الشديدة كما عرفت.

ص :76


1- (1) رواه الثعلبي في " تفسيره " وغيره مسندا إلى البراء بن عازب.

فهل يمكننا إذن أن نقول إن المقصود من حديث " الغدير " هو تذكير الناس بصداقة النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام؟ وإن كان هذا هو القصد والهدف فما هو المبرر للخشية من الإفصاح بهذا...؟ ولماذا يهدد هذا وحدة المسلمين وأخوتهم...؟ ثم هل تستحق مسألة الصداقة بينهما صلوات الله عليهما أن يحشر الحجيج في بقعة من الأرض جرداء...؟ تكويهم الشمس من جهة... ورمضاء الهجير من جهة أخرى فيضطر أحدهم أن يضع طرفا من ثوبه تحت رجليه... والآخر فوق رأسه كما يحدثنا التاريخ؟ (1) 2 - إن النبي صلى الله عليه وآله قبل أن يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " أخذ من المسلمين الاعتراف بأنه أولى بهم من أنفسهم، وهذا يدل بوضوح على أن الولاية التي جعلها النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام هي عين الولاية التي هي له صلى الله عليه وآله.

وهذه الولاية ليست صداقة أو محبة، بل هي ولاية عامة وقيادة مطلقة...

وإن كانت تتضمن المحبة والعطف فهو صلى الله عليه وآله بالمؤمنين رؤوف رحيم.

3 - إن حسان بن ثابت قد نظم واقعة " الغدير " شعرا بإجازة النبي صلى الله عليه وآله، وقد انتشر ذلك الشعر وشاع برضى النبي صلى الله عليه وآله وعلمه...

وقد ورد في شعر حسان تصريح بالخلافة والإمامة... ومع ذلك لم يعترض عليه معترض من ذلك الجمع الغفير، قائلا له: إنك قد أخطأت في تفسير كلمة " مولى "... بل إن الجميع استحسنوا شعره ومدحوه، وإليك بعض شعر حسان:

ص :77


1- (1) الغدير: 1 / 10.

فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أتباع صدق مواليا (1) لقد فسر حسان قول النبي صلى الله عليه وآله بأنه نص على الإمام بالخلافة ولم يعترض عليه أحد مما يدل على أن الجميع قد فهموا نفس ما فهمه حسان وما نفهمه نحن الآن.

4 - إن النبي صلى الله عليه وآله بعد الانتهاء من الخطبة الشهيرة أمر أن تنصب خيمة يجلس فيها الإمام علي عليه السلام للتهنئة، وأمر المسلمين حتى نساءه هو صلى الله عليه وآله أن يهنئوه ويبايعوه ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين (2)، ومن البديهي أن هذه المراسم لا تنسجم إلا مع الولاية والخلافة.

5 - قال النبي صلى الله عليه وآله: " هنئوني هنئوني، إن الله تعالى خصني بالنبوة وخص أهل بيتي بالإمامة " (3).

6 - لأهمية الحديث الفائقة فقد رواه طائفة كثيرة من علماء الفريقين، وبألفاظ متقاربة، منهم:

1 - أحمد بن حنبل. 2 - ابن ماجة. 3 - النسائي. 4 - الشيباني.

5 - أبو يعلى. 6 - الطبري. 7 - الترمذي. 8 - الطحاوي. 9 - ابن عقدة.

ص :78


1- (1) الغدير: 2 / 34 - 41، تذكرة خواص الأمة: 20.
2- (2) الغدير: 1 / 270 - 271.
3- (3) الغدير: 1 / 274.

10 - العنبري. 11 - أبو حاتم. 12 - الطبراني. 13 - القطيعي. 14 - ابن بطة.

15 - الدارقطني. 16 - الذهبي. 17 - الحاكم. 18 - الثعلبي. 19 - أبو نعيم.

20 - ابن السمان. 21 - البيهقي. 22 - الخطيب. 23 - السجستاني. 24 - ابن المغازلي.

25 - الحسكاني. 26 - العاصمي. 27 - الخلعي. 28 - السمعاني. 29 - الخوارزمي.

30 - البيضاوي. 31 - الملا. 32 - ابن عساكر. 33 - أبو موسى. 34 - أبو الفرج.

35 - ابن الأثير. 36 - ضياء الدين. 37 - قزاوغلي. 38 - الگنجي. 39 - التفتازاني.

40 - محب الدين. 41 - الوصابي. 42 - الحمويني. 43 - الإيجي. 44 - ولي الدين.

45 - الزرندي. 46 - ابن كثير. 47 - الشريف. 48 - شهاب الدين. 49 - الجزري.

50 - المقريزي. 51 - ابن الصباغ. 52 - الهيثمي. 53 - الميبدي. 54 - ابن حجر.

55 - أصيل الدين. 56 - السمهودي. 57 - كمال الدين. 58 - البدخشي.

59 - الشيخاني. 60 - السيوطي. 61 - الحلبي. 62 - السهارنيوري.

7 - دعاء النبي صلى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام بقوله: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله " يدل على أن الأمر الذي بلغه في حق علي يحتاج إلى النصر والموالاة له، وأنه سيكون له أعداء وخاذلون، ويدل أيضا على عصمته، وأنه لا يقدم على أمر إلا في رضا الله تعالى.

8 - قوله صلى الله عليه وآله: " إنه يوشك أن أدعى فأجيب " يدل على مخافته من ترك أمر مهم يجب عليه تبليغه قبل ارتحاله، وليس هو إلا ولاية علي.

9 - قوله صلى الله عليه وآله بعد التبليغ: " فليبلغ الحاضر الغائب " يدل على اهتمامه الشديد في إيصال هذا الموضوع إلى جميع المسلمين.

ص :79

10 - وقوله صلى الله عليه وآله بعد التبليغ أيضا: " اللهم أنت شهيد عليهم أني قد بلغت ونصحت " يدل على أنه قد بلغ أمرا جليلا عظيما وأداه إلى الناس، وأتم الحجة عليهم، وأفرغ ذمته بأدائه.

وهكذا يرى القارئ العزيز أن هذه الشواهد توضح حديث " الغدير " ولا تبقي فيه أي إبهام.

ص :80

الفصل الثالث: نظرة في بعض المصادر السنية

ص :81

لم يعهد أئمة الحديث، كما لم يألف الحفاظ على اختلاف طبقاتهم على امتداد التاريخ والزمان... واحدا من الصحابة جاءت وتضافرت بحقه من المناقب والفضائل، ما جاءت عن الصادع الكريم صلى الله عليه وآله في حق ربيب معدن الرسالة... ونفس النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وخليفته الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقد وردت في حقه من الأحاديث التي لا يمكن ضمها وجمعها، في أسفار ومجلدات ودورات وإن تصدى البعض من الحفاظ والرواة إلى جمعها وتدوينها عبر التاريخ، بيد أنهم لم يأتوا بها بصورة كاملة ومستوعبة وجامعة من كافة النواحي، لذلك نجد في كل كتاب وسفر شطرا من مناقبه، ونتفا من فضائله الجمة، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن أئمة الحديث لم يتمكنوا من استيعاب جميع مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وأن جمعها وتدوينها في الواقع خارج عن حدود إمكانياتهم العلمية، وعن صعيد البحث والتحقيق والتتبع.

وكيف يمكن وقد قال مجاهد بن جبير - من كبار التابعين وعلماء المفسرين - فيه: إن لعلي عليه السلام سبعين منقبة ما كانت لأحد من أصحاب

ص :83

النبي صلى الله عليه وآله مثلها، وما من شئ من مناقبهم إلا وقد شاركهم فيها. (1) وقال سليمان بن طرخان التيمي العابد: كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام عشرون ومائة منقبة لم يشترك معه فيها أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، وقد اشترك في مناقب الناس. (2) وقال أبو الطفيل - نقلا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله -: لقد سبق لعلي بن أبي طالب عليه السلام من المناقب ما لو أن واحدة قسمت بين الخلق وسعهم خيرا. (3) وقال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من الفضائل أكثر مما جاء لعلي بن أبي طالب عليه السلام. (4) إلى غير هذا من أقوال الصحابة والتابعين والسلف في كثرة خصائص أمير المؤمنين عليه السلام، ولذلك اندفع ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي في مقدمة شرحه، يقول بصراحة وبملء فمه:

فأما فضائله عليه السلام فإنها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغا، يسمج معه التعرض لذكرها، والتصدي لتفصيلها، فصارت كما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان - وزير المتوكل والمعتمد -: رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر،

ص :84


1- (1) شواهد التنزيل: 1 / 17.
2- (2) شواهد التنزيل: 1 / 17.
3- (3) شواهد التنزيل: 1 / 18، ابن عساكر الحديث (1107) من مجلدات " علي بن أبي طالب عليه السلام ".
4- (4) شواهد التنزيل: 1 / 18، مستدرك الصحيحين: 3 / 107، تهذيب التهذيب: 7 / 339، وفيه: وكذا قال النسائي وغيره، نظم درر السمطين: 80.

الذي لا يخفى على الناظر، فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الأخبار عنك إلى علم الناس بك.

وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر (1)، وتوعدوا مادحيه، بل حبسوهم، وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكرا، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة... إلخ (2).

لقد اعتاد المحدثون والحفاظ - خاصة القدامى منهم - أنهم إذا رأوا حديثا كثرت طرقه وتوفرت أسانيده وتنوعت وتجمعت لديهم وفرة من الطرق والروايات بألفاظ مختلفة أو متقاربة أفردوه بالجمع والتأليف، ودونوه في جزء يخصه، مثل: حديث " رد الشمس " وحديث " الطير "، ومن ذلك حديث " الغدير " وهو أولاها بذلك وأكثرها إسنادا وطرقا، وعليه الاتفاق، بل الإجماع، فإن من لم يحدث أو من لم ينقل عنه الحديث من الصحابة لا يعني أنه ينكره،

ص :85


1- (1) قال الرهني: لعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على منابر سجستان إلا مرة، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله صلى الله عليه وآله على منبرهم، وهو يلعن على منابر الحرمين - مكة والمدينة -. معجم البلدان: 3 / 191.
2- (2) شرح ابن أبي الحديد: 1 / 16.

ومن كان يتضايق أو يمنع من ذكر هذا الحديث لا يعني أنه يشكك به حقيقة - كما سيتضح -.

وهذا عرض متواضع ونظرة سريعة على بعض المصادر - غير الشيعية - المتوفرة الحاضرة بين أيدينا لنكون صورة عن مدى تواتر هذا الحديث، وهذه الحادثة، ومدى اهتمام المسلمين بها على طول التاريخ:

1 - الإبانة: للحافظ أبي عبد الله بن بطة الحنبلي، المتوفى سنة (387 ه).

عن البراء بن عازب.

2 - الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة: لضياء الدين صالح بن مهدي المقبلي، المتوفى سنة (1108 ه).

3 - إبطال الباطل: لأبي الخير فضل الله بن روزبهان الشيرازي الشافعي.

4 - الآثار الباقية عن القرون الخالية: لأبي ريحان محمد بن أحمد البيروني، المتوفى سنة (430 ه) أو (440 ه) أو (450 ه): ص 334.

5 - أخبار الدول وآثار الأول: لابن سنان القرماني، المتوفى سنة (1019 ه):

ص 102.

عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة.

6 - أخلاق النبي صلى الله عليه وآله: للشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصفهاني (على ما في كتاب مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للشيخ محمد المقري الكاشاني).

بإسناده عن حذيفة بن أسيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من

ص :86

كنت مولاه فعلي مولاه " وأن أسامة قال لعلي عليه السلام: لست مولاي، إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

" من كنت مولاه فعلي مولاه ".

7 - الأربعين: للشيخ المحدث الحافظ أسعد بن إبراهيم بن الحسين بن علي الأردبيلي (الأربلي خ ل) - كما في كتاب المناقب للشيخ محمد بن علي بن حيدر بن الحسن المقري الكاشاني، وهو كتاب نفيس جمع فيه مؤلفه أربعمائة حديث في مناقب علي عليه السلام -.

قال أسعد ما لفظه: وبالاسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن النبي صلى الله عليه وآله دعا الناس إلى علي عليه السلام في " غدير خم " وأمر بما تحت الشجرة من الشوك، وذلك يوم الخميس، فدعا عليا عليه السلام فأخذ بعضديه، فرفعهما - إلى أن قال -: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

" الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضاء الرب برسالتي، وبولاية علي بن أبي طالب من بعدي "، ثم قال صلى الله عليه وآله: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "، ثم نقل أبياتا لحسان بن ثابت.

8 - الأربعين: للشيخ شمس الدين محمد الحنفي (على ما في الأربعين للشيخ أبي الفتوح علي بن مرتضى بن محبوب اليزدي) قال ما لفظه: الحديث الرابع - ما أخرجه العالم الثقة الشيخ شمس الدين محمد الحنفي (الحديث).

9 - الأربعين الطوال: لعلي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر، المتوفى سنة (571 ه).

ص :87

10 - الأربعين في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: للسيد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله بن عبد الرحمان الحسيني الدشتكي الشيرازي الهروي المعروف بجمال الدين المحدث الأصيلي صاحب " روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب " الذي فرغ من تبييضه سنة (903 ه)، وهو الذي خطب على المنبر بهراة، وأعلن المتابعة لأئمة الهدى والتبري من أعدائهم الخلفاء الطغاة، وهذا بعد فتح الشاه إسماعيل الصفوي، المتوفى سنة (903 ه) لهذا البلد الشيعي الذي كان الناس يخفون مذهبهم مخافة الحكام من التيموريين قبل ذلك، كما فصل ذلك ميرزا بيگ المنشي الجنابذي في " الروضة الصفوية " وأظهر حياته حتى سنة (929 ه)، وكذا في " روضة الصفا ": ج 7، وللمترجم له أيضا " تحفة الأحباء " الذي نقل عنه القاضي نور الله التستري في " السحاب المطير " بعنوان - الأصيلي الشيرازي - لأنه ابن أخي المير أصيل الدين عبد الله بن عبد الرحمان الحسيني الدشتكي الشيرازي الهروي الواعظ، وله رسالة في أولاده وأنسابهم، ومن شعره:

اگر دعوتم رد كنى يا قبول * من ودست ودامان آل رسول 11 - إزالة الخفاء: لعبد العزيز أبي ولي الله أحمد بن عبد الرحيم العمري الدهلوي، المتوفى سنة (1176 ه).

عن زيد بن أرقم.

12 - أسباب النزول: للشيخ أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، المتوفى سنة (468 ه)، ط / مصر - بالمطبعة الهندية -.

ص :88

13 - الإستيعاب: للحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري الشاطبي، المتوفى سنة (463 ه)، ط / حيدر آباد - الدكن: 2 / 473، ج 2 / 373، ج 3 / 35.

14 - أسد الغابة: للحافظ عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، المتوفى سنة (630 ه)، ط / جمعية المعارف سنة (1285 ه): ج 1 / 308، 367، 368، و ج 2 / 233، و ج 3 / 92، 93، 274، 307، 321، و ج 4 / 28، و ج 5 / 6، 205، 276، 376.

15 - إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين: لأبي العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي، المتوفى سنة (1206 ه)، ط / هامش " نور الأبصار " ص 152.

رواه عن النبي صلى الله عليه وآله ثلاثون صحابيا، وكثير من طرقه صحيح أو حسن.

16 - أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب: للشيخ محمد بن درويش الحوت البيروتي الشافعي، المتوفى سنة (1276 ه): 227، ط / البابي الحلبي - مصر -.

17 - أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: للحافظ أبي الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي، المتوفى سنة (833 ه).

عن أبي بكر، وعن أسعد بن زرارة الأنصاري، وعن أبي سهل الأسلمي بريدة بن الحصيب، وعن أبي ذر جندب بن جنادة، وعن الزبير بن العوام

ص :89

القرشي، وعن سعد بن سعد بن عبادة، وعن سهل بن حنيف الأوسي، وعن عائشة بنت أبي بكر، وعن عمر بن الخطاب، وعن حذيفة بن اليمان، وعن سلمة بن عمرو بن الأكوع، وعن طلحة بن عبيد الله التيمي، وعن أبي محمد عبد الرحمان بن عوف، وعن عمران بن حصين، وعن حبشي بن جنادة، وعن عمار بن ياسر، وعن زيد بن عبد الله الأنصاري. ونسب منكره إلى الجهل والعصبية.

18 - الإصابة في تمييز الصحابة: للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد العسقلاني المعروف بابن حجر، المتوفى سنة (852 ه): ج 1 / 304، 305، 372، 567، و ج 2 / 252، 255، 257، 382، 408، 509، و ج 3 / 408، و ج 4 / 80، 159، و ج 6 / 223، و ج 7 / 780، وغيرها. ط / مصر على نسخة (كلكتا).

19 - أصول الإيمان: للمولوي محمد سالم البخاري (ق 13 ه).

عن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم.

20 - الاعتصام: للشاطبي (كما في مصباح المسند)، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: ج 2 / 220، ط / مصر - مصطفى محمد -.

21 - الأغاني: لأبي فرج علي بن الحسين الأصفهاني، المتوفى سنة (356 - 357 ه)، أخرج احتجاج عمر بن عبد العزيز الخليفة: ج 8 / 156.

22 - الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء: لإبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني (ق 7 ه).

23 - ألف باء: لأبي الحجاج يوسف بن محمد البلوي الشهير ب - ابن الشيخ -،

ص :90

المتوفى حدود سنة (605 ه).

24 - الأمالي: للشريف أحمد بن الحسين الزيدي بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الإمام الحسن السبط عليه السلام، المتوفى سنة (411 ه): ص 13، ط / صنعاء - اليمن.

عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

عن علي عليه السلام: ص 24 - الطبع المذكور -.

25 - الأمالي: للفقيه أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي الضبي، المتوفى سنة (330 ه).

26 - الإمامة والسياسة: لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري: ص 93، ذكر احتجاج " برد " على " عمرو بن العاص ".

27 - أنساب الأشراف: للحافظ أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، المتوفى سنة (279 ه): ج 1.

28 - إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون، المعروف ب " السيرة الحلبية ":

لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي، المتوفى سنة (1044 ه): ج 3 / 274، طبع سنة 1320 ه / مصر. ما لفظه في حق هذا الحديث: ورد بأسانيد صحاح وحسان وشهد لذلك يوم " المناشدة " ثلاثون صحابيا، وفي " المعجم الكبير ": ستة عشر، وفي رواية: اثنا عشر.

29 - بحر المناقب: للعلامة المولى علي بن إبراهيم بن علي الملقب ب - درويش برهان البلخي - في الباب الأول، حيث أورد " حديث الغدير " في " الباب العاشر "، ونقله عن جماعة من مشاهير القوم كصاحب " نزل الأبرار " و

ص :91

" وسيلة المتعبدين " وغيرهما.

30 - البداية والنهاية: للمؤرخ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، المتوفى سنة (774 ه): ج 2 / 348، و ج 5 / 208 - 214، و ج 7 / 246، 337، 340، 346 - 350، و ج 11 / 146.

31 - بديع المعاني: للقاضي نجم الدين محمد بن عبد الله الأذرعي، المتوفى سنة (876 ه): ص 75.

32 - البيان والتعريف: للسيد كمال الدين إبراهيم بن محمد الحسيني الحنفي الدمشقي المشتهر ب - ابن حمزة - الحراني نقيب مصر والشام، المتوفى سنة (1120 ه) أو (1130 ه).

أخرج الطبراني في " الكبير "، والحاكم عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم:

ج 2 / 137، ط - حلب / سنة (1329 ه).

أخرج الإمام أحمد، ومسلم، عن البراء بن عازب: ج 2 / 230، الطبع المذكور.

أخرج أحمد، عن بريدة بن الحصيب: ج 2 / 230، الطبع المذكور.

أخرج الترمذي والنسائي والضياء المقدسي، عن زيد بن أرقم: ج 2 / 230، الطبع المذكور.

33 - التاج الجامع للأصول: للشيخ منصور علي ناصف الفاضل المصري (كما في حياة النبي).

عن زيد بن أرقم: ج 3 / 330، ط / مصر - الطبعة الأولى.

ص :92

34 - تاج العروس في شرح القاموس: للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، المتوفى سنة (1205 ه).

قال: ومنه الحديث.

35 - تاريخ آل محمد: للقاضي محمد بهلول بهجت أفندي الزنكزوري الشافعي، المتوفى قتيلا مظلوما سنة (1350 ه): ص 49، 67، 68 ط الرابعة.

36 - تاريخ بغداد: لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، المتوفى سنة (463 ه): ج 7 / 377، و ج 8 / 290، و ج 14 / 236، (مطبعة السعادة / مصر) سنة (1349 ه).

37 - تاريخ الخلفاء: لجلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة (911 ه): ص 65 و 114 - مطبعة محمدي / لاهور.

الترمذي، عن أبي سريحة، وزيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وآله.

وأخرجه أحمد، عن علي، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن أرقم، وعمرو ذي مر، وأبو يعلى، عن أبي هريرة.

والطبراني، عن ابن عمر، ومالك بن حويرث، وحبشي بن جنادة، وجرير، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وأنس.

والبزار، عن ابن عباس، وعمارة، وبريدة.

وأحمد، عن أبي الطفيل، عن ثلاثين رجلا.

38 - تاريخ دمشق: للحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الشافعي، المتوفى سنة (571 ه): ج 7 / 83.

ص :93

روى البيهقي، عن فضيل بن مرزوق.

روى أيضا من طرق أخر (ج 2 ص 166 - ط / مصر).

39 - التاريخ الكبير: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، المتوفى في قرية (خرتنك) من بلاد (سمرقند) في اليوم الأول من شوال سنة (256 ه)، صاحب الصحيح المعروف ب " صحيح البخاري ":

ج 1 ق 1 ص 375. (حيدر آباد - الدكن).

40 - تاريخ مصر: لابن زولاق الحسن بن إبراهيم المصري، المتوفى سنة (387 ه)، كما حكاه المقريزي في " الخطط ": ج 2 / 222.

41 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف: للحافظ أبي الحجاج المزي يوسف بن عبد الرحمان، المتوفى سنة (742 ه).

عن الترمذي، والنسائي، وابن ماجة.

42 - تذكرة الحفاظ = طبقات الحفاظ: لأبي عبد الله محمد بن أحمد التركماني الذهبي، المتوفى سنة (748 ه):

ج 3 / 231 - حيدر آباد الدكن -.

43 - تذكرة خواص الأمة: لأبي المظفر يوسف بن قزاوغلي بن عبد الله البغدادي شمس الدين الملقب ب - سبط ابن الجوزي الحنبلي ثم الحنفي، نزيل دمشق، المتوفى سنة (654 ه): ص 17 - 20، 24، 48 - ط / النجف الأشرف.

بطرق متعددة، وقال ما لفظه: اتفق علماء السير أن قصة " الغدير " كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وآله من " حجة الوداع " في الثامن عشر من ذي

ص :94

الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا، وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

44 - تشنيف الآذان: لأبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الحضرمي، (ق 14 ه).

45 - تعليقات الأغاني: للأستاذ أحمد زكي العدوي المصري، (ق 14 ه): ج 7 / 363.

46 - تفسير ابن جريح: روى ابن عباس.

47 - تفسير ابن كثير: لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، المتوفى سنة (774 ه) : ج 2 / 14 (ط / مصر - سنة 1356 ه).

48 - تفسير ابن مردويه.

49 - تفسير أبي السعود: للمولى محمد أبي السعود العمادي، المتوفى سنة (982 ه): ج 8 / 292.

50 - تفسير الأنوري: للسيد عبد الوهاب الحسيني البخاري، المتوفى سنة (932 ه) في ذيل قوله تعالى: * (قل لا أسألكم) *.

وعن أبي سعيد الخدري.

51 - تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة (911 ه).

أخرج أبو الشيخ، عن الحسن، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: " إن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا، وعرفت أن الناس مكذبي، فوعدني

ص :95

لأبلغن أو ليعذبني ".. فأنزل الآية: ج 2 / 259، 298 - ط / مصر.

ابن مردويه وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري.

ابن مردويه والخطيب وابن عساكر، عن أبي هريرة.

ابن مردويه، عن ابن مسعود: ج 2 / 298 / ط - مصر.

ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي، عن بريدة: ج 5 / 182 / ط - مصر.

وعن مجاهد، وعن أبي سعيد الخدري.

52 - تفسير روح المعاني: للسيد محمود بن عبد الله الآلوسي البغدادي، المتوفى سنة (1270 ه): ج 4 / 172 ط / دار الطباعة المنيرية - مصر.

وعن الذهبي: أن الحديث متواتر: ج 2 / 348 - 350.

53 - تفسير السراج المنير في شرح الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير:

لشمس الدين محمد الشربيني القاهري، المتوفى سنة (977 ه): ج 4 / 364.

54 - تفسير شاهي: لمحمد محبوب العالم ابن صفي الدين جعفر بدر العالم، (ق 11).

55 - تفسير الطبري: للحافظ محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة (310 ه): ج 3 / 428 بولاق - مصر.

56 - تفسير عز الدين الرسعني: للحافظ أبي محمد عبد الرزاق الرسعني الموصلي، المتوفى سنة (661 ه).

57 - تفسير عطاء: روى عن ابن عباس.

ص :96

58 - تفسير غرائب القرآن: لنظام الدين حسن بن محمد القمي النيسابوري، (ق 8 ه): ج 6 / 170 و 194.

59 - تفسير غريب القرآن: للحافظ قاسم بن سلام أبي عبيد الهروي، المتوفى سنة (223 ه - 224 ه).

60 - تفسير فتح القدير: للقاضي محمد بن علي الشوكاني اليماني، المتوفى سنة (1250 ه)، من المشايخ في رواية الصحاح: ج 2 / 57 - ط / القاهرة.

ابن مردويه - عن ابن عباس.

61 - تفسير القرطبي: لأبي يحيى محمد بن أحمد بن سعدون الأزدي القرطبي، المتوفى سنة (567 ه)، ط / مصر.

62 - تفسير الكشف والبيان: للمفسر المشهور أبي إسحاق الثعلبي النيسابوري، المتوفى سنة (427 ه - 437 ه).

63 - تفسير مفاتيح الغيب: لأبي عبد الله فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي، المتوفى سنة (606 ه): ج 3 / 636، و ج 12 / 49 ط / مصر - سنة 1375 ه.

64 - تفسير المنار: للسيد محمد رشيد رضا الوهابي مذهبا، المصري موطنا، تلميذ الشيخ محمد عبدة مفتي الديار المصرية: ج 6 / 464 - الطبعة الثالثة / مصر.

عن ابن عباس.

أحمد، عن البراء وبريدة.

ص :97

الترمذي والنسائي والضياء، عن زيد بن أرقم.

ابن ماجة، عن البراء.

65 - تلخيص المستدرك: لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الشافعي الدمشقي الذهبي، المتوفى سنة (748 ه): ج 3 / 109، 533 وغيرها ط - حيدر آباد - سنة 1341 ه.

أبو عوانة - عن زيد بن أرقم.

حسان بن إبراهيم الكرماني، عن ابن وائلة.

ثنا - ابن أبي غنية، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة الأسلمي.

66 - التمهيد: لأبي المظفر الأسفرايني: ص 169 ط / مصر.

أورد الحديث.

67 - التمهيد في بيان التوحيد: لأبي شكور محمد بن عبد السعيد بن محمد الكشي السالمي الحنفي.

68 - التمهيد في أصول الدين: للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني البغدادي، المتوفى سنة (403 ه): ص 169، 171، 227 مطبعة دار الفكر العربي / القاهرة.

صرح هناك بتسلم صدور الحديث الشريف.

69 - التنبيه والإشراف: لعلي بن الحسين المسعودي، المتوفى سنة (346 ه):

ص 221.

ص :98

70 - تهذيب الآثار: للحافظ محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة (310 ه).

71 - تهذيب الأسماء واللغات: للحافظ محيي الدين يحيى النووي الدمشقي، المتوفى سنة (676 ه) حسنه عن كتاب " الترمذي ".

72 - تهذيب التهذيب: لابن حجر العسقلاني، المتوفى سنة (852 ه): ج 1 / 391، و ج 7 / 327 و 337.

عن أبي هريرة، وعن جابر، وعن البراء بن عازب، وعن زيد بن أرقم.

73 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: للحافظ أبي الحجاج المزي يوسف بن عبد الرحمان، المتوفى سنة (742 ه).

عن أبي هريرة، والبراء بن عازب، وجابر الأنصاري، وزيد بن أرقم.

74 - توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل: لشهاب الدين أحمد.

75 - تيسير الوصول إلى جامع الأصول: للحافظ عبد الرحمان بن الربيع، المتوفى سنة (866 ه): ج 3 / 271.

76 - ثمار القلوب: لأبي منصور عبد الملك الثعالبي النيسابوري، المتوفى سنة (429 ه): ص 511.

77 - جامع الأصول: لأبي السعادات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري، المتوفى سنة (606 ه): ج 9 / 468 ط / مصر - سنة 1371 ه.

أخرجه الترمذي، عن زيد بن أرقم، وعن أبي سريحة حذيفة بن نافع.

78 - الجامع الصغير: لجلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة (911 ه): ج 2 / 555 - الحديث 9000 ط / مصر - مصطفى محمد.

ص :99

عن بريدة، وعن البراء، وعن زيد بن أرقم.

79 - الجمع بين الصحاح الستة: لأبي الحسن رزين العبدري الأندلسي، المتوفى سنة (535 ه).

عن أبي سريحة، وزيد بن أرقم.

80 - جمع الجوامع: لجلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة (911 ه)، كما نقل عنه المتقي الهندي في " كنز العمال ".

81 - جمهرة اللغة: لإمام أهل الأدب أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد العضدي البصري، المتوفى ببغداد سنة (321 ه): ج 1 / 71 ط / حيدر آباد، روى الحديث.

82 - جواهر العقدين: لنور الدين علي الحسني السمهودي، المتوفى سنة (911 ه) كما في " الغدير " للشيخ العلامة الحجة الأميني رحمه الله.

عن أبي قدامة الأنصاري، وعن خالد بن الوليد، وعن أبي الهيثم بن التيهان، وعن أبي ليلى الأنصاري، وغيرهم.

وروى احتجاج عمر بن عبد العزيز، كما في " ينابيع المودة ".

83 - حبيب السير: للمؤرخ غياث الدين بن همام الدين الحسيني المشتهر بخواندمير، المتوفى سنة (942 ه)، نقله مرسلا: ج 1 / 144 / ط طهران - مطبعة الحيدري.

84 - الحدائق الوردية: للشيخ حميد بن أحمد المحلي اليماني صاحب التصانيف الشهيرة في الحديث، والتفسير، والتاريخ، والكلام (مخطوط).

ص :100

روى عن بهاء الدين أبي الحسن علي بن أحمد الأكوع، يرفعه بإسناده إلى القاضي الخطيب أبي الحسن علي بن محمد الحلائي المعروف بابن المغازلي الشافعي، بإسناده إلى زيد بن أرقم.

85 - حديث الغدير: لأبي جعفر البغدادي، من أعلام القرن الثالث الهجري.

ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " في ترجمة أبي عثمان سعيد بن محمد بن صبيح المغربي، المتوفى سنة (302 ه).

فقال في ج 14 / 206: بينا سعيد بن الحداد جالس أتاه رسول عبيد الله - يعني المهدي - قال: فأتيته وأبو جعفر البغدادي واقف... فإذا بكتاب لطيف! فقال لأبي جعفر: اعرض الكتاب على الشيخ، فإنه (حديث غدير خم)، قلت: هو صحيح وقد رويناه...

أقول: عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية في المغرب، بويع في القيروان بيعة عامة سنة (297 ه)، وابن صبيح المغربي توفي سنة (302 ه)، فالكتاب مما ألف في القرن الثالث الهجري، وأبو جعفر البغدادي لم أهتد إلى معرفته، فلا هو الإسكافي لأنه توفي سنة (240 ه)، ولا هو الطبري صاحب " التاريخ " - وإن كان له كتاب في " حديث الغدير " - لأنه لم يرحل إلى المغرب.

86 - حديث الغدير: للشيخ منصور اللائي الرازي، ذكر فيه أسماء رواة الحديث على ترتيب الحروف، هكذا ذكره الشيخ المغفور له العلامة الأميني رحمه الله في " الغدير ": ج 1 / 155 في عنوان " المؤلفون في حديث الغدير " نقلا عن كتاب " مناقب آل أبي طالب " لابن شهرآشوب، المتوفى سنة (588 ه)، وعن كتاب " ضياء العالمين " للشيخ أبي الحسن الفتوني العاملي.

ص :101

ولم أجد للمؤلف ذكرا في المصادر ومعاجم التراجم رغم الفحص عنه، مما يظهر أن هناك خطأ مطبعيا حدث في طبعة " مناقب ابن شهرآشوب "، ففي الطبعة الحجرية: ج 1 / 529، و ج 3 / 25 من طبعة قم الحروفية " اللاتي " ونصه: واستخرج منصور اللاتي [بالتاء، وعنه بحار الأنوار: ج 37 / 150 بالتاء] الرازي في كتابه أسماء رواتها [قصة الغدير، وهو عنوان الفصل] على حروف المعجم.

والصحيح فيه: منصور الآبي الرازي، وهو الوزير العالم الأديب المعروف، أبو سعد منصور بن الحسين الآبي الرازي، من أعلام القرن الخامس الهجري، صاحب كتاب " نثر الدرر " المطبوع بمصر في سبعة أجزاء، وغير ذلك.

ومن مصادر ترجمته:

دمية القصر: ج 1 / 459، فهرست منتجب الدين برقم 276، معجم الأدباء:

ج 6 / 238، فوات الوفيات: ج 4 / 160، جامع الرواة: ج 2 / 267، أمل الآمل: ج 2 / 326، رياض العلماء: ج 5 / 219، تاج العروس (آب)، مستدرك الوسائل: ج 3 / 388، تنقيح المقال: ج 3 / 249، الذريعة: ج 3 / 254، و ج 9 / 1108، و ج 24 / 51، طبقات أعلام الشيعة (القرن الخامس) ج 1 / 95، معجم رجال الحديث: ج 18 / 347.

87 - حديث الولاية: لابن عقدة، وهو الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمان بن زياد بن عبد الله بن زياد بن عجلان، مولى عبد الرحمان بن سعيد بن قيس السبعي الهمداني الكوفي، المتوفى سنة (333 ه).

ص :102

أمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر، وكان زيديا جاروديا، وعلى ذلك مات.

وأما كتابه هذا فقد ظل مرجعا ومنهلا لمن بعده، واعتمده الفريقان (الشيعة والسنة) كإجماعهم على وثاقة مؤلفه.

هذا وقد ترجم له أعلام الخاصة والعامة بكل تجلة وتبجيل، ووثقوه، وأثنوا على علمه وحفظه وخبرته وسعة اطلاعه، وأرخوا ولادته ليلة النصف من المحرم سنة (249 ه) ووفاته في 7 ذي القعدة سنة (333 ه). وترجموا لأبيه الملقب ب - عقدة - في ضمن ترجمته.

راجع مثلا:

فهرست الشيخ الطوسي: رقم (86)، فهرست النجاشي: رقم (233)، معالم العلماء: رقم (77)، خلاصة الأقوال: ص 203، طبقات أعلام الشيعة (القرن الرابع الهجري): ص 46، معجم رجال الحديث: ج 2 / 274 - 280، روضات الجنات: ج 1 / 208 رقم 58، تنقيح المقال: ج 1 / 86، أعيان الشيعة: ج 3 / 112 - 116، قاموس الرجال: ج 1 / 602 - 607، تهذيب المقال: ج 3 / 473 - 494، الجامع في الرجال: ج 1 / 168.

وأفرد الذهبي رسالة عن حياته مذكورة في مؤلفاته في مقدمة طبع " سير أعلام النبلاء " باسم " ترجمة ابن عقدة ".

تاريخ بغداد: ج 5 / 14 - 20، أنساب السمعاني: ج 9 / 16 (العقدي!)، المنتظم: ج 6 / 336، العبر: ج 2 / 30، تذكرة الحفاظ، سير أعلام النبلاء: ج 15 / 240، الوافي بالوفيات: ج 7 / 395، البداية والنهاية: ج 11 / 209،

ص :103

لسان الميزان: ج 1 / 263.

ومن المؤسف أن هذا الرجل العظيم لم يبق من مؤلفاته الكثيرة الكبيرة سوى وريقات توجد في (دار الكتب الظاهرية بدمشق) ضمن المجموعة رقم (4581)، باسم جزء من حديث ابن عقدة، من الورقة 9 - 15، راجع فهرس حديث الظاهرية - للألباني -: 87.

88 - الحسين عليه السلام: للسيد علي جلال الدين الحسيني المصري:

ج 1 / 132.

89 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن مهران الأصفهاني، المتوفى سنة (430 ه)، روى مناشدة " الرحبة " و " الاحتجاج " عمر بن عبد العزيز.

عن بريدة ج 4 / 23 / ط مصر - سنة 1352 ه.

عن سعد بن أبي وقاص: ج 5 / 356.

عن اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وفيهم: أبو سعيد، وأبو هريرة، وأنس بن مالك: ج 5 / 26.

عن عمر بن عبد العزيز، عن عدة: ج 5 / 364.

عن عمر بن شعبة، إلى آخر السند: ج 5 / 364.

راجع ج 9 / 64 وغيرها.

90 - خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: للحافظ أبي عبد الرحمان أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة (303 ه).

ص :104

عن زيد بن أرقم من طريقين.

وعن زيد بن يثيع من طريقين.

وعن البراء بن عازب من طريق واحد.

وعن ابن حصين من طريق عبد الله بن عمر.

راجع الأحاديث 10 و 79 و 81 و 83 و 84 و 88 و 93 و 94 و 95 و 96 و 98 و 99.

وعن سعد بن وهب، عن ستة: ج 21 / 26 / ط مصر - مطبعة التقدم.

وعن سعد بن وهب، عن ستة: ج 21 / 40 / الطبع المذكور.

91 - خطط الشام: للكاتب محمد كرد علي.

عن أبي سعيد الخدري: ج 5 / 251 و 256.

92 - الخطط المقريزية: لمؤرخ مصر السيد تقي الدين أحمد بن علي المقريزي الحنفي المصري، المتوفى سنة (845 ه): ج 2 / 222 و 223.

93 - الدر النظيم في الأئمة اللهاميم: لابن أبي حاتم الشامي الشافعي.

94 - درر السمطين في مناقب السبطين: لجمال الدين محمد الزرندي الحنفي، المتوفى بضع وخمسين وسبعمائة.

95 - الدرر العوال بحل ألفاظ بدء المآل: لمحمد بن محمد المصري.

96 - دعاة الهداة إلى أداء حق الموالاة: للحافظ أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني النيسابوري الرازي الحذاء الحنفي، من أعلام القرن

ص :105

الخامس الهجري، والمتوفى بعد سنة (490 ه).

وهو في طرق حديث الغدير: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

قال هو في كتابه " شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ": ج 1 / 190 بعد إيراد الحديث بعدة طرق عند القول في نزول آية سورة المائدة: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك...) * بشأن أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه في " الغدير "، قال بعد الرقم (246): وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب " دعاة الهداة إلى أداء حق الموالاة " من تصنيفي في عشرة أجزاء.

97 - خائر العقبى: للحافظ محب الدين أبو جعفر أحمد بن عبد الله الطبري الشافعي، المتوفى سنة (694 ه): ص 67 و 87 ط / مكتبة القدسي - بالقاهرة.

ذكر الحديث عن كتابي أحمد بن حنبل من عدة طرق وأسانيد لابن حنبل (حديث البراء، وحديث عمر، وحديث زيد بن أرقم، والمناشدة بحديث زياد بن أبي زياد، وذكر أحاديث عن الولاية).

98 - ذخيرة الأعمال في شرح عقد جواهر اللآل: لشهاب الدين أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي، (ق 12 ه).

99 - ربيع الأبرار: لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الحنفي، المتوفى سنة (538 ه)، ذكر في الباب (41) احتجاج " دارمية " على " معاوية ".

100 - الرد على الحرقوصية: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب " التاريخ "، المتوفى سنة (310 ه).

ص :106

روى من خمس وسبعين طريقا.

101 - رسالة الاعتقاد: للشيخ أبي بكر بن مؤمن الشيرازي - على ما في كتاب " مناقب أمير المؤمنين عليه السلام " للشيخ محمد المقري الكاشاني -.

102 - روضة الصفا: للمؤرخ ابن خاوند شاه، المتوفى سنة (903 ه): ق 2 من ج 1 / 173.

103 - روضة الناظرين: لضياء الدين أبي محمد أحمد الوتري الشافعي، المتوفى سنة (عشر الثمانين والتسعمائة): ص 3.

104 - الروضة الندية في شرح التحفة العلوية: للسيد محمد بن إسماعيل بن صلاح الدين الأمير اليماني، المتوفى سنة (1182 ه).

105 - رياض الصالحين: للحافظ محيي الدين أبي زكريا النووي، المتوفى سنة (676 ه): ص 152.

106 - الرياض النضرة: للحافظ محب الدين أبي جعفر أحمد بن عبد الله الطبري، المتوفى سنة (694 ه): ج 2 / 169، 170، 179، 203، 217، و ج 9 / 104 - 108، 165. مصر / مطبعة محمد أمين الخانجي.

107 - زوائد المسند: للحافظ عبد الله بن أحمد بن حنبل، المتوفى سنة (290 ه).

108 - زين الفتى في شرح سورة " هل أتى ": للحافظ أبي محمد أحمد العاصمي (ق 5 ه).

عن زيد بن أرقم، وعن طلحة بن عبيد الله التيمي، وعن أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

ص :107

وقال بعد ذكر حديث " الغدير " ": هذا حديث تلقته الأمة بالقبول، وهو موافق بالأصول.

109 - السائر الدائر: عن أبي سعيد الخدري: ج 6 / 170.

110 - سر العالمين وكشف ما في الدارين: لأبي حامد محمد الغزالي الشهير بحجة الإسلام، المتوفى سنة (505 ه).

قال فيه ما لفظه: أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته يوم " غدير خم ": ص 9.

111 - سرقات الشعر: للحافظ أبي عبد الله المرزباني البغدادي، المتوفى سنة (384 ه).

عن أبي سعيد الخدري.

112 - سلوة العارفين: للموفق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني.

113 - السمط المجيد: للسيد أحمد القشاشي، المتوفى سنة (1071 ه).

114 - السنة: للحافظ أحمد بن عمرو الشهير بابن أبي عاصم، المتوفى سنة (287 ه).

115 - السنن: للحافظ عثمان بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، المتوفى سنة (239 ه).

116 - السنن: للحافظ سعيد بن منصور بن شعبة النسائي، المتوفى سنة (227 ه).

عن علي أمير المؤمنين عليه السلام.

وعن سعد بن أبي وقاص.

ص :108

117 - السنن الكبرى: للحافظ أبي عبد الرحمان أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة (303 ه)، كما في " البداية والنهاية ": ج 5 / 209، و " تشنيف الآذان ":

ص 77.

118 - سنن المصطفى: للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، المتوفى سنة (273 ه).

عن البراء بن عازب: ج 1 / 55 الطبعة الأولى - مصر.

وعن سعد بن أبي وقاص: ج 1 / 58 الطبعة المذكورة.

119 - شرح التجريد: لعلاء الدين علي بن محمد القوشجي، المتوفى سنة (879 ه).

120 - شرح ديوان أمير المؤمنين عليه السلام: لكمال الدين حسين بن معين الدين اليزدي الميبذي: ص 415 وغيرها، عن زيد بن أرقم.

121 - شرح الشفاء: لشهاب الدين الخفاجي المصري، المتوفى سنة (1069 ه): ج 3 / 456.

122 - شرح صحيح مسلم: لأبي عبد الله محمد بن خليفة الوشتاني، المتوفى سنة (827 ه): ج 6 / 236.

123 - شرح صحيح مسلم: لأبي عبد الله محمد بن محمد بن يوسف السنوسي، المتوفى سنة (895 ه): ج 6 / 236.

124 - شرح المقاصد: لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الشافعي، المتوفى سنة (791 ه): ص 288 - 289.

125 - شرح المواقف: للسيد علي بن محمد الحسيني الحنفي الشريف الجرجاني،

ص :109

المتوفى سنة (618 ه): ج 3 / 271.

126 - شرح المواهب اللدنية: لأبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري، المتوفى سنة (1122 ه): ج 5 / 10، و ج 7 / 13.

عن زيد بن أرقم.

127 - شرح نهج البلاغة: لعز الدين عبد الحميد المدائني الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي، المتوفى سنة (655 ه): ج 1 / 289، 309، 360، 361، 362، و ج 2 / 61، 273، 449، (عن عمار بن ياسر)، و ج 4 / 388، 488.

128 - شرح هاشميات الكميت: للأستاذ محمد محمود الرافعي المصري.

ذكر حديث " الغدير " في شرح قول الكميت:

ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا ص 81.

129 - شرح همزية البوصيري: للحافظ شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي، المتوفى سنة (974 ه).

نقل حديث " الغدير " عن ثلاثين صحابيا.

وحكم بصحته في ص (221) في شرح قوله:

وعلي صنو النبي ومن * دين فؤادي وداده والولاء 130 - شرف المصطفى: للحافظ عبد الملك أبي سعيد النيسابوري الخرگوشي،

ص :110

المتوفى سنة (407 ه).

روى عن البراء بن عازب.

131 - الشرف المؤبد لآل محمد: للشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي:

ص 113 - ط / مصر.

أخرج ابن أبي شيبة، عن زيد بن ربيع، عن جماعة.

132 - الشفا: لأبي الفضل عياض بن موسى البستي القاضي، المتوفى سنة (544 ه).

قال النبي صلى الله عليه وآله: ج 2 / 41 / ط - الآستانة سنة 1312 ه بالمطبعة العثمانية.

133 - شمس الأخبار المنتقى من كلام النبي المختار: للشيخ علي بن حميد القرشي، المتوفى سنة (621 ه).

عن عبد الله بن عباس: ص 38.

134 - شواهد التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل: للحافظ أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني النيسابوري الرازي الحذاء الحنفي، من أعلام القرن الخامس الهجري، والمتوفى بعد سنة (490 ه).

135 - الصحيح: للحافظ أبي حاتم محمد بن حبان التميمي البستي، المتوفى سنة (354 ه).

أخرج فيه حديث " الغدير " كما في " تشنيف الآذان ": ص 77.

وخرج مناشدة " الرحبة " كما في " الرياض النضرة ": ج 2 / 169.

ص :111

وروى نزول " آية التبليغ " يوم الغدير في علي عليه السلام، كما في " نزل الأبرار " ص 20.

136 - الصحيح: للحافظ محمد بن عيسى الترمذي، المتوفى سنة (279 ه): ج 2 / 298 وغيرها.

وقال بعد ذكر الحديث: هذا حديث حسن صحيح.

137 - الصراط السوي في مناقب آل النبي: لمحمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري المدني.

وحكم بصحته، ثم قال: وكم من حديث صحيح ما أخرجه الشيخان؟ 138 - صفوة الصفوة: للشيخ أبي الفرج عبد الرحمان بن أبي الحسن بن علي بن عبد الله بن محمد بن علي بن الجوزي القرشي التميمي البغدادي الواعظي الحنبلي، المتوفى سنة (597 ه): ج 1 / 121 (ط / حيدر آباد - سنة 1355 ه).

139 - صفين: للحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن الحسين الكسائي المعروف بابن ديزيل، المتوفى سنة (281 ه)، كما في " شرح نهج البلاغة ": ج 1 / 289، و " دعاة الهداة إلى أداء حق الموالاة ".

140 - صفين: لنصر بن مزاحم الكوفي.

روى احتجاج " عمار بن ياسر " على " عمرو بن العاص " بحديث الغدير يوم صفين.

وروى أيضا حديث " الغدير " " عن حبة بن جوين، كما في " أسد الغابة ":

ص :112

ج 1 / 367.

141 - الصلاة الفاخرة بالأحاديث المتواترة: لحامد بن علي العمادي الحنفي - مفتي الشام -، المتوفى سنة (1171 ه): ص 49.

142 - الصواعق المحرقة: للمحدث أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي السعدي الأنصاري الشافعي المكي، المتوفى سنة (973 - 974 ه).

روى ص 26 / ط دار الطباعة المحمدية.

ذكره سبعة عشر رجلا أو ثلاثون (ص 25، 39).

وحكم بصحته وأن طرقه كثيرة جدا.

143 - طبقات الحفاظ: للحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة (748 ه): ج 2 / 254.

144 - طوالع الأنوار: للقاضي أبي الخير عبد الله بن عمر البيضاوي، المتوفى سنة (685 ه).

ذكره إرسال المسلم.

145 - العروة الوثقى: لعلاء الدين أحمد بن محمد السمناني، المتوفى سنة (736 ه).

قال بعد ذكره: هذا حديث متفق على صحته، وله كلمة في مفاده.

146 - العقد الفريد: لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي المالكي، المتوفى سنة (328 ه): ج 2 / 275، ج 3 / 42، 94، 284 (ط / مصر الأولى).

ص :113

قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن جملة احتجاج " المأمون " على أربعين فقيها.

147 - العقد النبوي والسر المصطفوي: للفقيه شيخ بن عبد الله العيدروس الحسيني اليمني، المتوفى سنة (1041 ه).

148 - عمدة القاري في شرح صحيح البخاري: لبدر الدين محمود الشهير بابن العيني الحنفي، المتوفى سنة (855 ه): ج 8 / 584.

149 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري: للحافظ ابن حجر العسقلاني، المتوفى سنة (852 ه): ج 7 / 61.

قال: وأما حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقد أخرجه: الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.

150 - الفتح المبين في فضائل أهل بيت سيد المرسلين: لرشيد الدين خان الدهلوي.

روى بطريق الطبراني، عن ابن عمر، وغيره.

151 - الفتوحات الإسلامية: للسيد أحمد زيني دحلان المكي، المتوفى سنة (1304 ه).

ذكر في ج 2 / 306: حديث الولاية، وتهنئة الشيخين عليا عليه السلام.

152 - الفتوحات الوهبية: لبرهان الدين إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي المصري، المتوفى سنة (1106 ه).

ص :114

153 - فرائد السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين عليهم السلام: لصدر الدين شيخ الإسلام أبي إسحاق إبراهيم بن سعد الدين الحمويني الشافعي، المتوفى سنة (722 ه): ج 1 - الباب التاسع، والعاشر، والثالث عشر، والأربعين، والثاني والخمسين.

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

154 - الفردوس: لابن شيرويه الديلمي.

روى عن سمرة، وعن حبشي بن جنادة.

155 - فصل الخطاب: لمحمد الحافظي البخاري المعروف ب " خواجة پارسا "، المتوفى سنة (822 ه).

عن عمر بن الخطاب، عن زاذان.

156 - الفصول المهمة لمعرفة الأئمة: لنور الدين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الصفاقسي، الغزي الأصل المكي المولد والدار والوفاة، المشتهر بابن الصباغ المالكي، المتوفى سنة (855 ه): ص 24 - 27 (ط / النجف الأشرف).

157 - فضائل الصحابة: للحافظ أبي سعد عبد الكريم بن أحمد السمعاني، المتوفى سنة (562 ه).

بإسناده عن زيد بن أرقم.

وبإسناده عن البراء بن عازب.

وبإسناده عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب.

ص :115

وبإسناده عن سالم بن أبي الجعد.

158 - فضائل الصحابة: لأبي نعيم الأصفهاني.

عن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص، وعن عمر بن الخطاب، وعن أبي سليمان مالك بن الحويرث.

روى بطرق شتى، كما في " نزل الأبرار ": ص 20 و 21.

159 - فضائل علي عليه السلام: لأحمد بن حنبل، برواية ابنه عبد الله عنه، وهو " مخطوط " ولم نقف على مطبوعه.

والنسخة عتيقة جدا من خطوط المائة الخامسة تقريبا.

عن البراء بن عازب.

160 - الفوائد: للحافظ أبي بشر إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدي الأصفهاني الشهير ب " سمويه "، المتوفى سنة (267 ه)، كما في " تشنيف الآذان ": ص 77. ورواه عنه البدخشاني في " مفتاح النجا " و " نزل الأبرار ": ص 52.

161 - الفوائد: للحافظ محمد بن عبد الله الشافعي البزاز البغدادي، المتوفى سنة (354 ه).

روى بلفظ زيد بن أرقم.

162 - فيض القدير في شرح الجامع الصغير: لزين الدين عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي المناوي، المتوفى سنة (1031 ه): ج 6 / 218، ونقل كثرة طرقه، وأن منها صحاحا وحسانا، ونقل تواتره من المصنف السيوطي.

ص :116

163 - قرة العينين: لعبد العزيز أبي ولي الله أحمد بن عبد الرحيم العمري الدهلوي، المتوفى سنة (1176 ه).

عن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم.

164 - قطف الأزهار: للحافظ جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة (911 ه).

قال فيه بتواتر " حديث الغدير " كما نقل عنه الشيخ محمد صدر العالم في " معارج العلى في مناقب المرتضى ".

165 - القول الفصل: للعلوي الهرار الحداد: ج 1 / 445.

166 - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: للحافظ الشيخ فخر الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي، المتوفى سنة (654 ه).

له كلام حول كثرة طرق " حديث الغدير " وصحة نقله: ص 13 - 17، 115، 151 - ط الغري.

وقال في ص 69: حديث " غدير خم " دليل على التولية وهي الاستخلاف.

167 - كفاية الطالب لمناقب علي بن أبي طالب: للشيخ محمد حبيب الله بن عبد الله الشنقيطي المدني المالكي: ص 28 - 30.

168 - الكنى والأسماء: لمحمد بن أحمد بن حماد الدولابي، المتوفى سنة (310 ه).

عن أبي قلابة، عن بضعة عشر رجلا: ج 2 / 61 ط - حيدر آباد سنة

ص :117

1322 ه.

169 - كنز العمال: للمتقي الشيخ علاء الدين علي بن حسام الدين بن القاضي عبد الملك القرشي الهندي، المتوفى سنة (975 ه).

روى الحديث عن عدة، وهم: طلحة بن عبيد الله التيمي: ج 6 / 83 و 154، وعبد الله بن عباس: ج 6 / 153، وعمر بن مرة الجهني:

ج 6 / 154، وأبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري: ج 6 / 154، وعامر بن وائلة الليثي: ج 6 / 390، وعبد الله بن عمر: ج 6 / 354، وجابر بن سمرة بن جنادة: ج 6 / 398، وحبشي بن جنادة: ج 6 / 154، وجرير بن عبد الله بن جابر البجلي: ج 6 / 154 و 398، وأنس بن مالك: ج 6 / 154 و 403، والبراء بن عازب: ج 6 / 153، وأبو سهل الأسلمي: ج 6 / 397، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ج 6 / 154 و 396 و 406، وسعد بن مالك الأنصاري الخدري (أبو سعيد): ج 6 / 390 و 402، وزيد بن أرقم: ج 6 / 52 و 102 و 154 و 390، وسعد بن أبي وقاص: ج 6 / 154، وأبو هريرة: ج 6 / 154 و 403.

170 - كنوز الحقائق: لزين الدين عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي الحدادي الشافعي المناوي القاهري، المتوفى سنة (1031 ه).

روى في ص (147) بعبارات مختلفة.

171 - لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور: ج 20 / 291، ط / مصر - سنة 1307 ه.

172 - اللمعات في شرح المشكاة: لعبد الحق بن سيف الدين الدهلوي البخاري،

ص :118

المتوفى سنة (1052 ه).

ذكر كثرة طرقه، وأن كثيرا من أسانيده صحاح وحسان.

173 - ما نزل في القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام: للحافظ أحمد بن عبد الرحمان أبي بكر الفارسي الشيرازي، المتوفى سنة (407 - 411 ه).

عن ابن عباس.

174 - ما نزل في القرآن في علي عليه السلام: للحافظ أحمد بن عبد الله أبي نعيم الأصفهاني، المتوفى سنة (430 ه).

يرفعه إلى الجحاف، عن الأعمش، عن عطية.

175 - مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار: للحافظ جمال الدين محمد طاهر الملقب ب " ملك المحدثين " الهندي الفتني، المقتول سنة (986 ه).

ذكر فيه ما ذكره ابن الأثير في " النهاية ".

176 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ نور الدين علي بن أحمد بن أبي بكر بن سليمان أبي الحسن القاهري الهيثمي، المتوفى سنة (807 ه).

أخرجه بطرق كثيرة صحح غير واحد منها.

177 - محاسن الأزهار: للفقيه حميد المحلي، أخرج القرشي علي بن حميد في " شمس الأخبار " ص 38، كما في " الروضة الندية ".

178 - المختارة: للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد أبي عبد الله المقدسي، المتوفى سنة (643 ه).

ص :119

روى بطرق شتى كما في " شرح المواهب " و " كنز العمال " و " ينابيع المودة " و " الجامع الصغير " وغيرها.

179 - مختلف الحديث: ص 52 ط - مصر / بمطبعة كردستان العلمية.

أورد عبائر يظهر منها تسلم الحديث عندهم، ويتكلف في تأويل دلالته منه " الطير المشوي ".

180 - مرآة الجنان: لأبي السعادات عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي الشافعي، المتوفى سنة (768 ه).

عده إرسال المسلم من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: ج 1 / 109.

181 - مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين: للمولوي ولي الله اللكهنوي.

حكم بصحته.

182 - مرافض الروافض: لحسام الدين بن محمد بايزيد السهارنپوري.

عن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم.

183 - مرج البحرين: للحافظ أبي الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الإصبهاني.

كما في " التذكرة " لسبط ابن الجوزي: ص 20.

184 - المرقاة في شرح المشكاة: للشيخ نور الدين الملا علي الهروي القاري الحنفي، المتوفى سنة (1014 ه).

قال في: ج 5 / 568 بعد روايته بطرق شتى: إن هذا الحديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عده متواترا.

ص :120

185 - مروج الذهب: لعلي بن الحسين البغدادي المصري المسعودي، المتوفى سنة (346 ه): ج 2 / 11 و 49.

وعده مما انفرد به علي عليه السلام من بين الصحابة.

186 - مستدرك الصحيحين: للحافظ الكبير محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الشافعي أبي عبد الله الحاكم النيشابوري الشهير ب " ابن البيع "، المتوفى سنة (405 ه). بعدة طرق وصححها: ج 3 / 10 - 109 / ط حيدر آباد الدكن - سنة 1341 ه.

عن زيد بن أرقم، عن بريدة الأسلمي.

وروى عن الحاكم حديث " صوم الغدير " الخوارزمي في " المناقب ":

ص 94.

187 - المسلسل بالأسماء: للحافظ محمد بن أبي بكر عمر أبي موسى المديني، المتوفى سنة (581 ه).

أخرج احتجاج الصديقة الطاهرة فاطمة سلام الله عليها، كما في " أسنى المطالب " للجزري الشافعي.

188 - المسند: للحافظ ابن راهويه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المروزي، المتوفى سنة (237 ه).

كما في " زين الفتى " و " كنز العمال " و " تشنيف الآذان ": ص 77.

189 - المسند: لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي، المتوفى سنة (241 ه).

ص :121

أخرجه بطرق كثيرة صحيحة: ج 1 / 84، 88، 118، 119، 152، 331، و ج 4 / 281، 368، 370، 372، و ج 5 / 366. (الطبعة الأولى - بمصر).

190 - المسند: للحافظ عثمان بن محمد بن أبي شيبة أبي الحسن العبسي، المتوفى سنة (239 ه).

كما في " تشنيف الآذان ": ص 77.

191 - المسند الكبير: للحافظ أبي يعلى أحمد بن علي الموصلي، المتوفى سنة (307 ه).

كما في " الاكتفاء " و " نزل الأبرار ": ص 20 و " البداية والنهاية ":

ج 5 / 209، و ج 7 / 337.

192 - المسند المعلل: للحافظ أحمد بن عمرو أبي بكر البزار البصري، المتوفى سنة (292 ه).

أخرجه بطرق شتى، كما في " ينابيع المودة ": ص 40، و " تشنيف الآذان ": ص 77.

193 - مشكاة المصابيح: لولي الدين محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، ألفه في سنة (737 ه).

عن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم: ص 557.

194 - مشكل الآثار: لأبي جعفر أحمد بن محمد الأزدي الطحاوي، المتوفى سنة (321 ه).

عن علي عليه السلام، وعن سعد بن أبي وقاص: ج 2 / 307 / ط - حيدر

ص :122

آباد، وله كلمة حول صحة الحديث.

195 - مصابيح السنة: للحافظ الحسين بن مسعود أبي محمد الفراء الشافعي البغوي، المتوفى سنة (510 - 515 - 516 ه). من الصحاح.

عن زيد بن أرقم: ج 2 / 202 (ط / مصر - سنة 1318 ه).

196 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: للشيخ أبي سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن الشافعي القرشي النصيبي، المتوفى سنة (652 ه): ص 16، 53، 54 - ط / طهران.

وله كلمة حول " عيد الغدير ".

197 - معارج العلى في مناقب المرتضى: للشيخ محمد صدر العالم عن قيس بن ثابت بن شماس، وعن أبي جنيدة جندع بن عمرو، وعن مالك بن الحويرث.

وله كلمة في تواتره وصحته.

198 - معارج الوصول: لجمال الدين محمد الزرندي المدني، المتوفى (بضع وخمسين وسبعمائة).

199 - المعارف: لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، المتوفى سنة (276 ه).

عن أنس بن مالك: ص 251، 291 - ط / مصر، سنة 1353 ه.

كما نقل عنه ابن أبي الحديد المعتزلي في " شرح النهج ": ج 4 / 388، و ج 1 / 360.

ص :123

200 - المعتصر من المختصر: لجمال الدين أبي المحاسن يوسف بن صلاح الدين الحنفي: ص 413، وحكم بصحة الحديث.

201 - المعتمد في المعتقد: لفضل الله أبي سعد الحسن الشافعي التوربشتي.

202 - معجم الأدباء: لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، المتوفى سنة (626 ه).

نقل في ج 18 / 80 صحة الأخبار الواردة في " غدير خم "، عن محمد بن جرير الطبري.

203 - المعجم: للحافظ أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي، المتوفى سنة (317 ه).

كما في " الرياض النضرة ": ج 2 / 169.

204 - المعجم الأوسط: للحافظ الطبراني أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الشامي اللخمي الطبراني نزيل أصفهان، المتوفى سنة (360 ه).

كما في " تشنيف الآذان ": ص 77 و " مجمع الزوائد ": ج 9 / 108، و " المجمع " و " كنز العمال ": ج 6 / 403.

205 - معجم البلدان: لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، المتوفى سنة (626 ه): ج 3 / 466، عن الحازمي.

206 - المعجم الصغير: للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني، المتوفى سنة (360 ه).

كما في " مجمع الزوائد ": ج 9 / 108، و " تشنيف الآذان ": ص 77.

ص :124

207 - المعجم الكبير: للطبراني أيضا.

عن علي، وأبي أيوب، وحبشي، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن مرة، كما في " كنز العمال ": ج 6 / 154.

ورواه عن جرير بن عبد الله، كما في " مجمع الزوائد ": ج 9 / 16.

وعن حذيفة بن أسيد، كما في " مفتاح النجا ".

وروى مناشدة " الرحبة " كما في " المجمع ": ج 9 / 106.

208 - معرفة الصحابة: للحافظ أبي نعيم الإصبهاني، المتوفى سنة (430 ه).

روى فيه حديث " التتويج " يوم " الغدير ".

209 - مفتاح النجا في مناقب آل العبا: للحافظ محمد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي، المتوفى بعد سنة (1126 ه).

قال بعد روايته بطرق كثيرة: هذا حديث صحيح مشهور.

210 - مقتل الإمام الحسين عليه السلام: لأبي المؤيد الموفق بن أحمد أخطب الخطباء الخوارزمي، المتوفى سنة (568 ه).

روى من جم غفير جدا.

211 - الملل والنحل: لأبي الفتح محمد بن أبي القاسم عبد الكريم الشهرستاني، المتوفى سنة (548 ه).

راجع هامش " الفصل " لابن حزم: ج 1 / 220.

212 - المناقب: لأبي الحسن علي بن محمد الحلائي المعروف ب " ابن المغازلي "

ص :125

الشافعي، المتوفى سنة (483 ه).

كما في " العمدة " لابن بطريق.

روى الحديث من سبعة عشر طريقا من الحديث (23) إلى الحديث رقم (39).

213 - المناقب: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني المروزي، المتوفى سنة (241 ه).

عن بريدة، وزيد بن أرقم، وعمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث.

214 - المناقب: للحافظ عبد الرحمان بن علي بن محمد أبي الفرج ابن الجوزي، المتوفى سنة (597 ه).

أخرجه أحمد بن حنبل في " المسند " و " الفضائل "، عن زاذان، عن ثلاثة عشر رجلا.

وأخرج في " الفضائل "، عن رباح بن الحرث، وعن بريدة، عن أبيه.

ورواه الترمذي.

وقال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا عدي، عن زيد، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب.

215 - المناقب: للسدي، رواه مرسلا.

216 - المناقب: لأبي المؤيد الموفق بن أحمد أخطب خوارزم، المتوفى سنة (568 ه).

عن الأصبغ، قال: سئل سلمان الفارسي رضي الله عنه عن علي وفاطمة

ص :126

عليهما السلام: ج 1 / 41 / ط - طهران.

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله.

روى هذا الحديث: عمر، وعلي، والبراء بن عازب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والحسين بن علي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبو ذر، وأبو أيوب، وابن عمر، وعمران بن حصين، وبريدة بن الحصيب، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله واسمه (أسلم)، وحبشي بن جنادة، وزيد بن شراحبيل، وجرير بن عبد الله، وأنس، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وزيد بن أرقم، وعبد الرحمان بن يعمر الدؤلي، وعمرو بن الحمق، وعمر بن شرحبيل، وناجية بن عمر، وجابر بن سمرة، ومالك بن الحويرث، وأبو ذؤيب الشاعر، وعبد الله بن ربيعة.

وذكر احتجاج عمرو بن العاص على معاوية.

217 - مناقب الثلاثة: عن البراء بن عازب، وعن حذيفة بن أسيد الغفاري: ص 19.

218 - مناقب علي بن أبي طالب: لأحمد بن محمد الطبري الشهير ب " الخليلي " المؤلف سنة (411 ه).

219 - مناقب مرتضوي: للمير محمد صالح الحسيني الكشفي الترمذي.

عن أحمد بن حنبل، عن حبيب السير، عن عائشة: ص 203 / ط بمبئ - سنة 1269 ه.

220 - منتخب كنز العمال: للمتقي علاء الدين علي بن حسام الدين بن القاضي عبد الملك القرشي الهندي، المتوفى سنة (975 ه).

ص :127

بهامش " مسند أحمد "، عن عائشة، وعن البراء، وعن بريدة، وعن الضياء، عن زيد بن أرقم: ج 5 / 3 ط - مصر.

عن حبشي بن جنادة، وعن جابر: ج 5 / 32 ط - مصر.

221 - المنتقى من سيرة المصطفى: لسعيد الدين محمد بن مسعود بن محمد الكازروني، المتوفى سنة (758 ه).

222 - منتهى الكلام: للمولوي حيدر علي الفيض آبادي.

عن أحمد بن حنبل، وابن ماجة.

223 - منتهى المدارك = شرح تائية ابن الفارض: لسعيد الدين محمد بن أحمد الفرغاني، المتوفى حدود سنة (700 ه).

في شرح قوله:

وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا * علي بعلم ناله بالوصية 224 - من روى حديث " غدير خم ": للحافظ أبي بكر الجعابي، محمد بن عمر بن سالم بن البراء بن سيار التميمي البغدادي، قاضي الموصل، تلميذ الحافظ ابن عقدة، وشيخ الحافظ الدارقطني، المتوفى سنة (355 ه).

ترجم له الخطيب في " تاريخ بغداد ": ج 3 / 26 - 31 ترجمة مطولة، وحكى ثناء الناس على علمه وحفظه، قال: وله تصانيف كثيرة في الأبواب والشيوخ، وحكي عن الجعابي أنه كان يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث وأذاكر ستمائة.

ص :128

حكى في ص 27 عن أبي علي الحافظ أنه قال: ولا رأيت في أصحابنا أحفظ من أبي بكر الجعابي.

وقال: قلت: حسب ابن الجعابي شهادة أبي على أنه لم ير في البغداديين أحفظ منه.

وحكى في ص 28 عن أبي علي المعدل أنه قال: ما شاهدنا أحفظ من أبي بكر ابن الجعابي، وسمعت من يقول: إنه يحفظ مائتي ألف حديث، ويجيب في مثلها، إلا إنه كان يفضل الحفاظ، فإنه كان يسوق المتون بألفاظها، وأكثر الحفاظ يتسامحون في ذلك، وإن أثبتوا المتن، وإلا ذكروا لفظة منه أو طرفا، وقالوا: وذكر الحديث، وكان يزيد عليهم بحفظ المقطوع والمرسل والحكايات والأخبار، ولعله كان يحفظ من هذا قريبا مما يحفظ من الحديث المسند الذي يتفاخر الحفاظ بحفظه، وكان إماما في المعرفة بعلل الحديث وثقات الرجال من معتليهم... قد انتهى هذا العلم إليه حتى لم يبق في زمانه من يتقدمه في الدنيا...

أخرج عنه الذهبي في رسالته في حديث الغدير في الرقم (48)، فراجع.

وللجعابي ترجمة في: أنساب السمعاني، المنتظم: 7 / 36، تذكرة الحفاظ:

3 / 925، سير أعلام النبلاء: 16 / 88، الوافي بالوفيات: 4 / 240، طبقات الحفاظ: 375.

روى فيه عن مائة وخمس وعشرين طريقا، كما في " مناقب السروي ":

ص 529.

ويأتي بالرقم 233.

ص :129

225 - منهاج السنة: قال في ج 4 / 13: إن قصة " الغدير " كانت في مرتجع رسول الله صلى الله عليه وآله من " حجة الوداع "، وقد أجمع الناس على هذا.

226 - المواقف: للقاضي عبد الرحمان بن أحمد الإيجي، المتوفى سنة (756 ه).

ذكره إرسال المسلم.

227 - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: للحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني، المتوفى سنة (926 ه).

قال: وطرق هذا الحديث كثيرة جدا، استوعبها " ابن عقدة " في كتاب مفرد له، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.

راجع: ج 2 / 13.

228 - الموجز: للفقيه أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف العجلي، المتوفى سنة (600 ه).

عن حذيفة بن أسيد، وعامر بن ليلى.

كما في " الفصول المهمة ": ص 25.

229 - الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة: عن حذيفة بن أسيد، وعن سعد بن أبي وقاص.

230 - مودة القربى: للسيد علي بن شهاب بن محمد الهمداني.

عن جبير بن مطعم بن عدي القرشي النوفلي، وعن فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وعن عمر بن الخطاب، وزيد بن أرقم.

231 - ميزان الاعتدال: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة (748 ه).

ص :130

عن علي عليه السلام، وعن عمرو ذي مر، وزيد بن أرقم.

ج 3 / 224.

232 - نثر اللآلي في شرح نظم الأمالي: للسيد عبد الحميد بن محمود الآلوسي البغدادي، المتوفى سنة (1324 ه).

عد حديث " الغدير " من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام. كما في ص (166).

وفي ص (170) تكلم في مفاده مسلما صدوره، عن مصدر الوحي الإلهي.

وفي ص (172) عين " غدير خم " وأشار إلى الحديث.

233 - نخب المناقب: لأبي بكر محمد بن عمر بن محمد بن سالم التميمي البغدادي المعروف ب " الجعابي "، المتوفى سنة (355 ه).

روى عن مائة وخمس وعشرين طريقا، كما في " ضياء العالمين ".

وتقدم بالرقم 224.

234 - نديم الفريد: لأبي علي أحمد بن محمد بن يعقوب الملقب ب " مسكويه " صاحب كتاب " تجارب الأمم "، المتوفى سنة (421 ه).

روى فيه للمأمون العباسي كتابا كتبه إلى بني هاشم، وذكر منه قوله: فلم يقم مع رسول الله صلى الله عليه وآله أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب عليه السلام - إلى أن قال -: وهو صاحب الولاية في حديث " غدير خم ".

ص :131

235 - نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار: للحافظ الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي، المتوفى بعد سنة (1126 ه).

روى بطرق كثيرة: ص 18 - 20.

وله كلمة حول صحة الحديث، وأنه رواه من الصحابة عدد كثير ص (53).

236 - نزهة المجالس: للشيخ عبد الرحمان بن عبد السلام الصفوري الشافعي:

2 / 242.

237 - نسيم الرياض في شرح الشفاء للقاضي عياض: للشيخ أحمد بن محمد بن عمر قاضي القضاة الملقب ب " شهاب الدين " الخفاجي، المتوفى سنة (1069 ه): 3 / 456.

238 - النشر والطي: رواه مرسلا.

239 - نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين عليهم السلام: لجمال الدين محمد بن يوسف الزرندي، المتوفى بضع وخمسين وسبعمائة.

240 - النهاية: لأبي السعادات مبارك بن محمد بن عبد الكريم ابن الأثير الجزري، المتوفى سنة (606 ه).

حكى عن الشافعي (محمد بن إدريس)، إلى أن قال: وقول عمر لعلي:

أصبحت مولى كل مؤمن: ج 4 / 246 / ط - المطبعة الخيرية بالقاهرة.

241 - نوادر الأصول: للحافظ الحكيم محمد بن علي الترمذي، يروي عن بعض مشايخه سنة (285 ه).

ص :132

روى حديث " الغدير " بتفصيله، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، وعن أبي الطفيل عامر بن وائلة الليثي: ج 5 / 209، و ج 7 / 348.

242 - نواقض الروافض: لميرزا مخدوم بن مير عبد الباقي الشريفي الحنفي المتعصب، المتوفى سنة (995 ه)، له كلمة في مفاده.

243 - النواقض للروافض: للسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي الشافعي، المتوفى سنة (1103 ه).

ذكر فيه صحة قوله صلى الله عليه وآله: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، وأنه روي من طرق كثيرة.

244 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار: للسيد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي الشافعي. من أعلام القرن الثالث عشر الهجري، والمولود سنة (1250 ه).

نقل أبو إسحاق الثعلبي في " تفسيره "، عن سفيان بن عيينة: ص 106 ط / مصر التي بهامشه " إسعاف الراغبين " للشيخ الصبان.

245 - هداية السعداء: للقاضي شهاب الدين أحمد بن عمر الدولت آبادي، المتوفى سنة (849 ه).

روى في " الجلوة الثانية " من " الهداية الثامنة ".

246 - هداية العقول إلى غاية السؤول: للحسين بن الإمام المنصور بالله القاسم اليمني، المتوفى سنة (1050 ه).

روى بطرق كثيرة لو أفردت تأتي رسالة.

ص :133

وفي تعليقة ص 30: إن حديث من كنت مولاه له مائة وخمسون طريقا.

247 - هداية المرتاب في فضائل الأصحاب: للسيد أحمد بن مصطفى القادين خاني.

248 - وسيلة المآل في عد مناقب الآل: للشيخ أحمد بن الفضل بن محمد باكثير المكي الشافعي، المتوفى سنة (1047 ه).

عن عدي بن حاتم، وعن سعد بن زرارة الأنصاري، وله كلام حول صحة الحديث وكلام حول مفاده.

249 - وسيلة المتعبدين: لعمر بن محمد بن خضر الأردبيلي المعروف ب " ملا ".

عن البراء بن عازب.

250 - وسيلة النجاة: للمولوي محمد مبين اللكهنوي.

ذكره بطرق شتى.

251 - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: لنور الدين علي بن عبد الله الحسني السمهودي الشافعي، المتوفى سنة (911 ه): ج 2 / 173، نقلا عن أحمد بطريقه عن البراء وزيد.

252 - الولاية في طرق حديث الغدير: لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، صاحب " التاريخ " و " التفسير " المتوفى سنة (310 ه).

روى من نيف وسبعين طريقا.

قال ياقوت الحموي في ترجمة الطبري من " معجم الأدباء ": ج 6 / 452، عند عد مؤلفاته: وكتاب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تكلم

ص :134

في أوله بصحة الأخبار الواردة في " غدير خم " ثم تلاه بالفضائل ولم يتم!.

وقال في ص (455) وهذا نص ياقوت، على أن الطبري صحح في سبب تأليفه لهذا الكتاب: وكان إذا عرف من إنسان بدعة أبعده وأطرحه، وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب " غدير خم "!!.. وبلغ أبا جعفر ذلك فابتدأ بالكلام في فضائل علي بن أبي طالب، وذكر طرق حديث " خم "، فكثر الناس لاستماع ذلك...

وذكره الذهبي في ترجمة الطبري من " تذكرة الحفاظ ": ص 713، وحكى عن الفرغاني أنه قال: ولما بلغه أن ابن أبي داود تكلم في حديث " غدير خم "! عمل كتاب " الفضائل "، وتكلم على تصحيح الحديث، ثم قال:

قلت: رأيت مجلدا من طرق هذا الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة الطرق!.

أقول: يظهر من كلام الذهبي هذا أن الكتاب في أكثر من مجلد، وإنما رأى الذهبي مجلدا منه، وكان فيه من الطرق الصحيحة كثرة هائلة بحيث أدهش حافظا مثل الذهبي! ويظهر من رسالة الذهبي في حديث " من كنت مولاه " أنه حصل فيما بعد على المجلد الثاني من كتاب الطبري، فقد جاء فيها في الحديث (61):

قال محمد بن جرير الطبري في المجلد الثاني من كتاب " غدير خم " له، وأظنه بمثل جمع هذا الكتاب نسب إلى التشيع! فقال: حدثني محمد بن حميد الرازي...

ص :135

وترى هذا الذي عنده من طرق حديث " الغدير " الكثرة الهائلة التي استغرقت مجلدين، ومجلد واحد منهما أدهش الحافظ الذهبي.

هذا الرجل، مع هذا العلم الجم، تراه في " تاريخه " يهمل هذا الحدث التاريخي العظيم! ولا يشير إلى الغدير من قريب ولا بعيد!! لأن التاريخ يكتب كما يشاؤه الحكام.

ولكن لما بلغه أن بعض مناوئيه ومنافسيه - كابن أبي داود البربهاري وأمثالهما من الحنابلة - أنكر حديث الغدير ثارت حفيظته وأظهر من علمه ما كتم ردا على منافسه! وإبانة لجهله، وليفضحه في الملأ، فروى حديث " الغدير " في هذا الكتاب في خمس وسبعين طريقا، وأضاف إليه مناقب أخرى كثيرة كان كتمها! كمناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم " الشورى "، وحديث " الطير " وأمثاله مما تجده في كتاب " شرح الأخبار " للقاضي نعمان المصري - المتوفى سنة 366 ه - وهو قريب من عصر الطبري، ولعله نثر كتابه كله في " شرح الأخبار " ولو كان نقل أحاديثه بأسانيدها لكان قد احتفظ لنا بكتاب الطبري بكامله.

ولاشتماله على فضائل كثيرة سماه ابن طاوس في ما ينقل عنه في كتاب " اليقين ": مناقب أهل البيت عليهم السلام.

ومن ناحية أخرى.. حين ألف الطبري كتابه هذا ردا على إنكار بعض الحنابلة سماه بعضهم " الرد على الحرقوصية " أي الحنابلة، نسبة إلى حرقوص بن زهير الخارجي.

وروى الذهبي في رسالته عن كتاب الطبري هذا في الأرقام: 20، 33، 41، 62، 72، 108.

ص :136

وقال ابن كثير في " البداية والنهاية "، ج 11 / 146، في ترجمة الطبري:

إني رأيت له كتابا جمع فيه أحاديث " غدير خم " في مجلدين ضخمين.

وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب ": ج 7 / 339 في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: والكلام عن حديث " الغدير ": وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلف فيه أضعاف من ذكر [أي ابن عقدة] وصححه.

253 - ينابيع المودة: للشيخ سليمان بن الشيخ إبراهيم المعروف ب " خواجة كلان " الحسيني البلخي القندوزي الحنفي، المتوفى سنة (1293 ه).

بطرق شتى، ذكر احتجاج الإمام السبط الحسن المجتبى عليه السلام، وكتاب المأمون العباسي إلى بني هاشم: ج 1 / 32، 34، 38، 40، 41، 120، 249، 482، 484. ط / بيروت - مطبعة العرفان.

ثم إن هناك عدة كتب أخرى لم نذكرها لضيق المجال روما للاختصار.

ص :137

الفصل الرابع: أجوبة المسائل الغديرية

ص :139

أخرج الملا في المجلد الخامس من " الوسيلة " فيما خص به علي عليه السلام من حديث الغدير: نادى النبي صلى الله عليه وآله: " الصلاة جامعة " وأخذ بيد علي عليه السلام وقال: " ألست بأولى من كل مؤمن من نفسه "؟ قالوا: بلى.

قال صلى الله عليه وآله: " هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، فلقيه عمر بعد ذلك وهنأه بأنه مولى كل مؤمن ومؤمنة. (1) قالوا: لفظ المولى يشتمل على العتق والنصرة وغيرها فلا تتعين ولاية المؤمنين بها.

قلنا: تالي الخبر يبني على مقدمة، وفي مقدمته ولاية النبي صلى الله عليه وآله على المؤمنين، ولأن صاحب الوسيلة ذكر ذلك فيما يختص بأمير المؤمنين عليه السلام، ولو أريد غيره لشاركه كثير من المسلمين، ولو أريد ما قالوه من

ص :141


1- (1) الصواعق المحرقة: ص 25، نقلا عن الطبراني، كنز العمال: 1 / 48 وفيه: رواه الطبراني في الكبير عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد، وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول. كنز العمال أيضا: 3 / 61 وفيه قال: عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، أسد الغابة: 3 / 92، الإصابة: 4 / 61، فيض القدير: 4 / 358، كنوز الحقائق: 92، مجمع الزوائد: 9 / 106، الرياض النضرة: 2 / 169.

نصرته لم يكن عمر ناصرا لهم بحكم تهنيته.

إن قيل: إن عليا كان له مبالغة في النصرة دون عمر وغيره فليكن الاختصاص لأجلها لا لعدم المشاركة في أصلها.

قلنا: مبالغته معلومة لكل أحد، فالنص عليها بعد ذلك في مثل الحر الشديد، وما أتى عليه من التوكيد، يجري مجرى إيضاح الواضحات، ولا شك أن ذلك من أعظم العبئات.

وقد قيل: إن ذلك الحديث من وضع ابن الراوندي ولو كان صحيحا أو صريحا لاحتج به ولما عدل عنه علي عليه السلام يوم الشورى إلى ذكر فضائله، من سبقه إلى الإسلام، وإفنائه الطغام، ومبيته على فراش خير الأنام، وتجهيزه لرسول الملك العلام، وتخصيصه بالإسهام بأنه أحب الخلق إلى الله تعالى في خبر الطائر المشوي عنه عليه السلام، إلى غير ذلك مما ذكر من صفات الإكرام.

قلنا: إنما عدل عن ذكر النص لوجهين:

1 - لو ذكره فأنكروه حكم بكفرهم حيث أنكروا متواترا.

2 - إنهم قصدوا في الشورى الأفضل فاحتج عليهم بما يوجب تقديمه في زعمهم.

قالوا: طلب العباس مبايعة علي عليه السلام دليل عدم النص.

قلنا: إنما طلبها لما جعلوها طريقا فأراد أن يسبقهم إلى بيعته بما يلتزمون بصحته.

قالوا: طلب علي بيعة أصحابه دليل على عدم نصه.

ص :142

قلنا: الخلافة حقه فله التوصل إليها بما يمكنه.

قالوا: بويع أبو بكر ولم يدع أحد لعلي عليه السلام نصا.

قلنا: جاء من وجوه ذكر البخاري والأصفهاني وغيرهما.

قالوا: طلبت الأنصار منهم أميرا ومنهم أميرا فلا نص.

قلنا: علي عليه السلام لم يحضرهم فيدعيه، بل كان مشغولا بمصيبة النبي صلى الله عليه وآله فسارع غيره إلى فرجة خلافته، وما أحسن قول بعضهم في يوم السقيفة:

حملوها يوم السقيفة أثقالا * تخف الجبال وهي ثقال ثم جاءوا من بعدها يستقيلون * وهيهات عثرة لا تقال قالوا: جهل الأول والصحب الوصية لعلي عليه السلام.

قلنا: فكيف نقلوها في صحاحهم عن النبي صلى الله عليه وآله؟ وإنما ذلك لجحودهم بعد عرفانهم كما قال تعالى في الكفار: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) * (1) والمعترفون بوجود حديث الغدير وهم الجل والجمهور كما عرفته في كتبهم طعنوا بما هو أوهن من بيت العنكبوت في دلالته لما لم يتمكنوا من الطعن في متنه.

فرواه أحمد بن حنبل في " مسنده " بطرق ثمانية: علي بن أبي طالب، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وشعبة، وأبي الطفيل، وبريدة، والفضل، وعبد الله بن الصقر.

ص :143


1- (1) سورة النمل: 14.

ورواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في " مسنده " بطرق ثمانية أيضا: رباح، وزاذان، وابن أرقم، بطريقين، وسعيد بن وهب، وشعبة، والبراء، وعبد الرزاق.

وأورده أحمد بن عبد ربه في الجزء التاسع والعشرين من كتاب " العقد "، وأورده مسلم في الجزء الرابع من " صحيحه " على حد ثمان قوائم من أوله، وذكره الثعلبي في مواضع من " تفسيره " وذكره رزين العبدري في الجزء الثالث من " الجمع بين الصحاح الستة " وفي " سنن " أبي داود السجستاني و " صحيح " الترمذي.

ورواه في " المناقب " في اثني عشر طريقا الفقيه الشافعي علي بن المغازلي وقال: حديث صحيح رواه مائة نفس، وهو ثابت لا أعرف له علة تفرد علي عليه السلام بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد. هذا آخر كلامه.

وأسنده في كتاب " الخصائص " محمد بن علي النطنزي الذي قال فيه محمد بن النجار: إنه نادرة الفلك وكان أوحد زمانه. ورواه ابن إسحاق، وابن مردويه، وابن أبي شيبة، وابن الجعد، وشعبة، والأعمش، وابن عباس، وابن الفلاح، وابن البيع، وابن ماجة، والبلاذري، والأصفهاني، والدارقطني، والمروزي، والباقلاني، والجويني، والخرگوشي، والسمعاني، والشعبي، والزهري، والأقيلشي، والجعابي، واللالكاني، وشريك القاضي، والنسائي، والموصلي من عدة طرق، وابن بطة من ثلاثة وعشرين طريقا، وصنف فيه المهلبي كتابا، وابن سعيد كتابا، والشجري كتابا، والرازي كتابا، وهؤلاء كلهم من أهل المذاهب الأربعة.

وأما غيرهم فجماعة كثيرة أيضا، منهم: ابن عقدة أورده من مائة وخمسين طريقا وأفرد له كتابا، وأبو جعفر الطوسي من مائة وخمسة وعشرين

ص :144

طريقا، ورواه صاحب " الكافي " عن الجعابي في كتابه " نخب المناقب " برواة عدتهم سبعة وثمانون نفسا.

ومنهم الشيخ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فقد أورده من نيف وسبعين طريقا وأفرد له كتابا سماه كتاب " الولاية ".

منها: بإسناده إلى زيد بن أرقم: لما نزل النبي صلى الله عليه وآله بغدير خم في حر شديد أمر بالدوحات فقممت ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمعنا، فخطب خطبة بالغة، ثم قال: إن الله تعالى أنزل إلي: * (بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (1) وقد أمرني جبرائيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام بعدي.

فسألت جبرائيل أن يستعفيني من ربي لعلمي بقلة المتقين، وكثرة المؤذين لي واللائمين، لكثرة ملازمتي لعلي وشدة إقبالي عليه، حتى سموني أذنا، فقال تعالى فيهم: * (الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم) * (2) ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت، ولكني بسترهم قد تكرمت، فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه.

فاعلموا معاشر الناس ذلك فإن الله قد نصبه لكم إماما وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا وأطيعوا فإن الله مولاكم وعلي إمامكم ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة لا حلال إلا ما حلله الله وهم، ولا حرام إلا ما حرمه الله وهم، فصلوه فما

ص :145


1- (1) سورة المائدة: 67.
2- (2) سورة التوبة: 61.

من علم إلا وقد أحصاه الله في ونقلته إليه.

لا تضلوا عنه، ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر له، حتم على الله أن يفعل ذلك، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق ملعون من خالفه.

قولي عن جبرائيل عن الله: * (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) * (1) افهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسر لكم ذلك إلا من أنا آخذ بيده، شائل بعضده، ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت.

إن الله قال، وأنا قلت عنه: لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره، ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبته صلى الله عليه وآله وقال:

" معاشر الناس، هذا أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي، اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (2) بإمامته فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة * (أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) * (3) إن إبليس أخرج آدم من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم، وتزل أقدامكم، في علي نزلت سورة * (والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) * (4).

ص :146


1- (1) سورة الحشر: 18.
2- (2) سورة المائدة: 3.
3- (3) سورة التوبة: 71.
4- (4) سورة العصر: 1 - 3.

معاشر الناس، آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت، النور من الله في، ثم في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي.

معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وإن الله وأنا بريئان منهم، إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان، ويرسل عليكما شواظ من نار، ونحاس فلا تنتصران.

معاشر الناس، عدونا كل من ذمه الله ولعنه، وولينا كل من أحبه الله ومدحه ".

ثم ذكر صلى الله عليه وآله الأئمة من ولده، وذكر قائمهم، وبسط يده وأوصاهم بشعائر الإسلام، ودعاهم إلى مصافقة البيعة للإمام، وقال: " إن ذلك بأمر الملك العلام ".

" معاشر الناس، قولوا: أعطيناك على ذلك عهدا من أنفسنا وميثاقا بألسنتنا وصفقة بأيدينا نؤديه إلى من رأينا وولدنا، لا نبغي بذلك بدلا وأنت شهيد علينا، وكفى بالله شهيدا.

قولوا ما قلت لكم، وسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وقولوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فإن الله يعلم كل صوت، وخائنة كل عين، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما.

قولوا ما يرضي الله عنكم، وإن تكفروا فإن الله غني عنكم ".

ص :147

فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم، سمعنا وأطعنا على ما أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أول من صافق النبي صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام، أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين وباقي الناس إلى أن صلى الظهرين في وقت واحد، وامتد ذلك إلى أن صلى العشاءين في وقت واحد، واتصل ذلك ثلاثا.

وبالجملة فهذا أمر لشهرته لا يحتاج الولي إلى إثباته لمن جحد، ولا يستطيع المولي نفيه وإن جهد، وقد فهم كل من حضر ذلك المشهد السني، ما أراده النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام فلا يخرجه إلى التأويل سوى الغبي الغوي.

وفي رواية ابن مردويه - وهو من أعيانهم -: إنهما لم يفترقا حتى نزلت * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * (1) الآية فقال النبي صلى الله عليه وآله: " الله أكبر على كمال الدين وتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي بن أبي طالب ". وروى نزولها فيه أبو نعيم أيضا.

قالوا: لو دل على الإمامة لكان إماما في حياة النبي صلى الله عليه وآله لإطلاق الخبر، ولعموم ولاية النبي صلى الله عليه وآله جميع الأوقات، فكذا هنا.

قلنا: الإطلاق لا يقتضي العموم، وقد قال تعالى: * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * (2) وذلك في بعض الأحوال وبعض الأزمان، وقد علم كل أحد أن الخليفة لا يكون حال حياة من نصبه، بل بعد ذلك، فلم يجب تصرفه في حياته بالأمر والنهي.

ص :148


1- (1) سورة المائدة: 3.
2- (2) سورة التوبة: 71.

إن قيل: فإذا خرج عن عمومه حال الحياة، فليخرج ما بعدها إلى آخر ولاية عثمان.

قلنا: إنما أخرجنا من العموم حياة الموصي للعرف، أما بعدها فلا رافع للعموم.

إن قيل: لولا ثبوت عموم الولاية لبطل قول عمر: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

قلنا: التهنية في الحال تقتضي ثبوت الاستحقاق في الحال لا ثبوت الأمر والنهي في الحال.

وقد استأذن حسان بن ثابت في ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول فيه، فأذن له، فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالنبي مناديا فقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت نبينا * ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا وقد أسند ذلك إلى حسان سبط ابن الجوزي في " الخصائص " والفقيه حميد في " المحاسن ".

ص :149

قالوا: ذلك لواقعة زيد بن حارثة (1) حين قال له علي عليه السلام:

ص :150


1- (1) أخرج الطبري في " المسترشد " أن جماعة من الصحابة كرهوا تأمير أسامة، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك، فخطب وأوصى به، ثم دخل بيته وجاء المسلمون يودعونه ويلحقون بأسامة، وفيهم أبو بكر وعمر، والنبي صلى الله عليه وآله يقول: " أنفذوا جيش أسامة " فلما بلغ الجرف بعثت أم أسامة وهي أم أيمن أن النبي صلى الله عليه وآله يموت، فاضطرب القوم وامتنعوا عليه، ولم ينفذوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله ثم بايعوا لأبي بكر قبل دفنه فادعى القوم أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة. فحدث الواقدي، عن ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان فيهم أبو بكر، وحدث أيضا مثله، عن محمد بن عبد الله بن عمر، وذكره البلاذري في تاريخه، والزهري، وهلال بن عامر، ومحمد بن إسحاق، وجابر، عن الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام، ومحمد بن أسامة، عن أبيه، ونقلت الرواة أنهما كانا في حالة خلافتهما يسلمان على أسامة بالإمرة. وفي كتاب " العقد الفريد ": اختصم أسامة وابن عثمان في حائط فافتخر ابن عثمان، فقال أسامة: أنا أمير على أبيك وصاحبيه، فإياي تفاخر؟ ولما بعث أبو بكر إلى أسامة أنه خليفة، قال: أنا ومن معي ما وليناك أمرنا، ولم يعزلني رسول الله صلى الله عليه وآله عنكما، وأنت وصاحبك بغير إذني رجعتما، وما خفي على النبي صلى الله عليه وآله موضع وقد ولى عليكما، ولم يولكما. فهم الأول أن يخلع نفسه فنهاه الثاني، فرجع أسامة ووقف بباب المسجد وصاح: يا معاشر المسلمين، عجبا لرجل استعملني عليه فتأمر علي وعزلني. ولو فرض أنهما لم يكونا فيه، أليس قد عطلاه بعدم تنفيذه، وعصيا أمر النبي صلى الله عليه وآله بتنفيذه؟ قال الحميري: أسامة عبد بني هاشم * ومولى عتيق ومولى زفر لقد فضل الله ذاك ابن زيد * بفضل الولاء له إذ شكر على زفر وعتيق كما * رواه لنا فيهما من حضر ولو كان دونهما لم يكن * ليرجع فوقهما في الخبر فصيره لهما قائدا * فقالا له: قد سئمنا السفر وقال عتيق: ألا يا زفر * يكلفنا الغزو بعد الكبر فولا وماتا جميعا ولم * يطيعا أسامة فيما أمر وأنشأ الناشي، والعوني، وابن الحجاج، وديك الجن، والنمري والجزري أشعارهم في ذلك. إن قيل: لو كانا فيها ورجعا لأنكروا عليهما. قلنا: كان الحال وهو موت النبي صلى الله عليه وآله يمنع الإنكار عليهما أو لم يعرف الكل الأمر بالكون فيه، أو جوزوا أن أسامة ردهما أو عاند بعض لغرضه في رجوعهما. قال الجاحظ في الرسالة العثمانية ص 169: لو جهد أحد على حديث أن أبا بكر كان في جيش أسامة لم يجده. قلنا: ذكره منهم من لا يتهم عن البلاذري، وأسند أبو بكر الجوهري في كتاب " السقيفة ": أن أبا بكر وعمر كانا فيه - وقد سلف -. قالوا: خطابه بالتنفيذ إنما هو لأسامة، لأنه الأمير. قلنا: الأمر الفوري بالإنفاذ يتضمن الأمر بخروج كل شخص إذ لا يتم الجيش بدونه على أن لفظة " أنفذوا " تدل على الجميع. قالوا: الأمر بالتنفيذ لا بد من شرطه بالمصلحة. قلنا: إطلاق الأمر يمتنع من هذا الشرط، ولو كان كذلك لسرى في جميع أوامر الله، فإنها تابعة للمصلحة لأنها لا تفعل بشئ يحضر المصلحة. إن قالوا: حروبه عليه السلام بالاجتهاد فجازت مخالفتها لمصلحة. قلنا: لا، فإن أعظم تعلقها بالدين، ولو جاز الاجتهاد فيها جاز في الأحكام كلها فساغت المخالفة في جميعها. قالوا: ترك علي المحاربة لمصلحة مع أمر الله بها. قلنا: إنما ترك لفقد القدرة، أما الخروج في الجيش فقد كان فيه قدرة. إن قالوا: رجع ليختاره النبي صلى الله عليه وآله للإمامة. قلنا: خروجه لا يمنع النبي من اختياره، وأيضا فلم لم يخرج بعد البيعة له وقد زعمتم أن النبي صلى الله عليه وآله أمره بالصلاة كيف ذلك وقد كان بروايتكم في جيش أسامة، وقد علم النبي صلى الله عليه وآله موت نفسه ونعاها قبل ذلك بشهر، كما رواه الواقدي، عن عبد الواحد بن أبي عون، فكذلك أخرج أبو بكر ومن خافه على تبديل أمره في جيش أسامة. وقد ذكر أبو هاشم المغربي في كتابه الذي سماه " الجامع الصغير ": أن أبا بكر استرجع عمر من جيش أسامة وقد كان في أصحابه.

تنازعني وأنا مولاك! فشكى زيد ذلك إلى النبي، فقال صلى الله عليه وآله: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

ص :151

قلنا: مات زيد قبل الغدير بسنتين كما أخرجه في " جامع الأصول " فلما لزمتهم بذلك الفضيحة إلى القيامة، نقلوا واقعة زيد إلى أسامة، وللقرينة الحالية من النزول في الهاجرة، وإقامة الرحال، والمقالية من الخطبة والتحريص وإثبات الولاية لنفسه أولى بمنع ذلك الاحتمال.

وحكى سبط ابن الجوزي في الباب الثالث من كتاب " خواص الأئمة " عن كتاب " سر العالمين " للغزالي حين أورد الغزالي حديث الغدير وبخ بخ عمر قال: هذا رضى وتسليم، وولاية وتحكيم، وبعد ذلك غلب الهوى، وحب الرئاسة، وعقود البنود، وازدحام الجنود، فحملهم على الخلاف، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون (انتهى كلامه) وفيه تبصرة لذي بصيرة.

على أنه لو كان المراد واقعة زيد لم يحتج علي عليه السلام في الشورى بخبر الغدير من جملة فضائله (1) بل كانوا قالوا: وأي فضيلة لك في ذلك؟ وإنما هو لكذا وكذا، ولأن تهنئة عمر تبطل ذلك، ولو سلم أن السبب ذلك لكن جاز أن يعم كغيره من الآيات التي نزلت على أسباب ثم عمت.

إن قيل: فإذا كان معنى " مولى " فرض الطاعة فأطلقوه على الأب والمستأجر؟ قلنا: لا مانع منه لغة لولا أغلبية الاستعمال عرفا، فإن الوالد أولى بتدبير ابنه، والمستأجر أولى باستعمال أجيره.

ص :152


1- (1) وذكر القصة في مناظرة علي عليه السلام أصحاب " الشورى " وهي جميلة جدا، في إسناد مرفوع أخطب خطباء خوارزم في " مناقبه " ص 221.

قال الجاحظ: " من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فعلي وليه " شركه فيه سعد بن معاذ.

قلنا: هذا خلاف الإجماع، إذ لم يسغ لبشر أن يقول: كل ما كان الرسول أولى به فسعد أولى به، وإن أريد النصرة فلا يصح أن يقال: كل من كان النبي ناصره فسعد ناصره.

اعترض المخالف بمنع صحة الحديث ودعوى العلم الضروري به ممنوعة لمخالفتنا.

قلنا: قد شرط المرتضى في قبول الضروري عدم سبق شبهة تمنع من اعتقاده وهو حق فإن اعتقاد أحد الضدين يمنع من اعتقاد الآخر، والمخالف تمكنت في قلبه الشبهة فمنعته من ذلك.

قالوا: نجد الفرق بينه وبين الوقائع العظام.

قلنا: يجوز التفاوت في الضروريات.

قالوا: لم ينقله مسلم والبخاري والواقدي.

قلنا: عدم نقلهم لا يدل على بطلانه، ولو نقلت الرواة كل خبر لم يختلفوا في خبر أصلا.

قالوا: لم يكن علي حاضرا يوم الغدير، بل كان في اليمن. (1)

ص :153


1- (1) ومنهم النبهاني واقتدى به الجيهان الوهابي. أقول: هذا يدل على غزارة علمهما وكثرة اطلاعهما بالتاريخ! ويا ليت إنهما يذكران اسم المؤرخ الذي ذكر أن عليا عليه السلام كان يوم الغدير في اليمن، والتاريخ يحدثنا أن عليا عليه السلام لقي رسول الله صلى الله عليه وآله محرما فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " حل كما حل أصحابك، فقال عليه السلام: إني قد هللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وآله ". فبقي على إحرامه ونحر رسول الله صلى الله عليه وآله عنه وعن علي عليه السلام. وقال المؤرخون وأصحاب السير: وأما الذين حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فكانوا أكثر من مائة وأربعة وعشرين ألف كالمقيمين في مكة والذين أتوا من اليمن مع علي عليه السلام وأبي موسى. راجع: الكامل لابن الأثير: 2 / 206، السيرة الحلبية: 3 / 283، سيرة زيني دحلان: 3 / 3، تاريخ الخلفاء لابن الجوزي - الجزء الرابع -، تذكرة الخواص: 18، دائرة المعارف لفريد وجدي: 3 / 542، هامش الغدير: 1 / 9.

قلنا: نقل حضوره كل من نقل الخبر ويعضده شعر حسان وبخبخة عمر.

قالوا: فنحن نقلنا تواتر فضائل الشيخين.

قلنا: لا يلزم من ذكر الفضيلة فيهما ليستميلهما ثبوت إمامتهما كما ذكر فضائل غيرهما.

قالوا: نقلنا أخبارا في خلافتهما.

قلنا: نجزم بردها لمناقضتها ما تواتر لعلي عليه السلام وامتناع التناقض في حديث النبي صلى الله عليه وآله.

إن قالوا: ليس الحكم بثبوت نقيضكم وحذف نقيضنا أولى من العكس.

قلنا: نحن وأنتم نقلنا نقيضا فما وقع فيه الخلف أولى بالحذف.

قالوا: لم يكن لكم كثرة تفيد التواتر ابتداء.

قلنا: لا نسلم عدمها، على أنكم شاركتمونا فيها وليس كل مقبول مشروط

ص :154

بالكثرة كالمحتف بالقرائن.

قالوا: وليس لكم أن تسندوا صحة هذا الخبر إلى الإجماع لاعتبار الإمام فيه عندكم، فلو أثبتم الإمام فيه عندكم لزم الدور.

قلنا: هو من المتلقى بالقبول الموجب للجزم به، ونقله المخالف مع شدة معاندته، فالإجماع معتبر به فيما بعد ثبوته.

قالوا: يجوز أن يعلم الإمام كذبه ويكتمه للخوف من إظهاره.

قلنا: مرادنا بالإجماع إطباق الخلق عليه وقد وقع فعلمت صحته، ولأنه إن كان الحق كذبه فلا خوف على الإمام في إظهاره لموافقته طبع الجمهور المنكرين له إذا كان يريحهم من التعسف في تأويله.

قالوا: قلتم احتج به في المناشدة ولا نعلم صحة ذلك.

قلنا: علمت بالضرورة كما علم أصل الخبر.

قالوا: يجوز أن لا تصل المناشدة به إلى كل الصحابة، ولو وصلت لأنكره كلهم أو بعضهم.

قلنا: لا يشك في حضور المعتبرين من الصحابة يوم الشورى، وإذا لم ينكره أحدهم مع طمعهم في الإمرة فبالأولى أن لا ينكره غيرهم.

قالوا: قد يحصل الإنكار ولم ينقل.

قلنا: هو من الوقائع العظام فتتوفر الدواعي إلى نقلها لو وقعت.

قالوا: يجوز منهم ترك الإنكار تقية.

قلنا: لا يتصور خوف الأمير من قوم قليلين، وأراهم ما خافوا عند سلبه

ص :155

لمنصبه، مع اطلاعهم على موجبه.

قالوا: قلتم: مقدمة الخبر وهي " ألست أولى منكم بأنفسكم؟ " تدل على الإمامة في تاليه، فنحن نمنع وصول المقدمة.

قلنا: كل من نقله نقلها.

قالوا: لم يذكرها علي عليه السلام في الشورى.

قلنا: لا نسلمه، وعدم نقلها عنه لا يدل على عدمها منه، ولجواز تركها للغناء عنها.

قالوا: ولو قالها فلا دلالة فيها على بناء تاليه عليها، لحسن التوكيد والاستفهام بعدها، فإن من قال عند جماعة: عبدي زيد حر، حسن الاستفهام منهم أن يقولوا وقت إشهادهم: أي عبيدك تريد؟ وحسن منه أن يقول: عبدي الذي هو زيد.

قلنا: نمنع حسن الاستفهام إلا للغافل، ونمنع حسن التوكيد لامتناع فهم غير المذكور.

قالوا: لا يدل لفظة " مولى " على " أولى " لأن مفعل موضوعة لغة للحدث وأفعل موضوعة للتفضيل.

قلنا: إن مفعل مع وضعها للحدث لا تنفي غيرها، وإلا لما أطلقت على باقي معاني مولى كالمعتق وغيره، وقد أجمع أهل اللغة على اشتراكها فيها، ولو وضعت مفعل للحدث لغة لا يمتنع وضعها للتفضيل عرفا.

على أن المبرد والفراء وابن الأنباري وغيرهم ذكروا أنها بمعنى أفعل

ص :156

التفضيل.

قالوا: لم يذكرها الخليل وأضرابه بمعنى أفعل التفضيل.

قلنا: لا نسلم عدم ذكره، وعدم وجدانكم لا يدل على عدمه.

قالوا: الأصل عدمه.

قلنا: فلا يلزم من عدمه بطلان نقل غيره، لجواز التسهل في تركه، والاكتفاء بنقل غيره، أو تركه لشهرته، على أنه لو صرح بإنكاره لم يبطل لكونه شهادة على نفي فكيف مع سكوته؟! قالوا: من ذكره من أهل اللغة في التفسير ذكره مرسلا لم يسند إلى أصل.

قلنا: اكتفوا بإرساله لظهور الرواية.

قالوا: لو كان " مولى " بمعنى " أولى " لصح أن يقترن بإحداهما ما يقترن بالأخرى، وليس كذلك، إذ لا يقال مولى من فلان كما يقال أولى منه.

قلنا: لا نسلم أن كل لفظة ترادف الأخرى، يصح أن يقترن بها ما يقترن بالأخرى، فإن صحة الاقتران من عوارض الألفاظ لا من لوازمها، فإن الأوتاد والجبال مترادفة، ويقال: ضربت الوتد وسرت في الجبل دون العكس فيهما.

قالوا: أهل اللغة قسمان: قسم حملها على معنى القرب كما يقال: فلان يلي كذا، أي قريب منه، وقسم حملها على جميع معانيها فمن قال بحملها على معنى واحد منها، وهو ولاية النصرة خرق الإجماع.

قلنا: لا نسلم الحصر في القسمين، فإن منهم من جعلها للقدر المشترك،

ص :157

على أنا لا نسلم إجماع القسمين على ذلك، ومعنى القرب غير مراد هنا وإلا كسر لام المولى، على أنه وإن احتمله، فما حملناه عليه وهو الإمارة أكثر فائدة ترجح.

قالوا: إن دلت مقدمته على أولوية التصرف، دلت مؤخرته على النصرة في قوله صلى الله عليه وآله: " وانصر من نصره ".

قلنا: لا يتبادر إلى الذهن إلا ولاية التصرف فإنه غير لائق إلا بسلطان له أولياء وأعداء وخذال وأنصار.

قالوا: قد كان الغدير بعد عام الفتح فأراد النبي صلى الله عليه وآله أن يبين به لمن هو قريب الإسلام عظم منزلة علي عليه السلام ليذهب ما في نفوسهم من الحقد له، لقتله أقاربهم.

قلنا: لم يشك أحد من المسلمين وغيرهم في عظيم منزلته من رسوله، لقيام الدين بسيفه دون غيره، فلم يحسن من النبي صلى الله عليه وآله - مع شدة الحر - تعريف ما يعترف كل أحد به.

قالوا: إمامته عندكم ثابتة بالنص الجلي فلا فائدة بعده بالنص الخفي.

قلنا: لم يكن النص الجلي بمثل هذا الجمع العظيم، فقصد النبي صلى الله عليه وآله شهرته لقرب وفاته منه، فصار إظهاره مضيقا عليه، لمسيس الحاجة إليه.

قالوا: في القرآن لفظة " أولى " لغير الولاية * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) * (1). وفي العرف التلامذة أولى بالأستاذ، والرعية أولى بالسلطان.

ص :158


1- (1) سورة آل عمران: 68.

قلنا: ذلك لا ينافي ما قلناه، إذ معناه الذين اتبعوا إبراهيم أولى بالتصرف في خدمته دون غيرهم، وكذا الآخران.

وبالجملة فاللفظة لا تحتمل غير ما فهم منها الحاضرون، ولو تركت هذه الاعتراضات، وخلي العاقل عن النظر فيها، لم يفهم سوى ما ذكرناه، والماء الصافي إذا خضخض في منبعه تكدر، وإذا ترك صفا، فكذا في هذه ونحوها وبالله العصمة من ذلك، وهذه الوجوه وإن تكررت ألفاظها فإنما هي للاستيناس بها.

قالوا: إن الإمامة إن كانت ركنا في الدين، فقد أخل الله ورسوله بها قبل يوم الغدير، إذ فيه أنزل: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (1) ولزم أن من مات قبل ذلك، لم يكن مؤمنا لفوات ركن من إيمانه، وفيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإن لم تكن ركنا لم يضر تركها.

قلنا: هي ركن من بعد موت النبي صلى الله عليه وآله لقيامه مقامه، فلا تأخير عن الحاجة، ولا شك أن دين النبي صلى الله عليه وآله إنما تكمل تدريجا بحسب الحوادث، أو أنه كمل قبل فرض التكليف، والميتون قبل الغدير كمل الدين لهم بالنبي صلى الله عليه وآله، والخطاب للحاضرين، وليس فيه تكميل الدين لغيرهم، على أن النبي صلى الله عليه وآله نص على علي عليه السلام في مواضع شتى في مبدأ الأمر.

قد سلف أن لفظة مولى مرادفة للأولى، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال:

" ألست أولى؟ " ثم قال: " فمن كنت مولاه فعلي له مولى " وقال الله تعالى:

ص :159


1- (1) سورة المائدة: 3.

* (مأواكم النار هي مولاكم) * (1).

وذكر ذلك أبو عبيدة وابن قتيبة في قول لبيد: " مولى المخافة خلفها وأمامها "، والأخطل في قوله: " فأصبحت مولاها من الناس كلهم " وذكر ذلك القول في كتاب " معاني القرآن " وابن الأنباري في كتاب " مشكل القرآن ".

وقد روي أن ابن مسعود قرأ: * (إنما وليكم الله ورسوله) * (2) وقد فهم كل من حضر أن المراد بالمولى الإمامة، ولو أراد غيرها لها لما أقرهم النبي صلى الله عليه وآله عليها إذ نوهوا في أشعارهم بها، وكذا القيام في ذلك الحر الشديد، والتهنئة والبخبخة وقد استعفى النبي صلى الله عليه وآله ثلاثا فلم يعفه، وخاف أن يقتله الناس، فبشره بالعصمة منهم.

إن قيل: كيف يستعفي وهو لا ينطق عن الهوى، فكأن الله أمره بشئ وأمره بالاستعفاء منه.

قلنا: لا محال في ذلك، وتكون الفائدة فهم الحاضرين شدة التأكيد من الرب المجيد، ليعلمهم أنه لا بدل له ولا عنه محيد، ويماثله ما فعله النبي صلى الله عليه وآله من إرساله لأبي بكر بسورة " براءة " وذلك بأمر الله تعالى لعموم الآية ثم أمره الله بعزله (3) لينبه على عدم صلاحه، ولو لم يبعثه أولا لم يكن فيه من

ص :160


1- (1) سورة الحديد: 15.
2- (2) سورة المائدة: 55.
3- (3) عزل أبو بكر عن أداء سورة براءة ورجع حزينا قائلا للنبي صلى الله عليه وآله: هل نزل في شئ؟ فقال صلى الله عليه وآله: " لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني ". تذكرة خواص الأمة: 43، تاريخ الطبري: 2 / 382، ابن الأثير في الكامل: ج 2، وابن هشام في " السيرة "، وذكرها المسعودي في كتابيه " مروج الذهب " و " التنبيه والاشراف " والمحب الطبري في " ذخائر العقبى " من عدة طرق. وقد تعرض لهذه الحادثة ابن شهرآشوب في " مناقب آل أبي طالب ": 1 / 391 - 393 في فصل " الاستنابة والولاية " - آخر الجزء الأول وذكر الكثير من المصادر التي ذكرتها وقال: بإجماع المفسرين ونقلة الأخبار، وذكر الطبري والبلاذري والترمذي والواقدي والشعبي والسدي والثعلبي والواحدي والقرطبي والقشيري والسمعاني وأحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن إسحاق وأبو يعلى الموصلي والأعمش بإسنادهم إلى عدة من الصحابة.

التأكيد، ما كان في بعثه وعزله، وأما لفظ " ألست " فهي للتقرير والايجاب، منه:

ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح وفي الغدير نصب موسى يوشع، وعيسى شمعون، وسليمان آصف، فأمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله أن ينصب فيه عليا، وهذا يسقط كل ما يهولون به من أنه أراد غير معنى الإمامة.

وبالجملة لو أمكن إنكار هذا الحديث، لم يعلم صحة أي حديث، وقد روي أن يوم الغدير شهد فيه لعلي عليه السلام ستون ألفا، وقيل: ستة وثمانون ألفا من الأمصار والقبائل المتفرقات، وإذا بلغ الخبر دون هذا انتظم في سلك المتواترات، فالمرتاب فيه ممن طبع على فؤاده، جزاء لانحرافه عن الحق وعناده.

وقد ذكر الرازي والقزويني والنيشابوري والطبرسي والطوسي وأبو نعيم أنه لما شاع ذلك في البلاد، أتى الحارث إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله، هذا شئ منك أم من الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: " إنه من أمر الله تعالى " فولى يريد راحلته، فقال حينئذ: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا

ص :161

بعذاب أليم، فرماه الله تعالى بحجر على هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل الله تعالى حينئذ: * (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع) * (1).

قال الجوزي لأبي هارون الخارجي: أمروا الناس بخمسة فعملوا بأربع:

الصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، وتركوا الخامسة وهي الولاية لعلي.

قال الخارجي: وإنها لمفترضة؟ قال: نعم.

قال الخارجي: فقد كفر الناس إذا.

قال: فما ذنبي أنا؟

ص :162


1- (1) سورة المعارج: 2.

الفصل الخامس: رواة حديث الغدير من الصحابة

اشارة

ص :163

يتجاوز عدد رواة حديث الغدير المائة وعشرين ألفا... وذلك طبيعي جدا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المسلمين قد التزموا بقول النبي صلى الله عليه وآله: " ألا فليبلغ الشاهد الغائب "، ثم إن هذه الوقعة كانت أهم حوادث سفر الحج في تلك السنة... ومن الطبيعي جدا أن يكثر نقلها والتحدث بها...

ولأهميتها الخاصة كانت تثار بين الحين والآخر... أي أنها لم تكن كسائر الحوادث العادية يدور حولها الكلام لمدة ثم يطويها النسيان...

ذات يوم وبعد مرور خمس وعشرين سنة على هذه الحادثة العظيمة - أي في الوقت الذي كان قد توفي فيه كثير من الصحابة ولم يبق منهم إلا قلة - طلب علي عليه السلام في مسجد الكوفة ممن سمع حديث الغدير من النبي صلى الله عليه وآله أن يذكره... فنهض من بين الجالسين ثلاثون نفرا ونقلوا الحديث (1).

وقبل هلاك معاوية بسنتين أي سنة (58 ه) أو (59 ه) جمع الإمام الحسين عليه السلام في منى بني هاشم والأنصار وسائر الحجاج، وقال في جملة ما قال: " أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله نصبه - أي عليا عليه السلام - يوم غدير خم، فنادى له بالولاية، وقال: ليبلغ الشاهد

ص :165


1- (1) مسند أحمد بن حنبل: 4 / 370.

الغائب "؟ قالوا: اللهم نعم (1).

وقد أورد علماء أهل السنة في كتبهم أسماء مائة وعشرة من الصحابة سمعوا حديث الغدير ونقلوه... بالإضافة إلى أن عدة من العلماء المعروفين من السنة أيضا - ألفوا كتبا خاصة بهذا الحديث الشريف (2).

وفيما يلي أسماء من روى حديث الغدير.

1 - أبو برزة الأسلمي:

نضلة بن عبيد بن الحارث، صحابي مشهور بكنيته، واختلف في اسمه، فقيل: نضلة بن عبيد الله بن الحارث، وقيل: عبد الله بن نضلة، وقيل: سلمة بن عبيد، والصحيح الأول.

أسلم أبو برزة قبل الفتح، وشهد الفتح، وغزى سبع غزوات، ثم نزل البصرة وغزى خراسان ومات بها سنة (65 ه) على الصحيح، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وأصفيائه، وهو القائل في أمير المؤمنين عليه السلام:

كفى بعلي قائدا لذوي النهى * وحرزا من المكروه والحدثان نروح إليه إن ألمت ملمة * علينا ونرضى قوله ببيان يبين إخفاء النفوس التي لها * من الهلك والوسواس هاجستان أخرج الحديث عنه بطريقه ابن عقدة في " حديث الولاية ".

ص :166


1- (1) الغدير: 1 / 198 - 199.
2- (2) البداية والنهاية: 5 / 208.

2 - أبو بكر بن أبي قحافة:

ذكر المؤرخون وأصحاب السير من غير الشيعة أن اسمه عبد الله بن عثمان أبي قحافة بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وقيل: كان اسمه عبد رب الكعبة فسماه النبي صلى الله عليه وآله عبد الله، وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب، ومات بالمدينة وله ثلاث وستون سنة، وقيل: خمس وستون، ومولده بمكة بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر، ومدة خلافته سنتان وأربعة أشهر.

وكان في الإسلام خياطا، وفي الجاهلية معلم الصبيان، وكان أبوه سئ الحال ضعيفا، وكان كسبه أكثر عمره من صيد القماري والدباسي، ولما عمي وعجز ابنه عن القيام به التجأ إلى عبد الله بن جدعان من رؤساء مكة فنصبه ينادي على مائدته.

وفي " الصواعق المحرقة ": أن أبا قحافة لما سمع بولاية ابنه، قال: هل رضي بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: اللهم لا واضع لما رفعت، ولا رافع لما وضعت (1).

أرسل خالد بن الوليد إلى بني حنيفة فقتل وسبي ونهب، ونكح امرأة رئيسهم مالك من ليلته بغير عدة حتى أنكر عمر قتالهم، وحبس ما قسم لهم من مالهم، فلما صار الأمر له رده عليهم، ورد ما وجد عند غيره منهم، فالخطأ لأحدهما لازم بالعقل الجازم، واحتج لقتالهم بمنع زكاتهم، مع أنهم لم يستحلوا منعا حتى يلزم ارتدادهم وإنما قالوا: حضرنا النص من النبي صلى الله عليه وآله

ص :167


1- (1) الصواعق المحرقة: 7، شرح نهج البلاغة: 1 / 52.

بغدير خم على علي عليه السلام ولا نؤدي صدقاتنا إلى دعي، وهب أن الرجال منعوا الصدقات فما ذنب النساء المسلمات حتى يبعن ويوطأن؟ ومنعه فاطمة عليها السلام قريتين من قرى خيبر نحلهما رسول الله صلى الله عليه وآله لها وقد ادعتها مع عصمتها في آية التطهير، وروي: أنها كانت في يدها فأخرج عمالها منها.

وروى مسلم في " صحيحه ": أنه لما بعثت فاطمة تطلب إرثها وحقها في فدك وفي خمس خيبر لم يعطها شيئا، وأقسم أن لا يغير شيئا من صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد غير ذلك وحنث في يمينه.

وقد ذكر الطبري في " تاريخه "، والبلاذري في " أنساب الأشراف "، والسمعاني في " الفضائل " (1) وأبو عبيدة في قوله على المنبر حين بويع:

" أقيلوني لست بخيركم وعلي فيكم "، وهذا يدل على أنه ليس خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلا فمن يقيله مع إنفاذ كتبه بذلك إلى الآفاق والولاة، حتى روي أن أباه نقض عليه ما أملاه، وكان الواجب أن يكتب " من خليفة عمر " لأنه أول من بايعه وتولاه، وفي قوله: لست بخيركم، تكذيب لما رووه من قول النبي صلى الله عليه وآله: " ما طلعت الشمس وما غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر "، فكان يحسن منه تكذيب النبي صلى الله عليه وآله.

ص :168


1- (1) ورواه في الصواعق المحرقة: 30، ولفظه: أقيلوني أقيلوني لست بخيركم، وفي الإمامة والسياسة: 1 / 22: لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي.

3 - أبو جحيفة السوائي:

واسمه وهب بن عبد الله من بني سواءة بن عامر بن صعصعة، توفي بالكوفة في ولاية بشر بن مروان سنة (74 ه)، وقيل: تأخر إلى ما بعد الثمانين (1).

4 - أبو الحمراء مولى وخادم النبي صلى الله عليه وآله:

اسمه هلال بن الحارث، وقيل: ابن ظفر، وأصله فارسي، وعده بعضهم في الأحرار من خدامه.

قال أبو عمرو بن عبد البر في " الاستيعاب ": حديثه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يمر ببيت فاطمة وعلي عليهما السلام، فيقول: السلام عليكم أهل البيت * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (2).

وأخرج ابن بابويه في " أماليه " بإسناده عن أبي الجارود، عن زياد بن المنذر، عن القاسم بن الوليد، عن شيخ من ثمالة، قال: دخلت على امرأة من تميم عجوز كبيرة وهي تحدث الناس، فقلت لها: يرحمك الله، حدثيني في بعض فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، فقالت: أحدثك فهذا شيخ كما ترى بين يدي نائم، فقلت لها: ومن هذا؟ قالت: أبو الحمراء - خادم رسول الله صلى الله عليه وآله - فجلست إليه فلما سمع حسي استوى جالسا، فقال: مه، فقلت: رحمك الله، حدثني بما سمعت ورأيت من رسول الله صلى الله عليه وآله يصنعه بعلي عليه

ص :169


1- (1) تاريخ آل محمد: 67.
2- (2) سورة الأحزاب: 33.

السلام فإن الله يسألك عنه، فقال: على الخبير وقعت، أما ما رأيت النبي صلى الله عليه وآله يصنعه بعلي عليه السلام فإنه قال لي ذات يوم: " يا أبا الحمراء، انطلق فادع لي مائة من العرب، وخمسين رجلا من العجم، وثلاثين رجلا من القبط، وعشرين رجلا من الحبشة، فأتيت بهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فصف العرب، ثم صف العجم خلف العرب، وصف القبط خلف العجم، وصف الحبشة خلف القبط، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ومجد الله بتمجيد لم يسمع الخلائق بمثله، ثم قال: " يا معشر العرب والعجم والقبط والحبشة، أقررتم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله "؟ فقالوا:

نعم، فقال صلى الله عليه وآله: " اللهم اشهد " حتى قالها ثلاثا، فقال في الثالثة:

" أقررتم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وولي أمرهم من بعدي "؟ فقالوا: اللهم نعم، فقال صلى الله عليه وآله: " اللهم اشهد " حتى قالها ثلاثا، ثم قال صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام " يا أبا الحسن، انطلق فأتني بصحيفة ودواة، فانطلق عليه السلام وأتاه بصحيفة ودواة فدفعها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، وقال:

اكتب، فقال: وما أكتب؟ قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم - هذا ما أقرت به العرب والعجم والقبط والحبشة، أقروا بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وولي أمرهم من بعدي، ثم ختم صلى الله عليه وآله الصحيفة ودفعها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فما رأيتها إلى الساعة.

فقلت: رحمك الله، زدني، قال: نعم، خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عرفة وهو آخذ بيد علي عليه السلام فقال: يا معشر الخلائق، إن الله عز وجل باهى بكم في هذا اليوم ليغفر لكم عامة، ثم التفت إلى علي، فقال له: وغفر

ص :170

الله لك يا علي خاصة، ثم قال: يا علي، ادن مني، فدنا منه، فقال صلى الله عليه وآله: إن السعيد حق السعيد من أحبك وأطاعك، وأن الشقي كل الشقي من عاداك ونصب لك وأبغضك، يا علي، كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، يا علي، من حاربك فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله، يا علي، من أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، وأتعس الله جده، وأدخله نار جهنم.

قال غير واحد من أصحاب السير: إن أبا الحمراء نزل بحمص وتوفي بها رحمه الله.

5 - أبو ذر الغفاري:

هو نموذج للإنسان المسلم والعربي الذي تربى في الصحراء، فترى باطنه من خلال ظاهره ويفصح لك عن قلبه من خلال لسانه.

أبو ذر ظل حتى آخر لحظة من عمره كما هو في أول إسلامه، يوم نظر إليه النبي صلى الله عليه وآله فقال: " ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء رجلا أصدق لهجة من أبي ذر " (1).

وكان أبو ذر يأتي إلى المدينة من الشام فيجاوز قبر الرسول صلى الله عليه وآله أيام مكوثه في المدينة، وفي إحدى المرات اكتشف أمرا هاما لم يخطر على باله، فقد أعطى عثمان لمروان بن الحكم مالا كثيرا، وأعطى الحارث بن الحكم ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، فتأثر أبو ذر

ص :171


1- (1) تفسير القمي: 1 / 52، علل الشرائع: 176 - 177 ح 1، معاني الأخبار: 178 - 179 ح 1، غيبة النعماني: 82 ح 11، الاختصاص: 13، رجال الكشي: 24 ح 84، أمالي الطوسي: 1 / 52، و ج 2 / 321، روضة الواعظين: 283 - 284.

فوقف بوجه مروان يقرأ عليه الآية: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * (1)، فشكاه مروان من هذا التصرف، فأرسل الخليفة إليه مولى له ينهاه، فقال أبو ذر رضي الله عنه: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله؟ وكانت هذه بداية معارضته لسياسة عثمان في العطاء حيث كان يعطي البعض ويقطع عن البعض الآخر، والذين يأخذون منه كانوا يتقاصون في العطاء، فأراد عثمان أن يتخلص منه فأرسله إلى الشام.

وفي الشام لم يهدأ أبو ذر لحظة واحدة فقد وجد معاوية يسرف في أموال المسلمين في بناء القصور، ويتصرف في بيت المال وكأنه من ماله الخاص، فتلعلع صوت أبي ذر في وجه معاوية كأنه السيف البتار، فخاف معاوية على نفسه وعلى أهل الشام فأرسله إلى المدينة، وفي المدينة أخذ يواصل رسالته في مقاومة الاستئثار والإسراف في مال المسلمين.

وكان رضي الله عنه يقول: بشر الأغنياء بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، فاجتمع حوله كل مؤمن وكل فقير، وأصبح يشكل خطرا يهدد السلطة.

وروي: أن أبا ذر دخل على عثمان وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسمها فيهم، فقال أبو ذر لعثمان: ما هذا المال؟ فقال عثمان: مائة ألف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد أن أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي؟ فقال أبو ذر رضي الله عنه لعثمان: يا عثمان، أيما أكثر مائة ألف

ص :172


1- (1) سورة التوبة: 34.

درهم أم أربعة دنانير؟ فقال: بل مائة ألف درهم، فقال: أما تذكر إني أنا وأنت دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله عشاء فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام، فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا، فقلنا له: بآبائنا وأمهاتنا نفديك، دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا، وعدنا إليك اليوم فرأيناك ضاحكا مستبشرا، فقال صلى الله عليه وآله: نعم، كان بقي عندي من فئ المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها، وخفت أن يدركني الموت، وهي عندي وقد قسمتها اليوم فاسترحت.

فنظر عثمان إلى كعب الأحبار، فقال: يا أبا بحر، ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة؟ هل يجب عليه فيما بعد ذلك الشئ؟ فقال: لا، لو اتخذ لبنة من ذهب، ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ؟ فرفع أبو ذر رضي الله عنه عصاه فضرب بها رأس كعب، ثم قال له: يا بن اليهودية الكافرة، ما أنت والنظر في أحكام المسلمين؟! قول الله أصدق من قولك حيث قال: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) * فقال عثمان: يا أبا ذر، إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، ولولا صحبتك للرسول صلى الله عليه وآله لقتلتك؟! فقال: يا عثمان، أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: " لا يفتنونك ولا يقتلونك " (1)، وأما عقلي: فقد بقي منه ما أحفظ حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك وفي قومك، فقال:

وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: سمعته صلى الله عليه وآله يقول: " إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا صيروا مال الله دولا، وكتاب الله

ص :173


1- (1) طبقات الشيعة: 246 - 248.

دخلا، وعباده خولا، والفاسقين حزبا، والصالحين حربا " (1)، فقال عثمان: يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقالوا: لا، فقال عثمان: ادعوا عليا عليه السلام، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام، فقال عثمان: يا أبا الحسن، انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب؟!.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: " لا تقل كذاب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر "، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: صدق أبو ذر، فقد سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله، فبكى أبو ذر رضي الله عنه عند ذلك، فقال عثمان: يا أبا ذر، أسألك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ما أخبرتني عن شئ أسألك عنه، فقال أبو ذر رضي الله عنه: والله، لو لم تسألني بحق رسول الله صلى الله عليه وآله لأخبرتك، فقال: أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها؟ فقال:

مكة حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله أعبد الله حتى يأتيني الموت، فقال: لا، ولا كرامة لك، فقال: المدينة، فقال: لا، ولا كرامة لك، قال: فسكت أبو ذر، فقال عثمان: أي البلاد أبغض إليك تكون فيها، فقال: الربذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام، فقال عثمان: سر إليها، فقال أبو ذر رضي الله عنه: صدق الله ورسوله صلى الله عليه وآله حيث قال: " يبعث أبو ذر أمة وحده ".

6 - أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله:

اسمه إبراهيم، وقيل: أسلم، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز، وقيل: سنان، وقيل:

ص :174


1- (1) انظر الأحاديث الغيبية: 1 / 328 ح 196.

يسار، وقيل: قرمان، وقيل: عبد الرحمان، وقيل: يزيد، وقيل: بندويه، وقيل: القبطي، وقيل: العجمي.

كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه وآله، فلما بشر النبي صلى الله عليه وآله بإسلام العباس أعتقه، وكان على فعله، وزوجه سلمى فولدت له عبيد الله كاتب أمير المؤمنين عليه السلام في خلافته كلها.

أسلم أبو رافع قديما بمكة، وهاجر إلى المدينة، وشهد مع النبي صلى الله عليه وآله مشاهده، ولزم أمير المؤمنين عليه السلام من بعده، وكان من خيار الشيعة، شهد معه حروبه، وكان صاحب بيت ماله بالكوفة، وابناه " عبيد الله وعلي " كاتبا أمير المؤمنين عليه السلام.

أخرج النجاشي (1) بإسناده، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبي رافع:... أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي، فقال: يا أبا رافع، كيف أنت وقوم يقاتلون عليا عليه السلام وهو على الحق، وهم على الباطل؟ يكون حقا في الله حق جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم فبقلبه، وليس وراء ذلك شئ، فقلت: ادع لي إن أدركتهم أن يعينني الله ويقويني على قتالهم، فقال صلى الله عليه وآله: اللهم، إن أدركهم فقوه، وأعنه، ثم خرج إلى الناس، فقال: يا أيها الناس، من أراد أن ينظر إلى أميني على نفسي وأهلي فهذا أبو رافع أميني على نفسي.

قال عون بن عبيد الله بن أبي رافع: فلما بويع علي عليه السلام وخالفه معاوية بالشام، وسار طلحة والزبير إلى البصرة، قال أبو رافع: هذا قول رسول

ص :175


1- (1) رجال النجاشي: 5. وانظر: الأحاديث الغيبية: 1 / 70 ح 34 ففيه مصادر كثيرة لهذا الحديث.

الله صلى الله عليه وآله: سيقاتل عليا قوم يكون حقا في الله جهادهم، فباع أرضه بخيبر وداره ثم خرج مع علي عليه السلام وهو شيخ كبير له خمس وثمانون سنة.

وقال: الحمد لله لقد أصبحت لا أحد بمنزلتي، لقد بايعت البيعتين: بيعة " العقبة " وبيعة " الرضوان "، وصليت القبلتين، وهاجرت الهجر الثلاث، قلت: وما الهجر الثلاث؟ قال: هاجرت مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، وهاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وهذه الهجرة مع علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الكوفة، فلم يزل مع علي عليه السلام حتى استشهد عليه السلام، فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن عليه السلام ولا دار له بها ولا أرض، فقسم الحسن دار علي نصفين، وأعطاه سنخ أرض أقطعه إياها، فباعها عبيد الله بن أبي رافع من معاوية بمائة ألف وسبعين ألفا.

قال أكثر أصحاب السير من العامة: توفي أبو رافع بعد قتل عثمان في أوائل خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، وما ذكرناه عن النجاشي صريح في أنه عاش إلى أن استشهد أمير المؤمنين عليه السلام والله أعلم.

روى حديثه ابن عقدة في " حديث الولاية "، وأبو بكر الجعابي في " نخب المناقب "، وعده الخوارزمي في " مقتل الحسين عليه السلام " ممن روى " حديث الغدير " من الصحابة.

7 - أبو عمرة الأنصاري:

اختلف في اسمه، فقيل: رشيد، وقيل: أسامة، وقيل: عمرو بن محصن،

ص :176

وقيل: تغلبة بن عمرو بن محصن، وقيل: اسمه عامر بن مالك بن النجاري.

قال ابن عبد البر في " الإستيعاب ": وهو الصواب.

قلت: والصواب عندي: أنه عمرو بن محصن، لما أشير في مرثية النجاشي له.

وهو صحابي ذكره بعضهم في - البدريين - يروي عنه ابنه عبد الرحمان بن أبي عمر.

روى الكشي بإسناده عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

ارتد الناس إلا ثلاثة: أبو ذر، والمقداد، وسلمان، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

" فأين أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاري "؟ وكان أبو عمرة من أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام شهد معه " الجمل " و " صفين " واستشهد بها.

روى ابن مزاحم، بإسناده عن سليمان الحضرمي، قال: لما خرج علي عليه السلام من المدينة خرج معه أبو عمرة بن عمرو بن محصن، قال: فشهدنا مع علي عليه السلام " الجمل " ثم انصرفنا إلى الكوفة، ثم سرنا إلى أهل الشام حتى إذا كان بيننا وبين صفين ليلة دخلني الشك، فقلت: والله، ما أدري على م أقاتل؟ وما أدري ما أنا فيه؟ قال: واشتكى رجل منا بطنه من حوت أكله، فظن أصحابه أنه طعين، فقالوا: من يتخلف على هذا الرجل؟ فقلت: أنا أتخلف عليه، والله ما أقول ذلك إلا مما دخلني من الشك فأصبح الرجل ليس به بأس، وأصبحت قد ذهب عني ما كنت أجد، ونفذت بصيرتي حتى إذا أدركنا أصحابنا ومضينا مع علي عليه

ص :177

السلام وإذا أهل الشام قد سبقونا إلى الماء.

فلما أردناه منعونا فصلتناهم بالسيف فخلونا وإياه.

وأرسل أبو عمرة إلى أصحابه: قد والله، حزناه فهم يقاتلونا وهم في أيدينا ونحن دونه إليهم، كما كان في أيديهم قبل أن نقاتلهم.

فأرسل معاوية إلى أصحابه: لا تقاتلوهم وخلوا بينهم وبينه فيشربوا.

فقلنا لهم: وقد عرضنا عليكم أول مرة فأبيتم حتى أعطانا الله وأنتم غير محمودين.

قال: فانصرفوا عنا وانصرفنا عنهم ولقد رويت روايانا ورواياهم بعد، وخيلنا وخيلهم ترد ذلك الماء جميعا حتى ارتووا وارتوينا جميعا.

وروى أيضا: أن أمير المؤمنين عليه السلام بعث أبا عمرة في رجال من أصحابه إلى معاوية يدعونه إلى الله تعالى، وإلى الطاعة والجماعة، فلما دخلوا عليه تكلم أبو عمرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا معاوية، إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة، وأن الله تعالى جازيك بعملك، ومحاسبك بما قدمت يداك، وإني أنشدك بالله أن تفرق جماعة هذه الأمة وإن تسفك دماءها بينها.

فقطع معاوية الكلام، فقال: هلا أوصيت صاحبك؟ قال: قلت: سبحان الله! إن صاحبي ليس مثلك، إن صاحبي أحق البرية بهذا الأمر في الفضل والدين، والسابقة في الإسلام، والقرابة من الرسول صلى الله عليه وآله.

قال: فتقول ماذا؟

ص :178

قال: أدعوك إلى تقوى ربك، وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق، فإنه أسلم لك في دينك، وخير لك في عاقبة أمرك.

قال: وأبطل دم عثمان، لا والرحمان، لا أفعل ذلك أبدا.

قال: وكان ابن محصن من أعلام أصحاب علي عليه السلام قتل في المعركة بصفين وجزع علي عليه السلام لقتله.

فقال النجاشي يرثيه:

لنعم فتى الحيين عمرو بن محصن * إذا صارخ الحي المصبح ثوبا

إذ الخيل جالت بينها قصد القنا * يثرن عجاجا ساطعا متنصبا

لقد فجع الأنصار طرا بسيد * أخي ثقة في الصالحات مجربا

فيا رب خير قد أقدت وجفنة * ملأت وقرن قد تركت مسلبا

ويا رب خصم قد رددت بغيظه * فآب ذليلا بعد أن كان مغضبا

وراية مجد قد حملت وغزوة * شهدت إذ النكس الجبان تهيبا

هويطا على جل العشيرة ماجدا * وما كنت في الأنصار نكسا مؤنبا

طويل عماد المجد رحبا فناؤه * خصيبا إذا ما رائد الحي أجدبا

عظيم رماد النار لم تك فاحشا * ولا فشلا يوم النزال مغلبا

وكنت ربيعا ينفع الناس سيبه * وسيفا جرازا باتر الحد مقضبا

فمن يك مسرورا بقتل ابن محصن * فعاش شقيا ثم مات معذبا

ص :179

وغودر منكبا لفيه ووجهه * يعالج رمحا ذا سنان وتغلبا

فإن تقتلوا الحر الكريم ابن محصن * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا

وإن تقتلوا ابني بديل وهاشما * فنحن تركنا منكم القرن أعضبا

ونحن تركنا حميرا في صفوفكم * لدى الحرب صرعى كالنخيل مشذبا

وأفلتنا تحت الأسنة مرشد * وكان قديما في الغرار مدربا

ونحن تركنا عند مختلف القنا * أخاكم عبيد الله لحما ملحبا

بصفين لما أرفض عنه رجالكم * ووجه ابن عتاب تركنا ملغبا

وطلحة من بعد الزبير ولم ندع * لضبة في الهيجا عريفا منكبا

ونحن أحطنا بالبعير وأهله * ونحن سقيناكم سماما مقشبا

روى ابن الأثير حديث المناشدة وشهادته لعلي عليه السلام في الكوفة، عن الحافظ ابن عقدة، عن محمد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي، حدثنا محمد بن خلف النميري، حدثنا علي بن الحسن العبدي، عن الأصبغ بن نباتة قال: نشد علي الناس في الرحبة: من سمع النبي صلى الله عليه وآله يوم غدير خم ما قال إلا قام؟ ولا يقوم إلا من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول.

فقام بضعة عشر رجلا، فيهم: أبو أيوب الأنصاري، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن، وأبو زينب ابن عوف الأنصاري، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن ثابت الأنصاري، وحبشي بن جنادة الصلولي، وعبيد بن عازب الأنصاري، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاري، وعبد الرحمان بن عبد رب الأنصاري، فقالوا: نشهد أنا

ص :180

سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وأعن من أعانه " (1).

8 - أبو ليلى الأنصاري:

اختلف في اسمه، فقيل: بلال، وقيل: بليل - بالتصغير -، وقيل: داود، وقيل: يسار - بالمثناة من تحت والسين والراء المهملتين -، وقيل: أوس بن داود بن بلال بن أحيحة (2) بن الجلاح.

أحد الصحابة المشهورين، شهد " أحدا " وما بعدها.

قال البرقي: كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من الأصفياء.

وقال ابن خلكان: شهد وقعة " الجمل "، وكانت راية علي عليه السلام معه.

وقال الذهبي: قتل بصفين له دار بالكوفة، روى عنه ابنه عبد الرحمان.

روى الخوارزمي بالإسناد، عن ثوير بن أبي فاختة، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن ولده قال: قال أبي: دفع النبي صلى الله عليه وآله الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب ففتح الله على يده، وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه ولي كل مؤمن ومؤمنة (3).

ص :181


1- (1) أسد الغابة: 3 / 307، و 5 / 205، ورواه ابن عقدة في " حديث الولاية ".
2- (2) أحيحة - بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح الحاء الثانية وبعدها هاء -، والجلاح - بضم الجيم وبعد اللام ألف وحاء - والله أعلم.
3- (3) مناقب الخوارزمي: 35، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 114، جواهر العقدين للسمهودي، وروى عنه " حديث الغدير " ابن عقدة بإسناده في " حديث الولاية ".

9 - أبو هريرة الدوسي:

أبو هريرة الدوسي اليماني، اختلف في اسمه، فقد قيل: إنه عبد الرحمان، وقيل: عامر، وقيل غير ذلك، كان من أصحاب " الصفة " يتصدق عليه المسلمون، وقد صحب النبي صلى الله عليه وآله ثلاث سنين، وقيل: أربع. ووضع على لسانه أحاديث كثيرة مما لم يروها غيره، وما أن رأى الناس كثرة حديثه حتى ضجوا منه، واتهموه بالوضع، ويدلك على ذلك ما رواه البخاري في " صحيحه " (1): عن أبي هريرة أنه قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى - إلى قوله - الرحيم) * (2). إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وأن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم وأن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وآله بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون.

كان أبو هريرة لا يعرف الكتابة كما يحدثنا نفسه بذلك، قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمر فإنه يكتب ولا أكتب (3).

ولا شك أن جهله بالكتابة لمما يقوي شبهة الناس من كثرة وضعه لأنه

ص :182


1- (1) ج 1 / 22.
2- (2) سورة البقرة: 159 - 160.
3- (3) صحيح البخاري: 1 / 20، أقول: يحتمل أن يراد من قوله: فإنه يكتب ولا أكتب - أي كان يدون الحديث ولا أدونه -، ولكن الذي يبعد ذلك عدم التدوين عندهم في صدر الإسلام كما عرفت.

سوف يكون معرضا للنسيان، وقد كان لا محالة يحس بذلك فيضيق صدره، لذلك تراه يسعى وراء رفع هذه الشبهة بمختلف التعبير، فتارة يقول: شغل أصحابه الصفق بالأسواق والعمل بأموالهم كما عرفت، وتارة يقول: قلت للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه، قال صلى الله عليه وآله: " أبسط رداءك " فبسطته، قال: فغرف بيده، ثم قال: " ضمه " فضممته فما نسيت شيئا بعده (1).

وإنك ترى أن هذا الحديث أدل دليل على كذبه إذ أن الحفظ ليس بمرأى ليضمه رسول الله صلى الله عليه وآله في رداء أبي هريرة، ثم يأمره بضمه، وإنما هو وجود معنوي يحس به الإنسان كما يحس بسائر الأشياء الوجودية التي لا تدرك بالبصر - كالإرادة والكراهة والجوع والعطش - وغير ذلك.

ولو أن أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دعا له بالحفظ لأمكن تصديقه لأن ذلك غير خارج عما يتصوره العقل، بل يكون حال هذه الدعوة حال غيرها من الدعوات التي كان يدعى بها لأصحابه من الشفاء، والتأييد، وتثبيت اللسان وغير ذلك مما هو مستفيض عنه صلى الله عليه وآله، وأن الأحاديث الدالة على كذبه كثيرة وكثيرة جدا، فإنك بينما تراه يقول: كنت ألزم النبي صلى الله عليه وآله بشبع بطني حين لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة وألصق بطني بالحصباء (2)، إذ تراه يحدث فيقول: أبق غلام لي في الطريق، فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وآله فبايعته فبينما أنا عنده إذ طلع الغلام، فقال النبي صلى الله عليه وآله: " هذا غلامك "، فقلت: هو

ص :183


1- (1) صحيح البخاري: 1 / 22.
2- (2) صحيح البخاري: 3 / 185.

لوجه الله وأعتقته (1).

وهذا الحديث برهان ساطع على كذبه، إذ أنه كان فقيرا يلصق بطنه بالحصباء، فمن أين له العبد المملوك؟؟ وفي الحق أن أبا هريرة كان كثير الوضع، ولكنه لسوء حظه لم يكن ليحسن الوضع، فكان يحدث كما عرفت بكل ما يختلج في ذاكرته، ولو أوتي أبو هريرة حسن تنظيم الأحاديث وتزويرها كما أوتي من الاقتدار على الاختلاق لضل به خلق كثير، ولكن شاء أبو هريرة شيئا، وشاء الله شيئا آخر. شاء أبو هريرة أن يضع السم بالدسم وأن يدس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله ما يصيب بذلك غرضه، وشاء الله أن يطلع الناس على سريرته، ويعرفهم كذبه، وقد قيل لابن عمر كما في " صحيح مسلم " (2): إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من اتبع جنازة فله قيراط من الأجر "، قال ابن عمر:

أكثر علينا أبو هريرة.

ومما يدلنا دلالة واضحة على كثرة وضعه أن أمير المؤمنين عليه السلام وهو ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وممن ربي في حجره وهو الملازم له داخلا وخارجا، ومع ذلك لم يرو عنه ما روي عن أبي هريرة الذي كان لا يجتمع بخدمته إلا كما كان يجتمع بخدمته سائر المسلمين، وقد تنبه لهذا سراج الدين البلقيني - وهو من علمائهم الأعاظم - فأبطل كل ما تفرد به أبو هريرة.

وأكاذيب أبي هريرة وخرافاته يضيق عنها هذا الفصل، وأحسب فيما سقناه للمطالع الكريم كفاية.

ص :184


1- (1) صحيح البخاري: 3 / 51.
2- (2) صحيح مسلم: 1 / 394.

راجع: سير أعلام النبلاء: 2 / 578 - 632، والبداية والنهاية: 8 / 103 - 115، والإصابة: 12 / 63، وتهذيب التهذيب: 12 / 262، وشرح النهج: 1 / 360، والكامل للمبرد: 2 / 124 - ط / البابي (مصر - 1956 م).

وغيرها من المصادر، وكلها تنادي بكذب أبي هريرة وتدليسه وعدم أخذ الرواية عنه.

10 - أبو الهيثم مالك بن التيهان:

بفتح التاء المثناة من فوق وبعدها ياء مكسورة مشددة مثناة من تحت ثم هاء وبعد الألف نون ابن أبي عبيد بن عمر عبد الأعلم بن عامر البلوي (1) ثم الأنصاري حليف بني عبد الأشهل.

وقالت طائفة من أهل العلم: إنه من الأنصار من أنفسهم من الأوس هو مشهور بكنيته.

كان أحد النقباء ليلة " العقبة " شهد بيعة العقبة " الأولى " و " الثانية "، وكان أحد التسعة الذين لقوا قبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله بالعقبة، وهو أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة فيما يزعم بنو عبد الأشهل، وأما بنو النجار فيزعمون: إن أول من بايع ليلة العقبة أسعد بن زرارة، وزعم بنو سلمة: إنه كعب بن مالك، وزعم غيرهم: إن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وآله البراء، والله أعلم.

ص :185


1- (1) بفتح الباء الموحدة وبفتح اللام وفي آخرها الواو نسبة إلى بلى بفتح الباء الموحدة وكسر اللام وتشديد الياء على فعيل وهو بلى بن عمر بن الحاف بن قضاعة وهو أبو حي من اليمن وهو قضاعة بن مالك بن حميراء بن سبأ، والله أعلم.

وشهد أبو الهيثم رضي الله عنه " بدرا " و " أحدا " والمشاهد كلها.

قال الفضل بن شاذان: إن أبا الهيثم من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وأنكر تقدم أبي بكر عليه.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قام ذلك اليوم، فقال: أنا أشهد على نبينا صلى الله عليه وآله أنه أقام عليا - يعني في يوم غدير خم - فقال الأنصار: ما أقامه للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه مولى من كان رسول الله مولاه، فسألوه عن ذلك، فقال: قولوا لهم: علي ولي المؤمنين بعدي، وأفصح الناس لأمتي وقد شهدت بما حضرني، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، إن يوم الفصل كان ميقاتا.

وشهد أبو الهيثم مع أمير المؤمنين عليه السلام وقعة " الجمل " و " صفين "، فمن شعره يوم الجمل:

قل للزبير، وقل لطلحة: إننا * نحن الذين شعارنا الأنصار نحن الذين رأت قريش فعلنا * يوم القليب أولئك الكفار كنا شعار نبينا ودثاره * تفديه منا الروح والأبصار إن الوصي إمامنا وولينا * برح الخفاء وباحث الأسرار وروى نصر بن مزاحم في كتاب " صفين "، قال: أقبل أبو الهيثم بن التيهان، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بدريا تقيا عفيفا يسوي صفوف أهل العراق، ويقول: يا معشر أهل العراق، إنه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل، والجنة في الآجل إلا ساعة من النهار، فأرسوا أقدامكم، وسووا

ص :186

صفوفكم، وأعيروا ربكم جماجمكم، واستعينوا بالله إلهكم، وجاهدوا عدو الله وعدوكم، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم، واصبروا فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.

قتل أبو الهيثم رضي الله عنه مع علي بن أبي طالب عليه السلام بصفين سنة (37 ه). قاله أبو نعيم، وصالح بن الوجيه، ورواه ابن عبد البر في " الإستيعاب "، وهؤلاء شيوخ المحدثين.

وممن قال بشهوده " صفين " نصر بن مزاحم في كتاب " صفين " وهو من الأصول القديمة المعتمدة، ويشهد بذلك ما رواه أهل الأخبار من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعد وقعة صفين، وقوله فيها: " ما ضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم بصفين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص، ويشربون الرنق، قد والله لقوا الله فوفاهم أجورهم، وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم، أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق؟ أين عمار بن ياسر وابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجار ".

ثم ضرب بيده إلى لحيته فأطال البكاء ثم قال: " أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة، وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوه، ووثقوا بالقائد فاتبعوه ".

وهذه الخطبة مذكورة في " نهج البلاغة " أخذنا غرضنا منها.

11 - أبو أيوب الأنصاري:

أبو أيوب خالد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن

ص :187

النجار وهو تيم ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأنصاري من بني النجار.

كان من كبار الصحابة شهد " العقبة " و " بدرا " وسائر المشاهد، وكان سيدا معظما من سادات الأنصار، وهو صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله نزل عنده لما خرج من بني عمرو بن عوف حين قدم المدينة مهاجرا من مكة فلم يزل عنده حتى بنى مسجده ومساكنه ثم انتقل إليها.

وكان أبو أيوب رضي الله عنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وأنكر على أبي بكر تقدمه على علي عليه السلام.

وروي عن الصادق عليه السلام: " أنه قام في ذلك اليوم، فقال: اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم وأوردوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا صلى الله عليه وآله، ومجلس بعد مجلس، يقول: أهل بيتي أئمتكم بعدي، ويومئ إلى علي عليه السلام، ويقول:

هذا أمير البررة، وقاتل الكفرة، مخذول من خذله، منصور من نصره، فتوبوا إلى الله من ظلمكم إن الله تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا تتولوا عنه معرضين ".

قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الإستيعاب ": إن أبا أيوب شهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها.

وروي عن الكلبي، وابن إسحاق قالا: شهد معه يوم " الجمل " و " صفين "، وكان على مقدمته يوم " النهروان ".

وروى إبراهيم بن ديزيل في كتاب " صفين "، عن رباح بن الحرث النخعي، قال كنت في " الرحبة " مع أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل ركب

ص :188

يسيرون حتى أناخوا بالرحبة ثم أقبلوا يمشون حتى أتوا عليا عليه السلام، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته! قال: من القوم؟ قالوا: مواليك يا أمير المؤمنين، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، ويقول: من أين وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم وهو آخذ بعضدك، يقول: " أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟، قلنا:

بلى، يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وعلي مولى من كنت مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقال عليه السلام: أنتم تقولون ذلك؟ قالوا: نعم، قال عليه السلام: وتشهدون عليه؟ قالوا:

نعم، قال عليه السلام: صدقتم.

فانطلق القوم وتبعتهم، فقلت لرجل منهم: من أنتم يا عبد الله؟ قال: نحن رهط من الأنصار، وهذا أبو أيوب - صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله - فأخذت بيده فسلمت عليه وصافحته.

وروى الخطيب في " تاريخه ": أن علقمة والأسود أتيا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من " صفين "، فقالا له: يا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنزول محمد صلى الله عليه وآله وبمجئ ناقته تفضلا من الله تعالى، وإكراما لك حتى أناخت ببابك دون الناس جميعا، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب أهل لا إله إلا الله، فقال: يا هذا، إن الرائد لا يكذب أهله إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرنا بقتال ثلاثة مع علي عليه السلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم وهم أهل " الجمل " - طلحة والزبير - وأما القاسطون فهذا منصرفنا عنهم - يعني معاوية وعمرو بن العاص - وأما المارقون فهم أهل الطرفاوات، وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروان، والله ما أدري أين هم؟ ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله تعالى، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله

ص :189

عليه وآله يقول لعمار بن ياسر: " تقتلك الفئة الباغية وأنت إذ ذاك على الحق، والحق معك، يا عمار، إن رأيت عليا سلك واديا، وسلك الناس كلهم واديا فاسلك مع علي، فإنه لن يرديك في ردى، ولن يخرجك من هدى، يا عمار، من تقلد سيفا أعان به عليا قلده الله يوم القيامة وشاحين من در، ومن تقلد سيفا أعان به عدو علي قلده الله وشاحين من النار، قلنا: يا هذا، حسبك رحمك الله. (1) توفي أبو أيوب رضي الله عنه في الصائفة - وهي غزوة الروم، ودفن عند سور القسطنطينية وبني عليه قبة يسرج فيها.

واختلف المؤرخون في السنة التي كانت بها هذه الغزاة، ومات فيها أبو أيوب، فقال المسعودي في " مروج الذهب ": كانت سنة (45 ه)، وقال غيره:

كانت سنة (50 ه)، وقيل: (51 ه)، وقيل: (52 ه) والله أعلم.

12 - أبي بن كعب:

قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، يكنى " أبا المنذر " و " أبا الطفيل " و " أبا يعقوب " من فضلاء الصحابة، شهد " العقبة " مع التسعين، وكان يكتب الوحي، آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وشهد " بدرا " و " العقبة الثانية "، وبايع لرسول الله صلى الله عليه وآله، وكان يسمى " سيد القراء ".

ذكر ابن شهرآشوب في " المناقب ": أن النبي صلى الله عليه وآله قال له: إن

ص :190


1- (1) انظر: الأحاديث الغيبية: 1 / 218 - 235 رقم 132 - 138 ففيه إخبار النبي صلى الله عليه وآله لعمار بمقتله وكيفية ذلك.

الله أمرني أن أقرأ عليك، فقال: يا رسول الله، بأبي وأمي أنت وقد ذكرت هناك، قال صلى الله عليه وآله: نعم، باسمك ونسبك، فأرعد أبي، فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وآله حتى سكن، وقال: قل: بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.

وروى " البخاري " " و " مسلم " و " الترمذي "، عن أنس بن مالك، قال:

قال النبي صلى الله عليه وآله لأبي: إن الله أمرني أن أقرأ عليك * (لم يكن الذين كفروا) * (1)، قال: وسماني، قال: " نعم " فبكى.

وروى الشيخ الجليل محمد بن يعقوب الكليني قدس الله روحه في " الكافي "، عن الصادق عليه السلام أنه قال: أما نحن فنقرأ على قراءة أبي.

وكان أبي رضي الله عنه من الاثني عشر نفر الذين أنكروا على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا أبا بكر، لا تجحد حقا جعله الله لغيرك، ولا تكن أول من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيه وصفيه، وصد عن أمره، أردد الحق إلى أهله تسلم، ولا تتماد في غيك فتندم، وبادر الإنابة يخف وزرك، ولا تخصص هذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك، فعن قليل تفارق ما أنت فيه، وتصير إلى ربك بما جنيت، وما ربك بظلام للعبيد.

وروي عن أبي بن كعب، أنه قال: مررت عشية يوم " السقيفة " بحلقة الأنصار، فسألوني: من أين مجيئك؟ قلت: من عند أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، قالوا: كيف تركتهم؟ وما حالهم؟ قلت: وكيف تكون حال قوم كان بيتهم إلى اليوم موطئ جبرئيل، ومنزل رسول رب العالمين، وقد زال اليوم

ص :191


1- (1) سورة البينة: 1.

ذلك، وذهب حكمهم عنهم، ثم بكى أبي وبكى الحاضرون.

وأخرج النسائي، عن قيس بن عبادة، قال: بينا أنا في المسجد في الصف المقدم، فجذبني رجل جذبة، فنحاني، وقام مقامي، فوالله، ما عقلت صلاتي، فلما انصرف إذا هو أبي بن كعب، فقال: يا فتى، لا يسوؤك الله إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وآله إلينا أن نليه، ثم استقبل القبلة، فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة، ثم قال: والله، ما آسي عليهم، ولكن آسي على من أضلوا، فقلت: يا أبا يعقوب: من تعني بأهل العقد؟ قال: الأمراء.

قال ابن حجر في " التقريب ": اختلف في سنة موته اختلافا كثيرا، قيل:

سنة (19 ه)، وقيل: سنة (32 ه)، وقيل غير ذلك.

قال بعض المؤرخين: الأصح أنه مات في زمن عمر، فقال عمر: اليوم مات سيد المسلمين، والله أعلم.

روى عنه الحديث أبو بكر الجعابي في " نخب المناقب " بإسناده.

13 - أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي:

ابن شراحبيل بن عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي.

كان أبوه زيد، يقال له: حب رسول الله صلى الله عليه وآله، ويكنى - أبا أسامة - وأمه سعدى بنت تغلبة بن عبد عمرو.

وكان في ابتداء حاله مع أمه، وقد خرجت به تزور قومها فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية، فمروا على أبيات - بني معن - فاحتملوه وهو يومئذ غلام فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد

ص :192

لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم، فلما تزوجها النبي وهبته له فأعتقه، وكان أبوه جزع عليه جزعا شديدا وبكى عليه حين فقده، فقال:

بكيت على زيد ولم أدر ما فعل * أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل فوالله ما أدري وإني لسائل * أغالك بعدي أم غالك الجبل؟ فحج ناس من كعب، فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، فقال لهم: أبلغوا عني قومي:

ألكني إلى قومي وإن كنت نائيا * بأني قطين البيت عند المشاعر فكفوا عن الوجه الذي قد شجاكم * ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر فإني بحمد الله في خير أسرة * كرام معد كابرا عن كابر فانطلقوا وأعلموا أباه، ووصفوا له مكانه وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحبيل بفدائه، فقدما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه وآله، فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه.

فقالا: يا بن هاشم، يا بن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العاني وتطعمون الأسير، وقد جئنا في ابن لنا عندك، فامنن علينا وأحسن في فدائه، فإنا سنرفع لك الفداء.

قال صلى الله عليه وآله: من هو؟ قالا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهنا غير ذلك، قالا: ما هو؟ قال صلى الله عليه وآله: أدعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكم من غير فداء، وإن اختارني، فوالله ما أنا بالذي

ص :193

أختار على من اختارني أحدا، قالا: زدتنا على النصف وأحسنت.

فدعاه صلى الله عليه وآله، فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي.

قال صلى الله عليه وآله: فأنا من قد علمت وقد رأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما.

فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني بمكان العم والأب.

فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك.

قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل ما أنا بالذي أختار عليه أحدا.

فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال:

يا من حضر، اشهدوا أن زيدا ابني أرثه ويرثني.

فلما رأى أبوه وعمه ذلك طابت أنفسهما فانصرفا، فدعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فزوجه النبي صلى الله عليه وآله زينب بنت جحش، فلما طلقها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، فتكلم المنافقون في ذلك، فقالوا:

تزوج امرأة ابنه، فنزل: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * (1) الآية، وقال تعالى: * (ادعوهم لآبائهم) * (2)، فدعي يومئذ زيد بن حارثة.

وكان بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين زيد عشر سنين، ورسول الله صلى الله عليه وآله أكبر منه.

ص :194


1- (1) سورة الأحزاب: 40.
2- (2) سورة الأحزاب: 5.

قال ابن إسحاق: أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب عليه السلام زيد بن حارثة.

قال أهل السير: شهد زيد " بدرا " و " أحدا " و " الخندق " و " الحديبية " و " خيبر "، وخرج أميرا في سبع سرايا، ولم يسم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في القرآن باسمه غيره.

وقتل زيد في غزوة " مؤتة " في جمادى الأولى، سنة ثمان من الهجرة، وهو ابن خمس وخمسين سنة.

وأما أسامة بن زيد فيكنى - أبا محمد -، ويقال: - أبا زيد - كان يقال له:

حب رسول الله صلى الله عليه وآله وابن حبه.

روي أنه صلى الله عليه وآله قال: " أسامة أحب الناس إلي ".

ومر به صلى الله عليه وآله بين الصبيان في قفوله من بدر، فنزل إليه وقبله واحتمله، ثم قال: " مرحبا بحبي وابن حبي ".

وكان عمره يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله عشرين سنة، وقيل:

ثماني عشرة، وقيل: تسع عشرة سنة.

وروى الشيخ الطبرسي في كتاب " الاحتجاج ": مرفوعا عن الإمام الباقر عليه السلام: أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: اكتب إلى أسامة يقدم عليك فإن في قدومه قطع الشنعة عنا، فكتب إليه أبو بكر: من أبي بكر - خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله - إلى أسامة بن زيد، أما بعد: إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت ومن معك، فإن المسلمين قد اجتمعوا علي، وولوني أمرهم، فلا تخالفن فتعصي، ويأتيك ما تكره والسلام.

ص :195

قال: فكتب إليه أسامة جواب كتابه: من أسامة بن زيد - عامل رسول الله صلى الله عليه وآله على غزوة الشام - أما بعد: فقد أتاني لك كتاب ينقض أوله آخره، ذكرت في أوله: إنك خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، وذكرت في آخره: إن المسلمين اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوا بك.

واعلم أني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين، فوالله، ما رضينا بك، ولا وليناك أمرنا، وانظر إن تدفع الحق إلى أهله، وتخليهم وإياه، فإنهم أحق به منك.

فقد علمت من قول رسول الله صلى الله عليه وآله في علي - يوم الغدير - فما طال فينسى، انظر لمركزك، ولا تخالف فتعصي الله ورسوله، وتعصي من استخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله عليك وعلى صاحبك، ولم يعزلني حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنك وصاحبك رجعتما وعصيتما، فأقمتما في المدينة بغير إذني.

قال: فهم أبو بكر أن يخلعها من عنقه.

قال: فقال له عمر: لا تفعل؟ قميص قمصك الله لا تخلعه فتندم، ولكن ألح على أسامة بالكتب، ومر فلانا وفلانا يكتبوا إلى أسامة أن لا يفرق جماعة المسلمين، وأن يدخل معهم فيما صنعوا.

قال: فكتب إليه أبو بكر وكتب إليه أناس من المنافقين: أن ارض بما اجتمعنا عليه، وإياك أن تشمل المسلمين فتنة من قبلك، فإنهم حديثو عهد بالكفر.

فلما وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما اجتمع الناس على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: ما

ص :196

هذا؟ قال علي عليه السلام: هذا ما ترى، قال له أسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعم، فقال له أسامة: طائعا، قال عليه السلام: لا بل مكرها.

قال: فدخل أسامة على أبي بكر، وقال: السلام عليك يا خليفة المسلمين؟ قال: فرد عليه السلام، وقال: وعليك السلام أيها الأمير؟ أقول: الذي يرويه أصحابنا: أن أسامة بن زيد لم يرجع إلى المدينة إلا بعد أن تغلب أبو بكر على الخلافة، وكتب إليه في الرجوع.

قال صاحب " الصفوة ": وسكن أسامة وادي القرى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نزل المدينة.

ولم يشاهد أسامة شيئا من مشاهد أمير المؤمنين عليه السلام واعتذر عن ذلك باليمين التي كانت عليه إنه لا يقتل رجل يقول: لا إله إلا الله.

وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية فيها أسامة فقتل رجلا يقال له: مرداس بن نهيك - من بني مرة بن عوف - وكان من أهل " فدك "، وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره، فسمعوا بسرية رسول الله صلى الله عليه وآله تريدهم وكان على السرية رجل يقال له: غالب بن فضالة الليثي فهربوا، وأقام الرجل لأنه كان مسلما، فلما رأى الخيل خاف أن يكون من غير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل، وصعد هو إلى الجبل، فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون، فلما سمع التكبير عرف أنهم المسلمون فكبر ونزل، وهو يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، السلام عليكم.

فتغشاه أسامة بن زيد فقتله، واستاق غنمه، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى

ص :197

الله عليه وآله فأخبروه، فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك وجدا شديدا، وقد كان سبقهم قبل ذلك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " قتلتموه إرادة ما معه "، ثم قرأ صلى الله عليه وآله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا) * (1) الآية.

فقال أسامة: يا رسول الله، استغفر لي، فقال صلى الله عليه وآله: كيف بلا إله إلا الله، فقالها رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات.

قال أسامة: فما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يعيدها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله استغفر لي بعد ثلاث مرات، وقال صلى الله عليه وآله: أعتق رقبة، ثم حلف أسامة أن لا يقتل بعد ذلك رجلا يقول:

لا إله إلا الله.

وروى ابن إسحاق: أن أسامة، قال: أدركت هذا الرجل أنا ورجل من الأنصار، فلما شهرنا عليه السلاح، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرناه خبره.

فقال صلى الله عليه وآله: يا أسامة، من لك بلا إله إلا الله، قال: فقلت: يا رسول الله، إنما قالها تعوذا من القتل.

قال صلى الله عليه وآله: فمن لك بها يا أسامة؟

ص :198


1- (1) سورة النساء: 94.

قال: فوالذي بعثه بالحق نبيا، ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن، وإني كنت أسلمت يومئذ، وإني لم أقتله.

قال: فقلت: أنظرني يا رسول الله، إني أعاهد الله أن لا أقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله أبدا.

قال صلى الله عليه وآله: " تقول بعدي يا أسامة! قال: قلت: بعدك.

وروى الكشي: بإسناده عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: كتب علي عليه السلام إلى والي المدينة: لا تعطين سعدا، ولا ابن عمر من الفئ شيئا، فأما أسامة بن زيد فإني قد عذرته في اليمين التي كانت عليه.

وقال الزمخشري في " ربيع الأبرار ": إن أسامة بن زيد بعث إلى علي عليه السلام أن أبعث إلي بعطائي، فوالله، إنك لتعلم أنك لو كنت في فم أسد لدخلت معك.

فكتب إليه عليه السلام: إن هذا المال لمن جاهد عليه، ولكن لي مالا بالمدينة فأصب منه ما شئت.

وروي أن عمر فرض لأسامة أكثر مما فرض لابنه عبد الله، فقال له:

أتفضل علي أسامة وهو مولى؟ فقال: كان أبوه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من أبيك، وكان هو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منك.

وحكى المسعودي في " مروج الذهب ": قال: تنازع أسامة بن زيد وعمر

ص :199

بن عثمان إلى معاوية في أرض.

فقام مروان بن الحكم فجلس إلى جانب عمرو، وقام الحسن بن علي عليه السلام فجلس إلى جانب أسامة.

وقام سعيد بن العاص فجلس إلى جانب مروان، فقام الحسين بن علي عليه السلام فجلس إلى جانب أخيه الحسن عليه السلام.

وقام عبد الله بن عامر فجلس إلى جانب سعيد بن العاص، فقام عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فجلس إلى جانب الحسين عليه السلام.

فقام عبد الرحمان بن الحكم فجلس إلى جانب عبد الله بن عامر، فقام عبد الله بن العباس فجلس إلى جانب عبد الله بن جعفر.

فلما رأى ذلك معاوية، قال: لا تعجلوا أنا كنت شاهدا إذ أقطعها رسول الله صلى الله عليه وآله لأسامة.

فقام الهاشميون فخرجوا، وأقبل الأمويون.

فقيل: ألا أصلحت بينهما، فقال: دعوني، فوالله ما ذكرت عيونهم تحت المغافر بصفين إلا لبس على عقلي.

وعن عمرو بن دينار، قال: دخل الحسين بن علي عليه السلام على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول: وا غماه، فقال له الحسين عليه السلام: " وما غمك يا أخي؟ قال: ديني، وهو ستون ألف درهم، فقال الحسين عليه السلام: هو علي، قال: إني أخشى أن أموت، فقال الحسين عليه السلام: لن تموت حتى أقضيها عنك.

قال: فقضاها قبل موته.

ص :200

وروى الكشي: بإسناده عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إن الحسن بن علي عليه السلام كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبره.

وصوابه: الحسين بن علي عليه السلام، لأن الحسن بن علي عليه السلام توفي سنة تسع وأربعين أو خمسين.

ومات أسامة بن زيد سنة (54 ه) وهو ابن (75) عاما، خلاف في ذلك، فتعين أن يكون المكفن له الحسين عليه السلام، والله أعلم.

يوجد حديثه في " حديث الولاية " و " نخب المناقب ".

201 - أسماء بنت عميس:

ابن معد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل وهو جماع خثعم، هكذا ساق نسبها في " الطبقات الكبرى ".

وفي " الإستيعاب " قال: ابن الحارث بن تيم بدل ابن تيم بن الحارث، وجماعة بدل جماع، وزاد بعد خثعم: ابن أنمار، وقال: على الاختلاف في أنمار، ثم قال: وقيل: أسماء بنت عميس بن مالك بن النعمان بن كعب بن قحافة بن عامر بن زيد بن بشير بن وهب الله الخثعمية من خثعم.

وفي " أسد الغابة ": عن ابن مندة: عميس بن مغنم بن نسيم بن مالك بن قحافة بن تمام بن ربيعة بن خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان، قال: وقد اختلف في أنمار، منهم: من جعله من معد، ومنهم: من جعله من اليمن وهو أكثر، قال: ولا

ص :201

شك أن ابن مندة قد أسقط من النسب شيئا فإنه جعل بينها وبين معد تسعة آباء، ومن عاصرها من الصحابة بل من تزوجها بينه وبين معد عشرون أبا كجعفر وأبي بكر وعلي عليه السلام، وقد يقع في النسب تعدد بزيادة رجل أو رجلين، أما إلى هذا الحد فلا.

وأمها: هند، وهي خولة بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرش، وفي " الإستيعاب ": هي أخت ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس وأخت أخواتها، فأسماء وأختها سلمى وأختها سلامة الخثعميات هن أخوات ميمونة لأم وهن تسع وقيل: عشر أخوات لأم وست لأم وأب.

تزوجها أولا: جعفر بن أبي طالب، وهاجر وهي معه إلى أرض الحبشة فولدت له هناك عبد الله ومحمدا وعونا، وقدم بها جعفر المدينة عام خيبر، ثم قتل عنها بمعركة مؤتة شهيدا في جمادى الأولى سنة (8) من الهجرة، فتزوجها أبو بكر فولدت له محمدا نفست به بذي الحليفة، وفي رواية: بالبيداء، وهم يريدون حجة الوداع فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تستثفر بثوب ثم تغتسل وتحرم وهي نفساء، ثم توفي عنها أبو بكر فتزوجها علي بن أبي طالب سلام الله عليه، فولدت له يحيى وعونا، وفي " الإستيعاب ": ولدت له يحيى ولا خلاف في ذلك، وزعم ابن الكلبي: أن عون بن علي أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، ولم يقل هذا أحد غيره فيما علمت.

قال السيد محسن الأمين في " الأعيان ": وإنما لم يتزوجها علي عليه السلام بعد قتل أخيه جعفر، لأن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت حية، وفي " أسد الغابة ": قيل: إن أسماء تزوجها حمزة، وليس بشئ إنما التي تزوجها حمزة أختها سلمى بنت عميس، وكان لمحمد بن أبي بكر يوم توفي أبوه ثلاث

ص :202

سنين أو نحوها، فرباه أمير المؤمنين عليه السلام فهو ربيبه في حجره، ومن هنا جاءه التشيع وجاءه أيضا من قبل أمه.

عدها الشيخ الطوسي رحمه الله في " رجاله ": من الصحابيات، ونسب الميرزا في " كتابيه " إلى رجال الشيخ عدها من أصحاب علي عليه السلام أيضا، ولكن سائر النسخ خالية عن ذكره.

روت عن النبي صلى الله عليه وآله ستين حديثا، وقال الدارقطني: انفرد بالإخراج عنها مسلم، ولم يذكر عدد ما أخرج لها.

روى عنها ابناها عبد الله وعون ابنا جعفر بن أبي طالب، وحفيدها القاسم بن محمد بن أبي بكر، وحفيدتها أم عون بنت محمد بن أبي جعفر، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن رفاعة، وأبو بردة بن أبي موسى، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن أختها، وأبو زيد المدني، وعمر بن الخطاب، وعروة بن الزبير، وأبو موسى الأشعري.

وأخرج لها الشيخ الصدوق في " الفقيه " رواية قال: فروي عن أسماء بنت عميس أنها قالت: فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله نائم ذات يوم ورأسه في حجر علي عليه السلام ففاته العصر حتى غابت الشمس، فقال: اللهم إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد له الشمس، قالت أسماء: فرأيتها والله غربت ثم طلعت بعد ما غربت، ولم يبق جبل ولا أرض إلا طلعت عليه حتى قام علي عليه السلام وتوضأ وصلى ثم غربت.

ومما لا يختلف فيه المؤرخون: أن أسماء بنت عميس حضرت وفاة الزهراء سلام الله عليها وصنعت لها نعشا، وهو أول نعش صنع في الإسلام،

ص :203

وحضرت تغسيلها أيضا.

قال السيد الأمين: ومما يدل على اختصاص أسماء بأهل البيت عليهم السلام وشدة حبها لهم وللزهراء عليها السلام أنها كانت موضع سرها ومحل حوائجها، فلما مرضت أرسلت خلفها وشكت إليها أن المرأة إذا وضعت على سريرها تكون بارزة للناظرين لا يسترها إلا ثوب، فذكرت لها أسماء النعش المغطى الذي رأته بأرض الحبشة فاستحسنته الزهراء عليها السلام حتى ضحكت بعد أن لم تكن ضحكت بعد أبيها صلى الله عليه وآله غير تلك المرة ودعت لها.

وحضرت أسماء وفاتها وأعانت عليا عليه السلام على غسلها، ولم تدع أحدا يدخل عليها من أمهات المؤمنين ولا غيرهن سواها، وروى ابن عبد البر في " الإستيعاب ": أن فاطمة عليها السلام قالت لأسماء بنت عميس: إذا أنا مت فغسليني أنت وعلي ولا تدخلي علي أحدا فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر فقالت: إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء فوقف على الباب فقال: يا أسماء، ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وآله أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه وآله جعلت لها مثل الهودج؟ فقالت: أمرتني أن لا يدخل عليها واحد، وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع لها ذلك.

قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف.

وفي بعض الروايات: أن أسماء كانت عندها حين وفاتها، وأنها أمرتها أن

ص :204

تأتي ببقية حنوط أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وتضعه عند رأسها.

ومما يدل على مكانتها فبالإضافة إلى ما مر من أحاديث ومواقف، هناك أحاديث ووقائع أخرى تدل على رفعة منزلة هذه المرأة وعلو مكانتها في الإسلام نذكر منها:

روى في " الإستيعاب ": كان عمر بن الخطاب يسألها عن تعبير المنام، ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره، وروى ابن سعد في " الطبقات ": أنه لما قدمت أسماء من أرض الحبشة قال لها عمر: يا حبشية، سبقناكم بالهجرة، فقالت: إي لعمري، لقد صدقت كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء الطرداء، أما والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله فلأذكرن له ذلك، فأتت النبي صلى الله عليه وآله فذكرت له ذلك، فقال: للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان، وفي رواية أخرى لابن سعد: أنه صلى الله عليه وآله قال: كذب من يقول ذلك، لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي (1).

ص :205


1- (1) انظر ترجمتها في: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 63 رقم (111) و (113)، أسد الغابة: 5 / 395، إعلام الورى: 217، أعلام النساء: 1 / 57، أعيان الشيعة: 3 / 300، أعيان النساء: 36، التهذيب: 469، الخصال: 363، الأعلام للزركلي: 1 / 306، الدر المنثور: 35، السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 275 و 346، السيرة النبوية لابن كثير: 2 / 5، الإصابة:

15 - أم سلمة:

أم المؤمنين هند زوجة النبي صلى الله عليه وآله بنت أبي أمية سهيل زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أمها: عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقة جذل الطعن بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة، زوجها الأول: أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، أنجبت له: سلمة وعمر ودرة وزينب، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله.

كانت رضي الله عنها أفضل أمهات المؤمنين بعد خديجة بنت خويلد، وهي مهاجرة جليلة ذات رأي وعقل وكمال وجمال، حالها في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام أشهر من أن يذكر، وأجلى من أن يحرز، ولا يسعنا عبر هذه الأسطر القليلة والوريقات المتعددة أن نحيط بحياة هذه المرأة العظيمة، ونلم بكل ما لديها من صفات حميدة وأخلاق عالية، شهد الله سبحانه وتعالى بفضلها، ورسوله صلى الله عليه وآله، إنما هي لمحات عن سيرة حياتها المباركة قضت عمرها الشريف مهاجرة مدافعة عن عقيدتها ومبدئها.

نراها تقر في بيت زوجها الأول أبو سلمة محبة له، لا تخالف له أمرا، وبعد وفاته رحمه الله تتزوج بخير الكائنات رسول البشرية محمد صلى الله عليه وآله، فتنال بذلك الشرف كل الشرف، فتروي عنه الحديث، وتعلم الناس ما تعلمته من أخلاقه الكريمة وطبائعه الحميدة، حاكية لهم كل ما رأته منه صلى الله عليه وآله، وبعد أن انتقل الرسول الأعظم إلى الرفيق الأعلى نراها تقف إلى جنب وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وتدافع عن سيدتها ومولاتها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين البتول فاطمة الزهراء عليها السلام،

ص :206

وتصبح المؤتمنة عند ولديها الحسن والحسين سلام الله عليهما، ولا تترك نصيحة إلا وقد أبدتها لأولئك الذين اغتصبوا الولاية من أهلها، وجاروا على أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله.

تعد أم سلمة رضي الله عنها راوية من روايات الحديث، عدها البرقي، والشيخ الطوسي رحمهما الله في كتابيهما من الراويات عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذا ابن عبد البر، وابن مندة، وأبو نعيم، وكل من ترجم لها (1).

روت عن النبي صلى الله عليه وآله، وعن فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وعن أبي سلمة، وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين، منهم: ابناها عمر وزينب، وكاتبها، وأخوها عامر بن أبي أمية، وابن أخيها مصعب بن عبد الله بن أمية، ومواليها عبد الله بن رافع، ونافع، وسفينة، وأبو كثير، وابن سفينة، وخيرة أم الحسن البصري، وسليمان بن يسار، وأسامة بن زيد بن حارثة، وهند بنت الحارث الفراسية، وصفية بنت شيبة، وأبو عثمان النهدي، وحميد، وأبو أسامة ابنا عبد الرحمان بن عوف بن أبي بكر، وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام، وابناه عكرمة وأبو بكر، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وعروة بن الزبير، وكريب مولى ابن عباس، وقبيصة بن ذويب، ونافع مولى ابن عمر، ويعلى بن مملك، وعبد الله بن عباس، وعائشة، وأبو سعيد الخدري، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وصفية بنت محض، والشعبي، وآخرون (2).

ويبلغ مسندها (378) حديثا، أخرج لها منهما في " الصحيحين " (29) حديثا، والمتفق عليها منها (13) حديثا، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة

ص :207


1- (1) رجال البرقي: 61، رجال الشيخ الطوسي: 32.
2- (2) تهذيب التهذيب: 12 / 456.

عشر (1)، وهذه فضيلة من فضائلها الكثيرة، ومنقبة من مناقبها العظيمة التي امتازت بها من بين سائر زوجات الرسول صلى الله عليه وآله.

وهي من رواة قول النبي صلى الله عليه وآله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (2).

روى عنها الصدوق مرسلا في " الفقيه " قال: وجاءت أم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله، يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية فأستقرض وأضحي؟ فقال: استقرضي وضحي فإنه دين مقضي (3).

وهي من رواة حديث آية التطهير، أخرجه الشيخ الطوسي في " الأمالي " (3).

وهي من رواة حديث الثقلين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كأني

ص :208


1- (1) سير أعلام النبلاء: 2 / 148.
2- (2) رواه عنها ابن عقدة في حديث الولاية، وأخرجه عنه الآمرتسري في " أرجح المطالب ": 338 و 389، والحضرمي في " وسيلة المآل ": 118، ورواه عنها أيضا الشيخ الطوسي في اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 66 / 119، وعنه بحار الأنوار: 37 / 233 حديث
3- (4) الأمالي: 2 / 174، وانظر سنن الترمذي: 5 / 31 حديث (3258) و (328)، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي: 1 / 124 حديث (172) و 2 / 16، صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام: 15 / 176 (ط / مصر) بشرح النووي، و 2 / 360 (ط / عيسى الحلبي)، مستدرك الحاكم: 2 / 150 و 152 و 416، تفسير الطبري: 22 / 6 و 7 و 8، تفسير ابن كثير: 2 / 483 و 484، مسند أحمد: 1 / 185، وغيرهم.

دعيت فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (1).

لأم سلمة نهج خاص في حياتها مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فهي قبل أن تدخل بيته مشبعة بتعاليم الإسلام وبالحب لله ورسوله صلى الله عليه وآله، فهي قرينة رجل في طليعة المسلمين السابقين، هاجرت معه إلى الحبشة، وتحملت المشاق في سبيل إعلاء كلمة الله، وقد زادها الاقتران بالرسول صلى الله عليه وآله إيمانا وبصيرة، فهي حريصة على العمل بما يرضيه وتجنب ما يسخطه، وهي حريصة على حب من يحب وبغض من يبغض، وهي حريصة على استماع حديثه الشريف، فهي منصهرة به صلى الله عليه وآله انصهارا كليا، وهي عارفة بمكانتها ومكانة صويحباتها، وأنهن زوجات أعظم رجل خلقه الله سبحانه وتعالى.

لهذا وغيره ساءها أن يتدخل بعض الصحابة في شؤونهن المتعلقة بزوجهن العظيم، فقد وقعت بينها وبين عمر بن الخطاب مشادة، وذلك أن عمر دخل على أم سلمة، فقال: يا أم سلمة، وتكلمن رسول الله وتراجعنه في شئ؟ فقالت أم سلمة: وا عجباه! وما لك والدخول في أمر رسول الله ونسائه، والله إنا لنكلمه فإن حمل ذلك كان أولى به، وإن نهانا كان أطوع عندنا منك، قال عمر:

فندمت على كلامي لنساء النبي لما قلت (2).

ص :209


1- (1) أخرجه الآمرتسري في " أرجح المطالب ": 338 من طريق ابن عقدة، وأورده الأربلي في " كشف الغمة ": 2 / 34.
2- (2) الطبقات الكبرى: 8 / 137.

وذكر الدكتور علي إبراهيم حسن، والدكتورة بنت الشاطئ أنها قالت له:

عجبا لك يا ابن الخطاب قد دخلت في كل شئ حتى تبغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه (1).

ومن الطبيعي أن تكون أم سلمة من الناقمين على عثمان، شأنها شأن كبار المهاجرين والأنصار وجمهور المسلمين، ولكنا نراها وهي ناقمة تجتمع بالخليفة محاولة توجيهه وإرجاعه للطريق المستقيم، فتقول له وهي تعظه: يا بني! مالي أرى رعيتك عنك نافرين، وعن جناحك ناقدين، لا تعف طريقا كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبها، ولا تقتدح بزند كان عليه السلام أكباه.

ويجيبها عثمان: أما بعد، فقد قلت فوعيت، وأوصيت فقبلت، ولي عليك حق النصحة، إن هؤلاء النفر رعاع... (2).

ولم يحدثنا التاريخ عن موقف لها مع عثمان استعملت فيه التهريج والتأليب عليه.

وحينما عزمت عائشة على الخروج على الإمام علي سلام الله عليه ذهبت لاستمالة أم سلمة لعلمها بمنزلتها، إلا إن أم سلمة وعظتها وأرشدتها وذكرتها بأشياء تناستها، وأقامت الحجة الدافعة عليها، لذلك رجعت عائشة عن غيها، لولا أن عبد الله بن الزبير نفث في أذنها وأرجعها إلى رأيها الأول.

قال المامقاني في " تنقيح المقال ": ومن فضائلها تسليم رسول الله صلى الله عليه وآله إليها تربة سيد الشهداء عليه السلام، وإخباره إياها بأنها متى

ص :210


1- (1) نساء لهن في التاريخ الإسلامي نصيب: 38، موسوعة آل النبي: 315.
2- (2) أعلام النساء: 5 / 224.

فاضت دما فاعلمي أن الحسين عليه السلام قد قتل، وكذلك فعل الحسين عليه السلام (1).

اختلف في وفاة أم سلمة رضي الله عنها شأنها شأن الكثير من الصحابة، فقيل سنة (59 ه)، وقيل سنة (61 ه) ولها يوم ماتت أربع وثمانون سنة، وصلى عليها ابن أخيها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية (2).

16 - أم هانئ بنت أبي طالب:

ويقال: اسمها " هند " والأصح " فاختة "، من فواضل نساء عصرها، خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عمه أبي طالب قبل أن يوحى إليه، وخطبها معه هبيرة بن أبي وهب، فزوجها هبيرة.

فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا عم، زوجت هبيرة وتركتني، قال:

يا ابن أخي، إنا قد صاهرنا إليهم، والكريم يكافئ الكريم.

وأسلمت أم هاني رضي الله عنها عام " الفتح "، فلما أسلمت وفتح الرسول

ص :211


1- (1) تنقيح المقال: 3 / 72، البداية والنهاية: 8 / 199. وانظر مقدمة الملهوف " الطبعة الجديدة " ففيه عدة أحاديث في إخبار النبي صلى الله عليه وآله لأم سلمة عن استشهاد الحسين عليه السلام.
2- (2) الطبقات الكبرى: 8 / 68، المستدرك على الصحيحين: 4 / 20. انظر ترجمتها في: أسد الغابة: 5 / 56 و 590، إعلام الورى: 197، أعلا م النساء: 5 / 224، أعيان الشيعة: 10 / 272 و 479، أمالي الطوسي: 2 / 174، أنساب الأشراف:

صلى الله عليه وآله مكة هرب زوجها إلى نجران (1).

وقال حين فر معتذرا من فراره:

لعمرك ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل

ولكني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي

وقفت فلما خفت ضيقة موقفي * رجعت لعود كالهزبر إلى الشبل

ولما بلغه إسلام أم هاني وكانت تحته، قال أبياتا منها:

وعاذلة هبت بليل تلومني * وتعذلني بالليل ضل ضلالها

وتزعم أني إن أطعت عشيرتي * سأردى وهل يرديني إلا زوالها

وقال يخاطب أم هانئ:

فإن كنت قد تابعت دين محمد * وقطعت الأرحام منك حبالها

فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ململمة غبراء يبس بلالها

ولجأ الحارث بن هشام إلى منزل أم هاني رضي الله عنها يوم فتح مكة مستجيرا بها، فدخل عليها أخوها علي عليه السلام فخبرته الخبر، فأخذ السيف ليقتله.

ص :212


1- (1) نجران: عدة مواضع منها: نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة.

فقالت أم هاني: يا ابن أم، قد أجرته، فلم يلتفت إلى قولها، فقبضت على يديه، وقالت: والله! لا تقتله وقد أجرته، فلم يقدر على أن يرفع قدمه عن الأرض، وجعل يتفلت منها فلا يقدر.

فدخل النبي صلى الله عليه وآله، فقالت: يا رسول الله، ألا ترى أني أجرت فلانا فأراد علي عليه السلام أن يقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أجرنا من أجرت ولا تغضبي عليا عليه السلام فإن الله يغضب لغضبه أطلقي عنه فأطلقت عنه.

فقال عليه وآله الصلاة والسلام: يا علي، غلبتك امرأة، فقال عليه السلام:

والله، يا رسول الله، ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: لو أن أبا طالبا ولد الناس كلهم لكانوا شجعانا.

وفي " سيرة ابن هشام ": إن أم هانئ، قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله مكة: فر إلي رجلان من أحمائي من بني مخزوم، فدخل عليها علي بن أبي طالب عليه السلام أخوها، فقال: والله لأقتلهما، فأغلقت عليهما باب بيتها، ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو بأعلى مكة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: أهلا بأم هانئ، ما جاء بك؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا يقتلهما.

وخطبها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى نفسها لما فرق الإسلام بينها وبين زوجها هبيرة، فقالت: والله، إن كنت لأحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام؟ ولكني امرأة مصبية وأكره أن يؤذوك.

ص :213

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده.

وفي رواية أخرى: أنها قالت: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من سمعي وبصري وحق الزوج عظيم فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأني وولدي، وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق الزوج.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على بعل في ذات يده.

وروت أم هانئ رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله 46 حديثا، وروى عنها مولاها أبو مرة، وأبو صالح باذام، وابن ابنها هارون، وعبد الله بن عياش، وعبد الله الحارث بن نوفل، وابنه عبد الله، والشعبي، وعبد الرحمان بن أبي ليلى، وعطاء، وكريب، ومجاهد، وعروة بن الزبير، ومحمد بن عقبة بن أبي مالك (1).

قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجته حتى نزل بغدير خم ثم قام خطيبا بالهاجرة فقال: أيها الناس، الحديث (2).

ص :214


1- (1) راجع: طبقات ابن سعد، تهذيب التهذيب لابن حجر، الإستيعاب لابن عبد البر، مجموع رقم (31)، التذهيب للذهبي (مخطوط)، المستدرك للحاكم، العقد الفريد لابن عبد ربه، الإصابة لابن حجر، ذيل تاريخ الطبري، التاريخ الصغير للنجاري، جزء فيه من حديث هشام بن عمار السلمي (مخطوط)، سير أعلام النبلاء للذهبي (مخطوط)، وأعلام النساء لكحالة.
2- (2) أخرجه عنها البزار في " مسنده "، ورواه عنه السمهودي الشافعي - كما ذكره القندوزي الحنفي في " ينابيع المودة ": 40، وأخرجه عنها ابن عقدة في كتاب " حديث الولاية " بإسناده.

17 - البراء بن عازب:

ابن الحرث بن عدي الأنصاري الأوسي، يكنى أبا عامر، صحابي ابن صحابي، استصغر يوم " بدر " وشهد " أحدا "، وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.

قال صاحب " الإستيعاب ": شهد مع علي عليه السلام " الجمل " و " صفين " و " النهروان "، ثم نزل الكوفة، ومات بها أيام مصعب بن الزبير.

وقال العلامة الحلي رحمه الله: البراء بن عازب مشكور بعد إذ أصابته دعوة أمير المؤمنين عليه السلام في كتمان حديث " غدير خم ".

روى عبد الله بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو مريم الأنصاري، عن المنهال بن عمر، عن ابن حبيش، قال: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام من القصر فاستقبله ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمائم، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا، فقال علي عليه السلام:

من هاهنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقام خالد بن زيد بن أيوب، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، فشهدوا جميعا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم - غدير خم - قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال علي عليه السلام لأنس بن مالك، والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم؟ قال عليه السلام: اللهم إن كانا كتماها معاندة فابتلهما، فعمي البراء بن عازب، وبرص قدما أنس بن مالك.

فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولا

ص :215

فضلا أبدا، وأما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله، فيقال: هو في موضع كذا وكذا، فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة؟ وروى الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب " الإرشاد " (1) عن إسماعيل بن صبيح، عن يحيى بن المساور العابد، عن إسماعيل بن زياد، قال: إن عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب ذات يوم: يا براء، يقتل ابني الحسين عليه السلام وأنت حي لا تنصره، فلما قتل الحسين عليه السلام كان البراء يقول: صدق والله علي بن أبي طالب، قتل الحسين ولم أنصره، ثم يظهر الحسرة على ذلك والندم. (2) قال ابن حجر في " التقريب ": مات البراء بن عازب سنة (72 ه).

18 - بريدة بن الحصيب الأسلمي:

بريدة - بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الدال المهملة وفي آخرها هاء - ابن الحصيب - بالمهملتين - مصغرا الأسلمي.

صحابي مشهور أسلم قبل " بدر "، وشهد " أحدا ".

قال ابن شهرآشوب: غزى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ست غزوات.

ص :216


1- (1) الإرشاد: 174.
2- (2) انظر: مناقب ابن شهرآشوب: 2 / 270، إعلام الورى: 177، شرح نهج البلاغة: 10 / 15، كشف اليقين: 99 ح 91، نهج الحق: 243، منهاج الكرامة: 109، كشف الغمة: 1 / 279، المحجة البيضاء: 4 / 198، البحار: 41 / 315، و ج 44 / 262 ح 18.

وقال الفضل بن شاذان: إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين هو والبراء بن مالك.

روى أحمد بن حنبل في " مسنده "، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال:

بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بعثين: على أحدهما علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإذا افترقتم فكل واحد منكما على جنده.

فلقينا - بني زيد - من اليمن فاقتتلنا، وظهر المسلمون فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي عليه السلام من السبي امرأة لنفسه.

قال بريدة: وكتب خالد بن الوليد معي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره بذلك، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وآله دفعت الكتاب إليه، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، فقد بلغت ما أرسلت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يقع في علي عليه السلام فإنه مني، وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

وفي كتاب " المناقب " تأليف أبي بكر بن موسى بن مردويه - وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيت عليهم السلام - هذا الحديث من عدة طرق.

وفي رواية - بريدة - له زيادة، وهي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لبريدة: إيه عنك يا بريدة! فقد أكثرت الوقوع في علي عليه السلام، فوالله إنك لتقع برجل أنه أولى الناس بكم بعدي.

وزيادة أخرى: إن بريدة قال: يا رسول الله، استغفر لي، فقال النبي صلى

ص :217

الله عليه وآله: حتى يأتي علي عليه السلام، فلما جاء علي عليه السلام طلب بريدة أن يستغفر له، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن تستغفر له أستغفر له فاستغفر له عليه السلام.

وفي الحديث زيادة أخرى: أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وتبع عليا عليه السلام لأجل ما كان سمعه من نص النبي صلى الله عليه وآله بالولاية بعده.

وفي حديث حذيفة بن اليمان، عن بريدة، أنه قال: كنت أنا وعمار - أخي - مع رسول الله صلى الله عليه وآله في نخيل بني النجار، فدخل علينا علي بن أبي طالب عليه السلام وسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله السلام ورددنا، ثم قال له: يا علي، اجلس هناك، فجلس فدخل رجال فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالسلام على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فسلموا وما كادوا، ثم دخل أبو بكر وعمر فسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: سلما على علي بإمرة المؤمنين، فقالا: الأمر من الله ورسوله؟ فقال: نعم.

ثم دخل طلحة وسعد بن مالك فسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: سلما على علي بإمرة المؤمنين، فقالا: عن الله ورسوله؟ فقال: نعم، فقالا:

سمعنا وأطعنا.

ثم دخل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري رضي الله عنهما - فسلما فرد عليهما السلام، فقال: سلما على علي بإمرة المؤمنين فسلما، ولم يقولا شيئا.

ثم دخل عثمان وأبو عبيدة فسلما فرد عليهما السلام، فقال: سلما على علي بإمرة المؤمنين، قالا: عن الله ورسوله؟ قال: نعم.

ص :218

ثم دخل فلان وفلان، وعد جماعة من المهاجرين والأنصار، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: سلموا على علي بإمرة المؤمنين، فبعض سلم ولم يقل شيئا، وبعض يقول: عن الله ورسوله؟ فيقول: نعم.

حتى غص المجلس بأهله، وامتلأت الحجرة، وجلس بعض على الباب، وفي الطريق، وكانوا يدخلون فيسلمون ويخرجون.

ثم قال صلى الله عليه وآله لي ولأخي: قم يا بريدة، أنت وأخوك فسلما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فقمنا فسلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا فجلسنا.

قال: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم جميعا، فقال: اسمعوا وعوا إني أمرتكم أن تسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، وأن رجالا سألوني أن ذلك عن أمر الله تعالى وأمر رسوله، ما كان محمد أن يأتي أمرا من تلقاء نفسه، بل بوحي ربه وأمره، أفرأيتم والذي نفسه بيده لأن أبيتم ونقضتموه لتكفرن ولتفارقون ما بعثني به ربي * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * (1).

قال بريدة: فلما خرجنا سمعنا بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين من قريش، يقول لصاحبه - وقد التقت بهما طائفة من الجفاة البطاء عن الإسلام من قريش: أما رأيت ما صنع محمد بابن عمه من علو المنزلة والمكان لو يستطيع والله لجعله نبيا من بعده؟ فقال له صاحبه: أمسك ولا يكبرن عليك هذا فإنا لو فقدنا محمدا لكان فعله هذا تحت أقدامنا.

ص :219


1- (1) سورة الكهف: 29.

قال حذيفة: ومضى بريدة ودخل المسجد وأبو بكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة، فناداهما من ناحية المسجد: يا أبا بكر، ويا عمر، فقالا: يا بريدة، أجننت؟ فقال لهما: والله، ما جننت، ولكن أين سلامكما بالأمس على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين؟ فقال له أبو بكر: يا بريدة، الأمر يحدث بعده الأمر، وأنك غبت وشهدنا، والشاهد يرى ما يرى الغائب.

فقال لهما: رأيتما ما لم يره الله ورسوله، ولكن وفى لك صاحبك بقوله: لو فقدنا محمدا لكان قوله هذا تحت أقدامنا.

ألا إن المدينة حرام علي أن أسكنها أبدا حتى أموت.

فخرج بريدة بأهله وولده، فنزل بين قومه - بني أسلم - فكان يطلع في الوقت دون الوقت، فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام سار إليه، وكان معه حتى قدم العراق.

فلما أصيب أمير المؤمنين عليه السلام سار إلى خراسان، فنزلها ولبث هناك إلى أن مات رحمه الله.

وعن أبان بن تغلب، عن الصادق عليه السلام: أن بريدة قال لأبي بكر: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا لقي الحق من الباطل؟ يا أبا بكر، أنسيت أم خدعت أم خدعت نفسك وسولت لك الأباطيل؟ أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله من تسمية علي عليه السلام بإمرة المؤمنين والنبي صلى الله عليه وآله بين أظهرنا وقوله له في عدة أوقات: هذا أمير المؤمنين وقاتل القاسطين؟ اتق

ص :220

الله، وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها، وأنقذها مما يهلكها، وأردد الأمر إلى من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وارجع وأنت تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح، ودللتك على طريق النجاة فلا تكونن ظهيرا للمجرمين.

وفي " مناقب " ابن شهرآشوب: جاء بريدة حتى ركز رايته في وسط أسلم حتى قال: لا أبايع حتى يبايع علي عليه السلام، فقال علي عليه السلام: يا بريدة، أدخل فيما دخل فيه الناس، فإن اجتماعهم أحب إلي من اختلافهم اليوم.

وتوفي بريدة سنة (62 ه)، وقيل: (63 ه).

وقال صاحب " معجم البلدان ": روي عن بريدة بن الحصيب - أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله - أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بريدة، إنه سيبعث من بعدي بعوث، فإذا بعثت فكن في بعث الشرق، ثم كن في بعث خراسان، ثم كن في بعث أرض يقال لها: مرو، فإذا أتيتها فأنزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين، وصلى فيها عزير، أنهارها تجري بالبركة على كل نقب، منها مالك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة.

فقدمها بريدة غازيا وأقام بها إلى أن مات، وقبره إلى الآن بها معروف عليه راية رأيتها.

والأسلمي - بفتح الهمزة، وسكون السين المهملة، وفتح اللام، وكسر الميم - نسبة إلى أسلم بن قصي بن حارثة بن عمرو بن عمر القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد.

وهي قبيلة ينسب إليها جماعة من الصحابة، والله أعلم.

قال الحاكم: عن محمد بن صالح بن هانئ، قال: ثنا أحمد بن نصر،

ص :221

وأخبرنا محمد بن علي الشيباني - بالكوفة -، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا محمد بن عبد الله العمري، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن يحيى، وأحمد بن يوسف، قالوا: ثنا أبو نعيم، ثنا ابن أبي غنية (1)، عن حكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عنه (2).

19 - جابر بن سمرة السوائي:

أبو عبد الله، حليف بني زهرة بن كلاب، ابتنى بالكوفة دارا في بني سواءة، وتوفي بها في خلافة عبد الملك بن مروان، قال ابن حجر: توفي في ولاية بشر على العراق سنة (74 ه) (3).

20 - جابر الأنصاري:

ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي، الصحابي الجليل، شهد

ص :222


1- (1) كذا في " المستدرك "، وفي " الحلية " لأبي نعيم: ابن عيينة، وفي بعض النسخ: ابن أبي عتبة، وفي بعضها ابن عينة، ويقال: الصحيح ابن أبي غنية.
2- (2) مستدرك الحاكم: 3 / 110، وفي " حلية الأولياء ": 4 / 23، بإسناده من طريق ابن عيينة المذكور، وفي " الإستيعاب ": 2 / 473 - في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - وعده في " مقتل " الخوارزمي، و " أسنى المطالب ": 3 للجزري الشافعي ممن روى - حديث الغدير - من الصحابة، وفي " تاريخ الخلفاء ": 114 رواه عنه من طريق البزار، وفي " الجامع الصغير ": 2 / 555 من طريق أحمد، وفي " كنز العمال ": 6 / 397، نقلا عن الحافظ ابن أبي شيبة، وأبي جرير، وأبي نعيم بأسنادهم عنه، وفي " مفتاح النجا " و " نزل الأبرار ": 20 من طريق البزار، عنه، وفي " تفسير المنار ": 6 / 464 - من طريق أحمد، عنه.
3- (3) الإصابة، كنز العمال: 6 / 398، مقتل الخوارزمي: 4، حديث الولاية.

مع رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر غزواته، ومنها غزوة بدر.

كان رضوان الله عليه منقطعا إلى أهل البيت عليهم السلام، ممدوحا من قبلهم، ويعد من أصفيائهم، أثنى عليه أصحابنا، وأوردوا روايات شتى في مدحه والثناء عليه، يعد رحمه الله تعالى في الطبقة الأولى من المفسرين.

كان من أوائل الزائرين لقبر الإمام الحسين عليه السلام بعد فاجعة كربلاء المروعة.

فقد عينيه في أواخر حياته، امتد به العمر طويلا حتى أدرك الإمام الباقر عليه السلام وأبلغه سلام رسول الله صلى الله عليه وآله.

توفي عام (78 ه) وهو ابن نيف وتسعين سنة (1).

21 - جرير بن عبد الله بن جابر البجلي:

أبو عمرو، ابتنى بالكوفة دارا في بجيلة، وتوفي بالسراة في ولاية النعمان بن قيس على الكوفة سنة (51 ه)، وقيل: سنة (54 ه) (2).

أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بأربعين يوما، وكان حسن الصورة، وكان له في الحروب بالعراق والقادسية وغيرها أثر عظيم، وكانت

ص :223


1- (1) انظر ترجمته في: أعيان الشيعة: 4 / 45، رجال ابن داود: 6 / 288، تأسيس الشيعة: 323، رجال الطوسي: 37 / 2، التاريخ الكبير: 2 / 207، مستدرك الحاكم: 3 / 564، أسد الغابة: 1 / 256، تاريخ الإسلام: 3 / 143، سير أعلام النبلاء: 3 / 189 / 38، العبر:
2- (2) البداية والنهاية: 7 / 349.

بجيلة متفرقة فجمعهم عمر بن الخطاب وجعل عليهم جريرا، وكان جرير عامل عثمان على همدان ولما قتل عثمان وأتى علي بن أبي طالب عليه السلام الكوفة فاستدعى جريرا وأرسله إلى معاوية، ثم رجع إلى الكوفة وذهب إلى قرقيساء وسكنها ومات بها.

22 - حذيفة بن أسيد الغفاري:

أبو سريحة، من أصحاب الشجرة، شهد مع النبي صلى الله عليه وآله الحديبية، وهو أول مشهده معه.

قال ابن حبان: مات سنة (42 ه)، قاله ابن حجر في " الإصابة " (1).

23 - حذيفة بن اليمان:

واسم اليمان (حسيل) بمهملتين مصغرا، ويقال: (حسل) بكسر ثم سكون، ابن جابر العبسي بموحدة ثم الأشهل حليفهم يكنى - أبو عبد الله - وكان أبوه اليمان صحابيا أيضا استشهد ب " أحد ".

قال ابن هشام في " سيرته "، قال ابن إسحاق: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى " أحد " رفع حسل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان، وثابت بن وقش في الأطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران، فقال أحدهما لصاحبه: لا أبا لك ما تنتظر فوالله إن بقي لواحد منها من عمره إلا ظمؤ حمار وإنما نحن هامة اليوم أو غد فلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى

ص :224


1- (1) أخبار الدول: 103، السيرة الحلبية: 3 / 301، الصواعق المحرقة: 25.

الله عليه وآله، فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما.

فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما حسل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه، فقال حذيفة: أبي، قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده عند ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا.

قال ابن حجر العسقلاني في " التقريب ": كان حذيفة جليلا من السابقين، صح في " مسلم " عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة.

قال الذهبي في " الكاشف ": كان صاحب السر منعه وأباه شهود " بدر " استخلاف المشركين لهما.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن، وأبصركم بالحلال والحرام.

وسئل أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال: كان عارفا بالمنافقين.

وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المعضلات، فقال: فإن سألتموه وجدتموه بها خبيرا.

وكان حذيفة يسمى صاحب السر وكان عمر لا يصلي على جنازة لا يحضرها حذيفة، ويقال: إن عمر سأله: هل أنا منهم؟ وأخرج الكشي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: ضاقت الأرض بسبعة: بهم ترزقون،

ص :225

وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، منهم: سلمان الفارسي، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، وحذيفة، وكان علي عليه السلام يقول: وأنا منهم، وهم صلوا على فاطمة عليها السلام.

وروى ابن شهرآشوب مرفوعا، عن حذيفة، قال: لو أحدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لرجمتموني، قالوا: سبحان الله، نحن نفعل، قال:

لو أحدثكم أن بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة: كثير عددها، شديد بأسها، تقاتلكم ما صدقتم، قالوا: سبحان الله، ومن يصدق بهذا؟ قال: تأتيكم أمكم الحميراء في كتيبة يسوق بها أعلاجها من حيث تسوء وجوهكم.

وذكر أبو موسى الأشعري عند حذيفة بالدين، فقال: أما أنتم فتقولون ذلك، وأما أنا فأشهد أنه عدو لله ولرسوله وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.

وروي أن عليا عليه السلام لما أدرك عمر بن عبد ود ولم يضربه فوقع الناس في علي عليه السلام، فرد عنه حذيفة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا حذيفة، فإن عليا سيذكر سبب وقفته ثم إنه ضربه فلما جاء سأله النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك، فقال عليه السلام: قد كان شتم أمي، وتفل في وجهي فخشيت أن أضربه لحظ نفسي فتركته حتى سكن ما بي ثم قتلته في الله.

أقول: وإنما ذكرنا هذا الحديث لما يعلم به من إخلاص حذيفة رضي الله عنه لأمير المؤمنين عليه السلام من زمن النبي صلى الله عليه وآله.

وروى أبو مخنف، قال: لما بلغ حذيفة بن اليمان أن عليا عليه السلام قد قدم " ذا قار " واستنفر الناس دعا أصحابه فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم

ص :226

ورغبهم في الآخرة، وقال لهم: الحقوا بأمير المؤمنين عليه السلام وسيد الوصيين، فإن من الحق أن تنصروه، وهذا ابنه الحسن وعمار قد قدما الكوفة يستنفرون الناس، فانفروا، قال: فنفر أصحاب حذيفة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ومكث حذيفة بعد ذلك خمسة عشر ليلة وتوفي رضي الله عنه.

وقال المسعودي في " مروج الذهب ": كان حذيفة عليلا بالمدائن في سنة (36 ه) فبلغه قتل عثمان وبيعة علي عليه السلام، فقال: أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة، فوضع على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله، ثم قال: أيها الناس، إن الناس قد بايعوا عليا عليه السلام فعليكم بتقوى الله، وانصروا عليا وآزروه، فوالله إنه لعلى الحق أولا وآخرا، وإنه لخير من مضى بعد نبيكم صلى الله عليه وآله ومن بعد نبيكم، ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم أطبق يمينه على يساره، وقال: اللهم إني أشهدك أني قد بايعت عليا، وقال:

الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم، وقال لابنيه صفوان وسعد: إذا أنا مت احملاني وكونا معه فسيكون له حرب يهلك فيها كثير من الناس فاجهدا أن تشهدا معه فإنه والله على الحق، ومن خالفه على الباطل.

ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام، وقيل: بأربعين يوما. هذا كلام المسعودي.

أقول: وشهد ابناه المذكوران بعد ذلك " صفين " مع أمير المؤمنين عليه السلام وقتلا بها شهيدين رحمهما الله.

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام: لما حضرته الوفاة، قال لابنته: أية ساعة هذه، قالت: آخر الليل، قال: الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ، ولم أوال ظالما على صاحب حق، ولم أعاد صاحب حق -.

ص :227

24 - حسان بن ثابت:

الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد كان رسول الله ينصب له منبرا في المسجد يفاخر عن رسول الله، ويقول الرسول: إن الله يؤيد حسان بن ثابت بروح القدس ما نافح عن رسول الله.

أخباره كثيرة ومات سنة (50 ه).

كان مواليا لأهل البيت عليهم السلام في بداية أمره وملازما لهم، حيث يقول في إحدى قصائده: وكن للذي عادا عليا معاديا، لكنه بعد ذلك أصبح عثماني الهوى.

25 - الإمام الحسن بن علي عليه السلام:

السبط الأكبر لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولد عليه السلام في شهر رمضان، وقيل: النصف من شعبان، وقيل: لخمس خلون منه، سنة ثلاث من الهجرة على الصحيح، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة خمس.

وروى ابن الخشاب: أنه ولد بستة أشهر، ولم يولد بستة أشهر مولود فعاش إلا الحسن بن علي عليه السلام، وعيسى بن مريم (1) عليه السلام.

وفي رواية غيره: إلا الحسن، ويحيى بن زكريا، والمشهور أنه ولد لتسعة أشهر (2).

ص :228


1- (1) الفصول المهمة: 151، تذكرة الخواص: 193، نظم درر السمطين: 194، تهذيب التهذيب: 2 / 296، إسعاف الراغبين: 173، نور الأبصار: 119.
2- (2) ابن شهرآشوب: 4 / 29.

ولما ولد أذن النبي صلى الله عليه وآله في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، وختنه يوم السابع من ولادته، وعق عنه كبشا، وفي رواية: كبشين، وقال لفاطمة عليها السلام: زني شعره، وتصدق بوزنه فضة، وأعطى القابلة رجل العقيقة (1).

وأما حليته: فكان أبيض مشربا حمرة، دعج العينين، سهل الخدين، دقيق المشربة، كث اللحية، وأذفرها، كأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحا من أحسن الناس وجها، وبدنا، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله، وكان جعد الشعر، يخضب بالسواد، وقيل: بالحناء (2).

وكان يكنى - أبا محمد -، ويلقب: السيد، والتقي، والطيب، والزكي، والسبط، والولي، وغير ذلك (3).

ص :229


1- (1) تاريخ الخلفاء: 188، وسيلة المآل: 326 - خ -، نور الأبصار: 119 وفيه: أخرجه الترمذي، ذخائر العقبى: ص 118، نظم درر السمطين: 194، تذكرة الخواص: 193، الفصول المهمة: 151، صحيح الترمذي: 1 / 286 بسنده عن أبي رافع، مسند أحمد بن حنبل: 6 / 9، 391، 179، صحيح النسائي: 2 / 188 وفيه: عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين، تاريخ بغداد: 10 / 151 وقال: كبشا كبشا، مشكل الآثار: 1 / 456، حلية الأولياء: 7 / 116، سنن البيهقي: 9 / 299، مستدرك الصحيحين: 4 / 237 بسنده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، كنز العمال: 7 / 107، وفيه: أخرجه الطبراني وابن عساكر.
2- (2) الفصول المهمة: 153، نظم درر السمطين: 194، نور الأبصار: 119، صحيح الترمذي: 2 / 307، مسند أحمد بن حنبل: 1 / 99، 108، الإصابة: ج 2 ق 1 ص 15، كنز العمال:
3- 7 / 106، وقال: أخرجه الطبراني وأبو نعيم، مستدرك الصحيحين: 3 / 168، صحيح البخاري: 2 / 271، 306. (3) ابن شهرآشوب: 4 / 29، الفصول المهمة: 152، مطالب السؤول: 2 / 3.

وكان كريما، حليما، زاهدا، ذا سكينة، ووقار، جم المناقب كثير الفضائل، حج ماشيا خمسا وعشرين سنة، والنجائب لتقاد بين يديه (1)، وخرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرات، حتى أنه كان يعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفا ويمسك خفا.

وأخرج أحمد، والطبراني في " الكبير "، والدارقطني في " الإفراد " والحاكم، والبيهقي، وابن عساكر، كلهم عن علي عليه السلام قال: لما ولد الحسن سميته حربا، فجاء النبي صلى الله عليه وآله، فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا:

سميناه حربا، فقال: بل هو الحسن، فلما ولد الحسين سميته حربا، فجاء النبي صلى الله عليه وآله فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: سميناه حربا، فقال: بل هو الحسين، فلما ولد الثالث سميته حربا، فجاء النبي صلى الله عليه وآله فقال:

أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: سميناه حربا، فقال: بل هو محسن، ثم قال: إنما سميتهم بولد هارون: شبر وشبير ومشبر " (2).

هذا لفظ أحمد، والآخرين، وهو لأحمد أيضا في رواية أخرى، أني سميت بني هؤلاء تسمية هارون بنيه: شبر، وشبير، ومشبر، وأخرج البغوي والطبراني عن سلمان رضي الله عنه مثله (3).

ص :230


1- (1) مستدرك الصحيحين: 3 / 178، سنن البيهقي: 4 / 331، حلية الأولياء: 2 / 37، ذخائر العقبى: 137.
2- (2) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 98، سنن البيهقي: 6 / 165، و 7 / 63، الأدب المفرد: 120، مستدرك الصحيحين: 3 / 165، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، أسد الغابة: 2 / 18 و 4 / 308، الإستيعاب: 1 / 139، كنز العمال: 6 / 221 و 7 / 105 وفيه: أخرجه ابن مندة، وأبو نعيم، وابن عساكر، مجمع الزوائد: 9 / 174 وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ذخائر العقبى: 120، كفاية الطالب: 452.
3- (3) الصواعق المحرقة: 115 وفيه: أخرج البغوي وعبد الغني في " الإيضاح " عن سلمان، مناقب ابن المغازلي: 379.

وفي " القاموس ": شبر كنقم، وبشير كقمير، ومشبر كمحدث، أبناء هارون عليه السلام، وبأسمائهم سمى النبي صلى الله عليه وآله، الحسن، والحسين، والمحسن (1).

وأخرج الطبراني، والضياء، عن أبي أيوب رضي الله عنه، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله، والحسن والحسين عليهما السلام يلعبان بين يديه، فقلت: أتحبهما يا رسول الله؟ قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا؟ أشمهما (2).

وأخرج الترمذي، وصححه عن البراء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله أبصر حسنا وحسينا عليهما السلام، فقال: اللهم وإني أحبهما فأحبهما (3).

وأخرج أحمد، وابن ماجة، والحاكم، عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله

ص :231


1- (1) القاموس المحيط: 2 / 55. قال الحافظ الگنجي الشافعي في " كفاية الطالب ": 413: إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي صلى الله عليه وآله ذكرا أسماه رسول الله محسنا، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة، وقال ابن شهرآشوب في " المناقب ": 3 / 304: فولد من فاطمة عليها السلام الحسن والحسين والمحسن سقط.
2- (2) كنز العمال: 6 / 222 وقال: أخرجه الطبراني والضياء المقدسي، عن أبي أيوب، مجمع الزوائد: 9 / 181 وفيه رواه الطبراني، حلية الأولياء: 3 / 301 بسنده عن جابر، خصائص النسائي: 124 بسنده عن أنس بن مالك، كنوز الحقائق: 165، وقال: للديلمي، كنز العمال: 7 / 110 بسنده عن سعد بن مالك، مجمع الزوائد: 9 / 181 وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، ذخائر العقبى: 124 عن سعد بن راشد، مستدرك الصحيحين: 3 / 165 عن فاطمة عليها السلام، الرياض النضرة: 2 / 232 عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها.
3- (3) الجامع الصحيح: 5 / 661 حديث رقم (3782) وقال: هذا حديث حسن صحيح، مسند أحمد بن حنبل: 5 / 369.

عليه وآله قال: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني (1).

وأخرج النسائي، والروياني، والضياء، عن حذيفة، وأبو يعلى عن أبي سعيد، وأحمد، والترمذي، وابن حبان، عن كليهما، وابن ماجة، عن ابن عمر، وابن عدي عن ابن مسعود، والحاكم عن كلا الأربعة، وأبو نعيم في " فضائل الصحابة "، عن علي عليه السلام، والطبراني في " الكبير " عنه عليه السلام، وعن عمر، وحذيفة، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وجابر، والبراء، وأسامة بن زيد، ومالك بن الحويرث، والديلمي، عن أنس، وابن عساكر، عن علي عليه السلام، وابنه الحسين عليه السلام، وعائشة، وابن عمر، وابن عباس، وابن رمثة، وابن النجار، عن أبي هريرة، والحسين بن علي عليه السلام، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (2).

وأخرج البخاري، عن عقبة بن الحارث، قال: صلى أبو بكر العصر، ثم خرج يمشي فرأى الحسن عليه السلام يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: بأبي شبيه بالنبي صلى الله عليه وآله لا شبيه بعلي عليه السلام، وعلي عليه

ص :232


1- (1) مسند أحمد: 2 / 288، سنن ابن ماجة: 1 / 51 حديث رقم 143 وفيه: إسناده صحيح، رجاله ثقات، مستدرك الصحيحين: 3 / 166 وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، تاريخ بغداد: 1 / 141، كنوز الحقائق: 134، مجمع الزوائد: 9 / 180، كفاية الطالب: 340.
2- (2) خصائص النسائي: 123، حلية الأولياء: 5 / 71 بأسانيد عديدة، تاريخ بغداد: 9 / 731، مسند أحمد: 3 / 3، 62، 82، الجامع الصحيح: 5 / 656 حديث رقم (3768)، تهذيب التهذيب: 3 / 358، 4 / 274، أسد الغابة: 5 / 574، كنز العمال: 6 / 317، وقال: أخرجه الروياني وابن حبان في " صحيحه " عن حذيفة، مستدرك الصحيحين: 3 / 167، الإصابة: ج 1 ق 1 ص 266، وقال: أخرجه ابن مندة وأبو نعيم وابن عساكر، مجمع الزوائد: 9 / 182، وفيه: رواه الطبراني، كنوز الحقائق: 81، ذخائر العقبى: 129، وقال: خرجه ابن السمان في " الموافقة "، ينابيع المودة: 164.

السلام يضحك (1).

وأخرج أحمد، والبغوي، والنسائي، والطبراني، والحاكم، والبيهقي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أبيه، قال: طرح علينا رسول الله صلى الله عليه وآله في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسنا عليه السلام فتقدم النبي صلى الله عليه وآله فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك؟ قال صلى الله عليه وآله: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " (2).

وأخرج أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، عن أبي بكرة قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله على المنبر، والحسن بن علي عليه السلام

ص :233


1- (1) صحيح البخاري: 2 / 271، 306، مستدرك الصحيحين: 3 / 168، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، مسند أحمد: 1 / 8، فتح الباري: 8 / 97 بسنده عن ابن أبي مليكة قال: وكانت فاطمة عليها السلام ترقص الحسن وتقول: ابني شبيه بالنبي * ليس شبيها بعلي تاريخ الخلفاء: 188، الفصول المهمة: 152 وفيه: وعلي عليه السلام يبتسم، مستدرك الصحيحين: 3 / 168 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، مطالب السؤول: 1 / 190.
2- (2) مستدرك الصحيحين: 3 / 165، صحيح النسائي: 1 / 171، مسند أحمد: 3 / 493، سنن البيهقي: 2 / 263، أسد الغابة: 2 / 389، كنز العمال: 7 / 109، بسندين و 6 / 222 وقال: أخرجه البغوي والطبراني وسعيد بن منصور في " سننه ".

إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، وهو يقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (1).

وفي رواية أخرى لأبي داود: " إن ابني هذا سيد، وأني لأرجو أن يصلح الله به بين فئتين من أمتي " (2).

والترمذي بلفظ: " إن ابني هذا سيد يصلح الله على يديه بين فئتين " (3).

ولفظه عند الطبراني في " الكبير ": " إن ابني هذا سيد، وأن الله سيصلح على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين " (4).

وفي رواية أخرى له: " إن ابني هذا سيد، وأنه ريحانتي من الدنيا، وأني أرجو أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين " (5).

وأخرجه يحيى بن معين في " فوائده "، والبيهقي في " دلائل النبوة "، والخطيب، وابن عساكر، والضياء، كلهم عن جابر رضي الله عنه، بلفظ: " إن ابني هذا سيد، وليصلحن الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين " (6).

ص :234


1- (1) مسند أحمد: 5 / 44، صحيح البخاري: 2 / 71، 175، تاريخ ابن عساكر: 4 / 211، صحيح النسائي: 1 / 208، صحيح أبي داود: 29 / 173، حلية الأولياء: 2 / 35، تاريخ بغداد: 3 / 215، ذخائر العقبى: 125، مستدرك الصحيحين: 3 / 169، كنز العمال: 7 / 104، مجمع الزوائد: 9 / 178، كفاية الطالب: 340.
2- (2) صحيح أبي داود: 29 / 173، أسد الغابة: 2 / 11.
3- (3) الجامع الصحيح: 5 / 658 حديث رقم (3773) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
4- (4) مجمع الزوائد: 9 / 178 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
5- (5) ذخائر العقبى: 125، مسند أحمد: 5 / 51، حلية الأولياء: 2 / 35.
6- (6) تاريخ بغداد: 3 / 215 و 8 / 26، كنز العمال: 6 / 222، وقال: أخرجه يحيى بن معين في " فوائده "، والبيهقي في " الدلائل "، وابن عساكر، وسعيد بن منصور في " سننه " عن جابر، الصراط السوي: 92 - خ -.

وعند أبي نعيم في " الحلية "، عن أبي بكرة، بلفظ: " إن هذا ريحانتي، وإن هذا ابني سيد، وعسى أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين " (1).

وأخرج الحاكم، عن عبد الرحمان بن جبير بن نفير، قال: قلت للحسن عليه السلام: إنك تريد الخلافة؟ فقال عليه السلام: قد كان جماجم العرب في يدي، يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وآله، ثم ابتزها أهل الحجاز (2).

وأخرج أحمد، والهيثم بن كليب الشاشي، والحاكم، كلهم عن علي عليه السلام قال: لما ولد الحسن عليه السلام سميته حمزة، فلما ولد الحسين عليه السلام سميته باسم عمه جعفر، قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: إني أمرت أو رأيت أن أغير اسم ابني هذين، فقلت: الله ورسوله أعلم، فسماهما حسنا وحسينا (3).

وهذا الحديث صحيح على رأي الحاكم.

ولما استشهد أبوه أمير المؤمنين عليه السلام ولي الخلافة بوصية إليه، وقال بعض أهل الأخبار: بويع له بإجماع أهل الحل والعقد عليه، وكان ذلك لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتب العمال، وأمر الأمراء،

ص :235


1- (1) حلية الأولياء: 2 / 35. وانظر الأحاديث الغيبية: 1 / 164 ح 94، فقد أوردنا لهذا الحديث عدة مصادر واحتملنا وضع هذا الحديث لما فيه من دعم للسياسة الأموية.
2- (2) مستدرك الصحيحين: 3 / 170، وفيه: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
3- (3) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 159، مستدرك الصحيحين: 4 / 277 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

ونظر في الأمور.

ولما سمع معاوية بموت علي عليه السلام وبيعة الحسن عليه السلام أنفذ رجلا من حمير إلى الكوفة، وآخر من بني القين إلى البصرة ليطالعاه بالأخبار، ويفسدا على الحسن عليه السلام الأمر، ويغيرا عليه قلوب الناس، فعرف بهما الحسن عليه السلام فأخذهما وقتلهما، وكتب إلى معاوية: أما بعد: فإنك دسست الرجال، وأرصدت العيون، كأنك تحب اللقاء، ولو ترى العاقبة وما أوشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله تعالى (1).

فلما بلغ معاوية كتابه، وقتل الرجلين، سار بنفسه إلى العراق، وتحرك الحسن عليه السلام، وبعث حجر بن عدي رضي الله عنه، واستعد الناس للقتال، فتناقلوا عنه، ثم حفوا مع أخلاطا في الناس... ثم سار حتى نزل ساباط القنطرة وبات هناك، فلما أصبح أراد عليه السلام أن يمتحن أصحابه، ويستبرئ أحوالهم في طاعته ليميز أولياءه من أعدائه، ويكون على بصيرة من لقاء معاوية، فأمر أن ينادي في الناس: الصلاة جامعة، فاستجمعوا، فصعد المنبر وخطبهم فقال:

الحمد لله كلما حمده الحامدون، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له الشاهدون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق، وائتمنه بالوحي صلى الله عليه وآله.

أما بعد، فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح

ص :236


1- (1) تاريخ الخلفاء: 189، بسنده إلى علي بن زيد بن جدعان، الفصول المهمة: 156 وفيه: وكان عليه السلام يتمثل بهذا البيت: يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن اغترارا بظل زائل حمق

خلق الله تعالى لخلقه، وما أصبحت محتملا على امرئ مسلم ضغينة، ولا مريد له بسوء، ولا غايلة، وإنما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، وإني ناظر لكم ولأنفسكم، فلا تخالفوا أمري ولا تردوا علي، وإني غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا ناظر لما فيه مصالحكم والسلام.

فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا: ما ترونه يريد أن يصنع؟ قالوا: نظن أنه يريد أن يصالح معاوية، ويسلم إليه الأمر، فشدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ورداءه من عاتقه، فرجع وركب فرسه وتقلد بسيفه وأحدق به طوائف من خواص شيعته، فمنعوه وطافوا به، وأطاف به ربيعة وهمدان وجماعة من غيرهم وساروا معه.

فبادر إليه رجل من بني أسد اسمه - الجراح بن سنان - في يده خنجر فطعنه به في فخذه فشقه حتى بلغ العظم، وحمل الحسن عليه السلام على سرير من تلك الضربة إلى " المدائن "، فنزل بها، واشتغل بمعالجة جرحه.

وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرا، واستحثوه على سرعة المسير نحوهم، وضمنوا له تسلم الحسن عليه السلام عند دنوه منهم، والفتك به.

وبلغ الحسن عليه السلام ذلك، وتحقق فساد نيات أكثر أصحابه وخذلانهم له، ولم يبق معه ممن يأمن غايلته إلا خاصة شيعته وشيعة أبيه، وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح فأجابه إلى ذلك، وأنفذ إليه كتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه، وتسليمه إليه.

ووصل معاوية لصلح الحسن، فاشترط الحسن عليه السلام شروطا كثيرة

ص :237

كان في الوفاء بها مصالح شاملة منها: أن لا يتعرض عماله إلى سب أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر، ولا ذكره بسوء، ولا القنوت عليه في الصلوات.

وأن يؤمن شيعته، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل كل ذي حق حقه، فأجابه معاوية إلى ذلك كله، وكتب بينه وبينه لذلك كتابا (1) صورته هذا:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام معاوية بن أبي سفيان.

صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى، في شامهم، وعراقهم، وحجازهم، ويمنهم، وعلى أن أصحاب علي عليه السلام وشيعته، آمنون على أنفسهم، وأموالهم، ونسائهم، وأولادهم، حيث كانوا، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وعلى أن لا يبتغي للحسن بن علي عليه السلام، ولا لأخيه الحسين عليه السلام، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، غائلة، سرا ولا جهرا، ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق.

ص :238


1- (1) الفصول المهمة: 161 - 163، الغدير: 11 / 5 - 7، وسيلة المآل: 336، مطالب السؤول: 2 / 16.

أشهد عليه فلان وفلان وكفى بالله شهيدا (1).

ولما أبرم الصلح، ودخل معاوية الكوفة، كلم عمرو بن العاص معاوية أن يأمر الحسن عليه السلام فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية، وقال: لا حاجة لنا في ذلك، قال عمرو: لكني أريد ذلك ليبد وعيه، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي، فلم يزل بمعاوية حتى أمره أن يخطب، وقال له: قم يا حسن، وكلم الناس فيما جرى بيننا، فقام الحسن عليه السلام، فحمد الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله، ثم قال:

أيها الناس، إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، ولو أنكم طلبتم ما بين " جابلق " و " جابلص " رجلا جده رسول الله صلى الله عليه وآله، ما وجدتموه غيري، وغير أخي الحسين عليه السلام، وقد علمتم أن الله تعالى هداكم بجدي محمد صلى الله عليه وآله، فأنقذكم من الضلالة، ورفعكم به من الجهالة، وأعزكم به بعد الذلة، وكثركم به بعد القلة.

وأن معاوية نازعني حقا هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة، وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أسالم لمعاوية، وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته ورأيت أن حقن الدماء

ص :239


1- (1) الصواعق المحرقة: 81، تاريخ الطبري: 6 / 92، الكامل في التاريخ: 3 / 175، البداية والنهاية: 8 / 14، تذكرة الخواص: 113، شرح ابن أبي الحديد: 4 / 16 وفيه: فلما استقر له الأمر، ودخل الكوفة، وخطب أهلها، فقال: يا أهل الكوفة، أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم - إلى أن قال: - وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين. وقال أبو إسحاق السبيعي: إن معاوية قال في خطبته - بالنخيلة -: ألا إن كل شئ أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به، قال أبو إسحاق: وكان والله غدارا. مقاتل الطالبيين: 29.

خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم، وبقاءكم وإن أدري لعله فتنة لكم، ومتاع إلى حين (1).

فلما فرغ جلس، وقال معاوية لعمرو بن العاص: ما أردت إلا هذا.

ثم ارتحل الحسن عليه السلام بأهله وحشمه إلى المدينة النبوية، ولم يزل بها حتى مات بها سنة تسع وأربعين، على أرجح الأقوال، لخمس خلون من ربيع الأول على قول أهل السنة، أو في آخر صفر على قول الشيعة.

كاد الحق أن يدال له من الباطل يوم - صفين - وأوشك محمد أن يبلغ المرمى من جيش أبي سفيان.

وأدرك الخصم أن المحاكمة إذا كانت كلها إلى السيف فستظهر كلمة الله ولا ريب، وستكون نهاية الأحزاب الثانية عين نهايتهم الأولى.

أدرك الباطل ذلك بدهائه، فجنح للمخاتلة، وأعد القذيفة، ورفع المصاحف، وقذف النار!! أجل، إنه قذف النار فهلعت قلوب، وعقدت ألسن، وأظلمت بصائر، ونقضت عهود، والتجأ الحق إلى أغماد السيف، وبدأ يعالج الحادث ويصد الغارة.

وطال الموقف، ولا محيد للموقف من أن يطول، واغتيل القائد الأعلى

ص :240


1- (1) وفي رواية: ثم نزل وتوجه بعد ذلك إلى المدينة الشريفة، وأقام بها، وروي: أنه لما تم الصلح لمعاوية، واجتمع عليه الناس، دخل عليه سعد بن أبي وقاص، وقال: السلام عليك أيها الملك، فتبسم معاوية وقال: ما عليك يا أبا إسحاق لو قلت يا أمير المؤمنين؟ قال: ما أحب إني وليتها بما وليتها به. الفصول المهمة: 164، وسيلة المآل: 333 - خ -، الحدائق الوردية: 1 / 101 - 105، مطالب السؤول: 2 / 16.

للحق في حادث من حوادث الفتنة، فتأزم الموقف واشتدت حراجته.

وانتدب الإمام الحسن السبط عليه السلام للقيادة الكبرى بعد مقتل أبيه عليه السلام فما تراه فاعلا؟ أيشهر السلاح؟..

ما الذي جد يا ترى؟..

هل تم علاج الموقف بعد مقتل علي عليه السلام ليتمشق الحسن السيف؟ هل آب المخدوعون إلى رشدهم ليستعيد الحق موقفه الأول؟ لا، لا، إن الموقف لا يزال - بعد - على دقته وعلى شدة حراجته.

وإذن، فلا بد من إغماد السيف، وإتمام العلاج.

وأغمد الحسن عليه السلام السيف، فقال التاريخ والمؤرخون: صالح حسن خصم أبيه، وتنازل له عن حقه.

لا، لا، لم يصالح الحسن عليه السلام خصما، ولم يتنازل عن حق، ولكنه استضعف العقيدة في جنوده، وكيف يلقى عدوه بجند ليس لهم قلوب؟!! ويجتاز الكاتب العربي الكبير الأستاذ - عباس محمود العقاد - على هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ، فيلقي عليها نظرة قصيرة جدا، قريبة لا تنفذ إلى الأعماق، ولا تستوعب الملابسات، ويخلص أخيرا إلى نتيجة مزدوجة:

فهو يرى الحسن عليه السلام معذورا في ما صنع، ولكنه يتهم قيادته بالضعف.

يرى الأستاذ: أن الحرب لطولها وشدتها قد أنهكت الجنود، وأجهدت

ص :241

القوى، وأن الحسن عليه السلام لما رأى هذه الظاهرة في جنوده صمم على إلقاء السلاح لأنه لا يستطيع أن يخوض غمار الحرب بقوى مرهفة.

ثم يقول الأستاذ: ولئن كان في هذا عذر للحسن عليه السلام عما صنع فإنه يدل كذلك على قصور في القيادة، فإن الحرب قد أجهدت جيوش خصمه كما أجهدت جيوشه، والقائد القوي يملك أن يستعيد معنويات جيشه بالخطب الملتهبة وبالأعمال المشجعة.

هذه نظرة الأستاذ التي ألقاها على هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ، وهذا حكمه فيها، فهل صدقت معي أنها من نظرات البسطاء الذين يبصرون ما بين أيديهم ثم لا يلتفتون إلى ما حول ولا إلى ما وراء؟! هل صدقت معي أن الأستاذ حين قال قولته هذه لم يرجع بنظراته هذه إلى " فتنة المصاحف "، ولا إلى " حادثة التحكيم " ولا إلى " واقعة النهروان "، ولا إلى " حديث المؤامرة " التي انتهت بمصرع القائد الأول للحق، ولا إلى شئ آخر يتصل بهذه الشؤون؟ إنه لم يرجع بنظرته إلى شئ من ذلك ليستيقن أن السر أعمق كثيرا من هذا الذي توهمه سببا ثم توجه إليه بالنقد!..

أغمد الإمام الحسن عليه السلام السيف وأعلن الهدنة، فمكن بذلك الناس أن يروا الحكم الأموي على سجيته رأي عين، وأن يبرز أمامهم بخصائصه وأهدافه عاريا مفضوحا دون طلاء ولا تزويق.. للناس كافة.. وليس للعراقيين فقط، ولا للمصريين والحجازيين واليمانيين معهم، بل حتى لأهل الشام، فقد كانت المخادعات والمخاتلات الأموية تستر عليهم وجه الحقيقة طول أيام الحروب.

ص :242

ومكن الناس كلهم شاميهم وعراقيهم أن يستمعوا إلى الحاكم الأموي الأعلى في يوم " ساباط " ذاته وهو يفضح خطبته، ويعلن هدفه، ويكذب دعاواه الطويلة العريضة التي خادع الناس بها طوال السنين.

أن يستمعوا إليه، وهو يقول لهم: إنه لم يقاتلهم ليصوموا ولا ليصلوا ولا ليحجوا ولا ليزكوا، لم يقاتلهم ليقيم ركنا من أركان الإسلام هم تاركوه، إذن، فعلى ماذا أطلت الدماء؟ ولماذا رفعت المصاحف؟ بل ولماذا هتف بدم عثمان؟ إنه قاتلهم ليتآمر عليهم، فأعطاه الله ذلك وهم كارهون.

هذه هي الغاية، وكل ما سواها فوسيلة، حتى القرآن لما رفعه يوم " صفين ". نعم، حتى القرآن فقد كان وسيلة لا غاية. وحتى دم عثمان.

إنما هي القوة والإمرة على الناس وهم راغمون كارهون.

مكن الإمام الحسن عليه السلام للناس كلهم، شاميهم وعراقيهم، أن يستمعوا إلى معاوية، يقول لهم هذا بصراحة لم تعهد له في يوم من الأيام، ولقد كان هذا وحده سببا كافيا للإتيان على بناء دولته من القواعد لو كان في البصائر والضمائر بقية من نور.

وتلك الحوادث والأعمال والأقوال من معاوية، ومن عماله وبطانته، تشرح المجمل، وتضع النقاط، وتكشف المستور من مناهج هذه الدولة.

ومواقف الحسن عليه السلام وأقواله وسيرته إلى جنب ذلك تعرف الناس سبيل الهدى الذي اجتنبوه، ومناهج العدل الذي خذلوه، والناس تسمع وتبصر وتعي وتزن، بملء أسماعها وأبصارها وأذهانها وعقولها.

فأي إجراء إسلامي يستطاع في تلك الظروف هو أكبر من ذلك وأجدى

ص :243

للأمة؟ وكان من أثر هذه التمهيدات التي قام بها السبط الأول عليه السلام أن ترنح بناء الدولة الطاغية عند الضربة التي سددها شقيقه وخليفته الإمام الحسين عليه السلام ثم هوى الصرح وتدكدك البناء.

روي عن الصادق عليه السلام خطبة الحسن بن علي عليه السلام عند موادعته لمعاوية - وكذلك روى ملخصها عن أبي عمر زاذان - وفيها: "... قد تركت بنو إسرائيل - وكانوا أصحاب موسى - هارون أخاه وخليفته ووزيره، وعكفوا على العجل وأطاعوا فيه سامريهم، وهم يعلمون أنه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لأبي: إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وقد رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله حين نصبه لهم - بغدير خم - - وسمعوه، ونادى له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله حذرا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به، وهو يدعوهم لما يجد عليهم أعوانا، ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه، فلم يغث ولم ينصر، ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم، وقد جعل في سعة كما جعل النبي صلى الله عليه وآله في سعة، وقد خذلتني الأمة وبايعتك يا ابن حرب.. " (1) الخبر.

وفي احتجاج آخر للإمام المجتبى عليه السلام على معاوية: " تعجب - يا معاوية - أن سمى الله من الأئمة واحدا بعد واحد، وقد نص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم - - وفي غير موطن، واحتج بهم عليهم، وأمرهم

ص :244


1- (1) أمالي الشيخ: 2 / 171، الاحتجاج: 289، البحار: 10 / 138، 143، و 44 / 62.

بطاعتهم، وأخبر أن أولهم: علي بن أبي طالب عليه السلام، ولي كل مؤمن ومؤمنة من بعده، وأنه خليفته فيهم ووصيه " (1).

وكان عمره عليه السلام على أثبت الأقوال خمسة وأربعين سنة، وستة أشهر إلا أياما.

وسبب موته أن زوجته - جعدة بنت الأشعث بن قيس - سمته بإغواء معاوية (2).

قال سبط ابن الجوزي، نقلا عن الشعبي: أنها دس إليها معاوية، فقال:

سمي الحسن عليه السلام وأزوجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن عليه السلام بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد، فبعث إليه بالمال وقال: إني أحب يزيد وأرجو حياته، لولا ذلك لزوجتك إياه (3).

فصارت فظهر قوله تعالى: * (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) * (4).

وصلى عليه أخوه الإمام السبط الشهيد الحسين عليه السلام (5).

ص :245


1- (1) الاحتجاج: 287.
2- (2) وسيلة المآل: 343، نظم درر السمطين: 202، الإصابة: 1 / 330، الإستيعاب: 1 / 375 - هامش الإصابة - تذكرة الخواص: 211، مقاتل الطالبيين: 31، تاريخ اليعقوبي: 2 / 191، تاريخ ابن عساكر: 4 / 199، أخبار أصبهان: 1 / 44، 47، صفوة الصفوة: 1 / 319، تاريخ الخميس: 2 / 289، 292، ذيل المذيل: 15، الأعلام: 2 / 215، مروج الذهب: 3 / 5، مستدرك الصحيحين: 3 / 176، دلائل الإمامة: 12، جواهر العقدين: القسم الثاني، ورقة: 157 - خ -.
3- (3) الفصول المهمة: 211، تاريخ الخلفاء: 192.
4- (4) سورة الحج: 11.
5- (5) تذكرة الخواص: 213، كشف الغمة: 1 / 585، الحدائق الوردية: 1 / 103.

قال ابن عباس: فأقبلت عائشة في أربعين راكبا على بغل مرحل وهي تقول: مالي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب..؟ فقال ابن عباس بعد كلام طويل:

تجملت تبغلت * ولو عشت تفيلت (1) وفي رواية: إن بني أمية رمت بالنبال جنازة الإمام الحسن عليه السلام حتى سل منها سبعون نبلا.

وقد نظم الكلام هذا الصقر البصري فقال:

ويوم الحسن الهادي * على بغلك أسرعت ومايست ومانعت * وخاصمت وقاتلت وفي بيت رسول الله * بالظلم تحكمت هل الزوجة أولى * بالمواريث من البنت لك التسع من الثمن * فبالكل تحكمت تجملت تبغلت * ولو عشت تفيلت (2) وبعد أن وقفت عائشة بوجه الإمام السبط الحسين عليه السلام ومنعت من دفن الإمام الزكي عليه السلام في جوار جده النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وهي تقول: مالي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب؟

ص :246


1- (1) ابن شهرآشوب: 4 / 44.
2- (2) ابن شهرآشوب: 4 / 44.

سار الإمام الحسين عليه السلام بنعش أخيه عليه السلام إلى البقيع الفرقد، ودفنه هناك.

ولما بلغ معاوية موت الحسن عليه السلام، كبر وكبر أهل الشام لذلك التكبير، فقالت فاختة بنت قرظة (1): إنا لله وأنا إليه راجعون، ثم بكت وقالت:

مات سيد المسلمين، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، أقر الله عينك بالذي كبرت لأجله، فقال: مات الحسن عليه السلام، فقالت: أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟ فقال: ما كبرت شماتة، ولكن استراح قلبي (2).

وهذا العذر أشد من الجرم، فإن الشماتة لا تكون إلا باستراحة القلب، ولا يستريح بموت أحد إلا قلب الشامت.

وأما مرويات الإمام الحسن عليه السلام، فروى عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وأبيه عليه السلام، وأخيه الحسين عليه السلام، وأمه فاطمة عليها السلام، وخاله هند بن أبي هالة، وغيره من الصحابة.

وروى عنه ابناه: الحسن بن الحسن، وعبد الله بن الحسن، والشعبي، وأبو هريرة، وعائشة، وأبو الجوزاء ربيعة بن شيبان، وعبد الله وأبو جعفر ابنا علي بن الحسين عليه السلام، وجبير بن نفير، وعكرمة مولى ابن عباس، ومحمد بن

ص :247


1- (1) فاختة بنت قرظة بن حبيب بن عبد شمس... من ربات العقل والرأي والنفوذ والسلطان في خلافة زوجها معاوية بن أبي سفيان... دخل معاوية ذات يوم عليها ومعه خصي وكانت مكشوفة الرأس، فلما رأت الخصي عظت رأسها، فقال لها معاوية: إنه خصي، فقالت: يا أمير، أترى المثلة به أحلت له ما حرم الله عليه، فاسترجع معاوية، وعلم أن الحق ما قالته، فلم يدخل بعد ذلك على حرمه خادما وإن كان كبيرا. أعلام النساء: 4 / 17، فوات الوفيات: 2 / 170، العقد الفريد: 7 / 16، 100.
2- (2) مروج الذهب: 3 / 8، الإمامة والسياسة: 1 / 144، العقد الفريد: 2 / 298، حياة الحيوان: 1 / 58، تاريخ الخميس: 2 / 293.

سيرين، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وهبيرة بن يريم، وسفيان بن الليل، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وغيرهم.

ومن الأكاذيب والمفتريات الصريحة التي نسبوها إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ما أخرجه ابن سعد، عن جعفر بن محمد عليه السلام، قال:

قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه فما رضي أمسك، وما كره طلق.

فقد تزوج الإمام الحسن عليه السلام بثمان أو عشر زوجات على اختلاف الروايتين بما فيهن أمهات أولاده.

ونسب إليه بعض المؤرخين الحاقدين زوجات كثيرات صعدوا في أعدادهن ما شاؤوا... وخفي عليهم أن زواجه الكثير الذي أشاروا إليه بهذه الأعداد، وأشار إليه آخرون بالغمز والانتقاد لا يعني الزواج الذي يختص به الرجل لمشاركة حياته، وإنما كانت حوادث استدعت ظروف شرعية محضة، من شأنها أن يكثر فيها الزواج والطلاق معا، وذلك هو دليل سمتها الخاصة.

ولا غضاضة في كثرة زواج تقتضيه المناسبات الشرعية، بل هو بالنظر إلى ظروف هذه المناسبات دليل قوة الإمام في عقيدة الناس، ولكن المتسرعين إلى النقد والتطاول جهلوا الحقيقة، وجهلوا أنهم جاهلون، ولو أمعنوا النظر في جواب الإمام الحسن عليه السلام لعبد الله بن عامر بن كريز وقد بنى بزوجته، لكانوا غيرهم إذ ينتقدون.

وكان له عليه السلام خمسة عشر ولدا بين ذكر وأنثى، هم: زيد، والحسن، وعمرو، والقاسم، وعبد الله، وعبد الرحمان، والحسن، والأثرم، وطلحة، وأم

ص :248

الحسن، وأم الحسين، وفاطمة، وأم سلمة، ورقية، وأم عبد الله، وفاطمة (1).

والعقب منهم في زيد بن الحسن (2)، والحسن بن الحسن المشهور بالحسن المثنى (3)، بالاتفاق، وأما عمرو بن الحسن، والحسين بن الحسن، فكان لهما عقب وقد انقرض (4).

وقتل مع الحسين عليه السلام من أولاده: عبد الله، والقاسم، وأبي بكر (5).

وقال الشيخ المفيد رحمه الله: وأما الإناث من أولاده فكن سبعة: أم الحسن، وأم الحسين، وأم عبد الله، وأم سلمة، ورقية، واثنتان تسميان فاطمة.

فزيد، وفاطمة الكبرى، وأم الحسن، وأم الحسين أمهم أم بشر بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الخزرجي الأنصاري.

والحسن المثنى أمه بنت منظور الفزارية.

والحسين، وطلحة، وفاطمة الصغرى أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية.

وعمرو، والقاسم، وعبد الله أمهم أم ولد.

وبقية أولاده لأمهات شتى، والعلم عند الملك العزيز الأعلى (6).

ص :249


1- (1) عمدة الطالب: 68، صلح الحسن: 26.
2- (2) عمدة الطالب: 69، الفصول المهمة: 166، تذكرة الخواص: 215.
3- (3) الفصول المهمة: 168، عمدة الطالب: 98، تذكرة الخواص: 215.
4- (4) أعقب من ولد الإمام الحسن عليه السلام أربعة: زيد، والحسن، والحسين الأثرم، وعمر إلا أن الحسين الأثرم وعمر انقرضا سريعا. عمدة الطالب: 68.
5- (5) كشف الغمة: 1 / 575، مطالب السؤول: 2 / 18.
6- (6) الإرشاد: 194، كشف الغمة: 1 / 576، بطل فخ: 20، 21، 23.

26 - الإمام الحسين بن علي عليه السلام:

بعد حول من ميلاد الحسن السبط عليه السلام، وفي اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك، السنة الرابعة من الهجرة، زفت البشرى إلى الرسول صلى الله عليه وآله بميلاد الحسين عليه السلام فأسرع إلى دار علي والزهراء عليهما السلام، فقال لأسماء بنت عميس: " يا أسماء، هاتي ابني "، فحملته إليه، وقد لف في خرقة بيضاء، فاستبشر صلى الله عليه وآله وضمه إليه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم وضعه في حجره وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي وأمي، مم بكاؤك؟ قال صلى الله عليه وآله: " من ابني هذا ".

قالت: إنه ولد الساعة.

قال صلى الله عليه وآله: " يا أسماء، تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي " ثم قال: " يا أسماء، لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادته " (1).

ثم إن الرسول صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: " أي شئ سميت ابني "؟ فأجابه علي عليه السلام: " ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ".

وهنا نزل الوحي المقدس على حبيب الله محمد صلى الله عليه وآله حاملا اسم الوليد من الله تعالى، وإذ تلقى الرسول صلى الله عليه وآله أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلى علي عليه السلام قائلا: " سمه حسينا ".

ص :250


1- (1) إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي: 217 (ط / 1379 ه)، باب خصائص الإمام أبي عبد الله عليه السلام.

وفي اليوم السابع: أسرع الرسول صلى الله عليه وآله إلى بيت الزهراء عليها السلام، فعق عن الحسين عليه السلام كبشا، وأمر بحلق رأسه، والتصدق بزنة شعره فضة، كما أمر بختنه، وهكذا أجرى للحسين عليه السلام ما أجرى لأخيه الحسن عليه السلام من مراسيم إسلامية (1).

لأبي عبد الله الحسين عليه السلام مكانة عظمى لا يرقى إليها سوى أبيه وأمه وأخيه السبط والأئمة من ولده عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، ولو بذل المؤرخ وسعا لتتبع ما يحظى به الحسين عليه السلام من مقام رفيع، بلغ القمة الساحقة في دنيا المسلمين، ولخرج بسفر جليل في هذا المضمار.

فقد قيل له يوما: ما أعظم خوفك من ربك؟ فقال عليه السلام: " لا يأمن من يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا ".

وكان عليه السلام إذا توضأ تغير لون وجهه، وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال عليه السلام: " حق لمن وقف بين يدي الملك الجبار أن يصفر لونه وترتعد مفاصله " (2).

وفي ليلة العاشر من محرم الحرام طلب الإمام الحسين عليه السلام من الجيش الأموي أن يمهله تلك العشية قائلا: " إنا نريد أن نصلي لربنا الليلة ونستغفره فهو يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار ".

وكان عليه السلام يدعو ربه تعالى بهذا الدعاء: " اللهم ارزقني الرغبة في الآخرة، حتى أعرف صدق ذلك في قلبي بالزهادة مني في دنياي، اللهم ارزقني

ص :251


1- (1) أشعة من حياة الحسن بن علي عليه السلام، منشورات دار التوحيد.
2- (2) المجالس السنية للسيد محسن الأمين.

بصرا في أمر الآخرة حتى أطلب الحسنات شوقا، وأفر من السيئات خوفا يا رب... " (1).

وقد خطب عليه السلام مرة محددا مواصفات الحكم الأموي وما آلت إليه الأوضاع السياسية والإدارية من وجهة النظر الإسلامية: "... أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيري، وقد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم (2).

هذه شذرات يسيرة من أفكاره العظيمة التي تحتل مركز الريادة في الفكر الإسلامي الأصيل، ومن شاء المزيد فليراجع سيرته العطرة، فإن له فيها خير عون على إدراك ما للحسين عليه السلام من بعد نظر وسعة فكر وإيمان (3).

ص :252


1- (1) كشف الغمة في معرفة الأئمة: 2 / 274 (ط / 1385 ه).
2- (2) الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين عليه السلام / عبد الكريم القزويني: ج 1.
3- (3) حديث كربلاء / للمقرم: 134 (ط / 1394 ه).

27 - خزيمة بن ثابت:

ابن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري - ذو الشهادتين - يكنى (أبا عمارة) وإنما قيل له: ذو الشهادتين لأن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل شهادته كشهادة رجلين.

قال الزمخشري في " ربيع الأبرار ": روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله استقضاه يهودي دينارا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أو لم أقضك؟ "، فطلب البينة، فقال لأصحابه: " أيكم يشهد لي؟ "، فقال خزيمة: أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: " وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه؟ "، قال: يا رسول الله، نحن نصدقك على الوحي من السماء، فكيف لا نصدقك على إنك قضيته؟ فأنفذ شهادته، وسماه بذلك، لأنه صير شهادته شهادة رجلين (1).

وكان خزيمة من كبار الصحابة، شهد " بدرا " وما بعدها من المشاهد، وكانت راية - بني خطمة - بيده يوم " الفتح ".

قال الفضل بن شاذان: إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان خزيمة ممن أنكر على أبي بكر تقدمه على علي عليه السلام.

وروي عن الصادق عليه السلام أنه قام ذلك اليوم، فقال: أيها الناس، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل شهادتي، ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى، قال: فاشهدوا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

ص :253


1- (1) ورواه ابن الجوزي في كتاب " الأذكياء ".

أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل، وهم الأئمة الذين يقتدى بهم، وقد قلت ما علمت، وما على الرسول إلا البلاغ.

ولما بويع علي بن أبي طالب عليه السلام على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، قال خزيمة بن ثابت الأنصاري - وهو واقف بين يدي المنبر - هذه الأبيات:

إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن

وجدناه أولى الناس بالناس أنه * أطب قريشا بالكتاب وبالسنن

فإن قريشا ما تشق غباره * إذا ما جرى يوما على الضمر البدن

وفيه الذي فيهم من الخير كله * وما فيهم مثل الذي فيه من حسن

وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه قد كان في سالف الزمن

وأول من صلى من الناس كلهم * سوى خيرة النسوان والله ذو منن

وصاحب كبش القوم في كل وقعة * يكون له نفس الشجاع لذي الذقن

فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه * إمامهم حتى أغيب في الكفن

ومن شعر خزيمة قوله في يوم الجمل لعائشة:

أعائش خلي عن علي وعيبه * بما ليس فيه إنما أنت والده

وصي رسول الله من دون أهله * وأنت على ما كان من ذاك شاهده

وحسبك منه بعض ما تعلمينه * ويكفيك لو لم تعلمي غير واحده

ص :254

إذا قيل: ماذا عبت منه رميته * بخذل ابن عفان وما تلك آيده؟

وليس سماء الله قاطرة دما * لذاك وما أرض الفضاء بمائده

وقوله أيضا في ذلك اليوم:

ليس بين الأنصار في حومة الحر * ب وبين العداة إلا الطعان

وقراع الكماة بالقضب البيض * إذا ما تحطم المران

فادعها يستجب فليس من * الخزرج والأوس يا علي جبان

يا وصي النبي قد أجلت الحرب * الأعادي وسارت الأضعان

واستقامت لك الأمور سوى الشام * وفي الشام تظهر الأضغان

حسبهم ما رأوا وحسبك منا * هكذا نحن حيث كنا وكانوا

وقتل خزيمة " بصفين " مع أمير المؤمنين عليه السلام في الواقعة المعروفة ب " وقعة الخميس " في الوقائع.

وقالت منيعة بنت خزيمة بن ثابت - ذي الشهادتين - ترثي أباها:

ص :255

عين جودي على خزيمة بالدمع * قتيل الأحزاب يوم الفرات

قتلوا ذا الشهادتين عتوا * أدرك الله منهم بالترات

قتلوه في فتية غير عزل * يسرعون الركوب في الدعوات

نصروا السيد الموفق ذا العدل * ودانوا بذاك حتى الممات

لعن الله معشرا قتلوه * ورماهم بالخزي والآفات

قال عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني: ومن غريب ما وقفت عليه من العصبية القبيحة أن أبا حيان التوحيدي قال في كتاب " البصائر ": أن خزيمة بن ثابت المقتول مع علي عليه السلام " بصفين " ليس هو ذو الشهادتين، بل آخر من الأنصار صحابي اسمه " خزيمة بن ثابت " وهذا خطأ، لأن كتب الحديث والنسب تنطق بأنه لم يكن في الصحابة من الأنصار ولا من غير الأنصار من اسمه " خزيمة بن ثابت " إلا ذو الشهادتين، وإنما الهوى لا دواء له، على أن الطبري صاحب " التاريخ " قد سبق أبا حيان بهذا القول، ومن كتابه نقل أبو حيان، والكتب الموضوعة لأسماء الصحابة تشهد بخلاف ما ذكراه، ثم أي حاجة لناصري أمير المؤمنين عليه السلام أن يتكثروا بخزيمة، وأبي الهيثم، وعمار وغيرهم لو أنصف الناس هذا، ورأوه بالعين الصحيحة لعملوا أنه لو كان وحده وحاربه الناس كلهم أجمعون لكان على الحق، وكانوا على الباطل. انتهى كلامه.

وكانت وقعة " صفين " في سنة (37 ه).

والخطمي: بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة، وفي آخرها ميم نسبة إلى بطن من الأنصار وهم بنو خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس بن حارثة ينسب إليهم جماعة من الصحابة.

ص :256

28 - رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الأنصاري:

يكنى أبا معاذ، شهد " بدرا "، وكان أبوه رافع من أصحاب " العقبة ".

وكان رفاعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام شهد معه حرب " صفين "، ومات في خلافة معاوية.

توجد روايته في " حديث الولاية " - بإسناد ابن عقدة، و " نخب المناقب " للجعابي، و " كتاب الغدير " لمنصور الرازي.

29 - الزبير بن العوام:

هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسيد بن عبد العزى الأسدي، يكنى - أبا عبد الله - وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وآله، فهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وابن أخي خديجة بنت خويلد زوج الرسول صلى الله عليه وآله.

ذكر النسابون من أن العوام أبا الزبير كان رجلا من القبط.

حدث إسحاق بن جرير، قال: حدثني رجل من بني هاشم وكان نسابة لقريش، قال: كان العوام أبا الزبير رجلا من القبط من أهل مصر، وكان مملوكا لخويلد اشتراه من مصر، وإنما سمي - العوام - لأنه يعوم في نيل مصر، ويخرج ما يفرق فيه من متاع الدنيا، واشتراه خويلد، فنزل بمكة، ثم إن خويلدا تبناه وشرط عليه إن هو جنى عليه جناية رده في الرق، وقال: وكان يقال له: العوام بن خويلد، وقد قال حسان بن ثابت يهجو آل الزبير بن العوام، ويقال: أن عثمان

ص :257

بن الحويرث قالها:

بني أسد ما بال آل خويلد * يحنون شوقا كل يوم إلى القبط

إذا ذكرت هيفاء حنوا لذكرها * وللرمث المقرون والسمك الرقط

أحمري بني العوام إن خويلدا * غداة تبناه ليوثق في الشرط

بأنك إن تجني علي جناية * أردك عبدا للنهايا وللقبط

قال: فسألت الهاشمي، كيف تزوج العوام صفية بنت عبد المطلب، قال:

نحن لم نزوجها، قلت: فمن زوجها؟ قال: كان ظهر بصفية داء لا يراه منها إلا بعلها، فخرجت إلى الطائف إلى الحرث بن كلدة الثقفي، وكان طبيبا، فوصفت له ما تجد، فقال لها: إني لا أستطيع أن أداويك، فإن هذا موضع لا يراه إلا بعل، وكان العوام يومئذ بالطائف قد خرج إلى الحرث بن كلدة من داء كان به، فعالجه حتى برأ، فقال لها الحرث: زوجي نفسك من العوام، ولم تجد بدا من ذلك لما كان بها، فكان الحرث يصف للعوام فيعالجها حتى تماثلت، ففي ذلك يقول الحرث للعوام حين تزوج صفية بنت عبد المطلب:

تزوجتها لا بين زمزم والصفا * ولا في ديار الشعب شعب الأكارم

تزوجتها لم يشهد القوم بضعها * بنو عمها من عبد شمس وهاشم

قال: فكان ذلك سبب تزويج صفية بنت عبد المطلب من العوام.

وروي أنه حضر جماعة من قريش عند معاوية، وعنده عدي بن حاتم الطائي، وكان فيهم عبد الله بن الزبير، فقالوا: يا أمير، ذرنا نكلم عديا فقد زعموا

ص :258

أن عنده جوابا، فقال احذركموه، فقالوا: لا عليك، دعنا وإياه، فقال له ابن الزبير:

يا أبا طريف، متى فقئت عينك؟ قال: يوم فر أبوك، وقتل شر قتلة، وضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف، وأنشد شعرا:

أما وأبي يا ابن الزبير لو أنني * لقيتك يوم الزحف ما رمت لي سخطا

وكان أبي في طئ وأبو أبي * صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا

ولو رمت شتمي عند عدل قضاؤه * لرمت به يا ابن الزبير مدى شحطا

فقال معاوية: قد كنت حذرتكموه فأبيتم.

أقول: عرض عدي بقوله: " صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا " بما ذكره النسابون كما أوردناه.

قال ابن عباس: نزلت * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم) * (1)

الآية في طلحة والزبير، قال الزبير: قرأناها ولم نعلم فإذا نحن المعنيون بها.

شهد الزبير " الجمل " مقاتلا لعلي عليه السلام، وقد روى ابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام من طرق ثمانية: أن عليا ذكر الزبير بقول النبي صلى الله عليه وآله: " ستقاتل عليا وأنت ظالم له ".

وفي " حلية الأولياء " و " الواقدي " و " الطبري " و " البلاذري " أنه رجع فلامه ابنه، فقال: حلفت لا أقاتله، فقال: كفر بيمينك.

أقول: كان عبد الله بن الزبير من رؤساء حرب " الجمل "، وبقية أهل البغي،

ص :259


1- (1) سورة الأنفال: 25.

والمجاهر بعداوة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين، وقد قال صاحب " الإستيعاب ": أنه كانت فيه خلال لا يصلح معها للخلافة لأنه كان بخيلا، ضيق العطن، سيئ الخلق، حسودا، كثير الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية، ونفى عبد الله بن عباس إلى الطايف، وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: " ما زال الزبير يعد منا أهل البيت حتى نشأ عبد الله ". انتهى.

ومع ظهور بغيه وفساده لم تلحقه الندامة عن ذلك أصلا، وكان مصرا على عداوة أهل البيت عليهم السلام، حتى ذكر في كتاب " كشف الغمة " وغيره: أنه في أيام خلافته الباطلة كان يخطب ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وآله، فقيل له في ذلك، فقال: إن له أهيل سوء إذا ذكرته إشرأبوا وشمخوا بأنوفهم.

وفي رواية " الطبري " و " الواقدي ": أنه - الزبير - أعتق عبدا وعاد إلى القتال، وفي خبر، أنه قال: كيف أرجع ألا إنه لهو العار، فقال علي عليه السلام:

" ارجع قبل أن يجتمع عليك العار والنار "، قال: كيف وقد سمعت عثمان يقول:

شهد النبي صلى الله عليه وآله لي ولعشرة بالجنة.

فقال علي عليه السلام: " سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: تسعة ممن ذكرتهم في تابوت في أسفل درك الجحيم، على رأسه صخرة إذا أراد الله عذاب أهلها رفعت " فرجع وهو يقول:

نادى علي بأمر لست أنكره.... الأبيات.

ذكر المفيد في " المحاسن ": أن عليا عليه السلام مر به وهو مرمي، فقال:

" قد كان لك صحبة، لكن دخل الشيطان منخريك فأوردك النار ".

ودعوى التوبة دعوى علم الغيب، إذ كل كافر وضال مات يمكن دعوى

ص :260

توبته باطنا، وانهزام الزبير لا يدل على توبته، - إلا لكان كل من يحارب النبي صلى الله عليه وآله لا أقر بنبوته ظاهرا يمكن دعوى إيمانه باطنا.

قالوا: لما حمل فيهم، قال لهم علي عليه السلام: " أفرجوا له فإنه مغضب "، وهذا يدل على توبته.

قلنا: الكف عنه إنما هو استصلاح ومن كما من النبي صلى الله عليه وآله على أهل مكة مع كفرهم.

قالوا: لما قتله ابن جرموز، قال علي عليه السلام: " قال النبي صلى الله عليه وآله: بشروا قاتل ابن صفية بالنار ".

قلنا: قتل الكافر قد يوجب النار، كما في قتل المعاهد، والقتل غيلة، والقتل للسمعة، والقتل المزبور علامة الفجور، وابن الجرموز آمن الزبير، ثم اغتاله، وقد كان أيضا مع عائشة فلما رأى الدائرة عليهم اعتزلهم، وقد كان علي عليه السلام نادى: " لا يتبع مدبر " فتبعه وقتله، فاستحق النار بمخالفته.

وقد جاهد قزمان يوم " أحد " فاثني عليه بحضرة النبي صلى الله عليه وآله، فقال: " إنه من أهل النار "، فكشف عن حاله فلم يجدوه قاتل إلا لأحساب قومه (1)، أقر بذلك قبل موته.

إن قيل: فلم لا يكون في بشراه قاتله بالنار إيماء إلى العلة فيكون المعلول مؤمنا؟ قلنا: ليس في ذلك شئ من أدوات العلة، وجواز كون البشارة لجواز توهم ثواب قاتله من حيث إنه قتل رأس الفتنة، فأراد النبي صلى الله عليه وآله

ص :261


1- (1) مع أنه كان قتل نفسه بمشقص لما كان يجد من ألم الجراح.

الإخبار عن معاقبته أنه معاقب بخاتمة عمله، كما قد يخبر عمن ظاهره الفساد أنه مثاب نظرا إلى خاتمته، وهذا شئ معروف.

فهذه قطرة من بغيهم وغوايتهم، ونزرة من ميلهم وعداوتهم، انتصرنا عليهم بعد العثور على جملة منها، لو شرحناها لطال كتابنا.

ومن أحسن ما قيل في هذه القصة ونحوها، قول رجل من بني سعد:

صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * فهذا لعمري قلة الانصاف

أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تجوب البيد بالأسجاف

وكان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى من سنة (36 ه).

30 - زيد بن أرقم:

ابن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي، صحابي مشهور أول مشاهده " الخندق " ثم شهد ما بعده، وهو الذي رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عن عبد الله بن أبي سلول قوله: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فكذبه عبد الله بن أبي سلول وحلف، فأنزل الله تعالى تصديق زيد بن أرقم.

قال صاحب " الإستيعاب ": سكن زيد بن أرقم الكوفة، وبنى دارا في " بني كندة "، وشهد مع علي عليه السلام " صفين " وهو معدود من خاصته.

وروى الكشي، عن الفضل بن شاذان، أنه من السابقين الذين رجعوا إلى

ص :262

أمير المؤمنين عليه السلام.

وعن أبي إسرائيل، عن الحكم، عن سليمان المؤذن، عن زيد بن أرقم، قال: نشد علي بن أبي طالب عليه السلام الناس في المسجد، فقال: " أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، فقام اثنا عشر بدريا: ستة من الجانب الأيسر، وستة من الجانب الأيمن، فشهدوا بذلك.

قال زيد بن أرقم: وكنت فيمن سمع ذلك، فكتمته، فذهب الله ببصري، وكان يتندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر.

وروى مسلم في " صحيحه " بإسناده إلى يزيد بن حبان، قال: انطلقت أنا، وحسين بن شبره، وعمر بن مسلم، إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه، قال حسين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت معه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: يا بن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله، فما حدثتكم فاقبلوه، وما لا أحدثكم فلا تكلفونيه، ثم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله يوما خطيبا بماء يدعى " خما " بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: " أما بعد: أيها الناس، إنما أنا بشير يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أولهما، كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ".

فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل

ص :263

بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ".

فقال حسين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساءه من أهل بيته؟ فقال:

نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.

وفي رواية أخرى: فقلنا: من أهل بيته نساءه؟ فقال: لا، أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر ثم الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أهلها وقومها، أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

وروى ابن ديزيل في كتاب " صفين " قال: حدثنا يحيى بن زكريا، قال:

حدثنا علي بن القاسم، عن سعد بن طارق، عن عثمان بن القاسم، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ألا أدلكم على ما أن تسالمتم عليه لم تهلكوا؟ إن وليكم الله وإمامكم علي بن أبي طالب عليه السلام فناصحوه وصدقوه فإن جبرئيل عليه السلام أخبرني بذلك ".

وعن زيد بن أرقم أنه قال: مر برأس الحسين عليه السلام وهو على رمح، وأنا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرأ: * (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) * (1) فقف والله شعري، وناديت: رأسك والله يا بن رسول الله! وأمرك أعجب وأعجب.

وتوفي زيد بن أرقم سنة (66 ه) أو (68 ه) والله أعلم (2).

ص :264


1- (1) سورة الكهف: 9.
2- (2) أسد الغابة: 2 / 124 رقم (1819)، الإصابة في تمييز الصحابة: 1 / 560 رقم (2873)، كتاب الثقات لابن حبان: 3 / 139، سير أعلام النبلاء: 3 / 165 رقم (27)، تهذيب التهذيب: 3 / 340 رقم (727)، مجلة تراثنا: العدد الأول والثاني [38 و 39] السنة العاشرة ص 434 الهامش.

31 - زيد بن ثابت الأنصاري:

إن الذي يراجع حياة زيد بن ثابت ومواقفه، يجد: أنه كان عثمانيا، منحرفا عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام، كما ويجد أنه ممن تهتم السلطة برفع شأنهم، وإثبات الفضائل والكرامات لهم.

وكان عثمان يحب زيد بن ثابت (1)، والذين نصروا عثمان كانوا أربعة، كان زيد بن ثابت أحدهم (2)، وكان على قضاء عثمان (3)، وعلى بيت المال والديوان له (4)، وكان عثمان يستخلفه على المدينة، وكان يذب عن عثمان، حتى رجع لقوله جماعة من الأنصار (5)، وقد قال للأنصار: إنكم نصرتم رسول الله صلى الله عليه وآله فكنتم أنصار الله، فانصروا خليفته تكونوا أنصارا لله مرتين، فقال الحجاج بن غزية: والله، إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول.. الخ.

وفي نص آخر: إن سهل بن حنيف أجابه فقال: يا زيد، أشبعك عثمان من عضدان المدينة؟ والعضيدة: نخلة قصيرة، ينال حملها (6).

وكان بنو عمرو بن عوف قد أجلبوا على عثمان، وكان زيد يذب عنه،

ص :265


1- (1) الإستيعاب بهامش الإصابة: 1 / 554.
2- (2) الكامل لابن الأثير: 3 / 151، وراجع ص 161، أنساب الأشراف: 5 / 60، الغدير: 9 / 159 و 160 عن المصادر التالية: تاريخ الطبري: 5 / 97، تاريخ ابن خلدون:
3- 2 / 391، تاريخ أبي الفداء: 1 / 168. (3) الكامل لابن الأثير: 3 / 187.
4- (4) الكامل لابن الأثير: 3 / 191، أسد الغابة: 2 / 222، أنساب الأشراف: 5 / 58، الإستيعاب بهامش الإصابة: 1 / 553 و 554.
5- (5) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 451.
6- (6) أنساب الأشراف: 5 / 90 و 78، وراجع الكامل لابن الأثير: 3 / 191.

فقال له قائل منهم: وما يمنعك؟! ما أقل والله من الخزرج من له من عضدان العجوة مالك، فقال زيد بن ثابت: اشتريت بمالي، وقطع لي إمامي عمر، وقطع لي إمامي عثمان، فقال له ذلك الرجل: أعطاك عمر عشرين ألف دينار؟ قال: لا، ولكن عمر يستخلفني على المدينة، فوالله ما رجع من مغيب قط إلا قطع لي حديقة من نخل (1).

واستخلاف عمر له في أسفاره معروف ومشهور (2).

هذا... وقد أعطاه عثمان يوما مائة ألف مرة واحدة (3)، وقد بلغ من ثراء زيد أن خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار (4).

وما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا في القضاء، والفتوى، والفرائض، والقراءة (5).

ثم كان عبد الملك بن مروان من الذين يقولون بقول زيد (6)، أما أبوه مروان، فكان قد بلغ من اهتمامه بزيد: أن دعاه، وأجلس له قوما خلف ستر، فأخذ يسأله، وهم يكتبون، ففطن لهم زيد، فقال: يا مروان، أعذر إنما أقول برأيي (7).

ص :266


1- (1) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 451.
2- (2) تذكرة الحفاظ: 1 / 31، الإصابة: 1 / 562، الإستيعاب بهامشها: 1 / 552 و 553.
3- (3) أنساب الأشراف: 5 / 38 و 52، الغدير: 8 / 292 و 286.
4- (4) الغدير: 8 / 284 عن " مروج الذهب " للمسعودي: 1 / 434.
5- (5) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 450، وطبقات ابن سعد: 2 / قسم 2 / 115، تذكرة الحفاظ: 1 / 32، كنز العمال: 16 / 6.
6- (6) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 452.
7- (7) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 452، وطبقات ابن سعد: 2 / قسم 2 / 116.

وأتاه أناس يسألونه، وجعلوا يكتبون كل شئ قاله، فلما أطلعوه على ذلك، قال لهم: لعل كل الذي قلته لكم خطأ، إنما قلت لكم بجهد رأيي (1).

ومع أنه يعترف بأنه إنما يفتي لهم برأيه، فقد بلغ من عمل الناس بفتواه المدعومة من قبل الحكام: أن سعيد بن المسيب يقول: لا أعلم له قولا لا يعمل به، فهو مجمع عليه في المشرق والمغرب (2).

فانظر ماذا ترى!؟

32 - سلمان الفارسي:

معدود من موالي رسول الله صلى الله عليه وآله، وكنيته - أبو عبد الله - وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ يقول: أنا سلمان ابن الإسلام، أنا من بني آدم..

قال ابن بابويه رحمه الله: كان اسم سلمان - روزبه بن خشنوذان - وما سجد قط لمطلع الشمس كما كان يفعل قومه، وإنما كان يسجد لله عز وجل، وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية، وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس مثلهم، وكان سلمان رضي الله عنه وصي عيسى عليه السلام في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين. (انتهى).

وقد روي أنه تداوله أرباب كثيرة بضع عشر ربا من واحد إلى آخر، حتى أقضى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان إسلامه للسنة الأولى من الهجرة، وفي رواية: في جمادى الأولى منها.

ص :267


1- (1) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 452.
2- (2) تهذيب تاريخ دمشق: 5 / 451، وطبقات ابن سعد: 2 / قسم 2 / 116.

وقد ورد في شأن سلمان رضي الله عنه أحاديث كثيرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته.

فمنها: ما رواه الطبراني في " الكبير "، والحاكم في " المستدرك " عن عمرو بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " سلمان منا أهل البيت ".

قال الشيخ ابن العربي في " الفتوحات ": لما كان النبي صلى الله عليه وآله عبدا محضا - أي خالصا - قد طهره الله تعالى وأهل بيته تطهيرا وأذهب عنهم الرجس وكلما يشينهم، فإن الرجس هو القذر عند العرب على ما حكاه القرآن، قال تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (1) فلا يضاف إليهم إلا مطهر، ولا بد أن يكون كذلك، فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس.

فهذا بشهادة من النبي صلى الله عليه وآله لسلمان الفارسي رضي الله عنه بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة، حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله:

" سلمان منا أهل البيت "، وشهد لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم.

وإذا كان لا يضاف إليهم إلا مطهر مقدس، وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم؟ فهم المطهرون بل عين الطهارة. (انتهى).

ومنها: ما روي عنه صلى الله عليه وآله من وجوه أنه قال: " لو كان الدين

ص :268


1- (1) سورة الأحزاب: 33.

في الثريا لناله سلمان "، وفي رواية أخرى: " لناله رجل من فارس ". (1) ومنها: ما روي من حديث ابن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: " أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي عليه السلام، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان ".

ومنها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة، وأن الجنة لأعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة ".

ومنه: ما رواه أبو هريرة، قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية:

* (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) * (2)، قالوا: ومن يستبدل بنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله على منكب سلمان رضي الله عنه ثم قال: " هذا وقومه "، وفي رواية، قال: قال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، يا رسول الله، من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى: إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان رضي الله عنه بجنب رسول الله صلى الله عليه وآله، فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله فخذ سلمان، قال: " هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجل من فارس ".

قال أبو عمرو في " الإستيعاب ": وفي الحديث المروي أن أبا سفيان مر على سلمان، وصهيب، وبلال في نفر من المسلمين، فقالوا: ما أخذت السيوف

ص :269


1- (1) روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة، ولقد أوردنا له طائفة كبيرة من مصادر العامة والخاصة خلال تحقيقنا لكتاب " تسلية المجالس وزينة المجالس " فمن أراد الاطلاع عليها فلينظر أوائل المجلد الأول منه - مقدمة المؤلف -.
2- (2) سورة محمد صلى الله عليه وآله: 38.

مأخذها من عنق عدو الله، وأبو سفيان يسمع قولهم، فقال لهم أبو بكر:

تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها، وأتى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره، فقال:

يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله.

قال: وقد روينا عن عائشة أنها قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وآله يتفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: وقد روى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي عليه السلام، أنه سئل عن سلمان رضي الله عنه، فقال عليه السلام: " علم العلم الأول والعلم الآخر، وذلك بحر لا ينزف، هو منا أهل البيت ".

وعن عبد الرحمان بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام، يقول:

" كان سلمان من المتوسمين ".

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: " سلمان علم الاسم الأعظم ".

وفي رواية زاذان، عن أمير المؤمنين عليه السلام: " سلمان الفارسي كلقمان الحكيم ".

وحكي عن الفضل بن شاذان أنه قال: ما نشأ في الإسلام رجل كان أفقه من سلمان.

وروى قتادة عن أبي هريرة، قال: سلمان صاحب الكتابين - يعني:

الإنجيل والقرآن -.

وعن الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: وقع بين سلمان

ص :270

الفارسي رحمه الله وبين عمر كلام، فقال له عمر: من أنت يا سلمان؟ فقال رضي الله عنه: أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخري وآخرك فإذا كان يوم القيامة ووضعت الموازين، فمن ثقلت موازينه فهو الكريم، ومن خف ميزانه فهو اللئيم.

وعن سلمان رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله: على النصح للمسلمين، والائتمام بعلي بن أبي طالب عليه السلام، والموالاة له.

وعن زاذان، قال: سمعت سلمان يقول: إني لا أزال أحب عليا فإني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يضرب فخذه، ويقول: " محبك لي محب، ومبغضك لي مبغض، ومبغضي لله مبغض ".

وفي رواية أبان بن تغلب، عن الصادق عليه السلام في أمر البيعة، قال:

" قام سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقال: الله أكبر، الله أكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا صمتا أذناي، يقول: بينما أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابي إذ تكبسه جماعة من كلاب أهل النار، يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك أنكم هم.

فهم به عمر بن الخطاب، فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه وجلد به الأرض، ثم قال: يا بن صهاك الحبشية، لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم لأريتك أينا أضعف ناصرا وأقل عددا ".

وفي رواية سليم: قال سلمان رضي الله عنه: فقال لي عمر: أما إذا بايع صاحبك، فقل ما بدا لك، وليقل ما بدا له، قال: فقلت: إني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب الثقلين إلى يوم القيامة، ومثل عذابهم " قال: قل ما شئت، أليس قد بايع ولم تقر

ص :271

عينك بأن يليها صاحبك؟ قال: قلت: فإني أشهد أني قرأت في بعض الكتب - كتب الله المنزلة - أنه باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم، قال: قل ما شئت، أليس قد عزلها الله عن أهل البيت الذين قد اتخذتموهم أربابا؟ قال:

فقلت: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وقد سألته عن هذه الآية: * (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) * (1) فأخبرني أنك أنت هو، فقال: اسكت أسكت الله نامتك أيها العبد ابن اللخناء.

فقال علي عليه السلام: " اسكت يا سلمان "، فسكت، ووالله، لولا أنه أمرني بالسكوت لأخبرته بكل شئ نزل فيه وفي صاحبه.

قال سليم: ثم أقبل على سلمان، فقال: إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا من عصمه الله بآل محمد، فإن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون ومن اتبعه، وبمنزلة العجل ومن اتبعه، فعلي عليه السلام في سنة هارون، وعتيق في سنة السامري، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل: حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وباعا بباع " (2).

وروي أن سلمان رضي الله عنه خطب إلى عمر فرده، ثم ندم فعاد إليه، فقال: إنما أردت أن أعلم ذهبت حمية الجاهلية من قلبك أم هي كما هي؟ قال ابن شهرآشوب في " المناقب ": كان عمر وجه سلمان أميرا إلى المدائن، وإنما أراد له الختلة، فلم يفعل إلا بعد أن استأذن أمير المؤمنين عليه

ص :272


1- (1) سورة الفجر: 25 - 26.
2- (2) حديث متواتر مشهور، روي بألفاظ متفاوتة. أنظر الرجعة للشهيد الأسترآبادي - بتحقيقنا -: 10 فقد ذكرنا لهذا الحديث عدة مصادر، فراجع.

السلام فمضى فأقام بها إلى أن توفي.

قال أبو عمرو: وقد ذكر ابن وهب بن نافع، أن سلمان لم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدار والشجر، وأن رجلا قال له: ألا أبني لك بيتا تسكن فيه؟ قال: لا حاجة في ذلك. فما زال به الرجل حتى قال له: أنا أعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتا إذا أنت كنت فيه أصاب رأسك سقفه، وإن أنت مددت فيه رجلك أصابهما الجدار، قال: نعم، فبنى له.

قال: وكان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن، ويبيعه ويأكل منه، ويقول: لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي، وقد كان تعلم سف الخوص من المدينة.

وروى ابن شهرآشوب في " المناقب "، قال: كان الناس يحفرون الخندق وينشدون سوى سلمان، فقال النبي صلى الله عليه وآله: " اللهم أطلق لسان سلمان ولو على بيت من الشعر "، فأنشأ سلمان يقول:

ما لي لسان فأقول الشعرا * أسأل ربي قوة ونصرا

على عدوي وعدو الطهرا * محمد المختار حاز الفخرا

حتى أنال في الجنان قصرا * مع كل حوراء تحاكي البدرا

فضج المسلمون، وجعلت كل قبيلة تقول: سلمان منا، فقال النبي صلى الله عليه وآله: " سلمان منا أهل البيت ".

وفي رواية عن زاذان: أن أمير المؤمنين عليه السلام لما جاء ليغسل

ص :273

سلمان وجده قد مات، فتبسم في وجهه، وهم أن يجلس، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: " عد إلى موتك ".

قال زاذان: ثم أخذ عليه السلام في تجهيزه، فلما صلى عليه كنا نسمع من أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرا شديدا وكنت رأيت معه رجلين، فسألته عنهما، فقال: " أحدهما أخي جعفر عليه السلام والآخر الخضر عليه السلام ومع كل واحد منهما سبعون صفا من الملائكة في كل صف ألف ألف ملك ".

وقد أشار إلى هذه الحكاية أبو الفضل التميمي في قوله:

سمعت مني يسيرا من عجائبه * وكل أمر علي لم يزل عجبا

دريت عن ليلة سار الوصي بها * إلى المدائن لما أن لها طلبا

فألحد الطهر سلمانا وعاد إلى * عراص يثرب والاصباح ما قربا

كآصف قبل رد الطرف من سبأ * بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا

فكيف في آصف لم تغل أنت؟ بلى * بحيدر أنا غال أورد الكذبا

إن كان أحمد خير المرسلين؟ فذا * خير الوصيين أو كل الحديث هبا

وقلت ما قلت من قول الغلاة فما * ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا

وروي أن ابن عباس رأى سلمان رضي الله عنه في منامه وعليه تاج من ياقوت وحلي وحلل، فقال له: ما أفضل الأشياء بعد الإيمان في الجنة؟ فقال:

ليس في الجنة بعد الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله شئ أفضل من حب علي بن أبي طالب عليه السلام.

ص :274

وتوفي سلمان رضي الله عنه سنة (35 ه)، وقيل: في أول سنة (36 ه) في آخر خلافة عثمان، واختلف في مقدار عمره، فقيل ثلاثمائة وخمسون، وقيل:

أكثر من أربع مائة سنة، وأنه أدرك وصي عيسى عليه السلام، وقيل: مائتان وخمسون سنة.

وكان له من الولد عبد الله وبه كان يكنى، ومحمد وله عقب مشهور، وما اشتهر من أن سلمان رضي الله عنه، كان مجبوبا كلام ينقله جهلة الصوفية لا أصل له والله أعلم (1).

أخرج الحديث بطريقه الحافظ ابن عقدة في " حديث الولاية "، والجعابي في " نخب المناقب "، وعده الجزري الشافعي في " أسنى المطالب ": 4 من رواة حديث الغدير من الصحابة، وأخرجه الحمويني الشافعي في " فرائد السمطين " - الباب (58).

33 - سعد بن أبي وقاص:

أبو إسحاق، شهد بدرا، وهو الذي افتتح القادسية ونزل الكوفة ومصرها، ولاه عمر بن الخطاب، وأقره عثمان زمنا، ثم عزله عنها، فعاد إلى المدينة وأقام قليلا وفقد بصره، فمات في قصره بالعقيق سنة (55 ه) ودفن بالبقيع (2).

ص :275


1- (1) راجع: رجال الكشي: 12 - 27، ونفس الرحمن في فضائل سلمان: للمحدث النوري، والأعلام: 1 / 379.
2- (2) سنن ابن ماجة: 1 / 30، خصائص النسائي: 3، 4، 18، 25، حلية الأولياء: 4 / 356.

34 - سعد بن مالك بن سنان:

أبو سعيد بن عبيد بن تغلبة بن عبيد بن الأبجر الخدري. صحابي وابن صحابي، استشهد أبوه بأحد.

قال ابن عبد البر: كان أبو سعيد من الحفاظ المكثرين العلماء الفضلاء العقلاء وأخباره تشهد بصحة هذه الجملة.

وعن البرقي: إن أبا سعيد الخدري من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.

وقال الفضل بن شاذان: إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

وعن أبي هارون العبدي، قال: كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري، فسمعته يقول: أمر الناس بخمس فعملوا بأربعة وتركوا واحدة، فقال له رجل: يا أبا سعيد: ما هذه الأربعة التي عملوا بها؟ قال: الصلاة والزكاة والحج والصوم، فقال: وما الواحدة التي تركوها؟ قال:

ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: وإنها مفترضة معهن، قال: نعم، فقد كفر الناس، قال: إذا كفر الناس فما ذنبي؟ وروى نصر بن مزاحم في كتاب " صفين "، عن عمرو بن ثابت، عن إسماعيل، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على منبري فاقتلوه "، قال: حدثني بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدري: ولم نفعل فلم نفلح.

ص :276

وروى الشيخ الطوسي في " أماليه " بإسناده عن عبد الله بن شريك، عن سهم بن حصين الأسدي، قال: قدمت إلى مكة أنا وعبد الله بن علقمة، وكان عبد الله بن علقمة سبابا لعلي عليه السلام دهرا، قال: قلت له: هل لك في هذا - يعني أبا سعيد الخدري - نحدث به عهدا؟ قال: نعم، فأتيناه، فقال: هل سمعت لعلي عليه السلام قال: نعم، إذا حدثتك فاسأل عنها المهاجرين قريشا: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قام يوم غدير خم فأبلغ، ثم قال: " ادن يا علي " فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يديه حتى نظرت إلى بياض إبطيهما، وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " ثلاثة مرات، قال: فقال عبد الله بن علقمة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم، وأشار إلى أذنيه وصدره، قال:

سمعته أذناي ووعاه قلبي.

قال عبد الله بن شريك: فقدم علينا عبد الله بن علقمة وسهم بن حصين، فلما صلينا الهجير، قام عبد الله بن علقمة، فقال: إني أتوب إلى الله، وأستغفره من سب علي عليه السلام ثلاث مرات.

وروى الكشي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر أبو سعيد، فقال: " كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان مستقيما " قال:

" فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه إلى مصلاه فمات فيه ".

وتوفي بالمدينة سنة (61 ه) أو (64 ه) أو (65 ه).

35 - سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل القرشي العدوي:

المتوفى سنة (50 ه) أو (51 ه) أحد العشرة المبشرة عند أهل السنة.

ص :277

مات ولم تكن العداوة منه قد ظهرت لأمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيت الرسول عليهم السلام بعناد ظاهر، إلا أنه قد روي من طريق أهل البيت عليهم السلام أنه كان من أصحاب العقبة الذين جلسوا لرسول الله صلى الله عليه وآله لينفروا به ناقته في عقبة هوشي.

فإن كان ما رووا من ذلك حقا فكفى به خزيا ومقتا، وإن كان باطلا فسبيله كسبيل غيره من المسلمين إن كان قد عمل خيرا فخير، وإن كان قد عمل شرا فجزاؤه جهنم.

عده الحافظ ابن المغازلي الشافعي في " مناقبه ": من المائة الرواة لحديث الغدير بطرقه.

36 - سمرة بن جندب الفزاري:

سمرة: بفتح الأول وضم الثاني وفتح الثالث، وجندب: بضم الأول وسكون الثاني وفتح الثالث على وزن " لعبة " صحابي من بني شمخ بن فزارة.

والذي يظهر من تتبع كتب الرجال والسير، لا سيما ما نقله العلامة المامقاني، وابن أبي الحديد - في ترجمة الرجل - أنه كان من أشد الناس قسوة وعداوة لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وكان لا يبالي بقتل الأبرياء، وجعل الأكاذيب، وتحريف الكلم عن مواضعه، وإليك نبذ مما التقطناه من مخازيه:

1 - إن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم على أن يروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن هذه الآية نزلت في علي عليه السلام: * (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام...

ص :278

إلى قوله تعالى: والله لا يحب الفساد) * (1).

وأن هذه الآية نزلت في ابن ملجم: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد) * (2). فلم يقبل فزاده حتى بلغ أربعمائة ألف درهم فقبل (3).

2 - ولاه معاوية فأسرف هذا السفاح في القتل إسرافا لا حدود له.

فهذا أنس بن سيرين يقول لمن سأله: هل كان سمرة قتل أحدا؟ وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب؟ 3 - استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس (وفي رواية: من الشيعة)، فقال له - يعني زيادا -: هل تخاف أن تكون قتلت أحدا بريئا، فرد عليه قائلا: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت (4).

4 - وقال أبو سوار العدوي: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلا قد جمع القرآن (5).

5 - وأغار سمرة بأمر معاوية على المدينة، فهدم دورها وجعل يستعرض الناس على التهمة والظنة، فما بلغه عن أحد يقال له: إنه ساعد على عثمان إلا قتله (6).

ص :279


1- (1) سورة البقرة: 204 و 205.
2- (2) سورة البقرة: 207.
3- (3) شرح النهج: 1 / 361.
4- (4) تاريخ الطبري - في أحداث سنة 50 ه: 6 / 132 -، ونقله ابن الأثير في " الكامل ".
5- (5) تاريخ الطبري: 6 / 122.
6- (6) تاريخ الطبري: 6 / 80.

6 - وهو الذي سبى نساء همدان، وعرضهن في الأسواق، فكن أول مسلمات اشترين في الإسلام (1).

7 - وهو الذي أله معاوية، وغالى به إلى أن حدث عن نفسه: لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا (2).

8 - إن سمرة بن جندب عاش حتى حضر مقتل الحسين عليه السلام وكان من شرطة ابن زياد، وكان في أيام مسير الحسين عليه السلام إلى العراق يحرض الناس على الخروج إلى قتاله، نقله ابن أبي الحديد في " شرحه ".

ولكن الذي يوهن هذه الرواية ما نقله من جماعة منهم: البخاري، أنه مات سنة (58 ه)، وفي نقل آخر سنة (59 ه)، وفي نقل ثالث سنة (60 ه).

مع أن واقعة الطف كانت سنة (61 ه) فتدبر.

روى الكليني رضي الله عنه في " الكافي "، عن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: " إن سمرة بن جندب كان له غدق، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار، فكان يجئ ويدخل إلى غدقه بغير إذن من الأنصاري.

فقال الأنصاري: يا سمرة، لا تزال تفجأنا على حال لا نحب أن تفجأنا عليه، فإذا دخلت فاستأذن.

فقال: لا أستأذن في طريق، وهو طريقي إلى عذقي.

قال: فشكاه الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأرسل إليه

ص :280


1- (1) الإستيعاب: 1 / 165.
2- (2) الكامل لابن الأثير: 3 / 212.

رسول الله صلى الله عليه وآله فأتاه، فقال: " إن فلانا قد شكاك، وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل ".

فقال: يا رسول الله، أستأذن في طريقي إلى عذقي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " خل عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا ".

فقال: لا.

قال صلى الله عليه وآله " فلك اثنان ".

قال: لا أريد.

فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق.

فقال: لا.

قال صلى الله عليه وآله: " فلك عشرة في مكان كذا وكذا " فأبى.

فقال صلى الله عليه وآله: " خل عنه ولك مكانه عذق في الجنة ".

قال: لا أريد.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ".

قال: ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله فقلعت، ورمى بها إليه.

وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: " انطلق فاغرسها حيث شئت " (1).

ص :281


1- (1) نقله في " الوسائل " في الباب (12) من كتاب إحياء الموات.

ولو لم يكن دليل على فسق الرجل، ومعاداته للحق، وأوليائه إلا هذه الرواية الحاكية عن اعتدائه على الأنصاري، لكان كافيا.

فإنه صريح في طغيانه واجترائه على رسول الله صلى الله عليه وآله، والتبارز بعصيانه قبال أمره المؤكد بأنواع التأكيد.

وقد قال الله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * (1).

بل قد يلوح منها أمارات كفره، فإن من البعيد أن يكون الإنسان مؤمنا بالمعاد، ووعده تعالى بالثواب والجزاء ثم لا يقبل ضمان رسوله صلى الله عليه وآله، نعم الجنة له ضمانا صريحا بثمن بخس.

هو أحد رواة حديث الغدير في " حديث الولاية " لابن عقدة، و " نخب المناقب " للجعابي، وعده الجزري الشافعي من رواة حديث الغدير من الصحابة (2).

37 - سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري:

يكنى - أبا محمد - أخو (عثمان بن حنيف)، كان بدريا جليلا من خيار الصحابة، وأبلى في أحد بلاء حسنا.

قال الواقدي: يروى أن سهل بن حنيف جعل ينضح بالنبل عن رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك اليوم.

ص :282


1- (1) سورة النساء: 69.
2- (2) أسنى المطالب: 40.

فقال صلى الله عليه وآله: " نبلوا سهلا فإنه سهل " (1).

وذكر ابن هشام في " سيرته ": قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام، يقول: " كانت بقبا امرأة لا زوج لها مسلمة، قال: فرأيت إنسانا يأتيها في جوف الليل فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه، فتأخذه، فاستربت لشأنه.

فقلت لها: يا أمة الله، من يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجي إليه، فيعطيك شيئا لا أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك "؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب قد رآني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، فجاءني بها، فقال: احتطبي بها.

فكان علي عليه السلام يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حتى هلك عنده بالعراق.

قال الفضل بن شاذان: إن سهل بن حنيف من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

وعده " البرقي " مع أخيه عثمان في شرطة الخميس، وولاه أمير المؤمنين عليه السلام واستخلفه عليها لما خرج لقتال الناكثين، ثم شهد معه " صفين " وكان من أحب الناس إليه عليه السلام.

وروى نصر بن مزاحم في كتاب " صفين ": إن أمير المؤمنين عليه السلام لما أراد المسير إلى أهل الشام استشار من معه من المهاجرين والأنصار في ذلك، فأجابه جماعة من الصحابة.

ص :283


1- (1) يقال: نبلت الرجل - بالتشديد - وأنبلته - بالهمزة - إذا ناولته النبل ليرمي به.

وكان ممن تكلم في ذلك اليوم سهل بن حنيف، فإنه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، نحن كف يمينك، وقد رأينا رأيك، أن تقوم في هذا الأمر بأهل الكوفة، وتأمرهم بالشخوص، وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل، فإنهم هم أهل البلد، وأهل الناس، فإن استقاموا لك استقام لك ما تريد وتطلب.

وأما نحن فليس عليك منا خلاف، متى دعوتنا أجبناك؟ ومتى أمرتنا أطعناك؟ وروى أبو مخنف قال: لما نزل علي عليه السلام ذا قار كتبت عائشة من البصرة إلى حفصة بنت عمر، وهي بالمدينة: أما بعد، فإني أخبرك أن عليا عليه السلام نزل ذا قار وأقام بها مرعوبا لما بلغه من عدتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشتر، إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر.

فدعت " حفصة " جواري لها يغنين، ويضربن بالدفوف، فأمرتهن أن يقلن في غنائهن:

ما الخبر ما الخبر علي في سفر * كالفرس الأشتر إن تقدم عقر وإن تأخر نحر

وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على " حفصة " ويجتمعن لسماع ذلك الغناء.

فبلغ أم كلثوم بنت علي عليه السلام فلبست جلابيبها، ودخلت عليهن في نسوة منكرات، ثم أسفرت عن وجهها، فلما عرفتها حفصة خجلت واسترجعت.

ص :284

فقالت أم كلثوم عليها السلام: " لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل، فأنزل الله تعالى فيكما ما أنزل ".

فقالت حفصة: كفى رحمك الله، وأمرت بالكتاب فمزق، واستغفرت الله.

قال أبو مخنف: روى هذا الخبر جرء بن بديل، عن الحكم، ورواه الحسن بن دينار، عن الحسن البصري.

وذكر الواقدي مثل ذلك، وذكر المدائني أيضا مثله.

فقال سهل بن حنيف في ذلك شعرا:

عذرنا الرجال بحرب الرجال * فما للنساء وما للسباب

أما حسبنا ما أتتنا به * - لها الخير - من هتك ذاك الحجاب

ومخرجها اليوم من بيتها * يعرفها الذئب بنبح الكلاب

إلى أن أتانا كتاب لها * مشوم فيا قبح ذاك الكتاب

وتوفي سهل بالكوفة بعد مرجعه من " صفين " مع أمير المؤمنين عليه السلام سنة (38 ه)، فوجد عليه أمير المؤمنين عليه السلام وجدا كثيرا، قال: " لو أحبني جبل لتهافت ".

قال السيد الرضي رحمه الله: ومعنى ذلك أن المحبة تغلظ عليه، فتسرع المصائب إليه، ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار المصطفين الأخيار.

وروى الكشي بإسناده، عن الحسن بن زيد، قال: كبر علي عليه السلام

ص :285

على سهل بن حنيف سبع تكبيرات، وقال عليه السلام: " لو كبرت عليه سبعين تكبيرة لكان أهلا ".

قال الصادق عليه السلام: " كبر أمير المؤمنين عليه السلام على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات، ثم مشى ساعة، ثم وضعه، وكبر عليه خمس تكبيرات أخرى يصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة ".

وفي خبر عقبة: إن الصادق عليه السلام، قال: " أما بلغكم أن رجلا صلى عليه علي عليه السلام فكبر عليه خمسا حتى صلى عليه خمس صلوات، وقال:

إنه - بدري عقبي أحدي - من النقباء الاثني عشر، وله خمس مناقب، وصلى عليه لكل منقبة صلاة؟ ".

وخبر أبي بصير، عن جعفر عليه السلام، قال: " كبر رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة رحمه الله سبعين تكبيرة، وكبر علي عليه السلام عندكم على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة، كلما أدركه الناس، قالوا: يا أمير المؤمنين، لم ندرك الصلاة على سهل، فيضعه ويكبر، حتى انتهى إلى قبره خمس مرات ".

عده ابن الأثير ممن شهد لعلي عليه السلام يوم الرحبة في حديث الأصبغ بن نباتة، وقال: أخرجه أبو موسى (1)، وعده الجزري الشافعي من رواة حديث الغدير من الصحابة (2)، وأخرجه بطريقه الحافظ ابن عقدة في " حديث الولاية " والجعابي في " نخب المناقب ".

ص :286


1- (1) أسد الغابة: 3 / 307.
2- (2) أسنى المطالب: 4.

38 - أبو العباس سهل بن سعد الأنصاري الخزرجي الساعدي:

المتوفى سنة (91 ه) عن مائة سنة، ممن شهد لعلي عليه السلام بحديث الغدير في حديث المناشدة بطريق أبي الطفيل.

روى السمهودي في " جواهر العقدين "، نقلا عن الحافظ أبي نعيم الإصبهاني في " حلية الأولياء "، عن أبي الطفيل، قال: إن عليا رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أنشد لله من شهد يوم غدير خم إلا قام، ولا يقوم رجل يقول: إني نبأت أو بلغني إلا رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه ".

فقام سبعة عشر رجلا منهم: خزيمة بن ثابت، وسهل بن سعد، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو شريح الخزاعي، وأبو قدامة الأنصاري، وأبو ليلى، وأبو الهيثم بن التيهان، ورجال من قريش.

فقال علي رضي الله عنه وعنهم: " هاتوا ما سمعتم "؟ فقالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع حتى إذا كان الظهر خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر بشجرات فشذبن، والقي عليهن ثوب، ثم نادى بالصلاة، فخرجنا فصلينا، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أيها الناس، ما أنتم قائلون "؟ قالوا: قد بلغت. قال: " اللهم اشهد - ثلاث مرات - قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، نبأني بذلك اللطيف الخبير، ثم قال: إن الله مولاي وأنا مولى

ص :287

المؤمنين، ألستم تعلمون أني أولى بكم من أنفسكم "؟ قالوا: بلى، ذلك - ثلاثا -، ثم أخذ بيدك يا أمير المؤمنين فرفعها وقال: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".

فقال علي: " صدقتم، وأنا على ذلك من الشاهدين " (1).

39 - طلحة بن عبيد الله التميمي:

المقتول يوم الجمل سنة (36 ه) وهو ابن (63) عاما.

ومما بلغ الذم في أصل طلحة بن عبيد الله، والطعن في نسبه ما رواه صاحب كتاب " المثالب "، فقال: وذكر من جملة البغايا من ذوي الرايات الصعبة، وأما صعبة فهي بنت الحضرمية كانت لها راية بمكة واستبضعت بأبي سفيان، فوقع عليها أبو سفيان، وتزوجها عبيد الله بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم، فجاءت بطلحة بن عبيد الله لستة أشهر.

فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة فجعلا أمرهما إلى صعبة فألحقته بعبيد الله.

فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت: يد عبيد الله طلقة، ويد أبي سفيان كرة.

فقال حسان بن ثابت، وعاب على طلحة، يقول:

ص :288


1- (1) ينابيع المودة: 38، عن " جواهر العقدين "، وسيلة المآل في عد مناقب الآل: لابن باكثير المكي الشافعي، تاريخ آل محمد: 67.

فيا عجبا من عبد شمس وتركها أخاها * زنايا بعد ريش القوادم

ثم ذكر صاحب كتاب " المثالب " هجاءا لبني طلحة بن عبيد الله من جملته:

فأصدقونا قومنا أنسابكم * وأقيمونا على الأمر الجلي

لعبيد الله أنتم معشري * أم أبي سفيان ذاك الأموي

وقد شهد السدي على طلحة من شكه في الإسلام، وشهادة الله عليه بالكفر بعد إظهار الإيمان ما ذكره في تفسير قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * (1).

قال: لما أصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ب " أحد " قال طلحة بن عبيد الله: لأخرجن إلى الشام فإن لي صديقا من النصارى، فلآخذن منه أمانا، فإني أخاف أن يدال علينا النصارى، فأراد أن يتنصر.

وأضاف: فأقبل طلحة على النبي صلى الله عليه وآله وعنده علي بن أبي طالب عليه السلام فاستأذنه طلحة في المسير إلى الشام، وقال: إن لي بها مالا آخذه، ثم انصرف.

فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " عن مثل هذا الحال تخذلنا وتخرج

ص :289


1- (1) سورة المائدة: 51.

وتدعنا ".

فأكثر على النبي صلى الله عليه وآله من الاستيذان، فغضب علي عليه السلام، فقال: " يا رسول الله، ائذن لابن الحضرمية، فوالله ما عز من نصر، ولا ذل من خذل ".

فكف طلحة عن الاستيذان عند ذلك، فأنزل الله عز وجل: * (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم لمعكم حبطت أعمالهم) * (1).

يعني: أولئك يقول إنه يحلف لكم أنه مؤمن معكم فحبط عمله بما دخل فيه من أمر الإسلام حين نافق فيه.

خرج الناكثان يطلبان عليا بدم عثمان، وقد روى المدائني: أن عليا عليه السلام سمع بعض بنات أبي سفيان تضرب بالدف، وتقول:

ظلامة عثمان عند الزبير * وأوثر منه بها طلحة

هما سعراها بأجذالها * وكانا حقيقين بالفضحة

يهران سرا هرير الكلاب * ولو أعلنا كانت النبحة

فقال علي عليه السلام: " قاتلها الله ما أعلمها بموضع ثأرها "!.

ويعضده ما رواه الواقدي: أن مروان لما رأى طلحة يحث الحرب على علي عليه السلام، قال: والله إني لأعلم أنه ما حرض على قتل عثمان كتحريض طلحة ولا قتله سواه.

ص :290


1- (1) سورة المائدة: 53.

وقد كتب كتابه إلى عبد الله بن حكيم يحثه على قتل عثمان، ولما رمى طلحة بسهم أسقط مغشيا عليه، فأفاق واسترجع، وقال: أظن أنا عنينا بقوله تعالى: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * (1)، ما أظن هذا السهم إلا أرسله الله علي، ثم دفن بالصبخة (2) ولم يصل عليه أحد، وكان الرامي له مروان.

وذكره في " المعارف " قال الأصمعي: رماه بسهم، وقال: لا أطلب ثأر عثمان بعد اليوم، فمات طلحة.

قال ابن عبد البر في " الإستيعاب ": روى حصين عن عمرو بن جاوان قال: سمعت الأحنف يقول: لما التقوا، كان أول قتيل طلحة بن عبيد الله.

وروى عن ابن سيرين قال: رمى طلحة بن عبيد الله بسهم فأصاب ثغرة نحره قال: فأقر مروان أنه رماه.

وروى عن يحيى بن سعيد، عن عمه قال: رمى مروان طلحة بسهم، ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.

وذكر ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: حدثنا قيس قال: رمى مروان بن الحكم يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته، قال: فجعل الدم يسيل فإذا أمسكوه أمسك، وإذا تركوه سال.

قال: فقال: دعوه، قال: وجعلوا إذا أمسكوا فم الجرح انتفخت ركبته،

ص :291


1- (1) سورة الأنفال: 25.
2- (2) الصبخة لغة في السبخة، وهي محركة: أرض ذات نز وملح وما يعلو الماء كالطحلب، يقال: علت هذا الماء سبخة.

فقال: دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله، فمات فدفناه على شاطئ الكلا.

وروى ابن أبي الحديد: أن طلحة كان مقنعا - يوم قتل عثمان - بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام (1).

وطلحة كان مدخول الضمير من نحو عثمان قبل أن يقتله الثائرون، وقد صرح عثمان بذلك قائلا: ويلي من طلحة أعطيته كذا وكذا ذهبا، وهو يروم دمي ... اللهم لا تمتعه به، ولقه عواقب بغيه!.

حتى قيل: إنه كان يقود بعض الثائرين إلى الدور المجاورة لدار الخليفة ليتسربوا منها إلى دار عثمان!!.

وهذا سعد بن أبي وقاص يقول: عثمان غير وتغير... إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة (2).

ارتكب هو وصاحبه الزبير من رسول الله صلى الله عليه وآله في هتك حريمه ما لا يرتكبه منه كافر ولا مشرك بقصدهما إخراج حرمه يسيران بها بين العساكر في البراري والفلوات، غير مبالين في ذلك، ولا متحرجين، مع ما قد أجمع أهل الخبر عليه من الرواية: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أعلم طلحة والزبير وأعلم عائشة زوجته: أنهم سيقاتلون عليا صلوات الله عليه ظالمين له، فلم يردهم ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وآله عن محاربتهم عليا صلى الله عليه وآله إلا ظلما واعتداء، وعن سفك ما سفك منهم من الدماء، وتلك الدماء كلها في عنقيهما وعنق عائشة جميعا.

ص :292


1- (1) شرح النهج الحديدي: 2 / 404.
2- (2) عبد الكريم الخطيب: علي بن أبي طالب بقية النبوة: 253.

قتل في معركة الحرب، قتله مروان بن الحكم، وزعم أنه بقتله طلب دم عثمان فإن طلحة كان ممن حضر في دار عثمان، فقتلا جميعا - طلحة والزبير - محاربين خاذلين، مع ما قد سمعناه من دعوة الرسول صلى الله عليه وآله بالعداوة من الله والخذلان لفاعل ذلك.

وليس يخلو حالهما في ذلك من أن يكونا استهانا بدعوة الرسول صلى الله عليه وآله: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله " وعداة الله، أو أن يكونا قد رأيا أن دعوة الرسول صلى الله عليه وآله غير مجابة، ولا وجه ثالث لهما يوجب تأويله في دعوة الرسول صلى الله عليه وآله بذلك.

ومن قصد الوجهين أو واحدا منهما فقد خرج من دين الله وشريعة الإسلام.

هذا مع ما يلزمهما من عقوبة ما قصدا له من الأذى الذي أدخلاه على رسول الله صلى الله عليه وآله بإخراجهما زوجته من بيتها ومن سترها، وما ضربه الرسول صلى الله عليه وآله عليها من الحجاب لأنه من المحال أن يخرجا زوجته من بيتها ومن سترها إلى مواطن الحرب، وتصفح وجوه الرجال في مواقف الصفوف والعساكر، إلا وهما أدخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله الأذى العظيم بذلك، والله سبحانه يقول: * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) * (1)، وقوله تعالى: * (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) * (2).

ص :293


1- (1) سورة الأحزاب: 57.
2- (2) سورة التوبة: 61.

هذا وقد سمعنا الله يأمر نساء النبي صلى الله عليه وآله بالاستقرار في بيوتهن بقوله عز وجل: * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * (1).

فاستخفا جميعا بأمر الله في ذلك، وحملاها على مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله فيما أمرت به ونهيت عنه.

وكان الواجب عليهما فيما يلزمهما من طاعة الله وحق رسوله صلى الله عليه وآله أن لو أرادت عائشة الخروج معهما واستدعت ذلك منهما أن يمنعاها من ذلك ويلزماها بيتها، صيانة لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله، وينهياها عن مخالفة كتاب الله، ولكنهما صانا حرمهما في منزلهما، وأخرجا حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله مخالفة لله ورسوله صلى الله عليه وآله، وعصيانا في ذلك كله لله ولرسوله صلى الله عليه وآله، وكانت هي مشاركة لهما فيما استحقاه على ذلك من أليم العقوبة، إذ أطاعتهما في معصية الله، وهتك سترها الذي أسبله الله عليها ورسوله صلى الله عليه وآله.

فلينظر الناظر بحق في هذا الذي شرحناه وبيناه: هل هو من فعل من يجوز أن يشهد له الرسول صلى الله عليه وآله بالجنة؟ كلا، بل شهادته لهو بالنار أقرب من شهادته له بالجنة عند ذوي الفهم.

شهد طلحة لأمير المؤمنين عليه السلام - يوم الجمل - بحديث الغدير.

أخرج الحاكم، عن الوليد، وأبي بكر بن قريش قالا: ثنا الحسن بن سفيان،

ص :294


1- (1) سورة الأحزاب: 32 - 33.

ثنا محمد بن عبدة، ثنا الحسن بن الحسين (1)، ثنا رفاعة بن إياس الضبي، عن أبيه، عن جده (2)، قال: كنا مع علي - يوم الجمل - فبعث إلى طلحة بن عبيد الله:

" أن ألقني "، فأتاه طلحة، فقال: " نشدتك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاده من عاداه "؟ قال: نعم، قال: " فلم تقاتلني "؟ قال: لم أذكر، قال: فانصرف طلحة (3).

ورواه المسعودي ولفظه: ثم نادى علي رضي الله عنه طلحة حين رجع الزبير: " يا أبا محمد، ما الذي أخرجك "؟ قال: الطلب بدم عثمان، قال علي:

" قتل الله أولانا بدم عثمان، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ وأنت أول من بايعني، ثم نكثت، وقد قال الله عز وجل: * (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) * (4)، فقال: أستغفر الله، ثم رجع (5).

ورواه الخطيب الخوارزمي الحنفي، بإسناده من طريق الحاكم، عن رفاعة، عن أبيه، عن جده قال: كنا مع علي - يوم الجمل - فبعث إلى طلحة بن عبيد الله التيمي فأتاه، فقال: أنشدتك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره "؟ قال: نعم، " فلم تقاتلني "؟ قال: نسيت ولم

ص :295


1- (1) كذا في النسخ، والصحيح: حسين بن حسن الأشقر.
2- (2) هو: نذير - بالتصغير - الضبي الكوفي، من كبار التابعين، وحفيده - رفاعة - المذكور ثقة، كما في " التقريب "، توفي بعد (180 ه).
3- (3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 371.
4- (4) سورة الفتح: 10.
5- (5) مروج الذهب: 2 / 11.

أذكر، قال: فانصرف طلحة ولم يرد جوابا (1).

وأخرج الحافظ العاصمي، عن محمد بن أبي زكريا، عن أبي الحسن محمد بن أبي إسماعيل العلوي، عن محمد بن عمر البزاز، عن عبد الله بن زياد المقبري، عن أبيه، عن حفص بن عمر العمري، عن غياث بن إبراهيم، عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى، عن طلحة بن عبيد الله: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (2).

وأخرج ابن كثير - حديث الغدير - بلفظ البراء بن عازب، ثم قال: وقد روي هذا الحديث عن سعد، وطلحة بن عبيد الله، وجابر بن عبد الله وله طرق، وأبي سعيد الخدري، وحبشي بن جنادة، وجرير بن عبد الله، وعمر بن الخطاب، وأبي هريرة (3).

وعد الحافظ ابن المغازلي " طلحة " من المائة الرواة لحديث الغدير بطرقه (4).

وعده الجزري الشافعي ممن روى حديث الغدير من الصحابة (5).

ص :296


1- (1) المناقب: 112، ورواه سبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص ": 42، وابن حجر في " تهذيبه ": 1 / 391، بإسناده من طريق النسائي، والسيوطي في " جمع الجوامع " - كما في " كنز العمال ": 6 / 83 - قريبا من لفظ الخوارزمي من طريق ابن عساكر، والسنوسي في " شرح مسلم ": 6 / 236، والوشتاني المالكي في " شرح مسلم ": 6 / 236، وابن عساكر في " تاريخه ": 7 / 83، والوصابي في " الاكتفاء " من طريق ابن عساكر، والهيثمي في " مجمع الزوائد ": 9 / 107، من طريق البزار، كنز العمال: 6 / 154، عن مستدرك الحاكم غير حديث المناشدة يوم الجمل.
2- (2) زين الفتى في شرح سورة هل أتى.
3- (3) البداية والنهاية: 7 / 349.
4- (4) مناقب ابن المغازلي " العشرة المبشرة ".
5- (5) أسنى المطالب: 3.

40 - أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي:

عامر بن وائلة بن عبد الله بن عمر الليثي المكي أبو الطفيل.

ولد عام " أحد "، وأدرك من حياة النبي صلى الله عليه وآله ثمان سنين.

عده ابن قتيبة في كتابه " المعارف " في أول الغالية من الرافضة، وذكر: أنه كان صاحب راية المختار، وآخر الصحابة موتا.

وذكر ابن عبد البر في الكنى من " الإستيعاب " فقال: نزل الكوفة، وصحب عليا عليه السلام في مشاهده كلها، فلما قتل علي عليه السلام، انصرف إلى مكة، إلى أن قال: وكان فاضلا عاقلا، حاضر الجواب فصيحا، وكان متشيعا في علي عليه السلام، وقال: قدم أبو الطفيل يوما على معاوية، فقال: كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ قال: كوجد أم موسى على موسى، وأشكو إلى الله التقصير.

وقال له معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا، ولكني كنت فيمن حضره، قال: فما منعك من نصره؟ قال: وأنت فما منعك من نصره، إذ تربصت به ريب المنون، وكنت في أهل الشام، وكلهم تابع لك فيما تريد؟! فقال له معاوية: أوما ترى طلبي لدمه نصرة له، فقال: إنك لكما قال أخو جعف:

لألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادا

روى عنه كل من: الزهري، وأبي بصير، والجريري، وابن أبي حصين، وعبد الملك بن أبجر، وقتادة، ومعروف، والوليد بن جميع، ومنصور بن حيان،

ص :297

والقاسم بن أبي بردة، وعمرو بن دينار، وعكرمة بن خالد، وكلثوم بن حبيب، وفرات القزاز، وعبد العزيز بن رفيع.

فحديثهم جميعا عنه موجود في " صحيح مسلم ".

وقد روى أبو الطفيل عند " مسلم " في الحج عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وروى صفة النبي صلى الله عليه وآله، وروى في الصلاة، ودلائل النبوة، عن معاذ بن جبل، وروى في القدر، عن عبد الله بن مسعود.

وروى عن كل من: علي عليه السلام، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وعمر بن الخطاب. كما يعلمه متتبعو حديث مسلم، والباحثون عن رجال الأسانيد في " صحيحه ".

مات أبو الطفيل رحمه الله تعالى بمكة سنة (100 ه)، وقيل: (102 ه)، وقيل: (107 ه)، وقيل: (110 ه).

وأرسل ابن القيسراني أنه مات سنة (120 ه)، والله أعلم.

41 - عائشة بنت أبي بكر:

كانت بركانا ثائرا ونارا مستعرة طيلة حياتها، ففي حياة النبي صلى الله عليه وآله كانت دوما تسعى سعيها المتواصل لتكدير صفو النبي صلى الله عليه وآله وتحمله على بغض زوجاته، وتستعمل الوسائط الفعالة في تحقيق هذه الأمنية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

إن عائشة وحفصة تواطئتا على النبي صلى الله عليه وآله وعزمتا أن تقولا له إذا رجع من عند زينب إحدى زوجاته وقد شرب عسلا: إنا نشم منك رائحة

ص :298

المغافير وقد فعلتا.

فغضب النبي صلى الله عليه وآله وهجرهما شهرا، وقد سأل عبد الله بن العباس عمر عن الامرأتين اللتين قد تضاهرتا عليه، فأجابه: إنهما حفصة وعائشة، وذكر له المسألة تفصيلا ومن شاء أن يقف على هذه القضية فليرجع إلى البخاري فإنه ذكرها مفصلا في عدة مواضع من " صحيحه " (1).

وفي الحق أن من يقرأ صفحة حياة عائشة جيدا يعلم أنها كانت مؤذية للنبي صلى الله عليه وآله بأفعالها وأقوالها وسائر حركاتها، فها هي تحدثنا، فتقول كما في " البخاري ": كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها (2)، وفي استعمال ذلك من سوء الأدب ما لا يخفى على المطالع.

وتحدثنا كما في " البخاري ": أنها لما وهبت خولة بنت حكيم نفسها للنبي صلى الله عليه وآله، قالت: قلت: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل، فلما نزلت * (ترجي من تشاء منهن) * (3)، قلت: يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك (4).

وأنت ترى أن ذلك جرأة متناهية فإن نسبة المسارعة إلى الله تعالى، والهوى إلى نبيه صلى الله عليه وآله قول من لا يرعى لهما حرمة، ولا يرى لهما إلا ولا ذمة.

ص :299


1- (1) صحيح البخاري: 3 / 128 و 160 و 168.
2- (2) صحيح البخاري: 1 / 63.
3- (3) سورة الأحزاب: 51.
4- (4) صحيح البخاري: 3 / 152.

فكون عائشة زوجة للرسول صلى الله عليه وآله لا يدل عل فضلها أو علو منزلتها في الدنيا والآخرة عند الله ورسوله والمؤمنين!! إلا إذا قام الدليل على اتصافها بالإيمان والتقوى اللذين ينحصران بطاعة الله تعالى ورسوله فيما أمرا ونهيا.

فإن لم يقم الدليل على ذلك فهي كامرأة لوط عليه السلام وامرأة نوح عليه السلام حيث لعنهما الله تعالى في القرآن الكريم لخروجهما عن طاعة زوجيهما.

أما حياتها في بيت الرسول صلى الله عليه وآله فليس لها ما يميزها عن سواها، فهي عاقر بالإجماع، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله قوله: " شوهاء ولود خير من حسناء عقيم " (1). فهي إذن " حسناء عقيم " وقد شملها هذا الذم، كما أنها كانت " غيري " لا خلاف في ذلك، وقد أحدثت شيئا كثيرا من المشاكل العائلية مع " ضراتها "!! وقد أجمعوا على أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله أن يدعو لها لرفع ما بها من " الغيرة " "!! لكننا لا نعلم ما إذا كان قد دعا لها أم لا!! كانت تعيش مع تسع نساء لكنها كانت تتطاول على بعضهن، وكم تشكينها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله!!.

وإن من نعم الله تعالى على هذه الأمة أنها لم تلد من النبي صلى الله عليه وآله ذكرا ولا أنثى، ولو كان لها منه شئ من ذلك، لكان عجل بني إسرائيل وكانت السامري.

ص :300


1- (1) عن إحدى رسائل الجاحظ في كتاب " آثار الجاحظ " جمعه عمر أبو النصر / ط بيروت / مطبعة النجوى سنة (1969 م) / ط الأولى، وقال الجاحظ في هذا الكتاب: ص 206 أيضا: وكانت العرب تفتخر بكثرة الولد، وتمدح الفحل القبيس، وتذم العاقر والعقيم!

ولقد خاطبها الرسول صلى الله عليه وآله بقوله: " إنكن لصويحبات يوسف " يكني بذلك عن مكرها، وذلك في حديث " من قدمه إلى الصلاة بالناس حين مرضه "!! فأيا كان هو المقدم للصلاة فهي المعنية بقوله صلى الله عليه وآله: " إنكن لصويحبات يوسف " أي خبيثات ماكرات!! ولا يخفى أن كتب الفقه للقوم وكتب التفسير وغيرها لا يخلو فرع تقريبا عن حديث لعائشة عنه صلى الله عليه وآله، حتى لقد تجاوز مجموع ما روته عن الرسول صلى الله عليه وآله مجموع ما رواه علي والزهراء والحسنان عليهم السلام، وأبو بكر وعمر وعثمان!! فلعائشة (9) سنوات في بيت الرسول صلى الله عليه وآله ولها من هذا العدد سنة واحدة فقط، لأنها تعيش مع (8) ضرات، والسنة تساوي (365) يوما، واليوم يساوي أربعا وعشرين ساعة، وحاصل ضرب (365 × 24 = 8760 ساعة) ينقص نصفها وهو النهار لوجوده في المسجد، و (3 / 4) من الليل للعبادة والراحة، فألف " ساعة " نصيب وافر جدا، قد فرضناه لحياتها معه صلى الله عليه وآله - أي للتحدث معها -! فكيف يعقل ويقبل حديثها، وقد بلغ (41) ألف حديث أو أكثر عنه صلى الله عليه وآله!! وهذا العدد مثبت عنها عنه صلى الله عليه وآله في " صحاحهم " "! فلا يخلو حينئذ إما أن يكون أصحاب الصحاح كاذبين عليها!! فيبطل دينهم!! أو تكون هي كاذبة على الرسول صلى الله عليه وآله.

ومما يؤيد عدم الوثوق بحديثها عنه نقلها دون أن يشاركها أحد من أهل بيته أو صحابته ممن يرتضيهم القوم المتناقضات والمتعارضات مع القرآن، ومما

ص :301

لا تقع منه في الدين والدنيا، كنقلها " حديث خرافة " الذي رواه أبو طالب المفضل بن سلمة بن عاصم في كتابه " في اللغة والأمثال " (1)، ورواه غيره أيضا.

وهو حديث طويل ممل ليس له أية غاية، فهو شبيه بما يحدث به الصبيان ليناموا، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله من فضول الكلام.

قال بعض أهل العلم: وإن مما يدل على الشك في حديثها عنه صلى الله عليه وآله هو أنه من المعلوم الثابت بلا خلاف أن أبي بكر وعمر - صديقه الحميم - وعثمان كانوا لا يقومون من مشكلة تعتريهم في الأحكام الدينية حتى يقعوا في أخرى، ولم نسمع أنهم استشاروا عائشة في حكم ديني أو شئ من تفسير كلام ونحو ذلك مما يحتاجون إليه، وما أكثر حاجتهم!! فلو كانت على ما أجلسها عليه الأمويون أخيرا من كرسي عال لعرش العلم، لكانت ممن قد استشير لحل ما يستعصي على الثلاثة!! كما أن نبوغها في العلوم في عصر معاوية، وأواخر عصر عثمان يدل على رفعة مقصودة رفعتها، ومن الغريب أيضا أن قسما كبيرا من أحاديث " فضائل آل أمية وجرح أعدائهم " جاء بواسطتها وهي وشبيهها الدوسي أبو هريرة، والعاقل من فكر!! وأما حالة عائشة في حياة النبي صلى الله عليه وآله فقد خرجت من بيتها بعد أن أمرها الله تعالى أن تقر به، وألبت الناس على إمام زمانهم أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن وصاها النبي صلى الله عليه وآله أن لا تخرج عن طاعته وأن لا تكون تلك المرأة التي تركب الجمل وتنبحها كلاب الحوئب فما أصغت لهذه

ص :302


1- (1) الفاخر: 168، ط / القاهرة - دار إحياء الكتاب العربي - الطبعة الأولى.

الوصايا الثمينة التي كان يلقيها عليها النبي صلى الله عليه وآله من حين لآخر، ومضت على غلوائها فكان ما كان من تفريق الكلمة وتشتيت الشمل وقتل النفوس البريئة التي حرم الله قتلها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله ناظرا لهذه الفتنة وعالما بما سيؤول إليه حال هذه الأمة.

فهذا البخاري يحدثنا، فيقول: قام النبي صلى الله عليه وآله خطيبا، فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: " هاهنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان " (1).

وروى مسلم أيضا، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من بيت عائشة، فقال: " رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان " (2).

ولما كانت ثمار هذه الحرب قد جناها معاوية، ثم آل أمية كافة، فمنهم بين خليفة أو محسوب على الخليفة، وقد سن لهم " عثمانهم " سنة المحسوبية.

لذا فقد قام بحملة مسعورة أظهر فيها قادة هذه الحرب بمظهر سام قد يفوق الشهداء بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله، كما أن الذي يجلب الانتباه إلى أكثر هذه الأحاديث التي اشتراها معاوية وحزبه من باعة الأخبار تنسب إلى الإمام علي عليه السلام، فمن ذلك مثلا:

أبو بكر بن أبي شيبة: سئل علي عن أصحاب الجمل، أمشركون هم؟ قال:

" من الشرك فروا "، قال: فمنافقون هم؟ قال: " إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا "، قال: فما هم؟ قال: " إخواننا بغوا علينا " (3).

ص :303


1- (1) صحيح البخاري: 2 / 117.
2- (2) صحيح مسلم: 2 / 503.
3- (3) العقد الفريد: 4 / 330 (بحث: قولهم في أصحاب الجمل).

ولو فكر - المنصف - في هذا وأمثاله، لوجد غايته مكشوفة، وهي إظهار التناقض بين فعل علي عليه السلام وقوله، وأقل ما يقال عنه في مثل هذه الحالة:

إنه غير كفؤ فهو " شجاع لكن لا رأي له في الحروب "!! - كما قالوا - وإلا هل يكون الباغي على إمام زمانه مسلما؟!! إذن علام كفروا " مالك بن نويرة " وغيره ممن لم يعترفوا لأبي بكر بالخلافة، مع إقرارهم بالشهادتين، والصلاة إلى القبلة، وأكل ما ذكر عليه اسم الله وترك ما سواه!! وقال ابن عبد ربه أيضا (1): ومر علي بقتلى الجمل، فقال: " اللهم اغفر لنا ولهم "، ومعه محمد بن أبي بكر، وعمار بن ياسر، فقال أحدهما لصحابه: أما تسمع ما يقول؟! قال: اسكت لا يزيدك!! ولقد عن لي ترك التعليق على هذا الحديث، فإن بائعه لم يحسن وضعه، ثم تذكرت " شبهة " يخادعون فيها المغفلين وهي: إن القوم مجتهدون، وقد أخطأ بعضهم فهو غير مذنب ولا مأثوم لأنه غير متعمد على ما فعل، بل مخطئ ليس غير!! وسئل عمار بن ياسر، عن عائشة - يوم الجمل - فقال: أما والله، إنا لنعلم زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتتبعونه أم تتبعونها (2)؟ وهذا قد قام شاهد بطلانه منه عليه!! فقوله: " أتتبعونه " أي الله تعالى فهو في جانب، " تتبعونها " أي عائشة فهي

ص :304


1- (1) نفس المصدر.
2- (2) العقد الفريد: 4 / 331.

في جانب آخر!! ولولا شبهة أثارها بعض المضللين كابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي وشبهه، من أن الصراع بين كبار الصحابة إنما حدث للاختبار والابتلاء!! وإلى هذا المعنى يذهب واضع هذا الحديث المفتعل على عمار، فأقول:

إن الرسول صلى الله عليه وآله قال حين موته: " إني تارك أو مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي " فحرفه بعضهم، فقال: وسنتي، والقرآن يقول: * (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * (1).

فما هو وجه قبول هذا الابتلاء بعد البيان في القرآن والسنة!!؟ ألا يجب رد قول: " علي وأبي بكر وعمر... الخ " إذا تعارض مع صريح القرآن، والمتفق عليه من السنة، وذلك بعد تعذر الجمع.

نعم، لم يوص النبي صلى الله عليه وآله بأكثر من اثنين فقط.

فما اتفق معهما قبل، وما تنافى معهما رفض، إذ المسلمون عبيد الله تعالى فقط، ومأمورون باتباع القرآن والسنة، نعم للصحابة حق التفسير والتأويل، وليس لهم حق التشريع الذي لا سند له في القرآن والسنة، وإلا كانت الشريعة ناقصة، وقوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (2)، وقوله تعالى: * (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) * (3)، وقوله تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (4) كل ذلك باطلا، فأعوذ بالله.

ص :305


1- (1) سورة الحشر: 7.
2- (2) سورة المائدة: 3.
3- (3) سورة يس: 12.
4- (4) سورة الأنعام: 38.

فما وجه الابتلاء بجمع المتناقضات إن هو إلا ارتداد وخروج على إمام زمانها ليس غير هذا.

وبهذا، يتضح أن كل ما قيل في قتلى " الجمل " من مدح أو اعتذار عنهم، إنما هي أقاويل مفتعلة، وأخبار ملفقة صنعها معاوية وحزبه، والمنصف قادر على تمييز الغث من السمين!! ومما يكشف سوء عملها، ما صح عنها - وإقرار العقلاء على أنفسهم حجة بلا خلاف - قالت: وقيل لها: تدفنين مع رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قالت: لا، إني أحدثت بعده حدثا، فادفنوني مع إخوتي بالبقيع (1)!! فما هو هذا - الحدث - الذي أقرت به؟ أهو تبرجها وخروجها من منزلها حتى تنبحها كلاب الحوأب؟!! أم مؤازرتها لأعداء الله ورسوله: كالطريد مروان بن الطريد الحكم، ومروان قاتل طلحة يوم الجمل (2)؟! وسارق بيت المال، وصاحب الجرائم التي لا تحصى، فهو من أحبائها!! أم برمي جنازة الحسن بن علي عليه السلام بالسهام، حينما جاؤوا بها ليجددوا بها عهدا من قبر جده؟!! أم ماذا؟!! أقول: أيها المنصف، لقد قدمت للشئ - ما بعضه فيه الكفاية - لتجريد عائشة من " ثوب القدسية " التي ألبسها حزبها ظلما ذلك الثوب، ففي ما ذكرت

ص :306


1- (1) العقد الفريد: 4 / 331.
2- (2) نفس المصدر: 321.

لك كفاية وهداية.

يتضح لك أنها لم تتق الله تعالى، ولم تطع أمره في كتابه المنزل على محمد صلى الله عليه وآله، ولم تطع الرسول صلى الله عليه وآله، ولم تحفظ قرابته!! أتراه صلى الله عليه وآله يرضى على من حارب عليا عليه السلام، وهو حبيب الله، وحبيب رسوله بإجماع المسلمين، وذلك بقوله صلى الله عليه وآله في حقه يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله " الخ؟ وبهذا أكتفي، وإن كان البحث ناقصا غير مستوفي لما يجب له في بيان، فأعمال عائشة وسيرتها تستدعي كتابا ضخما!!

42 - عبد الرحمان بن عوف القرشي الزهري:

أ ومحمد المتوفى سنة (31 ه) أو (32 ه)، أجمع الخاص والعام أنه كان أحد الستة الذين جعل عمر الشورى بينهم، وفي وقت وفاته. قال للخمسة: إني أهب لكم نصيبي ونصيب ابن عمي سعد بن أبي وقاص على أن أكون المختار للإمام منكم ففعلوا ذلك، فاستعرض الأربعة الباقين وهم: علي عليه السلام، وطلحة، والزبير، وعثمان، فاختار من الأربعة عليا وعثمان، فلما أراد أن يختار واحدا من الاثنين، قال لعلي عليه السلام: إن اخترتك لهذا الأمر تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر؟ فقال علي عليه السلام: " بل أسير فيكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ".

ص :307

فتركه وصار إلى عثمان فقال: إن اخترتك تسير فينا بسيرة - أبي بكر وعمر -؟ فقال: نعم، فاختاره وبايع له.

فانظر إلى هذا الحال، وما طالب به عبد الرحمان بن عوف، وما كان جواب علي عليه السلام في ذلك.

فإن كانت سيرة أبي بكر وعمر على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فما معنى ذهابه إلى سيرة أبي بكر وعمر؟ وإن كانت سيرة أبي بكر وعمر بخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله فكفى بذلك خزيا لمن طلبه، ولعمري، كانت كذلك بما أشرنا سابقا من بدعهما.

ثم رووا عنه بعد هذا كله: أنه جرى بينه وبين عثمان جدال بعد مدة من بيعته له.

فقال له عثمان: يا منافق، فقال له عبد الرحمان: ما ظننت أني أعيش إلى زمان تقول لي فيه: يا منافق، ثم حلف أنه لا يكلمه ما عاش، فبقي مهاجرا له طول حياته حتى مات (1).

هذا مع ما رووا جميعا: إن الرسول صلى الله عليه وآله قال: " لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن أكثر من ثلاثة أيام "، فإن كان عثمان مؤمنا فقد خالف عبد الرحمان قول رسول الله صلى الله عليه وآله في مهاجرته لعثمان سنين حتى مات على ذلك من غير توبة منه، ومن قصد مخالفة الرسول جرى

ص :308


1- (1) ومن الغريب ما ذكره المحب الطبري في " الرياض النضرة " - في ترجمة عبد الرحمان -: أنه مات وصلى عليه عثمان، وكان أوصى بذلك، ليت شعري كيف يوصي أن يصلي عليه عثمان وهو عدوه الألد؟! وابن حجر في " الإصابة " يروي صلاة الزبير بن العوام عليه.

على ذلك كانت النار مأواه، مع ما يلزمهم من قول عثمان لعبد الرحمان:

يا منافق.

لأنه لا يخلو الحال في ذلك من أن يكون عثمان صادقا فيما قاله لعبد الرحمان، أو يكون كاذبا.

فإن قالوا: كاذبا، فقد قال الله في كتابه: * (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) * (1) وكفى بهذا خزيا ومقتا.

وإن قالوا: كان صادقا، فعبد الرحمان كان منافقا بشهادة عثمان عليه، وتصديقهم لعثمان بشهادته بذلك، والله يقول: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * (2) وكفى بهذا خزيا.

روى حديث الغدير عنه بإسناده ابن عقدة في " حديث الولاية "، والمنصور الرازي في " كتاب الغدير "، وهو من العشرة المبشرة الذين عدهم الحافظ ابن المغازلي الشافعي من المائة الرواة لحديث الغدير بطرقه، وعده الجزري الشافعي ممن روى حديث الغدير (3).

43 - عبد الله بن أبي أوفى علقمة الأسلمي:

أبو معاوية، من أصحاب الشجرة، ابتنى بالكوفة دارا في أسلم، وتوفي بها سنة (86 ه) وهو آخر من مات بها من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله.

ص :309


1- (1) سورة النحل: 105.
2- (2) سورة النساء: 145.
3- (3) أسنى المطالب: 4.

44 - عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي:

عبد الله بن بديل - بضم الموحدة وفتح الدال المهملة وسكون المثناة التحتانية وبعدها لام - بن ورقاء الخزاعي، أسلم مع أبيه يوم الفتح أو قبله، وكانا سيدي خزاعة، وعيبة النبي صلى الله عليه وآله، وشهد عبد الله " حنينا " و " الطائف " و " تبوك "، وكان رفيع القدر ورفيع الشأن، أرسله النبي صلى الله عليه وآله مع أخويه عبد الرحمان ومحمد إلى اليمن ليفقهوا أهلها ويعلموهم الدين، وكان عبد الله من أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام وخلص أصحابه، شهد معه " الجمل " و " صفين " وأبلى فيها بلاء حسنا إلى أن استشهد بصفين.

قال المؤيد الخوارزمي: كان عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن بديل: فرسان العراق، ومردة الحرب، ورجال المعارك، وسيوف الأقران، وأمراء الأخيار، وأمراء أمير المؤمنين عليه السلام، وقد أوقعوا بأهل الشام ما بقي ذكره على مر الأحقاب، حتى احتالوا لقتلهم، وفيهم يقول الأشتر ذاكرا لهم متأسفا عليهم:

أبعد عمار وبعد هاشم * وابن بديل فارس الملاحم

أرجو البقاء؟ ضل حلم الحالم وقال أبو عمرو الكشي: فيما روي من جهة العامة، روى عبد الله بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو مريم الأنصاري، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش قال: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام من القصر فاستقبله ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمايم، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة

ص :310

الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا، فقال علي عليه السلام: " من هاهنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ".

فقام خالد بن زيد أبو أيوب، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، فشهدوا جميعا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

فقال علي عليه السلام لأنس بن مالك، والبراء بن عازب: " ما منعكما أن تقوما فتشهدا، فقد سمعتما كما سمع القوم؟ " ثم قال: " اللهم إن كانا كتماها معاندة فابتلهما "؟! فعمي البراء بن عازب، وبرص قدما أنس بن مالك، فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولا فضلا أبدا.

أما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله، فيقال: هو في موضع كذا وكذا، فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة؟ (1)

45 - عبد الله بن جعفر:

زوج زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام، قبره بالحجاز، وفي " عمدة الطالب " و " الإستيعاب " و " أسد الغابة " و " الإصابة " وغيرها: إنه مات بالمدينة ودفن بالبقيع، وزاد في " عمدة الطالب "، القول بأنه مات بالأبواء ودفن بالأبواء.

كان يفد على معاوية فيجيزه، فلا يطول أمر تلك الجوائز في يده حتى

ص :311


1- (1) رجال الكشي: 30.

ينفقها بما عرف منه من الجود المفرط.

ولما بلغ عبد الله بن جعفر قتل ابنيه مع خالهما الحسين عليه السلام استرجع، فدخل عليه بعض مواليه، والناس يعزونه، فقال: هذا الذي ما لقينا من الحسين؟ فحذفه ابن جعفر بنعله، وقال: يا بن اللخناء، أللحسين تقول هذا؟ والله، لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنه لمما يسخى بنفسي عنهما، ويهون علي المصاب بهما، أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي، مواسين له صابرين معه، ثم قال: إن لم تكن آست الحسين عليه السلام يدي فقد آساه ولداي.

46 - عبد الله بن العباس:

عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى - أبو العباس - أمه أم الفضل - لبانة بنت الحرث بن حرث الهلالية.

ولد في شعب بني هاشم وهم محصورون فيه قبل الهجرة بثلاث سنين، وذكر الطائي: أن النبي صلى الله عليه وآله حنكه بريقه حين ولد، ودعا له بالحكمة مرتين.

قال العلامة الحلي رضي الله عنه في " الخلاصة ": عبد الله بن عباس رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، كان محبا لعلي عليه السلام وتلميذه، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى.

روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما "، عن ابن عباس قال: لما احتضر

ص :312

رسول الله صلى الله عليه وآله وفي البيت رجال منهم: عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وآله: " هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده "، قال عمر:

إن رسول الله ليهجر، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف القوم واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا إليه يكتب إليكم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول:

القول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عنده قال صلى الله عليه وآله لهم: " قوموا ".

فكان ابن عباس، يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب.

قال بعض العلماء: صدق ابن عباس عند كل عاقل مسلم، والله لو لبس المسلمون السواد، وأقاموا المآتم، وبلغوا أعظم الحزن، لأجل ما فعل عمر بن الخطاب لكان قليلا.

وروى عبد الله بن عمر، قال: كنت عند أبي يوما وعنده نفر من الناس، فجرى ذكر الشعر، فقال: من أشعر العرب؟ فقالوا: فلان وفلان، فطلع عبد الله بن عباس، فسلم وجلس، فقال عمر: قد جاءنا الخبير، من أشعر العرب يا عبد الله؟ قال: زهير بن أبي سلمى، قال: فأنشدني مما تستجيده له، فقال: إنه مدح قوما من غطفان، يقال لهم: بنو سنان:

لو كان يعقد فوق الشمس من شرف * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا

قوم سنان أبوهم حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا

أنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا * مرزؤن بهاليل إذا جهدوا

محسدون على من كان من نعم * لا ينزع الله منهم ماله حسدوا

ص :313

فقال عمر: قاتله الله لقد أحسن، ولا أرى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت من بني هاشم، لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال ابن عباس: وفقك الله يا أمير... فلم تزل موفقا.

قال: يا ابن عباس، أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا.

قال: لكني أدري، قال: ما هو؟ قال: كرهت قريش أن يجتمع لكم الخلافة والنبوة فتجحفوا بالناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت.

قال ابن عباس: أيميط عني أمير... غضبه، قال: قل ما تشاء، قال: أما قولك: إن قريشا كرهت، فإن الله تعالى قال لقوم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله، فأحبط أعمالهم.

وأما قولك: كنا نجحف، فلو أجحفنا بالخلافة لجحفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال الله تعالى له:

* (وإنك لعلى خلق عظيم) * (1)، وقال له: * (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) * (2).

وأما قولك: إن قريشا اختارت، فإن الله تعالى يقول: * (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) * (3).

وقد علمت أن الله اختار لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر

ص :314


1- (1) سورة القلم: 4.
2- (2) سورة الشعراء: 215.
3- (3) سورة القصص: 68.

الله لها لوفقت قريش.

فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس، أبت قلوبكم - يا بني هاشم - إلا غشا في أمر قريش لا يزول، وحقدا عليها لا يحول.

فقال ابن عباس: لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش فإن قلوبهم من قلب رسول الله صلى الله عليه وآله طهره الله وزكاهم وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (1).

وأما قولك: حقدا، فكيف لا يحقد من غصب حقه، ويراه في يد غيره؟ فقال عمر: أما أنت يا ابن عباس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي.

قال: ما هو؟ أخبرني به فإن يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك حقا فإن منزلتي عندك لا تزول به.

قال: بلغني أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر منا حسدا وظلما.

قال: أما قولك: حسدا، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود.

وأما قولك: ظلما، فأنت تعلم صاحب الحق من هو؟ ثم قال: ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله صلى الله عليه وآله، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله صلى الله عليه وآله، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله من سائر قريش.

ص :315


1- (1) سورة الأحزاب: 33.

فقال عمر: قم الآن وارجع إلى منزلك.

فقام، فلما ولى هتف به عمر: أيها المنصرف؟ إني على ما كان منك لراع حقك.

فالتفت ابن عباس، وقال: إن لي عليك حقا، وعلى كل المسلمين برسول الله صلى الله عليه وآله، فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع.

فقال عمر لجلسائه: واها لابن عباس، ما رأيته لاحى أحدا إلا خصمه.

وأخرج الكشي بإسناده قال: لما هزم علي بن أبي طالب عليه السلام أصحاب الجمل، بعث عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة.

قال ابن عباس: فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة.

قال: وطلبت عليها الإذن فلم تأذن، فدخلت عليها من غير إذنها، فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس وإذا هي من وراء سترين، فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة.

قال: فمددت الطنفسة فجلست عليها.

فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس، أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير إذننا، وجلست على متاعنا بغير إذننا.

فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك، ونحن علمناك السنة، وإنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجت منه ظالمة لنفسك،

ص :316

غاشة لدينك، عاتية على ربك، عاصية لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا بإذنك، ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك.

إن أمير المؤمنين عليه السلام بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة.

فقالت: رحم الله أمير المؤمنين ذاك عمر بن الخطاب.

فقال ابن عباس: هذا والله أمير المؤمنين، وإن تربدت فيه وجوه، ورغمت فيه معاطس.

أما والله لهو أمير المؤمنين عليه السلام وأمس برسول الله صلى الله عليه وآله رحما، وأقرب قرابة، وأقدم سبقا، وأكثر علما، وأعلى منارا، وأكثر آثارا من أبيك ومن عمر.

فقالت: أبيت ذلك.

فقال: أما والله إن كان إباؤك فيه قصير المدة، عظيم المشقة، ظاهر الشوم بين النكد.

وما كان إباؤك فيه إلا كحلب شاة حتى صرت ما تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين.

وما كان مثلك إلا كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد، حيث يقول:

ما زال إهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركتهم كأن قلوبهم * في كل مجمعة طنين ذباب

ص :317

قال: فأراقت دمعتها وأبدت عويلها وتبدي نشيجها.

ثم قالت: أخرج والله عنكم فما في الأرض بلد أبغض إلي من بلد أنتم فيه.

فقال ابن عباس: فلم والله ماذا بلاؤنا عندك؟ ولا صنيعنا إليك، إنا جعلناك للمؤمنين أما، وأنت بنت أم رومان، وجعلنا أباك صديقا، وهو ابن أبي قحافة.

فقالت: يا ابن عباس، تمنون علي برسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: ولم لا نمن عليك، لو كان منك قلامة منه مننتنا به، ونحن لحمه ودمه ومنه وإليه، وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده، لست بأبيضهن لونا، ولا بأحسنهن وجها، ولا بأرشحهن عرقا، ولا بأنضرهن ورقا، ولا بأطراهن أصلا، فصرت تأمرين فتطاعين، وتدعين فتجابين.

وما مثلك إلا كما قال أخو بني فهر:

مننت على قومي فأبدوا عداوة * فقلت لهم: كفوا العداوة والنكرا

ففيه رضا من مثلكم لصديقه * وأحجى بكم أن تجمعوا البغي والكفرا

قال: ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بمقالتها، وما رددت عليها، فقال عليه السلام: " أنا أعلم بك حيث بعثتك ".

وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام لما أرسل ابن عباس إلى الزبير، قال: " من كان له ابن عم مثل ابن عباس فقد أقر الله عينه ".

ص :318

وأقام أمير المؤمنين عليه السلام بعد وقعة - الجمل - خمسين ليلة، ثم أقبل على الكوفة واستخلف ابن عباس على البصرة.

ولما خرج علي عليه السلام إلى " صفين " لحرب معاوية كتب إلى عماله يستفزهم، فكتب إلى ابن عباس وهو عامله على البصرة: " أما بعد، فاشخص إلي بمن قبلك من المسلمين والمؤمنين وذكرهم بلائي عندهم وعفوي عنهم في الحرب وأعلمهم الذي في ذلك من الفضل والسلام ".

فلما وصل كتابه إلى ابن عباس بالبصرة، قام في الناس، فقرأ عليهم الكتاب، وحمد الله وأثنى عليه.

وقال: أيها الناس، استعدوا للشخوص إلى إمامكم وانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم، فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرؤون القرآن، ولا يعرفون حكم الكتاب، ولا يدينون دين الحق مع أمير المؤمنين عليه السلام وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والصادع بالحق، والمقيم بالهدى، والحاكم بحكم الكتاب، الذي لا يرتشي في الحكم، ولا يداهن الفجار، ولا تأخذه في الله لومة لائم.

فقام إليه الأحنف بن قيس، فقال: نعم، والله لنجيبنك ولنخرجن معك على العسر واليسر والرضا والكره، نحتسب في ذلك الأجر، ونأمل به من الله العظيم حسن الثواب.

وأجابه سائر الناس إلى المسير، فاستعمل أبا الأسود الدؤلي على البصرة، وخرج حتى قدم على أمير المؤمنين عليه السلام بالنخيلة - وهي بضم النون -:

مصغر نخلة موضع من الكوفة على سمت الشام.

ص :319

وعن عبد الله بن عوف بن الأحمر: إن عليا عليه السلام لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة.

وقال ابن أبي الحديد: وهل أخذ عبد الله بن عباس الفقه وتفسير القرآن إلا عن علي عليه السلام.

ولم يفارق ابن عباس أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن قتل على ما رواه الخوارزمي في " مناقبه ": عن عثمان بن مغيرة، قال: لما أن دخل شهر رمضان كان عليه السلام يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين عليهما السلام، وليلة عند ابن عباس، لا يزيد على ثلاث لقم، يقول: " يأتيني أمر الله وأنا خميص، إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب من الليل ".

وروى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب " مقاتل الطالبيين ": أن عليا عليه السلام ولى غسله ابنه الحسن عليه السلام وعبد الله بن عباس.

وروى الحنبلي في " نهاية المطالب ": بإسناده عن ربعي بن خراش، قال:

سأل معاوية عبد الله بن عباس فقال: ما تقول في علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: صلوات الله على أبي الحسن، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، ومحل الحجى، وبحر الندى، وطود النهى، علما للورى، ونورا في ظلم الدجى، وداعيا إلى المحجة العظمى، ومتمسكا بالعروة الوثقى، وساميا إلى الغاية القصوى، وعالما بما في الصحف الأولى، وعاملا بطاعة الملك الأعلى، وعارفا بالتأويل والذكرى، ومتعلقا بأسباب الهدى، وحائدا عن طرقات الردى، وساميا إلى المجد والعلى، وقائما بالدين والتقوى، وسيد من تقمص وارتدى بعد النبي المصطفى، وأفضل من صام وصلى، وأجل من ضحك وبكى، صاحب القبلتين، وهل يساويه مخلوق كان أو يكون، كان والله للأسد قاتلا، وللبهم في الحرب

ص :320

خاتلا، على مبغضيه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد.

قال الزمخشري في " ربيع الأبرار ": كان ابن عباس يقول في علي بن أبي طالب عليه السلام: كان والله يشبه القمر الباهر، والأسد الخادر، والفرات الزاخر، والربيع الباكر، فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه، ومن الأسد شجاعته ومضاءه، ومن الفرات جوده وسخاءه، ومن الربيع خصبه ورخاءه.

وروى محمد بن جرير الطبري، بإسناده عن الفضل بن العباس بن ربيعة، قال: وفد عبد الله بن العباس على معاوية، قال: فوالله إني لفي المسجد إذ كبر معاوية في الخضراء، فكبر أهل الخضراء، ثم كبر أهل المسجد بتكبيرة أهل الخضراء، فبلغ ابن عباس فراح فدخل على معاوية، قال: علمت - يا ابن عباس - أن الحسن عليه السلام توفي. قال: لذلك كبرت؟ قال: نعم.

قال: أما والله ما موته بالذي يؤخر أجلك، ولا حفرته بسادة حفرتك، ولأن أصبنا به فلقد أصبنا بسيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين، ثم بعده بسيد الأوصياء، فجبر الله تلك المصيبة، ورفع تلك المعرة.

فقال: ويحك يا ابن عباس، ما كلمتك إلا وجدتك معدا.

أقول: لابن عباس مع معاوية أخبار كثيرة اقتصرنا منها على هذا المقدار خشية الاكثار.

وأخرج الموفق في " مناقبه "، عن سعيد بن جبير، قال: بلغ ابن عباس أن قوما يقعون في علي عليه السلام، فقال لابنه علي بن عبد الله: خذ بيدي فاذهب بي إليهم، فأخذ بيده حتى انتهى إليهم.

ص :321

فقال: أيكم الساب الله؟ فقالوا: سبحان الله! من سب الله فقد أشرك.

فقال: أيكم الساب رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقالوا: من سب رسول الله صلى الله عليه وآله فقد كفر؟ فقال: أيكم الساب لعلي عليه السلام؟ قالوا: قد كان ذلك.

قال: فاشهدوا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من سب عليا عليه السلام فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه الله على وجهه في النار ".

ثم ولى عنهم، فقال لابنه علي: كيف رأيتهم؟ فأنشأ يقول:

نظروا إليك بأعين محمرة * نظر التيوس إلى شفار الجازر

قال: زدني، فداك أبوك، فقال:

خزر الحواجب ناكسي أذقانهم * نظر الذليل إلى العزيز القادر

قال: زدني، فداك أبوك، فقال: ما أجد مزيدا، قال: لكني أجد:

أحياؤهم خزي على أمواتهم * والميتون فضيحة للغاير

وأخرج الطوسي في " أماليه ": عن يونس بن عبد الوارث، عن أبيه، قال:

بينا ابن عباس رحمه الله يخطب عندنا على منبر البصرة إذ أقبل على الناس بوجهه، ثم قال:

ص :322

أيتها الأمة المتحيرة في دينها، أما والله لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وجعلتم الوراثة والولاية حيث جعلها الله ما عال سهم من فرائض الله، ولا عال ولي الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، فذوقوا وبال ما فرطتم فيه بما قدمت أيديكم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وروي: أنه لما خرج الحسين من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن عباس بيده على منكب ابن الزبير:

يا لك من قبرة بمعمر * خلالك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري * هذا الحسين سائر فأبشري

خلى الجو والله لك يا ابن الزبير، سار الحسين عليه السلام إلى العراق فقال ابن الزبير: يا بن عباس، والله ما ترون هذا الأمر إلا لكم، ولا ترون إلا أنكم أحق به من جميع الناس.

فقال ابن عباس: إنما يرى من كان في شك، ونحن من ذلك على يقين، ولكن أخبرني عن نفسك بماذا تروم هذا الأمر.

قال: بشرفي.

قال: بماذا شرفت إن كان لك شرف، فإنما هو بنا، فنحن أشرف منك لأن شرفك منا. وعلت أصواتهما، فاعترض بينهما رجال من قريش فأسكتوهما.

وأخرج النسائي في " صحيحه "، عن أبي مليكة، قال: كان بين ابن عباس وبين ابن الزبير شئ، فغدوت على ابن عباس، فقلت: أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله، فقال: معاذ الله، أن الله كتب " ابن الزبير " و " بني أمية " محلين

ص :323

للحرام، وإني والله لا أحله أبدا.

وروى المسعودي، عن سعيد بن جبير: إن ابن عباس دخل على ابن الزبير، فقال له ابن الزبير: إلى م تؤنبني وتعنفني، فقال ابن عباس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " بئس المسلم يشبع ويجوع جاره "، وأنت ذلك الرجل.

فقال ابن الزبير: والله، إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة.

وتشاجرا فخرج ابن عباس من مكة فأقام بالطائف حتى مات.

وروى غيره: أن ابن الزبير حبس عبد الله بن العباس مع محمد بن الحنفية رضي الله عنهما في رجال من بني هاشم في شعب غارم حتى أرسل المختار من الكوفة جيشا فاستخلصوهم منه.

وروى المدائني قال: لما أخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس من مكة إلى الطائف مر بنعمان، فصلى ركعتين ثم رفع يديه يدعو.

فقال: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن بلد أحب إلي من أن أعبدك فيه من البلد الحرام، وأني لا أحب أن تقبض روحي إلا فيه. إن ابن الزبير أخرجني ليكون الأقوى في سلطانه، اللهم فأوهن كيده، واجعل دائرة السوء عليه، فلما دنى من الطائف تلقاه أهلها، فقالوا: مرحبا يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، أنت والله أحب إلينا، وأكرم علينا ممن أخرجك، هذه منازلنا تخيرها، فأنزل منها حيث أحببت، فنزل منزلا فكان يجلس إليه أهل الطائف بعد الفجر وبعد العصر فيتكلم بينهم.

قال المسعودي في " مروج الذهب ": ذهب بصر ابن عباس لبكائه على

ص :324

علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام، وهو الذي يقول:

إن يأخذ الله من عيني نورهما * ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير مدخل * وفي فمي صارم كالسيف مشهور

وأخرج الكشي، عن سلام بن سعيد، عن عبد الله بن عبد يا ليل - رجل من أهل الطائف -، قال: أتينا ابن عباس نعوده في مرضه الذي مات فيه، قال:

فأغمي عليه في البيت، فأخرج إلى صحن الدار، قال: فأفاق، فقال: إن خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: إني سأهاجر هجرتين، وإني سأخرج من هجرتي فهاجرت هجرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وهجرة مع علي عليه السلام، وإني سأعمى فعميت، وإني سأغرق فأصابني حكة فطرحني أهلي في البحر، فغفلوا عني فغرقت، ثم استخرجوني بعد، وأمرني أن أبرء من خمسة من، الناكثين: وهم أصحاب " الجمل "، ومن القاسطين: وهم أهل " الشام "، ومن الخوارج: وهم أهل " النهروان "، ومن القدرية: وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم، فقالوا: لا قدر، ومن المرجئة: الذين ضاهوا اليهود في دينهم، فقالوا: الله أعلم.

قال: ثم قال: اللهم إني أحيى على ما حي عليه علي بن أبي طالب عليه السلام، وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال: ثم مات فغسل وكفن، ثم صلى على سريره، قال: فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه، فرأى الناس إنما هو فقهه، فدفن. (1)

ص :325


1- (1) رجال الكشي: 56 ح 106، البحار: 42 / 152 ح 20.

وأخرج أحمد بن حنبل في " سننه "، عن السدي، عن أبي صالح، قال: لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة، قال: اللهم أني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام.

وتوفي ابن عباس بالطائف سنة (68 ه) أيام ابن الزبير، وقيل: سنة (69 ه)، وقيل: سنة (70 ه)، وقيل: سنة (73 ه) وهو أضعفها.

وله من العمر (70) سنة، وقيل: (71) سنة وقيل: (74) سنة.

ودفن بالطائف، وصلى عليه محمد بن الحنفية رضي الله عنه، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة، وضرب على قبره فسطاطا.

قالت العامة: مرويات ابن عباس في كتب الحديث ألف وستمائة وستون، وكان له من الولد: العباس وبه كان يكنى، وعلي السجاد، والفضل، ومحمد، وعبد الله، ولبانة، وأسماء.

ويقال: ما رؤي قبور إخوة أكثر تباعدا من قبور بني العباس، قبر عبد الله بالطائف، وقبر عبيد الله بالمدينة، وقبر قثم بسمرقند، وقبر عبد الرحمان بالشام، وقبر معبد بإفريقية.

47 - عبد الله بن عمر بن الخطاب:

ولد في العام الثالث من الهجرة، صحب النبي صلى الله عليه وآله وروى عنه كثيرا، ووضع على لسانه كثيرا، وهو كأبي هريرة من رجال " الصحاح "، وممن تدور عليه قطب رحاها.

ويمكننا أن نستوضح حاله جليا، ونعرف مبلغ ما وصل إليه من التدين

ص :326

ببيعة يزيد، وحض أولاده على التمسك والاعتصام بحبلها.

فهذا مسلم يحدثنا، عن نافع، قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد لله بن مطيع حين كان من أمر " الحرة " ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمان وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: " من خلع يدا من طاعة لقي الله تعالى يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " (1).

ويحدثنا أحمد بن حنبل، عن نافع أيضا، قال: لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله ثم تشهد، ثم قال: أما بعد، فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول:

" إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان، وأن من أعظم الغدر أن لا يكون له الإشراك بالله تعالى أن يبايع رجل رجلا على بيعة رسوله ثم ينكث ببيعته، فلا يخلعن أحد منكم يزيد، ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون صلى الله عليه وآله بيني وبينه " (2).

وغريب جدا أن يأتي ابن عمر فيبايع يزيد على أثر ما فعل - يوم الحرة - من قتل الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، وهتك النساء المخدرات، وغير ذلك من الفظائع التي كل واحدة منها بمجردها تدل على الأقل على فسقه.

وعجيب منه أن يحض أولاده على البقاء على بيعته مع ما علم من فسقه وفجوره وشربه للخمور، مما هو مستفيض عنه، وقتله الإمام الحسين عليه

ص :327


1- (1) صحيح مسلم: 2 / 121.
2- (2) مسند أحمد: 2 / 48.

السلام وأولاده وإخوته وبني عمومته وأصحابه وبسبي عياله وتمثيله بقتلهم.

تلك المشاهد المؤلمة التي لم يحك لنا التاريخ حتى اليوم وقعة تشاكلها، مما يجعلنا أن نعتقد أن يزيد لم يكن على شئ من الإسلام، كما يشهد لذلك قوله:

لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل

إن ابن عمر نفسه يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " (1).

وأظن أن وقعة الحرة، وقتل الحسين عليه السلام، وهدم الكعبة المشرفة كلها أمر بطاعة بنظر عبد الله بن عمر، لذا وجب عليه طاعته والوفاء ببيعته.

وإن ابن الأثير يحدثنا في " تاريخه ": أنه لما عزم معاوية على البيعة ليزيد أرسل إلى عبد الله بن عمر مائة ألف درة فقبلها، فلما ذكر البيعة ليزيد، قال ابن عمر: هذا أراد، إن ديني عندي إذا لرخيص، وامتنع (2).

وإذا كان ابن عمر يرى أن البيعة ليزيد دليل على رخص الدين بنظره، فما الذي عكس بعد ذلك القضية وغير المجرى؟؟ وما هي الأسباب التي دفعت ابن عمر أن يقف خطيبا في أهله وولده حاضا لهم على التمسك بيزيد، محذرا لهم من خلع طاعته، ونكث بيعته، مع أن الناس كافة أجمعت على خلعه ونبذه وعدم الانقياد له؟؟

ص :328


1- (1) صحيح مسلم: 2 / 116.
2- (2) تاريخ ابن الأثير: 1 / 199

لا شك أن ذلك منه لأغراض دنيوية، ودون ما يظهره من التمسك بالحديث المشهور المصرح: " بأن من مات وليس بعنقه بيعة مات ميتة جاهلية ".

لأن بيعة فاسق كيزيد ليست بجائزة كما لا يخفى.

والذي أظنه أن ابن عمر إنما امتنع عن بيعة يزيد أولا لقرب عهده بالنبي صلى الله عليه وآله، ونزول الوحي.

فإن الأحاديث النبوية الذهبية كانت لا تزال في ذلك العهد ترن في آذانه، وكانت الحكم والمواعظ والحقائق لا تزال شاخصة أمام بصره تبغضه ببيعة يزيد وأبيه، وتصور له فضاعة الدعوة له، أما وقد بعد العهد، وكثرت الفتن، وتتابعت الخطوب، فقد ضعفت تلك العقيدة الدينية، وتحولت بنظره الأشياء، حتى آل الأمر أن جعلت بيعة يزيد - وهي التي كانت يومذاك بنظره موجبة لرخص الدين - بيعة لازمة في عنقه، يجب الإقرار بها: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * (1).

وإن شخصا هذه نفسيته، وهذا مبلغ تدينه، لا نستطيع - والحالة هذه - أن نعول على أحاديثه، ونأخذ بآرائه ونظرياته، على أن كثيرا من رواياته خرافية وصريحة الكذب.

روى البخاري، عن عبد الله بن عمر، قال: ارتقيت فوق بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله يقضي حاجته، مستدبرا القبلة، مستقبل

ص :329


1- (1) سورة آل عمران: 144.

الشام " (1).

وهذا خلاف لما أجمعت عليه الأمة من عدم جواز استقبال القبلة واستدبارها.

وخلاف لما روى البخاري من أن النبي صلى الله عليه وآله، قال: " إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا " (2).

وخلاف لما اشتهر عنه صلى الله عليه وآله من أنه ما رؤي على بول أو غائط قط.

وقد ارتبك بعض شراح البخاري عند ذكر هذا الحديث، وحمله حسن ظنه بابن عمر أن يجعل فعل النبي صلى الله عليه وآله هذا من خواصه، ومن جملة الأحكام التي اختص بها دون غيره.

وليس هذا الاحتمال بأقل غرابة من رواية ابن عمر، فإنا نقول: إن خواص النبي صلى الله عليه وآله معلومة لدى كافة الأمة الإسلامية، وليس هذا الفعل من جملتها.

وثانيا - إن خواصه فيها دلالة قوية على رفيع منزلته وعظمته عند الله لما في هذه الخواص من المزية الظاهرة التي لا ينالها غير النبي صلى الله عليه وآله، وليس في هذا الفعل الذي رواه ابن عمر ما يشعر بذلك، بل على العكس فإن النبي صلى الله عليه وآله ما نهى عن استقبال القبلة واستدبارها إلا كرامة لها.

وهو صلى الله عليه وآله أحق بكرامتها، وأجدر بتعزيزها، فإنها قبلة

ص :330


1- (1) صحيح البخاري: 1 / 117 طبع سنة (1320 ه).
2- (2) صحيح البخاري: 1 / 36.

المصلي التي يتجه بها العبد نحو ربه.

روى البلاذري في " أنسابه ": أنه لما قتل الحسين عليه السلام، كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية: أما بعد - فقد عظمت الرزية، وجلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم الحسين عليه السلام.

فكتب إليه يزيد: أما بعد - يا أحمق، فإنا جئنا إلى بيوت منجدة، وفرش ممهدة، ووسائد منضدة، فقاتلنا عنها، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا، وإن يكن الحق لغيرنا، فأبوك أول من سن هذا وابتز، واستأثر بالحق على أهله.

ومما نقله أصحاب التواريخ في ذمه ما ذكره ابن مسكويه في " نديم الفريد "، فقال ما هذا لفظه: ومما يؤثر في الكلام الواقع موقعه شدة شكيمة المتكلم ما يحكى عن - عبد الله بن الحرث - المعروف ب " بتة "، وذلك أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فرأى عبد الله بن عمر جالسا في نفر من أصحابه، فسلم عليه وجلس عنده، فلم يهش له عبد الله، ولا أحسن مساءلته، ولا نهض إليه لما رآه.

قال: كأنك لم تثبتني يا أبا عبد الرحمان؟! فقال: بلى، ألست ببتة؟ فقال: ما حملك على ذكر اللقب وترك الاسم؟ قد أحسب أن السنين أفادتك رأيا غير ما كنت تعرف به، وتنسب إليه.

ما أشبهت أباك؟! ولكنك ورثت جدك وخالك.

ثم أقبل على القوم، فقال: إن جد هذا - الخطاب - ابتاع من رجل ذهبا ثم اقتضاه اليماني فعمد، ابتاع من رجل خمرا على حلته ذهبا، ثم اقتضاه اليماني

ص :331

فعمد، فكتب فيه ذهب حتى ملأها، ثم دفعها إلى اليماني، فاستعدى عليه عند الزبير بن عبد المطلب، فضربه وأغرم.

وأما خاله - قدامة بن مظعون - فقد شرب الخمر على عهد عمر، فلما أراد أن يجلده، قال: أمسك، فإن الله تعالى يقول: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * (1).

فظن عمر أن هذه الآية تبطل الحدود، فورثتهما إشارة إلى هذا.

وكان أيضا يجالس النبي صلى الله عليه وآله صباحا ومساء، فأراد أن يطلق امرأة فلم يحسن، فردها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يعلم طلاقها.

ثم أقبل عليه، فقال له: أتيت علي بن أبي طالب عليه السلام، وله قرابة وسابقة وفضائل عديدة، فبايعته طائعا غير مكره، قاصدا إليه، ثم جئته، فقلت:

أقلني بيعتي، فأقالك.

ثم أتيت تدق الباب على أصحاب الحجاج، تقول: خذوا بيعتي، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: " من بات ليلة وليس في عنقه بيعة إمام، مات ميتة جاهلية ".

ثم اضطرب الحبل بالناس، فزعمت أنك لا تعرف حقا فتنصره، ولا باطلا فتقاتل أهله.

فقال عبد الله بن عمر: حسبك يا أبا محمد، فما أردت إلا خيرا، وكلمته الجماعة أن يكف.

ص :332


1- (1) سورة المائدة: 93.

وقد شهد ابن عمر على نفسه بالطعن فيما يرويه، قال: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد النبي صلى الله عليه وآله خوفا أن ينزل فينا شئ، فلما توفي النبي صلى الله عليه وآله تكلمنا وانبسطنا (1).

48 - عبد الله بن مسعود الهذلي:

حليف بني زهرة بن كلاب، أبو عبد الرحمان، شهد بدرا، توفي بالمدينة سنة (32 ه) وهو ابن بضع وسبعين سنة، وكان ابتنى بالكوفة دارا وقد بعثه عمر إلى الكوفة وزيرا.

كان عبد الله بن مسعود وهو المعروف بأمانته وإخلاصه خازنا لبيت المال في الكوفة، وحدث أن اقترض الوليد بن عقبة مقدارا من المال من بيت المال، فطالبه ابن مسعود عند الأجل فتجاهل ذلك، وأمام الحاجة أرسل الوليد برسالة إلى عثمان يطلب منه تعنيفه، فكتب إليه عثمان: إنما أنت خازن لنا فلا تعرض إلى الوليد فيما أخذ من بيت المال، فاغتاظ ابن مسعود وترك وظيفته، وأقام في داره مكتفيا بالوعظ والإرشاد، وتحول داره إلى معقل للمعارضة ولكل غاضب على السلطة، واشتد ابن مسعود في تحركه ضد الخليفة عثمان فأرسل إليه.

فعندما دخل عليه المسجد قابله بكلمات لا تليق بالخليفة، وأخرج من المسجد بالقوة، وضرب بالأرض فكسر أحد أضلعه، وقطع عنه الخليفة عطاءه، وحظر عليه الخروج من المدينة ليصبح تحت عيونهم وساءت أحواله الصحية،

ص :333


1- (1) صحيح البخاري: 6 / 146.

فمرض فعاده الخليفة بغية كسب رضاه فلم يبال بوجوده فأراد عثمان أن يعيد إليه العطاء، فقال ابن مسعود: حبسته عني حين احتجت إليه وترده إلي حين لا حاجة لي به، فقال عثمان: يكون لأهلك، قال ابن مسعود: رزقهم على الله.

ثم توفي ابن مسعود وصلى على جنازته عمار بن ياسر، ولم يخبروا عثمان بوفاته، فغضب عثمان وهو يقول: سبقتموني به، قال عمار: فإنه أوصى ألا تصلي عليه، فأسرها عثمان في نفسه وكانت من أسباب غضبه على عمار (1).

49 - عثمان بن حنيف الأنصاري:

بفتح الحاء المهملة وفتح النون والفاء بعد الياء المثناة من تحت، ابن واهب بن الحكم بن تغلبة بن مخدعة بن الحارث بن عمر الأنصاري ثم الأوسي، يكنى أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله.

كان أحد الأشراف عمل لعمر ثم لأمير المؤمنين عليه السلام، وولاه عمر مساحة الأرضين وجبايتها بالعراق، وضرب الخراج والجزية على أهلها، وولاه أمير المؤمنين عليه السلام على البصرة.

قال الفضل بن شاذان: هو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

قال أبو مخنف: وحدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن الزبير وطلحة أجدا السير بعائشة حتى انتهوا إلى حفر أبي موسى الأشعري وهو قريب من البصرة، وكتبا إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامل علي عليه السلام

ص :334


1- (1) إسلاميات / طه حسين: 781.

على البصرة: أن خل لنا دار الأمان.

فلما وصل كتابهما إليه بعث إلى الأحنف بن قيس: إن هؤلاء القوم قدموا علينا ومعهم زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله، والناس إليها سراع كما ترى.

فقال الأحنف بن قيس: إنهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان، وهم الذين ألبوا على عثمان الناس، وسفكوا دمه، وأراهم والله لا يزايلوا حتى يلقوا العداوة بيننا، ويسفكوا دماءنا، وأظنهم والله سيركبون منك خاصة ما لا قبل لك به أن تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة، فإنك اليوم الوالي عليهم، وأنت فيهم مطاع، فسر إليهم بالناس، وبادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة، فتكون الناس لهم أطوع منهم لك.

فقال عثمان بن حنيف: الرأي ما رأيت لكني أكره الشر وأن أبدأهم به، وأرجو العافية والسلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين عليه السلام ورأيه فأعمل به.

ثم أتاه بعد الأحنف، حكيم بن جبلة العبدي من بني عمرو بن وديعة فأقرأه كتاب طلحة والزبير.

فقال له مثل قول الأحنف، وأجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف.

فقال له حكيم: فأذن لي حتى أسير إليهم بالناس، فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين عليه السلام وإلا نابذتهم على سواء.

فقال عثمان: لو كان ذلك رأي لسرت إليهم بنفسي.

قال حكيم: أما والله إن دخلوا عليك هذا المصر، لينقلن قلوب كثير من الناس إليهم، ولينزلنك عن مجلسك هذا وأنت أعلم، فأبى عليه عثمان.

ص :335

قال: وكتب علي عليه السلام إلى عثمان لما بلغه مشارفة القوم البصرة:

" من عبد الله علي أمير المؤمنين عليه السلام إلى عثمان بن حنيف: أما بعد - فإن البغاة عاهدوا الله ثم نكثوا وتوجهوا إلى مصرك وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضي الله والله أشد بأسا وأشد تنكيلا، فإذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقوه، فإن أجابوا فأحسن جوارهم ما داموا عندك، وإن أبوا إلا التمسك بحبل النكث والخلاف فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين.

وكتبت كتابي هذا من " الربذة " وأنا معجل المسير إليك إن شاء الله، وكتب عبيد الله بن أبي رافع في سنة ست وثلاثين ".

قال: فلما وصل كتاب علي عليه السلام إلى عثمان أرسل إلى أبي الأسود الدؤلي، وعمران بن الحصين الخزاعي، فأمرهما أن يسيرا حتى يأتياه بعلم القوم، وما الذي أقدمهم؟ فانطلقا حتى أتيا حفر أبي موسى وبه معسكر القوم، فدخلا على عائشة، وسألاها ووعظاها وأذكراها وناشداها الله.

فقالت لهما: ألقيا طلحة والزبير، فقاما من عندها ولقيا الزبير، فكلماه، فقال لهما: إنا جئنا للطلب بدم عثمان، وندعو الناس إلى أن يؤدوا أمر الخلافة شورى ليختار الناس لأنفسهم.

فقالا له: إن عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها، وأنت تعلم قتلة عثمان، من هم؟ وأين هم؟ وأنت وصاحبك وعائشة كنتم أشد الناس عليه، وأعظمهم إغراء بدمه، فأقيدوا من أنفسكم، وأما إعادة أمر الخلافة شورى، فكيف وقد بايعتم عليا عليه السلام طائعين غير مكرهين.

ص :336

وأنت يا أبا عبد الله، لن يعد العهد بقيامك دون الرجل يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت آخذ قائم سيفك، تقول: ما أحد أحق بالخلافة منه، ولا أولى بها منه، وامتنعت من بيعة أبي بكر، فأين ذلك الفعل من هذا القول؟ فقال لهما: اذهبا فألقيا طلحة، فقاما إلى طلحة، فوجداه خشن الملبس شديد العريكة قوي العزم في إثارة الفتنة، وإضرام نار الحرب.

فانصرفا إلى عثمان بن حنيف، فأخبراه، وقال له أبو الأسود:

يا بن حنيف قد أتيت فانفر * وطاعن القوم وجالد واصبر

وابرز لها مستلثما وشمر

فقال ابن حنيف: إي والحرمين لأفعلن، وأمر مناديه، فنادى بالناس:

السلاح السلاح، فاجتمعوا إليه، وقال أبو الأسود شعرا:

وأحسن قوليهما فادح * يضيق به الخطب مستنكد

وقد أوعدونا بجهد الوعيد * فأهون علينا بما أوعدوا

فقلنا: ركضتم ولم ترملوا * وأصدرتم قبل أن توردوا

فإن تلقحوا الحرب بين الرجال * فملقحها جده الأنكد

وإن عليا لكم مصحر * ألا إنه الأسد الأسود

أما إنه ثالث العابدين * بمكة والله لا يعبد

فرخوا الخناق ولا تعجلوا * فإن غدا لكم موعد

ص :337

قال: وأقبل القوم فلما انتهوا إلى المربد قام رجل من بني جشم، فقال: أيها الناس، أنا فلان الجشمي وقد أتاكم هؤلاء القوم، فإن كانوا أتوكم خائفين لقد أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير والوحش والسباع، وإن كانوا إنما أتوكم بطلب دم عثمان فغيرنا ولى قتله.

فأطيعوني أيها الناس، وردوهم من حيث أقبلوا فإنكم إن تفعلوا تسلموا من الحرب الضروس والفتنة الصماء التي لا تبقي ولا تذر.

قال: فحضر ناس من أهل البصرة إلى المربد حتى ملأوه مشاة وركبانا.

فقام طلحة فأشار إلى الناس بالسكوت ليخطب، فسكتوا بعد جهد.

قال: أما بعد، فإن عثمان بن عفان كان من أهل السابقة والفضيلة، ومن المهاجرين الأولين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، فنزل القرآن ناطقا بفضلهم، وأحد أئمة المسلمين الوالين عليكم بعد أبي بكر وعمر صاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد كان أحدث أحداثا نقمناها عليه فاعتبنا، فعدا عليه من ابتز هذه الأمة أمرها غصبا بغير رضى منها ولا مشورة فقتله وساعده على ذلك قوم غير أتقياء ولا أبرار فقتل محرما بريئا تائبا.

وقد جئناكم - أيها الناس - نطلب بدم عثمان وندعوكم إلى الطلب بدمه فإن نحن أمكننا الله من قتلته قتلناهم به، وجعلنا هذا الأمر مشورة بين المسلمين، وكانت خلافته رحمة للأمة جميعا فإن كل من أخذ الأمر عن غير رضى من العامة ولا مشورة منها ابتزازا كان ملكه عضوضا وحدثا كبيرا.

ثم قام الزبير فتكلم بمثل كلام طلحة، فقام إليهما ناس من أهل البصرة، فقالوا لهما: ألم تبايعا عليا عليه السلام فيمن بايعه، ففيم بايعتما ثم نكثتما؟

ص :338

فقالا: بايعناه وما لأحد في أعناقنا بيعة، وإنما استكرهنا على بيعته.

فقال ناس: قد صدقا وأحسنا القول وقطعا بالصواب.

وقال ناس: ما صدقا ولا أصابا بالقول، حتى ارتفعت الأصوات.

قال: ثم أقبلت عائشة على جملها، فنادت بصوت مرتفع: أيها الناس، أقلوا واسكتوا، فأسكت الناس لها، فقالت: إن عثمان قد غير وبدل ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا، وإنما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأمير الشبان، وحماية موضع الغمامة، فقتلوه محرما في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل.

ألا وإن قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها إياه شيئا، ولا سلكت به سبيلا قاصدا.

أما والله، ليرونها بلايا عقيمة تنبه النائم، وتقيم الجالس، وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب، إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه مصتموه كما يماص الثوب الرخيص، ثم عدوتم عليه فقتلتموه بعد توبته وخروجه من ذنبه، وبايعتم ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا وغصبا.

أتروني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه، ولا أغضب لعثمان من سيوفكم، ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم، ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.

قال: فماج الناس واختلطوا، فمن قائل: القول ما قالت، ومن قائل يقول:

ص :339

وما هي وهذا الأمر؟ إنما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها، وارتفعت الأصوات وكثر اللغط حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى.

ثم إن الناس تمايزوا فصاروا فرقتين: فريق مع عثمان بن حنيف رضي الله عنه وفريق مع عائشة وأصحابها.

قال أبو مخنف: فلما أقبل طلحة والزبير من المربد يريدان عثمان بن حنيف، فوجداه وأصحابه قد أخذوا بأفواه السكك فمضوا حتى انتهوا إلى موضع الدباغين، فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف فشجرهم طلحة والزبير وأصحابهما بالرماح، فحمل عليهم حكيم بن جبلة فلم يزل هو وأصحابه يقاتلونهم حتى أخرجوهم من جميع السكك، ورمتهم النساء من فوق البيوت بالحجارة، فأخذوا إلى مقبرة بني مازن فوقفوا بها مليا حتى ثابت إليهم خيلهم، ثم أخذوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى الرابوقة ثم أتوا السبخة دار الرزق فنزلوها وأتاهما عبد الله بن حكيم التميمي لما نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه.

فقال لطلحة: يا أبا محمد، ما هذه كتبك إلينا، قال: بلى.

قال: فكتبت بالأمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه، فلعمري ما هذا رأيك ولا تريد إلا هذه الدنيا؟ مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من علي عليه السلام ما عرض عليك من البيعة، فبايعته طائعا راضيا ثم نكثت بيعتك ثم جئت لتدخلنا في فتنتك.

فقال: إن عليا دعاني إلى بيعته بعد ما بايعه الناس فعلمت أني لو لم أقبل ما عرض علي لم يتم لي ثم يغري بي من معه، ثم أصبحا من غد فصفا للحرب.

وخرج عثمان بن حنيف رضي الله عنه إليهما في أصحابه فناشدهما الله

ص :340

والإسلام، وذكرهما بيعتهما عليا عليه السلام.

فقالا: نحن نطلب بدم عثمان، فقال لهما: وما أنتما وذاك؟ أين بنوه وابن عمه الذين هم أحق به منكم؟ كلا والله ولكنكما حسدتماه حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له، وهل كان أحد أشد الناس على عثمان منكما؟ فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه.

فقال للزبير: أما والله لولا صفية ومكانها من رسول الله صلى الله عليه وآله فإنها أدنتك إلى الظل.

وإن الأمر بيني وبينك يا بن الصعبة - يعني طلحة - أعظم من القول، لأعلمتكما من أمركما ما يسوؤكما.

اللهم إني قد أعذرت إلى هذين الرجلين، ثم حمل عليهم، واقتتل الناس قتالا شديدا، ثم تحاجزوا واصطلحوا على أن يكتب بينهما كتاب صلح.

فكتب: هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصاري ومن معه من المؤمنين من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام وطلحة والزبير ومن معهما من المسلمين من شيعتهما أن لعثمان بن حنيف دار الإمارة والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر، وأن لطلحة والزبير ومن معهما أن ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة ولا يضار بعضهم بعضا في طريق ولا فرضة ولا سوق ولا شريعة ولا مرفق حتى يقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإن أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الأمة وإن أحبوا ألحق كل قوم بهواهم وما أحبوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامة، وعلى الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه وأشد ما أخذه على نبي من

ص :341

أنبيائه من عهد وذمة، وختم الكتاب.

ورجع عثمان بن حنيف حتى دخل دار الإمارة، وقال لأصحابه: ألحقوا رحمكم الله بأهلكم، وضعوا سلاحكم، وداووا جرحاكم، فمكثوا كذلك أياما.

ثم إن طلحة والزبير، قالا: إن قدم علي عليه السلام ونحن على هذه الحالة من الضعف والقلة ليأخذن بأعناقنا.

فأجمعا على مراسلة القبائل، واستمالة العرب، فأرسلا إلى وجوه الناس وأهل الرياسة والشرف يدعونهم إلى الطلب بدم عثمان وخلع علي عليه السلام وإخراج ابن حنيف من البصرة.

فبايعهم على ذلك الأزد، وضبة، وقيس بن عيلان كلها إلا الرجل والرجلين من القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم، وأرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي فلم يأتهم، فجاءه طلحة والزبير إلى داره فتوارى عنهما، فقالت له أمه:

ما رأيت مثلك؟ أتاك شيخا قريش فتواريت عنهما، فلم تزل به حتى ظهر لهما وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميم كلهم وبنو حنظلة إلا بني يربوع فإن عامتهم كانوا شيعة لعلي عليه السلام وبايعهم بنو دارم كلهم إلا نفرا من بني مجاشع ذوي دين وفضل.

فلما استوسق لطلحة والزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر.

وقد سبقهم عثمان بن حنيف رضي الله عنه إليه وأقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره أصحاب طلحة والزبير.

ص :342

فقدموا الزبير فجاءت السبابجة وهم الشرط - حرس بيت المال - فأخروا الزبير، وقدموا عثمان.

فغلبهم أصحاب الزبير فقدموه، وأخروا عثمان.

فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس أن تطلع، وصاح بهم أهل المسجد:

ألا تتقون الله يا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، وقد طلعت الشمس؟ فغلب الزبير فصلى بالناس، فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المتسلحين: أن خذوا عثمان، فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفيهما.

فلما أسر ضرب ضرب الموت، ونتف حاجباه وأشفار عينيه وكل شعرة من رأسه ووجهه، وأخذوا السبابجة وهم سبعون رجلا، فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة، فقال لإبان بن عثمان: أخرج إليه فاضرب عنقه، فإن الأنصار قتلت أباك، وأعانت على قتله.

فنادى عثمان بن حنيف رضي الله عنه: يا عائشة ويا طلحة ويا زبير، إن أخي سهل بن حنيف خليفة علي بن أبي طالب عليه السلام على المدينة، وأقسم بالله إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم ورهطكم وأهلكم فلا يبقى أحدا منكم.

فكفوا عنه وخافوا أن يوقع سهل بن حنيف رضي الله عنه بعيالاتهم وأهلهم بالمدينة فتركوه، وأرسلت عائشة إلى الزبير: أن اقتل السبابجة فإنه بلغني الذي صنعوا بك، فذبحهم والله الزبير كما تذبح الغنم، وولى ذلك منهم عبد الله ابنه وهم سبعون رجلا وبقية طائفة متمسكين ببيت المال، قالوا: لا ندفعه

ص :343

إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين عليه السلام، فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.

قال أبو مخنف: وحدثنا الصقب بن زهير، قال: كانت السبابجة القتلى يومئذ أربعمائة رجل.

وقال: كان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف رضي الله عنه أول غدر كان في الإسلام، وكانت السبابجة أول قوم ضرب أعناقهم من المسلمين صبرا.

قال: وخيروا عثمان بن حنيف رضي الله عنه بين أن يقيم أو يلحق بعلي عليه السلام فاختار الرحيل، فخلوا سبيله، فلحق بعلي عليه السلام.

فلما رآه بكى، وقال له: فارقتك شيخا وجئتك أمردا، فقال علي عليه السلام: " إنا لله وإنا إليه راجعون " قالها: ثلاثا.

قلت: السبابجة - بالسين المهملة والباء وبعد الألف باء موحدة وبعدها جيم ثم هاء - لفظة معربة قد ذكرها الجوهري في كتاب " الصحاح " (1)، قال: هم قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن، والهاء للعجمة والنسب، قال يزيد بن مفرغ الحميري:

وطماطيم من سبابج خزر * يلبسوني مع الصباح القيودا

وسكن عثمان بن حنيف رضي الله عنه الكوفة بعد وفاة علي عليه السلام ومات بها في زمن معاوية.

ص :344


1- (1) الصحاح: 1 / 321 - سبج -.

50 - عثمان بن عفان:

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

لقد بلغ الطعن في أصل عثمان ونسبه ما ذكره أبو المنذر هشام بن محمد بن السايب الكلبي في كتاب " المثالب " ما هذا لفظه: وممن كان يلعب به ويتخنث، ثم ذكر من كان كذلك، قال: وعفان بن أبي العاص بن أمية، ثم قال:

وفي عفان بن أبي العاص يقول عبد الرحمان بن حنبل يعير عثمان بن عفان، وكان عفان يضرب بالدف:

زعم ابن عفان وليس بهازل * إن الفرات وما حواه المشرق

خرج له من شاء أعطى فضله * ذهبا وتيك مقالة لا تصدق

أنى لعفان أبيك سبيكة * صفرا فأطعم العتاب الأزرق

ورثته دفا وعودا يراعة * جوعا يكاد يلبسها يستنطق

يودنا لو كنت تأتي مثله * فيكون دف فتاتكم لا تفتق (1)

وفي تسميته " نعثل " أقوال:

ففي حديث شريك: أن عائشة وحفصة قالتا له: سماك رسول الله صلى الله عليه وآله نعثلا تشبيها بكر يهودي.

وقال الكلبي: إنما قيل: نعثلا تشبيها برجل لحياني من أهل مصر، وقيل:

من خراسان.

ص :345


1- (1) الطرائف: 2 / 499.

وقال الواقدي: شبه بذكر الضباع فإنه نعثل لكثرة شعره، وقال: إنما شبه بالضبع لأنه إذا صاد صيدا قاربه ثم أكله، وإنه أتي بالمرأة لتحد فقاربها ثم أمر برجمها، ويقال: النعثل: التيس الكبير العظيم اللحية.

وقد أحدث عثمان أمورا، منها: أنه ولى أمر المسلمين من لا يؤتمن عليه ولا علم له به، التفاتا عن حرمة الدين إلى حرمة القرابة.

فولى الوليد بن عقبة فظهر منه شرب الخمر والفساد، وفيه نزل: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) * (1)، قال المفسرون: المؤمن علي عليه السلام، والفاسق الوليد، وفيه نزل: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * (2)، وصلى بالناس في إمارته سكرانا، فقال: أأزيدكم؟ قالوا: لا.

حكى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب " الأغاني ": أن الوليد بن عقبة كان زانيا شريب خمر فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع فصلى بهم أربع ركعات ثم التفت إليهم، وقال لهم: أأزيدكم؟ وتقيأ في المحراب وقرأ بهم في الصلاة وهو رافع صوته:

علق القلب الرباب * بعد ما شابت وشابا

وهذا ما دفع الحطيئة إلى أن يقول:

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه * إن الوليد أحق بالعذر

ص :346


1- (1) سورة السجدة: 19.
2- (2) سورة الحجرات: 7.

نادى وقد نفذت صلاتهم: * أأزيدكم ثملا وما يدري

ليزيدهم خيرا ولو قبلوا * منه لزادهم على عشر

فأبوا أبا وهب ولو فعلوا * لقرنت بين الشفع والوتر

حبسوا عنانك إذ جريت ولو * خلوا سبيلك لم تزل تجري

وعندما صدر منه ذلك خرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر، وعندما وصلوا إليه أوعدهم وتهددهم.

وقال الواقدي: إن عثمان ضرب بعض الشهود أسواطا، فأتوا عليا عليه السلام فشكوا ذلك إليه، فأتى عثمان، فقال له: " عطلت الحدود وضربت قوما شهدوا على أخيك، فقلبت الحكم، وقد قال عمر: لا تحمل بني أمية وآل أبي معيط خاصة على رقاب الناس ".

وبعد إلحاح شديد وطلب أكيد من الإمام عليه السلام استدعى عثمان الوليد، فلما شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحده لم يجرأ أحد أن يحده خوفا من غضب عثمان، حتى قام الإمام عليه السلام بنفسه وأخذ السوط.

وفي لفظ " الأغاني ": قال له الوليد: نشدتك بالله وبالقرابة، فقال له علي عليه السلام: " اسكت أبا وهب، فإنما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود "، فضربه وقال: " لتدعوني قريش بعد هذا جلادها ".

وولى سعيد بن العاص الكوفة، فقال: إنما السواد بستان لقريش، تأخذ منه ما شاءت، فمنعوه دخولها، وتكلموا فيه، وفي عثمان، حتى كادوا يخلعونه، فعزله قهرا.

ص :347

وولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فتكلموا فيه، فولى محمد بن أبي بكر وكاتبه أنه يقتل ابن أبي بكر وكل من يرد عليك وتستمر، فلما ظفر بالكتاب كان سبب حصره وقتله.

قالوا: ذلك مروان لا عثمان، قلنا: فكان يجب على عثمان تعزيره والتبري منه، فلما لم يفعل ذلك دل على خبثه وكذبه، ومن هذا حاله لا يصلح لأدنى ولاية مع إجماع الصحابة على قتله، وترك دفنه ثلاثا لما تحققوا من أحداثه.

قالوا: والحسين عليه السلام جرى له مثل ذلك، قلنا: لا قياس لإجماع المسلمين على أنه قتل ظلما، ولم يحدث حدثا بخلاف عثمان.

فقد روى الواقدي: أن أهل المدينة منعوا من الصلاة عليه، وحمل ليلا ليدفن فأحسوا به فرموه بالحجارة، وذكروه بأسوأ الذكر.

وقد روى الجوزي في " زاد المسير ": أن عثمان من الشجرة الملعونة في القرآن.

ومنها: أنه آوى الحكم بن العاص طريد رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة.

قال الواقدي من طرق مختلفة، وغيره: إن الحكم قدم المدينة بعد الفتح فطرده النبي صلى الله عليه وآله ولعنه لتظاهره بعداوته، والوقيعة فيه، والعيب بمشيته، وصار اسم الطريد علما عليه، فكلمه عثمان فيه، فأبى عنه، وكلم الشيخين في زمن ولايتهما فيه، فأغلظا القول عليه، وقال له عمر: يخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله وتأمرني أن أدخله؟ والله لو أدخلته لم آمن من قائل: غير عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فإياك أن تعاودني.

ص :348

فلو كان النبي صلى الله عليه وآله أذن له لاعتذر عثمان إليهما به، ولما لامه علي عليه السلام وعمار وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمان، قال: إنه قرابتي، وفي الناس من هو شر منه.

وقال: لو نال أحد من القدرة ما نلت فكان قرابته لأدخله.

فغضب علي عليه السلام، وقال: " لتأتينا بشر من ذلك إن سلمت، وسترى غب ما تفعل ".

وقد روى صاحب كتاب " الشفا " من الجمهور، قول النبي صلى الله عليه وآله " من أحدث في المدينة حدثا فعليه لعنة الله ".

وأورده البخاري في أول الكراس الثاني من الجزء الرابع، وزاد:

والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا، ولا عدلا.

ومثل هذا أورد الحميدي في الحديث الثامن عشر من " الجمع بين الصحيحين "، ومثله أيضا في الحديث الثامن والأربعين من أفراد مسلم.

ومنها: أنه كان يؤثر قومه بالأموال، فأعطى مروان مائة ألف دينار (1)، قال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي: وصحت فيه فراسة عمر، إذ قد أوطأ بني أمية رقاب الناس، وأولاهم الولايات، وأقطعهم القطائع، وافتتحت أرمينيا في أيامه، فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان، فقال عبد الرحمان بن حنبل الجمحي:

أحلف بالله رب الأنام * ما تر الله شيئا سدى

ولكن خلقت لنا فتنة * لكي نبتلي بك أو نبتلى

ص :349


1- (1) الإمامة والسياسة: 1 / 53.

فإن الأمينين قد بينا * منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهما غيلة * ولا جعلا درهما في هوى

وأعطيت مروان خمس البلاد * فهيهات سعيك ممن سعى

وأقطع مروان " فدكا " وقد كانت فاطمة عليها السلام طلبتها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله تارة بالميراث، وتارة بالنحلة فدفعت عنها.

وأعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقية.

وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية، وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضا بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنه.

وهذا زيد - صاحب بيت المال - جاء بالمفاتيح ووضعها بين يدي عثمان وبكى، فقال عثمان: أتبكي إن وصلت رحمي؟ قال: لا، ولكن أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة الرسول صلى الله عليه وآله، والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا، فقال عثمان:

ألق المفاتيح يا ابن أرقم، فإنا سنجد غيرك (1).

ودفع إلى أربعة زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار.

قالوا: ربما كان ذلك من ماله، قلنا: روى الواقدي: أن عثمان قال: إن أبا بكر وعمر كانا يناولان من هذا المال قرابتهما وإني ناولت منه صلة رحمي.

وروى الواقدي: أنه قسم مال البصرة بين ولده وأهله بالصحاف، وأن إبلا

ص :350


1- (1) شرح النهج الحديدي: 1 / 66.

من الصدقة وهبها عثمان للحارث بن الحكم بن أبي العاص، وولى الحكم بن أبي العاص على صدقات قضاعة، فبعث ثلاثمائة ألف فوهبها له، وأعطى سعيد بن العاص مائة ألف دينار، فأنكر الناس عليه، وقسم بيت المال على المقاتلة وغيرهم.

وطلب إليه أبو عبد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه أربعمائة ألف درهم، وتصدق رسول الله صلى الله عليه وآله بموضع سوق بالمدينة يعرف - بمهروز - على المسلمين، فأقطعهما عثمان ابن الحرث بن الحكم - أخا مروان بن الحكم.

وحمى المراعي كلها حول المدينة من حواشي المسلمين كلهم إلا عن حواشي بني أمية، وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف درهم من بيت المال الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف دينار من بيت المال.

وقد ذكر المسعودي وغيره بعض الأمثلة على هذه الثروات الضخمة في ذلك الوقت: فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا وخططا في البصرة والكوفة ومصر والإسكندرية.

وكانت غلة طلحة بن عبيد الله من العراق كل يوم ألف دينار، وقيل: أكثر، وبناحية الشراة أكثر مما ذكرنا.

وكان على مربط عبد الرحمان بن عوف مائة فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف شاة، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا.

وحين مات زيد بن ثابت خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.

ومات يعلى بن منية وخلف خمسمائة ألف دينار.

ص :351

أما عثمان نفسه فكان له يوم قتل عند خازنه مائة وخمسون ألف دينار، ومليون درهم، وخلف خيلا كثيرا وإبلا.

ثم قال المسعودي بعد ذلك: وهذا باب يتسع ذكره، ويكثر وصفه فيمن تملك الأموال في أيامه (1).

وقال أهل التواريخ، وصاحب " الإستيعاب " منهم: لما مات خلف ثلاث زوجات أصاب كل واحدة منهن ثلاثة وثمانون ألف دينار، فجملة المتروك أضعافها، فمن له هذا التكالب على الدنيا، كيف يصلح لخلافة الأنبياء؟ كما وجد إلى جانب هذه الطبقة الأرستقراطية طبقة أخرى فقيرة معدمة أنشأها عمال عثمان، باستئثارهم بالفئ لله، وليس للمحارب إلا أجر قليل يدفع إليه (2).

قالوا: ذلك بالاجتهاد، قلنا: الله ورسوله أعلم بمصالح العباد، فإذا عينا لبيت المال جهة مخصوصة لم يجز العدول عنها بالاجتهاد.

ومنها: ما ذكره عبد الله بن طاهر في كتاب " لطائف المعارف ": أنه كسر ضلع ابن مسعود لما أبى أن يأتيه بمصحفه ليحرقه، ومنعه العطاء وأنه كان مع كونه عظيم الشأن يكفر عثمان.

ففي مسلم والبخاري: قيل لابن مسعود: صلى عثمان بمنى أربع ركعات فاسترجع، وقال: صليت مع النبي صلى الله عليه وآله ومع أبي بكر وعمر ركعتين، ونحوه في " مسند أحمد ".

ص :352


1- (1) مروج الذهب: 2 / 341 - 343.
2- (2) حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي: 1 / 358.

وفي " تاريخ الطبري ": قال له علي عليه السلام: " لقد عهدت نبيك يصلي ركعتين وأبا بكر وعمر، فما أدري ما ترجع إليه "؟ قال: رأي رأيته.

وعاده عثمان في مرضه، وسأله الاستغفار له، فقال أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي، وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان.

ولما مر ابن مسعود من العراق معتمرا وجد أبا ذر على الطريق ميتا مكفنا فدفنه، فضربه عثمان أربعين سوطا، ذكر ذلك ابن طاهر في " لطائف المعارف ".

وقد كان عثمان نفاه إلى الشام، فكان يخطئ معاوية الأحكام، ويتحسر على الإسلام، وكان عثمان الذي نصب معاوية مع علمه عدم استحقاقه، فولاه بغضا لمن جعله الله مولاه، فبعث إلى عثمان يشكوه فبعث إليه أن يحمله إليه مهانا فحمله على قتب حتى سقط لحم فخذيه.

فروى الواقدي: أنه لما دخل على عثمان، قال له: لا أنعم الله بك عينا يا جنيدب؟ أنت الذي تزعم أنا نقول: يد الله مغلولة وأن الله فقير ونحن أغنياء.

فقال: لو كنتم لا تزعمون ذلك لأنفقتم مال الله على عباده، أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثون رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دخلا " (1).

فقال للجماعة: هل سمعتم هذا من النبي صلى الله عليه وآله؟ فقال علي

ص :353


1- (1) كتاب الفتن لنعيم بن حماد: 1 / 130 ح 316، كتاب نسب قريش: 110، مسند أحمد: 3 / 80، مسند أبي يعلى: 2 / 383 - 384 ح 1152، و ج 11 / 402 ح 6523، المعجم الكبير: 12 / 236 ح 12982، و ج 19 / 382 - 383 ح 897، مستدرك الحاكم: 4 / 480، دلائل النبوة للبيهقي: 6 / 507 وص 508، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي:

عليه السلام والحاضرون: " نعم سمعناه يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر ".

فنفاه إلى الربذة، وقال لعلي عليه السلام: بفيك التراب، فقال علي عليه السلام: " بل بفيك التراب وسيكون "، قال جماعة: فلقد رأينا عثمان مقتولا وبفيه التراب.

وروى الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وآله رآه نائما في المسجد، فقال:

" كيف تصنع إذا أخرجوك منه "؟ قلت: ألحق بالشام، قال: " فإذا أخرجوك منها "، قلت: أرجع إلى المسجد، قال: " فإذا أخرجوك منه "، قلت: أضرب بسيفي، قال:

" هل أدلك على خير من ذلك؟ انسق معهم حيث ساقوك، وتسمع وتطيع " فسمعت وأطعت.

فهذه الروايات ترد قول القاضي: أنه خرج باختياره.

ومنها: أنه ضرب عمارا حتى أحدث به فتقا، ولما قتل قال عمار: قتلنا كافرا.

فابن مسعود وعمار مع كونهما صدرين عظيمين، كانا لعثمان في حياته وبعد موته مكفرين، وباقي الصحابة لم يدفعوا القتل عنه، حيث علموا موجبه، وترك بغير غسل ولا كفن ملقى على المزبلة ثلاثا.

وأمير المؤمنين عليه السلام الذي هو مع الحق والحق معه، لم ينه عن ذلك، فدل على تكفيره.

لأن الفاسق لا يجوز التخلف عن دفنه مع تكفنه، وكان لعلي عليه السلام المكنة حيث إنه كان في ذلك الوقت خليفة.

ص :354

قال البرقي:

ألم يدس بطن عمار بحضرته * ودق للشيخ عبد الله ضلعان

وقد نفى جندبا فردا إلى بلد * ناء المحلة من أهل وجيران

وقد روى أحمد في " مسنده "، عن أنس: أنه لما ماتت رقية بنت النبي صلى الله عليه وآله بضرب زوجها عثمان لعنه النبي صلى الله عليه وآله خمس مرات، وقال: " لا يتبعنا أحد ألم بجاريته البارحة " لأجل أنه كان ألم بجارية رقية، فرجع جماعة وشكى عثمان بطنه ورجع، ولعنه جماعة حيث حرموا الصلاة عليها بسببه.

ومنها: أنه لم يحضر " بدرا " ولا " بيعة الرضوان " واعتذروا له بأنه أشغله عن بدر مرض زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وآله بإذنه، فضرب له بسهم من غنائهما، فكان حكمه حكم حاضرها، ووضع النبي صلى الله عليه وآله في " بيعة الرضوان " إحدى يديه على الأخرى، وقال: " هذه عن عثمان ".

وهذه الاعتذارات خالية من دليل إلا أن يسلمها خصمه، وليس إلى ذلك من سبيل.

ومنها: أنه هرب يوم " أحد "، ولم يرجع إلى ثلاثة أيام، وقد حكم عليه الشيطان كما نطق به القرآن: * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان) * (1).

وقد شرط المخالف شجاعة الإمام، والمؤالف عصمته، فدل على عدم

ص :355


1- (1) سورة آل عمران: 155.

صلاحه فراره وخطيئته.

قالوا: نطق القرآن بالعفو عنه، قلنا: فيه التزام بالذنب منه، على أن العفو عنهم قد يراد به أكثرهم مثل * (قرآنا عربيا) * (1) فلا يتعين العفو عن عثمان ولجاز كون العفو في الدنيا عن تعجيل المعاقبة، ولأنه لا يلزم من العفو عن الذنب العفو عن كل ذنب.

ومنها: أنه كان يستهزئ بالشرائع ويتجرأ عليها بالمخالفة لها، ففي " صحيح مسلم ": ولدت امرأة لستة أشهر، فأمر برجمها، فقال له علي عليه السلام: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (2). فعانده فبعث فرجمها * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * * (هم الكافرون) * في آيات (3). وقتلها فحق عليه قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) * (4).

ومنها: جرأته على رسول الله صلى الله عليه وآله فروى الحميدي أن السدي قال: لما توفي أبو سلمة وخنيس بن صداقة وتزوج النبي صلى الله عليه وآله زوجتيهما حفصة وأم سلمة، قال طلحة وعثمان: ينكح محمد نساءنا ولا ننكح نساءه؟ والله لو مات لأجلنا عليهن بالسهام، وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد أم سلمة.

فأنزل الله سبحانه: * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا

ص :356


1- (1) سورة يوسف: 2، سورة طه: 113، سورة الزمر: 28، سورة فصلت: 3، سورة الزخرف: 3.
2- (2) سورة الأحقاف: 15.
3- (3) سورة النساء: 44 و 45.
4- (4) سورة النساء: 93.

أزواجه من بعده أبدا) * (1).

وأنزل الله سبحانه: * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) * (2).

ومنها: أن عثمان باع عليا أرضا وأنكره، فقال: " حاكمني إلى النبي صلى الله عليه وآله "، فقال: إنه ابن عمك، ويحابيك.

فنزل: * (في قلوبهم مرض) * (3) أي كفر.

وفي " تفسير الثعلبي ": قضى النبي صلى الله عليه وآله عليه ليهودي فغضب، فنزل فيه: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * (4).

ومنها: ما ذكره عكرمة ومجاهد والسدي والفراء والزجاح والجبائي وابن عباس وأبو جعفر عليه السلام: " أنه كان يكتب الوحي ويغير، فكتب موضع * (غفور رحيم) * - سميع عليم - عزيز حكيم، فأنزل الله فيه: * (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) * (5) حين ارتد ولحق بمكة وقال ذلك.

ويقال: إن هذه القصة لابن أبي سرح، وكان كاتبا للوحي، فارتد ولحق بمكة، ثم آمن وبعد ذلك ولاه عثمان على مصر.

ورووا أنه كان يخطب فرفعت عائشة قميص النبي صلى الله عليه وآله

ص :357


1- (1) سورة الأحزاب: 53.
2- (2) سورة الأحزاب: 57.
3- (3) سورة البقرة: 10.
4- (4) سورة النساء: 65.
5- (5) سورة الأنعام: 93.

وقالت: قد أبليت سنته وهذا قميصه لم يبل، فقال: اسكتي أنت كامرأة نوح وامرأة لوط - الآية (1).

وروى أبو وائل: أن عمارا قال: ما كان لعثمان اسم في أفواه الناس إلا الكافر حتى ولى معاوية.

وروى حذيفة أنه قال: لا يموت رجل يرى أن عثمان قتل مظلوما إلا لقي الله يوم القيامة يحمل من الأوزار أكثر مما يحمل أصحاب العجل.

وقال: ولينا الأول فطعن في الإسلام طعنة، والثاني فحمل الأوزار، والثالث فخرج منه عريان وقد دخل حفرته وهو ظالم لنفسه، وقد اجتمع خمسة وعشرون ألفا لقتله.

ومنها: ما رواه السدي: أنه لما غنم النبي صلى الله عليه وآله بني النضير وقسم أموالهم، قال عثمان لعلي عليه السلام: آت النبي واسأله كذا، فإن أعطاك فأنا شريكك، وأنا أسأله فإن أعطاني فأنت شريكي.

فسأله عثمان أولا فأعطاه، فأبى أن يشرك عليا عليه السلام فقاضاه إلى النبي صلى الله عليه وآله فأبى، وقال: إنه ابن عمه، فأخاف أن يقضي له.

فنزلت: * (فإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون - إلى قوله - بل أولئك هم الظالمون) * (2).

فلما بلغه ما أنزل فيه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله، وأقر بالحق لعلي عليه السلام.

ص :358


1- (1) سورة التحريم: 11 و 12.
2- (2) سورة النور: 48 - 50.

ومنها: ما رواه السدي في تفسير قوله تعالى: * (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * (1)، لما أصيب النبي صلى الله عليه وآله بأحد قال عثمان:

لألحقن بالشام فإن لي بها صديقا يهوديا فآخذ منه أمانا إني أخاف أن يدل علينا.

وقال طلحة: إن لي بها صديقا نصرانيا فآخذ منه أمانا.

قال السدي: فأراد أحدهما أن يتهود، والآخر أن يتنصر.

فاستأذن طلحة النبي صلى الله عليه وآله في المسير إلى الشام معتلا أن له بها مالا.

فقال صلى الله عليه وآله: " تخذلنا وتخرج وتدعنا؟ "، فألح عليه، فغضب علي عليه السلام، وقال: " ائذن له يا رسول الله، فوالله لا عز من نصر، ولا ذل من خذل ".

فنزل: * (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم) * (2).

ومنها: في " تفسير الثعلبي " في قوله تعالى: * (إن هذان لساحران) * (3)، قال عثمان: إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها، فقيل: لا تغيره؟ فقال:

دعوه فإنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا.

إن قيل: إنما قصد بنفي التحريم تلك الآية خاصة فظاهر خلوها عن الأمر

ص :359


1- (1) سورة المائدة: 51.
2- (2) سورة المائدة: 53.
3- (3) سورة طه: 63.

والنهي، وإنما هي إخبار وحكاية، قلنا: لو كان كذلك لأضاف اللحن إليها لا إلى القرآن.

إن قيل: الضمائر التي في كلام عثمان عايدة إلى اللحن فإنه أقرب، قلنا:

قوله: وستقيمه العرب عائد إلى القرآن إذ اللحن لا يمكن أحد إقامته وإنما توهم ذلك لجهله باللغة فإنها لغة كنانة، وقيل: لغة بني الحارث، فإنهم يثبتون ألف التثنية في النصب والجر، فيقولون: من يشتري الخفان؟ ومررت بالزيدان، ولبعضهم

إن أباها وأبا أباها * قد بلغا في المجد غايتاها

هذا قوله! مع قولهم: إنه جمع القرآن، فإن اعتقد أن اللحن من الله فهو كفر، وإن اعتقده من غيره فكفر آخر، حيث لم يغيره إلى ما أنزل عليه، ولم يؤد الأمانة فيه.

وذكر الحديث عنه ابن قتيبة في كتاب " المسلك ".

لقد قرر الثوار انطلاقا من مبدأ الإحساس برسالتهم الإسلامية تأليب الناس على الخليفة الأموي عثمان، وجمعوا طاقاتهم والدعوة إلى شعار التوحيد، وصرخوا بوجه عثمان عاليا: " إن القوة لله جميعا " و " لا حكم إلا لله ".

وهكذا فإنهم وباتكال على قدرة الله الأزلية انتصروا على الخليفة الناهب لثروات المسلمين، وضربوا ضربتهم القاتلة ليحققوا وعد الله: * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) * (1).

ذكر علماء المذاهب الأربعة وغيرهم: إنه لما اجتمع المسلمون على خلع

ص :360


1- (1) سورة القصص: 5.

عثمان من الخلافة، قالوا له: إما أن تخلع نفسك أو نقتلك، فاختار القتل على خلع نفسه، وقال: لا أخلع قميصا ألبسنيه الله، فيدل ذلك على أن خلع الإنسان لنفسه من الخلافة عند عثمان أعظم من إظهار كلمة الكفر، وقد علم عثمان وأهل العلم والتواريخ إنما ألبسه إياه عبد الرحمان بن عوف.

ثم قد رووا بلا خلاف بينهم: أن أبا بكر قام على المنبر، وقال: أقيلوني فلست بخيركم، وفعل ذلك من غير إكراه أحد له على الخلع، ولا خوف من القتل.

وهذا يدل على تخطئة عثمان أو أبي بكر، وأن أبا بكر قد وقع منه أعظم من الكفر باستقالته من الخلافة على مذهب عثمان، أو يكون عثمان قد ألقى بنفسه إلى الهلاك الذي تضمن القرآن النهي عنه، فقال: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (1).

وعثمان لو كان إماما لزم كون كثير من كبار الصحابة: كأبي ذر وعمار وابن مسعود من أهل النار لعدم اعترافهم بإمامته، بل رفض جل المسلمين بيعته، وصاروا سببا لقتله: كطلحة والزبير وعامة أهل المدينة ومصر... مع أن الالتزام بدخول هؤلاء الأبرار في النار، وموتهم على الجاهلية - بسبب عدم معرفتهم إمام زمانهم - باطل يقينا ولا يلتزم به مسلم.

والعجب من مخالفي الشيعة: أنهم يستدلون على حقية خلافة المشايخ بسكوت علي عليه السلام الدال على رضاه، ولا يستدلون بسكوته عن قتل عثمان على رضاه، وقد كان قاتله بيده أخص خواصه وحوارييه محمد بن أبي بكر.

ص :361


1- (1) سورة البقرة: 195.

وقد رد علي عليه السلام قطائع عثمان إلى بيت مال المسلمين، ونزع من أصحابها تملكها، فقال عليه السلام: " ألا إن كل قطعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود إلى بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وملك به الإماء لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق ".

فكفى أمية ذلة أننا لم نسمع لهم صوتا " يوم الدار ".

بلى، لما عزل رئيسهم معاوية عن الولاية تألبوا واستبسلوا وطلبوا بدم شهيدهم عثمان!! لا لبسالة فيهم، بل لما علموا من تورع علي عليه السلام!! ولو كان الخليفة بعد عثمان غير علي عليه السلام، أو أن عليا لم يتعرض لإمارتهم ولا يخشونه أن يتعرض لهم، لسكتوا أخيرا عن دم عثمان كما سكتوا أولا!! إذن، فالطلب بدم عثمان معناه الطلب بكرسي الإمارة فقط. وإلا فأين أصواتهم المطالبة بالدم المهدور حين كان عثمان محاصرا ويستغيث؟!! فوجه الأمويون وحزبهم التهمة في قتل عثمان والتحريض عليه إلى كل من لم يكن أموي الرأي والنسب.

أما أهداف هذه التهم فكثيرة جدا:

1 - في مقدمتها التوصل إلى كرسي الخلافة والإمرة باسم عثمان، وبحجة المطالبة بدمه الذي سفكوه هم أنفسهم بخذلانه!! 2 - شق عصا الأمة وإحداث البلبلة!!

ص :362

3 - تأليف حزب عسكري مسلح لنيل الخلافة باسم الشهيد عثمان، وعلى أنقاض وفاته!! بدليل أن بعض المحرضين على قتله رفعوا شعار المطالبة بدمه وثأره!! وبهذا ينكشف سر المطالبين بدم عثمان، فحقيقة أمرهم هي: حب الرياسة والسيطرة، أما عثمان ودمه فأمر في الحقيقة ليس بذي بال عند أولئك بقدر ما تصبوا إليه نفوسهم من الرياسة والإمرة وشق العصا وإضعاف الإسلام والمسلمين انتصارا لدمائهم المهدورة يوم بدر وغيره، وهم على كل حال - حسب تفكيرهم - رابحون!! سواء أن حصلوا الإمرة أم شقوا العصا!! لكن كلمتي الأخيرة في هذا المقام تنحصر في خطاب من يدعي الإسلام، ويصر على مدح الأمويين وحزبهم!! فأقول: حاسب نفسك قبل يوم الحساب، يوم يقول الكافر والمنافق: * (يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) * (1).

51 - عدي بن حاتم الطائي:

ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي خزم - واسمه: هزومه - بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طئ بن أدد بن مالك بن زيد بن كهلان الطائي.

أبوه حاتم هو الجواد المشهود الذي يضرب بجوده المثل، وأدرك عدي الإسلام، فأسلم سنة تسع، وقيل: سنة عشر، ولإسلامه خبر ذكره ابن هشام في " سيرته ".

وروى ابن عبد ربه في " العقد الفريد ": قال: وفد عدي بن حاتم على

ص :363


1- (1) سورة الفرقان: 28.

النبي صلى الله عليه وآله، فألقى له وسادة وجلس هو على الأرض، قال عدي: فما رمت حتى هداني الله للإسلام، وسرني ما رأيت من كرم رسول الله صلى الله عليه وآله في بنت حاتم التي أسرتها خيل النبي صلى الله عليه وآله اسمها سفانة وبها كان يكنى أبوها حاتم.

وروي: أنه لما أتي بها النبي صلى الله عليه وآله، قالت له: يا محمد، هلك الوالد، وغاب الرافد، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي سيد قومه، كان يفك العاني، ويحمي الدفار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يطلب إليه طالب حاجة قط إلا قضاها، أنا ابنة حاتم طي.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " هذه صفة المؤمن، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق ".

وروي: أن عديا قدم على عمر بن الخطاب وكان رأى منه جفاء، فقال:

أما تعرفني؟ قال: بلى، أعرفك قد أسلمت إذ كفروا، وعرفت إذ نكروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت إذ أدبروا.

وكان عدي يشابه أباه في الكرم، حتى أنه كان يفت الخبز للنمل، ويقول:

إنهن جارات، وفيه يقول الشاعر:

بأبه اقتدى عدي في الكرم * ومن يشابه أبه فما ظلم

قال الفضل بن شاذان: كان عدي من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام.

ص :364

قال بعض المؤرخين: شهد عدي مع أمير المؤمنين علي عليه السلام الجمل وصفين، وفقئت عينه في يوم " الجمل " وقتل ابنه طريف وبقي بلا عقب.

ولعدي في " صفين " مقامات مشهورة: روى نصر بن مزاحم، قال: جاء عدي بن حاتم في يوم من أيام " صفين " يلتمس عليا عليه السلام ما يطأ إلا على إنسان ميت أو قدم أو ساعد، فوجده تحت رايات بكر بن وائل، فقال: يا أمير المؤمنين عليه السلام، ألا تقوم حتى نموت؟ فقال علي عليه السلام: " ادن مني " فدنا منه حتى وضع أذنه في فيه، فقال: " ويحك، إن عامة من معي يعصيني، وأن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه "، فقال عدي بن حاتم:

أقول لما رأيت المعمعه * واجتمع الجندان وسط البلقعه

هذا علي والهدى حقا معه * يا رب، فاحفظه ولا تضيعه

فإنه يخشاك رب فادفعه * ومن أراد غيه فضعضعه

وروى نصر أيضا، قال: انتدب لعلي عليه السلام همام بن قبيصة وكان من

أشتم الناس لعلي عليه السلام، وكان معه لواء هوازن فقصد لمذحج، وهو يقول:

قد علم الخرد كالتمثال * إني إذا دعيت للنزال

أقدم إقدام الهزبر العالي * أهل العراق إنكم من بالي

كل تلادي وطريف مالي * حتى أنال فيكم المعالي

أو أطعم الموت وتلكم حالي * في نصر عثمان ولا أبالي

ص :365

فقال عدي بن حاتم لصاحب الراية: ادن مني؟ فأخذه وحمله، وهو يقول:

يا صاحب الصوت الرفيع العالي * إن كنت تبغي في الوغى نزالي

فادن فإني كاشف عن حالي * تفدي عليا مهجتي ومالي

وأسرتي تتبعها عيالي

فضربه وسلبه لواءه، فقال ابن حطان وهو شامت به:

أهمام لا تذكر مدى الدهر فارسا * وعفى على ما جئته بالأباهم

سما لك يوما في العجاجة فارس * شديد القصير ذو شجا وغمائم

فوليته لما سمعت نداءه * تقول له: خذ يا عدي بن حاتم

فأصبحت مسلوب اللواء مذبذبا * وأعظم بهذا منك شتمة شاتم

وروى الشريف المرتضى رحمه الله في كتاب " الغرر والدرر ": أن عديا دخل على معاوية، فقال له: ما فعل الطرفان - يعني طريفا وطرافا - وطرفه بنيه، قال: قتلوا مع علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: ما أنصفك ابن أبي طالب قدم بنيك وأخر بنيه؟ فقال عدي: بل ما أنصفته أنا إن قتل وبقيت بعده.

وقال له معاوية يوما: ما أبقى لك الدهر من حب علي؟ فقال: إن حبه ليتجدد في القلب، وأن ذكره يتردد في اللسان.

مات عدي رحمه الله سنة (68 ه) وهو ابن مائة وعشرين سنة، وذلك زمن

ص :366

المختار.

شهد لعلي عليه السلام بحديث الغدير يوم مناشدته بالرحبة (1).

52 - الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:

أبو الحسن، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، نزل الكوفة في الرحبة التي يقال لها رحبة علي في أخصاص كانت فيها، ولم ينزل القصر الذي كانت تنزله الولاة قبله، ولد بمكة في بيت الله الحرام يوم الجمعة 13 رجب سنة 30 من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه، وتزوج فاطمة سلام الله عليها بالمدينة في العام الثاني من الهجرة، تولى الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان سنة خمس وثلاثين أو ست وثلاثين.

واستشهد قبل الفجر ليلة الجمعة (21) من شهر رمضان سنة (40 ه) وهو ابن ثلاث وستين سنة، ضربه اللعين ابن ملجم بسيف مسموم في مسجد الكوفة، سحر ليلة التاسع عشر منه، ودفن قبل طلوع الفجر بناحية الغريين والثوية موضع بظهر الكوفة وراء النهر إلى النجف.

ولم يخلف علي عليه السلام شيئا يورث عنه، روى الحافظ ابن عبد البر في " الإستيعاب " في ترجمة علي عليه السلام أنه ثبت عن الحسن بن علي عليه السلام من وجوه أنه قال: " لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم فضلت من عطائه كان

ص :367


1- (1) تاريخ آل محمد: 67، وسيلة المآل في مناقب الآل، ينابيع المودة: 38، عن " جواهر العقدين "، وأخرجه ابن عقدة في " حديث الولاية "، من طريق محمد بن كثير، عن فطر، وابن الجارود، عن أبي الطفيل.

يعدها لخادم يشتريها لأهله ".

وقال ابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة ": أنه لما قبض علي عليه السلام أتى محمد ابنه أخويه حسنا وحسينا فقال لهما: ميراثي من أبي؟ فقالا له:

" قد علمت أن أباك لم يترك صفراء ولا بيضاء "، فقال: قد علمت ذلك، وليس ميراث المال أطلب إنما ميراث العلم.

إن عليا عليه السلام استخرج عيونا بكد يده بالمدينة وينبع وسويعة، وأحيا بها مواتا كثيرا، ثم أخرجها عن ملكه وتصدق بها على المسلمين ولم يمت وشئ منها في ملكه، ولم يورث علي عليه السلام بنيه قليلا من المال ولا كثيرا، إلا عبيده وإماءه وسبعمائة درهم من عطائه تركها ليشتري بها خادما لأهله، قيمتها ثمانية وعشرون دينارا.

53 - عمار بن ياسر:

من عنس من اليمن، أبو اليقظان، من أوائل من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وحتى قبل الخليفة عثمان بن عفان، وكان الرسول صلى الله عليه وآله ينظر إليه نظرة تقدير وإعجاب لإيمانه وإخلاصه وصدقه وشجاعته، فقد قال فيه الكثير، وكذلك كان جميع الصحابة، كانوا يتعاملون مع عمار بنفس اللغة التي تعامل بها النبي صلى الله عليه وآله.

كان لعمار رضي الله عنه دورا مؤثرا في معركة اليمامة أيام الخليفة أبي بكر، واستعمله الخليفة عمر واليا له على الكوفة، أما الخليفة عثمان بن عفان فقد كان له رأي آخر في عمار معاكس لكل ما تلقاه عمار رضي الله عنه من احترام

ص :368

وتقدير من الرسول الله صلى الله عليه وآله والصحابة، وتعود العلاقة المتواترة بين عمار وعثمان إلى مواقف سابقة قبل خلافته.

ذكر المؤرخون: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام وعمار رضي الله عنه يعملون مسجدا، فمر عثمان في بزة له يخطر، فأخذ عمار ينشد:

لا يستوي من يعمر المساجدا * يظل فيها راكعا وساجدا

ومن تراه عائدا معاندا * عن الغبار لا يزال حائدا (1)

فغضب عثمان وأبقى في نفسه ذلك، وكان عمار رضي الله عنه قد سمع ما قال أبو سفيان لبني أمية (2)، فسارع وعلى عجل ودخل المسجد وأفشى ذلك السر، ولام المسلمين على اختيارهم وانصرافهم عن علي بن أبي طالب عليه السلام هذه نقطة ثانية، ونقطة ثالثة زادت في الهوة بين عمار والخليفة وهي موقف عمار رضي الله عنه إلى جانب ابن مسعود وصلى على جنازته بعد موته بخلاف المعهود إذ أن الخليفة يصلي على جنائز الأصحاب عند موتهم، ومرة رابعة انهارت فيها العلاقة بين الطرفين في هذه القضية التي ذكرها المؤرخون كالتالي:

روي أن المقداد وعمار وطلحة والزبير وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله اجتمعوا وهم خمسون رجلا من المهاجرين والأنصار، فكتبوا كتابا عددوا أحداث عثمان وما نقموا عليه وخوفوه به وأعلموه أنهم

ص :369


1- (1) طبقات الشيعة: 259.
2- (2) مروج الذهب للمسعودي: 352.

مواثبوه إن لم يقلع، وقالوا لعمار: أوصل هذا الكتاب لعثمان، فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه، ثم قال: أعلي تقدم من بينهم؟ فقال: لأني أنصحهم لك، قال:

كذبت يا بن سمية، فقال عمار: أنا ابن ياسر، فأمر عثمان غلمانه فمدوا بيديه ورجليه حتى أغمي عليه وكان ضعيفا كبيرا.

وقام إليه عثمان بنفسه ووطأ بطنه ومذاكيره برجليه وهي في الخفين حتى أصابه الفتق فأغمي عليه أربع صلوات فقضاها بعد الإفاقة، ثم إنه ألزم بيته إلى أن كان ما كان من قتل عثمان (1).

وقيل: اخرج محمولا حتى أتي به منزل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله، ويقال: إن أم سلمة أو عائشة أخرجت شيئا من شعر النبي صلى الله عليه وآله وثوبه ونعله وقالت: هذا شعر أو ثوب أو نعل رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبل وأنتم تعطلون سنته، وضج الناس وخرج عثمان عن طوره حتى لا يدري ما يقول (2).

قتل بصفين سنة (37 ه) ودفن هناك وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، شهد مع علي عليه السلام مشاهده، وقد شهد بدرا.

54 - عمر بن أبي سلمة

54-عمر بن أبي سلمة (3):

ابن عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن

ص :370


1- (1) طبقات الشيعة: 263.
2- (2) إسلاميات (عثمان) لطه حسين: 785.
3- (3) ذكر الشيخ في " رجاله " والعلامة الحلي في " الخلاصة ": بدل عمر محمدا، فقالا: محمد بن أبي سلمة، وما ذكرناه هو الصحيح.

يقظة، يكنى أبا حفص، أمه أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله، وهو ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله، مات صلى الله عليه وآله وهو ابن تسع سنين، وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث، وروى عنه سعيد بن المسيب وغيره.

وشهد هو وأخوه سلمة مع علي عليه السلام حروبه، وروي أن أمهما أتت بهما إليه عليه السلام، فقالت: عليك بهما صدقة فلو يصلح لي الخروج لخرجت معك.

وروى هشام بن محمد الكلبي في كتاب " الجمل ": أن أم سلمة رضي الله عنها كتبت إلى علي عليه السلام من مكة: أما بعد، فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة، ويذكرون أن عثمان قتل مظلوما، وأنهم يطلبون بدمه، والله كافيكهم بحوله وقوته، ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج، وأمرنا به من لزوم البيوت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك، ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي " عمر بن أبي سلمة " فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا.

قال: فلما قدم عمر على أمير المؤمنين عليه السلام أكرمه، ولم يزل مقيما حتى شهد مشاهده كلها ووجهه علي أميرا إلى البحرين، وقال لابن عم له:

" بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إلي من شعره " فبعث إليه بأبيات له أولها:

جزاك أمير المؤمنين قرابة * رفعت بها ذكري جزاء موقرا

ص :371

ولم يزل عمر المذكور عاملا لأمير المؤمنين عليه السلام على البحرين حتى عزله واستعمل " النعمان بن عجلان الرزقي " على البحرين مكانه، ولما أراد عزله، كتب إليه علي عليه السلام: " أما بعد، فإني وليت النعمان بن عجلان الرزقي على البحرين، ونزعت يدك بلا ذم لك ولا تثريب عليك، فقد أحسنت الولاية، وأديت الأمانة، فأقبل غير ظنين ولا ملوم، ولا متهم ولا مأثوم، فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام، وأحببت أن تشهد معي، فإنك ممن استظهر به على جهاد العدو، وإقامة عمود الدين إن شاء الله تعالى ".

وذكر هذا الكتاب السيد الرضي رحمه الله في " نهج البلاغة ".

قال ابن عبد البر في كتاب " الإستيعاب ": توفي عمر بن أبي سلمة بالمدينة في خلافة عبد الملك سنة (83 ه).

وقال صاحب " منهج المقال ": قتل مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين وهو غلط، وما ذكره ابن عبد البر هو الصحيح، والله أعلم.

أخرج حديث الغدير عنه الحافظ ابن عقدة بإسناده.

55 - عمر بن الخطاب:

ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (1).

ص :372


1- (1) الإستيعاب: 2 / 458.

ويورد الكلبي - وهو من رجال أهل السنة - في كتاب " المثالب "، قال:

كانت صهاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف، فوقع عليها نفيل بن هاشم، ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب (1).

وقد قالوا: أنه نجب فردوا على نبيهم صلى الله عليه وآله: أن ولد الزنا لا ينجب.

وذكر الحنبلي في " نهاية الطلب ": أن عمر بن الخطاب كان قبل الإسلام نخاس الحمير.

وقال صاحب " العقد الفريد ": قالت له امرأة من قريش: يا عمير، فوقف لها، فقالت: كنا نعرفك عمير، ثم صرت عمر، ثم صرت أمير المؤمنين، فاتق الله وانظر في أمورك وأمور الناس، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت (2).

وفي " إحياء الغزالي "، قال: إن عمر سأل حذيفة هل هو من المنافقين أم لا؟ (3) ولولا أنه علم من نفسه صفات تناسب صفات المنافقين، لم يشك فيها، وتقدم على فضيحتها.

ويقول الكاتب المصري المعاصر عباس محمود العقاد في عمر بن الخطاب: كان في الجاهلية... كما قال: صاحب خمر يشربها ويحبها، وهي موبقة لا تؤمن حتى الأقوياء إذا أدمنوها (4).

ص :373


1- (1) شرح النهج: 3 / 24.
2- (2) الإصابة: 4 / 290.
3- (3) إحياء علوم الدين: ج 1 الفصل الرابع.
4- (4) عبقرية عمر: 10 و 14.

أنزل الله سبحانه وتعالى في " الخمر " ثلاث آيات:

1 - قوله تعالى: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) * (1)، فشربها الخليفة عمر، ودخل في الصلاة فهجر.

2 - فنزل قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) * (2)، حتى شربها الفاروق، فأخذ بلحي بعير، وشج به رأس عبد الرحمان بن عوف، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر، إذ يقول:

وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام

أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام؟

أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي؟

ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام؟

فقل لله: يمنعني شرابي * وقل لله: يمنعني طعامي

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرج مغضبا يجر رداءه، فرفع

شيئا كان في يده فضربه به، فقال: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله

تعالى: * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر

ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) * (3)، فقال عمر: انتهينا

ص :374


1- (1) سورة البقرة: 219.
2- (2) سورة النساء: 43.
3- (3) سورة المائدة: 91.

انتهينا (1).

وقد روى عنه جماعة: تعلموا أنسابكم تصلوا به أرحامكم، ولا يسألني أحد ما وراء الخطاب، وصحح أبو يحيى الجرجاني المحدث: أن الصهاكي كان أبوه شاكرا (2).

وفي " البخاري " و " الإحياء ": أسند أحمد بن موسى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله: من أبي؟ قال: " حذافة "، فسأله آخر: من أبي؟ قال: " سالم "، فبرك عمر على ركبتيه، وقال بعد كلام: لا تبد علينا سوءتنا، واعف عنا (3).

قال شاعر:

إذا نسبت عديا في بني مضر * فقدم الدال قبل العين في النسب

وقدم السوء والفحشاء في رجل * وغد زنيم عتل خائن نصب

طلق النبي صلى الله عليه وآله ابنته حفصة في حديث أنس، وخيرة الزجاج، فسأله عمر من طلاقها، فقال صلى الله عليه وآله: " انطلق عني أما والله إن قلبك لوعر، وإن لسانك لقذر، وإن دينك لعور، ثم إنك لأضل مضل ذكر، وإنك من قوم غدر، أما والله لولا ما أمرني الله من تألف عباده، لأبدين للناس أمركم، أعزب عني: فوالله ما يؤمن أحدكم حتى يكون النبي أحب إليه من أبيه وأمه، وولده وماله ".

ص :375


1- (1) كتاب المستطرف في كل فن مستظرف: ج 2 الباب (74).
2- (2) يعني أنه كان أجيرا يخدم، وشاكر بفتح الكاف معرب چاكر بالفارسية.
3- (3) رواه أبو يعلى الموصلي في " المسند "، عن أنس.

فقال عمر: والله أنت أحب إلي من نفسي، فأنزل: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * (1).

وفي حديث الحسين بن علوان، والديلمي، عن الصادق عليه السلام، في قوله تعالى: * (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) * (2) هي حفصة، قال الصادق عليه السلام: " كفرت في قولها: من أنبأك هذا؟ "..

وقال الله فيها وفي أختها عائشة: * (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) * (3)، أي زاغت والزيغ الكفر.

وفي رواية أنه أعلم حفصة أن أباها وأبا بكر يليان الأمر، فأفشت إلى عائشة، فأفشت إلى أبيها، فأفشا إلى صاحبه، فاجتمعا على أن يستعجلا ذلك يسقينه سما، فلما أخبره الله بفعلهما هم بقتلهما، فحلفا له: أنهما لم يفعلا، فنزل:

* (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم) * (4).

قال الناشي:

إذ أسر النبي فيه حديثا * عند بعض الأزواج ممن تليه

نبأتها به وأظهره الله * عليه فجاء من قيل فيه

سئل المصطفى فعرف بعضا * بعض ابطان بعضه يستحيه

وغدا يعتب اللتين بفضل * أبدأتا سره إلى حاسديه

ص :376


1- (1) سورة يوسف: 106.
2- (2) سورة التحريم: 2.
3- (3) سورة التحريم: 4.
4- (4) سورة التحريم: 7.

فأتى الوحي إن تتوبا إلى الله * فقد صاغ قلب من يتقيه

أو تحبا تظاهرا فهو مولاه * وجبريل ناصر في ذويه

ثم خير الورى أخوه علي * صالح المؤمنين من ناصريه

وفي " خرائج الراوندي ": سأل الثمالي زين العابدين عليه السلام، عن الأول والثاني، فقال: " عليهما لعائن الله كلها، كانا والله كافرين مشركين بالله العظيم ".

قلت: ويعضد ذلك مناداتهما بالويل والثبور، عند احتضارهما لما رأيا من سوء عاقبتهما، ويعضده أيضا ما أسنده علي بن مظاهر الواسطي إلى الإمام العسكري عليه السلام أنه جعل موت عمر يوم عيد، وأنشد الكميت الشاعر بحضرة الإمام الباقر عليه السلام:

إن المصرين عل ذنبيهما * والمخفيا الفتنة في قلبيهما

والخالعا العقدة من عنقيهما * والحاملا الوزر على ظهريهما

كالجبت والطاغوت في مثليهما * فلعنة الله على روحيهما

فضحك الباقر عليه السلام.

فلينظر عقلاء الأنام، هل يقدم من هذه أحواله على بني هاشم الكرام، ذوي الأحلام في الجاهلية والإسلام، ولا غرو من ولد الزنا، وخبيث الأصل أن يجترئ على الإسلام، فقد روي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: * (لا

ص :377

يستوي الخبيث والطيب) * (1) * (الخبيثات للخبيثين) * (2) نزلتا فيه.

وقد عرف أهل الأنساب: أن أباه الخطاب، وجده نفيل، وأمه حنتمة، وجدته صهاك، وليس في قريش أوضع منها ولا تيم مع ضعتها.

ففي الجاهلية ليس له ذكر معلوم في عيرها ولا في نفيرها، وما لفق له باعة الأخبار من المكارم، فبعضها يهدم بعضا.

أما في الإسلام فكفى توهينا له أنهم أجمعوا على سبق أخته إلى الدخول في الدين - وهي امرأة - وتأخره عنها وهو رجل عبقري محنك كما يزعمون!! وأما في ساحة الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يذكر له موقف - وإن كان صغيرا - وقفه في وجه المشركين: يوم بدر، يوم أحد، يوم حنين، يوم الأحزاب، يوم خيبر، يوم مؤتة، يوم تبوك، حروب بني المصطلق، وبني النضير، وغيرها من الحروب في عهد النبي صلى الله عليه وآله.

وكذلك تضحياته قبل الهجرة فكانت صفرا، أكان يذب عن الرسول صلى الله عليه وآله؟ أكان يدافع عن الدعوة؟ أكان معه في " شعب أبي طالب عليه السلام "؟! أكان من المهاجرين إلى الحبشة؟! أم ماذا؟! أكان ذا جانب مهيب عند المشركين؟! كلا.. كلا!! فلو كان في إسلامه، وإسلام سابقه - أبي بكر - عزة للإسلام والمسلمين فعلام الهجرة النبوية إذن؟! وعلام إخراج الرسول صلى الله عليه وآله أكثرية من أسلموا إلى الحبشة بإمرة ابن عمه - جعفر بن أبي طالب عليه السلام - مهاجر

ص :378


1- (1) سورة المائدة: 100.
2- (2) سورة النور: 26.

الهجرتين.

فلا يمكن عد إسلام العمرين نصرا للإسلام إذن!! إذ لم نر آثار - هذا النصر المزعوم - حتى فيما لفقوا لهما من التضحيات!! لكننا نعلم من إجماع الأمة أن الهجرة المحمدية حدثت بعد موت أبي طالب رضي الله عنه المانع الحقيقي لقريش من قتل الرسول صلى الله عليه وآله وإسكات الدعوة المحمدية.

أما إسلام فلان وفلان إن صح فلا يعدو إسلام بلال وعمار وغيرهما من المستضعفين.

فما الذي كسبه الإسلام والمسلمون من إسلام عمر وصاحبه!! وتعالى معي إلى علم " عمر " العام، فيشك في معرفة عمر بالقراءة والكتابة، فلو كان عارفا بهما لكان من كتاب الوحي، أو كتاب الرسائل النبوية، ولم نسمع بمثل هذه المكرمة!! (1).

فقد سمعنا مثلا: أن أبا بكر نسابة (2)، ولقد سمعنا أن عمر يجهل ما تحسنه الصبيان في زمانه، والفتيان، فالشعر العربي (3) ديوان العرب به حفظت أخبارهم ورويت آثارهم منذ أبعد العصور، ولم يبق عربي في عصره يجهل فهم معاني الشعر لأنه بلغتهم، وقد روت لنا كتب الأدب حديث " الزبرقان والحطيئة "، وهو حديث طويل وخلاصته: إن الزبرقان شكا الحطيئة إلى عمر أيام خلافته حيث

ص :379


1- (1) ما ذكره الثعالبي في " لطائف المعارف " غير ثابت.
2- (2) الفاخر: للمفضل بن سلمة، طبع / الحلبي - مصر (1380 ه)، ص 236.
3- (3) انظر كتاب " مختارات ابن حمزة ": ط / العامرة بشارع المغربلين (1306 ه) ص 116.

هجاه بقوله في قصيدة:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها * وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فرفع عمر الحطيئة إليه، واستنشده القصيدة.

فقال عمر لحسان: أتراه هجاه؟! فقال حسان: نعم، وسلح عليه - أي تغوط - فحبسه عمر.

وأمثال هذه القصص كثير جدا، فتش كتب الأدب وغيرها تجد أمثالها، قد يقال: إنه حكم حسانا لتتم الحجة على الحطيئة فيستحق العقوبة!! نقول: إذا أقر المرء بذنبه فلا حاجة إلى بينة أو تحكيم.

والقصيدة " شتمها المر " لا يخفى على بليد، فكيف يخفى على عبقري؟! أما علمه الخاص... أعني " الفقه والتفسير " فقد أقر على نفسه عدة مرات أن يده صفر منها.

قال أبو الفتح المطرزي الحنفي الخوارزمي، قال عمر: لولا علي لهلك عمر (1)، ورواه كثير وكثير غيره أيضا.

وشاع عند رواتهم، قول عمر: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن، وشاع عندهم أيضا عنه: حتى المخدرات أفقه منك يا عمر (2)!! وكثير من أمثال هذه الاعترافات التي يعترف بها الرجل بقصور باعه في

ص :380


1- (1) في ذيل كتابه " المغرب ": 310، ط / الدكن.
2- (2) سنحصي أقواله في مثل ذلك ومصادرها في تحقيقنا لكتاب " عجائب أحكام أمير المؤمنين علي عليه السلام " برواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي.

مجال علوم الدين.

إلا أن مؤلهي (عمر) لا يريدون أن يعترفوا بصحة تلك الاعترافات العمرية الدالة على جهله، ورموها بضعف السند تارة، وبأنها للمجاملة - أي لتعظيم قدر علي عليه السلام - فقط تارة، وغير ذلك من اللف والمراوغة!! لكن تخبط عمر في الفتاوى والأحكام التي خرج فيها عن صريح القرآن، والمشهور من سنة الرسول صلى الله عليه وآله، وسيرة سابقه أبي بكر، ومما عرضه لنقد كبار البدريين، فذلك ما ينفي كل اعتذار عنه، فمن تلك التخليطات في الفتاوى والأحام جحده " فريضة الخمس ".

وقد عد بعض أهل العلم مبتدعات " عمر " في الشريعة الإسلامية (360) بدعة لا أساس لها في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله، بل النصان القرآني والنبوي صريحان في نفي تلك البدع.

ولو قرأ المنصف كتب الفقه لعلماء المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي وما تفرع أخيرا عنها من فروع لرأى الاختلاف الجلي في العبادات والمعاملات!! وكل يعزز رأيه المخالف لنظيره بقول عمر مثلا.

فلو لم يكن عمر يخبط خبط عشواء في الفتاوى، وأن له في المسألة الواحدة عدة آراء، لما نقل عنه كل من المتخالفين ما يبرر به قوله، وإلا لكانوا كاذبين عليه.

ولا يمكن أن يجمعوا على الكذب على سيدهم إذن، فالخبط منه مباشرة!!

ص :381

ومن أكبر أسباب الضلالة فتوحات عمر التي خدع بها المغفلون، وتاه في واديها المستضعفون، أفترون أن الفتح جهاد ديني أم نخوة جاهلية؟ فإن كانت الثانية فلا شكر على محرم ولا فضل في ردة بعد الهداية، وإن كانت الأولى فللجهاد أحكام قرآنية ونبوية، فهل كان عمر عارفا وسائرا وفق منهاجهما؟ تتبعوا أحكام عمر في تعيين أمراء الجيش، فانظروا المحاباة في اختيارهم حتى لو أدى إلى سفك (2 / 3) من جيش المسلمين بسبب عدم كفاءة القائد، أو عدم تقواه!! ولكم في خالد بن الوليد مثلا يصدق عليه الوصفان.

وليس التهور والتسرع في الشر دليل على الكفاءة، أما التقوى فالرجل عار عنها، فليس له في بدر وحنين واحد والأحزاب ذكر معلوم! فدقق النظر في سيرته المذكورة بأقلام محبيه.

ثم انظر إلى أوامر عمر فيمن ينتصر عليهم أو يجلب إليه سباياهم، فهل تتفق مع سيرة الرسول صلى الله عليه وآله، وسيرة أبي بكر؟! وانظر إلى تقسيمه المغانم، فهل سار في ذلك على نهج الله ورسوله صلى الله عليه وآله أو نهج أبي بكر المرضي عندهم؟! وأخيرا.. لا تعرف.

56 - عمرو بن العاص:

ابن وائل القرشي السهمي، يكنى أبا عبد الله، وأمه النابغة بنت حرملة سبية من بني جلان، أسلم سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، وكان من الدهاة، وهو الذي

ص :382

افتتح مصر في زمن عمر بن الخطاب وصار واليا عليها، ولذلك باع دينه بولاية مصر لمعاوية.

قال عمرو بن العاص لمعاوية: والله، يا معاوية ما أنت وعلي حملي بعير، ليس لك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه؟ قال: حكمك، فقال: مصر طعمة، فقبل معاوية ذلك بعد مباحثة طويلة.

قال الجاحظ: كانت مصر في نفس عمرو بن العاص، وقد عرف من أموالها وسعة الدنيا، لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه، وأخبار عمرو بن العاص كثيرة، لما برز إليه علي عليه السلام وتيقن أنه مقتول بسيفه، كشف عورته وأظهر استه، أعرض عنه أمير المؤمنين عليه السلام ونجا عمرو من الهلاك.

57 - عمرو بن الحمق الخزاعي:

- بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وبعدها قاف -، ابن كاهل، ويقال:

الكاهن - بالنون - ابن حبيب الخزاعي.

صحابي جليل القدر من خواص أمير المؤمنين عليه السلام، شهد معه مشاهده كلها، وكان ممن خرج على عثمان.

قال الفضل بن شاذان: إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

وعن ميمون بن مهران: أن عمرو بن الحمق سقى رسول الله صلى الله عليه وآله لبنا، فقال صلى الله عليه وآله: " اللهم متعه بشبابه "، فمرت عليه ثمانون سنة

ص :383

لم ير شعرة بيضاء.

وروى نصر بن مزاحم: أن عمرو بن الحمق، قال لأمير المؤمنين علي عليه السلام في يوم من أيام " صفين ": والله، يا أمير المؤمنين، إني ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا إرادة مال تؤتينيه، ولا التماس سلطان ترفع ذكري به، ولكن أحببتك بخصال خمس: إنك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، ووصيه، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلى الله عليه وآله، وأسبق الناس إلى الإسلام، وأعظم المهاجرين سهما في الجهاد.

فلو إني كلفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي، حتى يأتي على يومي في أمر أقوى به وليك، وأهين به عدوك ما رأيت إني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك.

فقال علي عليه السلام: " اللهم نور قلبه بالتقى، وأهده إلى صراطك المستقيم، ليت إن في جندي مائة مثلك ".

فقال حجر: إذا والله - يا أمير المؤمنين - صح جندك وقل فيهم من يغشك.

وروى الكشي بإسناده عن علي بن أسباط بن سالم، قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري علي بن أبي طالب عليه السلام وصي محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان، والمقداد، وأبو ذر رضي الله عنهم.

ثم ينادي مناد: أين حواري علي بن أبي طالب عليه السلام وصي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله؟ فيقوم عمرو بن الحمق، ومحمد بن أبي بكر،

ص :384

وميثم بن يحيى التمار - مولى بني أسد - وأويس القرني، إلى آخر الحديث ".

قال أبو عمرو بن عبد البر في كتاب " الإستيعاب ": أسلم عمرو بن الحمق بعد الحديبية، وصحب رسول الله صلى الله عليه وآله مدة، وكان يحفظ الأحاديث، وسكن الشام، ثم نزل الكوفة واتخذها وطنا.

وهو أحد الأربعة الذين اقتحموا على عثمان بن عفان الدار، وكان من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام، وشهد معه جميع حروبه من الجمل، وصفين، والنهروان.

ولما توفي علي عليه السلام قام مع حجر بن عدي في منع بني أمية من سب علي عليه السلام.

ولما أمر زياد بالقبض على حجر، هرب عمرو إلى الموصل واختفى في غار فلدغته حية به فمات.

ولما وصل إليه الجماعة الذين بعث بهم زياد لعنه الله وجدوه ميتا في الغار فقطعوا رأسه وذهبوا به إلى زياد فبعث به إلى معاوية، وهو أول رأس حمل من بلد إلى بلد.

قال نصر: وقال عمرو بن الحمق " بصفين ":

تقول عرسي لما أن رأت أرقي: * ماذا يهجيك من أصحاب صفينا؟

ألست في عصبة يهدي الإله بهم * أهل الكتاب ولا بغيا يريدونا؟

فقلت: إني على ما كان من سدد * أخشى عواقب أمر سوف يأتينا

إزالة القوم في أمر يراد بهم * فأفنى حياءا وكفي ما تقولينا

ص :385

وروى محمد بن علي الصواف، عن الحسين بن سفيان، عن أبيه، عن شمير بن سدير الأزدي، قال: قال علي عليه السلام لعمرو بن الحمق الخزاعي:

" أين نزلت يا عمرو؟ " قال: في قومي، قال: " لا تنزلن فيهم "، قال: أفأنزل في كنانة جيراننا؟ قال: " لا "، قال: أفأنزل في ثقيف، قال: " فما تصنع بالمعرة والمحرة؟ "، قال: وما هما، قال: " عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة يأتي أحدهما على تميم وبكر بن وائل فقل من يصيب منهم، إنما تدخل الدار فتحرق البيت والبيتين ".

قال: فأين أنزل؟ قال: " أنزل في بني عمرو بن عامر من الأزد ".

قال: فقال قوم حضروا هذا الكلام: ما نرى إلا كاهنا يتحدث بحديث الكهنة.

فقال: " يا عمرو، وإنك لمقتول بعدي، وأن رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الإسلام، والويل لقاتلك، أما إنك لا تنزل لقوم إلا أسلموك برمتك إلا هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الأزد، فإنهم لن يسلموك ولن يخذلوك ".

قال: فوالله، ما مضت الأيام، حتى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في أحياء العرب خائفا مذعورا حتى نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه فقتل وحمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام، وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد (1).

وروى الكشي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي القاسم وهو معاوية بن

ص :386


1- (1) رجال الكشي: 46 - 46 ح 96، إرشاد القلوب: 280 - 282، إثبات الهداة: 2 / 486 ح 308، البحار: 44 / 130 ح 20.

عمار رحمه الله رفعه، قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله سرية، فقال لهم: " إنكم تصلون ساعة كذا من الليل فخذوا ذات اليسار، فإنكم تمرون برجل في شأنه فتسترشدونه فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه، فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم، فاقرؤه مني السلام، واعلموه إني قد ظهرت بالمدينة ".

فمضوا فضلوا الطريق، فقال قائل منهم: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله: " تياسروا "؟ ففعلوا فمروا بالرجل الذي قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: فقال لهم الرجل - وهو عمرو بن الحمق رضي الله عنه - أظهر النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة؟ فقالوا: نعم.

فلحق به ولبث ما شاء الله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ارجع إلى الموضع الذي منه هاجرت، فإذا تولى أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة فأته ".

فانصرف الرجل حتى إذا تولى أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أتاه، وأقام معه بالكوفة.

ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام قال له: " ألك دار؟ "، قال: نعم، قال: " بعها واجعلها في الأزد، فإني غدا لو غبت لطلبت فمنعك الأزد حتى تخرج من الكوفة متوجها إلى جسر الموصل، فتمر برجل مقعد فتقعد عنده، ثم تستسقيه فيسقيك، ويسألك عن شأنك، فأخبره وادعه إلى الإسلام، وامسح بيدك على وركيه، فإن الله يمسح ما به، وينهض قائما فيتبعك، وتمر برجل أعمى على ظهر الطريق فتستسقيه فيسقيك، ويسألك عن شأنك، فأخبره وادعه إلى الإسلام، فإنه

ص :387

يسلم، وامسح بيدك على عينيه، فإن الله تعالى يعيده بصيرا فيتبعك.

وهما يواريان بدنك في التراب، ثم تتبعك الخيل فإذا صرت قريبا من الحصن في موضع كذا وكذا رهقتك الخيل فأنزل عن فرسك ومر إلى الغار فإنه يشترك في دمك فسقة من الجن والإنس ".

ففعل ما قال أمير المؤمنين عليه السلام.

قال: فلما انتهى إلى الحصن قال للرجلين: اصعدوا فانظروا هل تريان شيئا؟ قالا: نرى خيلا مقبلة.

فنزل عن فرسه ودخل الغار وغار فرسه، فلما دخلوا الغار ضربه أسود سالخ فيه، وجاءت الخيل فلما رأوا فرسه غائرا، قالوا: هذا فرسه، وهو قريب.

فطلبه الرجال فأصابوه في الغار، فكلما ضربوا أيديهم إلى شئ من جسمه تبعهم اللحم، فأخذوا رأسه، فأتوا به، فنصبه على رمح، وهو أول رأس نصب في الإسلام.

ومن جملة كتاب الإمام الحسين بن علي عليه السلام إلى معاوية: "..

وأيم الله، إني لخائف الله في ترك ذلك، وما أظن الله راضيا بترك ذلك، ولا عاذرا بدون الاعذار فيه إليك وفي أولئك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين، القاتلي حجرا أخا كندة، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة، والمواثيق المؤكدة، ولا تأخذهم بحديث كان بينك وبينهم، ولا باحنة تجدها في نفسك.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله العبد

ص :388

الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه بعد ما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس جبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا بذلك العهد... الخ "؟ وكان قتل عمرو بن الحمق رحمه الله بالموصل سنة (51 ه) وهي السنة التي قتل فيها حجر بن عدي رحمه الله.

وكان معاوية قد فعل فيها الأفاعيل من قتل الشيعة وإخافتهم وتغريبهم وتعذيبهم.

وقال بعضهم: إن القاتل لعمرو بن الحمق هو عبد الرحمان بن عثمان الثقفي وهو ابن عبد الرحمان بن أم الحكم، وقيل: عبد الرحمان بن أم الحكم هو القاتل له، قتله سنة (50 ه) بأمر معاوية، والله أعلم.

روى عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه حديث الغدير، رواه عنه ابن عقدة، وعده الخوارزمي في " مقتله " من رواة حديث الغدير من الصحابة.

58 - فاطمة الزهراء عليها السلام:

هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية.

أمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشية الأسدية.

وكانت خديجة عليها السلام امرأة غنية، وفيرة المال والثراء، سيدة جليلة القدر، عظيمة الشأن في مكة، وكان أهل مكة يسمونها: " الطاهرة ".

ص :389

وهي أول من آمن برسالته صلى الله عليه وآله، وصدق دعوته، وبذلت مالها وثروتها الطائلة في سبيل الله تعالى، ومن أجل نشر الدعوة الإسلامية، فتحملت مع رسول الله صلى الله عليه وآله عذاب قريش بما يستحق من التكريم، وبلغ من عظيم مكانتها في نفسه الطاهرة أن هذا الوفاء لم يفارق رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بعد موتها، ولم تستطع أي من زوجاته أن تحتل مكانتها في نفسه.

فقد روي عنه صلى الله عليه وآله أنه كان إذا ذبح الشاة، يقول: " أرسلوا إلى أصدقاء خديجة "، فتسأله عائشة في ذلك، فيقول صلى الله عليه وآله: " إني لأحب حبيبها ".

ويروى أن امرأة جاءته صلى الله عليه وآله وهو في حجرة عائشة، فاستقبلها واحتفى بها، وأسرع في قضاء حاجتها، فتعجبت عائشة من ذلك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: " إنها كانت تأتينا في حياة خديجة ".

وحين شعرت عائشة بالغيرة تملأ قلبها من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله لخديجة، قالت له: ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيرا منها.

فآلم النبي صلى الله عليه وآله هذا القول، ورد عليها قائلا: " ما أبدلني الله خيرا منها، كانت أم العيال، وربة البيت، آمنت بي حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقت منها الولد وحرمت من غيرها " (1).

فهي المرأة التي حباها رب العالمين، وبشرها بالخلد والنعيم.

ص :390


1- (1) إسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الأبصار للشبلنجي: 96.

فقد روي أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: " يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه أدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب (من ذهب) لا صخب فيه ولا نصب " (1).

ولذا قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله: " أفضل نساء أهل الجنة:

خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون " (2).

هذه هي خديجة عليها السلام أم فاطمة عليها السلام، وذاك أبوها محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.

ففي ظلال أبيها، وبين أحضان أمها الطاهرة ولدت فاطمة الزهراء عليها السلام في مكة المكرمة في يوم الجمعة في العشرين من شهر جمادى الآخرة.

لقد اختلف المؤرخون في سنة ميلاد فاطمة عليها السلام، فقال بعضهم:

أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين، وقال بعض آخر: أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وروى بعضهم: أنها ولدت بعد البعثة بسنة أو سنتين، والأرجح أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين، لأن عمر خديجة عليها السلام يكون مع هذا التاريخ خمسين سنة وهو أعلى سنة للولادة.

وكانت تكنى: أم الحسن، وأم محمد، وتلقب: سيدة النساء، والزهراء، والمباركة، والطاهرة، والزاكية، والراضية، والمرضية، والمحدثة، والبتول، ومعنى

ص :391


1- (1) صحيح البخاري: 5 / 48.
2- (2) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 42 - ط 1967 م.

البتول المنقطعة من الدنيا إلى الله تعالى.

قال في " القاموس ": البتول، فاطمة بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ورضي الله عنها، لانقطاعها عن نساء زمانها، ونساء الأمة فضلا، ودينا، وحسبا (1).

قال أبو صالح المؤذن في " الأربعين ": سئل رسول الله صلى الله عليه وآله:

ما البتول؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: " لم تر حمرة قط ولم تحض، فإن الحيض مكروه على بنات الأنبياء ".

وقال صلى الله عليه وآله لعائشة: " يا حميراء، إن فاطمة ليست كنساء الآدميين لا تعتل كما يعتلن ".

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: " حرم الله النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة حية لأنها طاهرة لا تحيض ".

وقال أبو عبيد الهروي في " الغريبين ": سميت مريم بتولا، وسميت فاطمة بتولا، لأنها بتلت عن النظير (2).

ولم يكن أحد يماثل رسول الله صلى الله عليه وآله في صفته وشمائله كفاطمة عليها السلام فهذه عائشة تحدثنا عن ذلك الشبه، فتقول: ما رأيت أحدا أشبه سمتا، ودلا وهديا برسول الله صلى الله عليه وآله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله (3).

ص :392


1- (1) القاموس المحيط: 3 / 332.
2- (2) ابن شهرآشوب: 3 / 330.
3- (3) صحيح الترمذي: 2 / 319.

وروت عائشة أيضا: ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وآله (1).

وها هي قريش تفرض المقاطعة والحصار على رسول الله صلى الله عليه وآله وأعمامه بني هاشم، وأصحابه من الدعاة وطلائع الجهاد، فيدخل رسول الله صلى الله عليه وآله شعب أبي طالب، وتدخل معه زوجته المجاهدة (خديجة)، وتدخل معهم فاطمة عليها السلام.

وتحاصرهم قريش ثلاث سنين، في هذا الشعب، وعاشت الزهراء عليها السلام، وذاقت في طفولتها مرارة الجهاد.

وتمر سنين الحصار صعبة ثقيلة، ويخرج رسول الله صلى الله عليه وآله ومن معه من الحصار والمقاطعة وقد كتب الله تعالى لهم النصر والغلبة، وتخرج خديجة عليها السلام، وقد قرب أجلها وشاء الله تعالى أن يختارها لجواره، فتتوفى في ذلك العام، الذي خرج فيه المسلمون من الحصار، وكان العام العاشر من البعثة.

وتوفي في العام ذاته أبو طالب رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وآله وحامي الدعوة الإسلامية، وناصر الإسلام، ولقد شعر رسول الله صلى الله عليه وآله بالحزن والأسى، فسمي ذلك العام ب " عام الحزن ".

وليس رسول الله صلى الله عليه وآله وحده هو الذي رزئ في ذلك العام، بل وفاطمة عليها السلام الصبية الصغيرة التي لم تشبع من حنان الأمومة، وعطف الوالدة بعد، فقد شاطرته هذه المأساة، ورزئت هي الأخرى، فشملتها المحنة في

ص :393


1- (1) مستدرك الصحيحين: 3 / 154.

ذلك العام الحزين.

لقد أحب رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام وأحبته، وحنا عليها، وحنت عليه، فلم يكن أحد أحب إلى قلبه ولا إنسان أقرب إلى نفسه من فاطمة عليها السلام، فكان يؤكد كلما وجد ذلك ضروريا هذه العلاقة بفاطمة عليها السلام، ويوضح مقامها ومكانتها في أمته، وهو يمهد لأمر عظيم، وقدر خطير، يرتبط بفاطمة عليها السلام، وبالذرية الطاهرة التي أعقبتها فاطمة عليها السلام، وبالأمة الإسلامية كلها.

كان يؤكد ذلك ليعرف المسلمون مقام فاطمة عليها السلام، ومكانة الأئمة من ذريتها عليهم السلام، ليعطوا فاطمة حقها، ويحفظوا لها مكانتها، ويرعوا الذرية الطاهرة حق رعايتها.

فها هو رسول الله صلى الله عليه وآله يعرف فاطمة عليها السلام، ويؤكد للمسلمين: " فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني "، " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ".

ويسأل الإمام علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله، فيقول: " يا رسول الله، أي أهلك أحب إليك؟ قال: فاطمة بنت محمد ".

إن قولة الرسول صلى الله عليه وآله هذه ليست عاطفية بقدر ما هي توجيه للأمة نحو هذه المرأة الأسوة القدوة.

وتكبر فاطمة وتشب، ويشب معها حب أبيها لها، ويزداد حنانه عليها، فيسميها " أم أبيها ".

وشاء الله سبحانه أن تشهد فاطمة عليها السلام فترة صراع الدعوة في

ص :394

مكة، وتشهد محنة أبيها صلى الله عليه وآله، فتر ى الأذى والاضطهاد يقع عليه، وتشهد جو مكة المعادي لبيت النبوة، وتشاهد أباها والصفوة المؤمنة من دعاة الإسلام، والسابقين بالإيمان، يخوضون ملحمة البطولة والجهاد، فيؤثر هذا الجو الجهادي في نفسها، ويساهم في تكوين شخصيتها، وإعدادها لحياة التحمل والمعاناة.

لقد عاشت فاطمة عليها السلام كل ذلك وهي بعد لما تزل صبية صغيرة وعاشت المحنة الأشد مع أبيها، بعد فقد أمها.

فقد بلغ الأمر بأحد سفهاء قريش، أن يغترف غرفة من تراب الأرض ويقذفها بوجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى رأسه، فيتحمل صلى الله عليه وآله هذا الأذى، ويعود إلى بيته صابرا محتسبا وقد لطخ التراب وجهه ورأسه!! يعود إلى بيته وتنظر فاطمة عليها السلام إليه صلى الله عليه وآله فترى ما لحق به من أذى قريش وتماديها في الصلف والغرور، فيحز الألم في نفسها، ويعظم عليها تجرؤ السفهاء والمغرورين من طغاة الجاهلية ومتكبريها على رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم تقوم لأبيها، وتنفض التراب عن رأسه ووجهه، وتأتي بالماء وتغسل وجهه الكريم، ولم يمر هذا المشهد المؤلم دون أن يؤثر في نفسها، فيستبد بها الحزن والألم على القائد رسول الله أبيها صلى الله عليه وآله، فتبكي وتتألم لجرأة هؤلاء الجاهلين الطغاة على رجل يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم سبيل الهدى والرشاد.

ويؤثر موقف فاطمة عليها السلام في نفس أبيها، ويشعر بحرارة الألم تمس قلبها، فيحاول صلى الله عليه وآله أن يخفف عنها، ويحثها على التجلد

ص :395

والتحمل، فيمد يديه الكريمتين، ويضعهما على رأسها، فيمسه برقة وحنان، وهو يقول لها: " لا تبكي يا بنية، فإن الله مانع أباك، وناصره على أعداء دينه ورسالته " (1).

وشاء الله تعالى غير ذلك، فأمره صلى الله عليه وآله بالهجرة والانتقال من أرض مكة إلى يثرب، فهاجر صلى الله عليه وآله كما هاجر إبراهيم وموسى عليهما السلام من قبل، خرج صلى الله عليه وآله من مكة مستخفيا بظلام الليل، تاركا وطنه وأحباءه وأهله، وفيهم فاطمة عليها السلام ابنته الحبيبة، وابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام، عونه وسنده، وسيفه الضارب المقدام، وفدائيه الشجاع، لقد ترك عليا عليه السلام نائما في فراشه، وأوصاه أن يرد الأمانات التي كانت عنده صلى الله عليه وآله إلى أهلها، ثم أمره أن يلتحق به، أن يهاجر إلى يثرب، ويصطحب معه أهل بيته، وينفذ علي عليه السلام الوصية، ويشتري الركائب لحمل النسوة، ويجمع أهله وعياله، ويلتئم شمل الركب الهاشمي المهاجر بقيادة علي بن أبي طالب عليه السلام، فيضم الفواطم: فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وآله، وفاطمة بنت أسد بن هاشم عليها السلام - أم الإمام علي عليه السلام - ومربية رسول الله صلى الله عليه وآله، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وفاطمة بنت حمزة، والتحق بهم أيمن، وأبو واقد الليثي.

ويمضي الركب عبر صحراء الجزيرة يغذ السير، ويصحر في وضح النهار، بتحد واستهانة بكبرياء قريش وغرورها، فإنه يستظل بسيف علي بن أبي طالب عليه السلام قاهر الجاهلية، ومحطم أصنامها وصلفها، خرج علي عليه السلام بالركب، لا كما خرج غيره من المهاجرين المستضعفين تحت جنح الظلام، أو

ص :396


1- (1) هاشم معروف الحسني: سيرة المصطفى: 205 ط 1.

في غفلة من رقابة قريش، إنه خرج متحديا لقريش، مستهينا بخيلائها وعنتها، إنه يريد أن يضرب معنوياتها وكبرياءها بعزته الجهادية الفذة.

لذا فقد قررت قريش إرسال ثمانية من فرسانها لقتل علي عليه السلام، والتعرض لركب النبوة المهاجر، فيدركون عليا عليه السلام والركب قرب - ضجنان - ويأمر علي عليه السلام الرجلين الذين كانا معه أن يبتعدا بالإبل ويعقلاها، ثم تقدم هو إلى النسوة فأنزلهن، ويستقبل العصابة بسيفه، فيواجهونه بالكلمات الجارحة: أظننت - يا غدار - أنك ناج بالنسوة، ارجع، لا أبا لك؟ فقال علي عليه السلام: " فإن لم أفعل؟ " قالوا: لترجعن راغما، ودنوا من المطايا ليثوروها، فحال علي عليه السلام بينهم وبينها، فأهوى له جناح - مملوك لحرب بن أمية - فراغ عن ضربته، وضرب جناحا على عاتقه فقده نصفين، حتى دخل السيف إلى كتف فرسه، وشد على أصحابه، وهو على قدميه شدة ضيغم وهو يقول:

خلوا سبيل الجاهد المجاهد * آليت لا أعبد غير الواحد

فتفرق القوم عنه، وقالوا: أحبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب، فقال لهم:

" إني منطلق إلى أخي وابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله، فمن سره أفري لحمه، وأريق دمه فليدن مني " (1).

وهكذا فرت فرسان قريش، ولحقت بها أول هزيمة عسكرية يشتبك فيها مسلم مع قريش، فهي أول معركة تتخذ طابع المواجهة القتالية المسلحة بين المؤمنين والمشركين.

ص :397


1- (1) سيرة المصطفى: 259 ط 1.

ثم التفت علي عليه السلام المنتصر إلى صاحبيه أيمن وأبي واقد، وقال لهما: " أطلقا مطاياكم "، ثم واصل السير، حتى وصل ضجنان فنزل بها، ثم أقام يومه وليلته، فلحقت به أم أيمن، ونفر من المستضعفين، وراح ركب علي وفاطمة عليهما السلام الظافر يستحث الخطى، وشوقه إلى لقاء رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر سرعة وعجالة.

فرسول الله صلى الله عليه وآله قد وصل يثرب وحل بقبا، فأقام فيها ينظر وصول علي وفاطمة عليهما السلام، ومن صاحب الركب النبوي المهاجر، أقام - بقبا - وكان يقول لأبي بكر الذي طلب منه الدخول إلى المدينة: " ما أنا بداخلها، حتى يقدم ابن عمي وابنتي " (1).

لقد عظم هذا الموقف في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله كما كان عظيما عند الله سبحانه، ونزول القرآن فيه وصفا وتعظيما: * (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيآتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن المآب) * (2).

وتحل فاطمة عليها السلام بدار هجرتها، وتنضم إلى بيت أبيها المتواضع في أرض الإسلام الجديدة، فتنعم بعنايته وحبه هناك.

تقول عائشة: وكانت إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا دخل عليها

ص :398


1- (1) المصدر السابق: 258.
2- (2) سورة آل عمران: 195، وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 206.

قامت من مجلسها، فقبلته وأجلسته في مجلسها (1).

وبعد أن قرت عين رسول الله صلى الله عليه وآله، وزوج الله فاطمة عليا عليه السلام... أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعلن لمجتمع المسلمين، ولصحابته المحيطين به هذا النبأ، فيضيف مكرمة جديدة إلى سجل علي عليه السلام وفضيلة أخرى إلى فضائل فاطمة... فأمر أنس بن مالك أن يجمع فئة من الصحابة ليعلن عليهم نبأ تزويج فاطمة بعلي عليه السلام (2).

وهذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة والوحي، والأمر الإلهي، يلفت أنظارنا، ويستوقف خطانا، ويلقي سؤالا هاما وخطيرا علينا، وهو:

لماذا لم يرخص لفاطمة عليها السلام بتزويج نفسها..؟ ولم لم يرخص لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أبوها ونبيها صلى الله عليه وآله بتزويجها، والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم - إلا بعد أن نزل القضاء بذلك.

ولماذا خص زواج فاطمة عليها السلام بهذه الميزة..؟ فلا بد وأن يكون هناك سر وحكمة إلهية، ترتبط بهذا الزواج.

إن هذا السر والاعداد لم يكن غامضا، وهذه العناية لم تكن مجرد علاقة رحم وقرابة، فالأمر ذو علاقة بحياة هذه الأمة، والعلاقة ترتبط بامتداد فرع النبوة والإمامة، فشاء الله أن يزوج خيرة نساء هذه الأمة - بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله بخيرة رجالها.

فعلي عليه السلام هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه لفاطمة

ص :399


1- (1) ذخائر العقبى: 40
2- (2) ذخائر العقبى: 30 - 31.

عليها السلام: " إني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه ". وقال له: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (1).

وفاطمة عليها السلام هي التي قال لها صلى الله عليه وآله: " أما ترضى أن تكوني سيدة نساء المؤمنين " وبذا كانا أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وآله وأقربهما إلى نفسه.

سئلت عائشة: أي الناس أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قالت:

فاطمة عليها السلام، قيل: من الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمت صواما قواما ".

وينعقد الزواج، ويبنى بيت أهل بيت النبوة، ويرعاه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويعرف به، ويؤكد أن عليا وفاطمة عليهما السلام وذريتهما هم أهل بيته، ومن علي وفاطمة عليهما السلام ذريته وأبناؤه وعصبته.

روى ابن عباس قال: كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ دخل علي بن أبي طالب عليه السلام فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله السلام، وقام إليه وعانقه وقبله بين عينيه وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله صلى الله عليه وآله، أتحب هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " يا عم، والله، لله أشد حبا له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا " (2).

وهكذا شاء الله أن تمتد ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله عن طريق

ص :400


1- (1) ذخائر العقبى: 63.
2- (2) نفس المصدر: 62، أخرجه الترمذي.

علي عليه السلام، ويكون منهما الحسن والحسين عليهما السلام والذرية الطاهرة أئمة وهداة لهذه الأمة، ولهذا الأمر والسر الخطير كان زواج فاطمة عليها السلام أمرا إلهيا لم يسبق رسول الله صلى الله عليه وآله إليه، ولم يتصرف حتى نزل القضاء، كما صرح صلى الله عليه وآله بذلك.

ومنح رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام بعد زواجها ما لم يمنحه لأحد، حتى بلغ من شدة عنايته بفاطمة، وتعلق قلبه بها: أنه إذا أراد الخروج في سفر أو غزوة، كانت فاطمة آخر إنسان يودعه، وإذا عاد من سفره أو غزوه، كان أول إنسان يلتقي به هو فاطمة.

فعن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سافر آخر عهده إتيان فاطمة، وأول من يدخل عليها إذا قدم فاطمة عليها السلام - أخرجه أحمد - (1).

وعن أبي ثعلبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قدم من غزوة أو سفر بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم أتى فاطمة، ثم أتى أزواجه (2).

وبعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله اشتد عليها الحزن والأسى، ونزل بها المرض، حتى غدت نحيلة سقيمة، وبقيت تعاني من شدة المرض أربعين ليلة، حتى وافاها الأجل المحتوم، فكانت كما وعدها الصادق الأمين صلى الله عليه وآله، أول أهل بيته لحاقا به..

وعلى الرغم من اشتداد الألم، فإن فاطمة عليها السلام كانت تبدو في

ص :401


1- (1) ذخائر العقبى: 37 - أخرجه أبو عمر -.
2- (2) المصدر نفسه.

اليوم الأخير من حياتها وكأنها تتماثل للشفاء، فقد قامت من فراشها وغسلت ولديها الحسن والحسين عليهما السلام، وألبستهما ثيابهما، ثم طلبت منهما أن يزورا قبر جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى الرغم مما بدا عليها من تحسن في صحتها ونشاطها، إلا أنها كانت تستعد للرحيل، وتسرع الخطى للحاق بأبيها صلى الله عليه وآله، فطلبت من أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تحضر لها ماء لتغتسل به... فاغتسلت، ولبست أحسن ثيابها.

وعندما أحست بالأجل يدنو، وبأنها تنعى إلى نفسها طلبت من أسماء أن تضع لها فراشا وسط البيت، فاضطجعت في فراشها، وهي مستقبلة القبلة.

ثم دعت أسماء وأم أيمن، وطلبت إحضار علي بن أبي طالب عليه السلام، فحضر علي عليه السلام، فقالت: " يا ابن العم، إنه قد نعيت إلي نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلا إنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي ".

فقال لها علي عليه السلام: " أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله "، فجلس عند رأسها، وأخرج من كان في البيت.

ثم قالت عليها السلام: " يا ابن العم، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال عليه السلام: معاذ الله، أنت أعلم، وأبر، وأتقى، وأكرم، وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي، وقد عز علي مفارقتك وفقدك، إلا أنه أمر لا بد منه، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأحزنها؟ هذه والله مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها ".

ص :402

ثم بكيا جميعا ساعة، وأخذ علي عليه السلام رأسها عليها السلام وضمها إلى صدره، ثم قال: " أوصيني بما شئت، فإنك تجدينني وفيا، أمضي كلما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري، ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء، يا ابن عم، أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة أختي - أمامة - (1) فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لا بد لهم من النساء... " (2).

ثم أتمت وصيتها عليها السلام.

ولم تعش فاطمة الزهراء عليها السلام طويلا بعد أبيها، وكما أخبرنا صلى الله عليه وآله أنها أول أهل بيته لحاقا به.

قالت عائشة: كنت جالسة عند رسول الله صلى الله عليه وآله فجاءت فاطمة عليها السلام تمشي، كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال " مرحبا بابنتي " فأجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها شيئا فبكت، ثم أسر إليها فضحكت، قالت: قلت: ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء، استخصك رسول الله صلى الله عليه وآله بحديثه ثم تبكين؟! قلت: أي شئ أسر إليك رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قالت عليها السلام: " ما كنت لأفشي سره "، فلما قبض صلى الله عليه وآله سألتها، فقالت عليها السلام: " قال: إن جبريل عليه السلام كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن مرة، وأنه أتاني العام الماضي فعارضني مرتين، ولا أظن إلا أجلي قد حضر، ونعم السلف أنا لك، قالت: وقال:

ص :403


1- (1) لقد نفذ أمير المؤمنين عليه السلام الوصية، فتزوج بإمامة بنت أبي العاص بن الربيع بنت زينب أخت فاطمة عليها السلام.
2- (2) المجالس السنية: 2 / 123.

أنت أول أهل بيتي لحاقا بي (1)، قالت: فبكيت لذلك، ثم قال: أما ترضين أن تكوني سيدة هذه الأمة أو نساء العالمين؟ قالت: فضحكت " (2).

ويأذن الله لنبيه صلى الله عليه وآله أن يلحق به، ويمضي إلى عالمه العلوي، فيختاره تعالى إلى جواره، وينتقل إلى الرفيق الأعلى، وتشتد الرزية على فاطمة عليها السلام، ويعظم المصاب في نفسها، وتظل تعيش بعد أبيها في حزن وألم، وهي ترقب ساعة اللحاق به، والعيش معه في جنات الخلد.

فقد اختلف المؤرخون في المدة التي عاشتها فاطمة عليها السلام بعد أبيها صلى الله عليه وآله، فذهب بعضهم إلى أنها عاشت خمسة وسبعين يوما، وذهب آخرون إلى أنها عاشت خمسة وسبعين يوما، وذهب آخرون إلى أنها عاشت ستة أشهر، ولقد عاشت فاطمة عليها السلام هذه المدة الوجيزة صابرة محتسبة، قضتها بالعبادة والانقطاع إلى الله سبحانه.

كما ساهمت فيها مساهمة فعالة في قضية الخلافة والبيعة فقد كانت فاطمة عليها السلام تقف إلى جانب الإمام علي عليه السلام، وترى أن الخلافة لعلي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد ذكر جمع من المؤرخين أن الإمام علي عليه السلام لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة عليها السلام، وأنها كانت تلتقي بالمهاجرين والأنصار وتحاورهم في أمر الخلافة.

وذكرها عليها السلام ابن عقدة في رواة " حديث الغدير " في كتابه، وكذلك تلميذه أبو بكر الجعابي، وقد نقل في " إثبات الهداة "، عن " كفاية الأثر "،

ص :404


1- (1) ابن سعد في " الطبقات الكبرى ": 2 / 47 - 48.
2- (2) نقل ابن سعد في الصفحة ذاتها نصا آخر للحديث: ومما جاء فيه: " أنه يقبض في وجعه، فبكيت...، ثم أخبرني أني أول أهله لحاقا به فضحكت ".

عن محمد بن أسيد في حديث، قال: سألت فاطمة عليها السلام: هل نص رسول الله صلى الله عليه وآله قبل وفاته على علي بالإمامة؟ فقالت عليها السلام: " واعجبا أنسيتم يوم غدير خم؟! "، قلت: قد كان ذلك. الخبر.

وقد وردت رواية مسلسلة ترويها فاطمة بنت الرضا عليه السلام، عن فاطمة بنت الكاظم عليه السلام، عن فاطمة بنت الصادق عليه السلام، عن فاطمة بنت الباقر عليه السلام، عن فاطمة بنت السجاد عليه السلام، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، عن أم كلثوم بنت فاطمة عليها السلام، عن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله، عن النبي صلى الله عليه وآله، يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (1).

وأن خلافا وقع بين أبي بكر وفاطمة عليها السلام، وبينها عليها السلام وبين عمر، حول ميراثها من أبيها، فقد جاءت فاطمة عليها السلام تطالب بميراثها.. تطالب بفدك (2)، وما أفاء الله على أبيها صلى الله عليه وآله بالمدينة،

ص :405


1- (1) إثبات الهداة: 2 / 112 ح 473، أسنى المطالب: 32، إحقاق الحق: 6 / 282.
2- (2) فدك: قرية زراعية من قرى الحجاز تقع بالقرب من خيبر، وقد صالح أهلها النبي صلى الله عليه وآله على نصف حاصلها، وهي ملك رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد أفاء الله عليه بها بلا حرب ولا قتال. فعن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت: * (وآت ذا القربى حقه) * دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكا. وعن ابن عباس قال: لما نزلت: * (وآت ذا القربى حقه) * أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فدكا. راجع: الهيثمي في " مجمعه ": 7 / 49، الذهبي في " ميزانه ": 2 / 228، المتقي في " كنز العمال ": 2 / 158، وأخرجه الحاكم في " تاريخه "، وابن النجار، وغيرهم.

وبخمس خيبر، فرفض أبو بكر أن يعطيها شيئا، وقال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " لا نورث ما تركناه صدقة "، وقد دار بينها عليها السلام وبين أبي بكر حوار طويل كانت نتيجته أن تمسك أبو بكر برأيه، وتمسكت فاطمة عليها السلام برأيها.

وقد حاول أبو بكر استرضاء فاطمة عليها السلام قبل موتها، وإزاحة أثر الموقف عن نفسها إلا أنها ظلت ترى أن لها من ميراث أبيها ما لغيرها من المسلمين من مواريث آبائهم، وأن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا نورث " ليس هو عدم انطباق قوانين الميراث على الأنبياء، وقد ورث النبي سليمان داود كما نص القرآن على ذلك، قال تعالى: * (وورث سليمان داود...) * (1)، كما أن زكريا يدعو الله تعالى أن يرزقه من يرثه، فرزقه يحيى:

* (يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى...) * (2).

وليس معنى " يرثني " أن يرث النبوة، لأن النبوة ليست بالوراثة، بل أن معنى قول الرسول هو: أن الأنبياء لن يجمعوا أو يكدسوا الذهب والفضة، ليكون ميراثا بعدهم، كما يفعل الملوك وطلاب الدنيا.

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنه قال: " ما رئيت فاطمة ضاحكة منذ قبض النبي صلى الله عليه وآله " (3).

ص :406


1- (1) سورة النمل: 16.
2- (2) سورة مريم: 6 و 7.
3- (3) حلية الأولياء: 2 / 43، طبقات ابن سعد: 2 / 40، فتح الباري: 9 / 201، الفصول المهمة: 148، وفيه: عن عمرو بن دينار قال: إن فاطمة عليها السلام لم تضحك بعد موت النبي صلى الله عليه وآله حتى قبضت.

ولما توفيت غسلها علي عليه السلام، وأسماء بنت عميس رضي الله عنها (1).

قال سلامة الموصلي:

لما قضت فاطم الزهراء غسلها * عن أمرها بعلها الهادي وسبطاها

وقام حتى أتى بطن البقيع بها * ليلا فصلى عليها ثم واراها

ولم يصل عليها منهم أحد * حاشاها من صلاة القوم حاشاها

وقد روي أنها اغتسلت في مرضها، فلما فرغت اضطجعت مستقبلة القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثم قبضت فدفنوها بغسلها ذلك، ولم تغسل بعد الموت، وكان ذلك شئ خصصها به أبوها صلى الله عليه وآله، وصلى عليها علي عليه السلام على ما يفهم من رواية البخاري (2).

ص :407


1- (1) كشف الغمة: 1 / 502، حلية الأولياء: 2 / 43، مستدرك الصحيحين: 3 / 163، طرح التثريب: 1 / 150، أسد الغابة: 5 / 254، الإستيعاب: 2 / 751، إرشاد الساري: 6 / 360، الإصابة: 4 / 378، 380، تاريخ الخميس: 1 / 313.
2- (2) روى الدولابي أن العباس صلى عليها، كما روى أبو سعد السمان: أن الذي صلى عليها أبو بكر. قال ابن حجر في " الإصابة ": 4 / 379، والزرقاني في " شرح المواهب ": 3 / 207، قال الواقدي من طريق الشعبي قال: صلى أبو بكر على فاطمة عليها السلام، وهذا فيه ضعف وانقطاع، وقد روى بعض المتروكين، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه نحوه، ووهاه الدارقطني وابن عدي. وقد روى البخاري عن عائشة: أنها لما توفيت دفنها زوجها علي عليه السلام ليلا، ولم يأذن بها أبا بكر، وصلى عليها. ولفظ حديث جعفر بن محمد: توفيت فاطمة ليلا فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة، فقال أبو بكر لعلي: تقدم فصلي، قال: لا والله، لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، فتقدم أبو بكر فصلى أربعا. قال الذهبي في " ميزان الاعتدال ": 2 / 7: إنه من موضوعات عبد الله بن محمد القدامي المصيصي ومن مصائبه. قال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: يقلب الأخبار لعله قلب على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثا. وقال الحاكم والنقاش: روى عن مالك أحاديث موضوعة. وقال السمعاني: كان يقلب الأخبار لا يحتج به. لسان الميزان: 3 / 336، الغدير: 6 / 350 و 7 / 227.

ودفنت ليلا (1) بالبقيع أو في بيتها على اختلاف الروايات، وكان بيتها متصلا بالمسجد، فلما زاد بنو أمية في المسجد صار فيه، ورثاها علي عليه السلام:

لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الفراق قليل

وإن افتقادي فاطما بعد أحمد * دليل على أن لا يدوم خليل

وكيف هناك العيش من بعد فقدهم * لعمرك شئ ما إليه سبيل (2)

وكان لها يوم ماتت ثمانية عشر سنة.

ص :408


1- (1) لقد صحت الأحاديث والروايات أن فاطمة عليها السلام ماتت وجداء على أبي بكر: ولأي الأمور تدفن ليلا * بضعة المصطفى ويعفى ثراها الغدير: 7 / 226، صحيح مسلم: 2 / 72، مسند أحمد بن حنبل: 1 / 6، 9، تاريخ الطبري: 3 / 202، مشكل الآثار: 1 / 48، سنن البيهقي: 6 / 300، كفاية الطالب: 226، البداية والنهاية: 5 / 285، تاريخ الخميس: 2 / 193.
2- (2) كفاية الطالب: 371، نور الأبصار: 47، مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 365، الفصول المهمة: 148 بإضافة: أرى علل الدنيا علي كثيرة * وصاحبها حتى الممات عليل

وأما مروياتها عليها السلام: فإنها روت عن أبيها صلى الله عليه وآله، وروى عنها علي عليه السلام وولديها، الحسن، والحسين عليهما السلام، وعائشة، وأم سلمة رضي الله عنها، وسلمى أم ولد أبي رافع، وأسماء بنت عميس رضي الله عنها، وغيرهم.

وأما أولادها عليهم السلام: فإنها ولدت ثلاثة بنين: الحسن، والحسين، ومحسن ومات سقطا، وابنتان: زينب، وأم كلثوم، وقال الليث بن سعد: وثالثة تسمى رقية، وماتت صغيرة.

فأما زينب عليها السلام فزوجها أبوها من ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وولدت له، وماتت عنده.

وأما أم كلثوم فهناك فرية مختلقة ولا صحة لها من الأساس وهي تزويجها من عمر بن الخطاب، فأم كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، لم تكن قط في حبالة عمر بن الخطاب، ولم تلد زيدا ولم تمت في عهد معاوية، وإنما هي بقيت حتى شهدت واقعة كربلاء الدامية.

بالإضافة إلى أن الفريقين أثبتوا بطلانها لوجود نفر من الوضاعين والكذابين والمجروحين في سند الحديث كما صرح بذلك الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، والحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البستي، والحافظ شعبة بن الحجاج العتكي، والحافظ ابن حجر العسقلاني.

ورواة الحديث هم: عمار بن أبي عمار، حماد بن سلمة، وكيع بن الجراح، ابن وهب، عطاء بن أبي رباح، يزيد بن أبي حبيب.

وهؤلاء لا تقبل الرواية عنهم، لأن أئمة الحديث وحفاظ السنة تكلموا

ص :409

فيهم، ولم يأخذوا عنهم حرفا واحدا.

وقد أفرد الحجة الثبت السيد ناصر حسين الهندي الموسوي حول هذه الإسطورة الهزيلة، والفرية الشائنة كتابا في مجلدين، أسماه " إفحام الأعداء والخصوم في تكذيب ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم " والكتاب رهن الطبع والنشر.

كما أفرد حولها كتابا خاصا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله بن علي بن الحسين بن أحمد بن يوسف بن عماد البحراني الماحوزي المعروف - بالمحقق البحراني - والمتوفى سنة (1121 ه).

وهكذا الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر الصادق عليه السلام المتوفى سنة (426 ه).

والحجة المجاهد الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن بن طالب بن عباس البلاغي النجفي المتوفى سنة (1352 ه).

وشيخ الطائفة أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان: المفيد البغدادي المتوفى سنة (413 ه).

فضلا على عشرات البحوث التي جاءت خلال الكتب وكلها تنفي هذه الفرية على ضوء الحديث والتاريخ.

59 - قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري:

أحد الركبان الشهود لأمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير، روى

ص :410

ابن الأثير، عن " كتاب الموالاة " لابن عقدة، بإسناده عن أبي مريم زر بن حبيش قال: خرج علي من القصر، فاستقبله ركبان متقلدي السيوف، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مولانا، ورحمة الله وبركاته.

فقال علي عليه السلام: " من هاهنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؟ " فقام اثني عشر، منهم: قيس بن ثابت بن شماس، وهاشم بن عتبة، وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا: أنهم سمعوا النبي صلى الله عليه وآله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، وأخرجه أبو موسى المديني (1).

60 - هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري:

واسم أبي وقاص: مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يكنى " أبا عمرو "، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص.

وأبوه عتبة بن أبي وقاص، وهو الذي كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد، وكلم شفتيه، وشج وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ ".

ص :411


1- (1) أسد الغابة: 1 / 368، ورواه عن كتاب " الموالاة " لابن عقدة - ابن حجر في " الإصابة ": 1 / 305، وأسقط صدره إلى قوله: فقال علي، ولم يذكر من الشهود: هاشم بن عتبة، جريا على عادته بتنقيص فضايل آل الله، ورواه أيضا الشيخ محمد صدر العالم في " معارج العلى "، كتاب " الموالاة ": 1 / 304 (ط / مصر - 1358 ه).

فأنزل الله تعالى: * (ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) * (1).

وقال حسان بن ثابت في ذلك اليوم هذه الأبيات:

إذا الله حيا معشرا بفعالهم * ونصرهم الرحمان رب المشارق

فهدك ربي يا عتيب بن مالك * ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق

بسطت يمينا للنبي محمد * فدميت فاه قطعت بالبوارق

فهلا ذكرت الله والمنزل الذي * تصير إليه عند إحدى الصقائق

فمن عاذري من عبد عذرة بعد ما * هوى في دجوجي شديد المضائق

وأورث عارا في الحياة لأهله * وفي النار يوم البعث أم البوائق

وإنما قال: " عبد عذرة "، لأن عتبة بن أبي وقاص وإخوته وأقاربه في نسبهم كلام.

ذكر أهل النسب: أنهم من - عذرة - وأنهم أدعياء في قريش ولهم خبر معروف وقصة مذكورة في كتب النسب.

وتنازع عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص في أيام عثمان في أمر فاختصما، فقال سعد لعبد الله: اسكت يا عبد هذيل، فقال له عبد الله: اسكت يا عبد عذرة.

وهاشم بن عتبة هو " المرقال " لأنه كان يرقل في الحرب أرقالا.

ص :412


1- (1) سورة آل عمران: 128.

قال أبو عمرو في كتاب " الإستيعاب ": أسلم هاشم بن عتبة - يوم الفتح - وكان من الفضلاء الأخيار ومن الأبطال المشار إليهم، فقئت عينه يوم اليرموك، ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد، كتب إليه بذلك فشهد القادسية وأبلى فيها بلاء حسنا، أقام منه في ذلك مقاما ما لم يقم به أحد، وكان سبب الفتح على المسلمين، وكان بهمة من البهم خيرا فاضلا.

ثم شهد هاشم مع علي عليه السلام الجمل، وشهد صفين، وأبلى فيها بلاء حسنا، وبيده كانت راية علي عليه السلام على الرجالة يوم صفين، ويومئذ قتل رحمه الله.

قال نصر بن مزاحم: وروي أنه لما شاع خبر عثمان، وبيعة الناس لأمير المؤمنين عليه السلام، وبلغ الخبر الكوفة اجتمعوا إلى أبي موسى الأشعري وهو يومئذ أمير عليها. وقالوا له: مالك لا تبايع لعلي عليه السلام تتربص، ولا تدعوا إلى بيعته، فإن المهاجرين والأنصار قد بايعوا؟ فقال أبو موسى في هذا الأمر: لنرى ما يحدث بعده، وما يأتينا من خبر!! فقال له هاشم بن عتبة: أي خبر يأتيك بعد هذا؟ قد قتل عثمان، وبايع المهاجرون والأنصار، والخاص والعام عليا عليه السلام، أتخاف إن بايعت لعلي عليه السلام أن يبعث عثمان فيلومك؟ ثم قبض هاشم بيده اليمنى على يده اليسرى، وقال: يدي اليسرى لي ويدي اليمنى لعلي عليه السلام، وقد بايعته، ورضيت بخلافته، وأنشأ يقول:

أبايع غير مكترث عليا * ولا أخشى أميرا أشعريا

أبايعه وأعلم أن سأمضي * هداك الله حقا والنبيا

ص :413

فلما رأى أبو موسى ذلك من هاشم لم يسعه إلا البيعة، فقام وبايع، وقام بعده أكابر أهل الكوفة وساداتهم ومشايخهم فبايعوا لعلي عليه السلام.

قال نصر بن مزاحم في كتاب " صفين ": لما عزم أمير المؤمنين عليه السلام على التوجه إلى صفين لقتال معاوية، قال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء: إن يومنا ويومهم ليوم عصبصب: ما يصبر عليه إلا كل مشبع القلب، صادق النية، رابط الجأش، وأيم الله، ما أظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم الأراذل.

قال عبد الله بن بديل: وأنا والله أظن ذلك.

فقال علي عليه السلام: " ليكن هذا الكلام جوابنا في صدوركم لا تظهروه، ولا يسمعه منكم سامع، إن الله تعالى كتب القتل على قوم، والموت على آخرين، وكل آتيه منيته، كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في طاعته ".

فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: سر بنا يا أمير المؤمنين، إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضى الله، فأحلوا حرامه وحرموا حلاله، واستولاهم الشيطان، وأوعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم فصل الردى وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة.

أنجزنا موعد ربنا، وأنت - يا أمير المؤمنين - أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله رحما، وأفضل سابقة وقدما، وهم - يا أمير المؤمنين - يعلمون منك مثل الذي علمنا، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء،

ص :414

فكانوا ظالمين، فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا بنورك جذلة على من خالفك، وتولى الأمر دونك.

والله، ما أحب أن لي ما على الأرض مما أقلت، وما تحت السماء مما أظلت، وإني واليت عدوا لك، أو عاديت وليا لك.

فقال عليه السلام: " اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيك ".

وروى نصر أيضا في كتابه المذكور، قال: دفع علي عليه السلام الراية يوما من أيام " صفين " إلى هاشم بن عتبة، وكانت عليه درعان، فقال له علي عليه السلام كهيئة المازح: " يا هاشم، أما تخشى أن تكون أعورا جبانا "، فقال:

ستعلم يا أمير المؤمنين، لألقن بين جماجم القوم ألف رجل ينوي الآخرة، فأخذ رمحا فهزه فانكسر، ثم أخذ رمحا آخر فوجده جاسيا فألقاه، ثم دعا برمح لين فشد به لواءه.

ولما دفع علي عليه السلام الراية إلى هاشم رحمه الله، قال رجل من بكر بن وائل - من أصحاب هاشم -: أقدم مالك يا هاشم؟ قد انتفخ سحرك أعورا وجبنا.

قال: من هذا؟ قالوا: فلان، قال: أهلها وخير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها.

ثم قال لأصحابه: شدوا شسوع نعالكم، وشدوا أزركم، فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا، فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إليها.

ثم نظر هاشم إلى عسكر معاوية، فرأى جمعا عظيما، فقال: من أولئك؟ قالوا: أصحاب ذي الكلاع، ثم نظر فرأى جندا آخر، فقال: من هؤلاء؟ قالوا:

ص :415

جند أهل المدينة، قال: قومي، لا حاجة لي في قتالهم، قال: من عند هذه البقعة البيضاء، قيل: معاوية وجنده، قال: فإني أرى دونهم أسوره، قالوا: ذاك عمرو بن العاص وابناه.

فأخذ هاشم الراية فهزها، فقال له رجل من أصحابه: امكث قليلا ولا تعجل، فقال هاشم رحمه الله:

قد أكثروا لومي وما أقلا * إني شريت النفس لما اعتلا

أعور يبغي أهله محلا * لا بد أن يفل أو يفلا

قد عالج الحياة حتى ملا * أشلهم بذي الكعوب شلا

مع ابن عم أحمد المعلا * فيه الرسول بالهدى استهلا

أول من صدقه وصلى * نجاهد الكفار حتى نبلى

وكان علي عليه السلام قال: " ما تخاف أن تكون أعورا جبانا يا هاشم المرقال؟! " قال: يا أمير المؤمنين، أما والله، لتعلمن إن شاء الله تعالى سألق بين جماجم القوم، فحمل يومئذ يرقل ارقالا.

قال نصر: وحدثنا عبد العزيز بن سباه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: لما تناول هاشم الراية جعل عمار بن ياسر رحمه الله يحرضه على الحرب، ويقرعه بالرمح، ويقول: أقدم يا أعور، لا خير في أعور لا يأتي الفزع فيستحي من عمار ويتقدم ويركز الراية، فإذا ركزها عاوده بالقول، فيقدم أيضا.

فقال عمرو بن العاص: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لأن دام على هذا لتفنين العرب اليوم.

ص :416

فاقتتلوا قتالا شديدا وعمار ينادي: صبرا عباد الله، إن الجنة تحت ظلال البيض، وكان بإزاء هاشم وعمار " أبو الأعور السلمي " ولم يزل عمار بهاشم ينحني، وهو يزحف بالراية، حتى اشتد القتال وعظم، والتقى الزحفان فاقتتلا قتالا لم يسمع السامعون بمثله، وكثرت القتلى في الفريقين جميعا.

قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، عن الشعبي، عن أبي سلمة: إن هاشم بن عتبة استصرخ الناس عند " السلمة ": ألا من كان له إلى الله حاجة ومن كان يريد الآخرة فليقبل، فأقبل إليه ناس كثير، فشد بهم على أهل الشام مرارا، ليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له، فقاتل قتالا شديدا.

ثم قال لأصحابه: لا يهولنكم ما ترون من صبرهم، فوالله ما ترون منهم إلا حمية العرب، وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها، وإنهم لعلى ضلال، وإنكم لعلى الحق، يا قوم، اصبروا وصابروا واجتمعوا وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا، واذكروا الله، ولا يسلمن رجل أخاه، ولا تكثروا الالتفات، واصمدوا صمدهم، وجالدوهم محتسبين، حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين.

قال أبو سلمة: فبينا هو وعصابة من القراء يجالدون أهل الشام إذ طلع عليهم فتى شاب وهو يقول:

أنا ابن أرباب ملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان

أنبأنا قراؤنا بما كان * إن عليا قتل ابن عفان

ثم شد لا ينثني حتى يضرب بسيفه، ثم جعل يلعن عليا عليه السلام ويشتمه ويسهب في ذمه.

ص :417

فقال له هاشم بن عتبة: يا هذا، إن الكلام بعده الخصام، وأن لعنك سيد الأبرار بعده عقاب النار، فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فيسألك عن هذا الموقف وهذا المقام.

قال الفتى: إذا سألني ربي: قلت: قاتلت أهل العراق لأن صاحبهم لا يصلي كما ذكر لي، وأنهم لا يصلون، وأن صاحبهم قتل خليفتنا، وهم آزروه على قتله.

فقال له هاشم: يا بني، وما أنت وعثمان؟ إنما قتله أصحاب محمد صلى الله عليه وآله الذين هم أولى بالنظر في أمور المسلمين، وأن صاحبنا كان أبعد القوم عن دمه.

وأما قولك: إنه لا يصلي، فهو أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وأول من آمن به.

وأما قولك: إن أصحابه لا يصلون فكل من ترى معه قاري الكتاب، لا ينامون الليل تهجدا، فاتق الله واخش عقابه، ولا يغررك من نفسك الأشقياء المضلون.

قال الفتى: يا عبد الله، لقد دخل قلبي من كلامك وإني لأظنك صادقا صالحا، وأظنني مخطئا آثما، فهل من توبة؟ قال: نعم، ارجع إلى ربك، وتب إليه فإنه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويحب التوابين ويحب المتطهرين.

فرجع الفتى إلى صفه منكسرا نادما، فقال له قوم من أهل الشام: خدعك العراقي، قال: لا، ولكن نصح لي العراقي.

ص :418

قال نصر: ثم إن عليا عليه السلام دعا في هذا اليوم هاشم بن عتبة وكان معه لواءه.

فقال له: " يا هاشم، حتى متى؟ ".

فقال هاشم: لأجهدن أن لا أرجع إليك أبدا.

فقال علي عليه السلام: " إن بإزائك ذو الكلاع، وعنده الموت الأحمر ".

فتقدم هاشم، فلما أقبل، قال معاوية: من هذا المقبل؟ فقيل: هاشم المرقال، فقال: أعور بني زهرة، قاتله الله، فأقبل هاشم، وهو يقول:

أعور يبغي نفسه خلاصا * مثل الفتيق لا بسا دلاصا لا دية يخشى ولا قصاصا * كل امرئ وإن نبا وحاصا ليس يرى من يومه مناصا فحمل صاحب لواء ذي الكلاع، وهو رجل من عذرة، وقال:

يا أعور العين وما بي من عور * أثبت فإني لست من فرعي مضر

نحن اليمانيون ما فينا خور * كيف ترى وقع غلام من عذر؟

ينعى ابن عفان ويلحى من عذر * سيان عندي من سعى ومن أمر

فاختلفا طعنتين، فطعنه هاشم فقتله، وكثرت القتلى حول هاشم، وحمل - ذو الكلاع - واختلط الناس فاجتلدوا، فقتل هاشم وذو الكلاع جميعا.

ص :419

قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن السدي، عن عبد خير الهمداني، قال: قال هاشم بن عتبة يوم مقتله: أيها الناس، إني رجل ضخم فلا يهولنكم مسقطي إذا سقطت، فإنه لا يفرغ مني في أقل من نحر جزور، حتى يفرغ الجزار من جزرها ثم حمل فصرع.

فمر عليه رجل وهو صريع بين القتلى، وناداه: اقرأ على أمير المؤمنين عليه السلام السلام، وقل: بركات الله عليك ورحمته يا أمير المؤمنين، أنشدك ألا أصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى، فإن الدبرة تصبح غدا لمن غلب على القتلى.

فأخبر الرجل عليا عليه السلام بما قاله، فسار في الليل بكتائبه حتى جعل القتلى خلف ظهوره فأصبح والدبرة له على الشام.

قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن السدي، عن عبد خير، قال: قاتل هاشم الحرث بن المنذر التنوخي حمل عليه بعد أن أعيى وكل وقتل عشرة بيده، فطعنه بالرمح فشق بطنه فسقط، وبعث إليه علي عليه السلام وهو لا يعلم: " أقدم بلوائك "، فقال للرسول: انظر إلى بطني، فإذا هو قد انشق.

فأخذ الراية رجل من - بكر بن وائل - ورفع هاشم رأسه فإذا هو بعبيد الله بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه، فحبا حتى دنا منه، فعفى على ثديه حتى ثبتت فيه أنيابه.

ثم مات وهو على صدر عبيد الله بن عمر، وضرب البكري فرفع رأسه، فأبصر عبيد الله بن عمر قريبا منه، فحبا إليه حتى عضض على ثديه حتى ثبتت أنيابه فيه.

ص :420

ومات أيضا، فوجدا جميعا على صدر عبيد الله بن عمر هاشم والبكري قد ماتا جميعا.

ولما قتل هاشم رحمه الله جزع الناس عليه جزعا شديدا، وأصيب معه عصابة من أسلم من أهل القرى.

فمر عليهم علي عليه السلام وهم قتلى حوله أصحابه الذين قتلوا معه، فقال:

جزى الله خيرا عصبة أسلمية * صباح وجوه صرعوا حول هاشم

يزيد وعبد الله وبشر ومعبد * وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم

وعروة لا يبعد ثناه وذكره * إذا اخترط البيض الخفاف الصوارم

أخرج الحافظ ابن عقدة بإسناده في " حديث الولاية "، عن أبي مريم زر بن حبيش شهادته لعلي عليه السلام بحديث الغدير بالكوفة، يوم الركبان، ورواه ابن الأثير على ما وجده من ابن عقدة (1)، ورواه ابن حجر (2)، وأسقط شطرا من أوله، ولم يذكر اسم " هاشم بن عتبة المرقال "، وكم له من نظير في تآليف ابن حجر؟! ورواه السيد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الحسيني الدشتكي الشيرازي، عن زر بن حبيش (3).

ص :421


1- (1) أسد الغابة: 1 / 368.
2- (2) الإصابة: 1 / 305.
3- (3) الأربعين في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: 1 / 211، 2 / 137.

61 - يعلى بن مرة بن وهب بن جابر الثقفي:

أبو مرازم، وهو الذي يقال له: يعلى بن سيابة وهي أمه أو جدته، شهد مع النبي صلى الله عليه وآله بيعة الرضوان، وخيبر، وفتح مكة، وغزوة الطائف، وحنين (1).

ص :422


1- (1) الإصابة: 3 / 542، أسد الغابة: 2 / 233، و ج 3 / 93، و ج 5 / 6.

الفصل السادس: حديث الغدير وعهد الولاية

ص :423

قلنا: إن مراسم يوم الغدير لم تكن وحدها المراسم التي أجريت لبيان وتثبيت ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ولم يكن حديث الغدير النص الوحيد في ولايته، وسنوضح أيضا أن أحاديث الولاية لم تكن هي الدليل الوحيد على ولاية أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ولده عليهم السلام.

ولكننا في هذه المناسبة بصدد الحديث عن الغدير.

وما جرى يوم الغدير لم يكن كله محفوظا بدقة عند المسلمين وإن كان محفوظا عند أهل البيت عليهم السلام.

وما حفظ من وقائع ونصوص عن الغدير لم يكن كلها موضع اتفاق بين السنة والشيعة.

وما هو منها موضع اتفاق بينهم لم يكن كله بدرجة واحدة من التواتر أو الشهرة.

ولكن من المتفق عليه بشهرة فائقة حديث الثقلين.

وما اتفق عليه بتواتر حديث الولاية والدعاء وتهنئة الخليفة عمر بن الخطاب لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية.

ص :425

وهذا المقدار المتواتر كاف لإعطاء صورة واضحة عما كان يريد تأكيده الرسول صلى الله عليه وآله.

وكما ذكرنا أن حديث الغدير والعهد فيه لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية لم يكن عند الشيعة مجرد خبر ورواية تدرس فيستنبط منها ما يريده الله سبحانه، وإنما هو واقع عاشوه من يوم الغدير لهذا اليوم.

ولكن لما وقع من أحداث وما حصل من واقع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ولما ألفه المسلمون من الواقع وما يشعر به بعضهم من رغبة ودافع نحو تبرير الواقع فدار جدل حول معنى حديث الغدير، في فترة متأخرة عن عهد الصحابة، أما في عهد الصحابة فلم يقع الجدل لأنهم لم يختلفوا في معناه وإنما اختلفوا فيه من حيث الموقف، بل هم اختلفوا أيضا من حيث الإيمان، فمنهم من تقبله بصدر منشرح وسلم له، ومنهم من استكثره واستثقله، ومنهم من أعرض عنه، ومنهم من وقف ضده..

ونحن وبعد هذا التاريخ أصبحنا في مجال الحوار بين المسلمين بحاجة إلى فهم معنى الغدير أو بيان معنى هذا الحديث.

وسوف نقتصر على القدر المتواتر منه وهو يتكون من الفصول التالية:

1 - جمع الناس في ذلك المكان وقبل أن يتفرقوا في الطرق المؤدية إلى أقطارهم وفي ذلك الجو الحار القائظ.

2 - صنع منبرا مؤقتا للرسول صلى الله عليه وآله واستدعاء أمير المؤمنين عليه السلام ليقف إلى جنبه.

3 - نعي الرسول صلى الله عليه وآله نفسه للمسلمين أو تكرار هذا النعي.

ص :426

4 - قوله صلى الله عليه وآله: " أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم "؟ قالوا: نعم.

5 - ثم قوله صلى الله عليه وآله بعد ذلك بلا فصل وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين عليه السلام ورفعه: " من كنت مولاه فعلي مولاه، ومن كنت وليه فعلي وليه " أو الاقتصار على العبارة الأولى.

6 - قوله صلى الله عليه وآله: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار ".

7 - قول عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا علي، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن.

هذه الفصول وإن كانت مترابطة وبينها تكامل ولكن عبارة " من كنت مولاه فعلي مولاه " تكفي وتفي بالغرض المقصود، ولذلك اشتهر ترديدها والاحتجاج بها، وهي المحور والعمود الفقري للحديث.

وكما قدمنا آنفا ينبغي أن ندرس هذا الحديث بالذهنية الإسلامية وبالخلفية الفكرية عن الولاية في الإسلام.

ثم نتدبر في الظرف المحيط بصدور الحديث والخطبة والجو الذي هيأ الرسول صلى الله عليه وآله بتلك المناسبة والمقدمات التي قدمها، وطريقة جمع الناس، والتوقيت وكونه بصدد الوصية، والعهد لما بعد موته الذي أعلن عن قربه.

ثم ننظر بصورة مركزة بأقرب مقدمة وهي قوله صلى الله عليه وآله:

" ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " وصبها بصيغة السؤال والاستفهام، مع أنه قريبا راحل عنهم.

ويستلزم ذلك أن ننظر للخلفية لهذا النص.

ص :427

إن استفهام الرسول صلى الله عليه وآله عن هذه الدرجة من الولاية له أبعاد وله أثره في تهيأة النفوس لتلقي العهد بالقبول والاذعان ولو مؤقتا وفي ذلك الموقف لأن المهم في تلك الساعة أن يمر تبليغ هذا الأمر العظيم بسلام دون ردود فعل عنيفة أو صارخة تؤثر سلبيا على الدين من حيث الأساس، لأن الاستفهام والجواب عليه يقطع الألسن في تلك اللحظة من اللغط والشغب، فالرسول صلى الله عليه وآله إنما يبلغ عن الله وضمن صلاحياته التي هي جزء من ولايته.

والولاية لم تكن أمرا جديدا، فالمسلمون يشهدون بثبوت أعلى درجاتها وهي كون النبي صلى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وإذا ثبتت الدرجة العليا فمن باب أولى تثبت الدرجات الأقل منها، ومن ضمنها الولاية على الأمر المشترك بين المسلمين، فلا حاجة لتعداد درجات الولاية الأقل من هذه الدرجة.

ثم ننظر بالنص نفسه: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

إن التحول من صيغة الأولوية في المقدمة إلى هذه الصيغة فيه دلالات إيجابية أيضا.

فكلمة (المولى) أو كلمة (الولي) أوسع دائرة من كلمة أولى، وهي أساس لها أيضا، والأولوية واحدة من درجاتها، فإذا ذكر بالأولوية وذكر المعنى الأوسع ثبتت الأولوية تلقائيا.

إن النبي صلى الله عليه وآله كان ولي المؤمنين، وولايته عليهم فرع ولاية الله وذكرت معها في الآية الكريمة بلا فصل فهي طريق لولاية الله ومن خلالها تتجسد.

ص :428

ومن ثم هو أولى بكل مؤمن من نفسه، لا لأن هذه الدرجة من الولاية أضيفت إلى ولايته العامة عليهم، وإنما لطبيعة الدين الذي يشمل المجال الفردي كما يشمل المجال المجموعي والاجتماعي.

وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام امتداد لهذه الولاية فهي إذن في كل من المجالين.

فهو ولي كل مؤمن بصفته عضوا في المجتمع وهو وليه بصفته فردا أيضا.

والشق الثاني هو معنى (أولى به من نفسه).

والرسول صلى الله عليه وآله يريد أن يبين الولاية بكل أبعادها وكل درجاتها وكل مجالاتها، وهذا التعبير يكفي لأنه جامع مانع.

إنه ليكفي لبيان أن الإمام عليه السلام ولي المجموع بالأمور العامة، وهو يتضمن معنى أولى بهم من أنفسهم كمجموع.

ويكفي لبيان أنه ولي كل فرد من المجموع - بالأمور العامة أو التي لها علاقة بها أيضا كالقضاء والجهاد وحفظ الأمن فله أن يتصرف بأي من المؤمنين في هذه المجالات، ويكفي لبيان أنه ولي كل فرد بأموره الخاصة والشخصية وهو معنى الأولوية بهم من أنفسهم كأفراد.

فيكون معنى الحديث: من جعلت بينه وبيني الولاية الإسلامية المعهودة لديكم، والتي أعلى درجاتها أنني أولى بكم من أنفسكم جعلت بينه وبين علي عليه السلام نفس الولاية بلا فرق بما في ذلك تلك الدرجة العليا والأولوية.

لأنه أطلق الكلام وعممه، وقرنه بنفسه، ولو أراد شيئا دون ولايته أو يختلف عنها شيئا لوضحه، لأنه في مقام التبليغ عن الله سبحانه وفي مقام بيان ولاية دينية فلا يصح منه في ذلك المقام الاجمال المحير، وفعلا لم يتحير بكلامه

ص :429

أحد من الحاضرين.

مع أنه بإمكانه جدا أن يختار غير هذه الكلمات لو أراد شيئا آخر كما يذكر البعض، فبإمكانه أن يبين أن لعلي عليه السلام على المؤمنين ذلك الحق مباشرة بغير لفظ الولاية، وتبقى حصة الإمام في الولاية بين المؤمنين على فاعليتها وله ذلك الأمر الإضافي أيضا.

وفي روايات الطرفين أحاديث عن الحب والنصرة لأفراد وجماعات من المسلمين صرح فيها بالمعنى المراد ولم يطلق عليها لفظ الولاية، ولم يقرنها بولايته، ولم يقدم لها بهذا المستوى الأعلى " الأولوية ".

فهو صلى الله عليه وآله في تقديمه ب " ألست أولى؟ " يشير إلى المستوى الأعلى من ولايته على المسلمين، وبقوله: " من كنت مولاه " يقرن ولاية علي عليه السلام بولايته وأنها من سنخ واحد ولها سعة واحدة، وأن ولايته المعهودة المركوزة في أذهان المسلمين هي نفسها ثابتة إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

والواقع أن هذا المعنى يتحصل - ولو في النتيجة - على أي من التفسيرين الآخرين اللذين (1) يذكرهما المخالفون للتصديق بوجود ولاية للإمام بهذا المستوى.

لأن كلا منهما لا بد أن يؤدي بالالتزام بباقي جوانب الولاية.

فالحب الذي يقرن بحب النبي صلى الله عليه وآله لا بد وأن يكون بدرجة عالية جدا تنقضها المخالفة والمعصية والخذلان وتفضيل الغير وتأميره.

وقد احتج القرآن الكريم بهذا المعنى في أكثر من موضع، منها قوله تعالى:

ص :430


1- (1) ما يذكره المخالفون لهذا الرأي لا يخرج عن معنيي الحب والنصرة مجتمعين أو منفردين.

* (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * (1)، نعم، لو كان بيان الحب بغير هذه الصيغة وغير لفظ الولاية لأمكن الهروب من هذه النتيجة.

فلو كان قوله صلى الله عليه وآله: " أحبوا عليا فإن حبه واجب ومفروض على كل مؤمن " لأمكن القول أن هذا الحب يختلف درجة وملاكا عن الحب الذي تلازمه الولاية الكاملة بأبعادها بما فيها تقديم النفس رخيصة طوعا بين يديه.

وهذا أيضا واضح في أحاديث حب فاطمة الزهراء عليها السلام وكان المسلمون يفهمونه، ولولا المرتكز الذهني عن الولاية الإسلامية التي تتضمن معنى عدم تأمير النساء لفهم من تلك الأحاديث ولاية الزهراء سلام الله عليها على الإمرة أيضا، على أن المسلمين مع هذا المرتكز كانوا يدركون أيضا أن أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في حب الزهراء عليها السلام تتضمن وجوب طاعتها لو أمرت بشئ، ولكنهم يعلمون أيضا أنها سوف لن تتأمر عليهم بموجب هذه الأحاديث للمرتكز الذهني عن الإمرة المذكورة.

ولكن لو أمرت بشئ عرضا بصفتها هذه التي بينها الرسول صلى الله عليه وآله وأنها صاحبة هذا الحق الكبير على المسلمين فمن القبيح التخلف عن أمرها.

لذلك كان المسلمون يعيرون أهمية بالغة لموقفها، بما في ذلك الذين تشددوا ضد علي بن أبي طالب عليه السلام.

وفرض النصرة بهذه الدرجة كذلك يؤدي بالنتيجة إلى وجوب الطاعة، بل وجوب المبادرة إلى النصرة والحيلولة دون الخذلان.

ص :431


1- (1) سورة آل عمران: 31.

وأي خذلان أكبر من ترك علي بن أبي طالب عليه السلام وتجاوزه حتى ولو على مستوى المشورة وإشراكه في الرأي؟ ففرض النصرة يوجب أولا: عدم التجاوز للإمام. وثانيا: يوجب منع التجاوز. وثالثا: يوجب طاعة الإمام والوقوف معه بكل قوة مهما كان رأيه في الأمر، وأي رأي مقابل رأيه هو خذلان، وأكبر منه الاصرار على الخلاف له، وأكبر منه الاصرار على إبعاده عن الأمر ونصرة غيره عليه.

إن النصرة لم تكن محصورة في حالة الحرب حتى يقال: لم يحارب الإمام فلم تقع مخالفة لولاية النصرة، بل النصرة إذا وجبت بمثل هذا البيان الذين اتبعه الرسول صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير تثبت في كل شئ في الموقف وفي الرأي وفي الحرب.

وتشتد هذه المعاني تبادرا إلى الذهن عند ملاحظة التعبير عن النصرة بالولاية لكون معنى الولاية أغنى من معنى النصرة وأوسع منه كما أسلفنا.

وكذلك تتحصل النتيجة لو كان المراد معنى: " من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه " وأن كلمة أولى مرادفة لكلمة مولى، لأن هذا اللسان يجعل كل فرد من المسلمين محكوما لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، فلا يجوز أن يتصرف بنفسه خلاف ما يريده الإمام، ولو على مستوى الموقف والرأي والتصدي لاستلام المسؤوليات.

ولكن مع ذلك ما ذكرناه هو المعنى الذي يستقيم مع السياق ومع المرتكز الذهني للولاية ولولاية الرسول صلى الله عليه وآله.

والدعاء وإن كان لا يضيف على المعنى شيئا ولم يكن تبادر المعنى متوقفا على وجوده ولكنه يؤكد المعنى ويحث على الالتزام والتمسك به،

ص :432

والدعاء يضم كل المعنى، فهو يتضمن الولاية، ويتضمن النصرة، ويتضمن عدم الخذلان وعدم العداوة التي هي تقابل الولاية.

والدعاء جعل المرء بين اثنين: بين الولاية وبين العداوة ولم يكن لهما ثالث فمن لا يوالي أصبح معاديا، ومن لا يعادي لا بد أن يوالي.

وهذه من طبيعة الولاية الإسلامية فمن لا يدخل فيها هو معادي لها لأنها فرض، وترك الفرض نقض له، ومحاربته أيضا نقض ولكن بشكل أشد.

وكذلك بالنسبة للنصرة والخذلان، فإن الدعاء حصر الخيار بينهما وذلك لما بيناه من أن النصرة إذا كانت بهذا المستوى من القوة وبهذا المستوى من الغرض والأمر الإلهي يكون تركها والإعراض عنها أو عدم التلبس بها والحضور والاستعداد والمبادرة لعرضها بين يدي صاحبها - خاصة عند الحاجة - خذلانا.

والكثير من الروايات تذكر الحب والبغض في الدعاء وبنفس المستوى فهو بين خيارين أيضا، لأن انصراف النفس عن حب الأمر المقدس المأمور بحبه بدرجة الأمر بحب الله ورسوله صلى الله عليه وآله لا يكون حيادا وإنما هو كاشف عن دوافع مضاده للحب أقوى من دافع الحب وقد تغلب عليه وطغى.

ثم إن ذكر الدعاء لهذه المعاني كلها يدل على المغايرة فيما بينها وبين معنى الولاية، وأنها ذات علاقة بالولاية، فدعا أولا لمن يتمسك بالولاية وعلى من يتخلى عنها ويقع في حيز المضاد لها وهو " العداوة ".

ثم دعا لمن يؤدي حق الولاية أو من يتمسك بالمصداق الصعب من مصاديقها وهو النصرة وخاصة المبادرة إليها ودعا على من يتخلى عن هذا المصداق ويقع في حيز المضاد له وهو الخذلان وعدم المبادرة.

ص :433

ودعا أيضا لمن يتمسك بشعوره ووجدانه بجانب من الولاية له أثر كبير في تكوين الدافع الباعث نحو باقي الجوانب وهو جانب العاطفة وحب الولاية وصاحبها ودعا على من ينسلخ من هذا الجانب ويتلبس بضده وهو البغض الذي يدفعه إلى مخالفة الأمر الإلهي والتخلي عن الولاية.

وتهنئة الخليفة عمر بن الخطاب فهي جديرة بالتأمل والدراسة أيضا فإن فيها جوانب ملفتة للنظر.

منها أسلوبه فيها وتأكيده على نفسه " أصبحت مولاي " وأسلوبها من جانب آخر ينم على أمر في نفس الفاروق ويمكن اعتبارها من علائم وجود تحرك يعلم تفاصيله أو له علاقة به.

ومن الأمور الملفتة للنظر فيها هذا الاهتمام من قبل الصحابة والتابعين المعايشين لتلك الأحداث في نقلها وإبرازها بشكل خاص يتميز عن عامة المسلمين الذين كانوا يعدون بعشرات الآلاف في تلك الحادثة.

ولعل أحد دواعي ذكر الخليفة شخصيا والتأكيد عليه بهذه الكثرة هو موقفه العنيف المتصلب ضد ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ودوره الكبير في تجميدها وصرف الناس عنها والالتفاف عليها وإصراره على هذا الموقف وهذا الدور إلى آخر لحظة من حياته طيلة هذه السنوات العديدة.

ص :434

الفصل السابع: ما هو يوم الغدير

اشارة

ص :435

يوم الغدير، هو اليوم الذي أعلن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله للمسلمين وعلى أوسع نطاق وبأوضح لهجة نبأ دنو أجله، وأنه مفارق قريبا، وأن حجه ذاك هو آخر حج في حياته وأنه في مقام الوصية، وتثبيت العهد والولاية من بعده.

وهو اليوم الذي عهد فيه الرسول صلى الله عليه وآله العهد لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام واستخلفه على أمته من بعده، وأخذ منهم البيعة وأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين، وتهنئته بالتنصيب الإلهي المقدس وبإكمال الدين وإتمام النعمة.

وهو اليوم الذي نزل فيه قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * (1).

وسمي بيوم الغدير نسبة إلى غدير خم وهو موضع يقع على مفترق الطرق المؤدية إلى مكة المكرمة من أنحاء الوطن الإسلامي آنذاك في أواخر حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.

ص :437


1- (1) سورة المائدة: 3.

حيث خطب الرسول صلى الله عليه وآله خطبة الوداع وكانت خطبة سياسية مطولة وبموجبها عهد العهد للإمام عليه السلام.

وهو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام.

وقد كان في آخر سنة من عمر الرسول صلى الله عليه وآله وفي آخر حجة حجها الرسول صلى الله عليه وآله وبعد فراغه من الحج ورجوعه إلى المدينة وقبل أن يفترق عنه الحجاج من الآفاق من غير أهل المدينة.

وقد قبض الرسول صلى الله عليه وآله بعد هذا اليوم بأقل من ثلاثة شهور حيث كانت وفاته في آواخر صفر من السنة الحادية عشرة.

ما هي حجة الوداع

وحجة الوداع هي آخر حجة يحجها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وكانت في السنة العاشرة من الهجرة.

وهي أول سنة تتحقق فيها الولاية الكاملة على الحج للرسول وللمسلمين.

وهي أول سنة يخلص فيها الحج للأمة الإسلامية فلا يشركهم فيه مشرك.

وهي أول سنة يبسط الإسلام نفوذه وسلطانه على معظم أطراف الجزيرة العربية.

وهي أول سنة يتم فيها الحج كله على الصورة الصحيحة، فلم يطف بالبيت عريان... ولم تتميز فيه فئة على سائر الناس، ولم تتبع فيه الأهواء، ولم تسيطر الخرافات، وانفرد فيه الإسلام بالتشريع للحج من خلال الرسول الأعظم صلى

ص :438

الله عليه وآله.

وهي أول سنة يكون فيها الرسول صلى الله عليه وآله أمير الحاج، وهي آخر سنة كذلك.

وفي هذه المناسبة رأى عشرات الآلاف من أطراف الجزيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسمع صوته وأنعم بمحضره المبارك الميمون.

فرسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن هاجر إلى المدينة بقي خمس سنوات لا يستطيع الحج لأن قريشا كانت تمنعه وهي المسيطرة على الحرم الشريف.

وفي السنة السادسة من الهجرة توجه الرسول صلى الله عليه وآله ومعه حوالي الألف وخمسمائة مسلم ليعتمر فمنعته قريش ووقع بينه وبينهم صلح الحديبية المشهور والذي كان أحد بنوده أن يرجع الرسول صلى الله عليه وآله في عامه ذاك إلى المدينة ولا يدخل مكة، وله أن يعود في العام القابل للعمرة، وأن تخلي له قريش الحرم ثلاثة أيام.

وفي السنة السابعة من الهجرة أدى عمرة القضاء وفق الاتفاق.

وفي السنة الثامنة للهجرة نقضت قريش العهد من جانبها وكان ذلك سببا في فتح مكة وضمها إلى سلطة دولة الإسلام.

وفي السنة التاسعة للهجرة حج بعض المسلمين ولم يحج رسول الله صلى الله عليه وآله.

وفي هذا الموسم - السنة التاسعة للهجرة - نزلت سورة براءة فبعث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ليقرأها على الناس في الموسم يوم

ص :439

الحج الأكبر بمنى إذا اجتمعوا وقال: " أذن في الناس أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وآله عهد فهو له إلى مدته، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم تنادي ليرجع كل قوم إلى مآمنهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة " وحمل عليا عليه السلام على ناقته العضباء (1)، وقام علي عليه السلام بمنى على ما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله فلم تمض سنة حتى دخلت العرب في الإسلام (2).

وصف حجة الوداع

خرج صلى الله عليه وآله ومعه نساؤه جميعا وابنته فاطمة الزهراء عليها السلام وكان قد فرق عماله في أنحاء الجزيرة: البحرين واليمامة واليمن وغيرها، وكتب إليهم ليتوجهوا بالنساء للحج ليتعلم الناس مناسكهم من الرسول صلى الله عليه وآله مباشرة.

وكان أمير المؤمنين عليه السلام في اليمن، بعد أن أسلمت على يديه وبعد أن عاهدت نصارى نجران اليمن الرسول وصالحوه على الجزية، فجاء كتاب الرسول صلى الله عليه وآله بأن يقدم مع جيشه ليشهدوا الحج مع الرسول صلى الله عليه وآله، فلما قارب مكة وجد الرسول صلى الله عليه وآله قد دخلها فأسرع للقائه وأحرم وأهل بما أهل به الرسول صلى الله عليه وآله فأشركه في حجه وفي هديه.

ص :440


1- (1) انظر: التنبيه والاشراف للمسعودي: 237.
2- (2) هذه حقائق متواترة ومذكورة في غالبية كتب السير والتواريخ، فراجع منها مثلا: سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري.

وكان الرسول صلى الله عليه وآله قد ساق الهدي معه، فلما وصل قرب مكة جعل الله متعة الحج لمن لم يكن الهدي معه، فأمر الرسول صلى الله عليه وآله المسلمين بذلك وأن يحل بعد العمرة كل من لم يكن قد ساق الهدي.

وكان في كل فصل من فصول الحج يوضح ويبين للناس الأحكام والمناسك.

ولم ينزل في دور مكة وقال: " ما كنت لأنزل بلدة أخرجت منها " ونصب مخيما في بعض أطرافها، ولما فرغ من الحج أسرع بالانصراف إلى المدينة وكان معه جموع المسلمين حتى افترقوا بعد خطبة الغدير حيث مفترق الطرق.

وقد سميت هذه الحجة بحجة الوداع لأنها كانت آخر حجة للرسول صلى الله عليه وآله، بل كان آخر موسم من حياته صلى الله عليه وآله.

وسميت حجة البلاغ لأن الرسول صلى الله عليه وآله بلغ فيها ما أنزل إليه من ربه، وسميت حجة الإسلام لأنها أول حجة يحجها الرسول بعد الهجرة وبعد أن خلصت الولاية للإسلام على الحج، وسميت حجة الكمال لأن فيها أكمل الله الدين وأتم النعمة.

الإمام علي عليه السلام وحجة الوداع

في موسم حجة الوداع وقبلها تكشفت ظاهرة وعوامل التوتر والحسد والغيض من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

ويبدو أنه كان وراء هذه الظاهرة تحركات مبرمجة هادفة.

ص :441

وأن تلكم الحركات كانت تستغل حالة استثقال العرب من الإسلام من حيث الأساس ومن ولاية الرسول صلى الله عليه وآله، ومن دوره الرئيسي في تثبيت دعائم الإسلام وإخضاع العرب لسلطانه والدخول فيه، وتستغل كذلك الأضغان الدفينة والثأرات.

ولكي تكتمل صورة تقريبية لهذه الظاهرة نستعرض عدة حوادث وقضايا كانت في السنتين الأخيرتين من حياة الرسول صلى الله عليه وآله كمعالم وشواهد على هذه الظاهرة:

1 - ذكر العلامة يوسف بن قزاوغلي بن عبد الله البغدادي (سبط بن الجوزي) الحنفي، في كتابه " تذكرة الخواص " (1)، عن الترمذي بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الطائف فانتجاه طويلا، فقال الناس: لقد طالت نجواه مع ابن عمه.

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: " ما انتجيته ولكن الله انتجاه " وذكر ذلك ابن المغازلي في كتاب " مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام " من خمسة طرق (2).

2 - ذكر الطبري في " تاريخه " (3) - في سنة تسع - أنه لما نزلت سورة براءة بعث بها النبي صلى الله عليه وآله أبا بكر ليقرأها على الناس في الحج وأمره على

ص :442


1- (1) ص 42.
2- (2) وقد ذكر محققه - البهبودي - في الهامش عدة مصادر أخرى للحديث، ولا يخفى أنه مذكور في جل المصادر التي تذكر الفضائل.
3- (3) 2 / 382.

الحج.

فلما سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة أتبعه بعلي بن أبي طالب عليه السلام فأخذها منه.

فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شئ؟ قال صلى الله عليه وآله: " لا، ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني ".

وفي رواية أخرى أنها نزلت بعد مضي أبي بكر للحج وبعث بها الإمام عليه السلام ليقرأها على الناس.

وذكر هذه الحادثة ابن الأثير في " الكامل " الجزء الثاني - سنة تسع -.

وابن هشام في " السيرة " - في سنة تسع - وأضاف: قيل له: يا رسول الله، لو بعثت بها إلى أبي بكر؟ فقال صلى الله عليه وآله: " لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ".

وذكرها المسعودي في كتابه " مروج الذهب " سنة تسع للهجرة، وفي " التنبيه والاشراف ".

وذكرها المحب الطبري في " ذخائر العقبى " من عدة طرق، وسبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص ".

وقد تعرض لهذه الحادثة ابن شهرآشوب في " مناقب آل أبي طالب " (1) في فصل الاستنابة والولاية وذكر الكثير من المصادر التي ذكرتها وقال: بإجماع

ص :443


1- (1) 2 / 391 - 393.

المفسرين ونقلة الأخبار، وذكر الطبري والبلاذري والترمذي والواقدي والشعبي والسدي والثعلبي والواحدي والقرطبي والقشيري والسمعاني وأحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن إسحاق وأبو يعلى الموصلي والأعمش وسماك بإسنادهم إلى عدة من الصحابة، وذكر بعض التفاصيل المهمة.

وأورد حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله يقارن فيه بين موسى بن عمران عليه السلام وخوفه من آل فرعون حيث قتل منهم نفسا واحدة وبين موقف أمير المؤمنين عليه السلام هذا حيث لم يخف من أهل مكة وممن حضر الموسم وقد قتل الكثير من صناديدهم.

3 - وذكر الحافظ الموفق بن أحمد الحنفي، المعروف بأخطب خوارزم، وهو تلميذ الزمخشري في كتابه " المناقب " - الفصل الرابع عشر - بإسناده إلى الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال لوفد ثقيف حين جاؤوه:

" لتسلمن أو ليبعثن الله رجلا مني - أو قال: مثل نفسي - فليضربن أعناقكم بالسيف، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم ".

قال عمر بن الخطاب: فوالله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ جعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا.

قال: فالتفت إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بيده ثم قال: " هو هذا، هو هذا ".

وكان وفد ثقيف في سنة تسع للهجرة - كما ذكر الطبري في " تاريخه " - الجزء الثاني - في وقائع سنة تسع للهجرة، وانظر " ينابيع المودة " الباب السابع، ففيه عدة أحاديث.

ص :444

وذكر هذه الحادثة أيضا سبط ابن الجوزي الحنفي في " تذكرة الخواص " (1) وأضاف: قال أبو ذر رضي الله عنه: فما راعني إلا برد كف عمر من خلفي، فقال: من تراه يعني؟ فقلت: ما يعنيك وإنما يعني خاصف النعل علي بن أبي طالب عليه السلام، وذكر القندوزي في " ينابيع المودة " (2) أواخر الباب الرابع عن عدة مصادر أن النبي صلى الله عليه وآله بعد فتح الطائف خطب وقال: " لتقيمن الصلاة ولتؤتين الزكاة أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي يضرب أعناقكم " ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال: " هو هذا ".

وقد ذكروا حادثة أخرى مشابهة وقعت في عمرة الحديبية أن الرسول صلى الله عليه وآله قال لوفد قريش ورؤساء المشركين ومنهم سهيل بن عمرو:

" يا معشر قريش، لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين فقد امتحن الله قلبه على الإيمان ".

فقالوا: من هو يا رسول الله؟ وقال أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: " هو خاصف النعل " وكان أعطى عليا عليه السلام نعله يخصفها (3).

وذكروا حادثة ثالثة مشابهة هي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " قال:

ص :445


1- (1) ص 40.
2- (2) ص 38.
3- (3) انظر: ذخائر العقبى: 61، كشف الغمة: 1 / 211 - 212.

فقام أبو بكر وعمر.

فقال صلى الله عليه وآله: " لا، ولكن خاصف النعل "، وعلي عليه السلام يخصف نعله (1).

4 - وذكر المؤرخون ونقلة الأخبار: أن الرسول صلى الله عليه وآله خلف في غزوة تبوك الإمام علي عليه السلام على أهله بالإقامة فيهم، فأرجف المنافقون بعلي بن أبي طالب عليه السلام، وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه.

فلما قالوا ذلك أخذ علي عليه السلام سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو بالجرف، فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني.

فقال صلى الله عليه وآله: كذبوا، ولكن خلفتك لما ورائي، فارجع واخلفني في أهلي وأهلك.

أفلا ترضى - يا علي - أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (2).

5 - وذكروا: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل عليا عليه السلام إلى

ص :446


1- (1) انظر البهبودي على هامش مناقب علي بن أبي طالب للمغازلي: 298، وقد ذكره عن أحمد بن حنبل في مسنده، والنسائي في الخصائص، والحاكم في مستدرك الصحيحين، وأبي نعيم في حلية الأولياء، وابن الأثير في أسد الغابة، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال، وانظر أيضا المتن في مناقب المغازلي: 289، وغير ذلك من كتب المناقب والفضائل، وقد ذكر الفيروزآبادي في " فضائل الخمسة " عدة مصادر لهذه الحوادث.
2- (2) انظر تاريخ الطبري: 2 / 368.

اليمن وقد كان أرسل قبله خالد بن الوليد إليهم يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه.

وفي رواية مكث ستة أشهر ولم يجبه أحد وامتنعوا منه، فأرسل عليا عليه السلام وأمره أن يقيل خالدا ومن شاء من أصحابه، ففعل.

وقرأ علي عليه السلام كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل اليمن فأسلمت همدان كلها في يوم واحد.

فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: السلام على همدان - يقولها ثلاثا -.

ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام، وكتب علي عليه السلام بذلك إلى رسول الله فسجد شكرا لله تعالى (1).

وذكر ابن شهرآشوب في " المناقب ": أن النبي صلى الله عليه وآله بعث بعثين إلى اليمن: على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، وقال صلى الله عليه وآله: " إذا التقيتما فعلي على الناس، وإذا افترقتما فكل واحد على جنده ".

وقال: فكان صلى الله عليه وآله يؤمره على الناس ولا يؤمر عليه أحد.

وقد روى أخطب خوارزم في كتابه " المناقب " بإسناده إلى عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب عليه السلام، فمضى علي عليه السلام في السرية فأصاب جارية فأنكروا ذلك عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرناه بما صنع علي عليه السلام.

ص :447


1- (1) انظر: تاريخ الطبري: 2 / 389، الكامل في التاريخ: 2 / 301، ذخائر العقبى: 109.

قال عمران: فكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله صلى الله عليه وآله فنظروا إليه وسلموا عليه ثم ينصرفون إلى رحالهم.

فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر عليا صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله، ألم تر عليا صنع كذا وكذا؟ فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله والغضب في وجهه فقال: " ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة ".

وانظر أيضا " ينابيع المودة " للقندوزي فقد أخرجه عن الترمذي في الباب السابع (1).

وأخرج أيضا بإسناده إلى عمرو بن شاس الأسلمي قال: خرجنا مع علي عليه السلام إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى الله عليه وآله في ناس من أصحابه، فلما رآني أحدني عينيه (قال يقول حدد إلي النظر) حتى إذا جلست قال صلى الله عليه وآله: يا عمرو اتحاد الله؟ لقد آذيتني.

ص :448


1- (1) 1 / 51.

فقلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله! قال صلى الله عليه وآله: " بلى، من آذى عليا فقد آذاني " (1).

وذكر مثل الرواية السابقة للقندوزي في " ينابيع المودة " (2) وذكر أن خالد بن الوليد كذلك كتب كتابا للنبي صلى الله عليه وآله يشكو عليا عليه السلام وينكر عليه أخذ الجارية، فلما قرئ له كتاب خالد تغير لون الرسول صلى الله عليه وآله، واستنكر فعل خالد.

6 - روى الخطيب الخوارزمي في " مقتل الحسين عليه السلام " (3) بإسناده إلى أنس أنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وآله بطائر فوضع بين يديه فقال:

" اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فقرع الباب فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام، فقلت: سبحان الله! سأل النبي الله ربه أن يأتيه بأحب خلقه إليه...

وقد ذكر العلامة الشيخ نجم الدين العسكري في كتابه " علي والوصية " (4) في تعليقته على الحديث الثالث والثلاثين - هذا الحديث من عدة طرق وعدة مصادر.

ولأنس هذا مواقف مشابهة يتمنى فيها بعض ما لعلي عليه السلام أن يكون لأحد من قومه الأنصار.

منها ما ذكره الخوارزمي نفسه في " المناقب " في باب غزارة علمه

ص :449


1- (1) انظر المناقب للخوارزمي: 92 و 93.
2- (2) ص 52.
3- (3) الفصل الرابع: ص 46.
4- (4) ص 74.

بإسناده إلى أنس وأن النبي صلى الله عليه وآله قال له: إن أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين، قال: فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته إذ جاء علي عليه السلام.. الحديث.

7 - صرح أهل التواريخ والسير وكتب الحديث والمناقب والفضائل أن أمير المؤمنين علي عليه السلام كان في اليمن حينما توجه الرسول صلى الله عليه وآله إلى مكة لحجة الوداع، وأنه توجه من اليمن مع جيشه الذي كان معه إلى مكة لأداء فريضة الحج مع الرسول صلى الله عليه وآله.

ولما قاربها كان الرسول صلى الله عليه وآله قد قاربها أيضا، وكان قد بين حكم من لم يسبق الهدي معه وهو أن يجعلها عمرة ويحل ثم يحرم للحج ثانية والإحلال بين الإحرامين سمي متعة الحج.

ولما قارب أمير المؤمنين عليه السلام مكة تقدم الجيش وأسرع للقاء النبي صلى الله عليه وآله وخلف عليهم رجلا منهم فأدرك النبي صلى الله عليه وآله وقد أشرف على مكة فسلم عليه وخبره بما صنع وبقبض ما قبض وأنه سارع للقائه أمام الجيش. فسر رسول الله صلى الله عليه وآله وابتهج.

فلما عاد إلى جيشه وجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم - وهي التي قبضها أمير المؤمنين عليه السلام من نصارى نجران اليمن جزية فأنكر ذلك عليهم وقال للذي كان استخلفه عليهم: ويلك ما دعاك إلى أن تعطيهم الحلل من قبل أن ندفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ولم أكن أذنت لك في ذلك؟ فقال: سألوني أن يتجملوا بها ويحرموا فيها ثم يردوها علي.

فانتزعها أمير المؤمنين عليه السلام من القوم وشدها في الأعدال

ص :450

فاضطغنوا عليه، فلما دخلوا مكة كثرت شكاياهم من أمير المؤمنين عليه السلام.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديا فنادى في الناس: ارفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه خشن في ذات الله عز وجل، غير مداهن في دينه " (1).

8 - ذكر الإمام نور الدين علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ في كتابه " الفصول المهمة " (2) نقلا عن الإمام أبي إسحاق الثعلبي في " تفسيره " - بإسناده إلى الإمام الصادق عليه السلام - أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

فشاع ذلك في أقطار البلاد، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقته فأناخ راحلته ونزل عنها وقال:

يا محمد، أمرتنا عن الله عز وجل أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه، وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلناه، وأمرتنا بالحج فقبلناه، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا، فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شئ منك أم من الله عز وجل؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: " والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله عز وجل ".

فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول

ص :451


1- (1) انظر إرشاد المفيد: 92، وكذلك تاريخ الطبري، وسيرة ابن هشام، والكامل في التاريخ.
2- (2) ص 42.

محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله عز وجل بحجر سقط على هامته فخرج من دبره فقتله.

فأنزل الله عز وجل: * (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج) * (1).

9 - وذكر الشيخ محمد بن علي الصبان في كتابه " إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين " المطبوع على هامش " نور الأبصار " (2) للشيخ الشبلنجي المصري: أن العباس شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما تفعل قريش من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم.

فغضب صلى الله عليه وآله غضبا شديدا حتى احمر وجهه ودر عرق بين عينيه وقال: " والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله ".

وروى أيضا: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم؟ والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لقرابتهم مني ".

وروى أيضا: أن النبي صلى الله عليه وآله خرج مغضبا حتى استوى على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال رجال يؤذونني في أهل بيتي؟ والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني، ولا يحبني حتى يحب ذريتي ".

ص :452


1- (1) سورة المعارج: 1 - 3. وانظر نور الأبصار للشبلنجي: 87.
2- (2) ص 122.

ومن هذه الحوادث والأحاديث وأمثالها نلتمس عدة معالم واضحة لعدة حقائق وظواهر في المجتمع آنذاك كلها كانت تتظافر وتتظاهر ضد أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت تشكل الجو العام الذي يكتنف حجة الوداع، وما أمر الله رسوله أن يبلغه فيها من أمر عظيم ثقيل على النفوس.

ومن الجدير أن نشير إلى بعض تلك الظواهر:

1 - إن العرب بصورة عامة كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وأن الدين كان ثقيلا عليهم، وكان الكثير منهم قد دخلوا الإسلام كرها واضطرارا لغلبته على الجزيرة وكانت الولاية بصورة خاصة أثقل عليهم من جوانب الدين الأخرى.

2 - إن العرب بصورة عامة وقريش بصورة خاصة كانت تستثقل علي بن أبي طالب عليه السلام ودوره في تثبيت دعائم الإسلام وبسط نفوذه، وتقوية ظهر الرسول صلى الله عليه وآله والذب عنه.

وأن الكثير من القبائل كانت تحقد عليه وتشعر أنها موتورة بأبطالها الذين قتلهم، وقريش كانت كذلك.

3 - إن العرب بصورة عامة وقريش بصورة خاصة كانت تتضايق في أن يستمر عز بني هاشم وأن تجتمع الخلافة مع النبوة فيهم، وأن تبقى الإمامة فيهم إلى يوم القيامة.

4 - إن بعض الصحابة كانوا يتوقون ويتطلعون دائما بل ويتحسرون أن يشاركوا الإمام ببعض منزلته وخصائصه وأدواره.

ويبدو أن بعضهم كان يعمل من أجل أن تكون له بعض أدوار الإمام، وربما كان يعمل لأن يقدم بعض المقدمات التي تسهل عليه ادعاءها له أو تجعل من الممكن الالتفاف عليها واحتوائها.

ص :453

ومن ذلك كان التعرض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله رجاء أن يصدر منه ما يمكن التمسك به أو حتى رجاء سكوته واستغلاله كعلامة على ما يمكن أن يدعوه أو يتمنوه.

5 - ويبدو أن الخليفتين أبا بكر وعمر كانا حريصين جدا على أن تكون لهما بعض الأدوار الخطيرة للإمام سواء في حياة الرسول صلى الله عليه وآله أو بعد مماته.

وقد تكرر منهما إظهار ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وآله، وتعرضهما للرسول صلى الله عليه وآله رجاء أن يقرهما أو يكون في حالة يمكن لهما معها ابتغاء الدور أو المنزلة التي يختص بها الإمام دون المؤمنين.

6 - كان الإمام يتفوق على الصحابة جميعا في جميع المواقف والخصائص ومن جميع الوجوه وكان يتفوق في بعض المواقف على أهل الطموح من الصحابة وعلى أهل العناوين الصارخة من قريش كخالد بن الوليد وغيره، بحوادث هامة لها أثرها في النفوس، كفتح اليمن وفتح خيبر.

7 - ولم يسلم وسط الأنصار من تمني بعض ما للإمام من خصائص، وما مواقف أنس إلا من معالم هذه الظاهرة.

وينبغي أن نختم الكتاب بهذا الكلام، والحمد لله على توفيق الإتمام.

اللهم أبلغ صلاتي وسلامي إلى جناب نبيك وآله الأطهار، واجعل مودتهم يوم القيامة سببا لإجارتي من النار، فإنك تعلم أن ولاءهم في قلبي مكنون، وقلبي بولائهم مشحون، وهذا عندك وسيلتي، وللنجاء عن الدركات جبلتي، وأرجو لمحبة العترة الطاهرة الفوز بمقاصد الدنيا والآخرة.

ص :454

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.