التقية في الفكر الإسلامي

اشارة

عنوان و نام پديدآور : التقيه في الفكر الاسلامي
مشخصات نشر : قم: مركز الرساله، ۱۴۱۹ق. = ۱۳۷۶.
مشخصات ظاهري : ص ۱۶۸
فروست : (سلسله المعارف الاسلاميه‌۱۷)
شابك : 964-319-162-1۱۸۰۰ريال
يادداشت : عربي
يادداشت : كتابنامه به‌صورت زيرنويس
موضوع : تقيه
موضوع : تقيه -- احاديث
موضوع : تقيه -- جنبه‌هاي قرآني
شناسه افزوده : مركز الرساله
رده بندي كنگره : BP۲۲۶/۵/ت۷ ۱۳۷۶
رده بندي ديويي : ۲۹۷/۴۶۸
شماره كتابشناسي ملي : م‌۷۸-۸۶۹۸

مقدمة المركز

الحمد لله الواحد الأحد الذي تطمئن القلوب بذكره، والصلاة والسلام علي أبي القاسم محمد أشرف أنبياء الله ورسله، وعلي آله المنتجبين أولي الألباب والنهي، وعدل الكتاب المطهرين بمحكمه وكفي. أما بعد.. فإن نشر مفاهيم الإسلام، ومحاولة تصحيح النظر إلي بعضها عبر وسائل التثقيف الإسلامي الصحيح بالدعوة إلي اتباع القرآن الكريم، والسنة المطهرة، يتطلب معرفة تلك المفاهيم وموقف الدين الإسلامي منها، ووضعها في مكانها الصحيح بعد تشخيص موقعها من الفكر الديني، وعمق تاريخها فيه، وعلاقتها بديمومة ذلك الفكر وصلاحيتها للامتداد في كل آن وزمان، وقابليتها علي استيعاب ما يفرزه تطور الحياة من مشاكل ومستجدات لوضع الحلول الشافية لها. وإذا ما ثبت أنها من الدين، فلا شك سيكون التعرض لها بحاجة إلي إجادة الدفاع عن كرامة الدين الحنيف والذب عن حماه من خلال التعريف المتين بمفاهيمه الراقية التي جاءت لخدمة الإنسان وبناء مجتمع حر كريم، مع رصد سائر القنوات التي تصب فيها دسائس المغرضين وشبهات المغفلين لقلع جذورها بالحجج الدامغة، لكي لا تكون وسيلة لضلالة من لم يع وجه الحق فيها. ولعل من بين تلك المفاهيم التي نطق بها القرآن الكريم والسنة المطهرة هو مفهوم التقية الذي لم ينحصر في الواقع بدين الإسلام، بل عرفته الأديان السماوية كلها، وطبقته سائر المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور وإلي يوم الناس هذا، لانسجامه التام مع مقتضي العقول وفطرة الإنسان في الحفاظ علي كيانه، بل مع فطرة الحيوان أيضا كما هو المشاهد في سعي جميع الحيوانات نحو البقاء وهروبها من أسباب الفناء. فالتقية إذن لم تكن قاعدة فقهية، أو مبدأ إسلاميا صرفا فحسب، وإنما هي كذلك قاعدة عقلية جبلت عليها العقول السليمة، فحكمت بضرورة تجنب الضرر [ صفحه 6] شخصيا كان أو نوعيا، ومن هنا أصبح موقف الإسلام من التقية موقف المؤيد والمساند لا المؤصل والمشرع، وما جاء في القرآن الكريم والسنة الثابتة بشأن التقية إنما هو إمضاء لها لأنها من شرع ما قبلنا كما يفهم من تقية إبراهيم ويوسف عليهما السلام، ومن تقية أصحاب الكهف ومؤمن آل فرعون. وبما أن تاريخ التقية ضارب بجذوره في أعماق الأديان قبل الإسلام، كما حكاه لنا القرآن الكريم في أكثر من آية، سيكون إلصاقها بمذهب معين - كما يحب إشاعته البعض - من الجهل بحقيقة ذلك المفهوم والتخبط الأعمي في تحديد تاريخه. ومن هنا أصبح الدفاع عن التقية ليس دفاعا عن مذهب، ولا دفاعا عن تشريع إسلامي، وإنما هو دفاع عن موقف الإسلام - قرآنا وسنة - في تبنيه وإمضائه وتأييده لهذا المفهوم، بل هو في الواقع دفاع عن الفطرة والعقل السليم. والكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ، حاول استجلاء أبعاد التقية كلها بدراسة علمية مقارنة استطاع من خلالها أن يضع التقية في مكانها الصحيح بين معارف الإسلام، ويشخص موقعها من الفكر الديني بدقة، مستهديا بالقرآن الكريم أولا، وبالسنة المطهرة ثانيا، مبينا تاريخها وأدلتها وأقسامها وشروطها وفوائدها والفرق بينها وبين النفاق مع الكثير من صورها القولية والفعلية عند مذاهب المسلمين وقادتهم من الصحابة والتابعين، وغير ذلك من الأمور التي لا غني عنها في هذا المجال. وإذ يسر مركز الرسالة أن يقدم لقرائه الأعزاء هذا الكتاب المتسم بمراعاة المنهج العلمي الدقيق باعتماد الدليل المعتبر وتحليل النصوص ونقدها بمنطق العقل والعلم، يأمل أن يسد في إصداره هذا جميع الثغرات المفتعلة بشأن التقية، وأن يغلق منافذ التشكيك حولها بعد أن تمهدت سائر السبل الناصعة في طياته لفهم التقية فهما إسلاميا أصيلا بعيدا عن التأويلات والمغالطات. سائلين المولي عز وجل أن يسدد خطانا لخدمة دينه الحنيف، ويمنحنا القوة علي مواصلة العطاء الفكري النافع، إنه سميع مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين مركز الرسالة [ صفحه 7]

المقدمة

نحمدك اللهم في الضراء والسراء، ونلوذ بك في الشدة والرخاء، ونصلي ونسلم علي نبيك ورسولك العظيم محمد أشرف الرسل والأنبياء، وعلي آله المنتجبين الأوصياء، وأصحابهم المخلصين الأوفياء، والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الجزاء، وبعد. إن التدبر في ما انطوت عليه مفاهيم الشريعة الإسلامية، يعطي انطباعا كافيا لعناية الإسلام الفائقة بكل ما يرفع من قدر الإنسان، ويصون ماء محياه من الوقوف علي أبواب المذلة والهوان التي لا تستسيغها النفوس المتطلعة إلي الكمال، ولا يقبلها كل ذي مجد أثيل. ويكفي أن الشريعة الغراء أسقطت في حالات الإكراه والاضطرار بعض الواجبات وأباحت بعض المحرمات لهذا المخلوق العجيب الذي ميز عن سائر المخلوقات، وجعل أجل وأسمي من أن يعيش بلا غاية ولا هدف - هملا - كالسوائم والهوائم التي ليس من شأنها أن تطمح في الوصول إلي مراقي العز والكرامة والشرف. ومن بين تلك المفاهيم التي أحببنا الحديث عنها، هو مفهوم التقية الذي طالما فهمه الجهلاء من خصوم الحق وأتباعه، وسيلة للتخلص من تبعة التقصير في الدين، أو المسائل التي تخدم المجتمع وتنفع الأمة، فنقول: [ صفحه 8] ليست التقية شبيهة بالقدر الذي كان يراه معاوية ويرجع إليه والحثالة من أنصاره وأتباعه علي طول التاريخ، كلما أرادوا التملص من جناية ارتكبوها أو ذنب اقترفوه، ليكون في ذلك الرجوع عذرا مقبولا يسعهم في ارتكاب ما شاءوا من الموبقات تحت ذريعة القدر! كما أنها ليست دعوة إلي نشر ما يوجب ضعف العزيمة والوهن، ولا دعوة لزرع اليأس والقنوط في نفوس المؤمنين لكي تتعطل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهل رأيت مفهوما إسلاميا ثابتا - كالتقية - يدعو إلي ذلك؟ كيف والدين الحنيف لم تبرح مفاهيمه محلقة وحدها في سماء الخلود، خافقة عليها ألوية النصر والنجاح، وتخترق بصوتها كل الآفاق حيث يحمله الهواء الطلق؟ فالتقية ليست نداء لترك تعاليم الدين طمعا في عيش زائل وحقير، ولا جبنا ولا هلعا وخوفا إذا ما اتصل الأمر بحماية الدين أو ارتبط بمصلحة المجتمع الإسلامي ومنفعة الأمة وحفظ كيانها، بل ستكون حينئذ تقية علي الدين بوقايته وحفظه بالمضي قدما علي طريق الجهاد وبذل كل غال ونفيس، واقتحام الأخطار ولو كان حتف المتقي فيها. وأما التقية في حفظ النفوس والأعراض والأموال في غير تلك الحال، فإنما تكون بالسبل المتاحة شرعا، ولا ضير في ذلك فهي تقية تصب في خدمة الدين من طريق آخر، وليست كما يتصورها الجهلاء خروجا عن المسؤولية، وهل رأيت دينا قام بلا نفوس، وأهيب جانبه بالمذلة والفقر؟ إن الإسلام العظيم لم يشرع شيئا عبثا، ولن يضره ما يلقيه المشنعون علي مفاهيمه الراقية من الشبه شيئا، حتي وإن توثقوا من تمكين جملة [ صفحه 9] من العقائد الفاسدة في نفوس البعض من المسلمين الذين أصبحوا علي درجة كافية لتقبل الجهل والتمرن عليه، فصاروا غثاء كغثاء السيل لا يملكون حيلة ولا يهتدون سبيلا. ولأجل هذا أصبح تبصير المشتبه وهدايته لما في الكتب التي يعتقد بصحتها، وتنبيه المنتبه لما في بعض المسائل التي قد يغفل عنها، وجعلها سلاحا بيده لتحمل مسؤولية الدفاع عن مفاهيم الإسلام وتعاليمه ومعارفه - قرآنا وسنة - محفزا قويا علي دراسة التقية واستجلاء أبعادها في أربعة فصول: تناولنا في الفصل الأول، علاقة التقية بالإكراه، ثم أركان الإكراه، وأنواعه، ودور القواعد الفقهية في بيان حكم ما يكره عليه، ثم الفرق والاتفاق بين الضرورة والإكراه. وكان هذا الفصل مهما جدا باعتباره الركيزة التي تقف عليها أغلب مباحث الفصول اللاحقة. وتعرضنا في الفصل الثاني إلي أدلة التقية وأصولها التشريعية من القرآن والسنة والعقل ودليل الإجماع، معتمدين بذلك علي أصح ما ثبت نقله عند الفريقين. وخصصنا الفصل الثالث لأقسام التقية وبيان أهميتها وفوائدها، والفرق بينها وبين النفاق. أما الفصل الرابع والأخير فكان عن صور التقية في كتب العامة، وقد شرعنا أولا ببيان الصور القولية، ثم الفعلية، وأخيرا الفتاوي التي تختص بمسائل التقية في فقه العامة. آملين من المولي أن يجعل بضاعتنا هذه خالصة لوجهه الكريم، [ صفحه 10] صادقة في خدمة دينه العظيم، نافعة يوم نفد عليه بلا مال ولا بنون، إنه سميع مجيب. [ صفحه 11]

التقية والإكراه

تعريف التقية

التقية في اللغة

الحيطة والحذر من الضرر والتوقي منه، والتقية والتقاة بمعني واحد، قال تعالي: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) [1] أي: تقية، بالاتفاق [2] . قال ابن منظور: وفي الحديث: قلت: وهل للسيف من تقية؟ قال: نعم، تقية علي إقذاء، وهدنة علي دخن ومعناه: إنهم يتقون بعضهم بعضا، ويظهرون الصلح والاتفاق وباطنهم بخلاف ذلك [3] .

التقية في الاصطلاح

فقد عرفها جمع من علماء المسلمين بألفاظ متقاربة وذات معني واحد. فهي عند الشيخ المفيد (ت / 413 ه) عبارة عن: (كتمان الحق، وستر [ صفحه 12] الإعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين والدنيا) [4] . وعرفها الشيخ الأنصاري (ت / 1282 ه) ب (الحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق) [5] . وقال السرخسي الحنفي (ت / 490 ه): (والتقية: أن يقي نفسه من العقوبة، وإن كان يضمر خلافه) [6] ، وبهذا النحو عرفها آخرون [7] .

صلة التقية بالإكراه

اشاره

يتضح من تعريف الشيخ الأنصاري للتقية أن إكراه الإنسان علي الإتيان بشئ مخالف للحق يكون سببا مباشرا من أسباب حصول التقية، ويؤيده ما جاء في قصة عمار بن ياسر وجماعته الذين اتقوا من المشركين فأجروا كلمة الكفر علي ألسنتهم كرها، حتي أنزل الله تعالي فيهم قرآنا: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) [8] وسيأتي تفصيل ذلك في مشروعية التقية. ولكن يبدو واضحا من خلال مراجعة موارد التقية في فقه المذاهب [ صفحه 13] الإسلامية، وتدبر أدلتها من القرآن والسنة وسيرة الصحابة وتطبيقات التابعين وغيرهم من المسلمين أنه لا حصر للتقية علي كتمان الحق وإظهار خلافه خوفا علي النفس من اللائمة والعقوبة بالإكراه، لدخول ما إذا كان هذا الكتمان لمصالح أخر فردية أو اجتماعية في مصاديق التقية وإن لم يكن ثمة إكراه أصلا، ويؤيده أن الإكراه لم يؤخذ قيدا في تعريف التقية اصطلاحا - كما مر - عند بعضهم.

الوجه في تقديم بحث الإكراه علي التقية

إن نفي الملازمة بين الإكراه والتقية من وجه كما يفهم من الكلام المتقدم مراعاة لأقسام التقية لا يعني نفيها من كل وجه كما لا يعني عدم الحاجة إلي دراسة الإكراه في بحث التقية، لأنه من أهم وأقوي أسبابها علي الاطلاق، زيادة علي ما في بحث الإكراه من الأمور الباعثة علي تقديمه بحيث لا يمكن معها إغفاله بحال، وسوف نشير إلي بعضها وهي: 1 - إن جميع التفصيلات الفقهية الواردة في فقه المذاهب العامية الأربعة بشأن التقية إنما هي مبحوثة عندهم في كتب الإكراه غالبا، ولم نجد في جميع مصادرهم الفقهية التي رجعنا إليها كتابا أو بابا بعنوان التقية، ومن هنا قد يشتبه الأمر علي بعضهم بأن فقهاء العامة لم يتناولوا التقية وأحكامها، وربما يزعم - وهو ليس ببعيد - بأن جميع ما سنذكره من صور التقية في الفقه العامي - كما في الفصل الأخير من هذا البحث - لا علاقة له بالتقية، لأنه من الإكراه!! ورفع مثل هذا الاشتباه لا يكون إلا ببيان العلاقة بين الاثنين وأنها علاقة السبب بالمسبب والعلة بالمعلول. 2 - إن فهم أحكام التقية وبعض أقسامها متوقف علي فهم الإكراه [ صفحه 14] ومعرفة أركانه ومقوماته وأقسامه وحالاته وصوره بحيث لو لم تبحث هذه الأمور قبل التقية لاضطررنا إلي ذكرها ثانية مع توزيعها علي أغلب مباحث التقية الآتية، ولا يخفي ما في ذلك من تشتيت لأطراف البحث وتضييع لفائدته، زيادة علي ما يسببه ذلك من إرباك في المنهج العلمي الذي حرصنا علي أن يكون دقيقا وسليما. 3 - اشتراك التقية بمعناها العام بأكثر مقومات الإكراه وأركانه بمعناها الإكراهي الخاص بجميعها مع فارق التسمية، ومنه يعلم أن الملاك بين الاثنين واحد، ولا شك أن هذا لا يتضح مع إهمال بحث الإكراه، إلي غير ذلك من الأمور الآخر التي طوينا عنها صفحا. إذن، فلنقف هنيهة عند الإكراه، لنتعرف علي معناه لغة واصطلاحا، مع بعض خصوصياته المهمة وأقسامه وحالاته، لكي تتضح بذلك العلاقة بينه وبين التقية مع وحدة الملاك بينهما.

تعريف الإكراه

اصل الإكراه لغة

مأخوذ من الفعل (كره)، والاسم: (الكره) ويراد به كل ما أكرهك غيرك عليه، بمعني: أقهرك عليه، وأما (الكره) فهو المشقة، يقال: قمت علي كره، أي: علي مشقة. والفرق بين (الكره)، و (الكره) أن الأول هو فعل المضطر، بينما الثاني هوفعل المختار [9] .

الاكراه في الاصطلاح

فقد عرفه التفتازاني بأنه: (حمل الغير علي أن [ صفحه 15] يفعل ما لا يرضاه، ولا يختار مباشرته لو خلي ونفسه) [10] . كما عرفه عبد العزيز البخاري الحنفي بقوله، هو: (حمل الغير علي أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل علي إيقاعه، ويصير الغير خائفا به) [11] . وعند السرخسي الحنفي، هو: (اسم لفعل يفعله المرء بغيره، فينتفي به رضاه، أو يفسد به اختياره) [12] . ولعل أوجز تعريف للإكراه هو ما نجده عند الشيخ الأنصاري رحمه الله، إذ عرف الإكراه بأنه (حمل الغير علي ما يكرهه) [13] . ومن كل ما تقدم يعلم اتفاق الفريقين علي كون الإكراه حالة من حالات الإجبار علي النطق بشئ أو فعل شئ من غير رضا المكره ولا باختياره. ومع هذا فقد لا يتحقق الإكراه في الواقع وإن توفرت بعض مقوماته، وهذا ما يستدعي التعرف علي ما يتقوم به الإكراه من أركان، وهو ما سنتناوله تحت عنوان:

اركان الإكراه

اشاره

لا خلاف بوجود أربعة أركان أساسية يتقوم بها الإكراه، فإن توفرت واجتمعت كلها تحقق الإكراه، وأما لو تخلف ركن منها، فلا إكراه، وهي:

المكره

وهو من يصدر منه التهديد والوعيد، ويشترط فيه أن [ صفحه 16] يكون قادرا علي تنفيذ تهديده ووعيده بحق من يكرهه، وإلا فمع عجزه عن ذلك يسقط الإكراه. ولا يشترط في المكره أن يكون سلطانا أو حاكما جائرا، بل يكفي أن يكون قادرا متمكنا علي تنفيذ وعيده وتهديده، كما لا يشترط أن يكون المكره كافرا، لأن العقل يحكم بلزوم حفظ النفس من الهلكة، سواء كانت علي أيدي بعض المسلمين أو الكفار، وأنه لا فرق - بحكم العقل - في ضرورة تجنب الضرر شخصيا كان أو نوعيا، من أي جهة كان.

المكره

وهو من يقع عليه التهديد والوعيد، ويشترط هنا أن يكون المكره متأكدا أو ضأنا بحصول الضرر علي نفسه أو ماله أو عرضه أو علي إخوانه أو دينه [14] فيما لو لم يأتمر بأمر المكره. كما يشترط به أيضا أن يكون عاجزا عن دفع ما يتهدد به، بطريق الهرب أو الاستغاثة، أو المقاومة ونحو ذلك، وأما لو لم يكن عالما ولا ظانا بذلك، أو كان قادرا علي دفع ما هدد به فلا شك بأن ما يأتي به من قول أو فعل مخالف للحق بذريعة الإكراه عليه يكون محرما ويعاقب عليه، لعدم تحقق الإكراه بتخلف هذا الركن من أركانه.

المكره به

وهو نوع الضرر المتوعد به المكره، سواء كان ذلك الضرر متعلقا بنفسه أو ماله أو عرضه أو إخوانه المؤمنين، أو دينه. وسواء كان ذلك الضرر ماديا كالضرب المبرح أو قطع الأطراف مثلا، أو معنويا كالإهانة والتشهير ونحوهما. هذا، وأما لو لم يتصل الضرر بنفس المكره ولا بماله ولا بعرضه، [ صفحه 17] ولا بإخوانه، ولا بدينه، ولا بمن تربطه معهم حتي صلة الإسلام، كما لو أكره علي أمر، فإن لم يفعل قتلوا مشركا، فهنا لا إكراه، لعدم تحقق الركن الثالث.

المكره عليه

وهو نوع ما يراد تنفيذه من المكره، سواء كان كلاما أو فعلا. ويشترط فيه أن لا يكون الضرر الناتج عنه أكبر من الضرر المتوعد به المكره، وكذلك أن يكون مما يحرم تعاطيه علي المكره. ومثاله: أن يكره الإنسان علي ارتكاب جريمة الزنا، وإلا أخذت بعض أمواله، أو أن يشهد زورا علي برئ، وإلا فصل من وظيفته، ففي مثل هاتين الصورتين ونظائرهما لا يجوز الإقدام علي التنفيذ، لاختلال الركن الرابع من أركان الإكراه. كما يشترط أيضا في هذا الركن أن يكون الإتيان به منجيا من الضرر بمعني أن يحصل من إتيان المكره عليه الخلاص من الشر المتوعد به، وأما لو علم المكره بأنه لا نجاة له مما هدد به حتي مع الإتيان بما أمر فلا إكراه هنا، ومثاله: أن يقول المكره للمكره: أعطني دارك وإلا أخذتها منك بالقوة. أو أقتل نفسك وإلا قتلتك، ونحوه.

انواع الإكراه

اشاره

الإكراه في جميع صوره علي نوعين، وهما:

الاكراه علي الكلام المخالف للحق

وهذا النوع لا يجب به شئ عندهم، فكل ما أكره عليه المسلم فله ذلك، وله أمثلة كثيرة جدا، أشدها: التلفظ بكلمة الكفر، وهنا يجب الالتفات إلي نقطة في غاية الأهمية في مسألة الإكراه علي اللفظ المخالف [ صفحه 18] للحق، ونعني بها صلة الألفاظ بأفعال القلوب التي لا سبيل للمكره إلي علمها في قلب المكره، وعليه فلا يصح التجاء المكره إلي شئ منها قط، كما لو أكره علي كلمة الكفر، أو علي الإعتقاد بعقيدة فاسدة، أو إنكار كل ما ثبت أنه من الدين إنكارا قلبيا لا لفظيا. فمثل هذه الأمور ونظائرها يجب الاحتراز فيها جدا، بحيث لا يتعدي النطق باللفظ إليها، لأنها مما لا يصح فيه الإكراه، فغاية الأمر: إن المكره يريد التخلص من الشر بإتيان اللفظ المخالف للحق، لا أن يؤمن بما يتلفظ به حقيقة. وقد أشار القرآن الكريم إلي هذا المعني صراحة في قوله تعالي: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئويحذركم الله نفسه وإلي الله المصير) [15] . ومما يلحظ هنا هو أن التحذير الشديد الوارد في الآية المباركة قد جاء مباشرة بعد تشريع التقية في الآية نفسها، ثم أكده تعالي بقوله الكريم: (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله عليكل شئ قدير) [16] . وكل هذا التحذير قد جاء في سياق واحد بعد تشريع التقية، لئلا يتحول إنكار المؤمن للحق بفعل الإكراه إلي إنكار قلبي كما يريده من أكرهه، لأن الواجب أن يبقي القلب مطمئنا بالإيمان. وفي هذا الصدد قال الفخر الرازي في تفسيره: (إنه تعالي لما نهي [ صفحه 19] المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء ظاهرا وباطنا واستثني عنه التقية في الظاهر، أتبع ذلك بالوعيد علي أن يصير الباطن موافقا للظاهر في وقت التقية، وذلك لأن من أقدم عند التقية علي إظهار الموالاة، فقد يصير إقدامه علي ذلك الفعل بحسب الظاهر سببا لحصول تلك الموالاة في الباطن، فلا جرم بين تعالي أنه عالم بالبواطنكعلمه بالظواهر، فيعلم العبد إنه لا بد أن يجازيه علي ما عزم عليه في قلبه) [17] . هذا، ومن الجدير بالإشارة إن الإكراه اللفظي قد لا يكون هكذا في جميع صوره، فلو أكره المرء المسلم علي الطلاق مثلا، وكانت نيته موافقة للفظه فلا يكون بهذا خارجا عن ربقة الإسلام، بخلاف ما لو أكره بالقتل علي سب النبي صلي الله عليه وآله وسلم وسبه بكل رضا وارتياح، فهو بهذا سيكون كافرا بلا خلاف.

الاكراه علي الفعل المحظور

لا شك أن الشريعة لم تبح جميع الأفعال المحظورة بلا قيد أو شرط، لأن الأفعال المحرمة - في نظر الشريعة الغراء - علي نحوين: أحدهما، تسوغ معه التقية حال الإكراه عليه، وأمثلته كثيرة كالتقية في السرقة، أو إتلاف مال الغير، أو الإفطار في شهر رمضان، أو تأخير الصلاة، أو الامتناع عنها إذا اقتضي الإكراه ذلك، أو شرب الخمر - علي خلاف فيه، ونحوها من الأمور التي يجوز ارتكابها عند الإكراه عليها. والآخر، لا تسوغ معه التقية مطلقا وفي جميع الأحوال مهما بلغت درجة الإكراه عليه، كالإقدام مثلا علي قتل مسلم برئ بحجة الإكراه، [ صفحه 20] فهنا لو أقدم المكره علي القتل فلولي الدم القصاص بلا خلاف بين سائر فقهاء الشيعة، وأحاديثهم المروية عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام صريحة بهذا كل الصراحة، وأيدهم علي هذا أكثر فقهاء المذاهب سوي الأحناف كما سيأتي بيانه في مكان آخر في هذا البحث. ومما يجب التنبيه عليه هنا، هو أن التقية ليست واجبة شرعا في جميع حالات الإكراه، فهي قد تكون واجبة، أو محرمة، أو مباحة، أو مندوبة، أو مكروهة بحسب الأحكام التكليفية الخمسة، ولكن ليس لأحكامها ضابط معين بحيث لا يمكن تجاوزه في جميع حالات الإكراه ومن أي مكره، كما أشرنا إلي ذلك فيما تقدم. نعم يستثني من ذلك ما نص عليه الدليل المعتبر، وأما ما لا نص فيه من صور الإكراه فيترك تقدير الإقدام علي التقية فيه لمن يحمل عليها قسرا، مع مراعاة اجتناب أصعب الضررين، وسيأتي المزيد من التوضيح في بيان حكم ما يكره عليه، مع صلة بعض القواعد الفقهية بهذا البيان.

حكم ما يكره عليه

إن من الثوابت التي لا يشك بها أحد هو أن الدين الإسلامي دين اليسر ورفع الحرج، إذ أباحت الشريعة الإسلامية للمضطر والمكره ارتكاب المحظور شرعا، كل ذلك من أجل أن يعيش الإنسان حياة حرة كريمة بعيدة عن كل ما يتلفها أو ينتقص من كرامتها وقدرها، حتي ولو أدي ذلك إلي ارتكاب المحرمات، أو المساس بحقوق الآخرين التي صانتها الشريعة الإسلامية نفسها وبأروع ما يكون. ومن هنا انطلق فقهاء المذاهب الإسلامية ليقعدوا بعض القواعد [ صفحه 21] الفقهية المعبرة عن يسر هذا الدين العظيم وروحه السمحة، ومن بين تلك القواعد الفقهية المتفق عليها، قاعدة الضرر يزال، وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وغيرهما من القواعد الفقهية المتفرعة عن قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) [18] . وقد استمدوا هاتين القاعدتين من أصول التشريع الإسلامي: قرآنا وسنة. والسؤال المهم هنا، هو: هل أن الشريعة الإسلامية أباحت للمكره أو المضطر كل محرم - مهما كان - بسبب ذلك الإكراه أو الاضطرار. وبعبارة أخري: هل أن حديث الرفع المشهور عند جميع المذاهب الإسلامية) [19] ، يجري علي كل إكراه، أو أن له حدودا ثابتة لا يمكن تجاوزها بحال؟ والواقع، إن الإجابة المفصلة علي هذا التساؤل المهم جدا في بيان حكم ما يكره عليه، لا يمكن أن تتم ما لم يعرف قبل ذلك نوع الضرر المهدد به المكره، مع معرفة الآثار السلبية الناجمة عن تنفيذ المكره للنطق أو الفعل الذي أكره عليه. بمعني، أن تكون هناك معرفة بحجم الضرر المهدد به المكره، مع معرفة المحرم الذي يراد تنفيذه كرها، لكي تجري عملية موازنة بين الضررين، حتي يرتكب أخفهما حرمة في الشريعة. وفي المسألة صور كثيرة جدا، إذ قد يكون الإكراه، علي قتل مسلم، أو [ صفحه 22] زنا، أو قطع بعض الأطراف، أو شرب خمر، أو قذف مؤمن، أو شهادة زور، أو سرقة مال، ونحوها. وقد يكون التهديد والوعيد، بالقتل، أو التعذيب، أو السجن، أو النفي، أو الإهانة، أو التشهير، أو الغرامة المالية، أو هتك العرض، أو تهديم الدار، أو الفصل من الوظيفة، وغيرها. وهذه الصور الكثيرة يمكن جمعها في ثلاث صور لا رابع لها وهي: الصورة الاولي: ان يكون الضرر المهدد به المكره تافها وحقيرا، بينما يكون المحرم المراد ارتكابه عظيما وجسيما. الصورة الثانية: عكس الأولي. الصورة الثالثة: يتساوي فيها الأمران. وهذا - مع قربه من الإجابة علي التساؤل السابق - إلا إنه لا يكفي في ذلك، لوجود جوانب أخر ذات صلة وثقي بتحديد الجواب، ويأتي في مقدمتها، اختلاف الناس وتفاوت رتبهم ودرجاتهم، فالإمام ليس كالمأموم، والرئيس يختلف عن المرؤوس، والعالم ليس كالجاهل، والفقيه ليس كالمقلد، والنابه الذكي ليس كالخامل الغبي. ولا شك أن هذا الاختلاف في رتب الناس ودرجاتهم يؤثر سلبا أو إيجابا في تقدير موقف المكره نفسه أولا، مع تأثيره المباشر أيضا في تقدير الأفعال أو الأقوال المطلوبة منه ثانيا، وفي تقدير الأمور المخوف بها ثالثا. إذ قد (يكون الشئ إكراها في شئ دون غيره، وفي حق شخص دون [ صفحه 23] آخر) [20] . فقد يري بعضهم في نوع الضرر المهدد به ما يبرر له ارتكاب المحرم، لأجل التخلص من ذلك الضرر بأية وسيلة. ويري الآخر في ارتكاب المحرم البسيط عند الإلجاء القهري إليه خطرا جسيما علي العقيدة الإسلامية برمتها، بناء علي موقعه الديني الرفيع مثلا، فتراه يقدم علي التضحية بكل غال ونفيس ولا يتقي من أحد. هذا زيادة علي أن الاختلاف المذكور له تأثيره المباشر في مسألة التخلص من التقية باستخدام التورية، فيخدع بها المكره ويخلص نفسه بها من شره.

دور القواعد الفقهية في بيان حكم ما يكره عليه

اشاره

حاول الفقهاء أن يجدوا الإجابة العامة الشافية للتساؤل السابق من خلال قواعدهم الفقهية المسلمة الصحة الخاصة بالضرر وكيفية التعامل معه وإزالته، وسوف نشير إلي أهم تلك القواعد علي النحو الآتي:

قاعدة يرتكب أخف الضررين لدفع أعظمهما

صلة القاعدة بالإكراه والتقية

تصب هذه القاعدة في رافد الإجابة علي التساؤل السابق حول حديث الرفع، لأنها تفيدنا في معرفة حكم ما يكره عليه الإنسان، وقد مر ورود لفظ (الإكراه) في الحديث صراحة. [ صفحه 24] ويتوقف هذا علي بيان صلة القاعدة بالإكراه والتقية، إذ قد يقع الإنسان بين ضررين وهو مضطر إلي أحدهما، فيرتكب أخفهما لدفع أعظمهما بموجب القاعدة وحينئذ لا إكراه في المقام ولا تقية من أحد!! ولكن القاعدة لم توضع لأجل هذا فحسب، بل هي عامة تنطبق علي موارد الضرر كافة ومن بينها الضرر الناتج بفعل الإكراه الذي لا خلاص منه إلا بالتقية شأنها بذلك شأن القواعد الفقهية الأخري الآتية الخاصة بالضرر. وتوضيح ذلك يتم من خلال معرفة.

اقسام الضرر تبعا لأسبابه، وهي

1- الضرر الناتج من نفس المتضرر وهو ما يعبر عنه بالضرر الحاصل من سوء الاختيار كموارد تعجيز الإنسان نفسه مثلا. 2 - الضرر الناتج بفعل العامل الطبيعي كالزلازل ونحوها. 3 - الضرر الناتج من شخص آخر، ويعبر عن الضررين الأخيرين بالضرر الحاصل من غير سوء الاختيار. ومن الواضح أن الإكراه لا يكون إلا من الغير كما تقدم في أركانه، وهذا يعني صلة الضرر الأخير بالإكراه إذا كان من ظالم، لأن الضرر الحاصل من الغير قد يكون بإكراه وقد لا يكون. علي أن بعض فقهائنا الأعلام أدخل موارد التقية حتي في الضرر الناتج عن سوء الاختيار، كما نجده صريحا في تقريرات بحث السيد الخوئي الأصولية [21] ، إذ ورد فيها القول بصحة تعجيز الإنسان نفسه في موارد التقية. وبما أن القاعدة لم تختص بمورد ضرري معين كما هو حال القواعد الفقهية الأخري، بل ناظرة إلي مطلق [ صفحه 25] الضرر فتكون صلتها بالإكراه والتقية واضحة جدا. وهذه القاعدة الفقهية لا خلاف في صحتها عند جميع الفقهاء، وهي منسجمة تماما مع روح التشريع الإسلامي ومرونته، وجارية علي وفق مقتضيات العقل السليم، فهي علي ما يقول السيد الخوئي قدس سره: (من القضايا التي قياساتها معها، فلا تحتاج إلي برهان أو مؤنة الاستدلال) [22] . وفيها يقول الندوي: (إذا اجتمع للمضطر محرمان كل منهما لا يباح بدون الضرورة، وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضررا، لأن الزيادة لا ضرورة إليها فلا يباح) [23] . وقال الزيلعي: (الأصل في جنس هذه المسائل: إن من ابتلي ببليتين، وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما، لأن مباشرة الحرام لاتجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة) [24] . وفي هذا الصدد، يقول الغزالي: (وارتكاب أهون الضررين يصير واجبا بالإضافة إلي أعظمهما، كما يصير شرب الخمر واجبا في حق من غص بلقمة - أي: ولم يجد ماء -، وتناول طعام الغير واجبا علي المضطر في المخمصة، وإفسادمال الغير ليس حراما لعينه، ولذلك لو أكره عليه بالقتل وجب أو جاز) [25] . [ صفحه 26] وقد صيغت هذه القاعدة بألفاظ أخري في كتب القواعد الفقهية وغيرها، ومن تلك الصياغات ما تجده في شرح القواعد الفقهية إذ وردت بهذه الصيغة: (إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما) [26] وهي نفسها عند ابن نجيم الحنفي [27] ونظيرها عند آخرين [28] . هذا، وقد فرع فقهاء العامة علي هذه القاعدة جملة من الفروع، نذكر منها ما ذكره الشيخ الزرقا من فروع هذه القاعدة وهي: أ - تجويز السكوت علي المنكر إذا كان يترتب علي إنكاره ضرر أعظم. ب - تجوز طاعة الأمير الجائر إذا كان يترتب علي الخروج عليه شر أعظم [29] .

قاعدة الضرورات تقدر بقدرها

صلة القاعدة بالإكراه والتقية

إن من أوجه الاتفاق بين الضرورة والإكراه - كما سيأتي - هو أن مفهوم الضرورة العام يعني تحققها بمجرد حلول خطر لا يندفع إلا بمحظور، وعليه سيكون الإكراه داخلا بهذا المفهوم العام. وإذا اتضحت صلة الضرورة بالإكراه اتضحت صلتها بالتقية أيضا علي أن في أحاديث أهل [ صفحه 27] البيت عليهم السلام ما يؤكد هذه الصلة أيضا. ففي حديث الإمام الباقر عليه السلام: التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلمبها حين تنزل به [30] . وما تعنيه هذه القاعدة، هو أن ما تدعو إليه الضرورة من المحظورات إنما يرخص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فحسب، فإذا اضطر الإنسان لمحظور لأي سبب مسوغ كالإكراه، أو المخمصة ونحوهما، فليس له أن يتوسع في المحظور، بل يقتصر منه علي قدر ما تندفع به الضرورة فقط. ومن ثمرات هذه القاعدة كما صرح به الشيخ الزرقا: إنه من أكره علي اليمين الكاذبة فإنه يباح له الإقدام علي التلفظ مع وجوب التورية والتعريض فيها إن خطرت علي باله التورية والتعريض [31] . وهناك قواعد أخري تصب في هذا الاتجاه أيضا، سنكتفي بذكرها دون شرحها لأجل الاختصار، وهي:

قاعدة الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف

وقد ذهب الشيخ الأنصاري إلي أبعد من هذه القاعدة في حال التقية، إذ جوز التقية للمكره في صورة إزالة الضرر عن نفسه حتي مع كون الضرر علي الغير أشد ما لم يصل إلي حد القتل، فقال في حديثه عن قاعدة لا ضرر - الآتية: (اتفقوا علي أنه يجوز للمكره الإضرار علي الغير بما دون القتل، لأجل دفع الضرر عننفسه، ولو كان أقل من ضرر الغير) [32] . [ صفحه 28] وهذا ما لم يوافقه عليه جملة من كبار الفقهاء المعاصرين آخذين بهذه القاعدة [33] .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار

وفي هذه القاعدة قسم السيد الخوئي قدس سره، والسيد السيستاني الضرر إلي أنواعه المتقدمة مع بيانهما وأسبابه التي ذكرناها سابقا، ومن مراجعتها تعلم صلة هذه القاعدة بالتقية فضلا عن اتفاقهم علي إدخال الضرر الناتج عن إكراه في موجب هذه القاعدة.

قاعدة الضرورات تبيح المحظورات

وهذه القاعدة متفرعة عن قاعدة لا ضرر المتقدمة كما نجده في قاعدة لا ضرر للسيد السيستاني وغيره، ومن أوضح تطبيقاتها عندهم جواز التلفظ بكلمة الكفر في حال الإكراه عليها [34] . ولا يخفي بأن ما جوزوه لا يكون إلا في حال التقية، وهذا هو معني صلة القاعدة بموضوع البحث، وهو التقية، علي أن الشيخ الأنصاري صرح في بحث التقية بما يفيد المقام جدا وسوف نذكر نص كلامه في الحديث عن صلة حديث الرفع بالتقية، فلاحظ. وبما أن صلة هذه القواعد بالتقية صلة وثيقة جدا، بل هي صلة الضرورة بالإكراه، ومن هنا لا بد من التعرض للعلاقة القائمة بين الضرورة والإكراه، تحت عنوان: [ صفحه 29]

الفرق والاتفاق بين الضرورة والإكراه

الفرق بين الضرورة والإكراه

ويلاحظ هنا أن الفرق الأول بينهما، هو أن في الإكراه يدفع المكره إلي إتيان المحظور من قبل شخص آخر بقوة الإكراه. وأما في الضرورة فلا يدفع المرء إلي ارتكاب المحظور أحد، وإنما يكون المرء المضطر في ظرف خاص صعب يقتضي الخروج منه ارتكاب المحظور، لكي ينقذ نفسه أو عائلته من الهلاك المحتم، كالاضطرار إلي أكل لحم الميتة في حالة الجوع الشديد مع عدم وجود ما يؤكل غيره. والفرق الآخر هو أن امتناع المكره عن تنفيذ ما أكره عليه قد يكون في بعض صور الإكراه واجبا عليه كما في الإكراه علي القتل مثلا. وأما في حالة الاضطرار إلي ارتكاب المحرم لسد الرمق بعد الوقوع في مخمصة فالامتناع عنه حرام يعاقب عليه.

الاتفاق بين الضرورة والإكراه

يمكن القول بأن الفرق الأخير يعد من حيثية أخري اتفاقا بين الضرورة والإكراه، لأن كلا منهما يهدف إلي صيانة النفوس من التلف. وهذا لا يعني انعدام الصلة بينهما إلا في هذه الحيثية، بل هناك جوانب اتفاق بين الضرورة والإكراه. منها: إن الفاعل فيهما لا يجد سبيلا للخلاص من الشر المحدق به غير ارتكاب المحظور. [ صفحه 30]

الاتفاق بينهما من جهة ترتب الآثار علي نفس الفاعل

ومن نقاط الاتفاق الواضحة بينهما هو أن الضرورة تجعل المحظور مباحا كما مر في قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، وكذلك الحال مع الإكراه، إذ يبيح ارتكاب بعض المحرمات، ومنها المساس بحقوق الآخرين. وعلي هذا الوجه يدخل الإكراه في مفهوم الضرورة العام الذي يعني تحققها بمجرد حلول خطر لا يندفع إلا بمحظور [35] . ومن هنا يتبين عدم الفرق بينهما من جهة الملاك، لأن ملاكهما واحد، وهورفع الضرر الأهم بارتكاب ترك المهم [36] . ولهذا علل بعض فقهاء القانون الوضعي انتفاء المسؤولية في حالة الضرورة بفكرة الإكراه، لأن من يكون في حالة ضرورة هو مكره علي الفعل الذي يخلصه منها، وكثير منهم قرن أحدهما بالآخر [37] . وبهذا العرض الموجز عن الإكراه وصلته بالضرورة والتقية، نعود إلي الحديث عن التقية لنتعرف أولا علي أصولها ومصادرها التشريعية عبر بيان أدلتها من القرآن الكريم والسنة المطهرة، ودليل العقل والإجماع. [ صفحه 31]

ادلة التقية و أصولها التشريعية

ادلة التقية من القرآن الكريم

اشاره

لا شك أن من قال بالقرآن الكريم صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلي صراط مستقيم. وكيف لا، وهو يهدي للتي هي أقوم، مع كونه بيانا للناس وهدي وموعظة للمتقين؟ ومع هذه الحقيقة الناصعة التي طفحت بها آيات الكتاب، وأكدتها السنة النبوية بأعظم التأكيد، إلا إنك قد تجد من يسئ إلي المفاهيم القرآنية الواضحة فيه أبلغ الإساءة كمفهوم التقية، فيدعي أنها من النفاق! وهذا يكشف عن كون اتخاذ القرار في التخطيط لأية مسألة فكرية تتصل بعقيدة المسلمين، أو الأحكام الشرعية وفهمها فهما دقيقا لا يناط أبدا بغير المخلص الكفوء، خشية من الوقوع في الانحراف الفكري عن قصد أو بدون قصد. [ صفحه 32] والعجب إنك تري تلك الإساءة ممن يدعي العلم والفهم وتلاوة القرآن الكريم، وكأنه لم يمر - في تلاوته - أبدا علي ما سنتلوه عليك من آيات بينات وما قاله المفسرون بشأنها. إن الآيات القرآنية الدالة علي اليسر ونفي الحرج وعدم إلقاء النفس إلي التهلكة، أو المشيرة إلي أن المكره أو المضطر إلي المحرم لا جرم عليه، غير خافية علي أحد، ولا ينكرها إلا الجاهل المتعسف أو المعاند الصلف، وكلامنا ليس مع هذا الصنف، بل مع من يعي أن نبينا الكريم صلي الله عليه وآله وسلم بعث بالحنيفية السمحة ثم يشتبه عليه أمر التقية. ونحن إذ نتعرض هنا للأدلة القرآنية الدالة علي مشروعية التقية، نود التذكير بأن الدليل الواحد المعتبر الدال علي صحة قضية يكفي لإثباتها، فكيف لو توفرت مع إثباتها أدلة قرآنية كثيرة، لم يختلف في تفسيرها، لأنها محكمة ينبئ ظاهرها عن حقيقتها ولا مجال لمتأول فيها؟ ومع هذا سوف لا نكتفي بدليل قرآني واحد، بل سنذكر أربع آيات مباركة، من بين الآيات القرآنية الكثيرة الدالة علي مشروعية التقية. والسبب في هذا الحصر والانتقاء، إنا وجدنا القرآن الكريم قد تعرض إلي بيان تقية المؤمنين في الأمم السالفة بآيتين صريحتين، كما وجدناه قد أمضي تلك التقية بتشريعاته الخالدة في أكثر من آية، انتقينا منها آيتين فقط، لما فيهما من وضوح تام حول امتداد ظل ذلك التشريع العظيم إلي وقت مبكر من عمر الرسالة الخاتمة. ومن هنا قسمنا الأدلة المذكورة علي قسمين: أحدهما، ما اتصل بالتقية قبل الإسلام، والآخر: ما اتصل بها عند انطلاق دعوة الحق من [ صفحه 33] البيت العتيق، وإليك التفصيل:

الادلة القرآنية الدالة علي التقية قبل الإسلام

حول تقية أصحاب الكهف

اشاره

قال تعالي: (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلي المدينة فلينظر أيها أزكي طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا - إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) [38] . في هاتين الآيتين المباركتين أصدق تعبير علي أن التقية كانت معروفة وجائزة في شرع ما قبلنا (نحن المسلمين) وهي صريحة في تقية أصحاب الكهف رضي الله تعالي عنهم، وقد أفاض المفسرون في بيان قصتهم وكيف أنهم كانوا في ملة كافرة وأنهم كانوا يكتمون إيمانهم قبل أن يدعوهم ملكهم إلي عبادة الأصنام، فلجأوا إلي الكهف بدينهم [39] . ولكن قد يقال بأن الله عز وجل أورد من نبأهم ما يدل علي عدم تقيتهم، كقوله تعالي: (وربطنا علي قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) [40] وهذا القول [ صفحه 34] دال علي عدم تقيتهم. وقولهم: (ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها)، هو قول من لا يري التقية أصلا، فأين تقية أصحاب الكهف إذن؟! والجواب: إن ما صدر عنهم من أقوال معبرة عن عدم تقيتهم إنما صدر بعد انكشاف أمرهم، إذ كانوا قبل ذلك يكتمون إيمانهم عن ملكهم كما في لسان قصتهم، علي أن في القصة ذاتها ما يعبر بوضوح عن إيصائهم لمن بعثوه بعد انتهاء رقدتهم بالتقية، كما يفهم من عبارة (وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا). ومن هنا قال الفخر الرازي: (وقوله: (وليتلطف) أي: يكون ذلك في سروكتمان، يعني دخوله المدينة وشراء الطعام) [41] . وأوضح من هذا ما صرح به القرطبي المالكي بشأن توكيل أصحاب الكهف لأحدهم بشراء الطعام مع إيصائه بالتقية من القوم الكافرين بإخفاء الحقيقة عنهم بالتكتم عليها، فقال ما هذا نصه: (في هذه الآية نكتة بديعة، وهي أن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من خوف علي أنفسهم، وجواز توكيل ذوي العذرمتفق عليه) [42] . إذن، تقية أصحاب الكهف لا مجال لإنكارها في جميع الأحوال سواء قبل تصميمهم علي ترك المداراة مع القوم واللجوء إلي الكهف، أو بعد [ صفحه 35] انتهاء رقدتهم، ولكن الحق، أن تقيتهم الأولي كانت قاسية علي نفوسهم لما فيها من مجاهدة نفسية عظيمة، لا سيما إذا علمنا أنهم من أعيان القوم ومن المقربين إلي الملك الكافر دقيانوس قبل أن ينكشف أمرهم. ولا ريب بأن تقية المسلم من المسلم لا تكون مثل تقية المسلم من الكافر، بل وما يكره عليه المسلم من كافر مرة واحدة أو مرات لا يقاس بمعاناة الفتية الذين آمنوا بربهم، لأنهم قضوا شطرا من حياتهم بين قوم عكفوا علي عبادة الأصنام والأوثان.

الامام الصادق قوله: ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف

إن كانوا ليشهدون الأعياد، ويشدون الزنانير، فأعطاهم الله أجرهم مرتين [43] . أقول: كيف لا يشدون الزنار علي وسطهم وهم عاشوا في أوساطهم؟ وكيف لا يشهدون أعيادهم وهم من أعيانهم؟

حول تقية مؤمن آل فرعون

اشاره

قال تعالي: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يكصادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) [44] . هذه الآية المباركة هي الأخري تحكي مشروعية التقية قبل بزوغ شمس الإسلام بقرون. [ صفحه 36] وعلي الرغم من وضوح دلالة الآية علي التقية سوف نذكر طائفة من أقوال المفسرين بشأنها، ليعلم اتفاقهم علي مشروعية التقية قبل الإسلام، وسيأتي تصريحهم ببقائها إلي يوم القيامة. وفي هذا الصدد، نقل الماوردي في تفسيره عن الحسن البصري، أن هذا الرجل كان مؤمنا قبل مجئ موسي عليه السلام، وكذلك امرأة فرعون، فكتم إيمانه. وأورد عن الضحاك، بأنه كان يكتم إيمانه للرفق بقومه، ثم أظهره فقال ذلكفي حال كتمه [45] . ولا شك أن ما يعنيه كتمان الإيمان هو التقية لا غير، لأنه إخفاء أمر ما خشية من ضرر إفشائه، والتقية كذلك. وأورد ابن الجوزي عن مقاتل بشأن مؤمن آل فرعون: (إنه كتم إيمانه منفرعون مائة سنة) [46] . لقد بين لنا القرآن الكريم - قبل الآية المذكورة - السبب الذي دفع مؤمن آل فرعون إلي قوله المذكور، وهو رغبة فرعون بقتل موسي عليه السلام، قال تعالي: (وقال فرعون ذروني أقتل موسي وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أوأن يظهر في الأرض الفساد) [47] . وهنا قد يقال - كما في تفسير الرازي -: (إنه تعالي حكي عن ذلك المؤمن أنه كان يكتم إيمانه، والذي يكتم إيمانه كيف يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون؟). [ صفحه 37]

و قد بين الرازي أن في المسألة قولين

الأول: إن هذا المؤمن لما سمع قول فرعون: (ذروني أقتل موسي) لم يصرح بأنه علي دين موسي عليه السلام بل أوهم أنه مع فرعون وعلي دينه، مبينا أن المصلحة تقتضي ترك قتله، لأنه لم يرتكب ذنبا وإنما كان يدعو إلي الله عز وجل، وهذا لا يوجب القتل. الثاني: إنه كان يكتم إيمانه، ولما علم بقول فرعون المذكور أزال الكتمانوأظهر كونه علي دين موسي وشافه فرعون بالحق [48] . علي أن تقيته واضحة جدا حتي علي القول الثاني، لأنه رضي الله عنه كان قد أظهر إيمانه وشافه فرعون بالحق بعد أن كتمه بتصريح القرآن الكريم، وكتمان الحق وإظهار خلافه هو التقية بعينها. وهذا الرجل العظيم لم يصفه القرآن الكريم بالنفاق، ولا بالمحتال المخادع، بل وصفه بأشرف الصفات وأعظمها عند الله عز وجل، صفة الإيمان. وكيف كان، فقد أخرج المتقي الهندي في كنز العمال، عن ابن النجار، عن ابن عباس، وعن أبي نعيم في الحلية، وابن عساكر، عن ابن أبي ليلي مرفوعا قوله صلي الله عليه وآله وسلم: الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آل فرعون الذي قال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)، والثالث: علي بن أبي طالب، وهو أفضلهم [49] . [ صفحه 38] وفي تفسير المحرر الوجيز: قال الجوهري: (وقد أثني الله علي رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسره، فجعله الله تعالي في كتابه، وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر) [50] . وفي تفسير القرطبي في تفسيره الآية المذكورة قال: (إن المكلف إذا نوي الكفر بقلبه كان كافرا وإن لم يتلفظ بلسانه، وأما إذا نوي الإيمان بقلبه فلا يكون مؤمنا بحال حتي يتلفظ بلسانه، ولا تمنعه التقية والخوف من أن يتلفظ بلسانه فيما بينه وبين الله تعالي، إنما تمنعه التقية من أن يسمعه غيره، وليس من شرط الإيمان أن يسمعه الغير في صحته من التكليف، وإنما يشترط سماع الغير له، ليكف عننفسه وماله) [51] . وبالجملة، فإن جميع المفسرين الذين وقفت علي تفسيرهم اعترفوا بتقية مؤمن آل فرعون، ولولا خشية الإطالة لأوردنا المزيد من أقوالهم، ويكفي أن الخوارج الذين زعم بعضهم بأنهم ينكرون التقية قد صرح أباضيتهم بالتقية في تفسيرهم لهذه الآية: قال المفسر الأباضي محمد بن يوسف أطفيش عن الرجل المؤمن: (فمعني كونه من آل فرعون أنه فيهم بالتقية مظهرا أنه علي دينهم، وظاهر قوله (يا قوم) أنه منهم - إلي أن قال - واستعمل الرجل تقية علي نفسه، ما ذكر الله عز وجلعنه بقوله: (وإن يك كاذبا فعليه كذبه) [52] . [ صفحه 39]

الادلة القرآنية الدالة علي إمضاء التقية في الإسلام

حول جواز الكفر بالله تقية

ويدل عليه قوله تعالي: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذابعظيم) [53] . نزلت هذه الآية المباركة باتفاق جميع المفسرين في مكة المكرمة وفي البدايات الأولي من عصر صدر الإسلام، يوم كان المسلمون يعدون بعدد الأصابع، ومن مراجعة ما ذكروه بشأن هذه الآية يعلم أن التقية قد أبيحت للمسلمين أيضا في بدايات الإسلام الأولي، وأنها أبقيت علي ما كانت عليه في الأديان السابقة ولم تنسخ في الإسلام، بل جاء الإسلام ليزيدها توكيدا ورسوخا لكي يتترس بها أصحاب الدين الفتي أمام طغيان أبي سفيان وجبروت أبي جهل كما تترس بها - من قبل - أهل التوحيد أمام ظلم المشركين فيما اقتص خبره القرآن الكريم، وصرح به سائر المفسرين. فقد أخرج ابن ماجة بسنده عن ابن مسعود ما يؤكد نزول الآية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين أخذهم المشركون في مكة وأذاقوهم ألوان العذاب حتي اضطروا إلي موافقة المشركين علي ما أرادوا منهم. وقد علق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي علي هامش حديث ابن ماجة المذكور، بقوله (أي: وافقوا المشركين علي ما أرادوا منهم تقية، والتقية في مثل هذه الحال جائزة، لقوله تعالي: (إلا من أكره وقلبه مطمئن [ صفحه 40] بالإيمان) [54] . وقال الجصاص الحنفي: (هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه، والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف علي نفسه أو بعض أعضائه التلف إنلم يفعل ما أمر به، فأبيح له في هذه الحال أن يظهر كلمة الكفر) [55] . وفي تفسير الماوردي: (إن الآية نزلت في عمار بن ياسر وأبويه ياسر وسمية وصهيب وخباب، أظهروا الكفر بالإكراه وقلوبهم مطمئنة بالإيمان) [56] . وبالجملة، فإن جميع ما وقفت عليه من كتب التفسير وغيرها متفق علي نزول الآية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين وافقوا المشركين علي ما أرادوا وأعذرهم الله تعالي بكتابه الكريم، علي أن بعضهم لم يكتف ببيان هذا، بل توسع في حديثه عن التقية، مبينا مشروعيتها، مع الكثير من أحكامها بكل صراحة [57] . [ صفحه 41]

حول موالاة الكافرين تقية

اشاره

ويدل عليه قوله تعالي: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسهوإلي الله المصير) [58] . [ صفحه 42] هذه الآية المباركة ما أصرحها بالتقية، وقد مر في تعريف التقية لغة بأنه لا فرق بين علماء اللغة بين (التقاة) و (التقية) فكلاهما بمعني واحد، ومن هنا قرأ ابن عباس، ومجاهد، وأبو رجاء، وقتادة، والضحاك، وأبو حياة، وسهل، وحميد بن قيس، والمفضل عن عاصم، ويعقوب، والحسن البصري، وجابر بن يزيد: (تقية) [59] . وقد أخرج الطبري في تفسير هذه الآية، من عدة طرق، عن ابن عباس، والحسن البصري، والسدي، وعكرمة مولي ابن عباس، ومجاهد ابن جبر، والضحاك بن مزاحم جواز التقية في ارتكاب المعصية عند الإكراه عليها كاتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين في حالة كون المتقي في سلطان الكافرين ويخافهم علي نفسه، وكذلك جواز التلفظ بما هو لله معصية بشرط أن يكون القلب مطمئنا بالإيمان، فهنا لا أثم عليه [60] . هذا مع اعتراف سائر المسلمين بأن الآية لم تنسخ فهي علي حكمها منذ نزولها وإلي يوم القيامة، ولهذا كان الحسن البصري يقول: (إن التقية جائزة إلي يوم القيامة). حكاه الفقيه السرخسي الحنفي، وقال معقبا: (وبه نأخذ، والتقية أنيقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه) [61] . واحتج إمام المذهب المالكي (مالك بن أنس) بهذه الآية، علي أن [ صفحه 43] طلاق المكره تقية لا يقع، ونسب هذه الفتيا إلي ابن وهب ورجال من أهل العلم - علي حد تعبيره - ثم ذكر أسماء الصحابة الذين قالوا بذلك أيضا، ونقل عن ابن مسعود قوله: (ما من كلام يدرأ عني سوطين من سلطان إلا كنت متكلما به) [62] . وقال الزمخشري في تفسير: (إلا أن تتقوا منهم تقاة): (إلا أن تخافوا أمرا يجب اتقاؤه تقية.. رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة:مخالفة ومعاشرة ظاهرة، والقلب بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع) [63] . وأما الفخر الرازي فقد بين في تفسير الآية أحكام التقية، قائلا: (اعلم أن للتقية أحكاما كثيرة، إلي أن قال: الحكم الرابع: ظاهر الآية يدل علي أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين، إلا أن مذهب الشافعي: إن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة علي النفس. الحكم الخامس: التقية جائزة لصون النفس، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: حرمة مال المسلم كحرمة دمه، ولقوله صلي الله عليه وآله وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد، ولأن الحاجة إلي المال شديدة، والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء، وجاز الاقتصار علي التيمم رفعا لذلك القدر من نقصان المال! فكيف لا يجوز هاهنا؟). [ صفحه 44] ثم رجح بعد هذا قول الحسن البصري (التقية جائزة للمؤمنين إلي يوم القيامة) علي قول من قال بأنها كانت في أول الإسلام، وقال: (هذا القول أولي، لأندفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان) [64] . هذا وقد نقل أبو حيان الأندلسي المالكي في البحر المحيط، في تفسير الآية المذكورة قول ابن مسعود: (خالطوا الناس وزايلوهم وعاملوهم بما يشتهون، ودينكم فلا تثلموه). وقول صعصعة بن صوحان لأسامة بن زيد: (خالص المؤمن وخالق الكافر، إن الكافر يرضي منك بالخلق الحسن). وقول الإمام الصادق عليه السلام: إن التقية واجبة، إني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فاستتر منه بالسارية لئلا يراني. ثم قال بعد ذلك ما هذا نصه: (وقد تكلم المفسرون هنا في التقية إذ لها تعلق بالآية، فقالوا: أما الموالاة بالقلب فلا خلاف بين المسلمين في تحريمها، وكذلك الموالاة بالقول والفعل من غير تقية، ونصوص القرآن والسنة تدل علي ذلك. والنظر في التقية يكون: فيمن يتقي منه، وفيما يبيحها، وبأي شئ تكون من الأقوال والأفعال؟ فأما من يتقي منه: فكل قادر غالب يكره يجوز منه، فيدخل في ذلك الكفار، وجورة الرؤساء، والسلابة، وأهل الجاه في الحواضر. وأما ما يبيحها: فالقتل، والخوف علي الجوارح، والضرب بالسوط، [ صفحه 45] والوعيد، وعداوة أهل الجاه الجورة. وأما بأي شئ تكون؟ من الأقوال: فبالكفر فما دونه، من بيع، أو هبة وغير ذلك. وأما من الأفعال: فكل محرم.. وقال مسروق: إن لم يفعل حتي ماتدخل النار، وهذا شاذ) [65] .

ما يدل علي جواز التقية بين المسلمين أنفسهم

وجدير بالإشارة هنا، هو ما صرح به فقهاء الفريقين ومفسروهم من جواز التقية بين المسلمين أنفسهم استنادا إلي طائفة أخري من الآيات الكريمة من قبيل قوله تعالي: (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة) [66] فهو: (يدل علي حرمةالإقدام علي ما يخاف الإنسان علي نفسه أو عرضه أو ماله) [67] . وقد استدل الفخر الرازي بهذه الآية علي وجوب التقية في بعض الحالات، لقوله بوجوب ارتكاب المحرم بالنسبة لمن أكره عليه بالسيف، وعد امتناع المكره حراما، لأنه من إلقاء النفس إلي التهلكة، مع أن صون النفس عن التلف واجب استنادا إلي هذه الآية [68] ، ولا معني لوجوب ارتكاب المكره للمحرم غير التقية. ومن ذلك، قوله تعالي: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [69] ، والحرج هو الضيق لغة، والتقية عادة ما يكون صاحبها في حرج شديد، [ صفحه 46] ولا يسعه الخروج من ذلك الحرج بدونها. ومنه أيضا، قوله تعالي: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةكأنه ولي حميم) [70] . فقد جاء تفسيرها عن الإمام الصادق عليه السلام بالتقية، فقال عليه السلام:التي هي أحسن: التقية [71] . إلي غير ذلك من الآيات الأخري المستدل بها علي جواز التقية بين المسلمين أنفسهم فضلا عن جوازها للمسلمين مع غيرهم [72] ، زيادة علي ما سيأتي في أدلتها الأخري كالسنة المطهرة، والإجماع، والدليل العقلي القاضي بعدم الفرق في تجنب الضرر سواء كان الضرر من مسلم أو كافر.

ادلة التقية من السنة المطهرة

الاحاديث النبوية الدالة علي التقية

توطئة في أنه هل تجوز التقية علي الأنبياء عليهم السلام؟

إن نظرة سريعة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد تكفي للخروج بالقناعة الكاملة علي ورود التقية في أحاديث غير قليلة في تلك المصادر [ صفحه 47] المعتبرة عند العامة التي نسبت التقية إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في القول والفعل معا. وهنا، قد يتوهم البعض فيزعم أن التقية غير جائزة علي الأنبياء مطلقا! وهذا غير صحيح قطعا، لأن غير الجائز عليهم صلوات الله عليهم هو ما بلغ من التقية درجة الكفر بالله عز وجل، أو كتمان شئ من التبليغ المعهود إليهم ونحو هذا من الأمور التي لا تنسجم وعصمتهم عليهم السلام بحال من الأحوال، لأنها من نقض الغرض والإغراء بالقبيح وهم عليهم السلام منزهون عن كل قبيح عقلا وشرعا، إذ لا يؤتمن علي الوحي إلا المصطفون الذين لا يخشون في الله لومة لائم.

ما قاله السرخسي

ومن هنا قال السرخسي الحنفي في معرض حديثه عن تقية عمار بن ياسر بإظهار كلمة الكفر بعد الإكراه عليها مع اطمئنان قلبه بالإيمان: (إلا أن هذا النوع من التقية يجوز لغير الأنبياء والرسل عليهم السلام، فأما في حق المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين فما كان يجوز ذلك فيما يرجع إلي أصل الدعوة إلي الدين الحق) [73] . ويفهم من كلامه جواز التقية علي الأنبياء والمرسلين فيما لا يمس أصل دعوتهم، أما إنكارها، أو كتمانها عن الخلق، أو تكذيب أنفسهم ونحو هذا فهو مما لا يجوز عليهم. وجملة القول: إن كل شئ لا يعلمه البشر - علي واقعه - إلا من جهة المعصوم عليه السلام نبيا كان أو إماما لا تجوز التقية فيه علي المعصوم، وأما ما يجوز له فيه التقية فهو كل ما لا يتنافي ومقام التبليغ والتعليم والهداية إلي الحق حتي ولو انحصر وصول الحق إلي طائفة دون أخري، كما لو [ صفحه 48] اتقي المعصوم عليه السلام في ظرف خاص من شرار الناس تأليفا لقلوبهم - كما سيأتيك مثاله في صحيح البخاري - ونحو هذا من المصالح العائدة إلي نفس المعصوم أو دعوته، وبشرط أن يبين وجه الحق لأهل بيته، أو لمن يثق به من أصحابه، أو علي أقل تقدير لمن لا يخشي من مغبة مفاتحته بالحقيقة، لكي لا يكون ما خالفها هو السنة المتبعة.

ما قاله ابن قتيبة الدينوري

هذا، وقد ذهب ابن قتيبة الدينوري (ت / 276 ه) إلي أبعد من ذلك فجوز التقية علي نبينا صلي الله عليه وآله وسلم في مقام التبليغ أيضا، فقال عن آية تبليغ الولاية من قوله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) [74] ما هذا نصه: (والذي عندي في هذا أن فيه مضمرا يبينه ما بعده، وهو إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يتوقي بعض التوقي، ويستخفي ببعض ما يؤمر به علي نحو ما كان عليه قبل الهجرة، فلما فتح الله عليه مكة وأفشي الإسلام، أمره أن يبلغ ما أرسل إليه مجاهرا به غير متوق ولا هائب ولا متألف. وقيل له: إن أنت لم تفعل ذلك علي هذا الوجه لم تكن مبلغا لرسالات ربك. ويشهد لهذا قوله بعد: (والله يعصمك من الناس) أي: يمنعك منهم.ومثل هذه الآية قوله: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) [75] [76] . والذي نراه: أن ابن قتيبة خلط في هذا بين التقية في التبليغ، وبين [ صفحه 49] التقية لأجله، والأول من كتمان الحق المنزه عنه النبي صلي الله عليه وآله وسلم، والثاني لا ريب فيه، وهو الذي نعتقده في خصوص آية التبليغ، وبيان ذلك: إن الوعيد والإنذار الموجه إلي النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بقوله تعالي: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ظاهره الوعيد والإنذار وحقيقته معاتبة الحبيب لحبيبه علي تريثه بخصوص الولاية، وليس المقصود من الآية تهاون النبي صلي الله عليه وآله وسلم في أمر الدين أو عدم الاكتراث بشأن الوحي وكتمانه، فحاشا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من ذلك، ولا يقول هذا إلا زنديق أو جاهل. نعم، آية التبليغ تدل علي تريث النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بعض التريث لجسامة التبليغ الذي جعله الله تعالي موازيا لثقل الرسالة كلها، ريثما يتم له صلي الله عليه وآله وسلم تدبير الأمر بتهيئة مستلزماته، كجمع حشود الصحابة الذين رجعوا من حجة الوداع وكانوا يزيدون علي مائة ألف صحابي، مع تمهيد السبيل أمام هذه الحشود الكثيرة لكي تقبل مثل هذا التبليغ الخطير، خصوصا وإن فيهم الموتورين بسيف صاحب الولاية أمير المؤمنين عليه السلام، فضلا عن المنافقين، والذين في نفوسهم مرض والأعراب الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، ولا شك أن وجود تلك الأصناف في مكان واحد مدعاة للخشية علي حاضر ذلك التبليغ ومستقبله. فالتريث - أو سمه التقية إن شئت - لم يكن خوفا علي النفس من القتل، بل كان تقية لأجل التبليغ نفسه والحرص علي كيفية أدائه بالوجه الأتم، إذ تفرس النبي صلي الله عليه وآله وسلم في وجوه تلك الأصناف من الصحابة مخالفته، فأخر التبليغ إلي حين، ليجد له ظرفا صالحا وجوا آمنا تنجح فيه دعوته ولا يخيب مسعاه، فأخذ صلي الله عليه وآله وسلم يعد للأمر أهبته، ومنها طلب الرعاية الإلهية لنصرة هذا التبليغ نفسه من تلك الجراثيم المحدقة، كما يدل عليه [ صفحه 50] قوله تعالي: (والله يعصمك من الناس). ومما يدل علي وجود تلك الخشية جملة من الأخبار المروية في كتب العامة أنفسهم. فقد أخرج الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل، بسنده عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري، أنهما قالا: (أمر الله محمدا صلي الله عليه وآله وسلم أن ينصب عليا للناس ليخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يقولوا: حابا ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحي الله إليه: (يا أيها الرسول بلغ...) الآية، فقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بولايته يوم غدير خم) [77] . وأخرج بسنده عن أبي هريرة: (إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أسر أمرالولاية، فأنزل الله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ...) [78] . وأخرج بسنده عن ابن عباس هذا المعني قائلا: (فكره أن يحدث الناس بشئ منها - أي: الولاية - إذ كانوا حديثي عهد بالجاهلية... حتي كان يوم الثامن عشر أنزل الله عليه: (يا أيها الرسول بلغ...) إلي أن قال - فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من الغد فقال: يا أيها الناس إن الله أرسلني إليكم برسالة وإني ضقت بها ذرعا مخافة أن تتهموني وتكذبوني حتي عاتبني ربي فيها بوعيد أنزله علي بعد وعيد، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتي رأي الناس بياض إبطيهما ثم قال: أيها الناس، الله مولاي وأنا مولاكم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من [ صفحه 51] نصره، وأخذل من خذله، وأنزل الله: (اليوم أكملت لكم دينكم) [79] [80] . وأخرج بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي (الإمام الباقر عليه السلام) أنه قال: إن جبريل هبط علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال له: إن الله يأمرك أن تدل أمتك علي صلاتهم.. إلي أن قال - إن الله يأمرك أن تدل أمتك علي وليهم علي مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ليلزمهم الحجة من جميع ذلك. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يا رب إنقومي قريبو عهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر... الخبر [81] . وقال السيوطي في تفسير آية التبليغ في الدر المنثور: (أخرج أبو الشيخ، عن الحسن أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: إن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي، فوعدني لأبلغن أو ليعذبني، فأنزل: (يا أيها الرسول بلغ..) ثم قال: (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: لما نزلت (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)، قال: يا رب! إنما أنا واحد، كيف أصنع ليجتمع علي الناس فنزلت: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته..) [82] . وهذا هو الموافق لما ورد في بعض كتب الشيعة الإمامية أيضا، فقد ذكر الطبرسي وجود هذه الأخبار ونظائرها في كتب الفريقين مصرحا بأن هذا هو المشهور عند أكثر المفسرين ثم قال: (وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام إن الله أوحي إلي نبيه صلي الله عليه وآله وسلم أن يستخلف [ صفحه 52] عليا عليه السلام، فكان يخاف أن يشق ذلك علي جماعة من أصحابه) [83] . وفي كشف الغمة، أورد سبب نزول الآية (يا أيها الرسول بلغ..)، عن زيد بن علي، أنه قال: (لما جاء جبريل عليه السلام بأمر الولاية ضاق النبي صلي اللهعليه وآله وسلم، بذلك ذرعا، وقال: قومي حديثوا عهد بالجاهلية، فنزلت) [84] . وسوف يأتي قريبا ما يؤيد قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن القوم حديثو عهد بالجاهلية كما في صحاح القوم وسننهم ومسانيدهم. ومن كل ما تقدم يعلم أن الله تعالي أمر نبيه صلي الله عليه وآله وسلم - بعد تريثه لتدبير أمر تبليغ الولاية العامة - بتبليغ عاجل، مبينا له أهمية هذا التبليغ، ووعده العصمة من الناس ولا يهديهم في كيدهم، ولا يدعهم يقلبوا له أمر الدعوة بالتكذيب بعد أن يعي الولاية من يعيها ويعقلها من المؤمنين، ولن يضر الحقيقة الالتفاف حولها بعد وفاته صلي الله عليه وآله وسلم كما حصل في السقيفةالمشؤومة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة) [85] . وهكذا تم التبليغ بخطبة وداع بعيدة عن أجواء التقية التي استخدمها من حضر الغدير لكتمان ما سمعه يوم ذاك بأذنيه وشاهده بعينيه وأدركه بلبه ووعاه بأذنه كما سيوافيك. فالتقية هنا وإن اتصلت بالتبليغ إلا أنها لأجله، ولم تكن لأجل الخوف علي النفس الذي هو من أشد ما يخاف عليه الإنسان عند الإكراه، ومن يزعم بخلاف هذا فإن القرآن الكريم يكذبه، إذ امتدح رسل الله وأنبياءه [ صفحه 53] - ونبينا العظيم أشرفهم وأكرمهم وأحبهم وأقربهم درجة عند الله عز وجل - بقوله تعالي: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا اللهوكفي بالله حسيبا) [86] . نعم هي تقية لأجل التبليغ، تقية مؤقتة ممن كان المترقب من حالهم أنهم سيخالفونه مخالفة شديدة قد تصل إلي تكذيبه صلي الله عليه وآله وسلم. ونظير هذا هو ما حصل في بدايات أمر الدعوة إلي الدين الجديد في مكة، فقد اتفق الكل علي بدء الدعوة إلي الإسلام سرا، وصرح أرباب السير وغيرهم بأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يجهر بالدعوة إلي الإسلام إلا بعد ثلاث سنوات علي نزول الوحي، لأن الخوف من قائد المشركين أبي سفيان وأعوانه من الشياطين كأبي جهل ونظرائه كان قائما علي أصل الدعوة وأنصارها في ذلك الحين، فكان من الحكمة أن تمر الدعوة إلي الإسلام بهذا الدور الخطير [87] ، وفي الحديث: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود [ صفحه 54] غريبا فطوبي للغرباء [88] . وهكذا كل دعوة إلي الحق في مجتمع متعسف ظالم، لا بد وأن تكون في بداياتها غريبة، تلازمها التقية حتي لا يذاع سرها وتخنق في مهدها. وعلي أية حال فإن التقية الواردة في أفعال وأقوال النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بالنحو الذي ذكرناه أولا مما لا مجال لإنكاره، وإليك جملا منه:

تقية النبي من قريش

أخرج البخاري في صحيحه بسنده، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت: (سألت النبي صلي الله عليه وسلم، عن الجدر [89] أمن البيت هو؟ قال: نعم. فقلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة. قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدار في البيت وأن ألصق بابه في الأرض) [90] . [ صفحه 55] وهذه المحاورة بين النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم وزوجه، قد أخرجها غير البخاري كل بطريقه إلي الأسود بن يزيد، عن عائشة، وهم: مسلم في صحيحه من طريقين [91] ، وابن ماجة بلفظ: (ولولا أن قومك حديث عهد بكفر مخافة أن تنفر قلوبهم) [92] ، والترمذي ثم قال: (هذا حديث حسن صحيح) [93] ، والنسائي [94] ، وأحمد [95] . وأخرج البخاري أيضا من طريق عبد الله بن مسيلمة، أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر أن عائشة قالت: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال لها: ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا علي قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله! ألا تردها علي قواعد إبراهيم؟قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت [96] . [ صفحه 56] وقد أخرجه مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بسنده ومتنه [97] وعنه النسائي في سننه [98] ، وأخرجه أحمد في مسنده مرتين [99] وأخرجه ثالثة وفيه أن الذي أخبرابن عمر هو عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر [100] . وأخرج البخاري أيضا بسنده عن هشام المعني، عن أبيه، عن عائشة، قالت: (قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته علي أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام - فإن قريشا استقصرتبناءه - وجعلت له خلفا - أي: بابا من الخلف - [101] . وقد رواه أحمد [102] ، والنسائي [103] . وقريب من لفظه ما أخرجه البخاري في بابه المذكور بسنده عن عروة ابنالزبير، عن عائشة [104] ، ومثله النسائي [105] . هذا وقد أخرج أحمد في مسنده حديث عائشة بألفاظ متقاربة عن غير من ذكرناه. فقد أورده من رواية عبد الله بن الزبير بطريقين، وعبد الله بن أبي ربيعة، والحرث بن عبد الله، كلهم، عن عائشة [106] . [ صفحه 57] وقد أخرج الحاكم حديث ابن الزبير، عن عائشة بلفظ آخر مستدركا به علي البخاري ومسلم، ثم قال: (هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه هكذا) [107] . كما أخرج أبو داود بسنده عن علقمة، عن أمه، عن عائشة، ما يؤكد أن قريشا أخرجوا الحجر من البيت حين بنوا الكعبة [108] . ومن كل ما تقدم يعلم أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يتقي قومه في عدم رد الحجر إلي قواعد إبراهيم عليه السلام مخافة أن تنفر قلوبهم، لحداثة عهدهم بالكفر وقربهم من شرك الجاهلية، وعلي حد تعبير العلامة السندي في حاشيته علي سنن النسائي: (إن الإسلام لم يتمكن في قلوبهم، فلو هدمت لربما نفروا منه!!) [109] . ولهذا نجد محاولة ابن الزبير في تهديم الكعبة وإعادة بنائها وإدخال الحجر في البيت، قد باءت بالفشل، إذ هدم عبد الملك بن مروان ما بناه ابن الزبير وأخرج الحجر من البيت ليعيده إلي ما كان عليه في عهد من لم يتمكن الإسلام يوما في قلوب أكثرهم [110] . هذا، وقد يقال: إن هذا الحديث ونظائره الأخري لا علاقة لها بالتقية، وإنما هي من صغريات قانون التزاحم وتقديم الأهم علي المهم، أو دفع [ صفحه 58] الأفسد بالفاسد! والجواب: إنها كذلك، ولكن لا يمنع من أن تصب بعض موارد التزاحم في التقية ومنها هذا المورد، إذ كما يحصل التزاحم بين أمرين بلا إكراه كمن دخل في صلاته وشاهد تحريفا في أنفاسه الأخيرة، فالواجب حينئذ هو قطع الصلاة وانقاذ الغريق أخذا بقانون تقديم الأهم علي المهم، فقد يحصل بالإكراه أيضا كما لو أكره شخص علي قتل آخر أو سلب أمواله وإلا قتل، فالواجب هنا أن يتقي بسلب الأموال أخذا بقانون دفع الأفسد بالفاسد، وحينئذ يتحقق التزاحم والتقية في آن واحد. ومن مراجعة أمثلة التزاحم في كتب الأصول [111] يعلم إمكان دخول الكثير منها في دائرة التقية، علي أن السيد السبزواري قال عن التقية: (إنها ترجع إلي القاعدة العقلية التي قررتها الشرائع السماوية، وهي تقديم الأهم علي المهم، فتكون التقية من القواعد العقلية الشرعية) [112] .

تقية النبي من فاحش

أخرج البخاري من طريق قتيبة بن سعيد، عن عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته أن رجلا استأذن في الدخول إلي منزل النبي فقال صلي الله عليه وآله وسلم: إئذنوا له فبئس ابن العشيرة، أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله! قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟ فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء [ صفحه 59] فحشه [113] . ونظير هذا الحديث ما أخرجه الطبراني من حديث ابن بريدة، عن أبيه، قال: (كنا عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فأقبل رجل من قريش، فأدناه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقربه، فلما قام، قال: يا بريدة أتعرف هذا؟ قلت: نعم، هذا أوسط قريش حسبا، وأكثرهم مالا، ثلاثا، فقلت: يا رسول الله أنبأتك بعلمي فيه، فأنت أعلم. فقال صلي الله عليه وآله وسلم: هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا [114] . وهذان الحديثان يكشفان عن صحة ما سيأتي في تقسيم التقية، وأنها غير منحصرة بكتمان الحق وإظهار خلافه خوفا علي النفس من اللائمة والعقوبة بسبب الإكراه، وإنما تتسع التقية إلي أبعد من هذا، فيدخل فيها ما ذكره المحدثون في باب المداراة، سيما إذا كان في خلق الشخص المداري نوع من الفحش كما في هذا الحديث، أو فيه نوع من الشكاسة كما كان في خلق مخرمة. فقد أخرج البخاري نفسه من طريق عبد الوهاب، عن أبي مليكة، قال: (إن النبي صلي الله عليه (وآله) وسلم أهديت له أقبية من ديباج مزررة بالذهب، فقسمها في ناس من أصحابه، وعزل منها واحدا لمخرمة، فلما [ صفحه 60] جاء، قال: خبأت هذا لك [115] . قال الكرماني في شرح الحديث المذكور: (قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خبأت هذا لك. وكان ملتصقا بالثوب وأن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يري مخرمة أزاره ليطيب قلبه به، لأنه كان في خلق مخرمة نوع من الشكاسة) [116] . وقد استخدم هذا الأسلوب من التقية بعض الصحابة أيضا. قال السرخسي الحنفي في المبسوط: (وقد كان حذيفة ممن يستعمل التقية علي ما روي أنه يداري رجلا، فقيل له: إنك منافق!!فقال: لا، ولكني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله) [117] . وواضح من كلام هذا الصحابي الجليل، أن ترك التقية ليس مطلقا في كل حال وأن عدم مداراة الناس تؤدي إلي نفرتهم، وعزلته عنهم، وربما ينتج عنها من الإضرار ما يذهب بالدين كله. ومن هنا روي عن ابن عمر، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر علي أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر علي أذاهم [118] . ولا يخفي علي عاقل ما في مخالطة الناس من أمور توجب مداراتهم سيما إذا كانت المخالطة مع قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة. [ صفحه 61] فقد أخرج الهيثمي، من طريق إبراهيم بن سعيد، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة؟ وشبك بين أصابعه، قالوا: كيف نصنع؟ قال: اصبروا وخالقوا الناسبأخلاقهم، وخالفوهم بأعمالهم [119] . وهذا الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: يا أبا ذر كيف أنت إذا كنت في حثالة من الناس - وشبك بين أصابعه - قلت: يا رسول الله، ما تأمرني؟ قال: صبرا، صبرا،خالقوا الناس بأخلاقهم، وخالفوهم في أعمالهم [120] . وأخرجه الهيثمي عن أبي ذر أيضا [121] . أقول: إن أبا ذر سير إلي الشام، وبعد أن أفسد الشام علي معاوية بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أعيد إلي المدينة، ثم نفي - بعد ذلك - إلي الربذة ومات فيها غريبا وحيدا بلا خلاف بين سائر المؤرخين، ومنه يعلم من هم الناس الذين وصفوا بالحثالة! هذا، وقد روي الشيخ المفيد في أماليه بسنده عن أمير المؤمنين الإمام علي (ع) أنه قال: خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم [122] . ولست أدري كيف تكون مخالقة حثالة الناس بأخلاقهم ومخالطتهم باللسان والمخالفة في الأعمال والمزايلة بالقلوب من غير تقية؟! [ صفحه 62]

امر النبي عمار بن ياسر بالتقية

وهو ما أشرنا إليه في قصة عمار وأصحابه الذين أظهروا كلمة الكفر بلسانهم وقلوبهم مطمئنة بالإيمان. فقد روي الطبري بسنده عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، أنه قال: (أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتي باراهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم:فإن عادوا فعد [123] . وفي تفسير الرازي أنه قيل بشأن عمار: (يا رسول الله! إن عمارا كفر! فقال: كلا، إن عمارا ملئ إيمانا من فرقه إلي قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه، فأتي عمار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يمسح عينيه ويقول: ما لك؟ إن عادوا لك فعد لهمبما قلت [124] .

النهي عن التعرض لما لا يطاق

اشاره

ويدل عليه ما أخرجه الترمذي - وحسنه - بسنده عن حذيفة قال: (قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا:وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق [125] . وفي مسند أحمد بلفظ: لا ينبغي لمسلم... [126] . وأخرجه في كشف الأستار عن ابن عمر [127] . [ صفحه 63]

وجه الاستدلال بهذا الحديث علي مشروعية التقية

ووجه الاستدلال بهذا الحديث علي مشروعية التقية أوضح من أن يحتاج إلي بيان، لأن ما يخافه المؤمن من تهديد ووعيد الكافر أو المسلم الظالم، لا شك أنه يخلق شعورا لديه بامتهان كرامته لو امتنع عن تنفيذ ما أريد منه، لأنه معرض - في هذه الحال - إلي بلاء، فإن عزم علي اقتحامه وهو لا يطيقه فقد أذل نفسه، هذا مع أن بإمكانه أن يخرج من هذا البلاء بالتقية شريطة أن لا تبلغ الدم، لأنها شرعت لحقنه. قال الإمام الباقر عليه السلام: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية [128] .

في تقية المؤمن الذي كان يخفي إيمانه و قتله المقداد

وهو ما رواه الطبراني، بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (بعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فأهوي إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: قتلت رجلا قال: لا إله إلا الله، والله ليذكرن ذلك للنبي صلي الله عليه وآله وسلم. فلما قدموا علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، قالوا: يا رسول الله! إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد؟ فقال: ادعوا لي المقداد، فقال: يا مقداد قتلت رجلا قال: لا إله إلا الله، فكيف لك ب (لا إله إلا الله)؟ قال: فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا - فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله [ صفحه 64] عليكم) [129] . فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: كان رجلا مؤمنا يخفي إيمانهمع قوم من الكفار فقتلته، وكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة [130] . وقصة نزول هذه الآية أوردها البخاري مختصرة في صحيحه بسنده عن عطاء، عن ابن عباس أيضا، ولم يذكر فيها المقداد بل جعل القاتل هو جماعة المسلمين [131] . وأخرجها بلفظ الطبراني الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في المطالب العالية [132] ، كما أخرجها الطبري في تفسيره من طريق وكيع [133] . وقد عرفت أن في هذا الحديث تصريحين من النبي صلي الله عليه وآله وسلم أحدهما: أن المقتول كان مؤمنا يكتم إيمانه خوفا من الكفار، وهذا هو عين التقية. والآخر: إن القاتل - وهو المقداد - كان حاله بمكة كحال المقتول.

اذن النبي لمحمد بن مسلمة و ابن علاط السلمي بالتقية

وهو حديث البخاري الذي أخرجه بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله قال: (قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذي الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة، فقال: يا رسول الله! أتحب أن أقتله؟ قال: نعم. قال فأذن لي أن أقول شيئا. قال: قل. [ صفحه 65] فأتاه محمد بن مسلمة، فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا،وإني قد أتيتك استسلفك.. الخبر) [134] . ثم ذكر البخاري تمام القصة التي انتهت بقتل ابن الأشرف علي يد محمد بن مسلمة وجماعته من الصحابة الذين أرسلوا معه. وفي أحكام القرآن لابن العربي، أن الصحابة الذين كلفوا بقتل ذلك الخبيث، وكان محمد بن مسلمة من جملتهم، أنهم قالوا: (يا رسول الله أتأذن لنا أن ننالمنك؟) فأذن لهم [135] . ولا يخفي أن ما طلب من الإذن، إنما هو لأجل الحصول علي ترخيص نبوي بالقول المخالف للحق بغية الوصول إلي مصلحة إسلامية لا تتحقق إلا من هذا الطريق، فجاء الإذن الشريف بأن يقولوا ما يشاؤون بهدف الوصول إلي تلك المصلحة. ومنه يعلم صحة ما مر سابقا بأن التقية كما قد تكون بدافع الإكراه، قد تكون أيضا بغيره، كما لو كان الدافع إليها غاية نبيلة ومصلحة عالية. ونظير هذا الحديث بالضبط ما رواه أحمد في مسنده، والطبري، وعبد الرزاق، وأبو يعلي، والطبراني وغيرهم من حديث الصحابي الحجاج بن علاط السلمي وقصته بعد فتح خيبر، إذ استأذن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، أن يذهب إلي مكة لجمع أمواله من مشركي قريش علي أن يسمح له النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن يقول شيئا يسر المشركين، فأذن له النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم، وفعلا قد ذهب إلي مكة ولما قرب منها رأي رجالا من المشركين يتسمعون الأخبار ليعرفوا ما انتهي إليه مصير المسلمين في غزوتهم [ صفحه 66] الجديدة (خيبر). فسألوا ابن علاط عن ذلك - ولم يعلموا بإسلامه - فقال لهم: (وعندي من الخبر ما يسركم)! قال: (فالتاطوا بجنبي ناقتي يقولون: إيه يا حجاج! قال: قلت: هزموا هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط)!! ثم أخذ يعدد لهم كيف أن اليهود تمكنوا من قتل المسلمين، وتتبع فلولهم، وأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقع أسيرا بأيديهم، وأنهم أجمعوا علي أن يبعثوه مقيدا بالحديد إلي قريش ليقتلوه بأيديهم وبين أظهرهم!!!. هذا مع علمه علم اليقين كيف قلع أمير المؤمنين عليه السلام باب خيبر، وكيف دكت حصون اليهود وولوا الدبر، لكنه أراد بهذا أن يجمع أمواله من المشركين علي أحسن ما يرام، وقد تم له ذلك بفضل التقية التي شهد فصولها حينذاك العباس عم النبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي اغتم أولا ثم استر بعد أن سره ابن علاط بحقيقة الخبر [136] .

حديث الرفع المشهور

صلة الحديث بالتقية

يتصل حديث الرفع بالتقية من جهتين، وقد تضمنهما الحديث نفسه، وهما: الأولي: اشتماله علي عبارة (وما أكرهوا عليه)، والتقية غالبا ما تكون [ صفحه 67] بإكراه، وقد بينا سابقا صلة الإكراه بالتقية، ونتيجة لتلك الصلة فقد علم جميع المفسرين بلا استثناء دلالة قوله تعالي: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) علي جواز التقية في الإسلام ولم يناقش أحد منهم في ذلك. الثانية: اشتمال الحديث - في بعض مصادره - علي عبارة (وما اضطروا إليه)، وقد تبين سابقا أن من الاضطرار ما يكون بغير سوء الاختيار، وأن من أسبابه هو فعل الغير كما في الإكراه. كما تبين في أركان الإكراه ما يدل علي أن الإكراه الذي لا يضطر معه المكره إلي ارتكاب المحظور لا تجوز معه التقية إذ لم يعد الإكراه إكراها في الواقع لفقدانه أحد أركانه، فيكون إكراها ناقصا بخلاف التام الذي يولد اضطرارا أكيدا للمكره، وإذا اتضح هذا اتضحت صلة العبارة بالتقية. ومما يقطع النزاع بتلك الصلة حديث الإمام الصادق عليه السلام: إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره واضطر إليه [137] ، علي أن لهاتين العبارتين آثارهما الواضحة في إدخال التقية في موارد كثيرة في فروع الفقه مع عدم ترتب آثارها الواقعية بفضل هاتين العبارتين من قبيل صحة التقية في طلاق المكره مع الحكم بعدم وقوع الطلاق، وصحتها في بيع المكره ولكن مع فساد البيع وهكذا الحال في العتق والمباراة والخلع وغيرها كثير. وزيادة علي ذلك نورد ما قاله الشيخ الأنصاري في بحث التقية، قال: (ثم الواجب منها يبيح كل محظور من فعل الواجب وترك المحرم. والأصل في ذلك أدلة نفي الضرر، وحديث: رفع عن أمتي تسعة أشياء، ومنها: وما اضطروا إليه..) [138] وواضح من هذا الكلام صلة القواعد الفقهية [ صفحه 68] الخاصة بإزالة الضرر بالتقية كما أشرنا إليه سابقا، كقاعدة لا ضرر وغيرها. وأما عن أصل الحديث ومصادره فهو معروف لدي الفريقين، فقد أخرجه العامة بلفظ: رفع الله من أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه [139] . وعده السيوطي من الأحاديث المشهورة [140] وصرح ابن العربي المالكي باتفاق العلماء علي صحة معناه فقال عند قوله تعالي: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان): (لما سمح الله تعالي في الكفر به.. عند الإكراه ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به، ولا يترتب حكم عليه، وعليه جاء الأثر المشهور عند الفقهاء: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، - إلي أن قال عن حديث الرفع -: (فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء) [141] . والحديث المذكور رواه الصدوق في كتاب التوحيد بسنده عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بلفظ: رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطروا إليه، والحسد،والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة [142] . وأورده مسندا في (الخصال)، مع تقديم كلمة (وما لا يعلمون) علي [ صفحه 69] (وما لا يطيقون) [143] . وأرسله في (الفقيه) بهذه الصورة: وضع عن أمتي تسعة أشياء: السهو، والخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، والطيرة، والحسد، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة [144] . كما أورده الشيخ الحر في (الوسائل)، تارة عن الصدوق [145] ، وأخري عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي [146] . وهذا الحديث الذي تحدث عنه علماء الأصول من الشيعة الإمامية في صفحات عديدة في باب البراءة من الأصول العملية، صريح برفع المؤاخذة عن المكره. وقد نص القرآن الكريم في أكثر من آية علي ذلك، وهذا يدل علي صحة ما تضمنه الحديث حتي مع فرض عدم صحته في نفسه، ومن بين تلك الآيات زيادة علي ما مر، قوله تعالي: (ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) [147] . [ صفحه 70] ومن هنا درأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الحد عن امرأة زنت كرها في عهده الشريف، وأمر بإقامة الحد علي من استكرهها [148] . وقد مر فيما سبق وحدة الملاك بين الإكراه والتقية في بعض صورها، مما يعني أن دلالة حديث الرفع علي مشروعية التقية لا لبس فيه ولا خفاء. ونكتفي بهذا القدر من الأحاديث المروية عن النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم، في أصح كتب الحديث عند العامة، لننتقل بعد ذلك إلي تراث النبي الكريم صلي الله عليه وآله وسلم الذي حفظه أهل بيته عليهم السلام - وأهل البيت أدري بالذي فيه - لنقتطف منه جزءا يسيرا من أحاديث التقية المروية في كتب الحديث عند شيعتهم، سيما وقد علم الكل كيف أينعت مفاهيم الشريعة علي أيديهم عليهم السلام، وكيف أغدقت علومهم بفاكهة القرآن، لأنهم صنوه الذي لن يفارقه حتي يردا علي النبي الحوض [149] ، وكيف فاح عطر الإيمان وأريج الحق من بيوتهم التي أذن الله لها أن ترفع ويذكر فيها اسمه. فنقول:

احاديث أهل البيت في التقية

اشاره

إن الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام في التقية كثيرة وقد بلغ رواتها الثقات عددا يزيد علي الحد المطلوب في التواتر، وفي تلك الأحاديث تفصيلات كثيرة تضمنت فوائد التقية، وأهميتها، وكيفياتها، وموارد حرمتها، مع الكثير من أحكامها فيما يزيد علي أكثر من ثلاثمائة حديث تجدها مجموعة في كتب الحديث المتأخرة كوسائل الشيعة [ صفحه 71] ومستدركه، وجامع أحاديث الشيعة وذلك في أبواب كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن هنا أصبحت دراستها في بحث مختصر كهذا متعذرة، بل حتي الاكتفاء بعرض نصوصها كذلك أيضا، ولما لم نجد بدا من التعرض السريع إليها ارتأينا جمع ما اشترك منها في معني واحد تحت عنوان واحد، ومن ثم الاستدلال علي ذلك العنوان ببعض أحاديثه لا كلها سيما وأن القدر المشترك في أحاديث كل عنوان يبلغ حد التواتر المعنوي، وقد اكتفينا ببعض العناوين المهمة وتركنا الكثير منها، إذ لم يكن الهدف سوي وضع صورة مصغرة عن التقية في الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام، وبالنحو الآتي:

الاحاديث المستنبطة جواز التقية من القرآن الكريم

هناك جملة وافرة من الأحاديث التي فسرت بعض الآيات القرآنية بالتقية، نذكر منها: 1 - عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق عليه السلام، في قول الله تعالي: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) قال: بما صبروا علي التقية(ويدرؤن بالحسنة السيئة) [150] قال: الحسنة: التقية، والسيئة: الإذاعة [151] . 2 - وعنه عليه السلام في قوله تعالي: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) قال: الحسنة: التقية، والسيئة: الإذاعة. وقوله عز وجل: (إدفع بالتي هي أحسن)... قال: التي هي أحسن: التقية - ثم قرأ عليه السلام -: (فإذا الذي بينك [ صفحه 72] وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [152] . ولا يخفي: أن تفسير الحسنة بالتقية، والسيئة بالإذاعة، هو من باب تفسير الشئ ببعض مصاديقه، وهذا مما لا ينكر، فلو توقف مثلا صون دم مسلم علي التقية فلا شك في كونها حسنة، بل من أعظم القربات، وأما لو ترتب علي الإذاعة سفك دم حرام، فلا ريب بعد الإذاعة سيئة بل من أعظم الموبقات. هذا، وقد تجد في هذا النمط من الروايات ما يدل علي عمق تاريخ التقية في الحياة البشرية، باعتبارها المنفذ الوحيد المؤدي إلي سلامة الإنسان إزاء ما يعرضه للفناء، أو يقف حجرا في طريق المصالح المشروعة، كما حصل ذلك لبعض الأنبياء عليهم السلام، ومن تلك الروايات: عن أبي بصير، قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: التقية من دين الله، قلت: من دين الله؟ قال: إي والله من دين الله، ولقد قال يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون) [153] والله ما كانوا سرقوا شيئا. ولقد قال إبراهيم عليه السلام: (إني سقيم) [154] والله ما كان سقيما [155] . ومما يجب التنبيه عليه هنا، هو أن تقية يوسف عليه السلام إنما هي من جهة قول المؤذن الآتي، الذي صحت نسبته إلي يوسف عليه السلام باعتبار علمه به مع تهيئة مقدماته. [ صفحه 73] فانظر إلي قوله تعالي: (ولما دخلوا علي يوسف آوي إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون - فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فيرحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون) [156] . ستعلم أن قول المؤذن كان بتدبير يوسف عليه السلام وعلمه، وهو لم يكذب عليه السلام، لأن أصحاب العير كانوا قد سرقوه من أبيه وألقوه في غيابات الجب حسدا منهم وبغيا. ومما يدل علي صدق يوسف عليه السلام أن إخوته لما قالوا له بعد ذلك: (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه) [157] لم يقل عليه السلام لهم بأنا لا نأخذ إلا من سرق متاعنا، بل قال لهم: (معاذ الله أن نأخذ إلا منوجدنا متاعنا عنده..) [158] . وبالجملة فإن تقية النبي يوسف عليه السلام إنما هي من جهة ظهوره بمظهر من لا يعرف حال إخوته مع إخفاء الحقيقة عنهم مستخدما التورية في حبس أخيه. وعليه تكون تقيته هنا ليست من باب الأحكام وتبليغ الرسالة حتي يزعم عدم جوازها عليه، بل كانت لأجل تحقيق بعض المصالح العاجلة كاحتفاظه بأخيه بنيامين، والآجلة كما يكشف عنها قوله لهم بعد إن جاءوا من البدو: (أدخلوامصر إن شاء الله آمنين) [159] . وجدير بالذكر أن البخاري قد أخرج في صحيحه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم - من طريقين - أنه قال:.. ولو لبثت في السجن ما لبث [ صفحه 74] يوسف لأجبت الداعي [160] !! ولا أعلم فرية تجوز علي أشرف الأنبياء والرسل صلي الله عليه وآله وسلم التقية في ارتكاب ما أبي عنه يوسف عليه السلام واستعصم فيما لو جعل صلي الله عليه وآله وسلم مكانه عليه السلام من هذه الفرية التي ليس بها مرية. هذا، وأما عن تقية إبراهيم عليه السلام، فهي نظير تقية يوسف عليه السلام، وذلك باعتبار أنه أخفي حاله وأظهر غيره بهدف تحقيق بعض المصالح العالية التي تصب في خدمة دعوة أبي الأنبياء عليه السلام إلي التوحيد ونبذ الشرك، مثل تكسير الأصنام وتحطيمها، وليس في قوله: (إني سقيم) أدني كذب، لأنه وري عما سيؤول إليه حاله مستقبلا، بمعني أنه سيسقم بالموت، فتكون تقيته عليه السلام في موضوع لا في حكم حتي يتأمل فيها. ومن هنا كانت كلمة أهل البيت عليهم السلام قاطعة في صدق إبراهيم عليه السلام في تقيته. ولكن أبي البخاري إلا أن يكذب إبراهيم عليه السلام، فقد أخرج في صحيحه من طريقين عن أبي هريرة نفسه عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثا وفي لفظ آخر: لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات [161] . ولم يكتف البخاري بهذا، بل أخرج بسنده عن أبي هريرة نفسه عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: (.. إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد... فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من الأرض إشفع لنا إلي ربك، فيقول - فذكر كذباته -: نفسي، نفسي، اذهبوا إلي موسي). [ صفحه 75] ثم قال البخاري: (تابعه أنس عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم) [162] !! أقول: معاذ الله أن نصدق بهذه الأكاذيب وإن قالوا بوثاقة رواتها!، وكيف لا نكذبهم وقد رموا من قد رفع الله محله، وأرسله من خلقه رحمة للعالمين وحجة للمجتهدين؟ وفي هذا الصدد قال الفخر الرازي في تفسيره عن خبر أبي هريرة: (ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات) قال: (قلت لبعضهم: هذا الحديث لا ينبغي أن يقبل، لأن نسبة الكذب إلي إبراهيم عليه السلام لا تجوز، وقال ذلك الرجل: فكيف يحكم بكذب الرواة العدول؟ فقلت: لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلي الراوي وبين نسبته إلي الخليل عليه السلام، كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إليالراوي أولي) [163] .

الاحاديث الدالة علي أن التقية من الدين

دلت جملة من الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام بأن التقية من دين الله عز وجل ومن الإيمان وأن من يتركها في موارد وجوبها فهو غير مكتمل التفقه في الدين، من ذلك: 1 - عن أبي عمر الأعجمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يا أبا عمر، إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له [164] . وهذا الحديث لا شك فيه، فهو ناظر من جهة إلي كثرة ما يبتلي به المؤمن في دينه ولا يخرج من ذلك إلا بالتقية خصوصا إذا كان في مجتمع يسود أهله الباطل. [ صفحه 76] ومن جهة أخري إلي قلة أنصار الحق وكثرة أدعياء الباطل حتي لكأن الحق عشر، والباطل تسعة أعشار، وعليه فلا بد لأهل الحق من مماشاة أهل الباطل في حال ظهور دولتهم ليسلموا من بطشهم. علي أن وصف الحق بالقلة والباطل بالكثرة وكذلك أهلهما صرح به القرآن الكريم في أكثر من آية، كقوله تعالي: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) [165] وقوله تعالي: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) [166] . كما أن الحديث لا يدل علي نفي الدين عمن لا يتقي بل يدل بقرينة أحاديث أخر أنه غير مكتمل التفقه، بل ليس فقيها في دينه، وهكذا في فهم نظائره الآخر. ومما يدل عليه ما رواه عبد الله بن عطاء قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: رجلان من أهل الكوفة أخذا، فقيل لأحدهما: أبرأ من أمير المؤمنين، فبرئ واحد منهما وأبي الآخر، فخلي سبيل الذي برئ وقتل الآخر؟ فقال عليه السلام: أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه، وأما الذي لم يبرأفرجل تعجل إلي الجنة [167] . هذا، ولا يمنع أن يكون الحديث دالا أيضا علي سلب الإيمان والدين حقيقة ممن لا يتقي في موارد وجوب التقية عليه، كما لو أكره مثلا علي أن يعطي مبلغا زهيدا، وإلا عرض نفسه إلي القتل، فامتنع حتي قتل، فهذا لا شك أنه من إلقاء النفس بالتهلكة، وقد مر تصريح علماء العامة بأن مصير [ صفحه 77] مثل هذا يكون في جهنم، ومن غير المعقول أن تكون جهنم مأوي المؤمن المتدين، بل هي مأوي الكافرين والمنافقين وأمثالهم. ونظير هذا الحديث: 2 - عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قال أبو جعفرعليه السلام: التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له [168] . 3 - عن أبان بن عثمان عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لا دين لمنلا تقية له، ولا إيمان لمن لا ورع له [169] . 4 - عن عبد الله بن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: اتقواعلي دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له [170] .

الاحاديث الواردة في بيان أهمية التقية

وصفت التقية في جملة من الأحاديث بأنها ترس المؤمن، وحرزه، وجنته، وإنها حصنه الحصين ونحو هذه العبارات الكاشفة عن أهمية التقية. وربما قد يستفاد من ذلك الوصف والتشبيه وجوبها في موارد الخوف أحيانا، فكما أن استتار المؤمن - في سوح الوغي - بالترس من ضرب السيوف وطعن الرماح قد يكون واجبا أحيانا، فكذلك استتاره بالتقية في موارد الخوف لحفظ النفس من التلف، ومن هذه الأحاديث: 1 - عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التقيةترس المؤمن، والتقية حرز المؤمن [171] . 2 - عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام [ صفحه 78] يقول: وأي شئ أقر لعيني من التقية؟ إن التقية جنة المؤمن [172] . 3 - وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال للمفضل: إذا عملت بالتقية لم يقدروا في ذلك علي حيلة، وهو الحصن الحصين وصار بينك وبين أعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا [173] . رابعا: الأحاديث الدالة علي عدم جواز ترك التقية عند وجوبها: 1 - من مسائل داود الصرمي للإمام الجواد عليه السلام قال: قال لي: يا داود، لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا [174] . 2 - أورد الشيخ الطوسي في أماليه بسنده عن الإمام الصادق عليه السلامأنه قال: ليس منا من لم يلزم التقية ويصوننا عن سفلة الرعية [175] . 3 - وعن أمير المؤمنين عليه السلام: التقية من أفضل أعمال المؤمنيصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين [176] .

الاحاديث الدالة علي أن التقية في كل ضرورة، و أنها تقدر بقدرها و تحرم مع عدمها، مع بعض مستثنياتها

1 - ما رواه زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة [ صفحه 79] وصاحبها أعلم بها حين تنزل به [177] . 2 - وعن إسماعيل الجعفي، ومعمر بن يحيي بن سام، ومحمد بن مسلم، وزرارة كلهم قالوا: (سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول: التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له) [178] . 3 - وعن أبي عمر الأعجمي، عن الصادق عليه السلام أنه قال:... والتقية في كل شئ إلا في النبيذ والمسح علي الخفين [179] . 4 - وفي مضمر زرارة، قال: (قلت له: في مسح الخفين تقية؟ فقال:ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج) [180] . . وأورده الصدوق بلفظ: (وقال العالم عليه السلام) [181] ولا أثر لهذا الإضمار والوصف في تحديد اسم القائل علي حجية الخبر، لأن قرينة (عليه السلام) كافية في تعيين كونه من الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، وهو في المورد المذكور مردد بين الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام. هذا، وقد حمل زرارة المنع عن استخدام التقية في المسكر، ومسح الخفين، ومتعة الحج علي شخص الإمام عليه السلام، لأنه قال في ذيل الحديث برواية الكافي: (ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا)، فلاحظ. [ صفحه 80] وقد يكون السبب أن هذه الأمور الثلاثة مما هي معلومة جدا من مذهبه عليه السلام، وإن التقية فيها لا تجدي نفعا لأن كل من عاصر الإمام الصادق عليه السلام يعلم رأيه في هذه الثلاثة، فلا حاجة لأن يتقي فيهن أحدا. 5 - وفي حديث آخر بالغ الأهمية مع علو إسناده وصحته، عن مسعدة ابن صدقة قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وسئل عن إيمان من يلزمنا حقه وإخوته كيف هو وبما يثبت وبما يبطل؟ فقال عليه السلام: إن الإيمان قد يتخذ علي وجهين: أما أحدهما: فهو الذي يظهر لك من صاحبك، فإذا ظهر لك منه مثل الذي تقول به أنت، حقت ولايته وأخوته إلا أن يجئ منه نقض للذي وصف من نفسه وأظهره لك، فإن جاء منه ما تستدل به علي نقض الذي أظهر لك، خرج عندك مما وصف لك وأظهر، وكان لما أظهر لك ناقضا إلا أن يدعي أنه إنما عمل ذلك تقية، ومع ذلك ينظر فيه: فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله، لم يقبل منه ذلك، لأن للتقية مواضع، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له. وتفسير ما يتقي مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم علي غير حكم الحق وفعله، فكل شئ يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلي الفساد في الدين فإنه جائز [182] .

الاحاديث الدالة علي حرمة استخدام التقية في الدماء

1 - عن محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية [183] . [ صفحه 81] 2 - وعن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الصادق عليه السلام:... إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية [184] . وجدير بالذكر، إن بعض فقهاء العامة جوز التقية في الدماء وهتك الأعراض كما سيوافيك مفصلا في محله من هذا الكتاب إن شاء الله تعالي.

الاحاديث المبينة لحكم التقية في بعض الموارد

اشاره

ونذكر من هذه الموارد ما يأتي:

ما دل علي مخالطة أهل الباطل و مداراتهم بالتقية

أ - عن إسماعيل بن جابر، وإسماعيل بن مخلد السراج، كلاهما عن الإمام الصادق عليه السلام، في رسالته الي أصحابه: وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، وإياكم ومماظتهم، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام، فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكموبينهم.. [185] . ب - وعن هشام الكندي، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: إياكم أن تعملوا عملا يعيرونا به، فإن ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا ولا تكونوا عليه شينا، صلوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلي شئ من الخير فأنتم أولي به منهم، والله ما عبد الله بشئ أحب إليه من الخب ء. [ صفحه 82] قلت: وما الخب ء؟ قال: التقية [186] . ج - وعن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: خالطوهمبالبرانية، وخالفوهم بالجوانية إذا كانت الإمرة صبيانية [187] . وقد مر هذا المعني أيضا في رواية الشيخ المفيد في أماليه بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم. كما مر أيضا ما روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في كتب العامة، أنه صلي الله عليه وآله وسلم قال: كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة؟ وشبك بين أصابعه، قالوا: كيف نصنع؟ قال: اصبرواوخالطوا الناس بأخلاقهم، وخالفوهم في أعمالهم [188] . وقد مر في حديث مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام ما يدل عليه. وبالجملة، فإن مخالطة أهل الباطل عند غلبتهم ضرورة لا بد منها وقد نهجها من قبل مؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف كما مر في الأدلة القرآنية، فراجع.

ما دل علي عدم الحنث والكفارة علي من حلف تقية

ويدل عليه ما رواه الأعمش، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ... واستعمال التقية في دار التقية واجب، ولا حنث ولا كفارة علي من [ صفحه 83] حلف تقية يدفع بذلك ظلما عن نفسه [189] . أقول: سيأتي إن شاء الله تعالي جواز الحلف تقية عند العامة ولا أثر يترتب عليه عندهم.

ما دل علي حكم التقية في شرب الخمر

عن درست بن منصور، قال: (كنت عند أبي الحسن موسي عليه السلام، وعنده الكميت بن زيد، فقال للكميت: أنت الذي تقول: فالآن صرت إلي أمية - والأمور لها مصائر؟ قال: قلت ذاك، والله ما رجعت عن إيماني، وإني لكم لموال، ولعدوكم لقال، ولكني قلته علي التقية.قال: أما لئن قلت ذلك، إن التقية تجوز في شرب الخمر [190] . وقد فسر هذا الحديث عند بعضهم بعدم جواز التقية في شرب الخمر، بتقريب: إن الإمام عليه السلام لم يقتنع بعذر الكميت، وأجابه: بأن باب التقية لو كان واسعا بهذه السعة لجازت التقية حتي في شرب الخمر! ومعني هذا أنه لا تجوز التقيةفيه [191] . ولكن في هذا التفسير تأمل، لأن اللام في قوله عليه السلام (لئن قلت هذا...) هي اللام الموطئة للقسم و (إن) شرطية، وجواب الشرط محذوف يمكن تقديره بالإباحة أي: والله لئن قلت ذلك فهو مباح لك أن تقول مثل هذا القول الباطل المحرم كما أبيح شرب الخمر تقية علي عظمة حرمته. [ صفحه 84] وبهذا تكون جملة: (إن التقية تجوز في شرب الخمر) جملة ابتدائية لا صلة لها بجواب الشرط، ويدل عليه عدم اقترانها بالرابط. وأما لو وجد الرابط، لكان جواب القسم الذي سد مسد جواب الشرط هو (فأن التقية تجوز في شرب الخمر) وعندها سيكون المعني علي طبق التفسير المتقدم. والحق: إن مسألة تحريم التقية في شرب الخمر وإن لم تثبت بهذه الرواية، لإمكان الخدش في دلالتها، إلا أنه يمكن الاستدلال بروايات أخر علي التحريم. كرواية الصدوق في (الخصال) في حديث الأربعمائة، بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: ليس في شرب المسكر والمسح علي الخفين تقية. ورواية (دعائم الإسلام) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: التقية ديني ودين آبائي إلا في ثلاث: في شرب المسكر، والمسح علي الخفين، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وفي (فقه الإمام الرضا عليه السلام)، عن العالم عليه السلام: ولا تقية في شرب الخمر، ولا المسح علي الخفين، ولا تمسح علي جوربك إلا من عدو أو ثلج تخاف علي رجليك. وفي (الهداية) للصدوق: ولا تقية في ثلاث أشياء: شرب المسكر، والمسح علي الخفين، ومتعة الحج [192] ، والمعروف أن فتاوي الصدوق في سائر كتبه منتزعة من نصوص الأخبار. ومن كل ما تقدم يعلم عدم صحة تأويل زرارة المتقدم، لعدم تقييد [ صفحه 85] النهي في هذه الأخبار بشخص المعصوم عليه السلام. هذا فيما إذا كان الإكراه علي شرب الخمر بما دون القتل، وأما مع القتل فلا شك في جوازه عندهم.

ما دل علي جواز إظهار كلمة الكفر تقية

وقد مر ما يدل عليها في الدليل القرآني، وأما من الحديث فيدل عليه ما رواه مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل ذكر فيه قصة عمار بن ياسر وقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم لعمار: يا عمار، إن عادوا فعد [193] .

ما دل علي جواز التقية في الوضوء البدعي

ويدل عليه ما أخرجه العياشي بسنده عن صفوان، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في غسل اليدين، قال: (قلت له: يرد الشعر؟ فقال عليه السلام: إنكان عنده آخر فعل وإلا فلا) [194] . والمراد ب (الآخر) هو من يتقي شره، وأما رد الشعر، فهو كناية لطيفة عن الوضوء البدعي المنكوس، لأن رد الشعر من لوازمه. أقول: لا يخفي علي الفطن ما في هذا الحديث من دلالة واضحة علي إنشائه تقية فضلا عن كونه في التقية، إذ كان السائل فيه لبقا وحذرا فجاء بالكناية المعبرة عن مراده، كما كان الإمام عليه السلام حذرا في جوابه إذ جاء تجويز الوضوء المنكوس تقية بلفظ متسق مع طبيعة السؤال من غير تصريح، وهذا يكشف عن كون السؤال والجواب كانا في محضر من يتقي شره. [ صفحه 86]

الاجماع و دليل العقل

الاجماع

اشاره

يعتبر الإجماع - في أصح أقوال المسلمين - أداة كاشفة عن وجود دليل متين وقويم كآية من كتاب الله عز وجل أو حديث شريف ينطق بالحكم المجمع عليه، وإن اعتبره فريق منهم دليلا قائما بنفسه تماما كالكتاب والسنة، وهو بهذا المعني يستحيل في حقه الخطأ ويكون معصوما كعصمة الكتاب والسنة المطهرة، وأن من رد عليه هو كمن رد قول الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلي الله عليه وآله وسلم. ومع هذا فلم يختلف اثنان من المسلمين في أن أهم مصادر التشريع في الإسلام هما: القرآن الكريم، والسنة المطهرة القطعية، وأنه لا يوجد مصدر تشريعي آخر يبلغ شأنهما في الحجية. والحق، أن ما تقدم من أدلة التقية يغني عما سواه، خصوصا مع اتفاق المفسرين والمحدثين علي عدم وجود الناسخ لتلك الأدلة، مع انعدام الشك في ما دلت عليه من جواز التقية عند الخوف الشخصي أو النوعي، ولهذا لم يناقش أحد منهم في ذلك، وعليه سيكون الحديث عن الإجماع علي مشروعية التقية حديثا زائدا عند من لا يراه دليلا مستقلا وقائما بنفسه. ولهذا سنكتفي بقول من يراه دليلا مستقلا كالكتاب والسنة، إذ سيكون ذلك أبلغ في دحض حجة كون التقية نفاقا كما يزعم بعض أتباع القول باستقلالية الإجماع الذي ادعاه غير واحد من علماء العامة كما يفهم من [ صفحه 87] أقوالهم وإليك نموذجا منها:

ما قاله الجصاص الحنفي

1 - قال أبو بكر الجصاص الحنفي (ت / 370 ه): (ومن امتنع من المباح كان قاتلا نفسه متلفا لها عند جميع أهل العلم) [195] .

ما قاله ابن العربي المالكي

2 - ابن العربي المالكي (ت / 543 ه) ذكر في كلامه عن حديث الرفع - كما مر - اتفاق العلماء علي صحة معناه، وأنهم حملوا فروع الشريعة عليه وهذا يكشف عن إجماعهم علي أن ما استكره عليه الإنسان فهو له، وهذا هومعني التقية [196] .

ما قاله المقدسي الحنبلي

3 - عبد الرحمن المقدسي الحنبلي (ت / 624 ه) قال: (أجمع العلماء علي إباحة الأكل من الميتة للمضطر وكذلك سائر المحرمات التي لا تزيل العقل) [197] . والإكراه داخل في المفهوم العام للضرورة كما سبق التأكيد عليه، كما أن الاضطرار إلي أكل الميتة كما قد يكون بسبب المخمصة، فقد يكون بسبب الإكراه من ظالم أيضا.

ما قاله القرطبي المالكي

4 - القرطبي المالكي (ت / 671 ه) قال: (أجمع أهل العلم علي أن من أكره علي الكفر حتي خشي علي نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئنبالإيمان) [198] .

ما قاله ابن كثير الشافعي

5 - ابن كثير الشافعي (ت / 774 ه) قال: (اتفق العلماء علي أن المكره [ صفحه 88] علي الكفر يجوز له أن يوالي أيضا لمهجته، ويجوز له أن يأبي) [199] .

ما قاله ابن حجر العسقلاني الشافعي

6 - ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت / 852 ه) قال: (قال ابن بطال - تبعا لابن المنذر -: أجمعوا علي أن من أكره علي الكفر حتي خشي علي نفسهالقتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، أنه لا يحكم عليه بالكفر) [200] .

ما قاله الشوكاني

7 - الشوكاني (ت / 1250 ه) قال: (أجمع أهل العلم علي أن من أكره علي الكفر حتي خشي علي نفسه القتل، إنه لا إثم عليه إن كفر وقلبهمطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر) [201] .

ما قاله جمال الدين القاسمي

8 - جمال الدين القاسمي الشامي (ت / 1332 ه) قال: (ومن هذه الآية: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف، وقد نقل الإجماع علي جوازها عند ذلك الإمام مرتضي اليماني) [202] .

الدليل العقلي

اشاره

وأما عن الدليل العقلي، فالواقع إنه لم يكن للعقل البشري صلاحية الاستقلال بالحكم عند جميع المسلمين بما في ذلك المعتزلة، إذ لم يثبت عنهم اعتبار العقل حاكما في المقام وتقديمه علي حكم الشرع [203] ، [ صفحه 89] والصحيح من الأقوال: إنه الطريق الموصل إلي العلم القطعي، والسبيل إلي معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار [204] . فالعقول وإن كان لها قابلية الادراك، إلا أن إدراكها يتناول الكليات ولا يتعدي إلي الجزيئات والفروع التي تحتاج إلي نص خاص بها، وهذا لا يمنع من أن يدرك العقل السليم خصائص كثيرة في تفسير النصوص بشرط أن لا يكون خاضعا لتأثيرات أخري تصده عن الوصول إلي الواقع، كما لو ناقش في الأوليات والبديهيات ولم يفرق بين قبح الظلم وحسن العدل مثلا. كما لا يمنع أيضا من أن يستقل ببعض الأحكام، إذ لو عزل العقل عن الحكم لهدم أساس الشريعة، غير أنه لا يتعرض للتفاصيل والأشياء الخارجية ولا يتخذ منها موضوعات لأحكامه، وإنما يحكم بأمور كلية عامة كما مر. فهو مثلا لا يحكم بوجوب الصوم والصلاة، وإنما يحكم بإطاعة الشارع المقدس وامتثال أوامره التي منها الأمر بالصوم والصلاة. وهو لا يتعرض للبيع والإجارة والزواج والطلاق، بل يقر كل ما يصلح الجميع ويحفظ النظام العام. وهو لا يحلل هذا أو يحرم ذاك، وإنما يحكم بقبح العقاب بلا بيان، وبوجوب دفع الضرر عن النفس، وبحرمة إدخاله علي الغير. فالعقل له القدرة في أن يحكم بهذه الكليات العامة وما إليها حكما [ صفحه 90] مستقلا، حتي وإن لم يرد فيها نص شرعي، ونحن نكتشفها ونطبقها علي مواردها دون أية واسطة. وأما ما جاء في لسان الشارع من الأحكام في الموارد التي استقل العقل بها فمحمول علي الإرشاد والتأكيد لحكم العقل، لا علي التأسيس والتجديد، ومن هذه الموارد:

حكم العقل بالاحتياط

كما لو كان لديك إناءان: أحدهما طاهر، والآخر نجس، ولم تستطع التمييز بينهما، أو تيقنت أنه قد فاتك فرض العشاء أو المغرب ولم تميز أحدهما. ففي مثل هذا الحال يحكم العقل بوجوب الاحتياط باجتناب الإنائين في المثال الأول، وبأداء الصلاتين في المثال الثاني. ولهذا اشتهر عن الفقهاء قولهم: (العلم باشتغال الذمة يستدعي العلم بفراغها).

حكم العقل البراءة

كما لو كانت هناك قضية لدي الفقيه لا يعرف حكمها هل هو الفعل أو الترك؟ بعد أن استفرغ ما في وسعه للبحث عنها في جميع أدلة الأحكام، ومع هذا لم يجد شيئا في خصوص تلك القضية. فهنا يلجأ الفقيه إلي العقل الذي يحكم في مثل هذه الحالة التي لم يصل بها بيان من الشارع بقبح العقاب بلا بيان، وبناء علي هذه القاعدة العقلية يحكم الفقيه بجواز الأمرين: الفعل والترك. ومن هنا يتضح أن الفرق بين الاحتياط والبراءة العقليين، هو أن مورد الاحتياط هو الشك في المكلف به بعد العلم بوجود التكليف، ومورد البراءة هو الشك في أصل وجود التكليف.

حكم العقل بدفع الضرر

قسم الفقهاء الضرر علي قسمين، وهما: الضرر الدنيوي كالمتعلق بالنفس والعرض والمال، والضرر الأخروي كالعقاب علي مخالفة الشارع. [ صفحه 91] والواقع، إن وجوب دفع الضرر لا ينكره إلا الجاهل الغبي، لأنه من أحكام الفطرة التي فطرت عليها النفوس، ومن ينكر ذلك فهو أقل رتبة من الحيوانات التي تعرف ذلك بفطرتها، ألا تري أنها تنفر من الضرر وتسعي إلي النفع بفطرتها دون توسط حكم العقل بالحسن والقبح؟ إن هذه القاعدة قاعدة التحسين والتقبيح العقليين اعتني بها المتكلمون كثيرا، وأما علماء الأصول فهم وإن لم يخصصوا لها بابا مستقلا، إلا أنهم تكلموا عنها استطرادا في مباحث الظن والاحتياط والبراءة، وتتلخص أقوالهم بأن الضرر إما أن يكون دنيويا، أو أخرويا، وكل منهما إما أن يكون معلوم الوقوع أو مظنونا أو محتملا. أما الضرر المعلوم، فإن العقل يحكم بوجوب دفعه مهما كان نوعه. وأما المظنون والمحتمل، فإن كان أخرويا، وكان ناشئا عن العلم بوجود التكليف والشك في المكلف به، فهو واجب الدفع، لأنه يعود إلي وجوب الإطاعة فيدخل في باب الاحتياط. وإن كان الخوف من الضرر الأخروي ناشئا من الشك في أصل وجود التكليف، فالعقل لا يحكم بوجوب الدفع، لوجود المؤمن العقلي وهو قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) أي: إن عدم البيان أمان من العقاب، كما في قوله تعالي: (وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا) [205] زيادة علي حديث الرفع المشهور كما تقدم، وحديث السعة في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال:.. هم في سعة حتي يعلموا [206] وقول الإمام الصادق عليه السلام: [ صفحه 92] كل شئ مطلق حتي يرد فيه نهي [207] ، وقوله عليه السلام: كل شئ مطلق حتي يرد فيه نص [208] ، وهذا يعني دخوله في باب البراءة. أما الضرر الدنيوي المظنون والمحتمل، فإن العقل يحكم بوجوب دفعه ولا فرق بينه وبين الضرر المعلوم من هذه الجهة، لأن الإقدام علي ما لا يؤمن معه الضرر قبيح عقلا. فأي منا مثلا إذا تردد عنده سائل موجود في إناء بين كونه سما أو ماء ولا يحكم عقله بوجوب اجتناب ذلك السائل؟ والخلاصة: إن الضرر الدنيوي يحكم العقل بوجوب الابتعاد عنه معلوما كان أو مظنونا أو محتملا [209] . وواضح أن الاستدلال بالعقل علي مشروعية التقية، إنما هو من جهة حرص العاقل علي حفظ نفسه من التلف، بل ومن كل ما يهدد كيانه بالخطر، أو يعرض شرفه إلي الانتهاك، أو أمواله إلي الضياع. والتقية ما هي إلا وسيلة وقائية لحفظ هذه الأمور وصيانتها عندما يستوجب الأمر ذلك، علي أن لا يؤدي استخدامها إلي فساد في الدين أو المجتمع كما لو أبيحت في الدماء مثلا. [ صفحه 93]

اقسام التقية و أهميتها والفرق بينها و بين النفاق

اقسام التقية

اشاره

للتقية أقسام متعددة باعتبارات وحيثيات مختلفة، ولهذا سوف نتناول تلك الأقسام بثلاثة اعتبارات، وهي: أولا: باعتبار الحكم. ثانيا: باعتبار الأركان. ثالثا: باعتبار الأهداف والغايات. وجدير بالذكر هو ما اعتاده الفقهاء في بحث التقية - بلحاظ حكمها - من تناولهم لها تارة: باعتبار حكمها التكليفي، وأخري باعتبار حكمها الوضعي، ونظرا لتعلق الأول منهما بأقسام التقية دون الثاني المختص ببيان ما يترتب عليه من الصحة والبطلان، لذا سيكون الحديث عن تلك الأقسام - باعتبار الحكم - تحت عنوان: [ صفحه 94]

اقسام التقية باعتبار حكمها التكليفي

اشاره

تقسم التقية - بهذا الاعتبار - علي خمسة أقسام، وهي:

التقية الواجبة

وهي ما كانت لدفع ضرر واجب فعلا، متوجه إلي نفس المتقي، أو عرضه، أو ماله، أو إخوانه المؤمنين، بحيث يكون الضرر جسيما، ودفعه بالتقية - التي لا تؤدي إلي فساد في الدين أو المجتمع - ممكنا، وإنه لا يمكن دفع ذلك الضرر إلا بالتقية. ومن أمثلة ذلك إفطار الصائم في اليوم الأخير من شهر رمضان إذا ما أعلن أنه عيد من قبل قضاة الحاكم الجائر استنادا إلي شهادة من لا تقبل شهادته مع عدم ثبوت رؤية هلال شوال، وبشرط أن يكون الصائم تحت نظر الظالم أو رعيته، وأنه يعلم أو يظن بأنه إذا ما استمر بصيامه لحقه ضرر لا يطاق عادة. فهنا يجب عليه الإفطار تقية علي أن يقضي ذلك اليوم مستقبلا، ومثل ذلك إفطاره تقية في يوم شك وهو عالم بأنه من شهر رمضان. وقد حصل هذا فعلا للإمام الصادق عليه السلام مع أبي العباس السفاح أول ملوك بني العباس [210] . ومنه أيضا التظاهر أمام الظالم عند سؤاله إياه عن شخص مؤمن يريد قتله، بمظهر من لا يعرفه وإن كان صديقه، حتي وإن تطلب الأمر أن يحلف بالله علي عدم معرفته شخص ذلك المؤمن، وجب عليه الحلف تقية لأجل إنقاذ أخيه المؤمن من القتل. وقد مر ما يدل عليه في أحاديث [ صفحه 95] أهل البيت عليهم السلام.

التقية المستحبة

وهي ما كان تركها مفضيا إلي الضرر تدريجيا، ويكون استعمالها موجبا للتحرز من الضرر ولو مستقبلا. ومن أمثلتها ما مر من أحاديث المداراة والمعاشرة، ومخالقة الناس بأخلاقهم ومخالفتهم بأعمالهم، بحيث يؤدي ترك ذلك إلي المباينة المؤدية إلي العداوة التي تترتب عليها الأضرار لاحقا، ولا يمكنه الانتقال بعيدا عنهم، ولا مقاومتهم.

التقية المباحة

وهي ما كان فيها التحرز من الضرر مساويا لعدم التحرز منه في نظر الشارع المقدس، لكون المصلحة المترتبة علي استخدام التقية أو تركها متساويتين كما في إظهار كلمة الكفر إذا كان الإكراه عليه بالقتل، فإن في فعل التقية - هنا - مصلحة وهي النجاة من القتل، وفي تركها مصلحة أيضا وهي إعلاء كلمة الإسلام. ولا يخفي أن هذا يكون في حالة كون المتقي ليس قدوة للمسلمين، وأما القدوة فعليه أن يوطن نفسه للقتل كما فعل حجر بن عدي، ورشيد الهجري، وميثم التمار رضوان الله تعالي عليهم، لأن ما يباح لعامة الناس لا يباح - في مثل هذا الحال - لقدوتهم، وسيأتي بعض التوضيح لهذا في قسم التقية المحرمة أيضا، مع التأكيد هنا علي أن القدوة الذي يعلم بأن المصلحة المترتبة علي بقائه لخدمة الإسلام أعلي من مصلحة إعلاء كلمته عند الامتناع عن التقية، فله أن يتقي لتفاوت المصلحتين، والظاهر [ صفحه 96] أن ما فعله عمار بن ياسر وأصحابه من هذا القبيل، لحاجة الإسلام العزيز في ذلك الظرف إلي المؤمنين أكثر من أي شئ آخر. والخلاصة: إن مسألة جواز التلفظ بكلمة الكفر والقلب مطمئن بالإيمان يلاحظ فيها جملة من الأمور، وتكون بحسب الأزمان والأشخاص والظروف، ولا يمكن حملها علي الجميع مطلقا وبلا قيد وإن كان فيهم من فيهم. ويؤيد هذا بعض المواقف البطولية التي سجلها التاريخ بأحرف من نور، نظير امتناع الصفوة من استخدام التقية في سب أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن أكرههم الباغي اللقيط عليها، وقدموا أنفسهم قرابين من أجل إعلاء كلمة الحق.

التقية المحرمة

اشاره

وهي ما ترتب علي تركها مصلحة عظيمة، وعلي فعلها مفسدة جسيمة. والواقع أن هذا القسم يعد من أهم أقسام التقية بلحاظ حكمها، لما فيه من خطورة، زيادة علي تشويه مفهوم التقية بهذا القسم من لدن بعض الجهلاء والمتعصبين، وذلك بتعميمه علي سائر موارد الأقسام الأخري، ولعل بعضهم يخفف من غلوائه فيزعم صحتها في غير موارد حرمتها إلا أنه يفتري علي الشيعة الإمامية، فيزعم أنهم يجوزون التقية في كل شئ حتي في ارتكاب الجرائم والموبقات كما نجده صريحا في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة [211] متناسين بذلك ما أباحه [ صفحه 97] أعلامهم من ارتكاب أبشع الموبقات تحت ستار التقية، كسفك الدماء وهتك الأعراض وما جري مجراهما، كما سيوافيك في الفصل الأخير من فصول هذا البحث. هذا في الوقت الذي صرح فيه فقهاء وعلماء الشيعة الإمامية بحرمة التقية في كثير من الموارد، ومن جملتها ما ألصقته بها زورا الموسوعة المذكورة، ولهذا سوف نبين بعض تلك الموارد مع إعطاء قاعدة كلية لمعرفة ما هو محرم من التقية عند الشيعة الإمامية، كالآتي:

من موارد التقية المحرمة عند الشيعة الإمامية

التقية في الدماء

إن قتل المؤمن في مورد لا يستحق فيه القتل حرام بلا كلام، والتقية في ذلك باطلة وعلي المتقي القصاص، لأن المؤمنين تتكافأ دماؤهم، ووجوب حفظ دم أحدهم لا يوجب جعل دم الآخر منهم هدرا، إذ سيؤدي ذلك إلي نقض الغرض الذي شرعت التقية لأجله، وهو حقن دماء المؤمنين وصيانة أنفسهم، وقد مر ما يدل علي ذلك في أحاديث أهل البيت عليهم السلام.

التقية في الإفتاء

اشاره

يحرم إفتاء المجتهد بحرمة ما ليس بحرام بذريعة التقية، خصوصا إذا كان ذلك المجتهد ممن يتبعه عموم الناس، وإنه لا يستطيع الرجوع عن فتياه طيلة حياته، بحيث تبقي فتياه محل ابتلاء العموم ومورد عملهم. فهنا يجب الفرار من التقية بأي وجه، حتي ولو أدي تركها إلي قتله. هذا، وقد يشتبه بما صدر عن أهل البيت عليهم السلام ما هو بخلاف الحكم الواقعي عند ضغط التقية، فيدعي أن فقهاء الشيعة تجوز الإفتاء المخالف [ صفحه 98] للحق تقية! وليس الأمر كذلك، لأن أهل البيت عليهم السلام كانوا حريصين جدا علي بيان الحكم الواقعي لأصحابهم، وتفهيم شيعتهم ومن يطمئنون إليه من عامة المسلمين بحقيقة الأمر وواقعه، وإنما اقتصروا في إصدار ما هو بخلاف الحكم الواقعي علي حالات معينة كانت فيها عيون السلطة تتربص بهم عليهم السلام وبشيعتهم الدوائر، ولنأخذ مثالين علي ذلك، وقس عليهما ما سواهما، وهما: المثال الاول: الإفتاء بحلية ما قتل البازي والصقر عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أبي عليه السلام يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال، وكان يتقيهم، وأنا لا أتقيهم، وهو حرام ما قتل [212] . ونظير هذا الحديث ما رواه الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: أنه قال: كان أبي عليه السلام يفتي، وكان يتقي، ونحن نخاف في صيد البزاة والصقور، وأما الآن فإنا لا نخاف ولا نحل صيدها إلا أن ندرك ذكاته، فإنه في كتاب علي عليه السلام: إن الله عز وجل يقول: (وما علمتم من الجوارح مكلبين)، في الكلاب [213] ، أي: في كلاب الصيد لا في البزاة ولا في الصقور. وإذا علمنا أن الإمام الباقر عليه السلام عاش في فترة حكم أولاد عبد الملك بن مروان وهم: الوليد بن عبد الملك (ت / 96 ه)، وسليمان بن عبد الملك [ صفحه 99] (ت / 99 ه) ويزيد بن عبد الملك (ت 105 ه)، وأدرك تسع سنين من حكم طاغيتهم هشام بن عبد الملك (ت / 125 ه)، اتضح لنا سر تلك الفتيا، ومع هذا، فقد أظهر الإمام الباقر عليه السلام لشيعته ومواليه وجه الحق في تلك المسألة، لكي لا يشتبه عليهم الحكم كما رواه عنه عليه السلام خلص أصحابه كزرارة ونظرائه [214] . وجدير بالذكر، هو أن المذاهب الأربعة المالكية، والحنفية، والشافعية، والحنبلية وإن لم تكن موجودة أصلا في حياة الإمام الباقر عليه السلام إلا أن اتفاق أئمتهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل علي حلية ما قتل البازي والصقر [215] يعد بحقيقته وواقعه انعكاسا لتلك الفترة التي عاشها الإمام الباقر وآباؤه عليهم السلام، إذ استمدت تلك الفتوي - المجمع عليها عندهم - مقوماتها من روايات ذلك العهد الذي حاول فيه الطغاة إقصاء أهل البيت عليهم السلام وتحجيم دورهم. ومن هنا كانا لاستدلال بفقه تلك المذاهب معبرا عن شيوع حلية ما قتل البازي والصقر في عهد الإمام الباقر عليه السلام، خصوصا وقد نسب بعض متأخري أعلامهم حلية ذلك إلي ابن عباس، وطاووس، ويحيي بن كثير، [ صفحه 100] والحسن البصري، وغيرهم، مع ادعاء إجماع الصحابة علي ذلك [216] . إذن لا معني لوقوف الإمام الباقر عليه السلام بوجه السلطة وإعلان أن الصحابة العدول بزعمهم كانوا يأكلون الميتة من غير ضرورة، زيادة علي الطعن بفقهاء السلاطين، إلا التهلكة المحققة، وفي أقل تقدير سيكون إفتاء الخصم بواقع الأمر هواء في شبك لا يغير ما اعتادوه شيئا، والدليل عليه هو أن فقه أهل البيت عليهم السلام كان ولا زال موجودا ميسرا لمن أراده، ولكن مخالفته بالقياس ونظائره لم تزل قائمة إلي اليوم. هذا، وأما عن تصريح الإمام الصادق عليه السلام بواقع الحال وعدم خشيته في تلك الفتيا، إنما يؤول إلي كونه عليه السلام عاش في ظل فترتين سياسيتين وجد فيهما متسعا ومجالا نسبيا للانطلاق في أرحب الميادين العلمية، وهما فترة تداعي الدولة الأموية، ثم تلاشيها علي أيدي بني العباس، وفترة انشغال الدولة الجديدة بتثبيت أقدامها، ولكن لم تلبث تلك الدولة بعد توطيد أركانها أن حملت إمام الحق علي التقية كما يعلم من قواعد الترجيح بين الأخبار المتعارضة التي بينها الإمام الصادق عليه السلام نفسه. المثال الثاني: وهو ما حصل في قصة علي بن يقطين في مسألة تجويز الإمام الكاظم له في مسألة الوضوء البدعي الذي ما أنزل الله به من سلطان إذ كان يخشي عليه من طاغية زمانه هارون، ثم تنبيهه عليه السلام لعلي بن يقطين بالعودة إلي سنة المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم في الوضوء بعد زوال الخطر عليه [217] . [ صفحه 101]

تمييز خبر التقية عن غيره

وهنا يجب التأكيد علي مسألة في غاية الأهمية، وهي أن جملة من الأخبار التي صدرت تقية عن أهل البيت عليهم السلام لم يصل إلينا إعلام منهم عليهم السلام بأنها كانت كذلك وإن كان المقطوع به أنهم أعلموا المقربين إليهم بواقع الحال، لكنه لم يصل هذا الإعلام إلينا. ولأجل تمييز تلك الأحاديث عن غيرها أصبح الرجوع إلي فقهائنا الأقدمين رضي الله تعالي عنهم كافيا في المقام، لأن عدم عملهم بجملة من الأخبار المعتبرة الإسناد دال بطبيعته علي أن أخبار التقية هي من ضمن المجموعة التي أعرض عنها الفقهاء، ومعني هذا انتفاء وجود علم إجمالي بوجود أخبار التقية ضمن الأخبار المعمول بها فعلا في استنباط الأحكام، كما أن حصول الوثوق في بعض الأخبار بعدم صدورها لبيان الحكم الواقعي بسبب شهرة الأعراض عنها - مع سلامة سندها - يسقطها عن الاعتبار لأنها مسوقة في دائرة التقية. هذا، زيادة علي وجود جملة من الأسس والقواعد المستفادة بصورة أو أخري من كلمات أهل البيت عليهم السلام في تمييز الأخبار ونقدها ومعرفة ما صدر منها تقية عما صدر بنحو الإرادة الجدية، ومن بين تلك الأسس والقواعد ملاحظة ما يتعلق بالخبر من الأمور الخارجية عند التعارض، إذ يعرف خبر التقية الذي لا بد وأن يكون معارضا لما صدر في قباله في بيان الحكم الواقعي من خلال وجوه الترجيح: كاعتضاد أحدهما بدليل آخر معتبر، أو بلحاظ الإجماع علي العمل بأحدهما، أو شهرة العمل به، وشذوذ الخبر الآخر وعدم شهرته، أو بموافقة أحدهما للعامة، ومخالفة الآخر. [ صفحه 102] ولا شك أن هذه الوجوه ونحوها كفيلة بالكشف عن أي من الخبرين صدر تقية، وبهذا يتضح أنه لا أصل للشبهة التي أثارها خصوم الشيعة. وخلاصتها: أن أئمة الشيعة كانت ظروفهم غير ملائمة للإفتاء بما يريدون فاضطروا إلي التقية، وتسرب ذلك إلي كتب الشيعة وإن عدم القدرة علي التمييز بين ما صدر تقية عن غيره، يقتضي طرح ما في كتب الشيعة من روايات، لاحتمال تطرق التقية إلي أي حديث فيها [218] . أقول: إن في طيات هذه الشبهة أمرين أود التنبيه عليهما وهما: الأول: إن هذه الشبهة، ليست شبهة في الواقع، بل مكيدة خبيثة، رام مروجها أن يحول دون التمسك بأقوال أهل البيت عليهم السلام، والأخذ بالقياس والاستحسان ونحوهما. الثاني: دلالة هذه المكيدة علي غباء أصحابها، لأنها بمثابة الطلب من الشيعة ترك العمل بأخبار العامة، لأن خبر التقية في أدق وصف له إنما هو خبر عامي فرضته السياسة الجائرة علي لسان أهل البيت عليهم السلام، ولا ينبغي لعامي فهم عاقل أن يتقدم بمثل هذا الطلب إلي الشيعة، لأنه سالب بانتفاء موضوعه.

التقية في القضاء

إن حكم القضاة بخلاف ما أنزل الله تعالي في كتابه العزيز، له صور متعددة، منها: أن يكون حكم القاضي موجبا لقتل مسلم برئ، فهنا [ صفحه 103] لا يجوز الحكم بحال والتقية فيه حرام بلا كلام. ومنها: أن يدفع القاضي بحكمه المخالف للحق ضررا عن نفسه فيوقعه ظلما بالآخرين، وهذا الحكم باطل أيضا ولا تجوز التقية فيه، لعدم جواز دفع الضرر عن النفس بإلحاقه بالغير. وبالجملة، فإن الإفتاء والقضاء المخالف لما أنزل الله عز وجل خطير جدا، وقد وصف سبحانه من يحكم بغير ما أنزل الله، تارة بالكافرين، وأخري بالظالمين، وثالثة بالفاسقين [219] .

التقية المؤدية إلي فساد الدين أو المجتمع

لا ينبغي الشك في حرمة استخدام التقية المؤدية إلي فساد الدين أو المجتمع، كما لو كانت سببا في هدم الإسلام، أو النيل من مفاهيمه وأحكامه المقدسة، أو محو بعض آثاره. لقد نادي فقهاء وأعلام التشيع بهذا عاليا، وكانوا النموذج الأمثل للتضحية والفداء وإعلان الحق في المواقف الحرجة، ولا نقول هذا جزافا فنظرة واحدة إلي كتاب شهداء الفضيلة تكفي دليلا علي ما نقول، ومن الأمثلة المعاصرة علي ذلك هو ما نجده في نداءات وتصريحات الإمام الخميني رضي الله عنه حينما رأي خطورة حكم الشاه علي أصول الإسلام وكرامته. ومن تلك التصريحات: قوله: إن التقية حرام، وإظهار الحقائق واجب مهما كانت النتيجة، ولا ينبغي علي فقهاء الإسلام استعمال التقية في المواقف التي تجب فيها [ صفحه 104] التقية علي الآخرين، إن التقية تتعلق بالفروع، لكن حينما تكون كرامة الإسلام في خطر، وأصول الدين في خطر، فلا مجال للتقية والمداراة، إن السكوت هذه الأيام تأييد لبطانة الجبار، ومساعدة لأعداء الإسلام [220] . وقوله أيضا: من العار أن نسكت علي هذه الأوضاع، ونبدي جبنا أمام الظالمين المارقين، الذين يريدون النيل من كرامة الإنسان والقرآن وشريعة الإسلام الخالدة، انهضوا للثورة والجهاد والإصلاح، فنحن لا نريد الحياة في ظل المجرمين [221] . وهكذا نجد الإمام الخميني رضي الله عنه كان في منتهي الصراحة في رفض استخدام التقية مع الشاه وأعوانه، منذ أن اكتشف أن الشاه صنيعة الاستعمار. ومن بيانات الإمام الخالدة في هذا المجال، هو البيان الذي أصدره علي أثر قرار رئيس وزراء الشاه أسد علم سنة 1961 م بشأن تعديل قانون المجالس المحلية، وأهم ما في ذلك التعديل المثير، أنه ألغي القسم علي القرآن الكريم عند الترشيح لتلك المجالس، علي أن يحل محله أي كتاب سماوي آخر معترف به. ومما جاء في ذلك البيان: إنني بحكم مسؤوليتي الشرعية أعلن الخطر المحدق بشعب إيران والمسلمين في العالم، إن القرآن الكريم والإسلام معرضان للسقوط في قبضة الصهيونية التي ظهرت في إيران في [ صفحه 105] صورة طائفة البهائية [222] . أقول: ماذا يقول المشنعون علي الشيعة بالتقية بشأن ما يسمي بعملية السلام مع الصهيونية التي راح ضحيتها آلاف الشهداء من المسلمين؟ بل وماذا يقولون بحق من أفتي بجواز المصالحة معهم ممن يتصدون حاليا إلي إدارة الدعوة والإرشاد في بعض البلاد الإسلامية؟

التقية في غير ضرورة

ومن موارد حرمة التقية عند الشيعة، أن تكون من غير ضرورة، ولا حاجة ملحة إليها. وأما في بعض أقسام التقية التي أخذ الخوف في موضوعها كالتقية الخوفية أو الإكراهية، فإنه إذا انتفي الخوف فلا تجوز التقية حينئذ.

التقية في شرب الخمر و بعض الموارد الأخر

تقدمت بعض النصوص المصرحة بحرمة التقية في مثل هذه الموارد، وقد قيدها الفقهاء بما إذا لم يبلغ الخطر النفس، أما إذا خيف القتل عند الإكراه عليها، فالتقية جائزة فيها.

التقية الإكراهية عند عدم تحقق الإكراه

ونعني بها التقية الإكراهية التي يكون الإكراه فيها فاقدا لبعض أركانه ومقوماته التي سبق بحثها في الفصل الأول، إذ اتفق الفقهاء علي أن للإكراه أربعة أركان، وأنه لا يكون الإكراه ملجئا للتقية إلا مع توفرها جميعا، [ صفحه 106] وأما لو فقد بعضها أو واحدا منها فسيكون لغوا لا تجوز معه التقية، فلو أكره إنسان آخر علي ارتكاب محرم وكان ذلك الإنسان عاجزا عن تنفيذ تهديده ووعيده، وعلم أو ظن المكره بهذا فلا تجوز له التقية، وكذلك لو كان الإتيان بالمكره عليه غير منج من الضرر المتوعد به، ومثله لو كان المكره به تافها وحقيرا والفعل المطلوب جسيما وخطيرا. فالشرط إذن في صحة التقية الإكراهية هو اجتماع أركان الإكراه الأربعة وتحققها جميعا، وأما لو فقد واحد منها أو أكثر فلا تصح التقية الإكراهية إذ لا إكراه حينئذ.

التقية التي يتجاوز فيها مقدار أو جنس ما يكره عليه

من الثابت أن التقية في دين الإسلام تجوز في كل ضرورة إلا ما خرج عن ذلك بدليل معتبر كما مر في أدلة التقية ومشروعيتها، ولما كانت الضرورات تقدر بقدرها فلا ضرورة بحق الزيادة إذن. فمن اضطرته التقية - مثلا - علي ارتكاب شئ محرم فعليه أن يقتصر علي مقدار وجنس ما يراد ارتكابه من ذلك الشئ المحرم من غير زيادة. فلو أكره السلطان الجائر مسلما علي أكل قطعة واحدة من اللحم المحرم شرعا فليس له أن يأكل عشرين قطعة من ذلك اللحم نفسه، ولا أن يقتصر علي تلك القطعة ويشرب معها خمرا بحجة إرضاء السلطان الجائر تحت ستار التقية، إذ لا تقية هنا بحق الزيادة، لعدم وجود الإكراه عليها.

التقية عند إمكان التخلص من الضرر

ومن موارد حرمة التقية - عند بعضهم - أن يكون المكره عليها قادرا علي التخلص منها، بحيث يجد في نفسه القدرة الكافية علي استخدام [ صفحه 107] إحدي وسائل التخلص من التقية، وبما لا يترتب عليه ضرر ولا حرج، كما في استخدام التورية مثلا، ومع ذلك يلجأ إلي التقية، فهنا لا تجوز له لأنها ستكون من غير ضرورة، وقد مر حكم التقية من غير ضرورة أيضا. وبالجملة فإن الميزان الدقيق في معرفة موارد الحرمة الأخري، هو أن تكون المصلحة المترتبة علي ترك التقية لا يرضي الشارع المقدس بتفويتها في التقية، وكذلك فيما لو استقل العقل بوجوب حفظها في جميع الأحوال.

التقية المكروهة

وقد مثل بعضهم لها بإتيان ما هو مستحب عند المخالفين مع عدم خوف الضرر لا عاجلا ولا آجلا، مع كون ذلك الشئ المستحب مكروها في الواقع، وإلا لو كان حراما فالتقية بإتيانه لموافقتهم حرام، وأما مع احتمال وقوع الضرربالمخالفة فيكون الإتيان بما وافقهم تقية مستحبا [223] . وخلاصة هذه الأقسام، أنه يراعي في معرفتها نوع المصلحة المترتبة علي فعل التقية وعدمها. فإن كانت المصلحة مما يجب حفظها فالتقية فيها واجبة. وإن كانت المصلحة مساوية لمصلحة ترك التقية فتكون التقية جائزة. وإن كان أحد الطرفين راجحا فحكم التقية تابع له. ومن كل ما تقدم يعلم أن التقية ليست من عقائد الشيعة الإمامية، كما يزعم بعض الجهلاء من خصوم الشيعة، لأنها من فروع الأحكام عندهم، بدليل ما فصلناه من أقسامها عندهم باعتبار حكمها الشرعي. [ صفحه 108] نعم، أصبح للتقية صلة بالعقيدة الشيعية زيادة علي صلتها الواضحة بفروع الأحكام، إذ صار القول بها عند خصوم الشيعة دليلا علي ضعف المذهب الشيعي ومبانيه، ومن هنا دخل الحديث عنها في دائرة الإعتقاد.

اقسام التقية بلحاظ أركانها

اشاره

إن أقسام التقية بهذا الملحظ تستدعي بيان أركان التقية، لتتضح العلاقة بينهما، فنقول:

اركان التقية

اشاره

إن أركان التقية ومقوماتها هي أركان الإكراه ومقوماته التي سبق البحث عنها مع فرق التسمية، وما يشترط في أحدهما يشترط في الآخر، إذ لا تختلف فيما بينها إلا من جهة بعض أقسام التقية الآتية، التي لا يكون الدافع إلي استخدامها هو التحرز من ضرر الغير، وإنما لأجل تحقيق بعض المصالح التي تصب في خدمة الدين أو المجتمع، كالعمل بالتقية لأجل تحقيق الوحدة الإسلامية ولم شمل المسلمين بعد فرقتهم وتناحرهم، وهذا يعني فقدان الإكراه في مثل تلك التقية. وعليه، فالأركان والمقومات التي سنذكرها للتقية بمفهومها العام، هي نفسها في الأقسام الأخر للتقية التي لم يؤخذ الخوف في موضوعها، ولكنها تختلف عما هنا في تفسيرها. فالمتقي - مثلا - الذي هو الركن الأول من أركان التقية، ونظيره في الإكراه (المكره)، لا يرتفع في غير التقية الإكراهية، وإنما يأخذ تعريفا وتفسيرا آخر. فبدلا من أن يكون في التقية الإكراهية: الشخص الذي يعمل بالتقية كرها لدفع ضرر معلوم أو مظنون أو محتمل، سيكون في [ صفحه 109] بعض أقسام التقية: الشخص الذي يستخدم التقية بلا إكراه، ولكن لتحقيق غايات مرغوبة شرعا ولا سبيل إلي الوصول إليها إلا بالتقية. وهكذا الحال في بقية الأركان الأخر، ومجموعها - مع ما ذكرناه - أربعة، وهي:

المتقي

وقد مر آنفا

المتقي منه

وهو من يتولي إجبار المتقي علي التقية، ولا يشترط به أن يكون كافرا، إذ لا فرق بحكم العقل في ضرورة تجنب الضرر من أية جهة كانت كافرة أو مسلمة، وقد مر أن العقل يحكم بلزوم حفظ النفس من الهلكة سواء كانت علي أيدي بعض المسلمين أو الكفار، ونظير هذا الركن في الإكراه (المكره).

ما يتقي عليه

وهو كل ما حكم الشارع، أو استقل العقل بضرورة حفظه من الضرر، لما في ذلك من مصلحة تعود إلي نفس المتقي، أو عرضه، أو ماله، أو دينه، أو إخوانه المؤمنين، ونظيره في الإكراه (المكره به)، فكلاهما ناظران إلي نوع الضرر.

ما يتقي به

اشاره

وهو نوع العمل المحرم المراد إنجازه كالإفطار في شهر رمضان، أو الكلام الباطل المطلوب تلفظه، كما في تلفظ كلمة الكفر والقلب مطمئن بالإيمان، ونظيره في الإكراه (المكره عليه). وقد قسموا التقية بلحاظ هذه الأركان علي قسمين، وهما:

تقية الفاعل

وهذا القسم ناظر إلي الركن الأول (المتقي)، والتقية فيه بحسبه، لما مر في الفصل الأول من تأثير اختلاف الأشخاص في واقع الإكراه وجودا وعدما، إذ قد يكون الإكراه الواحد ملجئا تارة بحق شخص، وغير ملجئ بحق آخر تارة أخري، ومن هنا تدرك قيمة هذا من [ صفحه 110] التقية، نظرا لما يترتب علي معرفة الفاعل من آثار كبيرة وخطيرة في تقييم تقيته من الناحية الشرعية، إذ ليس الناس سواسية في التقية، وقد مر بنا أن الإمام الخميني رضي الله عنه حرم التقية علي الفقهاء في موارد جوازها علي العامة في ظرف لا بد فيه من ذلك التحريم.

تقية القابل

وهذا القسم ناظر إلي الركن الثاني (المتقي منه)، وفي معرفة القابل ثمرتان وهما: الأولي: معرفة مدي قدرته علي تنفيذ ما وعد وهدد به، إذ ربما قد يكون عاجزا عن إيقاع أي ضرر بالمتقي، فتسقط التقية. الثانية: معرفة عقيدة القابل ودينه قد تؤثر علي سلامة التقية في بعض صورها، فالاكراه من كافر لمسلم علي النطق بكلمة الكفر مثلا، لا يكون عادة إلا في بلاد الكفر، ولو فرض حصوله في أرض الإسلام لأمكن التخلص بطلب النجدة من المسلمين.

اقسام التقية بلحاظ أهدافها و غاياتها

اشاره

التقية بهذا الملحظ تكون علي ثلاثة أقسام، وهي:

التقية الخوفية أو الإكراهية

وهي فيما إذا كان الهدف من استخدامها دفع الضرر عند الخوف منه سواء أكان الخوف شخصيا أم نوعيا، كتقية عمار بن ياسر من المشركين.

التقية الكتمانية

وهي فيما إذا كان الهدف منها حفظ الدين من الاندثار والانمحاء في دولة الباطل فيما لو أذيعت تعاليمه وأحكامه المخالفة لهوي السلطة الظالمة، وعليه لا بد من كتمانها إلا علي [ صفحه 111] المختصين، لا سيما إذا كان أهل الحق هم القلة القليلة المحاطة بزمر الباطل. ومن هذه التقية تقية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في عدم إظهار أمر الدعوة إلا للمختصين مدة ثلاث سنوات كما مر في محله. وكذلك ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من التأكيد علي عدم إذاعة أسرارهم عليهم السلام خوفا علي مذهب الحق وقادته الأطهار وأنصاره وأتباعه. ويدخل في هذا القسم من التقية ما كانت الغاية منه حفظ بعض المصالح المشروعة بالكتمان، كما فعل مؤمن آل فرعون في كتم إيمانه، وكما كتم يوسف الصديق عليه السلام أمره عن إخوته.

التقية المداراتية أو التحبيبية

وهي فيما إذا كان الهدف منها، هو الحفاظ علي وحدة المسلمين، وتقليل شقة الخلاف فيما بينهم وجمع كلمتهم، كما في أحاديث المخالطة والمعاشرة، وكذلك فيما لو كانت أغراضها اتقاء فحش الآخرين بإلانة الكلام لهم والتبسم في وجوههم، نظير ما مر في تقية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من (بئس ابن العشيرة، أو بئس أخو العشيرة).

اهمية التقية و فوائدها

اشاره

لا خلاف بأن كل ما ثبت تشريعه في الإسلام لا بد وأن يشتمل علي مجموعة من الفوائد التي ترجع بالنفع إما علي الفرد أو المجتمع أو الدين نفسه، بل عليها جميعا إذ لا يمكن تصور صلاح المجتمع مع فساد أفراده، ولا سيادة الدين بفساد المجتمع. [ صفحه 112] وإذا عدنا إلي التقية نجدها مفردة واحدة من مفردات ذلك التشريع العظيم كما مر في أدلة تشريعها. وعليه فالحديث عن أهميتها وفوائدها هو الحديث عن فوائد وعوائد التشريع الإسلامي - قرآنا وسنة - ولكن في حيز صغير منه اسمه: التقية. ومن الواضح أن المقصود بالتقية هنا هي التي تكون في موردها الصحيح والموصوفة علي لسان أمير المؤمنين عليه السلام - كما سيأتي - بأنها من شيمة الأفاضل، وليس كل تقية حتي التي لم يدخلها الشارع المقدس في مفهوم الحكم الثانوي الاضطراري [224] ، فتلك تقية مرفوضة، إذ لا أهمية لها ولا فائدة بنظر الشارع، زيادة علي ما فيها من ضرر بكلا قسميه: الأخروي، باعتبار ارتكاب ما لم يرخص الشارع بارتكابه حتي في صورة الاضطرار. والدنيوي، بلحاظ ما يترتب علي فعلها من آثار سيئة عاجلة أو آجلة. وإذا عرفت مضار شئ عرفت قيمته، وإذا شخصت فوائد آخر أدركت أهميته. [ صفحه 113] وهذا الأمر لا بد من التنبيه عليه وإن كان واضحا في نفسه، لكي لا تحمل فوائد التقية علي غير محملها، ولا تفسر أهميتها بغير تفسيرها الصحيح. وثمة شئ آخر يحسن التنبيه عليه، وهو أن المفاهيم الإسلامية لا يمكن سبر غورها واكتشاف جميع فوائدها لأن مشرعها سبحانه أحاط بكل شئ علما، وإنما يكون الاكتفاء - عادة - بالمنظور منها، إما بالمشاهدة والحس، أو بالنظر العقلي والإدراك الفطري، زيادة علي الاستهداء بالنص في بيان فوائد تلك المفاهيم. وسوف نستهدي بهذه السبل الأمينة في بيان فوائد التقية، وعلي النحو الآتي:

في التقية تحفظ النفس من التهلكة

ويصان ما دونها من الأذي، كما لو كان المدفوع بها ضرب مبرح، أو هتك عرض، أو سلب مال، أو إهانة ونحوها من الأمور التي تعرض سلامة الإنسان المسلم وكرامته إلي الخطر، ومن هنا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في وصفها بأنها:.. حرز لمن أخذ بها، وتحرز من التعريض للبلاء في الدنيا [225] . كما تحفظ بالتقية حقوق المؤمنين، وقد جمع هذه الفوائد قول أمير المؤمنين علي عليه السلام: التقية من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه وإخوانه من الفاجرين [226] ، وعلي هذا تكون التقية صدقة علي النفس [ صفحه 114] والإخوان، وفي الحديث المروي عن الإمام العسكري عليه السلام:.. إن مداراةأعداء الله من أفضل صدقة المرء علي نفسه وإخوانه [227] .

التقية صمود بوجه الباطل

كما يفهم من وصفها بأنها سلاح المؤمن، وترسه وحرزه، وليست تخاذلا أو تراجعا، فهي أشبه ما تكون بالانسحاب الهادف إلي التحيز إلي جهة المؤمنين لتقوية شوكتهم، وخير ما يدل علي ذلك صمود عمار بن ياسر علي الحق ثم انسحابه الهادف الذي وفر عليه فرصة الاشتراك مع إخوانه المؤمنين في ميادين الحق ضد الباطل ابتداء من بدر الكبري بقيادة أشرف المرسلين صلي الله عليه وآله وسلم، واختتاما بصفين تحت لواء أمير المؤمنين عليه السلام. ولولا تقيته لما عرف له دور في قتال المشركين، والناكثين، والقاسطين. فالتقية إذن من عوامل تقوية الدين، وقد جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام ما يؤيد هذا، فقال عليه السلام: اتقوا الله، وصونوا دينكم بالورع،وقووه بالتقية [228] .

التقية شجاعة و حكمة و فقاهة

وتوضيح ذلك: إن التقية وسط بين طرفين: إما الإفراط في استخدامها في كل شئ بلا قيد أو شرط، بمعني الهروب عن مواجهة الباطل في كل ظرف حتي فيما يستوجب المواجهة، وهذا هو الجبن بعينه. وإما التفريط في تركها في كل حين حتي في موارد وجوبها لحفظ النفس من التهلكة، وهذا هو التهور بعينه. ولا وسط بين هاتين الرذيلتين - في علم الأخلاق - إلا فضيلة الشجاعة. وبهذا يكون [ صفحه 115] استخدامها في موردها الصحيح من الحكمة، لأنها وضع الشئ في موضعه (ومنيؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) [229] . وأما كونها من الفقاهة، فهو مما لا شك فيه، لأن للتقية جملة من الأحكام كما مر، واستخدامها الأمثل لا يتم من غير علم بتلك الأحكام، وهذا هو عين التفقه، ويدل عليه حديث الإمام الباقر عليه السلام في التقية:... فأما الذي برئ فرجل فقيه في دينه [230] ، وفي الحديث الشريف: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين [231] .

التقية تؤدي إلي وحدة المسلمين

التقية تؤدي إلي وحدة المسلمين بحسن المعاشرة فيما بينهم، ومخالطة بعضهم بعضا، فالمصافحة والبشاشة، والحضور المشترك في أماكن العبادة، وتشييع الجنائز، وعيادة المرضي، لا شك أنها تزيل الضغائن، وترفع الأحقاد الموروثة، وتحول العداوة إلي مودة ومؤاخاة. ويؤيد هذا، قوله تعالي: (إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةكأنه ولي حميم) [232] . وقد تقدم بأن المقصود (بالتي هي أحسن) هو: التقية، فيكون من لوازم الدفع بها أن يصير العدو المعاند كأنه ولي حميم.

التقية دعوة محكمة إلي اتباع سبل الهدي

كما يفهم من قوله [ صفحه 116] تعالي: (أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [233] ، ولا شك في دخول التقية في مصاديق هذا القول الكريم، ومعني هذا أن التقية في مداراة أهل الباطل تؤدي إلي اجتذابهم إلي الحق، وتبصرتهم بعد العمي، ويؤيد ذلك ما جاء عن الإمام العسكري عليه السلام في تفسير قوله تعالي: (وقولوا للناس حسنا) [234] قال عليه السلام: قولوا للناس كلهم حسنا، مؤمنهم ومخالفهم. أما المؤمن فيبسط لهم وجهه، وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلي الإيمان [235] . ويفهم مما تقدم أن التقية من الإحسان، وبما أن الإنسان عبيد الإحسان، تري، فأي عاقل لا يحب من يحسن إليه، وإن كان ذلك الإحسان في واقعه عن تقية؟

التقية نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ويدل عليه أمران: أحدهما: إن اللجاجة والمقاطعة والمخاصمة مع المخالف في دولته تعد من المنكر إذا ما أدت إلي إضعاف المؤمنين أو تضررهم، علي عكس معاشرتهم ومخالطتهم المؤدية إلي سلامة المؤمنين وحفظهم فضلا عن اجتذاب المخالفين إلي الإيمان، فهذا من فعل المعروف بلا شك. الآخر: تصنيف أحاديث التقية من قبل المحدثين في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا زيادة علي ما تضمنته أحاديث أهل [ صفحه 117] البيت عليهم السلام في هذا المعني، وقد مر بعضها وسيأتي أيضا.

التقية جهاد في سبيل الله

إذ يجاهد فيها المؤمن أعداء الله تعالي في دولتهم بكتمان إيمانه، كما فعل مؤمن آل فرعون بكتم إيمانه، وكما فعل المخلصون من أصحاب الأئمة عليهم السلام بكتم أسرار أهل البيت خشية عليهم من الظالمين، وقد ورد الحث علي التقية بهذا الوصف أيضا، قال الإمام الصادق عليه السلام:.. والمؤمن مجاهد، لأنه يجاهد أعداء الله عز وجل في دولة الباطلبالتقية، وفي دولة الحق بالسيف [236] . وقال عليه السلام: نفس المهموم لنا المغتم لمظلمتنا تسبيح، وهمه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل الله [237] .

استخدام التقية في مواردها طاعة لله

كما يفهم من قوله تعالي: (إدفع بالتي هي أحسن)، فعن الإمام الصادق عليه السلام: التي هي أحسن: التقية [238] ، وطاعة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتأس بسيرته الشريفة وقد مر ما يدل عليه بأوضح صورة، وتمسك بحبل أهل البيت عليهم السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام:.. من استعمل التقية في دين الله فقدتسنم الذروة العليا من القرآن [239] .

من لوازم ما تقدم، فالتقية إذن توجب الثواب لفاعلها

لأنها امتثال لما أمر به الشارع المقدس، وقد جاء في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ما يؤكد [ صفحه 118] هذا، ففي حديث سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام: بشر في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، وبشر في وجه المعاند يقي صاحبه عذاب النار [240] . وقد عرف بعض الصحابة بهذا، فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي الدرداءأنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم [241] . ونسب القرافي المالكي (ت / 648 ه) هذا القول إلي أبي موسي الأشعري أيضا، معلقا عليه بقوله: يريد: الظلمة والفسقة الذين يتقي شرهم، ويتبسم فيوجوههم [242] . كما نسب هذا القول أيضا إلي أمير المؤمنين علي عليه السلام في روايات شيعته، وبلفظ: إنا لنبشر في وجوه قوم وأن قلوبنا لتقليهم، أولئك أعداء الله نتقيهم علي إخواننا وعلي أنفسنا [243] .

في التقية الكتمانية، تصان الأسرار

ويحفظ الحق من الاندثار، ويكون قادته وأتباعه في أمان من الأخطار.

التقية ورع يحجز الإنسان عن معاصي الله

إذ لا معصية أكبر - بعد الشرك - من قتل المؤمن بسبب إفشاء سره بضغط الإكراه وعدم التكتم عليه بالتقية، ولهذا وصف مذيع السر بقاتل العمد لا قاتل الخطأ، ففي حديث الإمام الصادق عليه السلام: من أذاع علينا شيئا من أمرنا فهو كمن [ صفحه 119] قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ [244] . وواضح أن المراد بأمرهم عليهم السلام هو كل ما صدر عنهم عليهم السلام وكان مخالفا لهوي السلطة وأتباعها.

التقية خلق رفيع في مداراة الناس

وحلم عجيب مع الجهلاء، قال الإمام الصادق عليه السلام: فوالله، لربما سمعت من شتم عليا عليه السلام، وما بيني وبينه إلا أسطوانة، فاستتر بها، فإذا فرغت من صلاتي أمر به فأسلم عليه وأصافحه [245] . وعن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ثلاث من لم تكن فيه فليس مني ولا من الله عز وجل: حلم يرد به جهل الجاهل، وحسن خلق يعيش به في الناس، وورع يحجزه عن معاصي الله عز وجل [246] . ولتضمن التقية لهذه الخصال الثلاث زيادة علي ما فيها من طاعة وامتثال وفوائد وعوائد، فقد حث عليها أمير المؤمنين علي عليه السلام ووصفها بشيمة الأفاضل، فقال عليه السلام: عليك بالتقية، فإنها شيمة الأفاضل [247] ، ونظرا لموقع التقية وآثارها في المنظومة الأخلاقية فقد عدها الإمام الرضا عليه السلام من شعار الصالحين ودثارهم [248] . وفي المروي عن الإمام العسكري عليه السلام: أشرف أخلاق الأئمة [ صفحه 120] والفاضلين من شيعتنا: التقية، وأخذ النفس بحقوق الأخوان [249] . ومن كل ما تقدم يعلم أن منكر التقية بقلبه ولسانه رجل رذيل، لأنها ليست من شيمته، وكافر لأنه منكر للتشريع الثابت بنص القرآن والسنة المطهرة، ومتعصب جاهل، لأنه ينكر ضرورة عقلية متفق عليها من لدن العقلاء، بل هو أقل رتبة من الحيوان، لأن الحيوان يعرف كيف يسعي لنفسه ويهرب من الخطر بفطرته، وهذا ينكر فطرة الله التي فطر الناس عليها جميعا، ويكفي علي إثبات حماقته أنه مسلوب من فوائد التقية، والتي منها ما مر وبعضها ما يأتي:

في التقية تقر عين المؤمن

لأنها جنته، وقد كان الإمام الباقر عليه السلام يقول: وأي شئ أقر لعيني من التقية، إن التقية جنة المؤمن [250] .

التقية الكتمانية تجلب للمؤمن عزا في دنياه و نورا في آخرته

فعن الإمام الصادق عليه السلام: من كتم أمرنا ولا يذيعه أعزه الله في الدنيا وجعل له نورا بين عينيه يقوده إلي الجنة [251] .

التقية المداراتية و سام للمتقي بعدم التعصب

بخلاف من يزعم الموضوعية ويجعل المداراة في حقل النفاق، فهذا هو عين النفاق والتعصب والخروج عن الموضوعية، بل هو الكفر بعينه بعد ثبوت مداراة [ صفحه 121] أشرف الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم لقومه كما مر في صحاح القوم ومسانيدهم.

في التقية يميز أولياء الله من أعدائه

ولولاها ما عرف هذا من ذاك، قال سيد الشهداء الإمام الحسين السبط عليه السلام: لولا التقية ماعرف ولينا من عدونا [252] .

و من فوائد التقية أنها توجب تعظيم الناس للمتقي

نظرا لإحسانه لهم بالمداراة، والمعاشرة الطيبة معهم وإن خالفوه في فكره وعقيدته، وقد كان سيد الساجدين الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، مشهورا بمداراة أعدائه حتي عظم في عيونهم وانتزع منهم علي رغم طغيانهم وعتوهم توقيره وتبجيله وفي ذلك يقول الزهري: ما عرفت له صديقا في السر ولا عدوا في العلانية، لأنه لا أحد يعرفه بفضائله الباهرة إلا ولا يجد بدا من تعظيمه، من شدة مداراة علي بن الحسين عليهما السلام، وحسن معاشرته إياه، وأخذه من التقية بأحسنها وأجملها [253] .

التقية المداراتية تغلق منافذ التشكيك بوجه الباطل

التي يتسلل منها أعداء الحق لترويج الباطل بنحو أن الشيعة لا يصلون المغرب حتي تشتبك النجوم وغير هذا من المزاعم التي ما أنزل الله بها من سلطان. فبمعاشرتهم للمخالف ومخالطتهم إياه سيعرف الحق، ولن يكون هناك مجال لإغرائه بالباطل من جديد. ونكتفي بهذا القدر من فوائد التقية التي تكشف عن أهميتها ودورها الإيجابي في حياة الفرد والمجتمع، لننتقل إلي بيان الفرق بينها وبين النفاق. [ صفحه 122]

الفرق بين التقية والنفاق

اشاره

حينما نقول: إن في التقية عز المؤمن، فلا شك أن في النفاق ذل المنافق، وحينما نقول: إن في التقية المداراتية يلم شمل المسلمين وتأتلف قلوبهم، فلا شك أن في النفاق فرقتهم وشرذمتهم وزرع العداوة والبغضاء في ما بينهم. وهكذا حينما نرجع إلي فوائد التقية، نعلم جيدا، أن كل فائدة من فوائدها يشكل نقيضها صفة للنفاق، وحينئذ تعلم الفروق الشاسعة بينهما، لوضوح أن النفاق - مع خلوه عن كل فائدة - يعد من أخس الصفات وأسوءها، ويكفي أن أعلن الشارع المقدس عن مصير المنافقين وشدد النكير عليهم بقوله الكريم: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) [254] بينما جاء وصف من استخدم التقية في موردها كما مر في أدلتها بأنه من المؤمنين. ومع وضوح هذا الأمر، إلا أنا سنبين باختصار بعض الفروق بين التقية والنفاق، إذ ربما لا يستهدي البعض إليها من خلال مراجعة فوائد التقية وتصور نقائضها في النفاق، لا سيما مع وجود من لم يفرق بينهما كما يظهر من بعض البحوث والكتابات المعاصرة، ومن بين هذه الفروق ما يأتي: [ صفحه 123]

التقية ثبات القلب علي الإيمان و إظهار خلافه باللسان

فقط، لضرورة مقبولة شرعا وعقلا. والنفاق عكس ذلك تماما فهو ثبات القلب علي الباطل وإظهار الحق علي اللسان فقط، بحيث لا يتعدي فعل المنافق إلي فعل المؤمن، وأين هذا من ذاك؟

التقية لا تكون من غير ضرورة أو مصلحة معتد بها شرعا

وأما النفاق فهو خال من كل ذلك تماما، فهو مرض في قلوب المنافقين الذين يحسبون كل صيحة عليهم، فكيف يستويان؟ ومن هذا النفاق الدخول علي سلاطين الجور والأمراء الفسقة وإطرائهم بما ليس فيهم وتزكيتهم من دون أدني ضرورة وبلا إكراه وإنما لأجل التزلف إليهم ثم ذمهم عند الخروج منهم كما كان يفعله عريف الهمداني، وعروة بن الزبير، وناس من التابعين، مما حمل بعض الصحابة علي تنبيههم علي هذا النفاق [255] .

اعتني القرآن الكريم ببيان رفع الحرج والعسر والشدة والضرر

وكذلك السنة النبوية، زيادة علي طرح الفقهاء لجملة من القواعد الفقهية المبينة لذلك، وكل هذا يدخل في دائرة التقية وبيان حكمها الشرعي، وفي المقابل جاء التحذير الشديد بشأن النفاق وبيان مساوئه، ولم يعد القرآن الكريم من اتقي إلا بكل خير، بينما وعد المنافقين بكل عذاب مهين.

جواز التقية ثابت بنص القرآن الكريم

وحرمة النفاق ثابتة بعشرات النصوص القرآنية، ولو جاز القول بأن التقية نفاق، فلم يبق [ صفحه 124] إلا القول بأن الشريعة الإسلامية أحلت للمسلمين النفاق ثم نسخ هذا الحكم بالحرمة، وهو كما تري قول مضحك لا يقوله إلا السفيه الأحمق.

التقية فضيلة

كما مر - والنفاق رذيلة بلا شك، فكيف يجوز حمل أحدهما علي الآخر.

قولهم بنظرية عدالة الصحابة يثبت الفرق بين التقية والنفاق

بأوضح وجه، لثبوت عمل الصحابة بالتقية كما سنبرهن عليه في الفصل الرابع، ومعني قولهم أن التقية نفاق يعني أن عدول الصحابة منافقون. وهذا ما لا يرتضيه المنافقون أنفسهم. ونكتفي بهذه الفروق لنبين باختصار الأسباب المؤدية إلي هذا القول الساذج البعيد كل البعد عن العلمية والموضوعية.

اسباب القول بأن التقية من النفاق

اشاره

هناك جملة من الأسباب الداعية إلي هذا القول (المعاصر) علي الرغم مما يترتب عليه من آثار سلبية خطيرة تحدد مقدار ما يمتلكه أصحابه من الثقافة الإسلامية، مع مدي موضوعيتهم، وقيمة مزاعمهم، فضلا عن درجة صلتهم برسالة الإسلام، لما مر من أن التقية من المفاهيم الإسلامية الثابتة ثبوت أي مفهوم إسلامي آخر متفق عليه، وأنها ضرورة شرعية لا يختلف ثبوتها عن ثبوت أية ضرورة شرعية أخري، زيادة علي كونها ضرورة عقلية أيضا، وأبعد من ذلك أنها من الغرائز الفطرية التي يشترك بها الإنسان والحيوان معا، ومن هنا كان السعي إلي النفع واتقاء الخطر مشاهدا حتي عند الحيوانات التي ليس من شأنها أن تفقه دليلا شرعيا كان أو عقليا. [ صفحه 125] وهذا يدل علي أن إنكار التقية ووصفها بالنفاق، إنما هو إنكار للفطرة، فضلا عن كونه إنكارا لضرورة شرعية وعقلية. وعليه لا بد من التوفر علي أسباب هذا القول الساذج المتطرف، فنعرضها كالآتي:

الجهل بمعني التقية، و عدم القدرة الكافية علي التفريق بينها

وبين النفاق لشبهة اشتراكهما بصفة إظهار الإنسان لشئ هو علي خلاف ما يبطن.

حسن ظن الخلف بما قاله المتعصب

كالفخر الرازي في كتابه: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين: 365، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت / 1404 ه. والشهرستاني في الملل والنحل 1: 159 - 160، ط 3، مطبعة أمير، قم / 1409 ه، فقد ذكرا أن التقية من وضع الرافضة! وهو كما تري لا يليق بشأنهما بأي وجه من الوجوه. أو الشاذ من السلف [256] مع تقليدهم تقليدا أعمي من غير روية ولا تحقيق أو تدقيق [257] ! [ صفحه 126]

التمسك بالقسم المحرم من التقية

لعدم معرفة أقسامها الأخر من الوجوب، والإباحة، والاستحباب، والكراهة، كما بيناه في أقسامها.

نصرة الآراء الموروثة والتعصب لها

وعدم تحقيق الأمور علي وجوهها، مع تعميم هذا الاتجاه السلبي بين البسطاء من الناس، لكي يتمرنوا تدريجيا علي قبوله واعتقاد صحته، ورفض ما خالفه مهما كانت أدلته. [ صفحه 127]

الخوف الحقيقي من التقريب بين المذاهب

الإسلامية، والعمل بكل وسيلة للإطاحة بكل المساعي الشريفة الرامية إلي جمع كلمة المسلمين، لأن في وحدة المسلمين القضاء المحتم علي تلك الشرذمة التي عرفت بشذوذها أصولا وفروعا.

اشاعة الكذب المحض علي الشيعة الإمامية بهدف التشنيع

عليهم ولو بالكذب علي جميع المسلمين كزعمهم أن التقية من النفاق، أو كقولهم عن الشيعة الإمامية:... وهم يتوسعون في مفهوم التقية إلي حد اقتراف الكذب والمحرمات [258] ونحو هذا من الأكاذيب المعبرة عن عدم الشعور بالمسؤولية، مع انعدام الحياء، وفقدان الورع والتقوي.

الدعم المادي الذي تقدمه بعض الجهات المشبوهة بصلاتها

المعروفة مع أعداء المسلمين لمن باع ضميره وذمته لقاء ثمن بخس دراهم معدودة لترويج الباطل الذي يضمن سلامة عروشهم عبر ديمومة الوضع الراهن وبقائه في مجتمعنا الإسلامي، حتي وإن أدي ذلك إلي الطعن بمفاهيم الإسلام كمفهوم التقية وغيرها من المفاهيم الإسلامية الناصعة مثل التوسل بالأنبياء والصالحين، وزيارة قبورهم، وطلب شفاعتهم ونحوها. ولكي تتضح الحقيقة أكثر، وتغلق المنافذ بوجه المشعوذين والمشنعين علي الشيعة بالتقية، فلا بد من بيان بعض الصور الواردة في كتب العامة في التقية علي مستوي القول والفعل والفتوي، لكي يكون ذلك بمثابة المرآة الصافية التي يمكن النظر من خلالها إلي ما هو موجود [ صفحه 128] فعلا من صور التقية في كتب العامة، وهو ما سنتناوله في الفصل الرابع من هذا البحث، مراعين بذلك الاختصار فيما سنذكره من تلك الصور في مباحثه الثلاثة الآتية. [ صفحه 129]

صور التقية في كتب العامة

الصور القولية في التقية

اشاره

روي العامة الكثير من التقية القولية الصادرة عن الصحابة والتابعين وغيرهم، منبهين علي أن الأخبار أو الآثار التي سنوردها من كتب العامة في هذا الفصل لا تعبر بالضرورة عن التزامنا بدلالتها علي التقية واقعا، لا سيما فيما سيأتي من الصور الفعلية في المبحث الثاني، لكون بعضها أقرب إلي النفاق منه إلي التقية، وإلا فهو - علي أقل تقدير - من التقية، ولكن في غير موضعها المطلوب شرعا. ومهما يكن، فسوف نذكر من الصور القولية في التقية ما يأتي:

تقية عمار بن ياسر و جماعته

وهي أوضح من نار علي علم، والإطالة فيها إطالة في الواضحات، ويكفي أنه نزل في عذره علي ما واقي المشركين عليه من القول، قرآنا مبينا، وقد علم الكل منزلة عمار من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ويكفي أنه ملئ [ صفحه 130] إيمانا من فرقه إلي قدمه.

تقية ابن مسعود

عن الحارث بن سويد قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ما من ذي سلطان يريد أن يكلفني كلاما يدرأ عني سوطا أو سوطين إلا كنت متكلما به. أخرجه ابن حزم في المحلي، وقال: ولا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف [259] .

تقية أبي الدرداء و أبي موسي الأشعري

أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أبي الدرداء أنه كان يقول: إنا لنكشر في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم [260] . وقد بينا سابقا من نسب هذا القول إلي أبي موسي الأشعري، كما ورد نظيره عند الإمامية منسوبا إلي أمير المؤمنين علي عليه السلام، وقد تقدم أيضا.

تقية ثوبان و إباحته الكذب في بعض المواطن:

أورد عنه الغزالي أنه كان يقول: الكذب إثم إلا ما نفع به مسلما، أو دفع عنه ضررا [261] . علما بأن التقية لم تكن من الكذب كما يتصورها بعض الجهلاء، ويدل علي ذلك أن الله تعالي أخرجها عن حكم الافتراء فقال عز وجل: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون - من كفر بالله [ صفحه 131] من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) [262] . قال تاج الدين الحنفي في تفسيره: والمعني: إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، واستثني منه المكره، فلم يدخل تحت حكم الافتراء [263] . أقول: أخرج ابن أبي الدنيا بسنده عن سوار بن عبد الله، قال: إن ميمونا [264] كان جالسا وعنده رجل من قراء أهل الشام، فقال: إن الكذب في بعض المواطن خير من الصدق، فقال الشامي: لا، الصدق في كل المواطن خير. فقال ميمون: أرأيت لو رأيت رجلا وآخر يتبعه بالسيف، فدخل الدار فانتهي إليك. فقال: أرأيت الرجل؟ ما كنت فاعلا؟ قال: كنت أقول: لا. قال: فذاك [265] . علي أن الكذب هو ما عقد كذبا، والتقية إنما تعقد للإحسان، والإصلاح، ودفع الضرر، وتحقيق المصالح المشروعة، وفي الحديث الشريف: إنما الأعمال بالنيات، ثم كيف تكون التقية كذبا! وقد اتقي قومه أشرف الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وآله وسلم؟ [ صفحه 132]

تقية أبي هريرة

أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة أنه قال: حفظت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعاءين: فأما أحدهما، فبثثته. وأما الآخر، فلو بثثته قطع هذا البلعوم [266] . وقد صرح ابن حجر في فتح الباري بأن العلماء حملوا الوعاء الذي لم يبثه علي الأحاديث التي تبين أسامي أمراء السوء وأحوالهم، وأنه كان يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفا علي نفسه منهم، كقوله: (أعوذ بالله من رأس الستين وإمارةالصبيان) يشير إلي حكم يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة [267] .

تقية ابن عباس من معاوية

أخرج الطحاوي بسنده عن عطاء أنه قال: قال رجل لابن عباس رضي الله عنه: هل لك في معاوية أوتر بواحدة؟ - وهو يريد أن يعيب معاوية - فقال ابن عباس: أصاب معاوية. هذا في الوقت الذي بين فيه الطحاوي ما يدل علي إنكار ابن عباس صحة صلاة معاوية، فقد أخرج بسنده عن عكرمة، قال: كنت مع ابن عباس عند معاوية نتحدث حتي ذهب هزيع من الليل، فقام معاوية فركع ركعة واحدة، فقال ابن عباس: من أين تري أخذها الحمار؟. قال الطحاوي بعد ذلك: وقد يجوز أن يكون قول ابن عباس: (أصاب [ صفحه 133] معاوية) علي التقية له ثم أخرج عن ابن عباس في الوتر أنه ثلاث [268] . أقول: هو عين التقية، إذ كيف يستصوب حبر الأمة صلاة حمار!

تقية سعيد بن جبير و سعيد بن المسيب

أخرج أبو عبيدة القاسم بن سلام عن حسان بن أبي يحيي الكندي، قال: سألت سعيد بن جبير عن الزكاة؟ فقال: ادفعها إلي ولاة الأمر. قال: فلما قام سعيد تبعته، فقلت: إنك أمرتني أن أدفعها إلي ولاة الأمر، وهم يصنعون بها كذا، ويصنعون بها كذا؟! فقال: ضعها حيث أمرك الله، سألتني علي رؤوس الناس فلم أكن لأخبرك [269] . وأخرج أيضا عن قتادة أنه سأل سعيد بن المسيب السؤال نفسه؟ فسكت ابن المسيب ولم يجبه. قال الدكتور الهراس في هامشه: يظهر أن سعيدا رحمه الله كان لا يري دفعالزكاة إلي ولاة بني أمية، ولهذا سكت [270] . هذا وقد أورد العلامة الأميني تقية سعيد بن المسيب من سعد بن أبي وقاص في سؤاله إياه عن حديث الغدير، فراجع [271] .

تقية رجاء بن حياة

قال القرطبي المالكي: وقال إدريس بن يحيي: كان الوليد بن عبد الملك [ صفحه 134] يأمر جواسيس يتجسسون الخلق، ويأتون بالأخبار، فجلس رجل منهم في حلقة رجاء بن حياة فسمع بعضهم يقع في الوليد، فرفع ذلك إليه. فقال: يا رجاء! أذكر بالسوء في مجلسك ولم تغير؟! فقال: ما كان ذلك يا أمير المؤمنين. فقال له الوليد: قل الله الذي لا إله إلا هو. قال: الله الذي لا إله إلا هو. فأمر الوليد بالجاسوس، فضرب سبعين سوطا. فكان يلقي رجاء فيقول: يا رجاء! بك يستسقي المطر وسبعين سوطا في ظهري!! فيقول رجاء: سبعون سوطا في ظهرك خير لك من أن يقتل رجل مسلم [272] . أقول: إن تقية رجاء هنا مضاعفة. أما أولا، فبإظهاره خلاف الواقع تقية. وأما ثانيا، فبمخاطبته لمثل الوليد الفاسق اللعين بخطاب الموافقين تقية أيضا. وقد حصل نظير هذه التقية لسعيد بن أشرس - صاحب مالك بن أنس - مع سلطان تونس، إذ كان قد آوي رجلا يطلبه السلطان، ولما أحضر أنكر ذلكوحلف بأنه ما آواه ولا يعلم له مكانا [273] . [ صفحه 135]

تقية واصل بن عطاء

قال ابن الجوزي الحنبلي: خرج واصل بن عطاء يريد سفرا في رهط، فاعترضهم جيش من الخوارج فقال واصل: لا ينطقن أحد ودعوني معهم، فقصدهم واصل، فلما قربوا بدأ الخوارج ليوقعوا. فقال: كيف تستحلون هذا وما تدرون من نحن، ولا لأي شئ جئنا؟ فقالوا: نعم، من أنتم؟ قال: قوم من المشركين جئناكم لنسمع كلام الله. قال: فكفوا عنهم، وبدأ رجل منهم يقرأ القرآن، فلما أمسك، قال واصل: قد سمعت كلام الله، فأبلغنا مأمننا حتي ننظر فيه وكيف ندخل في الدين! فقال: هذا واجب، سيروا. قال: فسرنا والخوارج - والله - معنا يحموننا فراسخ، حتي قربنا إلي بلد لا سلطان لهم عليه، فانصرفوا [274] .

تقية عمرو بن عبيد المعتزلي

بعد ثورة إبراهيم بن عبد الله وأخيه محمد ذي النفس الزكية علي المنصور العباسي التي انتهت بقتلهما، قال المنصور - يوما - لعمرو بن عبيد: بلغني أن محمدا بن عبد الله بن الحسن كتب إليك كتابا قال عمرو: قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه. قال: فبم أجبته؟ قال: أوليس قد عرفت رأيي في السيف أيام كنت تختلف إلينا، أني لا أراه؟! قال المنصور: أجل، ولكن تحلف لي ليطمئن قلبي!! قال عمرو: لئن كذبتك تقية، لأحلفن لك تقية. قال المنصور: والله، والله، أنت الصادق البر [275] . [ صفحه 136]

تقية أبي حنيفة من القاضي ابن أبي ليلي

أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده عن سفيان بن وكيع قال: جاء عمر بن حماد بن أبي حنيفة فجلس إلينا، فقال: سمعت أبي حماد يقول: بعث ابن أبي ليلي إلي أبي حنيفة فسأله عن القرآن؟ فقال: مخلوق. فقال: تتوب وإلا أقدمت عليك؟ قال: فتابعه فقال: القرآن كلام الله. قال: فدار به في الخلق يخبرهم أنه قد تاب من قوله: القرآن مخلوق. فقال أبي: فقلت لأبي حنيفة: كيف صرت إلي هذا وتابعته؟ قال: يا بني خفت أن يقدم علي فأعطيته التقية [276] . ولعدم جدوي الإكثار من صور التقية القولية سنكتفي في اختتام هذا المبحث بما قاله الشيخ مرتضي اليماني - بهذا الصدد - فيما نقله عنه جمال الدين القاسمي في تفسيره. قال: وزاد الحق غموضا وخفاء أمران: أحدهما: خوف العارفين - مع قلتهم - من علماء السوء، وسلاطين الجور وشياطين الخلق، مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن، وإجماع أهل الإسلام، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق، ولا برح المحق عدوا لأكثر الخلق.. [277] . [ صفحه 137]

الصور الفعلية في التقية

اشاره

إن الأفعال الواردة تقية، المنسوبة إلي الصحابة أو التابعين وغيرهم من علماء المذاهب والفرق الإسلامية في كتب العامة أكثر من أن تحصي، وسوف نقتطف منها ما يأتي:

ما فعله ابن مسعود و ابن عمر

كان ابن مسعود يتقي من الوليد بن عقبة بن أبي معيط والي عثمان علي المدينة، فيصلي خلفه، علي الرغم من أن الوليد هذا كان مشهورا بالفسق وشرب الخمر، حتي أنه جلد علي شرب الخمر في عهد عثمان [278] ، وكان يأتي المسجد ثملا ويؤم الصحابة في الصلاة. وفي شرح العقيدة الطحاوية: أنه صلي بهم الصبح مرة أربعا!! ثم قال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة [279] . وأما ابن عمر فقد كان يصلي خلف العتاة الفاسقين ويأتم بهم كالحجاج ابن يوسف الثقفي [280] وكان المعروف عنه أنه لا يأتي أمير إلا صلي خلفه وأدي إليهزكاة ماله [281] . [ صفحه 138] وفي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي منبره يقول: لا تؤمن امرأة رجلا، ولا يؤم أعرابي مهاجرا، ولا يؤم فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطانه أو يخاف سوطه أو سيفه. وبهذا الحديث احتج ابن قدامة الحنبلي قائلا: لا تجوز الصلاة خلف المبتدع والفاسق في غير جمعة وعيد، يصليان بمكان واحد من البلد، فإن من خاف منه إن ترك الصلاة خلفه، فإنه يصلي خلفه تقية ثم يعيد الصلاة [282] . ومنه يعلم أنه لا معني لصلاة ابن مسعود وابن عمر خلف الفاسقين غير التقية. ويؤيد خوف ابن مسعود من الظالمين ما مر في تقيته القولية من قوله: ما من سلطان يريد أن يكلفني كلاما يدرأ عني سوطا أو سوطين إلا كنت متكلما به. وأما خوف ابن عمر فيدل عليه مبايعته ليزيد بن معاوية وإنكاره علي عبد الله بن مطيع خروجه علي يزيد أبان ما كان من موقعة الحرة الشهيرة [283] مع أن يزيد كان فاسقا كافرا بإجماع أهل الحق من هذه الأمة. ويدل علي خوفه أيضا ما رواه الهيثمي بسنده عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: سمعت الحجاج يخطب، فذكر كلاما أنكرته، فأردت أن أغير، فذكرت قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، [ صفحه 139] قال: قلت: يا رسول الله! كيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق) [284] . ويظهر من تاريخ ابن عمر أنه وقر هذا الحديث في سمعه وطبقه في غير موضعه مرارا في حياته. منها: مبايعته ليزيد حينما خاف سيفه ولم ينكر عليه كما أنكر الأحرار من هذه الأمة. ومنها: أنه حينما أمن من سوط أمير المؤمنين علي عليه السلام، وسيفه، لم يبايعه واعتزل الأمر، ولو كان هناك أدني خوف علي حياته لبايع راغما. ومنها: سكوته علي التعريض المباشر الذي وجهه إليه معاوية بعد أحداث قصة التحكيم المعروفة بقوله - كما في صحيح البخاري -: من كان يريد أنيتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، ولنحن أحق به منه ومن أبيه [285] . وقد صرح العلماء بأن مراد معاوية بقوله: (منه ومن أبيه) هو التعريض بابن عمر، أي: ولنحن أحق به من عبد الله بن عمر ومن أبيه عمر بن الخطاب [286] . وقد فهم ابن عمر هذا التعريض ولكنه سكت هلعا من معاوية وزبانيته، باعترافه هو كما في ذيل حديث البخاري، قال ابن عمر: [ صفحه 140] فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر من قاتلك وأباك علي الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك الدم.

ما فعله عبدالله بن حذافة السهمي القرشي

هذا الصحابي أرسله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بكتابه إلي كسري يدعوه إلي الإسلام، في قصة مشهورة، وقد أسرته الروم في بعض غزواته علي قسارية في عهد عمر، وأكرهه ملك الروم علي تقبيل رأسه فلم يفعل فقال له - في قول ابن عباس -: قبل رأسي وأطلقك وأطلق معك ثمانين من المسلمين. قال: أما هذه فنعم، فقبل رأسه وأطلقه، وأطلق معه ثمانين من المسلمين، فلما قدموا علي عمر بن الخطاب قام إليه عمر فقبل رأسه، قال: فكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يمازحون عبد الله، فيقولون: قبلت رأس علج. فيقول لهم: أطلق الله بتلك القبلة ثمانين من المسلمين [287] .

ما فعله جابر بن عبدالله الأنصاري من بسر بن أبي أرطأة

أورد اليعقوبي في تاريخه: أن معاوية وجه بسر بن أبي أرطأة في ثلاثة آلاف رجل إلي المدينة ثم مكة ثم صنعاء ليدخل الرعب في نفوس المسلمين، فطبق وصيته حتي أنه خطب بأهل المدينة وشتمهم قائلا: يا معشر اليهود وأبناء العبيد.. أما والله لأوقعن بكم وقعة تشفي غليل صدور المؤمنين.. ودعا الناس إلي بيعة معاوية فبايعوه،.. وتفقد جابر بن عبد الله.. فانطلق جابر بن عبد الله الأنصاري إلي أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: إني خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلال؟ [ صفحه 141] قالت: إذن فبايع، فإن التقية حملت أصحاب الكهف علي أن كانوايلبسون الصلب، ويحضرون الأعياد مع قومهم [288] . ونظيرها في رواية ابن أبي الحديد أيضا [289] .

ما فعله حذيفة بن اليمان

هذا الرجل الصحابي كان معروفا بالمداراة، حتي قال السرخسي الحنفي في مبسوطه: وقد كان حذيفة رضي الله عنه ممن يستعمل التقية علي ما روي أنه يداري رجلا، فقيل له: إنك منافق!! فقال: لا، ولكني أشتري ديني بعضهببعض مخافة أن يذهب كله [290] .

ما فعله الزهري في كتم فضائل أميرالمؤمنين علي

أخرج ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة جندع الأنصاري الأوسي بسنده عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قال: سمعت سعيد بن جناب يحدث عن أبي عنفوانة المازني، قال: سمعت أبا جنيدة جندع بن عمرو بن مازن، قال: سمعت النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وسمعته - وإلا صمتا - يقول: وقد انصرف من حجة الوداع، فلما نزل غدير خم، قام في الناس خطيبا وأخذ بيد علي، وقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال عبيد الله: فقلت للزهري: لا تحدث بهذا بالشام، وأنت تسمع ملء [ صفحه 142] أذنيك سب علي. فقال: والله إن عندي من فضائل علي ما لو تحدثت بهالقتلت [291] . أقول: وقد كان زيد بن أرقم الصحابي المعروف يتقي من الأمويين وأذنابهم في كتم حديث الغدير، وقد أشار لهذا أحمد في مسنده من طريق ابن نمير، عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختنا لي حدثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك؟ فقال: إنكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم! فقلت له: ليس عليك منيبأس... الخبر [292] .

ما فعله أبو حنيفة مع المنصور العباسي

كان أبو حنيفة يجاهر في أمر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، ويفتي الناس بالخروج معه علي المنصور العباسي، ولكن لما انتهت ثورة إبراهيم بقتله، تولي أبو حنيفة نفسه مهمة الإشراف علي ضرب اللبن وعده في بناء مدينة بغداد بأمر المنصور العباسي [293] . ولا شك أنه كان كارها لذلك، ولكنه اتقي من بطش المنصور في هذه الوظيفة التي كلف بها من قبل المنصور نفسه الذي كان علي علم بموقفه من ثورة إبراهيم بن عبد الله، فحاول أن يجد مبررا لقتله في هذه المهمة، [ صفحه 143] ولكن أبا حنيفة أدرك ذلك منه فاتقاه في قبول ذلك العمل. ومن تقيته الفعلية مع المنصور أيضا ما رواه الخطيب في تاريخه من أن أبا حنيفة قبل قضاء الرصافة في آخر أيامه بعد الضغط الشديد عليه بحيث لم يجد بدا من ذلك. وقد أيد هذا ابن خلكان أيضا، فذكر أن المنصور لما أتم بناء مدينة بغداد أرسل إلي أبي حنيفة، وعرض عليه قضاء الرصافة فأبي، فقال المنصور: إن لم تفعل ضربتك بالسياط! قال أبو حنيفة: أو تفعل؟ قال: نعم. فقعد أبو حنيفة في القضاء يومين، فلم يأته أحد، فلما مضي يومان اشتكي أبو حنيفة ستة أيام ثم مات [294] .

ما فعله مالك بن أنس مع الأمويين والعباسيين

ويدل علي تقيته من الأمويين ما قاله الذهبي في ميزان الاعتدال، قال: وقال مصعب، عن الدراوردي، قال: لم يرو مالك، عن جعفر، حتي ظهر أمر بنيالعباس [295] . وقد صرح أمين الخولي (ت / 1385 ه)، بأن امتناع مالك بن أنس من الرواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في عهد الأمويين، إنما هو بسببخشيته منهم [296] . [ صفحه 144] وأما عن تقيته من العباسيين فهي كنار علي علم لا تخفي علي معظم الباحثين المطلعين علي حياته في ظل الدولة العباسية. فقد كان مؤيدا لثورة محمد بن عبد الله وأخيه إبراهيم علي المنصور العباسي ولكن سرعان ما تم توطيد العلاقة بينه وبين المنصور نفسه بفضل التقية حتي أصبح ذلك الرجل الناقم علي المنصور جبروته وطغيانه والمفتي بالخروج عليه والمحث علي خلع بيعته، هو نفسه - كما جاء في مقدمة تحقيق كتابه الموطأ - الرجل الذي يأمر بحبس من يشاء، أو يضرب من يريد وفي دولة المنصور نفسه [297] !!

صور التقية في فقه العامة

اشاره

الأحكام الشرعية الفرعية: إما عبادات كالصوم والصلاة، أو معاملات. والمعاملات: إما أن تكون عقودا مثل البيع والشراء، أو إيقاعات كالطلاق والعتق، أو أحكاما مثل الحدود والتعزيرات. ومع كون التقية من الفروع الشرعية بلا خلاف، إلا أن فقهاء العامة لم يفردوا لها عنوانا باسم التقية في كتبهم الفقهية، وإنما بحث معظمهم مسائلها في قسم العقود من المعاملات، وتحديدا في كتاب الإكراه. والسبب في ذلك، هو علاقة التقية بالإكراه مع دخول كل منهما في أغلب الفروع الشرعية. وهذا السبب ليس كافيا في الواقع، فالشهادات مثلا مع [ صفحه 145] صلتها الوثقي بالقضاء، ودخولها في أغلب الفروع إلا أنهم أفردوا لها عنوانا، وكذلك الحال مع الاقرار والصلح وغيرهما من العناوين الفقهية، وهذا ما يسجل ثغرة في المنهج الفقهي الخاص بترتيب مسائل الفقه وتبويبها. بل، وثمة إشكال آخر علي بحث مسائل التقية تحت عنوان الإكراه، لما مر سابقا من انتفاء الإكراه في بعض أقسام التقية، ولهذا ترك بعضهم مسائلها موزعة علي مواردها في أغلب الأبواب الفقهية. ومن هنا صار بحث التقية فقهيا بحثا مضنيا يتطلب الرجوع إلي أبواب الفقه كافة، بغية الوقوف علي مسائلها، وهو ما حاولنا القيام به، مع مراعاة الاختصار باجتناب الإطالة ما أمكن، والاكتفاء بالأهم دون المهم، والبعد عن كل ما فيه من غموض أو تعقيد. وقد ارتأينا تقسيم مسائلها علي غرار التقسيم الفقهي السائد لفروع الأحكام، مسبوقا بما اتصل منها بركن الرسالة الأعظم: الإيمان بالله تعالي ورسوله الكريم صلي الله عليه وآله وسلم، أو بالأخلاق والآداب العامة كما في مداراة الناس ومعاشرتهم بالحسني، كما سنبينه قبل ذلك التقسيم، وعلي النحو الآتي.

افتاء فقهاء العامة بجواز التقية في لب العقيدة و جوهرها

ويدل عليه أمور: 1- قولهم بجواز تلفظ كلمة الكفر بالله تعالي والقلب مطمئن بالإيمان، عند الإكراه عليها [298] . [ صفحه 146] وقد مر في دليل الإجماع أكثر من تصريح لهم بالإجماع علي ذلك. 2 - تجويزهم سب النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حال التقية [299] . 3 - تجويزهم أيضا السجود إلي الصنم في ما لو أكره المسلم عليه [300] . وإذا كان كل هذا جائزا عندهم في حال التقية، فمن باب أولي جوازها عندهم في سائر أصول العقيدة، بل وفي سائر فروعها أيضا. وكيف ينال المسك وتسلم فأرته؟

افتاؤهم بجواز التقية في الآداب والأخلاق العامة

ويدل عليه قول الشيخ المراغي: ويدخل في التقية مداراة الكفرة، والظلمة، والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسم في وجوههم، وبذل المال لهم لكف أذاهم، وصيانة العرض منهم، ولا يعد هذا من الموالاة المنهي عنها، بل هو مشروع [301] . ولعل في مداراة الفرقة الوهابية لسائر المسلمين في عدم تهديم قبر [ صفحه 147] النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإظهارهم في ذلك بخلاف ما يعتقدون بشأن هدم القبور مطلقا خير دليل علي تقيتهم المداراتية.

افتاؤهم بجواز التقية في العبادات

اشاره

ونكتفي بأهم العبادات التي جوزوا التقية فيها وقس عليها ما سواها.

جواز التقية في الصلاة خلف الفاسق

مر سابقا عن ابن قدامة الحنبلي قوله: لا تجوز الصلاة خلف المبتدع والفاسق في غير جمعة وعيد، فيصليان بمكان واحد من البلد، فإن من خاف منه إن ترك الصلاة خلفه، فإنه يصلي خلفه تقية ثم يعيد الصلاة.

جواز ترك الصلاة تقية

اتفق المالكية والحنفية والشافعية علي جواز ترك الصلاة المفروضة في ما لو أكره المسلم علي تركها [302] .

جواز الإفطار في شهر رمضان تقية

صرح المالكية والحنفية والشافعية بعدم ترتب الإثم علي من أفطر في شهر رمضان تقية بسبب ضغط الإكراه عليه [303] .

الافتاء العجيب بشأن الإفطار المتعمد قبل الإكراه عليه

ومن الفتاوي العجيبة الداخلة في دائرة التقية عند الأحناف، ما رواه [ صفحه 148] ابن زياد عن أبي حنيفة، كما في قول الفرغاني الحنفي: إنه لو أفطر الصائم في يوم من أيام شهر رمضان عن عمد وإصرار، ثم أكرهه السلطان بعد ساعة أو ساعتين علي إفطاره المتعمد علي السفر في ذلك اليوم، فإنه سيكون حكمه حكم المكره، وتسقط عنه الكفارة [304] !!

سقوط الكفارة عمن جامع امرأته كرها في شهر رمضان

قال الفرغاني: لو أكره الرجل علي أن يجامع امرأته في شهر رمضان فلا كفارة عليه ويجب القضاء [305] .

افتاؤهم بجواز التقية في المعاملات

العقود

اشاره

وتقتصر علي بعض مسائله وهي:

جواز التقية في البيع والشراء

تصح التقية فيهما بلا خلاف بين المالكية والحنفية [306] ، كما صححها غيرهم كالظاهرية [307] .

جوازها في الوكالة

صرح القرطبي المالكي - كما مر في تقية أصحاب الكهف - بالاتفاق علي صحة توكيل الإنسان حال التقية، فراجع.

جوازها في الهبة

وهي أيضا مما تصح فيه التقية عند المالكية [ صفحه 149] والحنفية والظاهرية، مشروطة بقيد الإكراه عليها [308] .

الايقاعات

اشاره

ونكتفي منها بالصور الآتية:

جواز التقية في الطلاق

لو طلق الإنسان زوجته تقية بسبب الإكراه، فهل يصح الطلاق، أو لا يصح، بمعني: هل يقع الطلاق تقية أو لا؟ اختلفوا في ذلك علي قولين، أحدهما الوقوع، والآخر عدمه. فمن أجاز طلاق المكره، هم: أبو قلابة، والشعبي، والنخعي، والزهري، وأبو حنيفة، وصاحباه، قالوا: لأنه طلاق من مكلف في محل يملكه، فينفذ كطلاق غير المكره. وأما من ذهب إلي عدم وقوع مثل هذا الطلاق، لأنه وقع تقية بلا رضا الزوج فهم: أمير المؤمنين علي عليه السلام، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وابن الزبير، وجابر بن سمرة، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعكرمة، والحسن البصري، وجابر بن زيد، وشريح القاضي، وعطاء، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز، وابن عون، وأيوب السختياني، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، صرح بكل هذا ابن قدامة الحنبلي واختارالقول الثاني [309] . [ صفحه 150] وهو الصحيح الذي عليه المالكية [310] والشافعية [311] والحنبلية [312] ، كما اختارهبعض فقهاء الأحناف [313] .

جوازها في العتق

تجوز التقية فيه عند المالكية [314] ، وغيرهم [315] ، مع عدم ترتب آثارها بمعني عدم وقوع العتق في حال التقية، لحصوله من غير رضا المعتق.

جوازها في اليمين الكاذبة

لو حلف إنسان بالله كاذبا، فلا كفارة عليه إن كان مكرها علي اليمين، وله ذلك تقية علي نفسه، وتكون يمينه غير ملزمة عند مالك والشافعي وأبي ثور، وأكثر العلماء علي حد تعبير النووي الشافعي، واستدل بحديث: ليس علي مقهور يمين [316] . أقول: صرح بهذا الشافعي ونسبه إلي عطاء بن أبي رياح [317] وقد أفتي به غير واحد من فقهاء المالكية [318] ونقل القرطبي عن ابن الماجشون: إنه لا فرق في ذلك بين أن تكون اليمين طاعة لله تعالي، أو معصية، وإنه [ صفحه 151] لا حنث عند الإكراه علي اليمين الكاذبة [319] وهذا هو محل اتفاق فقهاء الأحناف [320] . وقد كان مالك بن أنس يقول لأهل المدينة في شأن بيعتهم للطاغية المنصور العباسي: إنكم بايعتم مكرهين، وليس علي مكره يمين [321] يحثهم بهذه الفتيا علي الخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن للثورة علي المنصور. [ صفحه 152]

الاحكام

جواز التقية في حكم الأطعمة والأشربة المحرمة

أفتي القرطبي المالكي بجواز التقية في شرب الخمر [322] ، وقالت الحنفية: تجوز التقية إذا كان الإقدام علي الفعل أولي من الترك، وقد تجب إذا صار بالترك آثما، كما لو أكره علي أكل لحم الميتة أو أكل لحم الخنزير، أو شرب الخمرة [323] . وهذه المحرمات المذكورة تجوز كلها إن كان المتقي بإتيانها مكرها عليها بغيرالقتل، وأما لو كان الإكراه عليها بالقتل، فقد صرح الشافعية بوجوبها [324] . وقال ابن حزم الظاهري: فمن أكره علي شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة أو الدم أو بعض المحرمات، أو أكل مال مسلم أو ذمي، فمباح له أن يأكلويشرب ولا شئ عليه لا حد ولا ضمان [325] . وقد عرفت أن التقية في شرب الخمر ممنوعة عند فقهاء الشيعة ما لم يصل الإكراه إلي حد القتل.

جوازها في الزنا

إذا أكره الرجل علي ارتكاب هذه الجريمة، واتقي علي نفسه بارتكابها فهل يسقط الحد عليه أو لا؟ [ صفحه 153] اختلفوا علي قولين: أحدهما: سقوط الحد عنه، وهو قول القرطبي المالكي [326] ، وابن العربي المالكي [327] ، والفرغاني الحنفي [328] ، وابن قدامة الحنبلي [329] ، وابن حزم [330] ، وقال أبو حنيفة: يسقط الحد إن كان الإكراه من السلطان، وإلا حد استحسانا [331] . والآخر: إقامة الحد علي الزاني تقية ويغرم مهرها، وهو قول مالك بن أنس،والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجب المهر [332] . وأما لو استكرهت المرأة علي الزنا، فلا حد عليها، قولا واحدا [333] .

جوازها في الدماء

تقدم أن أهل البيت عليهم السلام صرحوا بأن التقية إنما شرعت لحقن الدم، وإنه إذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وبهذا أفتي فقهاء الشيعة اقتداء بأهل البيت عليهم السلام. وقد وافقهم علي هذا من فقهاء العامةمالك بن أنس [334] . وهو ظاهر المذهب المالكي، قال ابن العربي المالكي: قال علماؤنا: [ صفحه 154] المكره علي إتلاف المال يلزمه الغرم، وكذلك المكره علي قتل الغير يلزمه القتل [335] وهو أحد قولي الشافعي [336] وخالف بذلك أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف. فقال أبو حنيفة: يصح الإكراه علي القتل، ولكن يجب القصاص علي المكره، دون المأمور. وقال أبو يوسف: يصح الإكراه علي القتل ولا يجب القصاص علي أحد، وكان علي الآمر دية المقتول في ماله في ثلاث سنين [337] !! واعترف بهذا الكاساني الحنفي، قائلا: والمكره علي القتل لا قصاص عليه عند أبي حنيفة وصاحبه محمد، ولكن يعزر القاتل، ويجب القصاص علي المكره. وعند أبي يوسف لا يجب القصاص لا علي المكره ولا علي المكره، وإنما تجب الدية علي الأول [338] . وقد اعتذر السرخسي الحنفي عن أبي يوسف عن فتياه العجيبة هذه، فقال: وكان هذا القول لم يكن في السلف، وإنما سبق به أبو يوسف واستحسنه [339] . [ صفحه 155] أقول: ومن فروع هذه المسألة عند أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني، أنه يجوز للرجل أن يتقي في قتل أبيه، ولا يحرم من ميراثه. قال الفرغاني الحنفي: لو أكره الرجل علي قتل موروثه بوعيد قتل فقتل، لا يحرم القاتل من الميراث، وله أن يقتل المكره قصاصا لموروثه في قول أبي حنيفةومحمد [340] . والخلاصة، إن المذهب الحنفي يجوز التقية في الدماء!! وهو أحد قوليالشافعي [341] .

جوازها في قطع الأعضاء

اشاره

تصح التقية في قطع أعضاء الإنسان، ولا قصاص في ذلك لا علي الآمر ولا علي المأمور، بل تجب الدية عليهما معا من مالهما عند أبي يوسف [342] !!

والأعجب من كل هذا، جوازها في قطع الأعضاء تبرعا من غير اضطرار أو إكراه

إنه لو أكره السلطان رجلا علي أن يقطع يد رجل فقطعها، ثم قطع يده الأخري، أو رجله تطوعا من غير إكراه من السلطان، وإنما قطعها اختيارا، فهل يجب عليه القصاص فيما قطعه مختارا أو لا؟ الجواب: لا قصاص عليه، ولا علي السلطان، بل تجب عليهما الدية [ صفحه 156] من مالهما عند أبي يوسف [343] !!

جوازها في هتك الأعراض

ومن فتاوي العامة المخجلة حقا تجويزهم التقية علي الإنسان في هتك عرضه وشرفه وناموسه، وعليه أن يقف ذليلا وبكل نذالة وهو يري الاعتداء علي شرفه ولا يدفع عنه شيئا! ففي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي المالكي أنه إذا أكره الإنسان علي تسليم أهله لما لا يحل، أسلمها، ولم يقتل نفسه دونها، ولا أحتمل أذية في تخليصها [344] .

جوازها في قذف المحصنات

تجوز التقية في قذف المحصنات عند الجصاص الحنفي [345] ، وقد زاد علي ذلك السرخسي، جواز الافتراء علي المسلمتقية [346] .

جوازها في إتلاف مال المسلم

جوز الحنفية والشافعية وغيرهم التقية في إتلاف مال المسلم لمن يكره علي ذلك، ولا ضمان عليه وإنما الضمان علي من أكرهه [347] . [ صفحه 157] وأطلق الإمام الزيدي أحمد بن يحيي بن المرتضي القول بإباحة مال الغير بشرطالضمان في حال التقية [348] .

جوازها في شهادة الزور

صرح السيوطي الشافعي بجواز شهادة الزورعند الإكراه عليها، فيما لو كانت تلك الشهادة في إتلاف الأموال [349] .

كلمة أخيرة عن سعة التقية في فقه المذاهب الأربعة

لقد تركنا الكثير جدا من المسائل التي جوز فيها فقهاء العامة التقية بغية للاختصار، كتجويزهم التقية مثلا في: الصدقة، والإقرار، والنكاح، والإجارة، والمباراة، والكفالة، والشفقة، والعهود، والتدبير، والرجعة - بعد الطلاق - والظهار، والنذر، والايلاء، والسرقة، وغيرها من الفروع الشرعية [350] ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات. ومن هنا قال المالكية: الإكراه، إذا وقع عليفروع الشريعة لا يؤخذ المكره بشئ [351] . وأوسع من هذا المعني ما صرح به موسي جار الله التركماني بقوله: والتقية هي: وقاية النفس من اللائمة والعقوبة، وهي بهذا المعني من الدين، جائزة في كل شئ [352] . [ صفحه 158] وقال أيضا: التقية في سبيل حفظ حياته، وشرفه، وحفظ ماله، وفي حمايته، حق من حقوقه واجبة علي كل أحد إماما كان أو غيره وبهذا وغيره مما مر في فصول هذا البحث يتضح أنه لا مجال لأحد في النقاش بمشروعية التقية في الإسلام، ولا مجال لإنكارها بحال من الأحوال، وأن إنكارها مرض طبعت عليه قلوب المنافقين، والحمد لله رب العالمين.

پاورقي

[1] سورة آل عمران: 3 / 28.
[2] تاج العروس 10: 396 وسيأتي اتفاق المفسرين علي تفسير (التقاة)بالتقية.
[3] لسان العرب 15: 401. وانظر: المصباح المنير / الفيومي 2: 669،وأساس البلاغة / الزمخشري: 686 مادة (وقي).
[4] تصحيح الإعتقاد / الشيخ المفيد: 66.
[5] التقية / الشيخ الأنصاري: 37. وانظر القواعد الفقهية / البجنوردي5: 44. والقواعد الفقهية / ناصر مكارم الشيرازي 3: 13.
[6] المبسوط / السرخسي الحنفي 24: 45.
[7] راجع تعريف التقية عند ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري 12: 136. وعز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي في قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1: 107. والآلوسي في روح المعاني 3: 121. والمراغي في تفسيره 3: 137. ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار 3: 280وغيرهم.
[8] سورة النحل: 16 / 106.
[9] لسان العرب / ابن منظور 12: 80 كره.
[10] التلويح علي التوضيح / سعد الدين التفتازاني 2: 196 طبعة مصر /1322 ه.
[11] كشف الأسرار عن أصول البزدوي / عبد العزيز البخاري 4: 1503طبعة دار الخلافة.
[12] المبسوط / السرخسي 24: 38 من كتاب الإكراه.
[13] المكاسب / الشيخ الأنصاري 3: 311 في الحديث عن شرط الاختيار من شروط المتعاقدين، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، لجنة تحقيق التراث، ط 1،قم / 1418 ه.
[14] لثبوت التقية عند الخوف الشخصي كما لو خاف المكره علي نفسه أو عرضه أو ماله، وكذلك عند الخوف النوعي كالخوف علي الدين أو الوطن أو العشيرة ونحو ذلك.
[15] سورة آل عمران: 3 / 28.
[16] سورة آل عمران: 3 / 29.
[17] التفسير الكبير / الفخر الرازي 8: 15.
[18] أنظر: الأشباه والنظائر / السيوطي: 173 القاعدة الرابعة، طبعة دارالكتاب العربي. وانظر قاعدة لا ضرر / السيد السيستاني 1: 158.
[19] سيأتي ذكر الحديث في أدلة التقية من السنة النبوية.
[20] الأشباه والنظائر / السيوطي: 370.
[21] محاضرات في أصول الفقه / محمد إسحاق الفياض 4: 243، مبحث الإجزاء، في مسألة حكم الأضرار بسوء الاختيار.
[22] أنظر: مصباح الأصول 2: 562 في التنبيه السابع من تنبيهات قاعدة لاضرر، المسألة الأولي.
[23] القواعد الفقهية / علي أحمد الندوي: 225، دار القلم، دمشق / 1412 ه، وأشار في هامشه إلي قواعد ابن رجب الحنبلي: 246 القاعدة رقم/ 112.
[24] الأشباه والنظائر / ابن نجيم الحنفي: 89.
[25] المستصفي / الغزالي 1: 89 دار الكتب العلمية / 1403 ه.
[26] شرح القواعد الفقهية / أحمد بن محمد الزرقا: 201 القاعدة رقم 28، ط 2، دار القلم، دمشق / 1409 ه.
[27] الأشباه والنظائر / ابن نجيم الحنفي: 89.
[28] كالغزالي في إحياء علوم الدين 3: 138. والقراني المالكي في الفروق 4: 236 (الفرق الرابع والستون والمائتان). والفرغاني الحنفي في فتاوي قاضيخان 3: 485، مطبوع بهامش الفتاوي الهندية.
[29] شرح القواعد الفقهية: 201 في شرح القاعدة رقم 28.
[30] أصول الكافي 2: 219 / 13 باب التقية، من كتاب الإيمان والكفر.
[31] شرح القواعد الفقهية / أحمد بن محمد الزرقا: 188 في شرح القاعدةرقم 21.
[32] رسائل الشيخ الأنصاري: 298، في آخر البحث عن أصل الاشتغال.
[33] القواعد الفقهية / ناصر مكارم الشيرازي 1: 89 في قاعدة التقية. وانظر: مصباح الأصول (تقريرا لبحث السيد الخوئي) 2: 562. والتنبيه السابعمن تنبيهات قاعدة لا ضرر.
[34] قاعدة لا ضرر / السيد السيستاني 1: 158. والأشباه والنظائر /السيوطي: 92 - 93.
[35] راجع: الضرورة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي / الدكتور محمدمحمود عبد العزيز الزيني: 59، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية / 1993 م.
[36] راجع القواعد الفقهية / ناصر مكارم الشيرازي 2: 19.
[37] راجع الإحكام العامة في قانون العقوبات / الدكتور السعيد مصطفي السعيد: 417، وشرح قانون العقوبات - القسم العام / الدكتور محمودالمصطفي: 326 نقلا عن الضرورة للدكتور محمد محمود الزيني: 223.
[38] سورة الكهف: 18 / 19 - 20.
[39] راجع: تفصيل قصتهم في مجمع البيان / الطبري 5: 697 - 698.وزاد المسير / ابن الجوزي 5: 109 - 110. والجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10: 357 - 359. وتفسير الطبري 15: 50. والدر المنثور / السيوطي 5: 373. والتفسير الكبير / الفخر الرازي 21: 97. وتفسير أبي السعود 6: 209. وقد وردت قصتهم عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة،وقتادة وغيرهم.
[40] سورة الكهف: 18 / 14.
[41] التفسير الكبير / الفخر الرازي 21: 103.
[42] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10: 376 - 377.
[43] أصول الكافي 2: 174 - 175 / 14 و 19 كتاب الإيمان والكفرباب التقية، المكتبة الإسلامية، طهران / 1388 ه.
[44] سورة غافر: 40 / 28.
[45] النكت والعيون / الماوردي 5: 153، دار الكتب العلمية، بيروت.
[46] زاد المسير / ابن الجوزي 7: 312.
[47] سورة غافر: 40 / 26.
[48] التفسير الكبير / الرازي 27: 60.
[49] كنز العمال / المتقي الهندي 11: 601 / 32897 و 32898، ط 5، مؤسسة الرسالة، بيروت. وفي حاشية كشف الأستار / محمد حسين الجلال: 98 مؤسسة الأعلمي، بيروت /1405 ه، قال: (وحسنه السيوطي).
[50] المحرر الوجيز / ابن عطية 14: 132، تحقيق المجلس العلمي بفاس /1407 ه.
[51] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 15: 307.
[52] تيسير التفسير / محمد بن يوسف بن أطفيش الأباضي 1: 343 - 345.
[53] سورة النحل: 16 / 106.
[54] سنن ابن ماجة 1: 53، 150 باب 11 في فضل سلمان وأبي ذر والمقداد، دار إحياء الكتب العربية، وانظر التعليق عليه في الهامش رقم (1) منالصفحة المذكورة.
[55] أحكام القرآن / الجصاص 3: 192، دار الفكر، بيروت.
[56] تفسير الماوردي (النكت والعيون) 3: 215، دار الكتب العلمية،بيروت.
[57] أنظر: تفسير الواحدي الشافعي 1: 466 مطبوع بهامش تفسير النووي المسمي ب (مراح لبيد) دار إحياء الكتب العربية، مصر، والمبسوط للسرخسي 24: 25. وأحكام القرآن للكيا الهراسي 3: 246، دار الكتب العلمية، بيروت / 1405 ه. والكشاف / الزمخشري 2: 449 - 550، دار المعرفة، بيروت. والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز / ابن عطية الأندلسي 10: 234 - 235 تحقيق المجلس العلمي بفاس / 1407 ه. وأحكام القرآن / ابن العربي 2: 1177 - 1182 دار المعرفة، بيروت (وفيه كلام طويل عن التقية). وزاد المسير في علم التفسير / ابن الجوزي 4: 496، ط 4، المكتب الإسلامي، بيروت / 1407 ه. والتفسير الكبير / الفخر الرازي 20: 121، ط 3. والمغني / ابن قدامة 8: 262 و 10: 97 مسألة 7116، ط 1، دار الفكر، بيروت / 1404 ه. والجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10: 181، دار إحياء التراث العربي. وأنوار التنزيل وأسرار التأويل / البيضاوي 1: 571، ط 2، مصر / 1388 ه. وتفسير الخازن / علي بن محمد الخازن الشافعي 1: 277. وتفسير ابن جزي الكلبي: 366، دار الكتاب العربي، بيروت / 1403 ه. وتفسير البحر المحيط / أبو حيان الأندلسي 5: 538، ط 2، دار الفكر، بيروت / 1403 ه. وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير 2: 609، ط 1، دار الخير، دمشق / 1990 م. وغرائب القرآن / النيسابوري 14: 122 مطبوع بهامش تفسير الطبري، ط 2، دار المعرفة، بيروت / 1392 ه. وفتح الباري شرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني 12: 262 - 263، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1406 ه. ومنهاج الطالبين / النووي الشافعي 4: 137، 174 دار الفكر، بيروت. وانظر تعليق الشربيني عليه في مغني المحتاج في شرح المنهاج 4: 137 مطبوع بهامش منهاج الطالبين. وروح البيان / البرسوي الحنفي 5: 84، ط 7، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1405 ه. وفتح القدير / الشوكاني 3: 197، دار المعرفة، بيروت. وتفسير النووي (مراح لبيد) 1: 466. ومحاسن التأويل / القاسمي 10: 165، ط 2، دار الفكر، بيروت / 1398 ه. وتيسير التفسير / محمد بن يوسف أطفيش الأباضي 7: 97، طبعة وزارة التراث القومي والثقافي في سلطنة عمان. وتفسير المراغي 14: 146، ط 2، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1985 م. وصفوة التفاسير / محمد علي الصابوني الوهابي، ط 1، عالم الكتب، بيروت / 1406 ه. أقول: إنما ذكرنا هذه القائمة الطويلة من مصادر تفسر الآية - وكلها مصادر غير شيعية - لكي يعلم من مراجعتها اتفاقهم جميعا علي مشروعية التقية في حالة الإكراه عليها، ولكن بعض المتطفلين علي من الكلام الذي ليس له في ميزان العلمأي وزن ولا اعتبار.
[58] سورة آل عمران: 3 / 28.
[59] أنظر: حجة القراءات / أبو زرعة: 160. ومعاني القرآن / الزجاج 1: 205. وتفسير الرازي 8: 12. والنشر في القراءات العشر 3: 5. والجامعلأحكام القرآن 4: 57. والبحر المحيط 2: 424. وفتح القدير 1: 303.
[60] تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) 6: 313 - 317،ط 2، دار المعرفة، بيروت / 1392 ه.
[61] المبسوط / السرخسي 24: 45 من كتاب الإكراه.
[62] المدونة الكبري / مالك بن أنس 3: 29، مطبعة السعادة، مصر.
[63] الكشاف / الزمخشري 1: 422.
[64] التفسير الكبير / الفخر الرازي 8: 13.
[65] تفسير البحر المحيط / أبو حيان 2: 424.
[66] سورة البقرة: 2 / 195.
[67] مواهب الرحمن / السيد السبزواري في تفسير الآية المذكورة.
[68] التفسير الكبير / الفخر الرازي 20: 21 في تفسير الآية 106 من سورة النحل.
[69] سورة الحج: 23 / 78.
[70] سورة فصلت: 41 / 34.
[71] أصول الكافي 2: 218 / 6 باب التقية.
[72] راجع: جامع أحاديث الشيعة 18: 371 - 372 باب وجوب التقية، فقد ذكر في أول الباب عشر آيات، يستفاد من بعضها جواز التقية بين المسلمين أنفسهم.
[73] المبسوط / السرخسي 24: 25.
[74] سورة المائدة: 5 / 67.
[75] سورة الحجر: 15 / 94.
[76] المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير / ابن قتيبة: 222، ط 1، دار ابن كثير / 1410 ه.
[77] شواهد التنزيل / الحسكاني الحنفي 1: 255 / 249 في الشاهد رقم 35، وأورده الآلوسي في روح المعاني عند تفسيره للآية 67 من سورة المائدة،فراجع.
[78] شواهد التنزيل 1: 249 / 244.
[79] سورة المائدة: 5 / 3.
[80] شواهد التنزيل 1: 256 - 258 / 250.
[81] شواهد التنزيل 1: 253 - 255 / 248.
[82] الدر المنثور 3: 117 في تفسير الآية 67 من سورة المائدة، طبع دارالفكر، بيروت.
[83] مجمع البيان 3: 223 في تفسير الآية 67 من سورة المائدة، طبع دارإحياء التراث العربي، بيروت.
[84] كشف الغمة 1: 436، نشر أدب الحوزة، ط 2، قم.
[85] سورة الأنفال: 8 / 42.
[86] سورة الأحزاب: 33 / 39.
[87] أنظر: السيرة النبوية / ابن هشام 1: 280. والسيرة النبوية / ابن كثير 1: 427. والسيرة الحلبية / ابن برهان 1: 283. والسيرة النبوية / دحلان 1: 282 مطبوع بهامش السيرة الحلبية. وانظر كذلك تاريخ الطبري 1: 541. والكامل في التاريخ / ابن الأثير 2: 60. والبداية والنهاية / ابن كثير 3: 37. وإن شئت المزيد فراجع كتب التفسير في تفسير قوله تعالي: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين). سورة الحجر: 15 / 94، وقوله تعالي: (وأنذر عشيرتك الأقربين). سورة الشعراء: 26 / 214. وفي عناوين تاريخ الخميس للدياربكري 1: 287 هذا العنوان: ذكر ما وقع في السنة الثانية والثالثة من إخفاء الدعوة وقد أخرج تحت هذا العنوان عن ابن الزبير أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان لا يظهر الدعوة إلا للمختصين، وإنه صلي الله عليه وآله وسلم أظهرها لعامة الناس بعد ثلاث سنين عندما نزل قوله تعالي: (فاصدع بما تؤمر..). سورة الحجر: 15 / 94.
[88] ورد الحديث بألفاظ متقاربة في صحيح مسلم 1: 130 / 232. وسنن ابن ماجة 2: 1319 / 3986. وسنن الترمذي 5: 18 / 7629. ومسندأحمد 1: 74.
[89] الجدر والحجر بمعني واحد، والمراد: حجر الكعبة المشرفة.
[90] صحيح البخاري 2: 190 / 1584 كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، ط 1، دار الفكر / 1411 ه و 2: 179 - 180، ط دار التراث العربي، وأعاد روايتها في الجزءالتاسع ص 106 باب ما يجوز من اللو، من كتاب الأحكام.
[91] صحيح مسلم 2: 973 / 405 و 406 كتاب الحج، باب جدر الكعبة وبابها، ط 2، دار الفكر، 1398 ه.
[92] سنن ابن ماجة 2: 985 / 2955، كتاب المناسك، باب الطواف بالحجر، دار إحياء الكتب العربية بمصر.
[93] صحيح الترمذي 3: 224 / 875 كتاب الحج، باب ما جاء في كسر الكعبة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي.
[94] سنن النسائي 5: 215، دار الجيل، بيروت.
[95] مسند أحمد 6: 176، دار الفكر، بيروت و 7: 253 / 24910،ط 2، دار إحياء التراث العربي، 1414 ه.
[96] صحيح البخاري 2: 190 / 1583 من الباب السابق.
[97] موطأ مالك: 233 / 813 كتاب الحج، باب ما جاء في بناء الكعبة.
[98] سنن النسائي 5: 216.
[99] مسند أحمد 7: 253 / 24912 و 7: 352 / 25569، والطبعة الأولي 6: 147 و 177. [
[100] مسند أحمد 7: 164 / 24306، والطبعة الأولي 6: 112.
[101] صحيح البخاري 2: 190 / 1585.
[102] مسند أحمد 7: 85 / 23776، والطبعة الأولي 6: 57.
[103] سنن النسائي 5: 215.
[104] صحيح البخاري 2: 190 / 1586.
[105] سنن النسائي 5: 216.
[106] أنظر: رواية ابن الزبير في مسند أحمد 7: 257 / 24935 و 24938 والطبعة الأولي 6: 179 و 180. ورواية ابن أبي ربيعة فيه 7: 360 / 25620 والطبعة الأولي 6: 253. ورواية الحرث فيه أيضا 7: 373 / 25724 والطبعة الأولي 6: 262..
[107] مستدرك الحاكم 1: 479 - 480، دار الفكر، بيروت / 1398ه.
[108] سنن أبي داود 2: 221 / 2028، كتاب المناسك، باب في الحجر،دار الجيل، بيروت / 1412 ه.
[109] حاشية العلامة السندي مطبوع بهامش سنن النسائي 5: 214 طبع دارالجيل، بيروت.
[110] راجع: مسند أحمد 7: 360 / 25620 تجد التصريح بذلك في ذيلالحديث.
[111] راجع: مصباح الأصول 3: 361 و 2: 562.
[112] مواهب الرحمن في تفسير القرآن / السيد السبزواري 5: 202 فيتفسير الآية 28 من سورة آل عمران.
[113] صحيح البخاري 8: 38 كتاب الإكراه، باب المداراة مع الناس. وسنن أبي داود 4: 251 / 4791 و 4792 و 4793. وسنن الترمذي 4: 359 / 1996 باب 59 وقال (هذا حديث حسن صحيح). ومسند أحمد 7: 59 / 23856، والطبعة الأولي 6: 38. وانظر: أصول الكافي 2: 245 /1 كتاب الإيمان والكفر، باب من يتقي شره.
[114] المعجم الأوسط / الطبراني 2: 165 / 1304. ومجمع الزوائد /الهيثمي 8: 17.
[115] صحيح البخاري 8: 38، كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس.
[116] صحيح البخاري بشرح الكرماني 22: 7 / 5756، كتاب الأدب،باب المداراة مع الناس.
[117] المبسوط / السرخسي 24: 46، من كتاب الإكراه.
[118] سنن ابن ماجة 2: 1338 / 4032. وسنن البيهقي 10: 89. وحلية الأولياء / أبو نعيم 5: 62 و 7: 365. والجامع لأحكام القرآن /القرطبي 10: 359.
[119] كشف الأستار / الهيثمي 4: 113 / 2324.
[120] المعجم الأوسط / الطبراني 1: 293 / 473.
[121] مجمع الزوائد / الهيثمي 7: 282 - 283، كتاب الفتن، باب في أيامالصبر.
[122] أمالي الشيخ المفيد: 131 / 7 المجلس الخامس عشر.
[123] تفسير الطبري 14: 122.
[124] التفسير الكبير / الرازي 20: 121.
[125] سنن الترمذي 4: 522 / 2254 باب رقم 67 بدون عنوان.
[126] مسند أحمد 6: 562 / 22934 والطبعة الأولي 5: 405.
[127] كشف الأستار / الهيثمي 4: 113 / 2324، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت / 1404 ه.
[128] أصول الكافي 2: 174 / 16 كتاب الإيمان والكفر، باب التقية. والمحاسن / البرقي: 259 / 310 كتاب مصابيح الظلم، باب التقية. والظاهر: (إذا بلغت) وقد يكون في الكلام حذف، والتقدير: (فإذا بلغ أمرها الدم)،فلاحظ.
[129] سورة النساء: 4 / 94.
[130] المعجم الكبير / الطبراني 12: 24 - 25 / 12379.
[131] صحيح البخاري 6: 59، كتاب التفسير، باب سورة النساء.
[132] المطالب العالية / ابن حجر 3: 317 / 3577 في باب تفسير سورةالنساء الآية: 94.
[133] تفسير الطبري 5: 142، في تفسير الآية 94 من سورة النساء.
[134] صحيح البخاري 5: 115، باب قتل كعب بن الأشرف.
[135] أحكام القرآن / ابن العربي المالكي 2: 1257.
[136] أنظر: تقية الحجاج بن علاط في مسند أحمد 3: 599 - 600 / 12001 والطبعة الأولي 3: 138 - 139. ومصنف عبد الرزاق 5: 466 / 9771. والمعجم الكبير / الطبراني 3: 220 / 3196. ومسند أبي يعلي الموصلي 3: 399 - 403 / 3466. وتاريخ الطبري 2: 139 في حوادث سنة 7 هجرية. ومثله في الكامل / ابن الأثير 2: 223. والبداية والنهاية / ابن كثير 4: 215. والإصابة / ابن حجر 1: 327. وقال في مجمع الزوائد 6:155: ورجال أحمد رجال الصحيح.
[137] وسائل الشيعة 23: 228 / 29442 باب 12 من أبواب كتاب الإيمان.
[138] التقية / الشيخ الأنصاري: 40.
[139] مسند الربيع بن حبيب 3: 9، نشر مكتبة الثقافة. وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 5: 160 - 161، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1406 ه. وكشف الخفاء / العجلوني 1: 522، ط 5، مؤسسة الرسالة، بيروت / 1405 ه. وكنز العمال / المتقي الهندي 4: 233 / 10307،ط 5، مؤسسة الرسالة، بيروت / 1405 ه.
[140] الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة / السيوطي: 87، ط 1، مطبعة الحلي، مصر.
[141] أحكام القرآن / ابن العربي 3: 1177 - 1182 وفيه تفصيل مطولعن الأحكام المتصلة بحديث الرفع، فراجع.
[142] التوحيد / الصدوق: 353 / 24 باب الاستطاعة.
[143] الخصال / الصدوق 2: 417 / 9 باب التسعة.
[144] من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1: 36 / 132 باب 14.
[145] وسائل الشيعة / الحر العاملي 15: 369 / 20769 باب 65 من أبواب جهاد النفس، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
[146] وسائل الشيعة 23: 237 / 29466 باب 16 من أبواب كتابالإيمان. وانظر: نوادر أحمد بن محمد بن عيسي: 74 / 157.
[147] سورة النور: 24 / 34. وانظر: سبب نزولها في صحيح مسلم 8:244 كتاب التفسير باب قوله تعالي: (ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء).
[148] صحيح الترمذي 4: 155 كتاب الحدود، باب ما جاء في المرأة إذااستكرهت علي الزنا.
[149] كما في حديث الثقلين المتواتر عند جميع المسلمين وهو قوله صلي الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.
[150] سورة القصص: 28 / 54.
[151] أصول الكافي 2: 217 / 1، كتاب الإيمان والكفر، باب التقية.
[152] أصول الكافي 2: 218 / 6 باب التقية. ومثله في المحاسن / البرقي: 257 / 297. والآية من سورة فصلت: 41 / 34.
[153] سورة يوسف: 12 / 70.
[154] سورة الصافات: 37 / 89.
[155] أصول الكافي 2: 217 / 3 باب التقية. ومثله في المحاسن للبرقي 258/ 203. وعلل الشرائع / الصدوق: 51 / 1، 2.
[156] سورة يوسف: 12 / 69 - 70.
[157] سورة يوسف: 12 / 78.
[158] سورة يوسف: 12 / 79.
[159] سورة يوسف: 12 / 99.
[160] صحيح البخاري 6: 97 باب سورة يوسف، من كتاب التفسير.
[161] صحيح البخاري 4: 171 باب قول الله تعالي: (واتخذ الله إبراهيمخليلا) من كتاب بدء الخلق.
[162] صحيح البخاري 4: 172 باب يزفون النسلان في المشي من كتاب بدء الخلق.
[163] التفسير الكبير / الفخر الرازي 16: 148.
[164] أصول الكافي 2: 172 / 2. والمحاسن / البرقي: 359 / 309.والخصال / الصدوق: 22 / 79.
[165] سورة يوسف: 12 / 103.
[166] سورة ص: 38 / 24.
[167] أصول الكافي 2: 175 / 21، باب التقية.
[168] أصول الكافي 2: 219 / 12، باب التقية.
[169] صفات الشيعة / الشيخ الصدوق: 3 / 3.
[170] أصول الكافي 2: 218 / 5، باب التقية.
[171] أصول الكافي 2: 221 / 23، باب التقية.
[172] أصول الكافي 2: 220 / 14، باب التقية.
[173] تفسير العياشي 2: 351 / 86. وانظر: الوسائل 16: 213 /21389 باب 24 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[174] وسائل الشيعة 16: 211 / 21382 باب 24 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نقله عن مستطرفات السرائر، وأورده الصدوق في الفقيه عن الإمام الصادق عليه السلام. وانظر: الفقيه 2: 80 / 6 باب صوميوم الشك.
[175] أمالي الشيخ الطوسي 1: 287.
[176] تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 320 / 163.
[177] أصول الكافي 2: 219 / 13، باب التقية.
[178] أصول الكافي 2: 220 / 18، باب التقية. ومثله في المحاسن للبرقي:259 / 308.
[179] أصول الكافي 2: 217 / 2، باب التقية. ومثله في المحاسن: 259 /309. والخصال / الصدوق: 22 / 79.
[180] فروع الكافي 3: 32 / 2 باب مسح الخفين من كتاب الطهارة.
[181] من لا يحضره الفقيه 1: 30 / 95 باب حد الوضوء وترتيب ثوابه.
[182] أصول الكافي 2: 168 / 1 باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الإيمانوينقضه، من كتاب الإيمان والكفر.
[183] أصول الكافي 2: 220 / 16. والمحاسن: 259 / 310.
[184] تهذيب الأحكام / الشيخ الطوسي 6: 172 / 335 باب النوادر، منكتاب الجهاد وسيرة الإمام عليه السلام.
[185] روضة الكافي 8: 2 / 1.
[186] أصول الكافي 2: 219 / 11 باب التقية.
[187] أصول الكافي 2: 220 / 20 باب التقية.
[188] أنظر ما ذكرناه حول الحديث الثاني في هذا الفصل.
[189] الخصال / الصدوق: 607 / 9.
[190] رجال الكشي 2: 465 / 364.
[191] القواعد الفقهية / ناصر مكارم الشيرازي 3: 417.
[192] أنظر هذه الموارد في جامع أحاديث الشيعة 2: 391 - 392 / 22 - 25 باب 26 من أبواب الوضوء.
[193] أصول الكافي 2: 219 / 10 باب التقية، وقد تضمن هذا المعنيالحديث رقم 15 و 21 من الباب المذكور.
[194] تفسير العياشي 1: 300 / 54.
[195] أحكام القرآن / الجصاص 1: 127.
[196] أحكام القرآن / ابن العربي 3: 1179.
[197] العدة في شرح العمدة / عبد الرحمن المقدسي: 464، نشر مكتبة الرياض الحديثة.
[198] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10: 180.
[199] تفسير القرآن العظيم / ابن كثير 2: 609.
[200] فتح الباري / ابن حجر العسقلاني 12: 264.
[201] فتح القدير / الشوكاني 3: 197.
[202] محاسن التأويل / القاسمي 4: 197. وانظر هذه الأقوال وغيرها من الأقوال الأخر المصرحة بإجماع علماء العامة علي مشروعية التقية في كتاب واقع التقية / السيد ثامر هاشم العميدي: 93 - 96، ط 1، نشر مركز الغديرللدراسات الإسلامية، 1416 ه.
[203] راجع مباحث الحكم عند الأصوليين / محمد سلام مدكور 1: 162. فقد نقل عن كتاب مسلم الثبوت قوله: (في كتب بعض المشايخ: إن المعتزلة يرون أن الحاكم هو العقل) ثم نقل في رده عن محيط الزركشي قوله: (إن المعتزلة لا ينكرون أن الله هو الشارع للأحكام والموجب لها، والعقل عندهم طريق إلي العلم بالحكم الشرعي).
[204] التذكرة بأصول الفقه / الشيخ المفيد: 28، مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد في المجلد التاسع، ط 2، دار المفيد، بيروت / 1414 ه. وقد نقله عنه الكراجكي في كنز الفوائد 2: 15، دار الأضواء، بيروت /1405 ه، إذ أورد فيه مختصر التذكرة بأصول الفقه للشيخ المفيد.
[205] سورة الإسراء: 17 / 15.
[206] فروع الكافي 6: 297 / 2 باب 48 من كتاب الأطعمة.
[207] من لا يحضره الفقيه 1: 208 / 937 باب 45.
[208] عوالي الآلي 2: 44 / 111.
[209] راجع في ذلك مقالات الشيخ محمد جواد مغنية: 250 - 253، ط 2،دار ومكتبة الهلال، بيروت / 1993 م.
[210] فروع الكافي 4: 82 - 83 / 7 و 9 باب 9 من كتاب الصيام.وتهذيب الأحكام 4: 317 / 965 باب الزيادات من كتاب الصيام.
[211] راجع: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة: 302، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط 2، السعودية / 1409 ه.
[212] فروع الكافي 6: 208 / 8 كتاب الصيد باب صيد البزاة والصقور. ومن لا يحضره الفقيه 3: 204 / 932. وتهذيب الأحكام 9: 32 / 129.والاستبصار 4: 72 / 265.
[213] فروع الكافي 6: 207 / 1 من الباب السابق. وتهذيب الأحكام 9: 22 / 130. والاستبصار 4: 72 / 266.
[214] راجع: ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام في حرمة ما قتل البازي والصقر في قرب الإسناد / الحميري: 51. وفروع الكافي 6: 407 / 4 من الباب السابق. وتهذيب الأحكام 9: 31 / 121. والاستبصار 4: 71 / 257. وتفسير العياشي 1: 295 / 29. ووسائل الشيعة 23: 354 -355 / 29332 و 29733 باب 10 من أبواب كتاب الصيد.
[215] أنظر: اتفاقهم علي تلك الفتيا في المدونة الكبري / مالك بن أنس 5: 50 - 51، كتاب الشركة، باب الرجلين يشتركان في السمك أو الطير في نصب الشرك وصيد البزاة والكلاب. وكتاب الأم / الشافعي 2: 227 باب صيد كل ما صيد به من وحش أو طير. والمبسوط / السرخسي الحنفي 11: 223. والمغني / ابن قدامة الحنبلي 11: 11 - 12 / المسألتان: 7708 و 7710.
[216] المبسوط / السرخسي 11: 223.
[217] كما في الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 227 - 229. والخرائج والجرائح / الراوندي 1: 335 / 26. ومناقب ابن شهرآشوب 4: 288. وأعلامالوري / الطبرسي: 293.
[218] أثار هذه الشبهة محمد عبد الستار التونسوي في كتابه بطلان عقائد الشيعة: 87 نشر المكتبة الإمدادية، مكة المكرمة، طبعة دار العلوم، القاهرة / 1983م.
[219] راجع سورة المائدة: 5 / الآيات 44 و 50 و 52.
[220] دروس في الجهاد والرفض: 55 - 58 نقلا عن كتاب إيران منالداخل / فهمي هويدي: 46 - 47.
[221] تحرير الوسيلة / الإمام الخميني، مسألة 2792.
[222] إيران من الداخل / فهمي هويدي: 36.
[223] القواعد الفقهية / البجنوردي 5: 47، من قاعدة التقية.
[224] الحكم إما أن يكون أوليا وهو المنصوص عليه بخصوصه في الشريعة الإسلامية، كحرمة أكل لحم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وغيرها. وهذا الحكم هو الأصل. وإما أن يكون ثانويا - وهو الفرع - ويكون علي قسمين: 1 - حكم ثانوي ظاهري، كالأحكام الواردة لحالة شك المكلف، ومواردها الأصول العملية: البراءة، والاحتياط، والتخيير، وكذلك القواعد الفقهية، كقاعدة التجاوز وغيرها. 2 - حكم ثانوي اضطراري، وهي الأحكام التي جاءت للتوسعة علي المكلف العاجز عن القيام بالحكم الأولي، فمن لا يقدر علي الالتزام بحرمة أكل لحم الميتة بسبب الجوع الشديد يباح له ذلك لاضطراره إليه، بلا خلاف بين جميع فقهاء الإسلام، فكذلك الحال مع استخدام التقية عند الضرورة، إلا ما استثني منها بدليل، وقد مر بعض مستثنياتها، فراجع.
[225] مشكاة الأنوار / سبط الطبرسي: 42. وعنه في مستدرك الوسائل 12: 256 / 13 باب 23 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[226] التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري عليه السلام: 321 / 164.
[227] التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري عليه السلام: 142.
[228] أمالي الشيخ المفيد: 99 - 100، المجلس الثاني عشر.
[229] سورة البقرة: 2 / 269.
[230] أصول الكافي 2: 221 / 21، باب التقية.
[231] سنن ابن ماجة 1: 143 / 220 باب فضل العلماء والحث علي طلب العلم. ومسند أبي يعلي الموصلي 5: 326 / 5829. ومجمع الزوائد / الهيثمي1: 121 قال: (ورجاله رجال الصحيح).
[232] سورة فصلت: 41 / 34.
[233] سورة النحل: 16 / 125.
[234] سورة البقرة: 2 / 83.
[235] مستدرك الوسائل 12: 261 / 1 باب 27 من أبواب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر.
[236] علل الشرائع / الصدوق: 467 / 22.
[237] أصول الكافي 2: 226 / 16، باب الكتمان، وفيه (المغتم لظلمنا). والتصويب من الوسائل 16: 249 / 10 باب 34 من أبواب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر.
[238] أصول الكافي 2: 218 / 6، باب التقية.
[239] معاني الأخبار / الصدوق: 385 / 20.
[240] مستدرك الوسائل 12: 261 / 2 باب 27 من أبواب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر.
[241] صحيح البخاري 8: 37، كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس.
[242] الفروق / القرافي المالكي 4: 236، الفرق الرابع والستون والمائتان.
[243] مستدرك الوسائل 12: 261 / 2 باب 27 من أبواب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر.
[244] أصول الكافي 2: 371 / 9 باب الإذاعة، وفيه أحاديث أخر بهذاالمعني، فراجع.
[245] جامع الأخبار / السبزواري: 253 - 254 / 663 - الفصل /53.
[246] الخصال / الصدوق 1: 145 - 146 / 172 باب الثلاثة.
[247] غرر الحكم / الآمدي 2: 482 / 57.
[248] وسائل الشيعة 16: 223 / 10 باب 28 من أبواب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر.
[249] وسائل الشيعة 16: 223 / 7 من الباب السابق.
[250] أصول الكافي 2: 220 / 14 باب التقية.
[251] مشكاة الأنوار / سبط الطبرسي: 40، وقد ورد في هذا المعني أحاديث أخر أنظرها في: كتاب الغيبة / النعماني: 38 / 12. وبصائر الدرجات / الصفار: 423 / 2. ومختصر بصائر الدرجات / سعد بن عبد الله: 101. ودعائم الإسلام / القاضي النعمان 1: 59. وانظر باب 24 في الوسائل وباب32 في مستدركه، من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[252] تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 321 / 165.
[253] مستدرك الوسائل 12: 262 / 4 باب 27 من أبواب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر.
[254] سورة النساء: 4 / 145.
[255] أنظر: صحيح البخاري 9: 89، باب ما يكره من ثناء السلطان، وإذا خرج قال غير ذلك، من كتاب الأحكام. والسنن الكبري / البيهقي 8: 164 و 165. والسنن الواردة في الفتن / أبو عمرو الداني 1 - 2: 408 - 409/ 149. وفتح الباري 3: 170.
[256] كمؤسس الفرقة الوهابية محمد عبد الوهاب في رسالته (في الرد علي الرافضة): 20، تحقيق الدكتور ناصر بن سعيد، نشر دار طيبة، الرياض (بدون تاريخ).
[257] أنظر علي سبيل المثال لا الحصر ما في الكتب الآتية بشأن التقية من تقليد أعمي أو كذب وافتراء: 1 - بطلان عقائد الشيعة / محمد عبد الستار التونسوي: 52 و 72 و 73 و 78 و 79، دار العلوم، القاهرة / 1983 م، نشر المكتبة الإمدادية بمكة المكرمة. 2 - تبديد الظلام / إبراهيم سليمان الجبهان: 483، ط 3، السعودية / 1408 ه. 3 - التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي / الدكتور محمد البنداري: 235، دار عمان، الأردن / 1408 ه. 4 - الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام / محمد منظور نعماني الهندي، ترجمة الدكتور محمد البنداري: 122 و 180 و 182 - 187 و 222، ط 1، دار عمان، الأردن / 1408 ه. 5 - الخطوط العريضة / محب الدين الخطيب: 9 و 10، ط 9، جدة، السعودية / 1380 ه. 6 - دراسات في عقائد الشيعة / الدكتور عبد الله محمد الغريب: 17، ط 1، مطبعة طيبة، الرياض / 1402 ه. 7 - دراسات في الفرق والعقائد / الدكتور عرفان عبد الحميد: 53، ط 1، مطبعة سعد، بغداد / 1977 م. 8 - رجال الشيعة في الميزان / عبد الرحمن الزرعي: 6 و 17 - 18 و 50 - 51 و 126 و 148 و 173، ط 1، دار الأرقم، الكويت / 1403 ه. 9 - سراب في إيران / الدكتور أحمد الأفغاني: 25 - 27، ط 2، عمان / 1415 ه. 10 - الشيعة الاثني عشرية في دائرة الضوء / الدكتور عبد المنعم البري: 260 وما بعدها، ط 1، دار السلام، القاهرة / 1410 ه. 11 - الشيعة في التصور الإسلامي / علي عمر فريج: 150 - 152 و 154 و 165 و 183، دار عمار، الأردن / 1405 ه. 12 - الشيعة معتقدا ومذهبا / الدكتور صابر عبد الرحمن طعيمة: 5 و 88 و 118، ط 1، المكتبة الثقافية، بيروت / 1408 ه. 13 - الشيعة وتحريف القرآن / محمد مال الله: 35 و 36، ط 2، شركة الشرق الأوسط للطباعة، عمان، الأردن / 1405 ه. 14 - الشيعة والتشيع / إحسان إلهي ظهير: 79 و 84، ط 4، لاهور، باكستان / 1405 ه. 15 - الصراع بين الإسلام والوثنية / عبد الله علي القصيمي: 458 و 459 (المعلومات الأخري لم تذكر). 16 - الوشيعة في نقد عقائد الشيعة / موسي جار الله: 104، ط 1، مطبعة الشرق، مصر / 1355 ه..
[258] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة: 302، ط 2، الرياض / 1409 ه.
[259] المحلي / ابن حزم 8: 336 مسألة 1409، دار الآفاق الجديدة،بيروت.
[260] صحيح البخاري 8: 37، كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس.
[261] إحياء علوم الدين / الغزالي 3: 137.
[262] سورة النحل: 16 / 105 - 106.
[263] الدر القيط من البحر المحيط / تاج الدين الحنفي 5: 537 - 538 فيتفسير الآيتين المتقدمتين.
[264] هو ميمون بن مهران التابعي (ت / 117 ه).
[265] الإشراف علي مناقب الأشراف / ابن أبي الدنيا: 118 / 216، دارالكتب العلمية، بيروت / 1412 ه.
[266] صحيح البخاري 1: 41 كتاب العلم، باب حفظ العلم (آخر أحاديثالباب).
[267] فتح الباري / ابن حجر العسقلاني 1: 173.
[268] شرح معاني الآثار / الطحاوي 1: 389، باب الوتر، ط 2، دار الكتبالعلمية، بيروت / 1407 ه.
[269] كتاب الأموال / أبو عبيدة القاسم بن سلام: 567 / 1813، تحقيقالدكتور محمد خليل هراس، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت / 1406 ه.
[270] كتاب الأموال: 565 / 1801.
[271] الغدير / العلامة الأميني 1: 380، ط 5، دار الكتاب العربي، بيروت/ 1403 ه.
[272] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10: 124.
[273] الجامع لأحكام القرآن 10: 124.
[274] كتاب الأذكياء / ابن الجوزي: 136، ط 1، دار الكتب العلمية،بيروت / 1405 ه.
[275] تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي 12: 168 - 169 / 6652 فيترجمة عمرو بن عبيد المعتزلي.
[276] تاريخ بغداد 13: 379 - 380 / 7297 في ترجمة أبي حنيفة تحتعنوان (ذكر الروايات عمن حكي عن أبي حنيفة القول بخلق القرآن).
[277] محاسن التأويل / جمال الدين القاسمي 4: 82، ط 2، دار الفكر،بيروت / 1398 ه.
[278] صحيح مسلم 3: 1331 / 1707 كتاب الحدود، باب الخمر.
[279] شرح العقيدة الطحاوية / القاضي الدمشقي 2: 532، ط 1، مؤسسةالرسالة، بيروت / 1408 ه.
[280] المصنف / ابن أبي شيبة 2: 378، الدار السلفية، بومباي، الهند. والسنن الكبري / البيهقي 3: 122، دار المعرفة، بيروت.
[281] الطبقات الكبري / ابن سعد 4: 149.
[282] المغني / ابن قدامة 2: 186، 192. والحديث في سنن ابن ماجة 1: 343 (نقلنا ذلك من بحث التقية في آراء علماء المسلمين / الشيخ عباس علي براتي: 82 منشور في مجلة رسالة الثقلين، العدد الثامن، السنة 1414 ه،إصدار المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، قم).
[283] صحيح مسلم 3: 1478 / 1851، كتاب الإمارة، باب رقم / 13.
[284] كشف الأستار عن زوائد مسند البزار علي الكتب الستة / نور الدينالهيثمي 4: 112 / 3323، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404 ه.
[285] صحيح البخاري 5: 140 كتاب بدء الخلق، باب غزوة الخندق.
[286] أنظر ما قاله العيني في عمدة القاري 17: 185 - 186. وابن حجر في فتح الباري 7: 223. والقسطلاني في إرشاد الساري 6: 324 - 325،كلهم في شرح حديث البخاري المتقدم.
[287] أسد الغابة في معرفة الصحابة / ابن الأثير 3: 212 - 213 /2889 في ترجمة عبد الله بن حذافة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
[288] تاريخ اليعقوبي 2: 197 - 199، دار صادر، بيروت.
[289] شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 2: 9 - 10، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، ط 2، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1385 ه.
[290] المبسوط / السرخسي 24: 46، من كتاب الإكراه.
[291] أسد الغابة 1: 364 / 812.
[292] مسند أحمد 4: 368 وانظر تعليق العلامة الأميني عليه في الغدير 1: 380.
[293] تاريخ الطبري 1: 155 في حوادث سنة 145 ه. وأحكام القرآن /الجصاص 1: 70 - 71 في تفسير الآية 124 من سورة البقرة.
[294] تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي 13: 329. ووفيات الأعيان / ابنخلكان 5: 47، دار صادر، بيروت / 1398 ه.
[295] ميزان الاعتدال 1: 414 / 1519.
[296] مالك بن أنس / أمين الخولي: 94، ط 1، القاهرة / 1951 م.
[297] راجع مقدمة تحقيق كتاب الموطأ، ط 1، دار القلم، بيروت / 1382 ه.
[298] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي المالكي 10: 180. وأحكام القرآن / ابن العربي المالكي 3: 1177 / 1182. والمبسوط / السرخسي الحنفي 24: 48. وبدائع الصنائع / الكاساني الحنفي 7: 175، ط 2، دار الكتاب العربي، بيروت / 1402 ه. وأحكام القرآن / محمد بن إدريس الشافعي 2: 114 - 115، دار الكتب العلمية، بيروت / 1400 ه. والمغني / ابن قدامة الحنبلي 8: 262، ط 1، دار الفكر، بيروت/ 1404 ه.
[299] فتاوي قاضيخان / الفرغاني الحنفي 5: 489 وما بعدها، مطبوعبهامش الفتاوي الهندية، ط 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1406 ه.
[300] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10: 180. وتفسير ابن جزي الكلبيالمالكي: 366 دار الكتاب العربي، بيروت / 1403 ه.
[301] تفسير المراغي 3: 136 - 137، وقد صرح بجواز المداراة المعتزلة كما في مسائل الهادي يحيي ابن الحسين الرسي المعتزلي: 107 نقلناه من معتزلة اليمن / علي محمد زيد: 190، ط 2، دار العودة، بيروت / 1405 ه، وكذلك الخوارج الأباضية كما في المعتبر لأبي سعيد الكديمي الأباضي 1: 212طبع وزارة التراث القومي في سلطنة عمان / 1405 ه.
[302] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي المالكي 10: 180 وما بعدها. والمبسوط / السرخسي الحنفي 24: 48. والأشباه والنظائر / السيوطيالشافعي: 207 - 208.
[303] الجامع لأحكام القرآن 10: 180. والمبسوط / السرخسي الحنفي 24: 48. وفتاوي قاضيخان / الفرغاني الحنفي 5: 487. والأشباه والنظائر /السيوطي الشافعي: 207 - 208.
[304] فتاوي قاضيخان / الفرغاني 5: 487.
[305] فتاوي قاضيخان / الفرغاني 5: 487.
[306] البحر المحيط / أبو حيان المالكي 2: 224. وبدائع الصنائع / الكاساني الحنفي 7: 175. ومجمع الأنهر في شرح ملتقي الأبحر / داماد أفنديالحنفي 2: 431 - 433، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
[307] المحلي / ابن حزم 8: 331 - 335 مسألة: 1406.
[308] البحر المحيط / أبو حيان المالكي 2: 424. وبدائع الصنائع / الفرغانيالحنفي 7: 175، والمحلي / ابن حزم 8: 331 - 335 مسألة: 1406.
[309] المغني / ابن قدامة الحنبلي 8: 260 مسألة 5846.
[310] المدونة الكبري / مالك بن أنس 3: 29 كتاب الإيمان بالطلاق وطلاق المريض أورده تحت عنوان (ما جاء في طلاق النصرانية والمكره والسكران)، مطبعة السعادة، مصر. والكافي في فقه أهل المدينة المالكي / ابن عبد البر: 503، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت / 1407 ه. والجامع لأحكام القرآن / القرطبي المالكي 1: 180.
[311] أحكام القرآن / الكيا الهراسي الشافعي 3: 246.
[312] المغني / ابن قدامة 8: 260 مسألة: 5846.
[313] بدائع الصنائع 7: 175.
[314] الكافي في فقه أهل المدينة المالكي: 503.
[315] بدائع الصنائع 7: 175.
[316] المجموع شرح المهذب / النووي الشافعي 18: 3، دار الفكر، بيروت.
[317] أحكام القرآن / محمد بن إدريس الشافعي 2: 114 - 115.
[318] أحكام القرآن / ابن العربي المالكي 3: 1177 / 1182. وتفسير ابن جزي المالكي: 366.
[319] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي المالكي 10: 191.
[320] بدائع الصنائع 7: 175، وانظر تفصيل فتاوي الحنفية بشأن موارد التقية في اليمين الكاذبة وغيرها في مصادرهم التالية: 1 - البحر الرائق / ابن نجيم 8: 70. 2 - تحفة الفقهاء / السمرقندي 3: 273، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت / 1405 ه. 3 - تقريرات الرافعي علي حاشية ابن عابدين / محمد رشيد الرافعي 2: 278، ط 3، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1407 ه. 4 - رد المحتار علي الدر المختار / ابن عابدين 5: 80، ط 2، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1407 ه. 5 - شرح فتح الغدير / ابن همام 8: 65، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 6 - غمز عيون البصائر / شهاب الدين الحموي 3: 203 و 4: 339، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت / 1405 ه. 7 - الفتاوي الهندية / الشيخ نظام وجماعته 5: 35، ط 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت / 1406 ه. 8 - الفروق / الكرابيسي 2: 260، المطبعة العصرية، الكويت / 1402 ه. 9 - اللباب / الميداني 4: 107، ط 4، دار الحديث، بيروت / 1399 ه. 10 - المبسوط / السرخسي الحنفي في الجزء (24) كله تقريبا (تقدم التعريف بطبعته). 11 - مجمع الضمانات / ابن محمد البغدادي: 204، ط 1، عالم الكتب، بيروت / 1407 ه. 12 - النتف في الفتاوي / السغدي 2: 296، مطبعة الإرشاد، بغداد / 1975 م. 13 - الهداية / المرغيناني 3: 275، مطبعة مصطفي البابي الحلبي وأولادهبمصر.
[321] تاريخ الطبري 4: 427 في حوادث سنة (145)، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت / 1408 ه.
[322] الجامع لأحكام القرآن 10: 180، وبه قال الإمام الزيدي أحمد بن يحيي بن المرتضي في البحر الزخار 6: 100، مؤسسة الرسالة، بيروت 1393 ه، وقد ذكرناه هنا، لادعاء بعض خصوم الشيعة من الجهلة الأغبياء بأن الزيدية أنكروا التقية، ولولا خشية الإطالة لزدت البحث فصلا في تقيتهم.
[323] فتاوي قاضيخان 5: 489. وانظر: أحكام القرآن / الجصاص الحنفي 1: 127. والمبسوط / السرخسي 24: 48 وما بعدها. وبدائع الصنائع 7:175 وما بعدها.
[324] التفسير الكبير / الفخر الرازي الشافعي 20: 121.
[325] المحلي / ابن حزم 8: 330 مسألة: 1404.
[326] الجامع لأحكام القرآن 10: 180.
[327] أحكام القرآن / ابن العربي 3: 1177 / 1182.
[328] بدائع الصنائع 7: 175 - 191.
[329] المغني / ابن قدامة 5: 412 مسألة: 3971.
[330] المحلي 8: 331 مسألة 1405.
[331] بدائع الصنائع 7: 175 - 191.
[332] المغني / ابن قدامة 10: 155 مسألة 7167.
[333] كما في سائر المصادر المذكورة في هذه الفقرة، وفي الصفحات المؤشرةإزائها، وهو قول الزيدية أيضا كما في البحر الزخار 6: 100.
[334] تفسير بن جزي الكلبي المالكي: 366.
[335] أحكام القرآن / ابن العربي 3: 1298.
[336] التفسير الكبير / الرازي الشافعي 20: 121.
[337] فتاوي قاضيخان 5: 484. وانظر: الفرائد البهية في القواعد والفوائد الفقهية / مفتي الشام محمود حمزة: 219، ط 1، دار الفكر، دمشق / 1406 ه.
[338] بدائع الصنائع 7: 175 - 191. وكذلك مجمع الأنهر 2: 431 -433.
[339] المبسوط / السرخسي 24: 45.
[340] فتاوي قاضيخان 5: 489.
[341] التفسير الكبير / الرازي 20: 121.
[342] فتاوي قاضيخان 5: 486.
[343] فتاوي قاضيخان 5: 486.
[344] الجامع لأحكام القرآن / القرطبي المالكي 10: 180 وما بعدها في تفسيره الآية 106 من سورة النحل.
[345] أحكام القرآن / الجصاص الحنفي 1: 127.
[346] المبسوط / السرخسي 24: 48.
[347] مجمع الأنهر 2: 431 - 433. والأشباه والنظائر / السيوطي الشافعي 207 - 208. والسيل الجرار علي حدائق الأزهار / الشوكاني 4: 265، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت / 1405 ه. وقد قيد بعضهم مثل هذه التقية في حالة كون الإكراه عليها بالقتل وهو ما يسمونه بالإكراه الملجئ الذي يكون معتبرا في التصرفات القولية والفعلية، وفي مثل هذا الحال يكون الضمان علي المكره، وأما لو كان الإكراه غير ملجئ وهو ما كان التهديد فيه بما دون القتل فللمكره أن يتقي في المثال أيضا بشرط الضمان. أنظر: شرح المجلة / سليم رشيد الباز: 560 المادة 1007 ط دار إحياء التراثالعربي: بيروت.
[348] البحر الزخار 6: 100.
[349] الأشباه والنظائر / السيوطي: 207 - 208.
[350] راجع في ذلك بدائع الصنائع 7: 175 - 191. والمحلي 8: 331 - 335 مسألة: 1406 وغيرهما مما ذكرناه من مصادر الفقه العامي.
[351] أحكام القرآن / ابن العربي 3: 1177 / 1182.
[352] الوشيعة في نقد عقائد الشيعة / موسي جار الله: 72، ط 1، مطبعةالشرق، مصر / 1355 ه.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.