البكاء علي موتي المؤمنين

اشارة

مولف:مجمع العالمي لاهل البيت

فكرة عامة حول البكاء

البكاء تعبير عن حاجة إنسانية يلجأ إليها الإنسان بطبيعته، عندما تكتنفه صعوبات الحياة وآلامها، فلا يملك إزاءها حولاً ولا قوة تعينه علي الفرار منها خصوصاً في اللحظات الحرجة فيتنفس عبر البكاء، أو عندما يفاجأ بفقدان حبيب أو خسارة مادية أو معنوية، فيختل توازنه النفسي فيندفع تلقائياً وبلا شعور فيستفرغ احتصاره وكبته عن طريق البكاء، وهذه الحاجة لا تختص بعقيدة دون اُخري، لأن منشأ البكاء نفسي وفطري. فإذا كان البكاء فطرياً يلجأ إليه الإنسان عند الاختناق والهلع النفسي، فيكون أداة لتفريغ الهموم والصدمات النفسية ; فهل يا تري للبكاء فوائد اُخري يتضمنها، أم يقتصر علي هذا الحد؟ أوّلاً: لا يخلو البكاء من فوائد كثيرة منها الصحية والنفسية والسياسية، نذكر فيما يلي قسماً منها علي سبيل الاختصار. أ _ إن البكاء يمثل منهجاً لتزكية النفس من الأدران والذنوب، خصوصاً عندما يكون بدافع الندم والتوبة. ب _ إن البكاء يرفع الإنسان الي درجة التحسس بآلام المحرومين والمظلومين في الأرض، لأن البكاء يوقظ الضمير وينبّه الوجدان، في حالة الاعتراف بالتقصير أمام الله والخشية منه. ج _ البكاء يعالج قسوة القلب المذمومة في الشريعة، مثل الطبع علي القلب والختم عليه. قال تعالي: (ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة) [1] . وقال تعالي: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) [2] . د _ إن البكاء له بُعد سياسي، لأنه الطريق الأفضل لرفع الظلم واستنكار ممارسات الظالمين في الظرف الذي لا يسمح بالمواجهة، وعندما يشعر الإنسان بأنه لا يقدر علي فعل

شيء فيكون البكاء تعبيراً عن الرفض والمعارضة. ثانياً: ذكروا أن للبكاء الذي يلجأ إليه الإنسان ذاتياً دوافع، فقد يبكي الإنسان عندما يُفاجأ بخبر مفرح لم يتوقع تحققه إطلاقاً، كما يبكي الإنسان عندما يتعرض لحزن شديد، أو لفزع، أو لمداهمة من غريب، أو وجع مؤلم، أو رياء، أو شكر، أو بكاء من خشية الله. ثالثاً: والبكاء من الناحية الشرعية له عدة أقسام: أ _ البكاء من خشية الله: فقد جاء في الحثّ علي هذا القسم عدد من الآيات والروايات نذكر منها: 1 _ قوله تعالي: (إن الذين اُوتوا العلمَ من قبله إذا يُتلي عليهم يخرّون للأذقان سُجّداً - ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعدُ ربّنا لمفعولاً - ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) [3] . 2 _ قوله تعالي: (اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرّية آدم وممّن حملنا مع نوح ومن ذريّة إبراهيم وإسرائيل وممّن هدينا واجتبينا إذا تُتلي علهيم آيات الرحمن خرّوا سُجداً وبكياً) [4] . 3 _ وحثّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) علي البكاء فقال: «لا تري النار عينٌ بكت من خشية الله ولا عين سهرت في سبيل الله» [5] . 4 _ وجاء عنه(صلي الله عليه وآله) «ما من قطرة أحب الي الله من قطرة دم في سبيل الله وقطرة دموع قطرت من عين رجل في جوف الليل من خشية الله» [6] . ولما كان البكاء مطلوباً ومحبوباً عند الله سبحانه; فقد نجد الأنبياء(عليهم السلام) قد بكوا في مواطن متعددة. 5 _ بكي آدم علي خطيئته مائة سنة، وما رفع رأسه الي السماء بعد ذلك حياءً من ربه [7] . وقيل بأن نوحاً النبيّ(عليه السلام) إنما سُمّي نوحاً لأنه كان

نوّاحاً [8] . 6 _ أما كثرة البكاء عند النبي داود(عليه السلام) فنسبتها «لو عدل بكاء داود بكاء أهل الأرض بعد آدم، لعدل بكاء داود بكاء أهل الأرض» [9] . 7 _ وأما المثل الذي ضربه النبيّ يحيي في البكاء فهو كما قيل: «كان يحيي بن زكريا له خطّان في خديه من البكاء، فقال له أبوه زكريا: إنما سألت الله ولداً تقرُّ به عيني. فقال: يا أَبَه! إن جبرئيل أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلاّ كُلّ بكّاء» [10] . ب: البكاء أثناء العبادات: منها البكاء عند قراءة القرآن والبكاء عند الصلاة والبكاء عند الدعاء. ج: البكاء عند فقدان الأحبّة والشهداء والصُلحاء والمؤمنين. والبكاء علي موتي المؤمنين هو أحد الموارد المشروعة التي ندبت إليها الشريعة ولا يمكن تجزئته عن أنواع البكاء الاُخري، لكن البعض ذهب الي حرمته وعدم جوازه محتجاً ببعض الروايات التي لم يثبت صدورها عن رسول الله أو أنها حملت علي الحرمة. من هنا سوف نتناول هذه المسألة ضمن عدد من المباحث في منشأ الخلاف في حرمة البكاء، وفي سيرة الرسول(صلي الله عليه وآله)وبكائه علي موتي المؤمنين، وفي سيرة المسلمين قبل وفاة الرسول وبعد وفاة الرسول(صلي الله عليه وآله). وما ورد عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)في البكاء، ثم أحكام البكاء عند الإمامية وأدلتها الشرعية لندرك بعد ذلك الطريق الصحيح الذي ينسجم مع اُصول الشريعة الغرّاء.

منشأ الخلاف في حرمة البكاء علي موتي المؤمنين

اشاره

إنّ منشأ الخلاف في مسألة حرمة البكاءعلي موتي المؤمنين يرجع لرواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله، عن النبي(صلي الله عليه وآله)، أنه قال: «إن الميت يعذّب ببكاء أهله عليه». وقد نقلت هذه الرواية بعدة ألفاظ منها ببعض بكاء أهله عليه، ومنها ببكاء الحيّ عليه، ومنها

يعذّب في قبره بما نيح عليه. ولا عبرة باختلاف الألفاظ لأن هذه الروايات كلهامن رواية عمر بن الخطاب وابنه عبدالله [11] . ووقف الصحابة من هذه الرواية موقف المعارض ونعتوا راويها بالخطأ أو النسيان، لأنها تعارض القرآن الكريم وأن رسول لله(صلي الله عليه وآله) لم يقل ذلك، وإنّما قال: «إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه» إلي غير ذلك من الردود.

موقف عائشة من الرواية و من حرمة البكاء

عن ابن أبي مليكة قال: (توفيت بنت لعثمان بن عفان بمكة فجئنا نشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس، وأني لجالس بينهما، فقال عبدالله بن عمر لعمرو بن عثمان _ وهو مواجهه _: ألا تنهي عن البكاء؟! فإن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: إن الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه؟!). فقال ابن عباس: قد كان عمر يقول بعض ذلك، ثم حدّث فقال: صدرت مع عمر من مكة حتي إذا كنا بالبيداء، فإذا هو بركب تحت ظل شجرة، فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ فنظرت، فإذا هو صهيب قال: فأخبرته، فقال: اُدعه، فرجعت إلي صهيب، فقلت: ارتحل، فالحقْ بأمير المؤمنين، فلما أن اُصيب عمر: دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، واصاحباه! فقال عمر: يا صهيب، أتبكي عليّ وقد قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن الميت ليعذّب ببعض بكاء أهله عليه؟ فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة، فقالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدّث رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن الميّت يُعذّب ببكاء أهله عليه، ولكن قال: إن الله يزيد الكافر ببكاء أهله عليه. وقالت عائشة: حسبكم القرآن: (ألاّ تَزِرُ وازرة وزِر اُخري). قال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكي. قال ابن أبي مليكة: فما قال ابن عمر شيئاً

[12] . وفي رواية قال ابن أبي مليكة: ذكرت الحديث لعائشة فقالت: أما والله ما تُحدّثون هذا الحديث عن كاذبين مكذّبين، ولكن السمع يخطئ وإنّ لكم في القرآن لَمَا يُشفيكم:(ألاّ تزر وازرة وزر اُخري) [13] ولكن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه [14] . وعن عمرة بنت عبدالرحمن قالت: سمعت عائشة (رضي الله عنه) وذُكر لها أن عبدالله بن عمر يقول: «إن الميت ليعذّب ببكاء الحي عليه» نقول يغفر الله لأبي عبدالرحمن، أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو خطأ، وإنما مرّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) علي يهودية يُبكي عليها، فقال: «إنه ليُبكي عليها، وأنها لتُعَذّب في قبرها» أخرجه الجماعة إلاّ أبا داود» [15] . وفي رواية قالت: يرحمه الله، لم يكذب ولكنّه وهم، إنما قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لرجل مات يهودياً: إنّ الميت ليعذبّ وإنهم ليبكون عليه. وكانت عائشة مع عمر في هذه المسألة علي طرفيّ نقيض فقد ناحت علي أبيها يوم وفاته خلافاً لنهي عمر. وعن سعيد بن المسيب أنه قال: لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح، فأقبل عمر بن الخطاب حتي قام ببابها، فنهاههن عن البكاء عليه فأبين أن ينتهين، فقال عمر لهشام بن الوليد: اُدخل فأخرج اليَّ ابنة أبي قحافة، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: إني اُحرّج عليك بيتي. فقال عمر لهشام: اُدخل فقد أذنت لك، فدخل هشام فأخرج اُم فروة اُخت أبي بكر إلي عمر، فعلاها بالدرة فضربها ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك [16] .

موقف ابن عباس

اتّضح موقف ابن عباس في مسألة البكاء علي موتي المؤمنين ومعارضته لرواية عمر بقوله السابق الذكر [17]

.

موقف أبي هريرة

أما أبو هريرة، فقد قال: (مات ميت من آل رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر ينهاهن ويطردهنّ، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «دعهنّ يا عُمر، فإن العين دامعة، والقلب مصاب، والعهد قريب» [18] .

تعارض روايات تحريم البكاء مع روايات جوازه

ورد عدد من الروايات التي اُدّعي أنّها تدلّ علي نهي النبي(صلي الله عليه وآله)عن البكاء، فمع قطع النظر عن ضعفها وعدم صلاحيتها للتعارض، تبقي لا تنهض بدليلها حتي لو سلّمنا فرض صحتها، لأنّها بطبيعة الحال تتعارض مع الروايات القائلة بجواز البكاء، وكونه من سيرة رسول الله(صلي الله عليه وآله)علي من رآه مشرفاً علي الموت وعلي من توفي شهيداً، أو غير شهيد وعلي قبر المتوفي. وأن استدراك عائشة، وأقوال الصحابة من كون روايات النهي محصورة بالخليفة الثاني وابنه عبدالله، وأنها ناشئة من الخطأ والنسيان، وأن رسول الله لم ينهَ عن البكاء، يجعلنا أن نعرض عن روايات النهي ونتمسك بسيرة رسول الله(صلي الله عليه وآله) القائمة علي جواز البكاء.

تعارض مضمون روايات تحريم البكاء مع مفاهيم القرآن الكريم

والذي يلاحظ مضمون روايات تحريم البكاء، يجد أن هذه الروايات تنسب العقوبة لغير فاعل الذنب، وهي بذلك تخالف نصوص القرآن الكريم، التي لا تحمل الذنب إلاّ علي فاعله. قال تعالي: (ألاّ تزر وازرة وزر اُخري) [19] . الوزر: هنا بمعني الإثم والذنب المُثقل للظهر، والوازرة النفس المذنبة التي تذنب. والمراد: لا يحمل أحد من المذنبين ذنب غيره [20] . وقال تعالي: (وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعي) [21] . وقال تعالي: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره - ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) [22] . وقال تعالي: (لتجزي كل نفس بما تسعي) [23] . وقبل أن نختتم البحث نذكر بأن هناك روايات استدلّ بها البعض علي جواز البكاء قبل الموت لا بعده، جاءت بألفاظ متقاربة في معناها من كون البكاء محرماً بعد الموت. منها: ما جاء عن عبدالله بن عمير، عن جَبْر: (أنه دخل مع النبي(صلي الله عليه وآله)علي ميت فبكي النساء، فقال جبرٌ: أتبكين؟ لا

تبكين ما دام رسول الله(صلي الله عليه وآله)جالساً. قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «دعهن يبكين ما دام بينهن، فإذا وجب فلا تبكينَّ عليه باكية» [24] . ويحمل هذا الحديث علي رفع الصوت عالياً وخمش الوجوه، لأن النبي(صلي الله عليه وآله)لما بكي وقال عبدالرحمن: أولم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: «لا ولكن نهيت عن صوتين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب، ورنّة شيطان» [25] .

بكاء الرسول والأنبياء علي موتي المؤمنين

1 _ لقد بكي النبي(صلي الله عليه وآله) علي عمّه حمزة وحث المسلمين علي البكاء عليه. قال ابن سعد: (لما سمع رسول الله(صلي الله عليه وآله) بعد غزوة اُحد البكاء من دور الأنصار علي قتلاهم، ذرفت عينا رسول الله(صلي الله عليه وآله) وبكي وقال: «لكن حمزة لا بواكي له» فسمع ذلك سعد بن معاذ فرجع الي نساء بني عبدالأشهل فساقهنّ فدعا لهن. فلم تبك امرأة من الأنصار بعد ذلك الي اليوم علي ميت إلاّ بدأت بالبكاء علي حمزة، ثم بكت علي ميّتها) [26] . ولم يتضمن هذا الحديث فعل النبي(صلي الله عليه وآله) فحسب، وإنما يتضمن تقريره وأمره بالبكاء أيضاً، كما يكتشف منه بأن البكاء علي موتي المؤمنين في عصر الرسالة، قد شكّل ظاهرة تعاطاها المسلمون آنذاك. 2 _ لما اُصيب جعفر وأصحابه في غزوة مؤتة دخل رسول الله(صلي الله عليه وآله)بيته، وطلب بني جعفر، فشمّهم ودمعت عيناه، فقالت زوجته أسماء: بأبي واُمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم اُصيبوا هذا اليوم. فقالت أسماء: فقمتُ أصيح وأجمع النساء، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: وا عمّاه! فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): علي مثل جعفر فلتبكِ البواكي» [27] . ولا ريب أن هذا الحديث قد

تضمّن بكاء النبي(صلي الله عليه وآله) بل وقوله: «علي مثل جعفر فلتبك البواكي» وتقريره لبكاء أسماء، وكلها دلائل واضحة علي مشروعية البكاء علي موتي المؤمنين والشهداء. 3 _ وبكي الرسول(صلي الله عليه وآله) علي الشهداء في الغزوة المذكورة. كما جاء في صحيح البخاري: أن النبي نعي زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، وقال: «أخذ الراية زيد، فاُصيب، ثم أخذ جعفر فاُصيب، ثم أخذ ابن رواحة فاُصيب»، وعيناه تذرفان... [28] . 4 _ وبكي النبي(صلي الله عليه وآله) علي إبنه إبراهيم. قال أنس: (دخلنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله)... وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلتْ عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف(رضي الله عنه): وأنت يا رسول الله؟! فقال: «يابن عوف، إنها رحمة» ثمّ أتبعها باُخري فقال(صلي الله عليه وآله): «إنّ العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» [29] . في هذا الحديث وصف رسول الله(صلي الله عليه وآله) تساقط الدموع بأنها رحمة. ومن هذا التعبير يفهم أن البكاء حسن. ثم أراد بقوله(صلي الله عليه وآله): «إن العين تدمع، إلي آخر الحديث» أن لا إثم بدمع العين وحزن القلب، وإنما الإثم بقول ما يسخط الربّ كالاعتراض عليه سبحانه. 5 _ وبكي الرسول(صلي الله عليه وآله) علي اُمّه عند قبرها. عن أبي هريرة قال: (زار النبي(صلي الله عليه وآله) قبر اُمه فبكي وأبكي من حوله) [30] . 6 _ وبكي الرسول(صلي الله عليه وآله) في مرض سعد بن عبادة. عن عبدالله بن عمر قال: اشتكي سعد بن عبادة شكوي له، فأتي رسول الله(صلي الله عليه وآله) يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص

وعبدالله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: (أقَضي؟) قالوا: لا يا رسول الله! فبكي رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فلما رأي القوم بكاء رسول الله(صلي الله عليه وآله)بكوا، فقال: «ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا، وأشار الي لسانه، أو يرحم» [31] . 7 _ بكاء الرسول(صلي الله عليه وآله) علي سبطه الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام). عن اُم الفضل بنت الحارث أنها دخلت علي رسول الله(صلي الله عليه وآله)فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة، قال: «وماهو؟ قالت: إنه شديد، قال: وماهو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): رأيت خيراً، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك. فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) فدخلت يوماً إلي رسول الله فوضعته في حجره، ثم حانت منّي التفاتة، فإذا عينا رسول الله تهرقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبيّ الله! بأبي واُمي، ما لك؟! قال: أتاني جبرئيل فأخبرني أن اُمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟! قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء». قال الحاكم هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه [32] . وهناك روايات اُخري لا يسعنا ذكرها تؤكد كون الرسول(صلي الله عليه وآله) قد بكي في أكثر من مناسبة علي الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) [33] . ولم يكن البكاء وليد عصر الرسالة، وإنّما له عمقه التاريخي حيث نجد عدداً من الأنبياء قد بكوا في مناسبات مختلفة: قال تعالي عن نبيّه يعقوب(عليه السلام): (وتولّي عنهم وقال يا أسفي علي يوسف وابيضت عيناه من

الحزن فهو كظيم) [34] . فقد بكي يعقوب علي ولده يوسف حتي: (قالوا تالله تفتَؤُا تذكر يوسف حتي تكون حرضاً أو تكون من الهالكين) [35] . قال الزمخشري: إذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته الي بياض كدر. قيل: قد عمي بصره. وقيل: كان يدرك إدراكاً ضعيفاً، قرئ من الحزن ومن الحزن، الحزن كان سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن. قيل: ما جفّت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف الي حين لقائه ثمانين عاماً وما علي وجه الأرض أكرم علي الله من يعقوب. وعن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنه سأل جبرئيل(عليه السلام): ما مبلغ من وجد يعقوب علي يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلي. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد. وما أساء ظنّه بالله ساعة قط. فإن قلت: كيف جاز لنبيّ الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟ قلت: الإنسان مجبول علي أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حمد صبره وأن يملك نفسه حتي لا يخرج الي ما لا يحسن. ولقد بكي رسول الله(صلي الله عليه وآله) علي ولده إبراهيم وقال: «القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون». وإنّما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة، ولطم الصدور والوجوه، وتمزيق الثياب. وعن النبي(صلي الله عليه وآله) أنه بكي علي ولد بعض بناته وهو يجود بنفسه، فقيل: يا رسول الله تبكي وقد نهيتنا عن البكاء؟ فقال: «ما نهيتكم عن البكاء وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين: صوت عند الفرح وصوت عند الترح». وعن الحسن(عليه السلام) أنه بكي علي ولده أو غيره، فقيل له في ذلك، فقال:

«ما رأيت الله جعل الحزن عاراً علي يعقوب فهو كظيم فهو مملوء من الغيظ علي أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم [36] .

سيرة المسلمين في البكاء علي مؤتي المؤمنين

أما سيرة المسلمين بعد وفاة رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فهي الاُخري خير دليل كاشف عن جواز البكاء، حيث نلمس من خلالها، أن المسلمين وكبار الصحابة قد بكوا علي موتاهم من المؤمنين، ورثَوْهم بمختلف القصائد الشعرية [37] ، وإليك جملة من الشواهد التاريخية التي تؤكد صحة البكاء وشرعيته واستمرار سيرتهم عليه: 1 _ وقف الإمام أمير المؤمنين علي ضريح النبي(صلي الله عليه وآله) ساعة دفنه فقال: «إن الصبر لجميل إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك، وإن المصاب لجلل، وإنّه بعدك لقليل». 2 _ وللإمام علي(عليه السلام) رثاء في حق رسول الله(صلي الله عليه وآله): ألا طرق الناعي بليل فراعني++ وأرّقني لمّا استقل مناديا فقلت له لما رأيت الذي أتي++ لغير رسول الله كنت ناعيا [38] . 3 _ عن أنس بن مالك قال: كانت فاطمة جالسة عند رسول الله(صلي الله عليه وآله)فتواكدت عليه كُربُ الموت، فرفع رأسه وقال: واكرباه! فبكت فاطمة وقالت: واكرباه لكربك يا أبتاه. قال: لا كرب علي أبيك بعد اليوم [39] . 4 _ وَ رَثَتْ فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين(عليها السلام) أباها(صلي الله عليه وآله)عند مماته بأبيات تهيج الحزن، منها: ماذا علي من شم تربة أحمد++ أن لا يشم مدي الزمان غواليا صبّت عليَّ مصائب لو أنها++ صبّت علي الأيام عدن لياليا [40] . 5 _ ولصفية عمّة الرسول(صلي الله عليه وآله) رثاء حزين عند وفاة النبي(صلي الله عليه وآله)وهو قولها: ألا يا رسولَ الله كنت رجاءنا++ وكنت بنا برّاً ولم تكن جافيا وكنت رحيماً هادياً ومعلماً++

ليبك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ما أبكي النبي لفقده++ ولكن لما أخشي من الهرج آتيا [41] . 6 _ وبكي أبو ذؤيب علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) حين وفاته وأنشد: لما رأيت الناس في عسلاتهم++ ما بين ملحود له ومضرح متبادرين لشرجع بأكفهم++ نص الرقاب لفقد أبيض أروح فهناك صرت الي الهموم ومن يبت++ جار الهموم يبيت غير مروح [42] . 7 _ ذكر ابن إسحاق أن أبا سفيان بن الحارث بكي النبي(صلي الله عليه وآله)كثيراً ورثاه فقال: أرقتُ فبات ليلي لا يزول++ وليل أخي المصيبة فيه يطول فأسعدني البكاء وذاك فيما++ اُصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلّت++ عشية قيل قد قبض الرسول [43] . 8 _ لمّا نعي النعمان بن مُقرن الي عمر بن الخطاب وضع يده علي رأسه وصاح يا أسفا علي النعمان! ولما استشهد زيد بن الخطاب باليمامة وكان صحبه رجل من بني عدي بن كعب، فرجع الي المدينة فلما رآه عمر دمعت عيناه وقال: وخلفت زيداً ثاوياً وأتيتني [44] . ولما توفي خالد بن الوليد أيام عمر بن الخطاب _ وكان بينهما هجرة _ امتنع النساء من البكاء عليه، فلما انتهي ذلك إلي عمر، قال: وما علي نساء بني المغيرة أن يُرقن من دمعهن علي أبي سليمان ما لم يكن نقعاً ولا لقلقة. وبكي متمّم أخو مالك بن نويرة بمحضر أبي بكر وفي مسجد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وكان متمّم أعور دميماً فلما بلغه مقتل أخيه; حضر مسجد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وصلي الصبح خلف أبي بكر، فلما فرغ من صلاته واستند في محرابه قام متمّم فوقف بحذائه واتّكأ علي سيّة قوسه، ثم أنشد:

نعم القتيل إذ الرياحُ تناوحت++ خلف البيوت قتلت ياابن الأزور أدعوته بالله ثم غدرته++ لو هو دعاك بذمة لم يغدر؟ وأما أبو بكر فقال: والله ما دعوته ولا غدرته ثم بكي وانحطّ علي سيّة قوسه، فما زال يبكي حتي دمعت عينه العوراء، فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: لوددت أنك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً [45] .

ما ورد عن أئمة أهل البيت في البكاء

بكي أئمة أهل البيت(عليهم السلام)وحثّوا شيعتهم علي البكاء ضمن الإطار الشرعي، الذي يحقّق غرضه الإلهي المطلوب ولا يدخل في الحرمة، وإليك عدداً من تلك الروايات: 1 _ عن عبدالله بن العباس، قال: «لما حضرت رسول الله(صلي الله عليه وآله)الوفاة بكي حتي بلّت دموعه لحيته، فقيل: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذرّيتي، وما تصنع بهم أشرار اُ مّتي من بعدي، كأ نّي بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي، وهي تنادي يا أبتاه! يا أبتاه! فلا يُعينها أحد من اُ مّتي. فسمعت ذلك فاطمة فبكت، فقال لها رسول الله(صلي الله عليه وآله): لا تبكين يا بُنية! فقالت: لست أبكي لما يُصنع بي بعدك، ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله، فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنّك أول مَنْ يَلحق بي من أهل بيتي» [46] . 2 _ عن ثوير بن أبي فاختة، قال: سمعت الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) يحدث رجلاً من قريش، قال: «لمّا قرّب أبناء آدم القُربان _ الي أن قال _... فانصرف آدم فبكي علي هابيل أربعين يوماً وليلة...» [47] . 3 _ روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق(عليه السلام)، أنه قال: «بكي علي ابن الحسين علي الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين عشرين سنة، وما وضع بين

يديه طعام إلاّ بكي علي الحسين(عليه السلام)حتي قال له موليً له: جعلت فداك يابن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين! فقرأ: (قال إنّما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة» [48] . 4 _ روي عن أبي بصير، قال: سمعت الصادق(عليه السلام)يقول: «إنّ أبي مرض مرضاً شديداً حتي خفنا عليه، فبكي عند رأسه بعض أصحابه، فنظر إليه وقال: إني لست بميّت في وجعي هذا قال: فبرأ ومكث ماشاء الله من السنين، فبينما هو صحيح ليس به بأس، فقال: يا بنيَّ انّي ميّت يوم كذا، فمات في ذلك اليوم» [49] . 5 _ عن حمزة بن حمران، قال: دخلت الي الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام) فقال لي: «يا حمزة من أين أقبلت؟ قلت: من الكوفة. قال: فبكي(عليه السلام) حتي بلّت دموعه لحيته، فقلت له: يا ابن رسول الله مالك أكثرت البكاء؟ فقال: ذكرت عمي زيداً وما صُنع به فبكيت. فقلت له: وما الذي ذكرت منه؟ فقال: ذكرت مقتله وقد أصاب جبينه سهم فجاءه ابنه يحيي فانكبّ عليه وقال له: أبشر يا أبتاه فإنّك ترد علي رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، قال: أجل يا بُنيّ، ثم دعا بحدّاد فنزع السهم من جبينه، فكانت نفسه معه... _ الي أن قال(عليه السلام) _ فلعن الله قاتله وخاذله والي الله جلّ اسمه أشكو ما نزل بنا أهل البيت...» [50] . 6 _ عن أبي هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبدالله(عليه السلام): «يا هارون أنشدني في الحسين(عليه السلام)قال: فأنشدته، قال:فقال لي:أنشدني كما تنشدون _ يعني بالرقة _، قال: فأنشدته (شعر): أمرر علي

جدث الحسين++ فقل لأعظُمِه الزكيّة... قال: فبكي، ثمّ قال: زدني، فأنشدته القصيدة الاُولي، قال: فبكي وسمعت البكاء من خلف الستر. قال: فلمّا فرغت قال: يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي عشراً كُتبت لهم الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي خمسة كُتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي واحداً كُتبت لهما الجنة، ومن ذكر الحسين(عليه السلام) عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه علي الله ولم يرضَ له بدون الجنة» [51] . 7 _ عن الوشا عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال بخراسان: إنّي حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليَّ حتي أسمع، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثمّ قلت: أما إنّي لا أرجع الي عيالي أبداً» [52] . 8 _ عن الريان بن شبيب، قال: دخلت علي الرضا(عليه السلام) في أول يوم من المحرّم، فقال لي: «يابن شبيب إن المحرّم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الاُ مّة حرمة شهرها ولا حرمة نبيّها(صلي الله عليه وآله)، إذ قتلوا في هذا الشهر ذريّته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، يابن شبيب! إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين(عليه السلام) فإنّه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض من شبيه، ولقد بكت السماوات السبع لقتله، _ الي أن قال _ يابن شبيب! إن سَرّك أن تكون معنا في الدرجات العُلي فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا» [53] . 9 _ عن الحسن بن يزيد، قال: ماتت ابنة لأبي عبدالله(عليه السلام) فناح عليها سنة، ثم مات له

ولد آخر فناح عليه سنة، ثم مات له اسماعيل فجزع عليه جزعاً شديداً، فقطع النوح، قال: فقيل لأبي عبدالله(عليه السلام)أيناح في دارك؟ فقال: «إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال لما مات حمزة: لكن حمزة لا بواكي له» [54] . 10 _ عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، أنّه قال: «من كرم المرء بكاؤه علي ما مضي من زمانه» [55] . 11 _ وعن الإمام زين العابدين(عليه السلام)، قال: «ما من قطرة أحبّ إلي الله عزّ وجلّ من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل، لا يريد بها عبد إلاّ الله عزّ وجلّ» [56] . 12 _ عن محمد بن الحسن الواسطي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربّه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته» [57] .

حكم البكاء و توابعه عند علماء مدرسة أهل البيت

إنّ البكاء جائز قبل خروج الروح وبعده [58] ، بل يستحب [59] إذا كان الميت مؤمناً وفي حالة إذا كان الحزن شديداً [60] . ولو مع الصوت، بل قد يكون راجحاً، كما إذا كان مسكناً للحزن وحرقة القلب، بشرط أن لا يكون منافياً للرضا بقضاء الله، ولا فرق بين الرحم وغيره [61] . ومدرك ذلك الإجماع والنصوص المستفيضة وفي بعضها الأمر به عند شدة الوجد [62] . وأما البكاء المشتمل علي الجزع وعدم الصبر فجائز، ما لم يكن مقروناً بعدم الرضا بقضاء الله، نعم يوجب حبط الأجر ولا يُبعد كراهته [63] . كما يجوز النوح علي الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب، ولم يكن مشتملاً علي الويل والثبور. ولا يجوز اللطلم والخدش وجز الشعر، بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال كما لا يجوز شق الثوب علي غير

الأب والأخ. أما جزّ المرأة شعرها في المصيبة فكفّارته كفّارة شهر رمضان، وفي نتفه كفّارة يمين، وكذا في خدشها وجهها. وفي شق الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده كفّارة يمين: وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام [64] .

الخلاصة

إنّ البكاء من الشعائر الإسلامية المحبوبة عند الله سبحانه، لذا ورد الحث عليه في الكتاب والسنّة والشريعة. ومن هنا قد بكي الأنبياء(عليهم السلام) في مناسبات عديدة، كبكاء النبيّ يعقوب علي ولده النبي يوسف. وإن سيرة الرسول(صلي الله عليه وآله) كانت مستمرة في البكاء علي من رآه مشرفاً علي الموت وعلي من توفي شهيداً أو غير شهيد وعلي قبر المتوفي. وأما سيرة المسلمين فهي الاُخري مستمرة في البكاء علي موتي المؤمنين أثناء حياة الرسول(صلي الله عليه وآله) وبعد وفاته، وكتب الحديث والسير مملوءة بقصص البكاء والرثاء علي موتاهم. واتّضح أن فرض صحة روايات التحريم يتعارض مع روايات جوازه هذا من جهة، وتعارضها من جهة ثانية مع منطق القرآن الذي لا يحمّل أحد المذنبين ذنب غيره، ومعارضة عائشة وابن عباس لرواية التحريم التي يرويها عمر بن الخطاب وابنه عبدالله حيث نعتوها بالخطأ والنسيان من جهة ثالثة. أما مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فهو جواز البكاء علي موتي المؤمنين بشرط أن لا يكون مقروناً بعدم الرضا بقضاء الله، أو أن يكون الرثاء والنوح مشتملاً علي الكذب، أو خمش الوجوه، وشق الجيوب.

پاورقي

[1] البقرة: 74.

[2] الحديد: 16.

[3] الإسراء: 107 _ 109.

[4] مريم: 58.

[5] الترغيب والترهيب: 4/228.

[6] الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا: 52.

[7] الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا: 241 / ح 315.

[8] حلية الأولياء: 3/51.

[9] الرقة والبكاء: 268، كما أورده الإمام أحمد في كتاب الزهد: 1/85 _ 86 وتفسير الطبري: 23/96. [

[10] أورده الثعلبي في عرائس المجالس: 377.

[11] الامام النووي في شرح صحيح مسلم: 6/228 كتاب الجنائز، وجامع الاُصول: 11/97.

[12] جامع الاُصول لابن الاثير: 11/92.

[13] النجم: 38.

[14] صحيح البخاري: 3/127 وصحيح مسلم رقم 928 في الجنائز باب الميت يعذب ببكاء

أهله عليه، والنسائي: 4/18 و 19 في الجنائز.

[15] جامع الاُصول لابن الأثير: 11/94 قال الشافعي: وعمر احفظ عن عائشة من أبي مليكة: معرفة السنن للشافعي 3/202.

[16] تاريخ الطبري: 2 / 349، حوادث سنة 13.

[17] جامع الاُصول لابن الأثير: 11/92.

[18] سنن النسائي: 4/19، سنن ابن ماجة: 1/505، باب ما جاء في البكاء، ح 1587، السنن الكبري للبيهقي: 4/117، باب مَن رخص في البكاء، ح 7159.

[19] النجم: 38.

[20] جامع الاُصول لابن الأثير: 11/93.

[21] النجم: 39.

[22] الزلزلة: 7 _ 8.

[23] طه: 15.

[24] الموطأ: 1/233 وأبو داود رقم 3111 وراجع الأحاديث بهذا المعني، جامع الاُصول لابن الأثير: 11/100 _ 101 والنسائي: 4/13 و 14.

[25] الجامع الصحيح: 3/328 ح 1055.

[26] طبقات ابن سعد: 3/11 ومغازي الواقدي: 1/315 _ 317 وامتاع الاسماع: 1/163 ومسند أحمد: 2/ 129، ح 4964 وتاريخ الطبري: 2 / 211 وسيرة ابن هشام: 3/99.

[27] الاستيعاب: 1/313، اُسد الغابة: 1/241، الإصابة: 2/238. ترجمة جعفر بن أبي طالب، الكامل في التاريخ: 2/420.

[28] صحيح البخاري 2/204 والبداية والنهاية لابن كثير: 4/280، والسنن الكبري للبيهقي: 4/70 وأنساب الأشراف: 2/43، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/73.

[29] صحيح مسلم: 4/1808 كتاب الفضائل باب رحمته بالصبيان والعيال، سنن أبي داود: 3/193 كتاب الجنائز باب البكاء علي الميت، وسنن ابن ماجة: 1/507 كتاب الجنائز باب 53 ح 1589 والبخاري: شرح وتحقيق قاسم الشماعي الرفاعي: 2/556، ح 1216 كتاب الجنائز، باب 828 قول النبي وإنا بك لمحزونون.

[30] صحيح مسلم: 2/671 كتاب الجنائز باب زيارة القبور ح 3234، سنن النسائي: 4/90 كتاب الجنائز ما جاء في قبر المشرك، وسنن ابن ماجة: 1/501 كتاب الجنائز، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين ح 1572.

[31] صحيح مسلم: 2/636

كتاب الجنائز باب 6.

[32] مستدرك الصحيحين: 3/176، وتاريخ ابن عساكر ح 631، وفي مجمع الزوائد: 9/179، ومقتل الخوارزمي: 1/159، وأمالي الشجري: 188، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 145، والصواعق المحرقة: 115، وكنز العمال: 6/223، والخصائص الكبري: 2/125.

[33] كرواية زينب بنت جحش، راجع تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين ح 629 ومجمع الزوائد: 9/188، وكنز العمال: 13/112، وابن كثير في تاريخه: 8/199 وكرواية عائشة: في طبقات ابن سعد رقم 269، وتاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين: ح 697، ومقتل الخوارزمي: 1/159، ومجمع الزوائد: 9/187، وكنز العمال: 13/108، والصواعق المحرقة لابن حجر: 115.

[34] يوسف: 84.

[35] يوسف: 85.

[36] الكشاف للزمخشري: 2/496.

[37] ولا يختلف هنا الرثاء عن البكاء من حيث الممارسة التعبيرية عن الحزن الشديد فالرثاء يتضمن البكاء أحياناً والعكس صحيح أيضاً، ومادة بكي ورثي تعني: بُكاءً وبُكي: سال دمعه حزناً فهو باك بكي عليه ورثاه بَكي الميت ورثاه. ورثا: رثوا الميت: بكاه وعدّد محاسنه نظم فيه شعراً. المنجد في اللغة والأعلام: 46 و 249 ط 35.

[38] أنساب الأشراف للبلاذري: 2/276.

[39] العقد الفريد: 3/164.

[40] إرشاد الساري، للقسطلاني: 3/415.

[41] الاستيعاب في معرفة الأصحاب لمحمد بن عبدالبر: 4/149.

[42] الاستيعاب لابن عبدالبر: 4/214، رقم 2972.

[43] الاستيعاب لابن عبدالبر: 4/238، رقم 3032.

[44] المصدر السابق، الهم والحزن، ابن أبي الدنيا، رقم 144.

[45] وفيات الأعيان: 6/15 و 16 رقم 295.

[46] أمالي الطوسي: 1/191، والبحار: 28/41.

[47] بحار الأنوار: 11/230.

[48] وسائل الشيعة: 2 / 922، باب 87 باب جواز البكاء ح 7.

[49] بحار الأنوار: 46/256.

[50] أمالي الصدوق: 392، والبحار: 46/172.

[51] ثواب الأعمال للصدوق: 47، وكامل الزيارات: 111.

[52] بحار الأنوار: 49/52.

[53] المجالس الفاخرة للسيد عبدالحسين شرف الدين: 21 نقلاً عن العيون للصدوق.

[54] الوسائل: 2/892، كتاب الطهارة أبواب

الدفن، باب جواز النوح والبكاء علي الميت.

[55] بحار الأنوار: 74/264.

[56] المصدر السابق.

[57] وسائل الشيعة: 43/892.

[58] ذكري الشيعة: 2/47 للشهيد الأول.

[59] النص والاجتهاد لشرف الدين: 247.

[60] تحرير الوسيلة للإمام الخميني: 1/164.

[61] مستمسك العروة الوثقي للحكيم: 4/266.

[62] مستند الشيعة للنراقي: 3/318. وراجع الوسائل: 3/341، أبواب الدفن، ب 70. وجاء في المعجم الوسيط مادة وجد: (وَجَد) فلان وجْداً: حزِن و عليه مَوْجِدَةً غَضِبَ. وبه وجداً أحبه. وفي مجمع البحرين للطريحي: توجدتُ لفلان: حزنت له وَجُدَ بفلانة وجداً: أحبّها حباً شديداً. مادة وجد: 3/155.

[63] مستمسك العروة الوثقي: 4/267.

[64] المصدر السابق: 4/267.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.