رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ

اشارة

نوع: كتاب
پديدآور: لطيف قزويني قرن 13ق.
عنوان و شرح مسئوليت: رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ [منبع الكترونيكي] / بقلم لطيف القزويني
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)
توصيف ظاهري: 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (280 بايگاني: 1215.9KB)
يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس

صفحه 001

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١
بقلم السيد لطيف القزويني بسم الله الرحمن الرحيم.
رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ.
الهاشميون في الجاهلية والإسلام.
الفصل الأول:
1 - تعريف الهاشميين.
2 - الهاشميون في الجاهلية.
3 - الهاشميون قبل الهجرة.
4 - الهاشميون بعد الهجرة.
5 - أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
6 - النصوص الشرعية النازلة في حقهم.
7 - عمداء بني هاشم.
8 - جهاد بني هاشم للحكام الظلمة.
9 - الهاشميون: بموت قصي بن كلاب قام ابنه عبد مناف مكانه لزعامة قريش، وإليه آلت أمور قريش. ومن أولاد عبد مناف: عبد المطلب بن عبد مناف، وهاشم بن عبد مناف، وعبد شمس بن عبد مناف، ونوفل بن عبد مناف (1).
وعلي بني عبد مناف اقتصرت دعوة رسول الله (ص) حين أنزلت آية: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، إذ صعد رسول الله (ص). حتي علا المروة ونادي: آل فهر، فتراجع بنو محارب، وبنو الحارث وبنو تيم وبنو عامر وبنو عدي وبنو سهم وبنو جمح وبنو مخزوم وبنو تيم بن مرة وبنو زهرة، ولم يبق إلا بنو عبد مناف، عندئذ قال الرسول (ص):
إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم الأقربون من قريش، إني والله لا أملك لكم من الله حظا ولا من الآخرة نصيبا، إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله، فأشهد لكم بها عند ربكم، وتدين لكم العرب، وتذل لكم العجم.
وهكذا يتبين لنا أن عشيرة رسول الله (ص) الأقربين هم بنو عبد مناف (2). ويبدو واضحا أن الرئاسة الفعلية علي قريش قد آلت لأولاد عبد مناف بعد أبيهم، وأنهم قد ورثوا رئاسة أبيهم الأدبية علي العرب، فكان يقال لهم المجبرون، فهم أول من أخذ لقريش العصم،
١ - راجع الطبقات الكبري لابن سعد ج ١، ص ٧٥.
٢ - راجع السيرة الحلبية ج ١، ص 7: والطبقات الكبري لابن سعد ج 2، ص 181 وج 1، ص 74.
(١)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، بنو هاشم (2)، الجهل (2)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (2)

صفحه 002

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢
فانتشروا بتجارتهم من الحرم، وكان يقال لهاشم وإخوانه الثلاثة أقداح النضار، ويقال لهم المجبرون، لفخرهم وسيادتهم علي العرب.
لقد انقسم الإخوة الأربعة إلي فريقين، فشكل هاشم وعبد المطلب فريقا، وشكل عبد شمس و نوفل فريقا آخر. ووقف الفريق الثاني ضد الأول، وأخذ أحفاد الفريق الثاني يجهرون بمشاعر الإحتجاج والحسد، ولم تتوقف هذه المشاعر] حتي [بظهور الإسلام، بل ازدادت توهجا وحدة، فقد عز علي أحفاد الفريق الثاني أن يكون النبي (ص) من بني هاشم ولا يكون منهم، فحاولوا وبكل الوسائل المتاحة صرف شرف النبوة عن بني هاشم، أو إجهاض هذا الشرف، فوحدوا قريش ضد النبي (ص) وضد بني هاشم، تحقيقا لهذه الغاية، فحاصرت قريش - بزعامة بني عبد شمس وبني نوفل - بني هاشم، واشتركوا بمؤامرة، لقتل النبي (ص) ليلة هجرته (1).
وبعد الهجرة أشعلت قريش نار الحرب علي النبي (ص)، وكان أبو سفيان حفيد عبد شمس هو القائد العام لجيوش الشرك، وكان بنوه وأبناء عمومته الأمويون هم أركان قيادة جيوش الشرك.
ساد هاشم] قريشا [بعد أبيه فحسده ابن أخيه أمية، فتكلف أن يصنع ما يصنع هاشم، ولكنه عجز عن مجاراة هاشم، فعيرته قريش، فادعي أمية أنه أشرف من هاشم ودعاه للمنافرة، فأبي هاشم ذلك لعلو شرفه، ولأن أمية ابن أخيه وبمثابة ابنه، فلم تدع قريش الرجلين حتي تنافرا إلي كاهن خزاعة، واشترطا أن يدفع الخاسر بالمنافرة إلي الآخر مئة ناقة سود الحدق، وأن يجلو عن مكة عشر سنين، وتوجه الفريقان إلي كاهن خزاعة، وقبل أن يخبروا الكاهن بأمرهما قال: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدي بعلم مسافر، من منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية بالمفاخر. وهكذا خسر أمية، ودفع النوق إلي هاشم فنحرها، وأطعم الناس، وجلا أمية عشر سنين إلي بلاد الشام، تنفيذا لشروط المنافرة، ومع هذا فقد بقي الهاشميون والأمويون كفرسي رهان.
ولما سمع الأمويون أن أحدا من أبناء عبد مناف سيكون نبيا، واعتقد أبو سفيان أنه أصلح ذرية عبد مناف للنبوة طمع فيها. وعندما أعلن محمد (ص) الهاشمي نبأ نبوته، جن جنون أبي سفيان، وعارض ذلك بشدة، وحسدت قريش الهاشميين علي هذا الشرف، فوقفت وقفة رجل واحد بقيادة بني أمية ضد النبي (ص) وضد بني هاشم، فحاصرتهم وتآمرت علي قتل النبي (ص)، وناصبوهم العداء طوال فترة الدعوة في مكة المكرمة.
وبعد الهجرة جيشت قريش الجيوش لحرب النبي (ص)، وأسندت قيادة تلك الجيوش لبني أمية.
وخلال حرب قريش مع النبي (ص)، قضي الهاشميون علي زعامة بني أمية، وزعامة
١ - راجع طبقات ابن سعد ج ١، ص ٢٠٢ - ٢٠٣: والسيرة الحلبية ج ١، ص 336.
(٢)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (9)، الدولة الأموية (2)، مدينة مكة المكرمة (2)، بنو أمية (3)، بنو هاشم (5)، الشام (1)، القتل (1)، الحرب (2)، الخسران (1)

صفحه 003

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣
قريش، فتأججت نيران الكراهية والحسد والحقد علي بني هاشم، ولم تستسلم قريش ولا بنو أمية، إلا بعد أن دخل جيش النبي (ص) مكة المكرمة. فأسلموا مكرهين … (1).
هاشم سيد العرب في الجاهلية، وعميد قريش:.
الهاشميون: هم أولاد عمرو العلا بن عبد مناف الملقب بهاشم، لأنه كان] يهشم الخبز ويثرده في الغموس [ليطعم الناس ويشبعهم، وهو أول من سن الرحلتين لقريش، إحداهما في الشتاء إلي اليمن والحبشة، فيكرمه النجاشي ويحبوه، ورحلة في الصيف إلي بلاد الشام وغزة، فيدخل علي قيصر فيكرمه ويحبوه أيضا، وفي السنين العجاف لم يكن لمكة غير هاشم. وكان يقال له سيد البطحاء، وأبا البطحاء، ولم تزل مائدته منصوبة لا ترفع في السراء والضراء، وكان يحمل ابن السبيل، ويؤمن الخائف، وكان إذا أهل هلال ذي الحجة، قام صبيحته وأسند ظهره للكعبة من تلقاء بابها فيخطب، ومن ضمن قوله: يا معشر قريش إنكم جيران بيت الله الحرام …، إلي أن يقول وأسألكم بحرمة هذه البنية ألا يخرج رجل منكم من ماله إلا طيبا، لم يؤخذ بظلم، ولم يقطع فيه رحم، ولم يؤخذ فيه غصبا (2).
وكان لكرم هاشم العجيب أن تغني به الشعراء.
ذرية هاشم:.
أما ذرية هاشم من البنين والبنات فهم:.
1 - شيبة الحمد (عبد المطلب بن هاشم) وهو جد الرسول الأعظم (ص)، وسيد قريش حتي مات.
2 - عمرو أبو صيفي.
3 - أسد بن هاشم.
4 - نفلة بن هاشم.
5 - رقية.
6 - الشفاء.
7 - الضعيفة.
8 - خالدة.
١ - راجع طبقات ابن سعد ج ١، ص ٧٦، ج ١، ص ٢٠٨ - ٢١٠: والسيرة الحلبية ج ١، ص ١٤ - ١٥ وج ١، ص ٨٠ وج ١، ص ٣٣٦.
٢ - راجع الطبقات لابن سعد ج ١، ص ٧٨ والسيرة الحلبية ج ١، ص 6.
(٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (2)، بنو هاشم (1)، الشام (1)، الخوف (1)، الجهل (1)، الهلال (1)

صفحه 004

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤
9 - حنة (1).
كانت بطون قريش قد اتفقت في الجاهلية علي صيغة سياسية اقتسمت بموجبها مناصب الشرف، وأجمعت علي أن تكون السقاية والرفادة لهاشم (2).
عبد المطلب علي دين إبراهيم في الجاهلية.
بعد موت هاشم ساد ابنه عبد المطلب علي قومه، وكان يدعي شيبة الحمد، لكثرة حمد الناس له، ويقال له الفياض لجوده، وهو يطعم طير السماء، وكان يرفع مائدة للطير، ومائدة للوحوش علي رؤوس الجبال، وهو حليم قريش وحكيمها، وكان سيدا، مطاعا (3).
تتابعت علي قريش سنون عجاف، وبناء علي اقتراح رقية بنت أبي صيفي بن هاشم، خرج عبد المطلب وجميع ولده، وخرج معه من كل بطن من بطون قريش رجل، فتطهروا وتطيبوا، واستلموا الركن ثم راحوا إلي رأس أبي قيس، وتقدم عبد المطلب فاستسقي، وأمن ومن معه خلفه والنبي (ص) معهم، فقال عبد المطلب: اللهم هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك وإماؤك وبنات إمائك، فقد نزل بنا ما تري، وتتابعت علينا السنون، فذهبت بالظلف والخف، وأشفت علي الأنفس، فأذهب عنا هذا الجدب، وآتنا بالحيا والخصب. فما برحوا مكانهم حتي سالت الأودية. وبذلك تقول رقية بنت أبي صيفي:.
بشيبة الحمد أسقي الله بلدتنا * وقد فقد الحيا واجلوز المطر (4).
كان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي، ويحثهم علي مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيات الأمور، وكان يقول: لن يخرج من الدنيا ظلوم حتي ينتقم الله منه، وتصيبه عقوبة، … إن وراء هذه الدار دار يجزي فيها المحسن باحسانه ويعاقب فيها المسئ بإساءته، و] إن عبد المطلب [رفض عبادة الأوثان، ووحد الله سبحانه وتعالي (5). ومن سننه في الجاهلية الوفاء بالنذر، ومنع نكاح المحارم وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموؤودة، وتحريم الخمر والزنا، وأن لا يطوف في البيت عريان، وكان يكرم الجار، ويرعي الذمام. فقد قاطع حرب بن أمية لأنه قتل جاره اليهودي، وترك منادمة حرب، ولم يفارقه حتي أخذ منه مئة ناقة، دفعها لابن عم اليهودي حفظا لجاره (6). وكان له أمر السقاية
١ - راجع الطبقات لابن سعد ج ١، ص ٨٠.
٢ - الطبقات الكبري ج ١، ص ٧٨.
٣ - السيرة الحلبية ج ١، ص ٤.
٤ - راجع تاريخ الطبري ج ٢، ص ١٧٦ و ١٧٧ و ١٧٩: والطبقات الكبري لابن سعد ج ١.
٥ - السيرة الحلبية ج ١، ص ٤: وتاريخ الطبري ج ٢، ص ١٧٩.
٦ - السيرة الحلبية ج ١، ص 4.
(٤)
مفاتيح البحث: مكارم الأخلاق (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الإنتقام،النقمة (1)، النهي (1)، الظلم (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، القتل (1)، الطعام (1)، الجهل (3)، الحرب (2)، السرقة (1)، الرفض (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (2)، كتاب تاريخ الطبري (2)

صفحه 005

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥
والرفادة، وهو الذي كشف ماء زمزم، واستخرج ما كان مدفونا فيها، مجسمتين لغزالين من الذهب وأسيافا، فجعل الأسياف بابا للكعبة، وضرب علي الباب الغزالين، فكان أول حليته ذهبا … وكان يحرم أكل الميتة (1).
أولاد عبد المطلب.
وهم:
1 - الحارث، 2 - الزبير، 3 - عبد مناف (أبو طالب)، 4 - عبد الله والد الرسول الأكرم (ص)، 5 - الحمزة، 6 - أبو لهب، 7 - القيدان، 8 - المقدم، 9 - ضرار، 10 - العباس.
عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول الأعظم (ص).
عبد الله وعبد مناف (أبو طالب) والزبير هم إخوة أشقاء، وأمهم فاطمة بنت عائد بن عمران بن مخزوم. كان عبد الله قد نذر أنه إن توافر له عشرة رهط أن ينحر أحدهم، فلما توافر له عشرة، أقرع بينهم فطارت القرعة علي عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول (ص)، وكان أحب الناس إليه، فقال عبد المطلب: اللهم هو أو مئة من الإبل، ثم أقرع بينه وبين مئة من الإبل، فطارت القرعة علي المئة من الإبل.
ولما خرج عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوجه، مر علي كاهنة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مر، وهي امرأة متهودة قرأت الكتب، قرأت في وجهه نورا … فدعته ليستبضع منها ولزمت طرفه، فأبي ونظر إليها قائلا: أما الحرام فالممات دونه (2).
النصوص علي مولد الرسول الأكرم (ص) في القرآن الكريم.
قال تعالي: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) (3).
وقال تعالي: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله علي الكافرين) (4).
١ - السيرة الحلبية ج ١، ص ٤: والطبقات لابن سعد ج ١، ص ٨٣ و ٨٤ و ٨٥ وتاريخ الطبري ج ١، ص ١٧٩.
٢ - تاريخ الطبري ج ٢، ص 172 - 175: والطبقات الكبري لابن سعد ج 1، ص 88 و 96.
3 - الأعراف: الآية 157.
4 - البقرة: الآية 89.
(٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، القرآن الكريم (1)، الأكل (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 006

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦
وقال تعالي: (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) (1).
وقال تعالي: (وإذ قال عيسي بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين * ومن أظلم ممن افتري علي الله الكذب وهو يدعي إلي الاسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) (2).
البشائر بمولده (ص) في الكتب السماوية الأخري.
علي الرغم من التحريف الذي تحمله الأناجيل المتداولة، فإن ما وصل منها بأيدينا لا زال يحمل البشارة بمولد النور العظيم (ص)، ومع ذلك فإن مترجمي الأناجيل حاولوا أن يحرفوا ذلك أيضا، كما سيتضح فيما يلي:.
جاء في إنجيل يوحنا:.
(إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم بارقليط - معزا - آخر ليمكث معكم إلي الأبد) (3).
(وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي، فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم) (4).
(لا أتكلم أيضا معكم كثيرا، لأن رئيس هذا العالم يأتي، وليس له في شئ) (5).
(إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متي جاء ذلك روح الحق، فهو يرشدكم إلي جميع الحق: لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية، ذلك يمجدني لأنه يأخذ ممالي ويخبركم) (6).
وبالتأمل في هذه النصوص نجد أنها تشير إلي:.
1 - أن المسيح (ع) يوصي ويبشر بمجئ معز بعده.
2 - وأن مجيئه مشروط بذهابه.
3 - وأنه مرسل من قبل الله تعالي.
4 - وأنه يعلم كل شئ.
5 - وأنه يذكر بما قاله المسيح (ع).
1 - البقرة: الآية 101.
2 - الصف: الآية 6 و 7.
3 - إنجيل يوحنا / الإصحاح 14 سطر 15 / جمعية الكتاب المقدس بيروت.
4 - إنجيل يوحنا / الإصحاح 14 سطر 25 / جمعية الكتاب المقدس بيروت.
5 - إنجيل يوحنا / الإصحاح 14 سطر 30 و 31.
6 - إنجيل يوحنا / الإصحاح 16 سطر 12 - 15.
(٦)
مفاتيح البحث: النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (2)، الكذب، التكذيب (1)، الظلم (1)، مدينة بيروت (2)

صفحه 007

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧
6 - وأنه يشهد للمسيح (ع).
7 - وأن العالم سيتبع دينه.
8 - وأنه لا يتكلم من نفسه، بل يتكلم بما يسمع.
9 - وأنه يخبر بأمور آتية.
10 - وأنه يمجد المسيح (ع).
11 - وأنه يبقي معهم إلي الأبد.
وإذا راجعنا صفات رسول الله (ص) نجد أنها تنطبق عليه تماما، فإنه صلوات الله عليه وعلي آله يحمل القرآن المجيد الذي هو (تبيان لكل شئ)، ويخبر عن أمور آتية وقعت بعد نزوله، وإنه يشهد للمسيح (ع) بالنبوة والرسالة ويمجده (ع)، وهو لا يتحدث من نفسه بل بما يوحي إليه: (وما ينطق عن الهوي، إن هو إلا وحي يوحي) (1).
وذلك ينطبق حرفيا مع ما أثبته القرآن من كلام المسيح (ع) إلي بني إسرائيل: (وإذ قال عيسي بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) (2).
ولقد تجلت هذه الحقائق لدي كل منصف وباحث عن الحق يريد الاستجابة لدعوة الهدي، كالنجاشي ملك الحبشة المسيحي، الذي استجاب لكلمة الحق حينما وجه إليه رسول الله (ص) كتابا يدعوه فيه للايمان، ويحثه علي الدخول في الإسلام. وقد سجل النجاشي كلمته الخالدة التي يحفظها التاريخ: (أشهد الله أنه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب) (3).
وهذا عبد الله بن سلام الذي أعلن اسلامه وشهد بما في التوراة من بشارة نبوة محمد (ص) وكان من علماء بني إسرائيل، فسجل الوحي هذه الشهادة بقوله:.
(قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل علي مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) (4).
فهذا أبو الأنبياء إبراهيم (ع) بشر قبل موسي وعيسي بالبعثة، ودعا ربه أن يبعث في هذه الأمة نبيا منها، هاديا ومنقذا، فكانت هذه الدعوة إشارة إلي مجئ نبينا محمد (ص)، وكان القرآن قد كشف عنها في آيتين متناسقتين في الصيغة والمعني:.
(ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) (5).
1 - النجم: الآية 3 و 4.
2 - الصف: الآية 6.
3 - اظهار الحق ج 2، ص 281 نقلا عن كتاب الإنجيل يبشر بنبي الإسلام محمد / الصادر عن مؤسسة (في طريق الحق) الدورة الأولي ص 7.
4 - الأحقاف: الآية 10.
5 - البقرة: الآية 129.
(٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، النبي إبراهيم (ع) (1)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (4)، القرآن الكريم (3)، عبد الله بن سلام (1)، أهل الكتاب (1)، الشهادة (5)، البعث، الإنبعاث (1)، الصّلاة (1)، الخلود (1)

صفحه 008

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨
(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (1).
لذا قال رسول الله (ص): أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسي عليهما السلام (2).
وعند التأكيد علي شخصية النبي الموعود (ص) فإن النبوءة الأخري المنسوبة إلي موسي تتحدث عن (نور الله المشع، القادم من فاران) (3). ثم إن الكلمات الواردة في التوراة وهي الفصل 33، الجملة 2 تنص علي: وجاء الرب من سيناء وأشرق لها من ساعير، وتلألأ قدما من جبل فاران، وجاء معه عشرة آلاف قديس، ومن يده اليمني برزت نار شريعة لهم.
وفي نص آخر نقرأ تصريحا واضحا، وتبشيرا صريحا باسم النبي (ص):.
(وخلال تلك الفرصة النادرة أرسل الله خادم النبي (حجي)، ليسري عن هؤلاء المحزونين، ومعه هذه الرسالة المهمة: ولسوف أزلزل كل الأمم، وسوف يأتي (أحمد HAMADA) لكل الأمم، وسوف أملأ هذا البين بالمجد، كذلك قال رب الجنود، ولي الذهب، هكذا يقول رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام، هكذا يقول رب الجنود (4).
ثم تحدث القسيس البروفيسور عبد الأحد الذي أسلم فيما بعد، فقال: عندئذ لابد من إعتبار هذه النبوءة علي أنها صادقة لا إنكار فيها، وأنها مطابقة لشخصية أحمد وبعثته بالإسلام، ذلك لأن كلمتي حمدا وشالوم أو شلاما تؤديان بدقة علي نفس الدلالة والأهمية لكلمتي أحمد والإسلام (5).
عبد مناف بن عبد المطلب المكني بأبي طالب مواقفه في بداية الدعوة:.
بعد وفاة عبد المطلب بن هاشم آلت زعامة بني هاشم إلي أبي طالب، وهو عم الرسول (ص) الشقيق لوالده، و] هو [والد الإمام علي بن أبي طالب، وبفترة وجيزة سلمت له قريش بالحكمة والزعامة، فصار شيخا لقريش كلها مع أنه فقير الحال.
تكفل أبو طالب رعاية ابن أخيه محمد (ص) وضمه إلي أولاده وهو بسن السادسة من عمره
١ - الجمعة: الآية ٢.
٢ - ذكره السيوطي في الجامع الصغير ج ١، ح 2703.
3 - فاران: هي قفار مكة، وهي إشارة إلي موطن بعثة الرسول محمد (ص)، وأنه جاء بعشرة آلاف مقاتل في المدينة المنورة لفتح مكة.
4 - الإصحاح الثاني من سفر حجي / الجملة: 7 - 9.
5 - راجع كتاب محمد في الكتاب المقدس لعبد الأحد داود ص 50.
(٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (1)، الصدق (1)، الوفاة (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، المدينة المنورة (1)، القتل (1)، البعث، الإنبعاث (1)

صفحه 009

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩
بعد وفاة عبد المطلب وعبد الله، حتي بلغ الخامسة والعشرين فزوجه، واستقل محمد (ص) ببيت خاص. ولما شرف الله رسوله بالنبوة وجهر بها، وقف عمه أبو طالب إلي جنبه بكل نفوذه الأدبي وبكل قواه، فحماه، وتصدي لخصومه.
فقد وحد الهاشميين والمطلبيين وشجعهم علي حضور أول اجتماع سياسي في دار النبي (ص) بعد قليل من إعلان نبأ النبوة. وهو الذي تصدي لخصوم النبي (ص) في ذلك الاجتماع ولجمهم (1). وهو الذي أرسي قواعد تأييد الهاشميين والمطلبيين للنبي، وإعلان هذين البطنين حمايتهما للنبي ودعوته الخالدة (2). وهو الذي أعلن أمام قريش بأنها إذا قتلت محمدا فإن الهاشميين والمطلبيين سيقاتلون حتي الفناء التام (3). وهو الذي خاطب النبي أمام قريش قائلا: يا بن أخي إذا أردت أن تدعو إلي ربك فأعلمنا متي نخرج معك بالسلاح (4). وهو الذي كان يستقبل بطون قريش ويسمع لمطالبها وينقل رد النبي عليها (5). وهو الذي قدم بنيه للنبي وشجعهم علي التضحية بأرواحهم فداء للنبي (6).
وهو الناطق الرسمي باسم النبي عندما أكلت الأرضة صحيفة المقاطعة، وهو الذي قاد عملية الرجوع من الشعب إلي مكة عندما حوصر الهاشميون في شعب أبي طالب (7). وهو شاعر الإسلام وحامي حماه، لذلك فإنك لن تجد عجبا إذا سمي رسول الله العام الذي مات فيه أبو طالب بعام الحزن (8).
حسد قريش ووقوفها ضد النبي ودعوته.
عندما أعلن الرسول الأعظم محمد بن عبد الله الهاشمي (ص) أنباء النبوة والرسالة والكتاب: كانت قريش تتعايش في ظل صيغة سياسية جاهلية قائمة علي اقتسام مناصب الشرف، فكانت السقاية والرفادة لبني هاشم، وهو منصب من أخطر المناصب آنذاك، وكانت القيادة لبني هاشم، وكان اللواء لبني عبد الدار، والسفارة لتيم … إلخ (9).
كانت قريش تشعر بالقلق والحسد من التميز الهاشمي، وتحس بأن هذا التميز يشكل خطرا علي الصيغة السياسية، فقد برزت من بني هاشم شخصيات، فرضت نفوذها الأدبي علي قريش خاصة والعرب عامة، فكان هاشم سيد قريش حتي مات، ثم صار عبد المطلب
١ - الكامل لابن الأثير ج ٢، ص ٢٤.
٢ - الطبقات الكبري لابن سعد ج ١، ص ١٨٦.
٣ - الطبقات الكبري لابن سعد ج ١، ص ١٨٦.
٤ - تاريخ اليعقوبي ج ٢، ص ٢٧.
٥ - رواه ابن إسحاق في سيرته.
٦ - سيرة ابن هشام ج ١، ص ٢٦٥: وتاريخ الطبري ج ٢، ص ٢١٤.
٧ - راجع الغدير ج ٧، ص ٣٠٤ - ٤٠٤.
٨ - تاريخ اليعقوبي ج ٢، ص 35.
9 - راجع تفصيل ذلك في كتاب المواجهة لأحمد حسين يعقوب ص 26 وما فوق.
(٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، محمد بن عبد الله الهاشمي (1)، شعب أبي طالب (ع) (1)، بنو هاشم (3)، الموت (1)، الحزن (1)، الخلود (1)، الجهل (1)، الوفاة (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 010

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠
سيدها وحكيمها حتي مات، وكانت قريش تسعي جاهدة لإبطال مفاعيله، فكانت تتكارم لتحاكي الكرم الهاشمي، وتتفاخر لتقلد الفخر الهاشمي، وتتصنع الحكمة لتردم الحكمة الهاشمية.
ولما جهر النبي الأكرم (ص) بالنبوة، فقدت قريش صوابها، وقررت أن تقف وقفة رجل واحد لإبطال النبوة الهاشمية، أو إجهاضها.
إلتقي ابن أبي شريف مع أبي جهل فقال له: أتري محمدا يكذب؟ فقال له أبو جهل: كيف يكذب علي الله وقد كنا نسميه الأمين، لأنه ما كذب قط؟ ولكن إذا اجتمعت في بني عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة: فأي شئ يبقي لنا؟ وكان أبو سفيان يقول: كنا وبنو هاشم كفرسي رهان، كلما جاءوا بشئ جئنا بشئ مقابل، حتي جاء منهم من يدعي بخبر السماء فأني نأتيهم بذلك؟! (1).
لقد اعتبر زعماء قريش عامة والزعماء الأمويون خاصة، أنهم المتضررون من هذا الدين الجديد، فقد اعتبروا - مخطئين - أن النبوة الهاشمية موجهة ضدهم، وأن غايتها منصبة علي استبدال زعامة قريش بزعامة محمد الهاشمية، وإقامة ملك محمد علي أنقاض ملك قريش، وإلغاء الصيغة السياسية الجاهلية علي اقتسام مناصب الشرف بينها، وإلغاء القيادة الأموية، وإقامة نظام جديد يعطي الهاشميين الحق بالتمتع بكل مناصب الشرف وحيازتها، ويعطي لمحمد القيادة بدلا من أبي سفيان، وهكذا ينال الهاشميون شرف النبوة والملك معا (2).
موقف قريش من الدعوة، وتصدي أبي طالب لها.
اتفقت قريش علي معاداة النبي (ص) ودعوته، وكان البطن الأموي أكثر البطون القريشية إندفاعا بهذه المعاداة، فزعمت أن محمدا شاعر، وأنه مجنون وأنه كاهن، وأنه ساحر، وأنه يدعي النبوة ادعاءا، وأنه (حاشا له) كاذب، وأن القرآن الذي جاء به ما هو إلا أساطير الأولين، وأنه ينبغي علي بني هاشم - إذا ما أرادوا أن ينجوا من غضب قريش - أن يسلموا محمدا لها.
وقد شرعت قريش بسلسلة من الإجراءات ترجمت ترجمة عملية مواقفها المعلنة، كان أخطرها، محاصرة الهاشميين في شعب أبي طالب ثلاث سنين في بداية الدعوة المباركة - لغرض إجهاضها وإخضاع النبي لها - ومقاطعتهم، مما اضطرهم لأن يأكلوا ورق الشجر من الجوع.
وقد اختارت كل بطن من البطون القريشية فتي ليشترك في قتل النبي (ص)، فيضيع دمه بين العشائر، ولا يقوي الهاشميون علي المطالبة بدمه.
1 - كما نقلها الحسيني في كتاب (شيعني الحسين) ص 106 عن ابن الأثير في تاريخه.
2 - راجع الكامل لابن الأثير ج 3، ص 24، آخر سيرة عمر من حوادث سنة 23.
(١٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الدولة الأموية (2)، شعب أبي طالب (ع) (1)، بنو هاشم (2)، القرآن الكريم (1)، الكذب، التكذيب (1)، القتل (1)، الأكل (1)، الموت (1)، الجهل (3)، الإقامة (2)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، إبن الأثير (1)

صفحه 011

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١
عندما أعلنت بطون قريش الثلاثة والعشرين عن وقوفها وقفة رجل واحد ضد محمد ودينه الجديد: جمع أبو طالب الهاشميين والمطلبيين وشكل منهم جبهة واحدة وأعلن باسمهم، بأنهم مع محمد، وأعلن حماية هذين البطنين له (1). وأعلن: أما بطون قريش فإنها إن فكرت بقتل محمد فإن الهاشميين والمطلبيين سيقاتلون حتي الفناء التام (2). وأبعد من ذلك فإن أبا طالب قد قال للنبي وباسم الهاشميين والمطلبيين، وعلي مسمع من زعامة قريش: يا بن أخي إذا أردت أن تدعو إلي ربك فأعلمنا حتي نخرج معك بالسلاح (3).
وزيادة في الإحتياط، فإن أبا طالب كلف أولاده بأن يرافقوا النبي دائما ويفدوه بأرواحهم (4).
وباسم الهاشميين والمطلبيين، واعتمادا علي نصرتهم للنبي: خاطب أبو طالب ابن أخيه محمدا (ص) أمام زعامة قريش قائلا:.
والله لن يصلوا إليك بجمعهم - حتي أوسد في التراب دفينا.
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة - وأبشر بذلك وقر منك عيونا.
ودعوتني، فعلمت أنك ناصحي - ولقد دعوت وكنت ثم أمينا.
ولقد علمت بأن دين محمد - من خير أديان البرية دينا (5).
لقد ملأ أبو طالب بطاح مكة بالتهديد والوعيد، وحذر قريشا من مغبة الحرب حتي الفناء التام: إن هي مست شعرة واحدة من جسد النبي، وقد أشيع يوما بأن محمدا قد قتل، فجمع أبو طالب فتية بني هاشم وبني المطلب وأعطي لكل واحد منهم حديدة صارمة، وكلفه بأن يقف خلف زعيم من زعماء قريش، وأن ينتظروا الإشارة منه، فإذا صدرت الإشارة يقتل كل فتي الزعيم الذي يقف خلفه، وبينما كان أبو طالب يستعد لقتل زعماء البطون، جاءه الخبر بأن محمدا حي وبخير، وأن إشاعة قتله غير صحيحة، ولما تأكد أبو طالب من سلامة النبي نادي زعماء قريش قائلا: أتدرون ما هممت به؟ قالوا: لا، فأخبرهم الخبر، وقال للفتية الهاشميين: أكشفوا عما في أيديكم، ثم قال: والله لو قتلتموه ما أبقيت منكم أحدا حتي نتفاني
١ - الطبقات الكبري لابن سعد ج ١، ص ١٨٦.
٢ - نفس المصدر، وتاريخ ابن الأثير والسيرة الحلبية ج ١، ص ٣٠٤.
٣ - راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢، ص ٢٧.
٤ - سيرة ابن هشام ج ١، ص ٢٦٥: وتاريخ الطبري ج ٢، ص ٢١٤: والإصابة لابن حجر ج ١، ص ١١٦.
٥ - رواها الثعلبي في تفسيره، وراجع خزانة الأدب للبغدادي ج ١، ص ٢١٦: وتاريخ ابن كثير ج ٣، ص ٤٢: وتاريخ أبي الفداء ج ١، ص ١٢٠ وفتح الباري ج ٧، ص ١٥٣، والغدير ج ٧، ص 374.
(١١)
مفاتيح البحث: مدينة مكة المكرمة (1)، بنو هاشم (1)، القتل (4)، الحرب (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)، كتاب فتح الباري (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الثعلبي (1)

صفحه 012

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢
نحن وأنتم (1).
وبهذا الحزم من عميد الهاشميين أبي طالب، قبرت فكرة قتل النبي (ص) في أذهان زعماء قريش، ففكرت في سلوك طرق أخري لإيذاء النبي وإجهاض دعوته، دون إراقة دماء.
ومن المهازل حقا التي تثير القرف في النفس البشرية أن بعض القوي التي سيطرت علي مقاليد الدولة الإسلامية فيما بعد: صورت أبا طالب بصورة المشرك، ووضعته في ضحضاح من النار - علي حد تعبير الراوي الوحيد لهذا الخبر، وهو راو مشهور بكراهيته لبني هاشم -، وزورت وأنكرت كفاحه المجيد، وأنكرت جهاده وجهاد أولاده وأحفاده وفضلهم، وفرضت مسبتهم ولعنهم علي المنابر، ولم تقبل شهادة من يواليهم، فعادت وليهم ووالت عدوهم … الخ (2).
بعد فشل الحصار والمقاطعة لم تتوقف قريش عن ملاحقة النبي ومراقبة تحركاته، عندها قررت أن محمدا (ص) قد تجاوز الخط المألوف، وأنه قد بدأ مرحلة خطيرة، فإذا نجح بالهجرة إلي يثرب فسيستقطب حوله الأكثرية من أهلها، ومن حولها من قبائل العرب، عندئذ ستصبح النبوة الهاشمية حقيقة واقعة، ويذهب الهاشميون بفخر النبوة بين العرب دون سائر البطون، وعلي ضوء هذا التنظير عقدت زعامة بطون قريش الثلاثة والعشرين اجتماعا موسعا في دار الندوة واتفق المجتمعون علي أن قتل محمد هو الحل، وقرروا اختيار عدد من فتية بطون قريش يمثل كل فتي منهم عشيرته، ليشتركوا جميعا بقتله ولتكوين جبهة متراصة ضد الهاشميين، لكن الله دفع مكرهم ورد كيدهم، بعد أن استخلف ابن عمه علي بن أبي طالب (ع) في فراشه، فقد أشار الله تعالي بقوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (3).
الهاشميون بعد الهجرة النبوية إلي المدينة المنورة.
طوال الفترة التي قضاها النبي في مكة المكرمة بعد النبوة وقبل الهجرة إلي المدينة المنورة، والهاشميون بحالة تعبئة عامة من الدرجة القصوي وبحالة مواجهة دائمة مع بطون قريش … وقد كان واضحا أنه ليس من الحكمة تفريغ مكة من الهاشميين، والأجدي والأنفع أن يبقي
١ - راجع الطبقات لابن سعد ج ١، ص ١٨٦، ونهاية الطلب لإبراهيم بن محمد علي الدينوري.
٢ - راجع الكامل لابن الأثير ج ٣، ص ٢٤، آخر سيرة عمر من حوادث سنة ٢٣، وتاريخ الطبري ج ٢، ص 289 وج 4، ص 123، ومروج الذهب للمسعودي ج 2، ص 353 - 354.
3 - راجع سيرة ابن هشام ج 2، ص 125، وسورة الأنفال: الآية 30.
(١٢)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، المدينة المنورة (3)، التعبأة، العبء (1)، القتل (2)، الإختيار، الخيار (1)، الشهادة (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، سورة الأنفال (1)، إبراهيم بن محمد (1)

صفحه 013

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣
يبعضهم في مكة ليراقبوا تحركات قريش ومؤامراتها، وينقلوا أخبارها للنبي (ص) أو بأول، والعباس ابن عم النبي (ص) أبرز نموذج علي تلك النخبة الهاشمية … وعندما أجبرتهم قريش علي الخروج لقتال النبي (ص) في بدر كانت قريش تعرف هذه الحقيقة، حيث أن المسلمين باتوا أقلية، وقد توقفوا عن المواجهة العلنية مع قريش، وساروا ظاهريا مع التيار العام، أنظر إلي قول زعيمها: والله لقد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا - أن هواكم مع محمد (1).
دور الهاشميين في المواجهات العسكرية بعد الهجرة المباركة.
خلال ستة أشهر بعد الهجرة، استطاع النبي (ص) أن يرتب الأوضاع الداخلية في يثرب، وأن يكسب بالرضا موافقة وإقرار سكان يثرب وما حولها بأنه الولي الحاكم، والحكم والمرجع، ووافق المجتمع اليثربي بالإجماع علي أن بطون قريش هي عدوة الجميع، وأنه لا يجوز الصلح المنفرد معها، ولا يحال بين مؤمن وبين مال أو نفوس تلك البطون (2).
لكن سياسة بطون قريش الخرقاء، جرتها إلي حروب دموية طاحنة إنتهت بهزيمتها الساحقة، واستسلامها بالكامل لرسول الله (ص) (وللدين الجديد)، فدخلت الإسلام عندما أحيط بها، وأدخلت بدخولها فيه تركة صراعها الطويل مع النبي (ص).
ومن أبرز المعارك الحربية التي جرت بين قريش والمسلمين: 1 - معركة بدر، 2 - معركة أحد، 3 - معركة الخندق أو الأحزاب، 4 - بالإضافة إلي معركة سياسية عظمي لا تقل أهمية عن المعارك الحربية الكبري أدت إلي صلح الحديبية، 5 - معركة حنين.
تلك نماذج من معارك الكفر مع الإيمان، وسنستعرضها بالقدر الذي يخدم غايتنا المنصبة علي إبراز دور الهاشميين في صراع الكفر مع الإيمان بعد الهجرة. ففي معركة بدر خرج عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد للمبارزة، ونادي مناديهم! يا محمد أخرج لنا الأكفاء من قومنا، فصاح النبي (ص): يا بني هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم، إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله (3).
وقبل أن يرتد للنبي (ص) طرفه خرج العمالقة الهاشميون إلي ميدان المبارزة - حمزة عمه، وابن عمه علي بن أبي طالب، وقريبه عبيد الله بن الحارث - فقد قتل الهاشميون الثلاثة الأمويين الثلاثة، وقطعت ساق عبيد الله بن الحارث.
١ - تاريخ الطبري ج ٢، ص 282، وكتاب المواجهة مع رسول الله لأحمد حسين يعقوب.
2 - راجع مواد الدستور النبوي في سيرة ابن هشام ج 1، ص 501، ومجموعة الوثائق السياسية لمحمد حميد الله ص 15، ونظام الحكم في الشريعة، والتاريخ لظافر القاسمي ص 31.
3 - راجع المغازي للواقدي ج 1، ص 68 - 70.
(١٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (8)، الدولة الأموية (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، معركة حنين (1)، معركة بدر (1)، صلح (يوم) الحديبية (2)، المدينة المنورة (2)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (2)، القتل (2)، الجواز (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 014

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤
وكان حمزة بن عبد المطلب عم النبي أسد الله وأسد رسوله لا يخفي علي أحد، لأن سطوته معروفة، لكن الرجل الذي قاتل بقدرة وكفاءة تفوق الوصف والتصور، هو علي بن أبي طالب (ع) ابن عم النبي (ص)، وحامل راية المهاجرين (1).
لقد لفت فنه في القتال أنظار أهل الأرض وأهل السماء، فنادي ملك من السماء: (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي) (2).
فصارت بطولة الإمام علي فيما بعد مسبة له، ووسيلة للتحريض عليه، ومبررا لإبعاده عن حقه في الإمامة، فبعد عشرين سنة من وقعة بدر، يقول أحد الصحابة لسعيد بن العاص:
اني لأراك معرضا عني، تظن أني قتلت أباك، والله ما قتلت أباك (3). يريد هذا الصحابي أن يذكر سعيدا أن الذي قتل أباه في بدر هو علي بن أبي طالب (ع)!!.
وقال أحد الصحابة فيما بعد: ان الأمر كان لعلي بن أبي طالب، فزحزحوه عنه لحداثة سنه، والدماء التي عليه (4).
شجاعة علي بن أبي طالب (ع) الفريدة في الحروب.
قتلي الأمويين: أحد عشر قتيلا، قتل أكثرهم علي بن أبي طالب. وكذلك قتل (ع) من بني تيم بن مرة، ومن بني مخزوم، ومن بني أسد.
ومن الأمثلة علي كراهية قريش لبني هاشم، أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة. كان من أصحاب النبي (ص)، وأبوه وأخوه وعمومته كانوا أركان جيش الشرك الذي قاتل المسلمين في بدر، وقد شاهد أبو حذيفة أباه وعمه وسادات بني أمية يتجرعون كؤوس الموت أمام عينيه …
، لقد عبر أبو حذيفة عن حقيقة هذه المشاعر بحركة عفوية ولا شعورية، لقد طلب النبي (ص) من أصحابه أن لا يتعرضوا لأحد من بني هاشم، لأنهم أكرهوا علي الخروج مع المشركين، فقال أبو حذيفة: نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس عم النبي!! - لما أبلي بلاء حسنا في بدر - والله لئن لقيته لألحمنه السيف (5).
ومثل حذيفة حذيفات كثيرون، والفرق بين أبي حذيفة وغيره، أن أبا حذيفة صادق وعفوي، ولا يجيد المراوغة والمكر، ولا يخفي ما تهتف به مشاعره، وأما غيره فيتمتع بالقدرة علي ضبط الأعصاب والمناورة، وإخفاء مشاعره رغبة أو رهبة، أضف إلي ذلك أن فكرة
١ - راجع تاريخ الطبري ج ٢، ص ٢٧٢.
٢ - راجع الرياض النظرة للطبري ج ٢، ص ٢٧٢: والمرقاة لعلي بن سلطان ج ٥، ص ٥٦٧:
وكنز العمال للمتقي الهندي ج ٣، ص ١٥٤: وتاريخ الطبري ج ٢، ص ١٩٧.
٣ - راجع المغازي للواقدي ج ١، ص ٩٢.
٤ - راجع الطبقات الكبري لابن سعد ج ٣، ص ١٣٠، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٢، ص ١٨.
٥ - راجع تاريخ الطبري ج ٢، ص 282.
(١٤)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، أبو طالب عليه السلام (1)، حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الدولة الأموية (1)، معركة بدر (1)، علي بن أبي طالب (2)، بنو أمية (1)، بنو هاشم (2)، بنو أسد (1)، القتل (6)، الموت (1)، الشهادة (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)، كتاب تاريخ الطبري (3)

صفحه 015

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥
الثأر ضاربة الجذور في النفس العربية، ولا ترتاح نفوس ذوي القتلي إلا إذا قتلوا القاتل، أو أبعدوه تماما عن المسرح والأعين، وكيف يمكن قتل النبي (ص) أو حمزة أو علي (ع) أو الهاشميين؟!، ولنفترض أن القاتل قد مات، فإن ذريته مطلوبة لذرية المقتول حتي يؤخذ حقه.
كان الرسول الأعظم علي علم بحقيقة تلك المشاعر التي تعتمل بالنفوس، وكان متيقنا أن قريش تبغض التميز الهاشمي، والمكانة الهاشمية، وقد عبر عن هذه الحقائق بقوله ذات يوم لأصحابه، قياما بواجب البيان وسدا لنوافذ الشرك: (إن أشد قومنا بغضا لنا هم بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم) (1). فكل بطون قريش تبغض الهاشميين، ولكن أكثرها بغضا للهاشميين هي البطون التي ذكرها النبي (ص).
وباختصار فإن نجاح النبوة الهاشمية، وتكريس التميز الهاشمي، والجراح التي نتجت عن معركة بدر، والغصات التي اعترضت حلقوم الذين اتبعوا محمدا من أبناء قريش تركت بصماتها علي التاريخ الإسلامي كله بعد موت النبي (ص)، وظلت تعتمل في النفوس، وكانت أبرز الأسباب التي قوضت النظام السياسي الإسلامي، وأفرغته من مضمونه ومحتواه، وحولته إلي ملك أو وسيلة للوصول إلي الملك، مثلما كانت من أبرز الأسباب التي أدت لإخراج المنظومة الحقوقية الإلهية عمليا من الخدمة، للارتباط الوثيق بين القيادة في الإسلام، وبين فاعلية المنظومة الحقوقية، وقد ساعد علي ذلك كله، أن البطون القريشية التي اتخذت تحت راية الشرك ضد النبي (ص)، قد اتحدت تحت راية الإسلام ضد آل النبي (ص)، وحالت بين الهاشميين وحقوقهم التي خصهم الله تعالي بها، وما ميزوا به من علم وسيرة وفضل علي غيرهم من الناس.
دور الهاشميين في معركة أحد رجع المشركون من بدر يجرون أذيال الخزي والهزيمة، وصفوا صفوفهم، ولم يطل الانتظار حتي برز من صفوف المشركين طلحة بن أبي طلحة، وصاح: من يبارز؟ فبرز إليه علي بن أبي طالب (ع) فقتله الإمام علي (ع) سريعا، فلما قتل طلحة، سر النبي (ص) وأظهر التكبير، وكبر المسلمون وهجموا علي المشركين وقتل علي بن أبي طالب حملة لواء المشركين وكانوا ثمانية، كلما مات أحدهم أخذ اللواء غيره، ثم حمل اللواء عبد لهم فحمل عليه الإمام علي فقتله (2). ومما زاد الطين بلة أن الأمويين قد أقروا بأن قتل علي بن أبي طالب مستحيل، لكن
١ - راجع المستدرك علي الصحيحين للحاكم، والحلية لأبي نعيم، وكنز العمال للمتقي الهندي ج ١١، ص ١٦٩، حديث ٧٤، ٣١.
٢ - راجع تاريخ الطبري ج ٣، ص 17، وسيرة ابن هشام ج 3، ص 134، والرياض النظرة للطبري ج 2، ص 172.
(١٥)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، الدولة الأموية (1)، كتاب القيادة في الإسلام لمحمد الريشهري (1)، معركة أحد (1)، معركة بدر (1)، علي بن أبي طالب (2)، بنو أمية (1)، القتل (5)، الموت (2)، الأكل (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 016

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦
قتل حمزة عم النبي ممكن، فرتبوا مؤامرة للغدر بحمزة، ونفذت المؤامرة وقتل حمزة، وأشيع بأن النبي (ص) قد قتل، فزلزل المسلمون زلزالا شديدا.
دور علي (ع) في معركة الخندق.
لقد ثأرت قريش لقتلاها، وانتصرت في معركة أحد - لأسباب ليس بوسعنا ذكرها - وكان من الممكن أن تضع الحرب أوزارها، وأن تستبدل قريش لغة القوة بلغة المنطق، لكنها جادة في عداوتها للنبي (ص) ولدعوته المباركة ولبني هاشم، وأقل ما ترضي به هو القضاء علي محمد وعلي آله (ص)، واستئصالهم من الوجود تماما، فقد قال أبو سفيان مخاطبا وفد يهود بني النظير: إن أحب الناس إلينا من أعاننا علي عداوة محمد (1). وهكذا جمعت قريش عشرة آلاف وسبعمئة وخمسين مقاتلا، وقبل قيام هذا التجمع لم تشهد جزيرة العرب مثله في تاريخها الطويل، فقبائل العرب كانت تعبد الأصنام، وتدين بالولاء لشيوخها الذين لم يجتمعوا علي أمر طول التاريخ، حتي يوم غزا أبرهة الكعبة وهي أقدس مقدساتهم، بينما هم اجتمعوا هذه المرة علي عداوة محمد وآل محمد (ص) ودعوته الكريمة، وكان القائد العام لتجمع الأحزاب ورأسهم ومدبر أمرهم، ومؤقت ساعة الصفر، ومحدد مسؤولياتهم هو أبو سفيان، أما أركان حربه فكانوا يتألفون من مشيخة قريش، وعلي رأسهم معاوية، وابنه يزيد، فكلاهما ذكي وذو حيلة، وكلاهما موتور، وعكرمة بن أبي جهل وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وكلهم موتور، وعمرو بن عبد ود العامري أشجع رجالات قريش وأقواها، فكان يحترق شوقا لملاقاة محمد (ص)، بالإضافة إلي مشيخة اليهود مثل حيي بن أحطب، وكنانة بن الحقيق، وأخيه هودة، وأبي عامر الراهب، وكعب بن أسد عقيد بني قريظة (2). فبرز عمرو بن عبد ود، أقوي رجالات قريش، وأخذ يدعو للمبارزة، فسكت جميع المسلمين كأن علي رأسهم الطير، ولما سمعه الإمام علي استأذن النبي ثلاثا والرسول لا يأذن له، وأخيرا أذن الرسول لعلي (ع) وأعطاه سيفه، والتقي الاثنان علي مشهد من الجمعين، وبعد برهة ثارت غبرة وسمع الناس التكبير، فأيقنوا بأن عليا قد قتل عمروا، وصعقت الأحزاب من هول النبأ، وازدادت قريش حقدا علي النبي وآله فقال النبي (ص): لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلي يوم القيامة (3). وقال السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالي: (ورد الله الذين كفروا
١ - المغازي للواقدي ج ٢، ص ٤٤١.
٢ - راجع المغازي للواقدي ج ٢، ص ٤٤٤ وما فوق.
٣ - راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٢ ص ٣٢، وتاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٩، وفضائل الخمسة علي الصحاح الستة ج 2، ص 357 - 360.
(١٦)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، يوم القيامة (1)، معركة أحد (1)، علي بن أبي طالب (1)، خالد بن الوليد (1)، عمرو بن العاص (1)، بنو هاشم (1)، الشهادة (2)، القتل (3)، الجهل (1)، الحرب (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)

صفحه 017

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧
بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفي الله المؤمنين القتال) (1). قال:
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: وكفي الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب (ع)، وجاء في ميزان الاعتدال حديث مسند عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: وكفي الله المؤمنين القتال بعلي (2)، فرجع الأحزاب يجرون أذيال الخيبة والخسران، يقودهم رأس الشرك أبو سفيان، وألقي كلمته قائلا: إنكم والله لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والكراع، وأجدب الجناب، وأخلفنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقد لقينا من الريح والله ما ترون، والله ما يثبت لنا بناء، ولا تطمئن لنا قدر، فارتحلوا فإني مرتحل، … إلخ (3).
بعض المؤرخين يعطي نعيم بن مسعود دورا بارزا، ويصورونه كأنه هو الذي فك تحالف الأحزاب، وأنه هو الذي أوقع بينهم مع أن جميع المسلمين والأحزاب كانوا يعرفون بأن الرجل صياد مكافآت، وإن مهمته التخذيل، فطالما خذل المسلمين عن الخروج بعد معركة أحد، وأخذ علي ذلك جمع مقداره عشرون ناقة، رصدتها له قريش … ومن المؤكد أن رحمة الله وعونه وعبقرية قيادة النبي (ص)، ورجولة علي (ع) وصبر المسلمين تظافرت معا، وقادت إلي نصر الله وهزيمة الأحزاب (4).
دور علي (ع) في معركة خيبر كانت خيبر من أعظم وأكبر التجمعات اليهودية في الجزيرة، ففيها المال وفيها الجاه، وفيها الرجال، وبعد أن فتح الله للمسلمين في صلح الحديبية ذلك الفتح المبين، وبعد أقل من شهرين من رجوع الرسول (ص) من الحديبية، أصدر أوامره بالتهيؤ لغزو خيبر، وبعد إتمام الاستعدادات وفي شهر صفر من السنة السابعة للهجرة: زحف النبي (ص) نحو خيبر، وقاتل اليهود بكفاءة، وهجم الرسول علي الحصون حصنا بعد حصن، ثم أخذ يرسل المسلمين علي موجات، موجة تذهب بالراية وأخري ترجع، فأعطي رايته إلي أبي بكر، وخرج أبو بكر ولكنه رجع ولم يفعل شيئا، ثم أعطي الراية إلي عمر فخرج عمر، ثم رجع ولم يفعل شيئا (5). وفي كنز العمال أن رسول الله بعث أبا بكر بالناس فانهزم حتي رجع، وبعث عمر فانهزم بالناس حتي رجع، وقال: أخرج هذا الحديث ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وابن ماجة
1 - سورة الأحزاب: الآية 25.
2 - راجع الدر المنثور للسيوطي، تفسير قوله تعالي: (وكفي الله المؤمنين القتال) وراجع ميزان الاعتدال للذهبي ج 2، ص 17، وفضائل الخمسة علي الصحاح الستة ج 2، ص 360.
3 - راجع المغازي للواقدي ج 2، ص 485 وما فوق.
4 - راجع المغازي للواقدي ج 2، ص 441 - 496.
5 - راجع مسند الإمام أحمد ج 1، ص 99 وخصائص، النسائي ص 5.
(١٧)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، معركة خيبر (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، إبن عساكر (1)، شهر صفر الظفر (1)، خيبر (3)، أحمد بن حنبل (1)، القتل (4)، الهلاك (1)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، سورة الأحزاب (1)

صفحه 018

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨
والبزار، وابن جرير وصححه، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدلائل، والضياء المقدسي (1). وإلي هذا أشار الهيثمي في مجمع الزوائد (2).
أمام تراجعات المسلمين المتتالية - في دك حصون خيبر - تدفقت كتائب اليهود ورجحت الكفة لصالحهم، وحض رسول الله (ص) المؤمنين علي القتال، ولما اجتمع شمل المسلمين وقف رسول الله (ص) وقال: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله علي يديه ليس بفرار … (3). وفي الصباح نادي علي بن أبي طالب، وكان أرمد لا يري، فتفل رسول الله (ص) في عينيه وأعطاه الراية (4).
أخذ علي الراية، واندفع كالإعصار بقوة ربانية، كما يقول الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالي: (أم حسبت أن أصحاب الكهف … ) (5)، فتلقاه الحارث أخو مرحبا في قلة من رجاله، وهجموا علي المسلمين … فتناول الإمام علي بابا من أبواب الحصن وتترس به، قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: إن ثمانية نفر عجزوا عن قلب ذلك الباب في ما بعد (6)، وروي الخطيب في تاريخ بغداد: إن الباب الذي تترس به الإمام علي يوم خيبر لم يقو أربعون رجلا علي حمله (7).
معركة حنين.
فقد أبلي أهل بيت النبي الهاشمي (ص) بلاء حسنا، بعد أن فر كل المسلمين من حول النبي (ص) وتركوه ومعه أهل بيته علي والعباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعتبة ومعتبا ابنا أبي جهل، ونفر قليل من الأنصار كسعد بن عبادة، والحباب بن المنذر، وكان عدد جيش المسلمين في حنين اثني عشر ألفا، ومن المؤكد أن أعدادا كبيرة من الجيش لم تخرج للجهاد، ولا طمعا بالشهادة، ولا لنصرة دين الله أو لنصرة بنيه، إنما خرجوا طمعا بالغنيمة ممن تدور عليه الدائرة، سواء أكان محمدا (ص) أو تجمع هوازن وثقيف و حلفائهما، فأبو سفيان بن حرب الذي تلفظ بالشهادتين قبل أيام، خرج وأخرج معه الأزلام، وسار في
١ - راجع كنز العمال ج ٦، ص ٣٩٤.
٢ - راجع مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٤ وغيره.
٣ - المغازي للواقدي ج ٢، ص ٦٥٣ وما فوق.
٤ - راجع مسند الإمام أحمد ج ١، ص ٩٩، وخصائص النسائي ص ٥، وكنز العمال ج ١ ص ٢٩٤ وغيرها.
٥ - سورة الكهف، الآية ٩.
٦ - راجع مسند الإمام أحمد ج ٦، ص ٨، وتاريخ الطبري ج ٢، ص ٣٠٠، وابن سلطان في الرقاة ج ٥، ص ٥٦٦.
٧ - راجع تاريخ بغداد ج ١١، ص 324، وميزان الإعتدال ج 2، ص 218، وفتح الباري للعسقلاني ج 9، حديث 18.
(١٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (2)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، معركة حنين (1)، الطبراني (1)، علي بن أبي طالب (1)، خيبر (2)، سعد بن عبادة (1)، الجهل (1)، الشهادة (1)، الحرب (1)، القتل (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب فتح الباري (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، سورة الكهف (1)

صفحه 019

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩
أثر محمد (ص) يلتقط ما يسقط منهم من متاع حتي أوقر (1)، ومثله أولاده … فشيبة بن عثمان بن أبي طلحة تعاهد هو وصفوان بن أمية علي أنه إذا رأيا الدائرة (تدور) علي رسول الله (ص) أن يكونا عليه فيقتلانه (2)، وقد عبرت جويرية بنت أبي جهل عن طبيعة إسلام القوم، يوم سمعت بلالا يؤذن علي ظهر الكعبة بقولها: قد لعمري رفع لك ذكرك أما الصلاة فسنصلي، والله لا نحب من قتل الأحبة أبدا (3)، ومع هذا فإنهم خرجوا مع جيوش المسلمين المتوجهة إلي حنين كمسلمين، وعيينة بن حصن أحد قادة الجيش الإسلامي يستأذن من الرسول (ص) حتي يأتي حصن الطائف لإقناعهم بالاستسلام، ومع هذا يدخل الحصن، ويقول للمشركين: فداكم أبي وأمي، والله لقد سرني ما رأيت منكم …
والله ما لاقي محمد مثلكم قط، ولقد مل محمد اللقاء فاثبتوا في حصنكم … (4). ثم يعود إلي الرسول (ص) ليزعم بأنه قد حاول إقناع أهل الطائف فأخفق، والرسول ساكت، وهو يعلم أن عيينة كاذب ومنافق!!، وعيينة نفسه يعبر عن حقيقة وجوده فيقول: والله ما جئت معكم أقاتل ثقيفا، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب جارية من ثقيف لعلها تلد لي رجلا (5).
غزوة تبوك والزحف علي بلاد الروم.
في هذا الوقت بالذات تواردت الأنباء إلي الرسول القائد (ص) من أن الروم أعدوا العدة لغزو الأجزاء الشمالية من الجزيرة العربية، التي تعتبر جزءا من الدولة الإسلامية فقرر الرسول (ص) أن يصدهم بنفسه.
وهكذا أصدر أوامره لاستنفار المسلمين في المدينة المنورة وخارجها، فلم يدع قوما من الناس إلا أجابوه لذلك، إلا أن المنافقين الأوائل من قريش، ممن أظهروا الإسلام خوفا من سطوة المسلمين بعد فتح مكة، راحوا يختلقون الأعذار حتي لا يخرجوا لقتال الروم، وكان أهم عذر عندهم في ذلك: شدة الحر وبعد المسافة بين المدينة وبلاد الروم، وقد حكي القرآن الكريم، ما كانوا يتذرعون به من وسيلة، منددا ومهاجما: (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) (6).
ولم يقف المنافقون عند هذا الحد، بل راحوا يدعون الناس إلي التخلف عن الجيش الإسلامي، وأعدوا دارا لتجمعاتهم، فبلغ الرسول (ص) ذلك، فأحرق عليهم الدار أثناء اجتماعهم، ففروا هاربين: حيث لقنهم بذلك درسا لقاء خيانتهم للإسلام.
سار جيش الإسلام بقيادة رسول الله (ص)، وكان تعداده ثلاثين ألفا، وقد سمي ذلك الجيش (جيش العسرة) لشدة الحر، وبعد المسافة، وقلة المؤونة. وقد استخلف الرسول
1 - راجع المغازي ج 2، ص 895.
2 - راجع المغازي ج 3، ص 895.
3 - راجع المغازي ج 2، ص 846.
4 - راجع المغازي ج 3، ص 932.
5 - المصدر نفسه ج 2، ص 932.
6 - التوبة: الآية 81.
(١٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (7)، جزيرة العرب (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، معركة تبوك (1)، القرآن الكريم (1)، المدينة المنورة (1)، صفوان بن أمية (1)، القتل (1)، النفاق (2)، العهد (1)، الجهل (1)

صفحه 020

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠
(ص) عليا (ع) لإدارة المدينة المنورة ولرعاية أهله (ص)، علي أن عليا أراد صحبة الرسول (ص) في غزوته، إلا أن رسول الله أمره بالبقاء في المدينة المنورة، وخاطبه بقوله: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي؟ إلا أنه لا نبي بعدي (1).
الفصل الثاني: آل البيت (ع) وحادثة المباهلة.
بعد أن تحقق النصر للدعوة ونبيها الكريم محمد (ص) في أرجاء الجزيرة، وتم فتح مكة والطائف ودمرت معاقل الشرك والوثنية، وتلاشت سطوة قريش وجبروتها، وظهر الإسلام كقوة عقيدية وسياسية وعسكرية: أخذت وفود العرب تفد علي رسول الله (ص) لتعلن إسلامها وولاءها، وكذلك فقد وجه رسول الله (ص) كتبه ورسله إلي الملوك والرؤساء، يدعوهم إلي الإسلام من منطلق القوة والوثوق بالوعد الإلهي بالنصر، وكان ممن وجه إليهم كتبه هم أساقفة نجران يدعوهم إلي الإسلام، ويعرفهم بدعوته. ونص كتابه المبارك هو:.
بسم الله، من محمد رسول الله إلي أساقفة نجران، بسم الله فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب: أما بعد ذلكم فإني أدعوكم إلي عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلي ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم أذنتكم بحرب والسلام (2).
لقد أحدث هذا الكتاب هزة عنيفة في كيان النصاري في بلاد اليمن، ورأوا أن يقدموا علي رسول الله (ص) بوفد يخوض حوارا عقائديا وفكريا، توجه الوفد برئاسة أبي حارثة الأسقف، ومعه العاقب والسيد وعبد المسيح وكوز وقيس والأيهم، فوصلوا المدينة المنورة ودخلوا علي رسول الله (ص) في مسجده الشريف، وهم متباهون بزينتهم وحليهم، ظانين أن ذلك يؤثر علي موقف رسول الله (ص) النفسي، وحين رآهم رسول الله متظاهرين بمظاهر العظمة المزيفة، قال لأصحابه: (دعوهم)، ثم التقوا رسول الله وبدأ الحوار والمسألة طوال ذلك اليوم، ثم سأل أبو حارثة رسول الله (ص): يا محمد ما تقول في المسيح؟ قال: (هو عبد الله ورسوله). فقال أبو حارثة: تعالي الله عما قلت، وكان يظن في المسيح ظن الربوبية، وحين اشتد إصرارهم علي عقيدة الشرك وتأليه المسيح ورفض نبوة محمد (ص): أراد الله سبحانه أن يظهر لهم نبوة محمد (ص) بإجابة دعوته وبطلان عقيدتهم ودعواهم، فأنزل الله علي نبيه آية المباهلة، قال تعالي: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي
١ - مسند أحمد بن حنبل ص ٣٣٠، والنسائي / خصائص النسائي ص ١٤، والطبقات لابن سعد ج ١٣، ص ٤.
٢ - راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢، ص 81.
(٢٠)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (10)، مدينة مكة المكرمة (1)، المدينة المنورة (3)، آية المباهلة (1)، الكرم، الكرامة (1)، السجود (1)، الظنّ (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب الخصائص للنسائي (1)

صفحه 021

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١
الكاذبين) (1)، وعلي أثر هذا النص السماوي توجه الرسول (ص) بالخطاب إلي وفد النصاري:.
إن لم تؤمنوا بي وتصدقوني، فتعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذب، وننتظر من سيقع عليه العذاب والعقاب الإلهي، فهو علي باطل، فقالوا للنبي:
نباهلك غدا، ثم اجتمعوا فتحاوروا وتشاوروا بينهم، فقال أبو حارثة لوفده:.
أنظروا من جاء معه، وغدا رسول الله (ص) آخذا بيديه المباركتين الحسن والحسين (ع) تتبعه فاطمة وعلي بن أبي طالب (ع) بين يديه. وغدا العاقب والسيد بابنين لهما عليهما الدر والحلي، وقد حفوا بأبي حارثة، فقال أبو حارثة: من هؤلاء معه؟ قالوا: هذا ابن عمه، وهذه ابنته، وهذان ابناهما، فجثا رسول الله علي ركبتيه ثم ركع، فقال أبو حارثة: جثا والله كما يجثو النبيون للمباهلة … إلخ (2).
قال الزمخشري في سياق تفسير آية المباهلة: وقدمهم في الذكر علي الأنفس لينبه علي لطف مكانهم وقرب منزلتهم: وليؤذن بأنهم مقدمون علي الأنفس، مفدون بها …
وفي هذا دليل لا شئ أقوي منه علي فضل أصحاب الكساء (3).
أما المشركون الذين لم يتخلوا عن وثنيتهم، فقد عزم رسول الله (ص) علي منعهم من تأدية طقوسهم حول البيت الحرام: نظرا إلي إعلانهم الشرك، وسلوكهم غير المحتشم، حيث يطوفون، حول البيت عراة متحللين من الأدب، فلا مبرر لبقاء ذلك المظهر البشع، ولا داعي لبقاء قوم يعبدون الأصنام، بعد أن أظهر الله الإسلام وأعزه بنصره، وبعد أن حطمت الأصنام، ودخلت مكة دار الإسلام.
في موسم الحج، في السنة التاسعة من الهجرة، حيث نزلت سورة التوبة (البراءة) التي ألغت كل مخلفات الشرك، وأنهت كل وجود للمشركين في مكة، أمر رسول الله (ص) أبا بكر بتبليغها لمن تبقي من المشركين، والذين يتواجدون غالبا عند البيت الحرام في الموسم: لأداء مناسك الحج علي طريقتهم البالية، فلما كان أبو بكر في بعض الطريق، هبط الأمين جبرائيل (ع) بالأمر من الله لرسوله (ص): أن لا يتولي التبليغ إلا أنت أو رجل من أهل بيتك، فبعث رسول الله (ص) عليا عليه السلام، وأعطاه كتابا إلي أبي بكر يأمره بإعطاء الكتاب الذي يحمل السورة المباركة إلي علي (ع) - وهكذا كان - فعاد أبو بكر إلي رسول الله (ص) كئيبا، فقال له: أنزل في شئ؟ قال (ص): لا، إلا أني أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي (4)،
١ - آل عمران: الآية ٦١.
٢ - تاريخ اليعقوبي ج ٢، ص 82.
3 - تفسير الكشاف للزمخشري وسورة آل عمران. الآية 61، وكذا جاء في تفسير الثعالبي عن مجاهد والكلبي.
4 - خصائص النسائي ص 20، صحيح الترمذي ج 2، ص 183، ومسند أحمد ج 3، ص 283.
(٢١)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (7)، أهل الكساء (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، الزمخشري (1)، سورة البراءة (1)، آية المباهلة (1)، الحج (2)، المنع (1)، العذاب، العذب (1)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، سورة آل عمران (1)

صفحه 022

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢
وسار علي (ع) حتي إذا وصل مكة وقف بمني، وقرأ السورة المباركة، ثم نادي بأعلي صوته:
لا تدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله فعهده إلي مدته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهر (1).
- الله ورسوله يعدان الأمة لتقبل القيادة الهاشمية - الإعداد لعصر ما بعد النبوة:.
بمحمد النبي الأعظم (ص) صمد البطن الهاشمي المبارك، وتكسرت علي صخرة هذا الصمود الفذ أعتي موجات الضغط والعداء، التي عرفتها البشرية خلال مدة ال (خمسة عشر) عاما التي قضاها النبي في مكة قبيل الهجرة.
ومن المسلم به بأن دين الإسلام هو آخر الأديان، وفق الصيغة التي جاء بها رسول الله، وهو خاتم النبيين، وبوقت يطول أو يقصر، سينهي الله تعالي دورة الحياة الدنيا برمتها، وتقوم القيامة، حيث ستبدأ دورة الحياة العليا الآخرة، فاقتضت حكمته أن يرتب الأمور ترتيبا محكما، وأن يضع تحت تصرف المسلمين خاصة والبشرية جمعاء نظاما سياسيا، يستمر بعمر الحياة الدنيا، ويلبي كامل الطموحات البشرية الواعية، ومن استعراض التاريخ البشري عبر مسيرته الموغلة بالقدم إلي يومنا هذا، يتبين لنا أن سبب كل الخلافات والاختلافات في أي مجتمع بشري تنبع بالضرورة من مصدرين، أحدهما الرئاسة، وثانيهما القانون، فمن هو المستحق للرئاسة؟ وما هو القانون الأفضل؟
فإذا حسمت هاتان المسألتان الرئيسيتان حسما مقنعا: انقطع دابر الخلاف والاختلاف في المجتمع، وهناك إجماع في كل المجتمعات البشرية علي أن الرئيس أو القائد يجب أن يكون الأفصل والأعلم بالنواميس التي تسود المجتمع، وهنالك إجماع آخر علي أن القانون السائد في المجتمع يجب أن يكون موضوعيا ومجردا وساريا علي الجميع.
ولا يوجد في الدنيا فرد أو جماعة أو أمة، تستطيع أن تؤكد لنا علي وجه الجزم واليقين أن هذا أو ذاك هو الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب للقيادة والرئاسة.
إذن فالمطلب الحقيقي للجميع ليس الفرض والتخمين، إنما الجزم واليقين. لذلك فإن المؤهل والمختص بإعطاء وتقديم المعلومات اليقينية القائمة علي الجزم واليقين هو الله جل وعلا، فهو الذي اختار محمدا (ص) وقدمه لنا رسولا ورئيسا وقائدا، وأكد لنا بأنه الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب لقيادتنا، وحسمها نهائيا يوم حصر تعالي بنفسه حق اختيار الأفضل والأعلم أمام مشكلة القانون، فجنب المسلمين محذور الوقوع في المطبات التي وقعت فيها
1 - الطبرسي في أعلام الوري بأعلام الهدي ص 132، ومحمد حسين هيكل في حياة محمد ص 473.
(٢٢)
مفاتيح البحث: الطواف عرياناً بالبيت (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، الإختيار، الخيار (1)، حياة النبي (1)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (1)

صفحه 023

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣
الأمم السابقة، وأغناهم عن الخوض بتجارب الأمم السابقة، مقدما لهم وعلي طبق من فضة خلاصة تجارب الأمم السالفة.
بعد أن بني النبي (ص) قاعدة الإسلام ودولته أحيط المسلمون علما بأن محمدا رسول الله (ص)، قد خلت من قبله الرسل، وأنه سيموت لا محالة: (إنك ميت وإنهم ميتون)، والله سأل عباده المسلمين قائلا: (أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم). فموت محمد (ص) حقيقة من الحقائق التي استقرت نهائيا بذهن كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي، ومن الطبيعي أن يتساءل المسلمون، ماذا بعد موت النبي (ص)؟ لمن يهرعون؟ ومن يوجههم، ومن يذكرهم به؟ ومن يقودهم؟.
من الطبيعي أن تقفز إلي أذهان المتسائلين أجوبة كبري تأخذ شكل أسئلة كبري أيضا، مثل من هم قرابته؟ ومن هم الأولي به؟ وأين هي ذريته حتي تكون القاسم المشترك الذي تطمئن وتطيب به قلوب الجميع؟.
ومع هذه الأجوبة الكبري التي أخذت مجامع المؤمنين، استذكر المسلمون الصادقون سجلا حافلا بالأمجاد، لقرابة النبي (ص) الذين حموه طوال سني قبل الهجرة وما بعدها، وهم أركان حرب النبي وحملة راياته، وقتلة أعدائه في الحروب التي تلت الهجرة، وهم فوق ذلك مستودع علم النبوة …
قالت عائشة قال رسول الله (ص): قال جبريل عليه السلام: قلبت مشارق الأرض و مغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بنيا أفضل من بني هاشم (1).
وقال النبي (ص): نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد (2).
وقال النبي (ص): أنزلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، وإن الرأس لا يهتدي إلا بالعينين (3).
تميز أهل البيت (ع) عن غيرهم.
لقد اختار الله البطن الهاشمي وميزه عن غيره من بطون القبائل البشرية، وخصه بمميزات لم يخص بها قبيلة قط، ويكفيهم شرفا أن سيد ولد آدم وخاتم النبيين منهم، وباستعراضنا
١ - راجع الصواعق المحرقة ص ١٣، وقال: أخرجه أحمد بن حنبل، والمخلص، والذهبي وذكره المناوي في فيض القدير ج ٤، ص ٤٩٩ في المتن، وقال: أخرجه الحاكم في الكني والألقاب.
٢ - كنز العمال ج ٦، ص 218، وكنوز الحقائق للمنادي ص 153.
3 - مجمع الزوائد للهيثمي ج 9، ص 172 وقال: رواه الطبراني.
(٢٣)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، بنو هاشم (1)، القتل (1)، الموت (1)، الحرب (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، الطبراني (1)، أحمد بن حنبل (1)

صفحه 024

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤
للمنظومة الحقوقية الإلهية المكونة من كتاب الله وبيان النبي (ص) لهذا الكتاب، نجد بكل وضوح أن هذه المنظومة الحكيمة قد رسخت حالة التميز لآل رسول الله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالفضل.
ومن المسلم به ومن المجمع عليه بأن الصدقة جائزة لكل محتاج من أبناء الجنس البشري، فإذا احتاج أبو بكر مثلا أو عمر أو عثمان أو أي واحد من الخلفاء ومن الصحابة الكرام، فيمكن لأي موسر أن يتصدق عليهم، ولا حرج علي أولئك جميعا لو قبلوا الصدقة باعتبارها طعمة إلهية للمحتاج. وعليه فبما أن الصدقة حلال لكل الناس المحتاجين إلا أنها محرمة، ولا تحل لنبينا محمد وآله (ص)، لأنها أوساخ الناس علي حد تعبير الشارع الحكيم، فإن البيت النبوي المطهر والقائد، لا ينبغي له أن يجمع بين الطهارة وما يناقضها، فقد مر النبي (ص) بتمرة بالطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها، وأن الحسن بن علي (ع) - وكان طفلا لا يدرك - أخذ تمرة من الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله (ص): كخ، كخ إرم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟ وفي رواية إنا لا تحل لنا الصدقة (1).
قيل للإمام جعفر بن محمد الصادق (ع): إذا منعتم الخمس، هل تحل لكم الصدقة؟ قال الإمام: لا، والله. ما يحل لنا ما حرم الله علينا بغصب الظالمين حقنا، وليس منعهم إيانا ما أحل الله لنا بمحل لنا ما حرم الله علينا (2).
آل الرسول (ص) وسهم ذوي القربي.
كان الرئيس عند العرب في الجاهلية يأخذ ربع الغنيمة، ويقال للربع الذي كان يأخذه الرئيس المرباع (3)، ولما جاء الإسلام العظيم فرض الخمس لآل رسول الله، وقال سبحانه: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله … ) (4). إذا فسهم الرئاسة في الإسلام هو الخمس بدلا من الربع، وزاد الله أصحاب هذا السهم، فسهم من هذا الخمس لله تعالي، وسهم آخر منه لرسول الله، وسهم لذوي قربي رسول الله، وثلاثة أسهم لليتامي والمساكين وابن السبيل من فقراء أقرباء الرسول (ص).
١ - صحيح البخاري ج ١، ص ١٨١ باب ما يذكر في الصدقة للنبي من كتاب الزكاة، وصحيح مسلم ج ٣، ص 117 باب تحريم الزكاة علي رسول الله (ص) وآله.
2 - دعائم الإسلام ص 246، والبحار ج 6، ص 76.
3 - راجع نهاية اللغة لابن الأثير، وسيرة ابن هشام ج 4، ص 249.
4 - الأنفال: الآية 41.
(٢٤)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (1)، الجهل (1)، الطهارة (2)، الخمس (4)، التصدّق (6)، كتاب صحيح البخاري (1)، إبن الأثير (1)، الزكاة (2)

صفحه 025

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥
روي الطبري عن مجاهد أنه قال: كان آل محمد (ص) لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس، وقد علم الله أن في بني هاشم الفقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة (1).
وسئل علي بن الحسين - عليهما السلام - عن الخمس: فقال: هو لنا، فقيل لعلي: إن الله يقول: (واليتامي والمساكين وابن السبيل). فقال: يتامانا ومساكيننا (2).
وقد أجمع أهل القبلة كافة علي أن رسول الله (ص) كان يختص بسهم من الخمس ويختص أقاربه بسهم آخر منه، وأنه لم يعهد بتغيير ذلك حتي دعاه الله إليه (3).
قال الزمخشري في الكشاف، فلما ولي أبو بكر تأول الآية، فأسقط سهم النبي (ص)، وسهم ذوي القربي بموته، ومنع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامي المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم (4).
سأل نجدة بن عامر، ابن عباس عن سهم ذوي القربي: فكتب إليه ابن عباس قائلا: إنك سألتني عن سهم ذوي القربي الذين ذكرهم الله، من هم؟ وإنا كنا نري أن قرابة رسول الله (ص) هم نحن فأبي علينا قومنا … (5).
لما كان يوم خيبر، وضع رسول الله (ص) سهم ذوي القربي في بني هاشم بن عبد مناف وبني عبد المطلب بن عبد مناف، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، قال جبير بن مطعم: …
فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتي أتينا النبي، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا بني عبد المطلب، أعطيتهم وتركتنا؟ قرابتنا واحدة؟ فقال رسول الله (ص): إنا وبني عبد المطلب لا نفترق، وفي رواية النسائي: إن بني عبد المطلب لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شئ واحد، وشبك بين أصابعه (6).
ولعل الله تعالي قد اختص الهاشميين بهذا السهم ليكون مورد رزق احتياطي لهم في كل زمان، يضمن لهم الاستقلال الاقتصادي ويفي بحاجاتهم، ويساعدهم علي القيام
١ - راجع تفسير الطبري ج ١، ص ٥ - ٦.
٢ - تفسير الطبري ج ١٠، ص ٧.
٣ - الكشاف للزمخشري ج ٢، ص ١٥٨: وفتح القدير للشوكاني ج ٢، ص ٢٩٥.
٤ - الكشاف للزمخشري ج ٢، ص ١٥٩، وتفسير القرطبي ج ٨، ص ١٠، وفتح القدير للشوكاني ج ٢، ص ٢٩٥.
٥ - راجع صحيح مسلم كتاب الجهاد ج ٣ ص ٤٤٤، ومسند الإمام أحمد ج ١ ص ٢٤٨ و ٢٩٤ و ٣٢٠، وسنن النسائي ج ٧ ص ١١٧، وغيرها.
٦ - راجع سنن أبي داود ج ٢، ص 50، وتفسير الطبري ج 10، ص 50، ومسند أحمد بن حنبل ج 4، ص 81، وسنن ابن ماجة ص 961.
(٢٥)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، عبد الله بن عباس (2)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، الزمخشري (1)، خيبر (1)، بنو هاشم (3)، جبير بن مطعم (1)، البول (1)، الخمس (4)، التصدّق (2)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب سنن إبن ماجة (1)، كتاب تفسير الطبري (3)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب صحيح مسلم (1)

صفحه 026

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦
بمسؤولياتهم.
وقلنا أن بعد موت النبي (ص) اختلت موازين القوي، واتخذت قريش موقفا موحدا، وصار للهاشميين موقف آخر مختلف عنها، فقد اعتقد الهاشميون أنهم الأولي بالرسول حيا وميتا، لأنهم الأقرب إليه والألصق، والأكثر تضحية من أجله، واعتقدت بطون قريش (الثلاثة والعشرون) أن قبيلة قريش كلها قرابة للنبي وليس الهاشميون وحدهم (1). وأن من مصلحة الإسلام أن لا يجمع الهاشميون النبوة والخلافة معا، وحيث أن الهاشميين قد اختصوا بالنبوة، فينبغي أن تختص قريش بالخلافة (2).
وأمام وحدة قريش، فقد الهاشميون واقعيا مواقعهم، وفرضت قريش ما كانت تراه صوابا علي الهاشميين، فقد اشتغلت الدولة الجديدة بعد موت النبي (ص) بحروب الردة، وكثرت نفقاتها والتزاماتها العسكرية، وازدادت حاجة الدولة الجديدة إلي الإنفاق، فصادرت سهم ذوي القربي، واجتهد الخليفة الأول بأن توزيع هذا السهم علي مصالح الدولة وعلي الأمة، أولي وأصوب من حصره بالهاشميين، ونفذ الخلفاء والحكام الذين تلوه ما كان قد سنه أبو بكر، وصار عمل الخلفاء سنة، فلم يقووا علي العمل بعكس سنن الخلفاء السابقين، لأنها ترسخت في النفوس وفي أذهان العامة، وصارت بمثابة العرف الذي يتعذر تغييره بدون حرج ولا استهجان.
ويبدو أن بعض الخلفاء وبعد أن استقامت أمورهم وانقادت الدنيا لهم، قد فكروا بإعطاء الهاشميين جزءا من سهم ذوي القربي، إلا أن الهاشميين رفضوا رفضا قاطعا أن يأخذوا جزءا، وأصروا بأنهم لن يقبلوا إلا بالحق كله (3).
ومع الأيام صار سهم ذوي القربي حقا خالصا للخليفة، يتصرف به علي الوجه الذي يراه. قال ابن الأثير: أعطي عثمان عبد الله بن أبي سرح خمس الغزوة الأولي، وأعطي مروان بن الحكم خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقيا (4).
وقال ابن أبي الحديد: أعطي عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقيا، وهي من طرابلس الغرب إلي طنجة، من غير أن يشركه فيه أحدا من المسلمين (5).
١ - راجع تفسير الطبري ج ١٠، ص ٥، والأموال لأبي عبيد ص ٣٣٣.
٢ - المصدر السابق.
٣ - راجع مسند أحمد ج ١، ص ٢٢٤ و ٣٢٠، وسنن أبي داود ج ٢، ص ٥١، وسنن النسائي ج ٢، ص 172، وسنن البيهقي ج 6، ص 344 و 345، ومسند الشافعي ص 187.
4 - راجع تاريخ ابن الأثير ج 3، ص 71 ط أوروبا، وج 3، ص 35 ط مصر.
5 - راجع شرح النهج ج 1، ص 67، وراجع فتوح إفريقيا لابن عبد الحكيم ص 58 - 60، وابن كثير ج 7، ص 152.
(٢٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، مروان بن الحكم (1)، إبن الأثير (2)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب تفسير الطبري (1)، كتاب سنن أبي داود (1)

صفحه 027

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧
وباري الفقهاء هذا الواقع الجديد، وحاولوا أن يخرجوا الحكم الشرعي علي ضوئه، تماشيا مع سياسة الحكام والخلفاء الذين عاصروهم، ولأسباب عديدة لا مجال لذكرها، فقد رأي مالك بن أنس، أن هذا السهم بأجمعه مفوضا إلي الإمام يجعله حيث شاء، ولا حق فيه لذي القربي ولا ليتيم ولا لمسكين ولا لابن سبيل مطلقا (1). وأما أبو حنيفة وأصحابه: فقد أسقطوا بعد موت النبي (ص) سهمه وسهم ذي قرباه، وقسموه بين مطلق اليتامي، والمساكين، وابن السبيل، لا فرق بين الهاشميين وغيرهم، أما الشافعي:
فأبقي سهم ذوي القربي لذوي القربي، يعرف لهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والباقي لليتامي والمساكين وابن السبيل إطلاقا (2).
أجلي مظاهر التميز لمحمد وآل محمد (ص) علي العالمين (لا صلاة لمن لم يصل علي محمد وآله):
لقد نطق القرآن الكريم، وأجمعت الأمة الإسلامية علي أن أولي مهام النبي الأكرم محمد (ص) أن يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، وعندما نزل قوله تعالي: (إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (3)، قيل لرسول الله (ص): يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال النبي: قولوا اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد، كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد كما باركت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد (4)، وفي ذلك يقول الشافعي:.
يا أهل بيت رسول الله حبكم - فرض من الله في القرآن أنزله.
كفاكم من عظيم الفخر أنكم - من لم يصل عليكم لا صلاة له (5).
لما حج الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، جهد ليصل إلي الحجر، فلم يقدر لكثرة الزحام، فجلس ومعه أعيان الشام، فبينما هم كذلك إذ أقبل علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (الإمام السجاد) - صلوات الله وسلامه عليهم -، فلما إنتهي إلي الحجر، تنحي له الناس
١ - راجع فتح القدير للشوكاني ج ٢، ص ٢٩٥، وتفسير القرطبي ج ٨، ص ١٨، وتفسير المنار ج ١٠، ص ١٦.
٢ - نفس المصادر السابقة في السند رقم ٣.
٣ - الأحزاب: الآية ٥٦.
٤ - صحيح البخاري كتاب التفسير ج ٦، ص ٢٧ وج ٦، ص ١٢٠، وصحيح مسلم كتاب الصلاة ج ٢ ص ١٦ وج ١ ص ١٧٣، وصحيح الترمذي ج ١، ص ٣٠١، ح ٤٨١ وج ٥ ص ٣٨، وسنن النسائي ج ٣، ص ٤٥ - ٤٩، وسنن ابن ماجة ج ١، ص 292، ح 903 و 904 و 906 وغيرها.
5 - راجع وفيات الأعيان لابن خلكان ج 2، ص 96.
(٢٧)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الأحكام الشرعية (1)، القرآن الكريم (2)، علي بن الحسين بن علي (1)، هشام بن عبد الملك (1)، مالك بن أنس (1)، الشام (1)، الصّلاة (2)، الحج (1)، كتاب سنن إبن ماجة (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)

صفحه 028

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٨
حتي استلمه، فقال رجل من الشام: من هذا؟ فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق الشاعر المعروف في حضرة الخليفة الأموي فقال: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فأجابه الفرزدق شعرا بقصيدة رائعة جاء فيها:
فليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم.
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجي ومعتصم.
إن عد أهل التقي كانوا أئمتهم * أو قيل من هم خير أهل الأرض قيل هم (1).
كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبب النبي (ص) ونسبه.
قال رسول الله (ص): كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فإنها موصولة في الدنيا والآخرة (2).
قيل لخادمة تخدم آل محمد (ص): غطي شعيفاتك فإن محمدا لن يغني عنك من الله شيئا، فأخبرت النبي (ص)، فغضب غضبا شديدا، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: من أنا؟ قالوا أنت رسول الله، قال: نعم، ولكن من أنا؟ فقال الأنصار: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، قال النبي: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينفض التراب عن رأسه ولا فخر، وأول داخلي الجنة ولا فخر، وفي ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ولا فخر، ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع؟! بل تنفع حتي تبلغ (حكم وحاء (3)، إني لأشفع حتي أن من أشفع له ليشفع فيشفع، حتي أن إبليس ليتطاول طمعا بالشفاعة (4).
وقال رسول الله (ص) يوما لأصحابه: ما بال رجال يقولون: رحم رسول الله لا تنفع يوم القيامة؟ والله إن رحمي لموصلة في الدنيا والآخرة (5).
١ - راجع وفيات الأعيان لابن خلكان ج ٦، ص ٩٦، والإمام زين العابدين (ع) للمقرم ص ٢٩٥.
٢ - راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج ٨، ص ٢١٦، وذكره ابن حجر في صواعقه ص ١٣٨، وذكره الطبري في ذخائر العقبي ص ٦، وفيض القدير للمناوي ج ٥، ص ٢٠: وأخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي، وفي ص ٣٥ قال أخرجه ابن عساكر وقال: حديث صحيح.
٣ - من قبائل اليمن الكبيرة.
٤ - راجع ذخائر العقبي للطبري ص ٦، وفضائل الخمسة ج ٢، ص ٧١، وقال أخرجه ابن حكم وحاء من قبائل اليمن.
٥ - راجع كنز العمال ج ١، ص 98 وج 7، ص 42، أخرجه ابن النجار، وذكره المتقي الهندي في ج 7، ص 42: وقال أخرجه أبو داود الطيالسي، وأحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن حميد وغيرهم.
(٢٨)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، يوم القيامة (3)، الشاعر الفرزدق (2)، محمد بن عبد الله (1)، الشام (2)، البول (2)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، أبو داود الطيالسي (1)، كتاب ذخائر العقبي (2)، الطبراني (1)، إبن عساكر (1)، أحمد بن حنبل (1)

صفحه 029

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٩
قال رسول الله (ص): وعدني ربي في أهل بيتي، من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ، أن لا يعذبهم الله (1).
وقال (ص): سألت ربي أن لا يدخل أحدا من أهل بيتي النار فأعطانيها (2).
وقال (ص): اللهم إنهم عترة رسولك فهب مسيئهم لمحسنهم وهبهم لي، قال: ففعل وهو فاعل، قال، قلت: ما فعل؟ قال: فعله بكم ويفعله بمن بعدكم (3).
وقال (ص): إن الله عز وجل قد فطمها] يعني فاطمة (س) [وذريتها عن النار يوم القيامة (4).
وقال (ص): إن الله عز وجل فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار، فلذلك سميت فاطمة (5).
الذرية المباركة.
أعطي الله النبي (ص) بنين فماتوا جميعا وهم أطفال، ورزقه بنات، فتزوجن ومتن، ولم يكن لهن عقب، والبنت الوحيدة التي عاشت للنبي هي فاطمة بنت محمد (ص)، أمر الله نبيه بأن يعلنها سيدة لنساء العالمين (6)، ويعلن بأن رضاها من رضاه، وسخطها من سخطه (7)،
١ - راجع المستدرك علي الصحيحين ج ٣، ص ١٥٠، وذكره ابن حجر في صواعقه ص ١٤٠، وقال: صحيح.
٢ - راجع كنز العمال ج ٦، ص ٢١٥، قال أخرجه أبو القاسم بن بشران في أماليه عن عمران بن حصين، وذكره ابن حجر في صواعقه ص ١١ و ٩٥.
٣ - الصواعق المحرقة ص ١٠٢، قال ونقل القرطبي وغيره عن الذي قال في قوله تعالي:
(ان الله لغفور شكور): غفور الذنوب لآل محمد (ص)، شكور لحسناتهم، وراجع ذخائر العقبي للطبري ص ٢٠.
٤ - ذخائر العقبي للطبري ص ٢٦.
٥ - ذخائر العقبي للطبري ص ٢٦، وقال أخرجه الحافظ الدمشقي.
٦ - الإستيعاب لابن عبد البر المالكي بهامش الإجابة ج ٤، ص ٢٧٧ و ٢٨٤ و ٢٨٥، والإجابة لابن حجر ج ٤، ص ٣٧٨، وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج ٥، ص ٤٣٧، وذخائر العقبي للطبري ص ٤٤.
٧ - راجع حوارها في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١، ص ٥ وما فوق، وراجع صحيح البخاري كتاب بدء الخلق / باب مناقب قرابة الرسول، وكنز العمال ج ٦، ص ٢٢٠، وقال أخرجه ابن شيبة، وفيض القدير للمناوي ج ٤، ص ٤٢١، وصحيح البخاري كتاب النكاح، وصحيح أبي داود ح ١٢، ومسند ابن حنبل ج ٤، ص ٣٢٨، وصحيح مسلم / كتاب فضائل الصحابة، وصحيح الترمذي ج ٢، ص ٣١٩ والمستدرك علي الصحيحين ج ٣، ص ١٥٨، وحلية الأولياء ج ٢، ص ٤٠، وكنز العمال ج ٦، ص 219 وج 8، ص 315، وخصائص النسائي ص 36 …
(٢٩)
مفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (3)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب ذخائر العقبي (3)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن الأثير (1)

صفحه 030

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٠
وتتويجها إلهيا سيدة علي نساء العالمين، يبين بأوضح بيان بأنها قد جمعت كل ما يحتاجه الرجل من المرأة المثلي، وأنها ظاهرة فريدة في تاريخ المرأة، خطبها أبو بكر الخليفة الأول، فرفض رسول الله تزويجها له (1)، وخطبها عمر ورفض النبي تزويجها له أيضا، وقال النبي أنه ينتظر أمر ربه فيها: بمعني أن الله تعالي هو الذي سيختار الزوج لسيدة نساء العالمين، ومن هذه السيدة المباركة ومن زوجها العظيم ستكون الذرية المباركة، وقبل أن يختار الله تعالي زوج السيدة البتول فاطمة، أمر رسوله أن يعلن للمسلمين، بأن الله تعالي قد جعل ذرية كل نبي من صلبه، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب (2)؟!! مثلما أمره الله تعالي بأن يعلن، بأن كل بني أنثي ينتمون إلي عصبتهم إلا ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم وأنا أبوهم (3)، وطالما خاطب النبي (ص) عليا (ع) قائلا: وأما أنت يا علي فأخي وأبو ولدي (4)، وأشار النبي لعلي بقوله: هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدي (5).
وفي يوم مبارك جاءت البشارة إلي رسول الله (ص) فزفها لأصحابه، قائلا بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، بأن الله زوج عليا فاطمة (6)، وطالما ذكر النبي فاطمة بهذه النعمة الإلهية، قائلا: أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك
١ - كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٠٢ و ٣٠٤، ومجمع الزوائد للهيثمي الشافعي ج ٩، ص ٢٠٥ و ٢٠٦ وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ١١٤، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٣٩، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٣٠٦، وأسد الغابة لابن الأثير ج ١، ص ٣٨، وتاريخ بغداد للخطيب ج ١، ص ٣٦٣، والطبقات الكبري لابن سعد ج ٢، ص ٢٤٠، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣، ص ٢٦١ …
٢ - راجع كنز العمال ج ٦، ص ١٥٢، والحديثي، وفيض القدير للمناوي ج ٢، ص ٢٢٣، والصواعق لابن حجر ص ٧٤، وقالوا أخرجه الطبراني عن جابر الخطيب عن ابن عباس، وتاريخ بغداد ج ١، ص ٣٣١٦، وراجع فضائل الخمسة ج ٢، ص ١٨٠ - ١٨١.
٣ - المستدرك علي الصحيحين ج ٣، ص ١٦٤، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ١١، ص ٢٨٥، وكنز العمال ج ٦، ص ٢٢٠، وج ٦، ص ٢١٦، وقال أخرجه الطبراني عن فاطمة، وعن عمر وابن عساكر عن جابر، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩، ص ١٧٢، وقال: رواه الطبراني وأبو يعلي وذخائر العقبي للطبري ص ١٢١، وقال: أخرجه أحمد في المناقب.
٤ - المناقب للخوارزمي الخفي ص ٢٧.
٥ - الغدير للأميني ج ٣ -، ص ١١٩.
٦ - المناقب للخوارزمي ص 246، وفضل الحسين للخوارزمي ج 1، ص 60، وينابيع المودة للقندوزي ص 304، وأسد الغابة لابن الأثير ج 1، ص 206، والصواعق المحرقة لابن حجر.
(٣٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، علي بن أبي طالب (1)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، الزوج، الزواج (4)، الصّلب (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (2)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)، الطبراني (3)، إبن عساكر (1)، مدينة بغداد (1)، الخوارزمي (3)، الإخفاء (1)

صفحه 031

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣١
والآخر بعلك (1)؟، ومثل قوله: … لا يا فاطمة، أما ترضين أن الله عز وجل اطلع إلي أهل الأرض، فاختار رجلين، أحدهما أبوك والآخر بعلك (2)؟.
وليس صدفة أن تحصر ذرية النبي (ص) بولد فاطمة (ع)، وقد أحيطت الأمة علما بذلك، وعلمت علم اليقين بأنه ليس للنبي ولد إلا ولد فاطمة، وطالما ردد النبي بنشوة عارمة وأمام جموع الصحابة: هذا ابني الحسن، (أو) هذا ابني الحسين، وطالما افتخر بأن الله تعالي هو الذي سماهما الحسن والحسين.
الزواج المبارك.
محمد (ص) سيد ولد آدم بلا خلاف، وخيرة الله من خلقه بلا خلاف، وفاطمة سيدة نساء العالمين بلا خلاف، وقد أمر الله نبيه بأن يعلن بأن عليا سيد العرب (3) وسيد المسلمين وامام المتقين (4)، وبعد أن أعلن النبي ذلك أمر الله نبيه بأن يعلن زواج السيدين فاطمة وعلي، وأحيط المسلمون علما بأن الذرية الناتجة من هذين الزوجين المباركين هي ذرية النبي، وهم بنوه، وهم تاج أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فكان أهل بيت النبوة هم خيرة الخيرة، لأنهم اختيارات إلهية متلاحقة، وقد أنعم الله علي الزوجين السعيدين بإمامين عظيمين: هما الحسن والحسين (ع)، واعتبرهما النبي ولديه حقا، فأذن في أذنيهما (5)، وعق عنهما (6)، وعوذهما بما عوذ إبراهيم الخليل ولديه (7)
١ - راجع تراجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١، ص ٢٤٩، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، وكنز العمال ج ١٥، ص ٩٥، والرياض النضرة للطبري ج ٢، ص ٢٤٠.
٢ - راجع المستدرك للحاكم ج ٢، ص ١٢٩، وتاريخ دمشق لابن عساكر / ترجمة علي ج ١، ص ٢٤٩، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٣٠٩، وكنز العمال ج ٦، ص ٣٩١ وج ٥، ص ٩٥، وتاريخ بغداد ج ٤، ص ١٩٥ و ١٩٦.
٣ - ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء ونقله ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٢، ص ٢٥١.
٤ - راجع المعجم الصغير للطبراني ج ٢، ص ٨٨ ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٦٥، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص ١٣٥، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٠٧، ومجمع الزوائد ج ٩، ص ١٢١، وأسد الغابة ج ١، ص ٦٩ وج ٣، ص ١١٦، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢، ص ٢٥٧ وفضائل الخمسة ج ٢، ص ١٠٠ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٨١، والرياض النضرة للطبري ج ٢، ص ٢٢٤، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج ٥، ص ٣٤، وحلية الأولياء ج ١، ص ٦١ وكنز العمال ج ١٥، ص ١٥٧.
٥ - راجع الترمذي ج ١، ص ٢٨٦ والمستدرك علي الصحيحين ج ٣، ص ١٧٩، ومسند أحمد بن حنبل ج ٦، ص ٩ وص ٣٩١ و ٣٩٢، وأبي داود في مسنده ج ٤، ص ١٣٠، وصحيح أبي داود ج ٣٣، ص ٢١٤. ٦ - صحيح النسائي ج ٢، ص ١٨٨، والمستدرك علي الصحيحين ج ٤، ص ٢٣٧، و كنز العمال ج ٧، ص ١٠٧، وقال أخرجه الطبراني وابن عساكر، وصحيح الترمذي ج ١، ص ٢٨٦، وفضائل الخمسة ج ٣، ص ٢١٤.
٧ - صحيح البخاري / كتاب بدء الخلق، وصحيح الترمذي ج ١، ص ٦، وصحيح ابن ماجة في أبواب الطب، وصحيح أبي داود ج ٣٠، ص ١٨٠، ومسند أحمد بن حنبل ج ١، ص ٢٣٦ وص ٢٧٠، وحلية الأولياء ج ٤، ص ٢٩٩، ومشكل الآثار للطحاوي ج ٥، ص ٤٥، وكنز العمال ج ٥، ص ١٩٥، ومجمع الزوائد ج ١، ص 188، وفضائل الخمسة ص 217.
(٣١)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الزوج، الزواج (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (3)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (3)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (5)، كتاب صحيح الترمذي (2)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، الطبراني (1)، إبن المغازلي (1)، إبن عساكر (4)، إبن ماجة (1)، الخوارزمي (1)، دمشق (3)، الطب، الطبابة (1)

صفحه 032

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٢
واعتبرهما عضوين من أعضائه (1)، وريحانتيه من هذه الأمة (2)، وأعلن بأنهما سيدا شباب أهل الجنة (3)، وأنهما سبطا الأمة (4)، وأعلن النبي بكل فخر أنه وولديه الحسن والحسين: خير الناس جدا وجدة وأبا وأما (5)، وإكمالا وإحكاما لحلقته الشرعية انزل الله تعالي آية
١ - مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٦، ص ٣٩٩، وصحيح ابن ماجة ص ٢٨٩ باب تعبير الرؤيا، والمستدرك علي الصحيحين ج ٣، ص ١٧٦، وطبقات ابن سعد ج ٨، ص ٢٠٤، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٣، ص ٢٤٢، والفضائل ص ٢٢٣.
٢ - صحيح البخاري / كتاب الأدب / باب رحة الدالة، وصحيح الترمذي، ج ٢، ص ٣٠٦، ومسند أحمد بن حنبل ج ٢، ص ٨٥ و ٩٣ و ١١٤، وحلية الأولياء ج ٥، ص ٧٠، وخصائص النسائي ص ٣٧، وفتح الباري في شرح البخاري ج ٨، ص ١٠٠، وكنز العمال ج ٦، ص ٢٢٠ و ٢٢١، والمستدرك علي الصحيحين ج ٣، ص ١٦٥، والفضائل ص ٢٢٨.
٣ - صحيح الترمذي ج ٢، ص ٣٠٦ و ٣٠٧، ومسند أحمد بن حنبل ج ٥، ص ٣٩١، وحلية الأولياء علي الصحيحين ج ٤، ص ١٩٠، وأسد الغابة ج ٥، ص ٥٧٤، وكنز العمال ج ٦، ص ٢١٧، وصحيح بن ماجة / باب فضائل أصحاب الرسول، والإصابة لابن حجر ج ١، ص ٢٦٦، وخصائص النسائي ص ٣٤، ومجمع الزوائد ج ٩، ص ١٨٢.
٤ - كنز العمال ج ٣، ص ٨٨ وج ٦، ص ٢٢٢٢١، وقال أخرجه الطبراني وأبو نعيم، وسرقات المفاتيح لسلطان بن علي ج ٥، ص ٨٠٢، وذخائر العقبي للطبري ص ٤٤ وقال: أخرجه الطبراني في معجمه.
٥ - كنز العمال ج ٦، ص ٢٢٢١ وقال أخرجه الطبراني وابن عساكر عن ابن عباس، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩، ص ١٨٤، وقال: أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وذخائر العقبي للطبري ص 130، وراجع فضائل الخمسة ج 3، ص 260 وما فوق.
(٣٢)
مفاتيح البحث: كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (2)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (4)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب صحيح الترمذي (2)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب فتح الباري (1)، الطبراني (4)، إبن عساكر (1)، إبن ماجة (1)، أحمد بن حنبل (1)

صفحه 033

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٣
محكمة، تضمنت بيان ذرية النبي، واستقطب الله سبحانه وتعالي الناس لها، وكان من المتفق عليه حسب التوجيهات الإلهية، أن يلتقي الطرفان المتباهلان، ومع كل طرف أولاده ونساؤه، ثم يبتهلوا فيجعلوا لعنة الله علي الكاذبين. وفي اليوم المخصص للمباهلة، حضر النبي نفسه آخذا بيد علي والحسن والحسين، وكانت فاطمة تمشي خلفهم، فسأل وفد النصاري عن أولئك الذين أحضرهم النبي (ص) معه للمباهلة، فقيل له: علي بن أبي طالب ابن عمه، وزوج ابنته ووالد سبطيه، الحسن والحسين ابنا بنته، أما المرأة التي كانت تمشي خلفهم فهي فاطمة ابنته. فوقعت الهيبة في قلوب وفد النصاري، وامتنعوا عن مباهلة النبي (1).
هذه واقعة أجمعت الأمة الإسلامية علي صحة وقوعها، فهل اختار النبي الأربعة من تلقاء نفسه، أم أن الله تعالي هو الذي أمره باختيارهم؟ … ظروف المباهلة، وسياق الآية، تدل دلالة قاطعة، وبديهي أن تحدي المباهلة أمر إلهي، أنظر لقوله تعالي: (فقل تعالوا … )، ومن
١ - راجع صحيح مسلم / كتاب الفضائل / فضائل علي ج ٢، ص ٣٦٠ وج ١٥، ص ١٧٦ بشرح النووي وصحيح الترمذي ج ٤، ص ٢٩٣، ح ٣٠٨٥، وج ٥، ص ٣٠١، ح ٣٨٠٨، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الخفي ج ١، ص ١٢٠ - ١٢٩، والمستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٢٦٣، ح ٣١٠، ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج ١، ص ١٨٥، وج ٣، ص ٩٧، ح ١٦٠٨، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٥٤ و ٨٥ و ١٤٢، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١، ص ٢١، ح ٣٠ و ٢٧١، وتفسير الطبري ج ٣، ص ٢٩٩ و ٣٠٠، وج ٣، ص ١٩٢، والكشاف للزمخشري ج ١، ص ٣٦٨ و ٣٧٠، وتفسير ابن كثير ج ١، ص ٣٧٠ - ٣٧١، وتفسير القرطبي ج ٤، ص ١٠٤، وأحكام القرآن للجصاص ج ٢، ص ٢٩٥، وقال:
لم يختلفوا فيه … وأحكام القرآن لابن الغربي ج ١، ص ٢٧٥، والتسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج ١، ص ١٠٩، وفتح القدير للشوكاني ج ٢، ص ٦٩٩، وجامع الأصول لابن الأثير ج ٩، ص ٤٧٠، ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ص ١٨، وذخائر العقبي للطبري ص ٢٥، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٧، والدر المنثور للسيوطي ج ٢، ص ٣٨، وتفسير البخاري ج ٢، ص ٢٢، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٦٩، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٧٢، وتفسير الخازن ج ١، ص ٣٠٢، والمناقب للخوارزمي ص ٦٠ - ٩٧، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١١٠، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٤، ص ٢٦، والإصابة لابن حجر ج ٢، ص ٥٠٩، ومشكاة المصابيح للعمري ج ٣، ص ٢٥٤، والبداية والنهاية لابن الأثير ج ٥، ص ٥٤، وتفسير الجلالين للسيوطي ج ١، ص ٣٣، وسفينة النجاة ص ٤٥ - 46 … الخ.
(٣٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (3)، كتاب تفسير الطبري (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، إبن المغازلي (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (2)، أحمد بن حنبل (1)، الخوارزمي (1)، القرآن الكريم (2)، دمشق (1)، الإخفاء (1)

صفحه 034

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٤
البديهي أن نفهم أن اختيار طرف المباهلة المذكور هو اختيار إلهي، ومن قبيل تماسك الأحكام الإلهية وتصديق بعضها، ثم إن ضرب يوم للمباهلة، واستقطاب ذلك الحشد الكبير من الناس، ما هو إلا - في أهم جوانبه - من قبيل إقامة الحجة علي السامعين والمشاهدين ومن بلغ.
والسؤال الذي يدعو للتفكير والتدبير هو: لماذا لم يدع الرسول بقية بناته وأزواجهن؟ ولماذا لم يدع الرسول زعامة قريش التي تصدرت قيادة الأمة؟ ولماذا اقتضت الحكمة أن تكون هذه الحادثة مشهودة من فئات تمثل الديانات السماوية الثلاثة؟ وأول ما يتبادر إلي الذهن - جوابا علي هذه التساؤلات - هو أن الله سبحانه وتعالي يريد أن يميز أهل بيت النبوة عن سواهم، وأن يعرف الناس بصفوة الصفوة، فيحدد النقطة المركزية لدائرة الأمة، وللدائرة العالمية، ويحدد العلم الذي يلتف الناس حوله، تبارك الله الحكيم العليم.
سادة العالم وأئمة الهدي الطاهرون (ع).
الأمة الإسلامية مجمعة علي أن محمدا (ص) هو سيد ولد آدم ورسول الله الذي اختاره، وهي مجمعة علي أن فاطمة البتول هي ابنة النبي، وسيدة نساء العالمين، وأن زوجها هو ابن عم النبي، وفارس الإسلام الأوحد، ورباني هذه الأمة، ووليها ومولاها، وسيد العرب، وسيد المسلمين، بالنص الشرعي، وقد وثقنا ذلك وسنوثقه.
وقد أمر الله نبيه أن يزوج عليا فاطمة ليخرج من هذين الزوجين ذرية النبي المباركة، وحصر الله تعالي ذرية النبي بمن يخرج من هذين الزوجين: لأن الأمة الإسلامية خاصة، والعالم عامة، سيحتاج بالضرورة إلي قائد وحاكم، أو إمام أو مرجع في كل زمان، ومن مصلحة العالم - وبكل المقاييس - أن يقوده الأفضل والأعلم والأطهر والأتقي الذي تأمن الناس بوائقه، وتطمئن إلي نقائه، توفيرا علي الأمة مشقة البحث والعناء والتحري عن بغيتها التي تريد، فأول ما ينبغي علي الأمة المسلمة هو التحري إن كان في ذرية محمد، عمن هو أهل للقيادة أو الإمامة، أو المرجعية: لأن ذرية محمد هي القاسم المشترك بين الجميع، وبالضرورة فيها المؤهل إلهيا لقيادة الأمة، وبيان القرآن الكريم، والإحاطة بمعرفة السنة النبوية الشريفة، ومعرفة الشرع معرفة قائمة علي الجزم واليقين: لأنهم ورثوا علوم النبوة من أبيهم رسول الله (ص)، ونصوص الشرع الحنيف، وما تواتر عن النبي يثبت بما لا يدع مجا للشك، بأن الله تعالي لم يترك الأمر سدي، وإنما أقام للناس في كل زمان علما يهتدون إليه، ومرجعا يدركون الهدي به، والخلاصة أنه في كل زمان من الأزمان يجب أن يتوافر بالضرورة سيد من تلك الذرية المباركة، مؤهل من جميع الوجوه لقيادة العالم.
إن بيت عبد المطلب هو خير البيوت بنص الشرع كما وثقنا، وهو بيت النبي المبارك، والبطن الهاشمي هو خير البطون بنص الشرع، وهو بطن النبي كما هو معروف بالبداهة، فأهل بيت النبوة لا ينبغي بالضرورة أن يخرجوا عن هاتين الدائرتين، فأهل البيت شرعا هم هؤلاء أو
(٣٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، القرآن الكريم (1)، الزوج، الزواج (3)، الضرب (1)، الإختيار، الخيار (2)

صفحه 035

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٥
هم منهم، والمؤكد وبكل الموازين وغالبا هم ذرية مختارة ومباركة، وهب الله مسيئهم لمحسنهم، ووهبهم الله جميعا لرسوله (ص) كما وثقنا، لكن الأحكام الشرعية يجب أن تتسم بالوضوح، وأن تخلو من الغموض حتي يمكن الاستفادة منها ويقوي الناس علي تطبيقها.
فالمعروف أن هاشم هو أبو الهاشميين وسيدهم بلا خلاف، والمعروف أيضا أن عبد المطلب قد آلت إليه السيادة علي الهاشميين بالرضا وبدون إكراه، وقبل الجميع سيادته، والمعروف أيضا أن عمادة البطن الهاشمي قد آلت إلي أبي طالب، فهو عميد الهاشميين وعميد قريش كلها، ومن المسلم به أن رسول الله هو حبيب البطن الهاشمي، فاختار الله فاطمة واختار عليا: وزوجهما، ومن هذين الزوجين المباركين، جعل ذرية النبي وكون صفوة الصفوة أهل بيت النبوة، وأغدق عليهم نعمه وخصهم بفضله، فصار مصطلح أهل البيت كذرية للنبي، وكمركز للقيادة والمرجعية، وكرمز للالتصاق بالنبي يطلق بالدرجة الأولي علي الأربعة علي وفاطمة والحسن والحسين، ونسلهم (1). هذا حسب إعتراف أم سلمة، وعائشة (2)، وطالما أشار الرسول إلي فاطمة وعلي والحسن والحسين (ع)، وقال في أكثر من مناسبة اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (3)، وعندما نزلت آية التطهير أشار النبي إليهم (4)، وعندما نزلت آية المودة في القربي ذكر النبي بهم وأشار إليهم (5)، وعندما جاء جبريل بآية أولي الأمر: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
١ - راجع صحيح الترمذي ج ٥، ص ٣١، ح ٣٢٥٨ وص ٣٢٨، ح ٣٨٧٥، وص ٣٦١، ح ٣٩٦٣.
٢ - راجع صحيح مسلم ج ٢، ص ٣٦٨، وج ١٥، ص ١٩٤، بشرح النووي والمستدرك للحاكم ج ٣، ص ١٤٧، وصححه.
٣ - راجع صحيح مسلم / كتاب الفضائل / باب فضائل علي ج 2، ص 360، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 15، ص 176، والمستدرك علي الصحيحين ج 2، ص 150، و 416، وج 3، ص 146 و 147.
4 - صحيح مسلم / فضائل أهل البيت ج 2، ص 368، وج 15، ص 194 بشرح النووي، وصحيح الترمذي ج 5، ص 30، ح 3258، وج 5، ص 3328، ح 3875، ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1، ص 33، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3، ص 133 و 146 و 147، وج 2، ص 416.
5 - راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 2، ص 130، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 101 و 135 و 136، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 11، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1، ص 314، ح 250.
(٣٥)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الأحكام الشرعية (1)، آية المودة (1)، آية التطهير (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، الزوج، الزواج (1)، الطهارة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (3)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (1)، كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب صحيح مسلم (4)، أحمد بن حنبل (1)، الخوارزمي (1)

صفحه 036

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٦
الرسول وأولي الأمر منكم) (1). بين الرسول أن أهل بيته هم أولي الأمر (2). وعندما نزلت آية: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (3): أشار النبي الكريم إلي هؤلاء الأربعة، مؤكدا بأنهم هم أهل الذكر (4)، وهنالك مئات النصوص الشرعية التي رواها الأجلاء من أهل الملة تصدق ذلك كله.
ما نزل من القرآن الكريم في حق أهل البيت (ع).
شهد الله لأهل بيت النبوة بالأهلية والكفاءة، وكفي بالله شهيدا، وأنزل فيهم الكثير من الآيات، وأمر نبيه أن يبينها للمسلمين، فبينها النبي بيانا واضحا لا لبس فيه ولا غموض، لتكون هذه الآيات معالم علي الطريق، تهدي من أراد الهدي، وترشد من استرشد.
(آية التطهير).
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (5)، وأهل بيت النبوة كما ذكرنا، هم عترة النبي وأقاربه، وتاج العترة، والناصية، هم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -، وهم أول المعنيين بآية التطهير (6).
١ - سورة النساء، آية ٥٩.
٢ - ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٣٤ و ١٣٧، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ١، ص ١٤٨، ح ٢٠٢ - ٢٠٤، وتفسير الطبري ج ٣، ص ٣٥٧، وفرائد السمطين للحمويني الشافعي ج ١، ص ٣١٤، ح ٢٥٠.
٣ - سورة النحل، آية ٤٣.
٤ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ١، ص ٣٣٤، حديث ٤٥٩ و ٤٦٠ و ٤٦٣ - ٤٦٦، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج ١٥، ص ١٤٠، وتفسير القرطبي ج ١١، ص ٣٧٢، وتفسير الطبري ج ١٤، ص ١٠٩، وتفسير ابن كثير ج ٢، ص ٥٧٠، وروح المعاني للآلوسي ج ٤، ص ١٣٤.
٥ - سورة الأحزاب، آية ٣٣.
٦ - صحيح مسلم كتاب الفضائل / باب فضائل أهل البيت ج ٢، ص ٣٦٨، وج ١٥، ص ١٩٤ بشرح النووي وصحيح الترمذي ج ٥، ص ٣٠، ح ٣٢٥٨ وج ٥، ص ٣٢٨ ح ٣٨٧٥، ومسند أحمد بن حنبل ج ١، ص ٣٣٠ بسند صحيح، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ٣، ص ١٣٣ و ١٤٦ و ١٤٧ و ١٥٨ وج ٢، ص ٤١٦، وتلخيص الذهبي بعين المستدرك علي نفس الضمان، والمعجم الصغير للطبراني ج ١، ص ٦٥، ١٣٥، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ٢، ص ١١ - ٩٢، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١، ص ١٨٥، ٢٥٠، ٢٧٢، ٣٢٠، ٣٢١، ٣٢٢، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٢، ص ١٢ و ٢٠، وج ٣، ص ٤١٣، وج ٥، ص ٥٢١، ٥٨٩، وذخائر العقبي للطبري ص ٢١، ٢٣، ٢٤، وتفسير الطبري ج ٢٢، ص ٦ - ٨، والدر المنثور للسيوطي ج ٥، ص ١٩٩، وأحكام القرآن للجصاص ج ٥، ص ٢٣٠، وتفسير الكشاف للزمخشري ج ١، ص ١٩٣، وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢، ص ١٦٦، وتفسير القرطبي ج ١٤، ص ١٨٢، والإصابة لابن حجر ج ٢، ص ٥٠٢، وج ٤، ص ٣٩٧، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج ٤، ص ٣١١، والاستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج ٣، ص 37، وينابيع المودة، ص 107 وما فوق … الخ.
(٣٦)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، آية التطهير (3)، القرآن الكريم (3)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (3)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (2)، كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب تفسير الطبري (2)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب ينابيع المودة (3)، كتاب فرائد السمطين (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (1)، سورة الأحزاب (1)، سورة النساء (1)، سورة النحل (1)، دمشق (1)

صفحه 037

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٧
وقال الرسول (ص) مشيرا إلي علي وفاطمة والحسن والحسين (ع): اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإلي هذا المعني أشار الرسول في مناسبات متعددة وبصيغ متعددة، ولكنها تفصح جميعا عن ذات المضمون (1).
شهادة أم سلمة.
شهدت أم سلمة زوجة رسول الله واقعة إعلان الرسول بأن الخمسة هم أهل البيت الذين عنتهم آية التطهير، وعندما أرادت أم سلمة أن تدخل نفسها معهم، بين لها الرسول بأنها علي خير، ولكنها ليست منهم (2).
شهادة عائشة بنت أبي بكر.
ذكرت عائشة أن الرسول (ص) قد بين بأن المراد بأهل البيت الوارد ذكرهم في آية التطهير،
١ - راجع صحيح الترمذي ج ٥، ص ٣١، ح ٣٢٥٨ وص ٣٢٨، ح ٣٨٧٥ وص ٣٦١، ح ٣٩٦٣، وصحيح مسلم / كتاب الفضائل / فضائل علي ج ٢، ص ٣٦٠، وج ١٥، ص ١٧٦ لشرح النووي، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٤، ١٦ والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ٢، ص ١٥٠، ٤١٦، وج ٣، ص ١٠٨، ١٤٦، ١٤٧، ١٥٠ - ١٥٨، وتلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك نفس الصفحات، وذخائر العقبي للطبري ص ٢٣، ٢٤، مسند أحمد بن حنبل ج ١، ص ٨٥، ج ٣، ص ٥٩، ٢٨٥، ج ٦، ص ٢٩٨، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٣، ص ١٢، وج ٣، ص ٤١٣، وج ٤، ص ٢٦، ٢٩، والتاريخ الكبير للبخاري ج ١، ق ٢، ص ٦٩ تحت رقم ١٧١٩ و ٢١٧٤، والدر المنثور للسيوطي ج ٥، ص ١٩٨ - ١٩٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١، ص ٧٥، والمراجع السابقة.
٢ - صحيح الترمذي ج ٥، ص ٣١، ح ٣٢٥٨، وص ٣٢٨، ح ٣٨٧٥، وص ٣٦١، ح ٣٩٦٣، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ٢، ص ٢٤، حديث ٦٥٩ وما فوق، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي، ص ٣٠٣، ح ٣٤٧ و ٣٤٩، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٨، وتفسير ابن كثير ج ٣، ص ٣٣٠، وذخائر العقبي للطبري ص 21، 22، وأسد الغابة لابن الأثير ج 2، ص 12، وج 3، ص 413، وتفسير الطبري ج 2، ص 7، 8، وفتح القدير للشوكاني ج 4، ص 279، والرياض النضرة للطبري.
(٣٧)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، آية التطهير (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (3)، عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي (ص) (1)، الطهارة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (2)، كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي (1)، كتاب صحيح الترمذي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب تفسير الطبري (1)، كتاب ذخائر العقبي (2)

صفحه 038

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٨
هم علي وفاطمة والحسن والحسين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - (1).
بيان الرسول العملي للآية الشريفة.
طوال مدة ستة أشهر كان الرسول (ص) يمر بباب علي وفاطمة إذا خرج إلي الصلاة، ويقول:
الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (2) (آية المودة في القربي).
قال تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) (3) فالقربي المعنية بهذه الآية هي قرابة الرسول، وعلي رأسهم علي وفاطمة والحسن والحسين - عليهم السلام - (4).
١ - راجع صحيح مسلم / كتاب الفضائل / باب فضائل أهل البيت ج ٢، ص ٣٦٨، وج ١٥، ص ١٩٤ بشرح النووي، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ٢، ص ٣٣ وما فوق، وقد اعترفت السيدة عائشة بأن نساء النبي لسن من أهل البيت، والمستدرك للحاكم ج ٣، ص ١٤٧ وصححه، وتلخيص المستدرك بذيل المستدرك للذهبي والدر المنثور للسيوطي ج ٥، ص ١٩٨ - ١٩٩، وفتح القدير للشوكاني ج ٢، ص ٢٧٩ وذخائر العقبي للطبري ص ٢٤.
٢ - راجع صحيح الترمذي ج ٥، ص ٣١، ح ٣٢٥٩، وشواهد التنزيل للحسكاني ج ٢، ص ١١، حديث ٦٣٧ وما فوق، والدر المنثور للسيوطي ج ٥، ص ١٩٩، وتفسير الطبري ج ٢٢، ص ٦، ومجمع الزوائد للهيثمي الشافعي ج ٩، ص ٦٨، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٥، ص ٥٢١، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٢، ص ١٠٤، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٨، وتفسير ابن كثير ج ٣، ص ٤٨٣، ص ٤٨٤، والمستدرك للحاكم ج ٣، ص ١٥٨ وصححه، وتلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٥، ص ٩٦، وينابيع المودة ص ١٩٣.
٣ - سورة الشوري / آية ٢٣.
٤ - راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ٢، ص ١٣٠، حديث ٨٢٢ وما فوق، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٣٠٧، ح ٣٥٢، وذخائر العقبي للطبري ص ٢٥، ١٣٨، والصواعق لابن حجر ص ١٠١، ١٣٥، ١٣٦، ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ص ٨، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١١، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١، ص ١، ٥٧، وتفسير الطبري ج ٢، ص ٢٥، والمستدرك للحاكم ج ٣، ص ١٧٢، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٠، وتلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ج ٣، ص ١٧٢، وتفسير الكشاف للزمخشري ج ٣، ص ٤٠٣، وتفسير الفخر الرازي ج ٢٧، ص ١٦٦، وتفسير البيضاوي ج ٤، ص ١٢٣، وتفسير القرطبي ج ١٦، ص ٢٢، وفتح القدير للشوكاني ج ٤، ص ٥٣٧ والدر المنثور للسيوطي ج ٦، ص ٧، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٠٦، وحلية الأولياء ج ٣، ص ٢٠١، والغدير للأميني ج ٢، ص ٣٠٦ - ٣١١، وفضائل الخمسة ج ١، ص ٢٥٩، وعقبات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1، ص 285.
(٣٨)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، آية المودة (1)، آية التطهير (1)، المودة في القربي (1)، الصّلاة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (3)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (2)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (3)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، حديث الثقلين (1)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (4)، كتاب تفسير الطبري (2)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب ذخائر العقبي (2)، إبن المغازلي (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، سورة الشوري (1)، أحمد بن حنبل (1)، الموت (1)

صفحه 039

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٣٩
(آية المباهلة).
قال تعالي: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) (1).
لقد أجمعت الأمة علي أن رسول الله عندما خرج للمباهلة، خرج ومعه علي والحسن والحسين وخلفهم فاطمة - عليهم السلام -، وأنه لم يشرك بهذه المباهلة أحدا من المسلمين سواهم (2) لذلك فإن هذه الآية من الآيات النازلة في أهل بيت النبوة الكرام والخاصة بهم.
آية الإطعام.
قال تعالي: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) … إلي قوله تعالي: (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) (3).
١ - سورة آل عمران، آية ٦١.
٢ - راجع صحيح مسلم / كتاب الفضائل / باب علي ج ٢، ص ٣٦٠، وج ١٥، ص ١٧٦ بشرح النووي وصحيح الترمذي ج ٤، ص ٢٩٣، ح ٣٠٨٥، وج ٥، ص ٣٠١، ح ٣٨٠٨، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ١٢٠ - ١٢٩، والمستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ٣، ص ١٥٠ وصححه، ومعرفة علوم الحديث للحاكم وذكره في النوع ١٧، وقد توارثت الأخبار بأن رسول الله قد أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال: هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا … راجع مسند أحمد بن حنبل ج ١، ص ١٨٥، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١، ص ٢١: وتفسير الطبري ج ٣، ص ٢٩٩ - ٣٠١ وج ٣، ص ١٩٢:
وتفسير الكشاف للزمخشري ج ١، ص ٣٦٨ - ٣٧٠: وتفسير ابن كثير ج ١، ص ٣٧٠ - ٣٧١، وتفسير القرطبي ج ٤، ص ١٠٤، وأحكام القرآن للجصاص ج ٢، ص ٢٩٥ - ٢٩٦: وأحكام القرآن لابن العربي ج ١، ص ٢٧٥: وزاد المسير لابن الجوزي ج ١، ص ٣٩٩: وفتح القدير للشوكاني ج ١، ص ٢٤٧: وتفسير الفخر الرازي، ج ٢، ص ٦٩٩: وجامع الأصول لابن الأثير ج ٩، ص ٤٧٠: والدر المنثور للسيوطي، ج ٢، ص ٣٨ - ٣٩: وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٧:
وتفسير البيضاوي ج ٢، ص 22: وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 169: وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16، ص 291.
3 - سورة الدهر، آية 5 - 22.
(٣٩)
مفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، آية المباهلة (1)، الكرم، الكرامة (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي (1)، كتاب صحيح الترمذي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب تفسير الطبري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (1)، سورة الإنسان (الدهر) (1)، سورة آل عمران (1)، القرآن الكريم (2)، دمشق (1)

صفحه 040

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٠
هذه الآيات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (ع)، بمناسبة صيامهم ثلاثة أيام، وتصدقهم بفطورهم خلال الأيام الثلاثة علي المسكين واليتيم والأسير (1).
آية أولي الأمر.
قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (2).
ولما سئل رسول الله (ص) من هم أولي الأمر؟، أجاب (ص): بأنهم أهل بيت النبوة وعلي رأسهم الأئمة علي، والحسن والحسين (ع) (3) فهذه الآية من الآيات النازلة بأهل البيت.
آية أهل الذكر.
قال تعالي: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (4).
ولما سئل رسول الله (ص) عن أهل الذكر، قال: إنهم أهل بيت النبوة وعلي رأسهم الأئمة علي والحسن والحسين (ع) (5).
آية الإنذار.
قوله تعالي: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (6)، وهذه الآية من الآيات النازلة فيهم أيضا (7).
١ - راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ١٥٩، ح ٣٥٠ - ٣٥٦ وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٣٦: وترجمة الأمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ٤٢١ ح ٩٢٣:
وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص ١٦: والمناقب للخوارزمي الحنفي ص ١٩٨: ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٩١: وفتح القدير للشوكاني ج ٢، ص ٤١٤: والصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٥٠: وينابيع المودة للقندوزي ص ١٣٦ و ١٤٠: والدر المنثور للسيوطي ج ٣، ص ٣٩٠: والغدير للأميني ج ٢، ص ٣٠٥: وروح المعاني للآلوسي ج ١١، ص ٤١:
وغاية المرام باب ٤٢، ص ٢٤٨: وفرائد السمطين للحمونيي ج ١، ص ٣١٤، ح ٢٥٠، وص ٢٧٠ ح ٢٩٩ - ٣٠٠.
٢ - سورة النساء، آية ٥٩.
٣ - راجع ينابيع المودة للقندوزي ص ١٣٤ و ١٣٧: وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ١٤٨ ح ٢٠٢ - ٢٠٤: وتفسير الرازي ج ٣، ص ٣٥٧، وإحقاق الحق للتستري ج ٣، ص ٤٢٤:
وفرائد السمطين ج ١، ص ٣١٤، ح ٢٥٠.
٤ - سورة النمل، آية ٤٣.
٥ - راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ٣٣٤ ح ٤٥٩ - ٤٦٦، وينابيع المودة للقندوزي ص ٥١، ص ١٤٠: وتفسير القرطبي ج ١١، ص ٢٧٢، وتفسير الطبري ج ١٤، ص ١٠٥:
وتفسير ابن كثير ج ٢، ص ٥٧٠: وروح المعاني للآلوسي ج ١٤، ص ١٣٤.
٦ - سورة الشعراء، آية ٢١٤.
٧ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ٣٧٢، ح ٥١٤: وتفسير الطبري ج ١٩، ص ٧٤:
وتاريخ الطبري ج ٢، ٣١٩: ومسند أحمد بن حنبل ج ١، ص ١١١: وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٣٨: وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٣، ص ٢١٠: والكامل لابن الأثير ج ٢، ص ٦٢:
وتاريخ أبي الفداء ج ١، ص ١١٩: والدر المنثور للسيوطي ج ٥، ص ٧٩: وتفسير ابن كثير ج ٣، ص ٣٥١: وكنز العمال ج ١٥، ص 113: وتفسير الخازن ج 3، ص 371.
(٤٠)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، حديث الدار (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، آية الإنذار (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (4)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب تفسير ابن كثير (2)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (3)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب تفسير الطبري (2)، كتاب ينابيع المودة (3)، كتاب فرائد السمطين (2)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، إبن عساكر (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، سورة الشعراء (1)، سورة النساء (1)، سورة النمل (1)، الخوارزمي (1)، دمشق (1)

صفحه 041

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤١
آية القربي.
قوله تعالي: (وآت ذا القربي حقه) (1)، فالقربي هنا هم فاطمة (س) وزوجها وأولادها (2).
آية الفئ.
قوله تعالي: (ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي) (3)، فذي القربي هنا قرباه صلي الله عليه وآله وسلم (4).
آية الخمس.
قوله تعالي: (واعلموا أما غنمتم من شئ فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربي) (5)، هذه الآية نزلت في قرابته صلي الله عليه وآله وسلم (6).
سلام علي آل ياسين.
قوله تعالي: (سلام علي آل ياسين) (7)، فآل ياسين هنا هم آل محمد (ص) ().
آية الوراثة.
قوله تعالي: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم
١ - سورة الإسراء، آية ٢٦.
٢ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ٢، ص ٣٣٨: والدر المنثور للسيوطي ج ٤، ص ١٧٧:
ومجمع الزوائد ج ٧، ص ٤٩: وتفسير الطبري، ج ١٥، ص ٧٢: وينابيع المودة ص ٤٩، ١٤٠.
٣ - سورة الحشر، آية ٧.
٤ - شواهد التنزيل للحسكاني ج ١، ص ٢١٨: وتفسير الطبري ج ١٠، ص ٥: وينابيع المودة ص ٥٠.
٥ - سورة الأنفال، آية ٤.
٦ - راجع علي سبيل المثال شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ٢١٨: وتفسير الطبري ج ١٠، ص ٥: وينابيع المودة للقندوزي ص ٥٠.
٧ - سورة الصافات، آية ١٣٠.
٨ - راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ٢، ص ١٠٩ وما فوق، ونظم درر السمطين للزرندي ص ٩٤: ومجمع الزوائد ج ٩، ص ١٧٤: وتفسير الفخر الرازي ج ٢٦، ص ١٦٢: وتفسير القرطبي ج ١٥، ص ١١٩: وتفسير ابن كثير ج ٤، ص 40: والصواعق لابن حجر ص 146: والدر المنثور للسيوطي ج 5، ص 286: وفتح القدير للشوكاني ج 4، ص 412 …
(٤١)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الظلم (1)، الخمس (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (4)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب نظم درر السمطين للزرندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب تفسير الطبري (3)، كتاب ينابيع المودة (3)، سورة الأنفال (1)، سورة الصافات (1)، سورة الإسراء (1)، سورة الحشر (1)

صفحه 042

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٢
مقتصد … ) (1).
إذن أهل البيت من الذين أورثهم الله الكتاب، وخيارهم من السابقيين (2).
المحسودون.
قال تعالي: (أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله … ) (3) المحسودون هم أهل بيت النبوة (4).
آية الأعراف.
قوله تعالي: (وعلي الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) (5).
فالرجال هم علي، وجعفر، وحمزة، والعباس، يعرفون محبيهم ومبغضيهم (6).
الصادقون.
قوله تعالي: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) (7).
فحمزة، وعبيد الله، استشهدا، وعلي ينتظر (8).
١ - سورة فاطر، آية ٣٢.
٢ - راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٢٥، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٣١ و ينابيع المودة للقندوزي ص ١٢٦ و ٢٨٦.
٣ - سورة النساء، آية ٥٤.
٤ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ١٤٣ ح ١٩٥ - ١٩٨: ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٤٦٧، ح ٣١٤: وينابيع المودة للقندوزي ص ١٤٢ و ٣٢١ و ٣٥٧:
والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٥٠: ونور الإبصار للشبلنجي ص ١٠٢ و ١٠١ وإسعاف الراغبين للصبان الشافعي بهامش نور الأبصار ص ١٠٨: والإتحاف بحب الأشراف ص ٧٦، والغدير للأميني ج ٣، ص ٦١.
٥ - سورة الأعراف، آية ٤٦.
٦ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ١٩٨، ح ٢٥٦ - ٢٥٨: وينابيع المودة للقندوزي ص ١١٨ - ١١٩: والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٠١: وتفسير القرطبي ج ٧، ص ٢١٢: وفتح القدير للشوكاني ج ٢، ص ٣٠٨: وفضائل الخمسة ج ١، ص ٢٨٦.
٧ - سورة الأحزاب، آية ٢٣.
٨ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ٢، ص ١ ح ٦٢٧ - ٦٢٨: وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٩: وينابيع المودة ٩٦: والمناقب للخوارزمي ص 197: وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 17: والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 116: والصواعق المحرقة لابن حجر ص 80: وتفسير الخازن ج 5، ص 207.
(٤٢)
مفاتيح البحث: كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (3)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (2)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (3)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب ينابيع المودة (4)، كتاب الصواعق المحرقة (4)، سورة الأعراف (1)، سورة الأحزاب (1)، سورة النساء (1)، سورة فاطر (1)، الخوارزمي (1)

صفحه 043

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٣
نماذج من الآيات النازلة في علي بن أبي طالب خاصة.
قوله تعالي: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) (1).
فمحمد (ص) جاء بالصدق، وعلي (ع) صدق به (2).
(والذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (3).
هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب (ع) (4).
قوله تعالي: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوي نزلا بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها … ) (5).
فالمؤمن هو علي بن أبي طالب، والفاسق هو الوليد بن عقبة، والي الكوفة فيما بعد (6).
١ - سورة الزمر، آية ٣٣.
٢ - راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ٢، ص ١٢٠، ح ٨١٠ و ٨١١ و ٨١٢ - ٨١٥:
ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٣٦٩، ح ٣١٧: وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٣٣: والدر المنثور للسيوطي ج ٥، ص ٣٢٨: وتفسير القرطبي ج ١٥، ص ٦: وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢، ص ٤١٨، ح ٩١٧، ٩١٨: وإحقاق الحق للتستري ج ٣، ص ١٧٧.
٣ - سورة البقرة، آية ٢٧٤.
٤ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ١٠٩، ح ١٥٥ - ١٦٣: ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٢٣٢: وأسباب التنزيل للواقدي ص ٥٠: والكشاف للزمخشري ج ١، ص ٣١٩: وذخائر العقبي للطبري ص ٨٨: وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٤: ونور الأبصار للشبلنجي ص ٧١: وتفسير الفخر الرازي ج ٧، ص ٣٢٦: وتفسير القرطبي ج ٣، ص ٣٤٧: وتفسير ابن كثير ج ١، ص ٣٢٦: وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ١، ص ٢١، ح ١٣، ص ٢٧٦: ومجمع الزوائد ج ٦، ص ٣٢٤: والدر المنثور للسيوطي ج ١، ص ٢٩٤: والمناقب للخوارزمي، ص ١٩٨:
ونظم درر السمطين للزرندي ص ٩٠: وأسد الغابة لابن الأثير ج ٤، ص ٢٥: وتفسير الخازن ج ١، ص ٢٤٩: ومعالم التنزيل للبغوي ج ١، ص ٢٤٩: بهامش تفسير الخازن.
٥ - سورة السجدة، آية ١٨ - ٢٠.
٦ - راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ٤٤٥ و ٤٥٣، ح ٦١٠ - ٦٢٦، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٣٢٤ ح ٣٧٠، ٣٧١: وتفسير الطبري ج ٢١ ص ١٠٧: والكشاف للزمخشري ج ٣، ص ٥٤١: وتفسير القرطبي ج ١٤، ص ١٠٥: وفتح القدير للشوكاني ج ٤، ص ٢٥٥: وتفسير ابن كثير ج ٣، ص ٤٦٢: وأسباب النزول للواقدي ص ٢٠٠: وأسباب النزول للسيوطي بهامش تفسير الجلالين ص ٥٥٠: وأحكام القرآن لابن العربي ج ٣، ص ١٤٨٩: وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٤، ص ٨٠ وج ٦، ص ٢٩٢ وج ١٧، ص ٢٣٨: وذخائر العقبي للطبري ص ٨٨: والمناقب للخوارزمي ص ١٩٧: ونظم درر السمطين للزرندي ص ٢٠٧: وزاد المسير لابن الجوزي الحنبلي ج ٦، ص ٢٠٧: ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ص ٢٠: وينابيع المودة للقندوزي ص ٢٥٠: وزاد المسير لابن الجوزي الحنبلي ج / ٦، ص ٣٤٠: وأنساب الأشراف للبلاذري ج 2، ص 148.
(٤٣)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة الكوفة (1)، علي بن أبي طالب (2)، الوليد بن عقبة (1)، التصديق (1)، الخوف (1)، الصدق (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (3)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب نظم درر السمطين للزرندي (2)، كتاب تفسير الجلالين للمحلي، السيوطي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (3)، كتاب تفسير الطبري (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب ذخائر العقبي (2)، إبن المغازلي (2)، الزمخشري (1)، إبن عساكر (1)، سورة البقرة (1)، سورة السجدة (1)، سورة الزمر (1)، الخوارزمي (2)، القرآن الكريم (1)، دمشق (1)

صفحه 044

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٤
قوله تعالي: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد) (1).
نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب يوم نام علي فراش الرسول ليلة هجرته ليوهم المشركين: بأن النائم هو الرسول (ص) (2).
قال تعالي (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) (3).
لما نزلت هذه الآية قال الرسول لعلي يا علي (ع) هم أنت وشيعتك (4).
قوله تعالي: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (5).
عندما نزلت هذه الآية قال الرسول: أنا المنذر وعلي الهاد (6).
١ - سورة البقرة، آية ٢٠٧.
٢ - شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١، ص ٩٦، ح ١٣٣ - ١٤١: والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ج ٣١، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٣٥ و ٢٠٠: ونور الأبصار للشبلنجي ص ٧٨: وينابيع المودة للقندوزي ص ٩٢: وتفسير الفخر الرازي ج ٥، ص ٢٢٣: وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣، ص ٢٦٢: والسيرة الحلبية ج ١، ص ٣٠٦.
٣ - سورة البينة، آية ٧.
٤ - راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ٢، ص ٣٥٦ - ٦٦ ح ١١٢٥ - ١١٤٨: وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٤ و ٢٤٥ و ٢٤٦: والمناقب للخوارزمي ص ٦٢ و ١٨٧: والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٠٧: ونظم درر السمطين للزرندي ص ٩٢: وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢، ص ٤٤٢، ح ٩٥١: وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٦٢:
ونور الأبصار ص ٧١، ١٠٢: والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩٦: والدر المنثور للسيوطي ج ٦، ص ٣٧٩: وتفسير الطبري ج ٣، ص ١٤٦: وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١٨: وفتح القدير للشوكاني ج ٥، ص ٤٧٧: وروح المعاني ج ٣٠، ص ٢٠٧: والغدير للأميني ج ٢، ص ٥٧:
وفضائل الخمسة ج ١، ص ٢٧٨: وغاية المرام باب ٢٨ من المقصد الثاني ص ٣٢٨: وفرائد السمطين ج ١، ص ١٥٦: وسبيل النجاة ص ٦٢ - ٦٣.
٥ - سورة الرعد، آية ٦.
٦ - المستدرك علي الصحيحين ج ٣، ص ١٢٩، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد: وكنز العمال ج ١، ص ٢٥١: وقال: أخرجه ابن حاتم وذكره الهيثمي في مجمعه ج ٧، ص ٤١: وقال: والهادي رجل من بني هاشم وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، والطبراني في الصغير والأوسط، والدر المنثور للسيوطي تفسير سورة الرعد، وقال: أخرجه ابن مردويه وابن عساكر: وتفسير الطبري ج ١٣، ص ٧٢: والفخر الرازي، وكنز العمال ج ٦، ص 157 وقال:
أخرجه الديلمي، والمناوي في كنوز الحقائق ص 42: وفضائل الخمسة ج 1، ص 313 - 314.
(٤٤)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، علي بن أبي طالب (1)، النوم (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (2)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (2)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (2)، كتاب نظم درر السمطين للزرندي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب تفسير الطبري (2)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، الطبراني (1)، إبن عساكر (1)، عبد الله بن أحمد (1)، سورة البينة (1)، بنو هاشم (1)، سورة البقرة (1)، سورة الرعد (2)، الخوارزمي (1)، دمشق (1)

صفحه 045

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٥
قال ابن عباس: وما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد (ص) في غير مكان من كتابه العزيز، وما ذكر عليا إلا بخير (1).
وقال ابن عباس: نزل في علي ثلاثمئة آية من كتاب الله عز وجل (2).
وقال ابن عباس: وما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي (3).
بعد أن بين الرسول (ص) مكانة أهل بيت النبوة وصدارتهم، وألزم المسلمين بحبهم، وحذرهم من مغبة بغضهم أعلن: بأن فئة معينة من أهل بيت النبوة قد اختارها الله سبحانه وتعالي: لتكون سادة لأهل الجنة فقال: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا وعلي، وجعفر، وحمزة، والحسن، والحسين، والمهدي (4)
١ - الصواعق المحرقة ص ١٢٥: وشواهد التنزيل ج ١، ص ٤٩، ح ٧٠ - ٨٢: وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢، ص ٤٣٠، ح ٩٣٢: وذخائر العقبي للطبري، ص ٨٩، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ١٤٠: ونظم درر السمطين للزرندي ص ٨٩: ونور الأبصار للشبلنجي ص ٧٣: وينابيع المودة للقندوزي ص ١٢٦: وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧١:
ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩، ص ١١٢: وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٤٥:
والرياض النضرة للطبري ج ٢، ص ٢٧٤: والمنتخب بهامش مسند الإمام أحمد بن حنبل ص ٣٨.
٢ - ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢، ص ٣١، ح ٩٣٤: وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٣١: وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٢: ونور الأبصار ص ٧٣: وينابيع المودة ص ١٢٦ و ٢٨٦: والصواعق المحرقة ص ١٢٥ والسيرة الحلبية ج ٢، ص 3.
3 - ترجمة علي من تاريخ دمشق، لابن عساكر ج 2، ص 430، ح 933: وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 1، ص 39، ح 49 و 53: وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 171: والصواعق لابن حجر ص 125: ونور الأبصار ص 73، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 160.
4 - راجع المستدرك علي الصحيحين ج 3، ص 211: وقال: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم، والرياض النضرة للطبري ج 2، ص 209: وقال: أخرجه ابن السري، وراجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص 96، وقال: أخرجه الديكي، وفي ص 140 قال: رواه ابن السدي والديلمي في مسنده: وراجع صحيح ابن ماجة ص 309 / باب خروج المهدي.
(٤٥)
مفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (3)، العزّة (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (2)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (2)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (5)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب نظم درر السمطين للزرندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (3)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (3)، إبن عساكر (3)، إبن ماجة (1)، أحمد بن حنبل (1)، دمشق (3)

صفحه 046

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٦
وقال أيضا: نحن سبعة من بني عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا، وعلي أخي، وعمي حمزة، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي (1).
قال الرسول (ص): من مات علي حب آل محمد (ص) مات شهيدا، ألا ومن مات علي حب آل محمد (ص) مات مغفورا له، ألا ومن مات علي حب آل محمد (ص) مات تائبا، ألا ومن مات علي حب آل محمد (ص) مات مؤمنا مستكمل الايمان، ألا ومن مات علي حب آل محمد (ص) بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات علي حب آل محمد (ص) زف إلي الجنة كما تزف العروس إلي بيت زوجها، ألا ومن مات علي حب آل محمد (ص) جعل الله قبره مزارا لملائكة الرحمن، ألا ومن مات علي حب آل محمد (ص) مات علي السنة والجماعة، ألا ومن مات علي بغض آل محمد (ص) جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات علي بغض آل محمد (ص) مات كافرا، ألا ومن مات علي بغض آل محمد (ص) لم يشم رائحة الجنة (2).
قال الزمخشري بعد ما ساق الحديث ما يلي: آل محمد هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمره إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم لنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل (3).
قال الحسن بن علي (ع): إلزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبد عمله إلا بمعرفة حقنا (4).
وعن الحسين بن علي (ع) قال: من أحبنا للدنيا فإن صاحب الدنيا يحبه البر والفاجر، ومن أحبنا لله كنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطي (5).
وقال صلي الله عليه وآله وسلم: يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي، كهاتين السبابتين (6).
١ - راجع تاريخ بغداد ج ٩، ص ٤٣٤: وفضائل الخمسة ج ٣، ص ١٣٨.
٢ - راجع تفسير الكشاف للزمخشري في تفسير قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) سورة الشوري، آية ٢٣.
٣ - نفس المرجع.
٤ - راجع مجمع الزوائد ج ٩، ص ١٧٢: وقال رواه الطبراني في الأوسط.
٥ - راجع مجمع الزوائد ج ١، ص ٨١: وقال رواه الطبراني.
٦ - راجع ذخائر العقبي للطبري ص ١٨: وقال أخرجه الملا في سيرته، وكنز العمال ج ٦ ص ٢١٧: وقال أخرجه الديلمي.
(٤٦)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (10)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، يوم القيامة (2)، الزمخشري (1)، الموت (17)، الزوج، الزواج (1)، الأكل (1)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، الطبراني (2)، المودة في القربي (1)، سورة الشوري (1)

صفحه 047

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٧
وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: أثبتكم علي الصراط أشدكم حبا لأهل بيتي (1).
قال جابر بن عبد الله الأنصاري (رض): قال رسول الله (ص): لا يحبنا أهل بيت النبوة إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي (2).
خرج رسول الله مغضبا حتي استوي علي المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: ما بال رجال يؤذونني في أهل بيتي؟ والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتي يحبني، ولا يحبني حتي يحب ذريتي (3).
وروي ابن مسعود أن حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة (4).
أحاديث فيمن يبغض أهل بيت النبوة (ع).
الذين يكرهون رسول الله ويبغضونه، هم مجرمون كفرة: لأن محبة الرسول هي محبة لله، وكراهيته هي كراهية لله عز وجل، لقد أعلن رسول الله (ص) هذه القاعدة بكل وسائل الإعلان، وبينها بكل طرق البيان، وحذر رسول الله من مغبة ارتكاب جريمة كره رسول الله وبغضه، لأنها تحبط العمل، وتجلب لمن يرتكبها مقت الله وسخطه وغضبه، وكراهية رسول الله (ص) وبغضه لا يجتمعان مع الإسلام، فإذا ثبت بغض الانسان وكراهيته لرسول الله: فقد انخلع من دين الله، وقطع كل الخيوط التي تربطه بالإسلام، وحشر نفسه مع الصف المعادي لله ولرسوله، ومن يعادي الله ورسوله فقد خسر الدنيا والآخرة.
كانت هذه القناعات معلومة بالضرورة علم اليقين، ومفهومة لكل مسلم ومسلمة، وقد وعي اليهود والنصاري والمشركون الذين عاصروا النبي (ص) هذه القناعات، وعاشوا في الجزيرة أثناء فترة عهد النبوة المباركة.
وبعد أن تيقن رسول الله (ص) بأن هذه القناعات قد استقرت في أذهان الجميع، بدأ يصدع بما أمره الله سبحانه، فأعلن وبكل وسائل الإعلان بأن بغض أهل بيت النبوة - مجتمعين أو منفردين - هو بغض لرسول الله، وأن بغض رسول الله هو بغض لله، والمبغض لله غير مسلم من حيث المآل، بل هو عدو لله، آيس من رحمته، وهكذا أوجب الله علي عباده المسلمين محبة أهل بيت النبوة: تماما مثل ما أوجب عليهم محبته ومحبة رسوله (ص)، وحذرهم من العواقب المدمرة لبغض أهل بيت النبوة، لأن بغضهم يعادل بغض الله ورسوله.
قال رسول الله (ص): يا بني عبد المطلب، إني سألت الله لكم ثلاثا، أن يثبت قائمكم، وأن
١ - كنوز الحقائق للمناوي ص ٥، وقال أخرجه الديلمي.
٢ - ذخائر العقبي للطبري ص 18: وقال أخرجه الملا في سيرته.
3 - نور الأبصار للشبلنجي ص 103، وقال رواه أبو الشيخ.
4 - نور الأبصار ص 103: وفضائل الخمسة ج 2، ص 70.
(٤٧)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (7)، جابر بن عبد الله (1)، البغض (2)، الخسران (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (2)، كتاب ذخائر العقبي (1)

صفحه 048

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٨
يهدي ضالكم، وأن يصلح جاهلكم، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن يرج صفن فصلي وصام، ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار (1).
وقال (ص): والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار (2).
وقال رسول الله: ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة، وساق الحديث … إلي أن قال: ولو أن عبدا عبد الله بين الركن والمقام ألف عام وألف عام حتي يكون كالشن البالي، ولقي الله مبغضا لآل محمد أكبه الله علي منخره في نار جهنم (3).
وقال رسول الله - صلي الله عليه وعلي آله -: من أبغضنا أهل البيت فهو منافق (4).
قال جابر بن عبد الله (رض): خطبنا رسول الله (ص) يوما فسمعته وهو يقول: يا أيها الناس! من أبغضنا أهل البيت: حشره الله يوم القيامة يهوديا! فقلت يا رسول الله، وإن صام وصلي؟ قال: وإن صام وصلي وزعم أنه مسلم، أحتجز بذلك من سفك دمه، وأن يؤدي الجزية عن يد … (5).
وذكر الرسول (ص) بأن الله عز وجل يبغض الأكل فوق شبعة والغافل عن طاعة ربه، والتارك لسنة نبيه، والمخفر ذمته، والمبغض عترة نبيه، والمؤذي جيرانه (6).
وقال (ص): حرمت الجنة علي من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلي أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها: فأنا أجازيه عليها غدا، إذا لقيني يوم
١ - راجع المستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ٣، ص ١٤٨، قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح علي شرط مسلم، وراجع كنز العمال ج ٦، ص ٢٠٣، قال: أخرجه الطبراني والحاكم، وراجع الصواعق المحرقة ص ١٤٠، وذخائر العقبي للطبري ص ١٨: وقال: أخرجه ابن السري، وفي ص ١٥ قال: أخرجه الملا في سيرته.
٢ - المستدرك علي الصحيحين للحاكم ج ٣، ص ١٥٠، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم، وراجع الصواعق المحرقة ص ١٤٣، وقال إنه صحيح، وذكره السيوطي في الدر المنثور في ذيل آية المودة في القربي / سورة الشوري، وقال: أخرجه أحمد بن حنبل، وابن حيان والحاكم.
٣ - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ٣، ص ١٢٢.
٤ - الدر المنثور للسيوطي في تفسير آية المودة في القربي / سورة الشوري، وأخرجه عن ابن عدي، وذخائر العقبي للطبري ص ١٨، وقال أخرجه أحمد بن حنبل في المناقب، والمناوي في كنوز الحقائق ص ١٣٤، وقال أخرجه الديلمي.
٥ - مجمع الزوائد ج ٩، ص ١٧٢، وقال رواه الطبراني في الأوسط، وكنز العمال.
٦ - راجع كنز العمال ج ٨، ص 191، وقال أخرجه الديلمي.
(٤٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، يوم القيامة (1)، جابر بن عبد الله (1)، البغض (2)، الأكل (1)، الصّلاة (3)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، آية المودة (2)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (3)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب ذخائر العقبي (2)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، الطبراني (2)، سورة الشوري (2)، أحمد بن حنبل (2)

صفحه 049

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٤٩
القيامة (1).
وقال (ص) أيضا: اشتد غضب الله علي من آذاني في عترتي. (2) وقال (ص) أيضا: من آذاني في أهل بيتي فقد آذي الله (3).
وقال صلي الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل اشتد غضبه علي اليهود أن قالوا عزير ابن الله، واشتد غضبه علي النصاري أن قالوا المسيح ابن الله، وأن الله اشتد غضبه علي من أراق دمي وآذاني في عترتي (4)، ويبدو أن هذا الحديث قد صدر من رسول الله يوم أحد، بعد أن أسالوا دمه وقتلوا عمه حمزة.
لقد أقسم النبي صلي الله عليه وآله وسلم للصحابة قائلا: والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار (5).
وقال الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) مخاطبا معاوية: إياك وبغضنا أهل البيت، فإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد قال: لا يبغضنا أحد، ولا يحسدنا أحد ا لا ذيد يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار (6).
وخطب رسول الله (ص) يوما، فقال: أيها الناس! من أبغضنا أهل البيت، حشره الله يوم
١ - راجع الكشاف للزمخشري في تفسير قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي)، في سورة الشوري، وراجع نور الأبصار للشبلنجي ص ٢٠ مع اختلاف بالخط.
٢ - راجع فيض القدير للمناوي ج ١، ص ٥١٥، وقال: أخرجه الديلمي في الفردوس، وقال في الشرح: وأخرجه أبو نعيم.
٣ - راجع كنوز الحقائق للمناوي ص ١٣٤: وقال: أخرجه الديلمي، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج ٦، ص ٢١٧: وقال: أخرجه أبو نعيم.
٤ - كنز العمال ج ١، ص ٦٧ عن أبي سعيد، وج ٥، ص ٧٦.
٥ - المستدرك للحاكم ج ٣، ص ١٥: وتلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١١: وإسعاف الراغبين للصبان الشافعي ص ١٠٤:
والصواعق لابن حجر ص ١٧٢ و ٢٣٧، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٠٤، ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ١٠٦، ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد بن حنبل ج ٥، ص ٩٥، والسيرة الحلبية ج ٣، ص 33 الهامش علي السيرة الرملانية، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص 138، ح 181.
6 - إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف، ص 111: وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 104: والصواعق لابن حجر ص 172 و 104: وينابيع المودة للقندوزي ص 365.
(٤٩)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، يوم القيامة (1)، البغض (1)، القتل (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (2)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (2)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (2)، الحافظ أبو نعيم (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب ينابيع المودة (2)، إبن المغازلي (1)، المتقي الهندي (1)، سورة الشوري (1)، الموت (1)

صفحه 050

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٠
القيامة يهوديا (1).
وأعلن رسول الله (ص) أمام أصحابه، قائلا: لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي (2).
وقال رسول الله (ص): من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني (3)، و قد استقرت هذه القناعة بأذهان المسلمين تماما، فصار دعما للإمام علي (ع)، إذ يحتج علي مناوئيه فيقول: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي (ص) أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق (4)، ومع كثرة المناصبين له العداء: إلا أنه لم يجرؤ أحد منهم علي نفي هذه الحقيقة.
أخذ رسول الله] (ص) يوما [بيد حسن وحسين: فقال لأصحابه: من أحبني، وأحب هذين وأباهما وأمهما: كان معي في درجتي يوم القيامة (5).
١ - إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٢، ومجمع الزوائد ج ٩، ص ١٧٢: وميزان الإعتدال للذهبي ج ٢، ص ١١٦، وإحقاق الحق للتستري ج ٩، ص ٤٦٨.
٢ - راجع ذخائر العقبي للطبري ص ١٨: وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٢٧ و ٣٦٥ و ٤٧٦: والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٠٣ و ١٠٩.
٣ - نور الأبصار للشبلنجي ص ٧٢ و ٧٣، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار للشبلنجي الشافعي ص ١٤١: والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٧٤: والاستيعاب بهامش الإصابة لابن حجر ج ٣، ص ٣٧: وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ٢٨، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٠٥ و ٢٧٢ و ٢٨٢ و ٣٨٢، والميزان للذهبي ج ٢، ص ١٢٨: ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩، ص ١٢٩ و ١٣٠ - ١٣٣: ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ١٠٩، ح ١٥١: وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٢، ص ٤٣١، وج ٩، ص ١٧٢ / تحقيق أبي الفضل، والجامع الصغير للسيوطي ج ٢، ص ١٣٦، والرياض النضرة للطبري ج ٢، ص ١٦٥، وج ٢، ص ٢١٨.
٤ - راجع صحيح مسلم ج ١، ص ٤٨، وج ١، ص ٦٠: وسنن النسائي ج ٨، ص ١١٧: والاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣، ص ٣٧: والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ١٠٩: وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١، ص ١٢٠: وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٢٧: وسنن ابن ماجة ج ١، ص ٤٢: وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٠، والصواعق المحرقة ص ٧٣، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٢، ص ٩٧، ح ٢٠:، والرياض النضرة للطبري ج ٢، ص ٢٨٤:
وكنوز الحقائق للمناوي ص ١٩٢: وجامع الأصول لابن الأثير ج ٩، ص ٤٧٣: وكنز العمال ج ١٥، ص ١٠٥، ح ٣٠٠.
٥ - راجع الترمذي ج ٢، ص ٣٠١: ورواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه ج ١، ص ٧٧: والخطيب البغدادي في تاريخه ج ٣، ص ٢٨٧: وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج ١، ص ٤٣٠: وذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج ٦، ص 217، وقال: أخرجه الطبراني، وفي ج 7، ص 102 قال: أخرجه الترمذي وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زيارات المسند.
(٥٠)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، يوم القيامة (1)، البغض (1)، القناعة (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (2)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (2)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (3)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (3)، الطبراني (1)، إبن المغازلي (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (1)، عبد الله بن أحمد (1)، المتقي الهندي (1)، الخطيب البغدادي (1)، دمشق (1)، الموت (1)

صفحه 051

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥١
وقال (ص) أيضا: من أحب هؤلاء فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني وهو يعني الحسن والحسين وفاطمة وعليا - صلوات الله وسلامه عليهم - (1).
وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إن لله عز وجل حرمات ثلاثا من حفظهن حفظ الله أمر دنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئا: حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي (2).
وقال - صلي الله عليه وآله وسلم -: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه (3).
قال الرسول (ص): من أراد التوسل إلي وإن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة، فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم (4).
وقال (ص): الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم، وأهل بيته (5).
وقال النبي (ص): يا معشر بني هاشم والذي بعثتي بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم (6).
وقال أيضا (ص): شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي وهم شيعتي (7).
١ - راجع كنز العمال ج ٦، ص ٢١٧ وقال: أخرجه ابن عساكر عن زيد بن أرقم وفضائل الخمسة ج ١، ص ٣٠٠.
٢ - راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج ٩، ص ١٦٨ وقال رواه الطبراني في الكبير والأوسط والصواعق لابن حجر ص ٩٠، وقال أخرجه الطبراني وأبو الشيخ.
٣ - راجع كنز العمال ج ٨، ص ١٥١ وج ٦، ص ٢١٧ قال أخرجه الديلمي وراجع ذخائر العقبي للطبري ص ١٨.
٤ - الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٥٠ أخرجه الديلمي.
٥ - راجع كنز العمال ج ٧، ص ٢١٤، والمناوي في فيض القدير ج ٤، ص ١٧٦ في المتن، وقالا: أخرجه الديلمي.
٦ - راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩٥، وقال أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في المناقب.
7 - راجع تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 2، ص 146.
(٥١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، يوم القيامة (2)، بنو هاشم (1)، القرآن الكريم (1)، البغض (1)، الصّلاة (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (3)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، الطبراني (2)، إبن عساكر (1)، زيد بن أرقم (1)، أحمد بن حنبل (1)

صفحه 052

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٢
[ … ]
١ - راجع ذخائر العقبي للطبري ص ١٤، وقال أخرجه ابن السماق في الموافقة.
٢ - تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك للحاكم، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٢٣٥، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٠ و ٣٧٠ و ٢٧ و ٣٠٨ والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٨٤ و ٢٣٤، وتاريخ الخلفاء للسيوطي وإسعاف الراغبين للصبان الشافعي، ص ١٠٩ وفرائد السمطين ج ٢، ص ٢٤٦، ح ٥١٩.
٣ - كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٧٨، ومجمع الزوائد للهيثمي الشافعي، ح ٩، ص ١٦٨ والمعجم الصغير للطبراني ج ٢، ص ٢٢، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف بحب الأشراف ص ١١٣، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٨، و ٢٩٨ ورشفة الصادي لأبي بكر الحضرمي، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩١، وفرائد السمطين ج ٢، ص ٢٤٢، ح ٥١٦ و ٥١٩.
٤ - راجع حلية الأولياء ج ٤، ص ٣٠٦، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ١٣٢، ح ١٧٣ و ١٧٦، وذخائر العقبي للطبري الشافعي ص 20، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9، ص 198، و أحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص 1137، والجامع الصغير للسيوطي ج 2، ص 1323، و منتخب كنز العمال بهامش مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 5، ص 92، والفتح الكبير للنبهاني ج 3، ص 133، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 187 أو 195، ومقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج 1، ص 104.
(٥٢)
مفاتيح البحث: كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (3)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب نظم درر السمطين للزرندي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (4)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب ينابيع المودة (3)، كتاب فرائد السمطين (2)، كتاب ذخائر العقبي (2)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، إبن المغازلي (1)، أحمد بن حنبل (1)، الخوارزمي (1)، الموت (2)

صفحه 053

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٣
مراجعة المصادر التالية. (1) أهل بيت النبوة أمان للأمة من الاختلاف.
قال رسول الله - صلي الله عليه وآله وسلم - لأصحابه: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من قبائل العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس (2).
وقال الرسول (ص) لأصحابه أيضا: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لامتي (3).
وقال ابن حجر الشافعي حول حديث أهل بيتي أمان لأمتي: يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان، هم علماؤهم، لأنهم هم الذين يهتدون بهم كالنجوم (4).
فضل ومنزلة أهل البيت (ع).
خطب رسول الله - صلي الله عليه وآله وسلم - أصحابه ذات يوم، فقال:.
يا أيها الناس، إن الفضل والشرف والمنزلة لرسول الله وذريته، فلا تذهبن بكم الأباطيل (5).
وقال (ص) للصحابة يوما: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلي الله فانظروا من توفدون (6) وقال (ص) يوما لأصحابه: واجعلوا أهل بيتي منكم مكان
١ - ٢ - راجع الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ٩١ و ١٤٠. ١٥٠. ٢٣٤، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٥، ص ٩٣، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٩٨ و ٣٥٧، وجواهر البحار للنبهاني ج ١، ص ٣٦١.
٣ - ذخائر العقبي للطبري الشافعي، ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ٢٣٤، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٢، والجامع الصغير للسيوطي ج ٢، ص ١٦١، والفتح الكبير للنبهاني ج ٣، ص ٢٦٧، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٥، ص ٩٢، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٨٥ أو ٢٣٣، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٠ و ١٨٨ و ١٩١ و ٢٩٨، وفرائد السمطين ج ٢، ص ٢٤١، ح ٥١٥ ج ٥٢١.
٤ - راجع الصواعق المحرقة ص ١٥٠ و ٩١.
٥ - الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٧٤ و ١٠٥، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٦٩ و ٣٠٧، ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 207 - 208.
6 -
(٥٣)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (3)، كتاب نظم درر السمطين للزرندي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (3)، كتاب ينابيع المودة (3)، كتاب فرائد السمطين (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (4)، أحمد بن حنبل (2)

صفحه 054

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٤
الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين (1).
وقد حذر النبي (ص) أصحابه بعد أن أشار إلي القرآن الكريم وأهل بيت النبوة (ع)، فقال لهم: فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (2).
وقيل لرسول الله (ص): ما بقاء الناس بعدهم، أي بعد أهل البيت (ع)؟ فقال الرسول (ص): بقاء الحمار إذا كسر حلبه (3).
وكذلك قال رسول الله (ص): من أحب أن يبارك في أجله، وأن يمنعه بما خوله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة (4)، فمن لم يخلفني فيهم: بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه (5).
قال ابن عمر: آخر ما تكلم به رسول الله قوله أخلفوني في أهل بيتي (6).
قال أبو هريرة: قال رسول الله (ص): خيركم خيركم لأهلي من بعدي (7).
وقال رسول الله: إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي (8).
وقال أيضا: استوصوا بأهل بيتي خيرا، فإني أخاصمكم عنهم غدا، ومن أكن خصمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار (9).
١ - إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١١٠، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٨، ومجمع الزوائد للهيثمي الشافعي ج ٩، ص ١٧٢.
٢ - راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج ٩، ص ١٦٣، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٤١ و ٣٥٥، والدر المنثور للسيوطي ج ٢، ص ٦٠، والصواعق لابن حجر ص ١٤٨، ٢٢٦، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج ١ ص ٣٤، ج ٣ ص ٨٠، وكنز العمال ج ١، ص ١٨٤، وج ٢.
٣ - راجع الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٥١ و ٩١، وسفينة النجاة ص ٢٧.
٤ - الإصابة لابن حجر ج ١، قسم ١، ص ١٤٤، قال: رواه أبو الشيخ والهيثمي في صواعقه ص ١١١.
٥ - راجع كنز العمال ج ٦، ص ٢١٦، وابن حجر في الصواعق ص ١١١.
٦ - راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج ٩، ص ١٦٣، وقال رواه الطبراني في الأوسط، وابن حجر في صواعقه ص ٩٠، ص ١٣٦.
٧ - راجع فيض القدير للمناوي ج ٣، ص ٤٩٧ في المتن، قال رواه الحاكم عن أبي هريرة، وهو صحيح، وقال في الشرح: رواه أبو يعلي وإبراهيم والديلمي، ورجاله ثقات.
٨ - راجع فيض القدير للمناوي ج ٢، ص ٥٥٣، وقال: وأخرجه الطبراني.
٩ - راجع ذخائر العقبي للطبري ج 18 قال: وأخرجه أبو سعيد والملا في سيرته، وراجع الصواعق المحرقة ص 90.
(٥٤)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو هريرة العجلي (2)، يوم القيامة (1)، القرآن الكريم (1)، الهلاك (2)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، الطبراني (2)

صفحه 055

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٥
وقال أيضا: من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا (1).
وقال: من صنع لأهل بيتي يدا، كافأته عليها يوم القيامة (2).
وقال: من صنع لأهل بيتي معروفا فعجز عن مكافأته في الدنيا، فأنا المكافئ له يوم القيامة (3).
- رواة حديث الثقلين -.
روي حديث الثقلين جمع كبير من الصحابة، يقدرون ب 35 صحابيا وصحابية، منهم علي بن أبي طالب (ع) وفاطمة الزهراء (س) والحسن بن علي بن أبي طالب (ع) وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو الهيثم بن التيهان، وحذيفة بن اليمان، وحذيفة بن أسيد القفاري، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبو هريرة، وعبد الله بن حنطب، وجبير بن مطعم، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وطلحة بن عبد الله التيمي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وسهل بن سعد الأنصاري، وعدي بن حاتم، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو شريح الخزاعي، وعقبة بن عامر، وأبو قدامة الأنصاري، وأبو ليلي الأنصاري، وحمزة الأسلمي، وعامر بن أبي ليلي بن حمزة، وأم سلمة زوج الرسول، وأم هاني أخت الإمام علي (ع)، وابنة عم الرسول (4).
قال الرسول الأعظم (ص): يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي (5).
١ - ذخائر العقبي للطبري ص ١٨، وقال أخرجه أبو سعيد والملا وابن حجر في الصواعق ص ٩٠.
٢ - راجع كنز العمال ج ٦، ص ٢١٦، وقال: أخرجه ابن عساكر، وذكره المناوي في فيض القدير ج ٦، ص ٧٢.
٣ - راجع ذخائر العقبي للطبري ص ١٩، وقال: أخرجه أبو سعيد وتابعه الملا، راجع فضائل الخمسة ج ٢، ص ٧٩ وما فوق.
٤ - راجع رواياتهم في عبقات الأنوار / الجزء الأول والجزء الثاني.
٥ - راجع صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٨، وج / ٤، ص ٣٨٧، مطبعة دار الفكر، ودرر السمطين للزرندي الحنفي ص ٢٣٢ مطبعة القضاء، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي، ص ٣٣ و ٤٥ و ٤٤٥ المطبعة الحيدرية، وكنز العمال ج ٢ ص ١٣٥ وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ مطبعة دار إحياء الكتب، ومصابيح السنة للنبوي ص ٢٠٦ مطبعة القاهرة، وجامع الأصول لابن الأثير ج ١، ص ١٨٧، ح ٦٥ مطبعة مصر، والمعجم الكبير للطبراني ص ١٣٧، ومشكاة المصابيح ج ٣، ص ٢٥٨ طبعة دمشق، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ مطبعة الحلبي، والفتح الكبير للنبهاني ج ١، ص ٥٠٣ وج ٣، ص ٣٨٥ مطبعة دار الكتب مصر، وعبقات الأنوار / قسم حديث الثقلين ج 1، ص 94 و 112 - 114 و 151 و 182 و 211 و 237، ورفع الثبات للإدريسي، راجع كتابنا (الخطط السياسية) ص 258.
(٥٥)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، أبو طالب عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبوذر الغفاري (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، حديث الثقلين (3)، عبد الله بن عباس (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، أبو أيوب الأنصاري (1)، أبو هريرة العجلي (1)، أبو سعيد الخدري (1)، يوم القيامة (1)، عبد الرحمن بن عوف (1)، أبو الهيثم بن التيهان (1)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، حذيفة بن اليمان (1)، جابر بن عبد الله (1)، طلحة بن عبد الله (1)، ذو الشهادتين (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، حذيفة بن أسيد (1)، البراء بن عازب (1)، عمرو بن العاص (1)، زيد بن ثابت (1)، أنس بن مالك (1)، عقبة بن عامر (1)، زيد بن أرقم (1)، جبير بن مطعم (1)، سهل بن سعد (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب صحيح الترمذي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب ذخائر العقبي (2)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (1)، دمشق (1)، الموت (1)

صفحه 056

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٦
وقوله (ص) أيضا: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (1) كذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، (أو ما بين السماء إلي الأرض)، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض (2).
وقوله (ص) أيضا: إني أوشك أن أدعي فأجيب، ألا إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض (3).
١ - راجع الترمذي ج ٥، ص ٣٢٩، ح ٣٨٧٦ مطبعة دار الفكر، ودرر السمطين للزرندي الحنفي ص ٢٣١، والدر المنثور للسيوطي ج ٦، ص ٧ و ٣٠٦، وذخائر العقبي للطبري ص ١٦، والصواعق المحرقة ص ١٤٧ و ٢٢٦، والمعجم الصغير للطبراني ج ١، ص ١٣٥ وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج ٢، ص ١٢، وتفسير ابن كثير ج ٤، ص ١١٣، وعسفات الأفراد ص ٢٥، وج ١، ص ٣٦ و ٩٣ و ١١٤ و ١٣٥ و ١٧٣، وكنز العمال ج ١، ص ١٥٤، والفتح الكبير للنبهاني ج ١، ص ٤٥١، وتفسير الخازن ج ١، ص ٤، ومصابيح السنة للبغوي ٢٠٦، وجامع الأصول لابن الأثير ج ١، ص ١٨٧، ومنتخب تاريخ ابن عساكر ج ٥، ص ٤٣٦، ومشكاة المصابيح للعمري، وتيسير الوصول لابن البديع ج ١، ص ١٦، والتاج الجامع للأصول ج ٣، ص ٢٠٨.
٢ - الدر المنثور للسيوطي ج ٢، ص ٦٠، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف بحب الأشراف ص ١١٦، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٨، ١٨٣، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩، ص ١٦٢، وعبقات الأفراد من حديث الثقلين ص ١٦، وكنز العمال ج ١، ص ١٥٤، ح ٨٧٣ و ٩٤٨، والجامع الصغير للسيوطي ج ١، ص ٣٥٣، والفتح الكبير للنبهاني، ج ١، ص ٤٥١.
٣ - راجع مناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٢٣٤، ح ٢٨١، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص ٢٢٣، وفرائد السمطين للحمويني الشافعي، ج ٢، ص ١٤٣ / باب ٣٣، وفيه بعد عترتي: (أهل بيتي ألا وهما الخليفتان من بعدي)، وراجع عبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1، ص 131، وكتابنا (الخطط السياسية) ص 260.
(٥٦)
مفاتيح البحث: حديث الثقلين (2)، الصّلاة (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (4)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب فرائد السمطين (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، إبن المغازلي (1)، إبن عساكر (1)، إبن الأثير (2)، الخوارزمي (1)، الموت (1)

صفحه 057

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٧
وقوله - صلي الله عليه وآله وسلم - إني أوشك أن أدعي فأجيب، ألا إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود … (1).
قوله صلي الله عليه وآله وسلم: كأني دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي (2).
قوله صلي الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ألست أولي بكم من أنفسكم؟، قال الصحابة:
بلي يا رسول الله، قال رسول الله: فإني سائلكم عن اثنين، القرآن وعترتي (3).
قوله عليه وآله الصلاة والسلام: يا أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، مخلف فيكم كتاب الله ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا علي الحوض (4).
عن زيد ابن أرقم قال: قام فينا رسول الله بماء يدعي خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه، ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد: أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب الله، واستكملوا به، فحث علي كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في
١ - راجع كنز العمال ج ١، ص ١٦٥، ح ٩٤٥، و مناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٢٢٥، ح ٢٨٣، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٤٨، وفيها (لم يفترقا)، والصحيح (لن يفترقا)، كما في الطبعة الأولي ص ٨٩، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٠٨، وينابيع المودة ص ٣٥ - ٤٠ و ٢٦٦ و ٣٥٥، والمعجم الصغير للطبراني ج ١، ص ١٣١، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١، ص ١٠٤، ومجمع الزوائد ج ٩، ص ١٦٣ وإحياء الميت بهامش الإتحاف للسيوطي ص ١١١، والطبقات الكبري لابن سعد ج ٢، ص ١٩٤، وجامع الأصول لابن الأثير ج ١، ص ١٨٧، والأنوار المحمدية للنبهاني ص ٤٣٥.
٢ - راجع خصائص النسائي الشافعي ص ٢١، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص ٩٣، والصواعق المحرقة ص ١٣٦، وذكر صدر الحديث وصححه، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٢، وكنز العمال ج ١، ص ١٦٧.
٣ - راجع مجمع الزوائد ج ٥، ص ١٩٥، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٣، ص ١٤٧، وأحياء الميت للسيوطي ص ١١٥، وكتابنا (الخطط السياسية) ص ٢٦١.
٤ - راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٢٤ و ٧٥، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٨٥، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج ١، ص ٢٧٧، قال ابن حجر الشافعي أعلم أن لحديث الثقلين طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا.
(٥٧)
مفاتيح البحث: حديث الثقلين (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، القرآن الكريم (3)، الصّلاة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (2)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، كتاب الطبقات الكبري لإبن سعد (1)، إبن المغازلي (1)، إبن الأثير (1)، الخوارزمي (2)، الموت (1)

صفحه 058

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٨
أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (1).
عن زيد بن أرقم: قال رسول الله: ألا وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وأهل بيتي … إلي أن قال الراوي عن زيد، فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال زيد:
لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها، فترجع إلي بيت أبيها (2).
وقال حذيفة بن أسيد الغفاري: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال يوم غدير خم: إن الله مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي منهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه …، ثم قال: إني سائلكم عن الثقلين (3).
وقال زيد بن أرقم: إن رسول الله قد قال: … وإني قد تركت فيكم الثقلين …، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولي المؤمنين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ().
وقال البراء بن عازب: إن رسول الله (ص) قد صلي الظهر في غدير خم، وأخذ بيد علي فقال للمسلمين: ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلي، قال:
ألستم تعلمون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلي، فقال الرسول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه (5).
١ - راجع صحيح مسلم / كتاب الفضائل / فضائل علي ج ٢، ص ٣٦٢، وج ١٥، ص ١٧٩ - ١٨٠ بشرح النووي، ومصابيح السنة للبغوي ج ٢، ص ٢٧٨، وتفسير الخازن ج ١، ص ٤، وتفسير ابن كثير ج ٤، ص ١١٣، ومشكاة المصابيح للعمري ج ٣، ص ٢٥٥ وينابيع المودة ص ٢٩ و ١٩١ و ٢٩٦، والسيرة الحلبية ج ٣، ص ٣٣٠ / الهامش علي السيرة الرملانية لمغني مكة.
٢ - راجع صحيح مسلم / كتاب الفضائل ج ٢، ص ٣٦٢، وج ١٥، ص ١٨١، بشرح النووي والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٤٨، وفرائد السمطين ج ٢، ص ٢٥٠، حديث ٥٢٠، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج ١، ص ٣٦، ١٠٤، ٢٤٢، ٢٦١، ٣٦٧.
٣ - راجع تاريخ دمشق / ترجمة علي لابن عساكر ج ٢، ص ٤٥، ح ٤٧، وكنز العمال ج ١، ص ١٦٨، ح ٩٥٩، ونوادر الأصول للترمذي ص ٢٨٩، وراجع الأحاديث الواردة، وراجع الثقلين.
٤ - راجع الخصائص للنسائي ص ٩٣ و ٢٦، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص ٩٣، وكنز العمال ج ٥، ص ٩١.
٥ - راجع ذخائر العقبي للطبري ص ٦٧، وفضائل الخمسة ج ١، ص ٣٥٠، والفصول المهمة ص ٢٤، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج ١، ص ١٢٢، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 2، ص 215.
(٥٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، حديث الثقلين (2)، علي بن أبي طالب (1)، حذيفة بن أسيد (1)، البراء بن عازب (1)، زيد بن أرقم (2)، غدير خم (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي (2)، كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب فرائد السمطين (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، كتاب صحيح مسلم (2)، إبن عساكر (1)، الخوارزمي (1)، دمشق (1)

صفحه 059

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٥٩
قال سعد بن أبي وقاص: إن رسول الله قد قال: أيها الناس إني وليكم؟، قالوا نعم، ثم رفع يد علي بن أبي طالب فقال: هذا وليي ويؤدي عني ديني، وأنا موال من والاه ومعاد من عاداه (1).
وقال سعد بن أبي وقاص أيضا: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلما بلغ غدير خم …، ثم قال: أيها الناس من وليكم؟ قالوا الله ورسوله، ثم أخذ بيد علي فأقامه، ثم قال: من كان الله ورسوله وليه، فهذا وليه: اللهم وال من والاه، وعاد ما عاده (2).
شائعات ضد النبي الأكرم (ص).
لقد أدرك قادة التحالف خطورة البيان النبوي، وهو لا يتوقف عن القول بأنه يتبع ما يوحي إليه، وأنه لا ينطق عن الهوي. فإذا استطاعت أن تشكك بقول الرسول (ص) وبشخصيته، فإنها ستبطل مفعول البيان النبوي المنحصر في حديثه (ص): إلا أن قادة التحالف وأفراده هم أقل وأذل من أن يواجهوا رسول الله بذلك.
ومن هنا لم يبق أمامهم إلا مواجهة النبي بحرب الشائعات، وذلك بإطلاق سلسلة من الشائعات تتظافر للتشكيك في قوله (ص) وشخصيته، واستحالة أن تكون كل أقوال الرسول من عند الله. فإذا نجحت هذه الشائعات بزعزعة الثقة ببيان الرسول المتعلق بالأمور السياسية: يكون أجله قد دنا، ولا تمهله المنية لبناء ما هدمته قيادة التحالف، عندئذ يتم توزيع الأدوار بين كتائب التحالف، وأثناء انشغال العترة الطاهرة بتجهيز النبي، ينصب خليفة من قريش، حيث يجمع الخليفة بيده الجاه والمال وتأييد التحالف، ويواجهون عليا وأهل بيت النبوة وبني هاشم بأمر واقع، وبعد ذلك تقوم السلطة الجديدة بتحويل تلك الشائعات إلي قناعات، ثم يتناقلها العامة بالوراثة، وتصبح جزءا من الدين!!! تلك هي خطة التحالف لتحقيق هدفه!!!.
وهذه الشائعات هي:
أو - لقد أشاعت قيادة التحالف بأن رسول الله (ص) بشر يتكلم في الغضب والرضي، ولا ينبغي أن يحمل كلامه علي محمل الجد، وبالتالي لا ينبغي تنفيذ كل ما يقوله (ص):
فضلا عن عبثية كتابة أقواله (ص).
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه،
١ - الخصائص للنسائي ص ١٠٢، والبداية والنهاية لابن كثير ح ٢١٢٥، والمراجع السابقة.
٢ - راجع خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ١٠١، وفضائل الخمسة ج ١، ص ٣٦٥، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٤٩، والرياض النضرة للطبري، ج ٢، ص ٢٨٢، وملحق المراجعات، وكتابنا (نظرية فرائد الصحابة) ص 252.
(٥٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، عمر بن سعد لعنه الله (2)، عبد الله بن عمرو بن العاص (1)، علي بن أبي طالب (1)، بنو هاشم (1)، غدير خم (1)، الوقوف (1)، الغضب (1)، النفاذ، التنفيذ (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، كتاب الخصائص للنسائي (1)، كتاب البداية والنهاية (1)

صفحه 060

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٠
فنهتني قريش، وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضي؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله، فأومأ بإصبعه إلي فمه وقال: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقا (1).
لما آلت الخلافة إلي أبي بكر كان أول مشروع فعله هو جمعه للأحاديث النبوية التي كتبها هو شخصيا وقيامه بإحراقها، كما روت السيدة عائشة ابنته وأم المؤمنين.
وكان مشروعه الثاني أن جمع الناس وقال لهم: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله (2).
فهذا الموقف المعلن من أبي بكر، وقناعته بأن الحديث عن رسول الله يورث الخلاف، وقيامه بإحراق الأحاديث التي جمعها شخصيا، كل ذلك يدل علي حساسيته المفرطة من أحاديث رسول الله (ص)، وأنه أحد الذين نهوا ابن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول، تحت شعار أنه يتكلم في الغضب والرضي، ثم من هي قريش إن لم يكن أبو بكر وهو أحد شيوخها منها؟!.
وعندما آلت الخلافة، إلي عمر بن الخطاب بعد موت أبي بكر، كان أول مشاريعه أن طلب من الناس وناشدهم ليأتوه بأحاديث رسول الله التي كتبوها، وظن الناس أن عمر يريد أن يجمع أحاديث رسول الله فأتوه بها، فلما أتوه بأحاديث رسول الله المكتوبة، أمر بحرقها جميعا، وحرقت بالفعل (3).
جاء في كنز العمال، أنه ما مات عمر حتي بعث إلي أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق:
عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر، وقال لهم: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا: أتنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ منكم ونرد عليكم (4).
وروي الذهبي: أن عمر حبس ثلاثة بتهمة أنهم (أكثروا الحديث عن رسول الله) (5).
ولقد نهي عمر جيوشه عن الرواية عن رسول الله (6)، وهذه السياسة الصارمة نحو رواية الأحاديث، ونحو حرق المكتوب منها: تدل علي حساسيته المفرطة تجاه أحاديث رسول
١ - سنن أبي داود ٢ / ١٢٦، وسنن الدارمي ١ / ١٢٥، ومسند أحمد ٢ / ١٦٢، ٢٠٧، ٢١٦، ومستدرك الحاكم ١ / ١٠٥، ١٠٦، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ١ / ٨٥.
٢ - تذكرة الحفاظ للذهبي ١ / ٣٠٢.
٣ - الطبقات لابن سعد ٥ / ١٤٠.
٤ - كنز العمال ٥ / 239، حديث 4865، ومنتخب الكنز 4 / 61.
5 - تذكرة الحفاظ للذهبي 1 / 2 - 3.
6 - بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2 / 147، وتذكرة الحفاظ للذهبي 1 / 4 - 5.
(٦٠)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، عقبة بن عامر (1)، الموت (1)، الغضب (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي (2)

صفحه 061

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦١
الله (ص)، حتي ولو كان شخصيا هو الذي سمعها، وموقفه بالحجرة المباركة ومواجهته للرسول وجها لوجه، وإن قوله للرسول: حسبنا كتاب الله يؤكد هذه الحساسية.
وإن لم يكن أبو حفص مع قريش التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول، فمن هي قريش إذا؟، صحيح أنه لم يكن واحدا من سادة قريش قبل الإسلام، وأنه كان شخصا عاديا، ولكنه نال الشرف بالإسلام، ونال العلا بمصاهرته لرسول الله فأصبح من سادة قريش، فمن غير الممكن أن تنهي قريش في غياب عمر!!!.
ولما آلت الخلافة إلي عثمان بعد موت عمر، كانت أول مشاريعه أن أصدر مرسوما بعدم جواز رواية أي حديث لم يسمع به في عهدي أبي بكر وعمر (1).
تلك هي قريش التي نهت عبد الله بن عمرو بن العاص عن كتابة أحاديث رسول الله، بحجة أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضي. وفي الحقيقة فإن الغاية المنشودة من النهي كانت لغايات إبطال مفاعيل الأحاديث النبوية المتعلقة بمؤسسة الإمامة من بعد النبي (ص)، وبالدور المميز لأهل بيت النبوة (ع) بعد وفاته!!.
معاوية يبين الغاية من الإشاعة.
كان معاوية بن أبي سفيان أحد قادة التحالف، وقد أصدر مرسوما بعد عام الجماعة، وأرسل نسخا من هذا المرسوم إلي كل عماله، حيث أمر فيه بالحرف، أن: برئت الذمة ممن روي شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته!!
فمعاوية قد أبرز بيت القصيد، والغاية من منع كتابة أحاديث رسول الله، حتي لا ينتشر فضل أبي تراب وأهل بيته في الأمة، وحتي لا يعرف المسلمون حقهم الثابت شرعا بقيادة هذه الأمة!! (2).
ثانيا - روي البخاري: إن رسول الله كان يغضب، فيلعن، ويسب، ويؤذي من لا يستحقها، ودعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهورا.
وهكذا صوروا رسول الله صاحب الخلق العظيم الذي وصفه الله تعالي بآية محكمة (وإنك لعلي خلق عظيم) (3)، بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة علي أعصابه، فيتصرف بمثل تلك التصرفات التي ألصقوها ظلما به (ص): لأن الشخص العادي الذي لا تتوفر فيه مؤهلات النبوة، يترفع عن سب ولعن وإيذاء الناس بدون سبب، فكيف بسيد الخلق وأعظمهم؟!!!.
القصد من الإشاعة؟!!.
القصد من ممارساتهم تلك هو دعم الإشاعة الأولي، والتشكيك بشخصية الرسول وبصحة
1 - منتخب الكنز هامش مسند الإمام أحمد 4 / 64.
2 - شرح النهج لعلامة المعتزلة 3 / 595 - 596.
3 - سورة القلم آية 4.
(٦١)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، عبد الله بن عمرو بن العاص (1)، عبد الله بن عمرو (1)، المنع (1)، الغضب (1)، الزكاة (1)، السب (1)، الجماعة (1)، مدرسة المعتزلة (1)، سورة القلم (1)

صفحه 062

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٢
حكمه علي الرجال، والنيل من علي بن أبي طالب وأهل بيته، وإبراز مظلومية أعداء الله، ورفع خامل ذكرهم، إذ من الثابت أن رسول الله (ص) قد لعن أعداء الله، وبالذات الكثير من قادة هذا التحالف، كما يروي البخاري والسيوطي والترمذي، والنسائي، وأحمد، وابن جرير، والبيهقي، ونصر بن مزاحم، والحلبي، راجع بعث أسامة في كل السير، تجد أن رسول الله قد لعن الذين يتخلفون عن جيش أسامة.
ومن جملة الذين لعنهم رسول الله: هم أبو سفيان، ومعاوية، وأخوه يزيد، والحكم بن العاص، و … إلخ: ممن تخلفوا عن جيش أسامة.
بموجب هذه الشائعة، فإن الذين لعنهم رسول الله صاروا مطهرين أو زاكين!!، وهكذا فاقوا منزلة أهل البيت (ع)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!!.
وإذا كانت لقول الرسول بعلي وأهل بيته قيمة، فلماذا لا تكون لقوله هذا بقادة التحالف قيمة، وهذا يعزز الشائعة الأولي، التي أطلقها قادة التحالف بضرورة عدم حمل كلام الرسول (ص) علي محمل الجد، وبالتالي عدم جدوي كتابته.
ثالثا - وروي البخاري:
إن بعض اليهود سحروا رسول الله، حتي ليخيل إليه أنه يفعل الشئ وما فعله!!.
وهذا قمة التشكيك في كل ما يصدر عن رسول الله (ص)، وما يعني التحالف بالدرجة الأولي، ما صدر ويصدر عنه (ص) بالأمور المتعلقة برئاسة الدولة، وبالمكانة الخاصة التي تصوروا أن رسول الله قد خص بها أهل بيته الكرام (ع).
رابعا - لقد طلب عمر بن الخطاب من الناس أن يأتوه بما عندهم من أحاديث الرسول المكتوبة، وظن الناس أنه يريد أن يجمعها ويأمر بكتابتها من جديد فأتوه بها، فلما وضعت بين يديه أمر بحرقها، وحرقت فعلا (1)!!.
ولم يكتف بذلك، إنما نهي الناس عن الحديث، وفرض علي المحدثين الإقامة الجبرية، وحبس بعضهم بجرم التحديث عن رسول الله!! (2). وما ذلك إلا لأن عمر مقتنع أن القرآن الكريم وحده يكفي، ولا حاجة لما قاله الرسول (ص) أو ما سيقوله، حتي وإن كان الرسول موجودا!! (3).
وجاء عثمان فسار علي سيرة صاحبيه، حيث استهل عهده بإصدار أمر، مفاده أنه (لا يحل
١ - طبقات بن سعد ٥ / ١٤٠ ترجمة محمد بن أبي بكر.
٢ - راجع الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية ص ٣٠٢ وما فوق.
٣ - راجع نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الاسلام ص 287 وما فوق: تجد توثيق تلك الواقعة وتفصيلها.
(٦٢)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، القرآن الكريم (1)، علي بن أبي طالب (1)، نصر بن مزاحم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الطهارة (1)، كتاب الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية لأحمد حسين يعقوب (1)، محمد بن أبي بكر (1)

صفحه 063

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٣
لمسلم أن يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر وعمر) (1).
وكان معاوية بن أبي سفيان أكثر وضوحا من الذين سبقوه، حيث أصدر مرسوما وجه منه نسخة إلي كل عماله أن: برئت الذمة ممن يروي شيئا بفضل أبي تراب وأهل بيته!!.
فغاية الجميع واحدة وهي منع رواية وكتابة أحاديث الرسول كلها، حتي لا يروي الناس شيئا من فضل علي وأهل بيت النبوة (ع)، وقدر معاوية أنه لم يعد هنالك ما برر هذه التورية فدخل بالموضوع مباشرة، وحصر المنع بما يعطي حقا أو فضائل لعلي وأهل بيت النبوة (ع).
التطبيق العملي للشائعة.
لقد كان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم يقسم المال بين الناس بالسوية، لافضل في ذلك لمهاجري علي أنصاري، ولا لعربي علي عجمي، ولا لصريح علي موال: لأن حاجات أبناء البشر الأساسية متشابهة، وتلك أمور تدرك بالعقل وبالفطرة السليمة، فجميع أبناء البشر يأكلون ويشربون وينامون ويتزاوجون. ثم أن الرسول لا ينطق عن الهوي، فهو يتبع ما يوحي إليه من ربه، فأمر بهذه الخطورة يتلقي فيه التوجيه الإلهي، وطوال عهده الشريف وهو يقسم بين المسلمين بالسوية: لا يفضل أحدا علي أحد، حتي أصبح عمل الرسول هذا سنة فعلية، وجزءا من المنظومة الإلهية، علي اعتبار أنها تشريع من أهم التشريعات المالية في الإسلام.
ولما تسلم عمر مقاليد الخلافة رأي أن سنة الرسول هذه ليست مناسبة: فلا يعقل أن تكون قريش كالأنصار!! ولا يعقل أن يكون العرب كالعجم، وأن يكون الصريح كالمولي!!، ومن هنا فقد فضل المهاجرين كلهم علي الأنصار كلها، وفضل العرب علي العجم، وفضل الصريح علي المولي، وأعطي زوجات الرسول عطاء خاصا يفوق التصور والتصديق، وزائدا عن حاجة كل واحدة منهن!!! حتي أنه لم يساو بالعطاء بين زوجات الرسول نفسه!! فميز بينهن، وأعطي بعضهن أكثر من بعض.
وتصور عمر أن أسلوبه بتوزيع العطاء هو أفضل من أسلوب النبي (ص)، ومع الأيام اكتشف عمر أنه قد غرس في المجتمع المسلم بذور الطبقية، وأنه قد أوجد بعمله هذا الغني الفاحش والفقر المدقع جنبا إلي جنب!! فطلحة والزبير وعثمان وابن عوف يملكون الملايين!! وعمار وبلال وعامة الناس يموتون جوعا!!!.
وبعد تسع سنين من تطبيق سنته الشخصية، اكتشف عمر أن رسول الله أهدي منه، وأن سنة رسول الله خير من سنته بعد أن شاهد بعضا الآثار المدمرة لسنته الشخصية، التي وضعها بالقوة محل سنة الرسول (ص). وأعلن عزمه علي الرجوع إلي سنة رسول الله!!
فقال: وإن عشت هذه السنة ساويت بين الناس، فلم أفضل أحمر علي أسود، ولا عربيا علي
1 - منتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد 4 / 64.
(٦٣)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (2)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، الشهادة (1)، المنع (1)، الجنابة (1)

صفحه 064

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٤
عجمي، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر (1)!!.
بمعني أن عمر عندما ألغي التسوية بالعطاء، كان يعلم أنها سنة رسول الله (ص)، وأن صاحبه أبا بكر قد اتبعها، ومع هذا ألغي التسوية بالعطاء مع سبق العلم والإصرار، ثم عاد بعد تسع سنين ليفكر بإعادة السنة التي عطل أحكامها طول تلك المدة!!! (2).
فجعل خمس الخمس لذوي القربي، وهم بنو هاشم الذكر منهم والأنثي، وبنو عبد المطلب (3).
بالإضافة إلي يتيم الهاشميين ومسكينهم وابن سبيلهم، والحكمة من هذا التشريع كانت في إبراز التمييز لذوي القربي، وسد حاجاتهم بإيجاد سبيل لحياة كريمة لهم، ولأن الصدقة محرمة عليهم (4).
وبالرغم من وضوح الآية، ومن تواتر بيان النبي لها: إلا أن عمر بن الخطاب أبي أن يعطي بني هاشم كل سهمهم (5)، بحجة أن قريشا كلها ذات قربي (6).
قال ابن عباس: سهم ذوي القربي لقربي رسول الله، قسمه لهم رسول الله، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا فرأيناه دون حقنا فرددناه عليه، وأبينا أن نقبله (7).
وقد ندم عمر علي ما كان منه، إذ قال: ليت أم عمر لم تلده (8).
ومن المؤكد أن عمر علي الأقل اعترف بأنه قد أخطأ عندما رفع حكم الله سبحانه، وألغي سنة رسوله (ص) التي ساوت بين الناس في العطاء، ووضع بدلا منهما سنته الشخصية التي فضلت بالعطاء، وعبر عن هذا الندم بقوله: إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر.
١ - تاريخ اليعقوبي ٢ / ٧، وابن أبي الحديد ١ / ١١١، وتاريخ الطبري ٥ / ٢٢.
٢ - تاريخ الطبري ص ٢٢ سيرة عمر باب حملة الدرر!!.
٣ - سنن أبي داود ٢ / ٥٠، والطبري في تفسيره ١ / ٥٠، وأحمد في مسنده ٤ / ٨١، والمغازي للواقدي، غزوة خيبر.
٤ - صحيح مسلم ٣ / ١٢ باب قبول النبي الهدية، وصحيح البخاري ١ / ١٨١، وصحيح مسلم ٣ / ١١٧، وسنن أبي داود ١ / ٢١٢ باب الصدقة علي بني هاشم، وسنن الدارمي ١ / ٣٨٣، ومجمع الزوائد للهيثمي ٣ / ٨٩، والبحار ٦٦ / ٧٦ حرمة الزكاة علي بني هاشم.
٥ - صحيح مسلم ٥ / ١٩٥، ومسند أحمد ١ / ٢٤٨ و ٢٩٤ و ٣٠٤، وسنن الدارمي ٢ / ٢٢٥، ومسند الشافعي ص ١٨٣، وحلية أبي نعيم ٣ / ٢٠٥.
٦ - تفسير الطبري ١٠ / ٥، والأحوال لأبي عسير ص ٢٣٣.
٧ - مسند أحمد ١ / ٢٤٤ ٣٢٠، وسنن أبي داود ٢ / 51، وسنن النسائي 1772، وسنن البيهقي 6 / 344.
8 - الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري، 1 / 15 وما فوق.
(٦٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، عبد الله بن عباس (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، بنو هاشم (4)، الحج (1)، الخمس (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (3)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب تفسير الطبري (1)، كتاب سنن أبي داود (3)، معركة خيبر (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (3)، كتاب تاريخ الطبري (2)، الزكاة (1)، التصدّق (1)

صفحه 065

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٥
علي الرغم من ندم الخليفة عمر علي تعطيله لحكم الله، وعلي إلغائه لسنة رسول الله، وإعلانه صراحة لهذا الندم، واعترافه بخطأ ما فعل أو اجتهد برأيه: فإنهم بعد مماته أخذوا يزدادون بحب الرجل، ويلتمسون له أعذارا عجيبة لا يقرها العقل!!.
يقول القوشجي في معرض اعتذاره عن رفع سنة الله التي تأمر بالمساواة بين الناس في العطاء، وإعطاء خمس الخمس لبني هاشم وبني عبد المطلب، وإحلال سنة عمر التي تقضي بالمفاضلة بدلا من المساواة بين الناس، ومنع الهاشميين حقهم، يقول:.
وأجيب عن هذه الوجوه بأن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه، فإنه من قبيل مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية (1)!!.
عندما آلت الخلافة إلي عمر قرر العدول عن اجتهاد الرسول، وإيجاد اجتهاد بديل عنه، رأي، عمر أنه أفضل!! وهذا العمل لا يشكل قدحا في عمر بأي وجه من الوجوه: لأنه من قبيل مخالفة مجتهد (وهو عمر) لمجتهد آخر وهو (رسول الله)!! ولا حرج علي عمر من مخالفته لرسول الله، لأن كليهما مجتهد!!! (2).
قال ابن أبي الحديد: لم يخرج عمر بحكمه عن طريق الاجتهاد، وما أدي إليه اجتهاده!!
وقال في معرض اعتذاره عن تخلف أبي بكر وعمر عن جيش أسامة: إن الرسول كان يبعث السرايا عن اجتهاد لا عن وحي يحرم مخالفته (3) وباختصار، لقد تحولت تلك الإشاعة إلي قناعة عامة، وصار الرسول مجرد مجتهد، ليس إلا، ومن حق الخليفة في أي زمان - حسب رأيهم - أن يأتي باجتهاد يغاير اجتهاد الرسول، ويبدو أن مزية التنافس بين النبي المجتهد وبين غيره محصورة بالخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر خاصة، وعثمان بدرجة أقل، وبمستوي أدني ملوك بني أمية، بوصفهم صحابة كرام!!!.
وأخيرا برأيهم أن النبي (ص) مجتهد، والقاعدة العامة تقول: إن المجتهد مأجور أخطأ أم أصاب، والفرق أن المصيب له أجران وللمخطئ أجر واحد، ومن حق المجتهد، أي مجتهد كان، أن يخالف مجتهدا آخر!! (4).
والأهم من ذلك أن الاجتهاد وارد حتي في العبادات - حسب رأيهم -، فزيادة الأذان الثالث
1 - شرح التجريد للقوشجي ص 408.
2 - شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 153 و 3 / 80.
3 - شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 153 و 3 / 80.
4 - شرح التجريد للقوشجي ص 408، وشرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 178 و 2 / 153 و 3 / 180 ومنهاج السنة لأبي تيمية 3 / 203 وتاريخ ابن كثير 14 / 135 ومنهاج السنة 3 / 139 والصواعق المحرقة لابن حجر ص 112.
(٦٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، بنو أمية (1)، بنو هاشم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الخمس (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (3)

صفحه 066

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٦
يوم الجمعة من قبيل الاجتهاد (1)!! والاجتهاد قد يقع في حد من حدود الله، وقال القوشجي في معرض الإعتذار عن إسقاط عثمان القود عن عبيد الله بن عمر: إنه اجتهد ورأي أنه لا يلزمه حكم هذا القتل: لأنه وقع قبل عقد الإمامة له (2).
والاجتهاد قد يستفيد منه أعداء الله، فالحكم بن العاص عدو لله كان يؤذي رسول الله في الجاهلية والإسلام، لعنه الرسول، ولعن أولاده (3).
وأصدر الرسول أوامره بتغريب الحكم وولده، وقال (ص): لا يساكنني ولا ولده، وعندما تولي أبو بكر الخلافة، راجعه عثمان للسماح بعودة الحكم بن العاص فرفض أبو بكر، وبعد تولية عمر راجعه عثمان لنفس الغاية فرفض عمر، وعندما تولي عثمان الخلافة أدخله معززا مكرما، وألبسه جبة من طيلسان (4)، وأعطاه صدقات المسلمين البالغة 300 ألف درهم (5).
ولما مات الحكم ضرب عثمان علي قبره فسطاطا (6) حزنا عليه، ولما قيل لشيعة عثمان:
لم فعل عثمان ذلك؟ قالوا: أداه إجتهاده إلي ذلك لأن الأحوال تتغير (7).
روي الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي (ص) فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال الرسول: هذا الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون (8).
ومع هذا أصبح هذا الولد بالاجتهاد رئيسا لوزراء المسلمين!!! وأعطي هذا الولد فدكا، وهي التي أخذت من بنت رسول الله!! (9).
كل هذه التناقضات قد جرت بدعوي الاجتهاد!!!، وكثمرة من ثمرات الشائعات التي أطلقها قادة التحالف، والتي تظافرت معا وخلقت وضعا حقوقيا لا مثيل له!!.
وعلي فرض أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد قال للناس: إن علي بن أبي طالب هو وليكم من بعدي، و … الخ، فأقوال الرسول هذه ليست ملزمة للأسباب الواردة، وبالشائعات الآنفة الذكر، وإن أقوال الرسول من قبيل الاجتهاد، وليست وحيا تحرم مخالفته!!! وهذه هي المرامي البعيدة لتلك الشائعة المشؤومة.
إشاعتان متلازمتان، هما:.
١ - منهاج السنة ٣ / ٢٠٤.
٢ - شرح التجريد ص ٤٩، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٢٤٣.
٣ - أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٢٧ و ٢٨، ومستدرك الحاكم ٤ / ٤٧٩ - ٤٨١.
٤ - تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٤.
٥ - المصدر نفسه ٢ / ١٦٨.
٦ - أنساب الأشراف ٥ / ٢٧.
٧ - شرح النهج لعلامة المعتزلة ١ / ٢٣٣.
٨ - مستدرك الحاكم ٤ / ٤٧٩ - ٤٨١.
٩ - شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٦٧، والمعارف لابن قتيبة ص 84.
(٦٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مروان بن الحكم (1)، عبد الرحمن بن عوف (1)، علي بن أبي طالب (1)، عبيد الله بن عمر (1)، الموت (1)، القبر (1)، القتل (1)، الضرب (1)، الحزن (1)، الجهل (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (2)، مدرسة المعتزلة (1)

صفحه 067

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٧
1 - إن الرسول (ص) لم يستخلف أحدا، إنما خلي علي الناس أمرهم.
2 - إن الرسول (ص) لم يجمع القرآن، والخلفاء الثلاثة هم الذين جمعوه.
أطلقت هاتان الإشاعتان معا ومفادهما الترك، فعلي المستوي القيادي فإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد خلي للناس أمرهم، ولم يستخلف أحدا من بعده، لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل ترك أمته بلا راع ولا قائد، ولا بين لها كيف تختار ولا من تختار. فجاء الخلفاء الثلاثة ورتبوا أمر القيادة من بعد النبي، وتلافوا بعبقريتهم الفذة ما أغفله النبي!! هذا علي الصعيد القيادي.
أما علي الصعيد القانوني فإن الرسول (ص) قد انتقل إلي جوار ربه، وترك القرآن الكريم في صدور الرجال ولم يجمعه، وخشي الخلفاء الثلاثة أن يضيع القرآن بعد أن يقتل حفظته أو يموتوا، لذلك شمروا عن سواعدهم وجمعوا القرآن، ولولا بعد نظر أولئك الخلفاء لضاع القرآن واندثر، وهكذا تلافي الخلفاء ما أغفله النبي، وبخطوتهم تلك حفظوا القرآن من الضياع!!.
يقول أبو بكر: إن الله بعث محمدا نبيا، وللمؤمنين وليا، فمن الله تعالي بمقامه بين أظهرنا حتي اختار الله له ما عنده، فخلي علي الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم ما فيه مصلحتهم متفقين لا مختلفين، فاختاروني عليهم وليا ولأمورهم راعيا (1).
فأبو بكر هو أول من أشاع بأن الرسول قد خلي علي الناس أمرهم، أي ترك أمته بعده بغير راع، وترك للأمة حرية اختيار هذا الراعي في ما بعد، وبيان كيفية اختيارهم له!!.
وجاء في تاريخ الطبري أن أبا بكر قال في مرضه الذي توفي منه: وددت أني سألت رسول الله لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد؟!! ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الامر نصيب؟! (2) وأخرج أبو نعيم في حليته، ومسلم في صحيحه، والبخاري في صحيحه، والبيهقي في سننه، وابن الجوزي في سيرة عمر واللفظ للأول ما يلي:.
إن ابن عمر قال لأبيه: إن الناس يتحدثون أنك غير مستخلف، ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم، ثم جاء وترك رعيته، رأيت أنه قد فرط، ورعاية الناس أشد من رعاية الإبل والغنم!! ماذا تقول لله عز وجل إذا لقيته ولم تستخلف علي عباده؟ قال ابن عمر:
فأصابته كآبة، ثم نكس رأسه طويلا، ثم رفع رأسه وقال: وأي ذلك أفعل فقد سن لي - إن لم أستخلف فإن رسول الله لم يستخلف، وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر!! (3).
وروي المسعودي في مروج الذهب أن عبد الله بن عمر دخل علي عمر بن الخطاب وهو
١ - ابن قتيبة الدنيوري في الإمامة والسياسة ١ / ١٥.
٢ - تاريخ الطبري ٤ / 53، وفي العقد الفريد 2 / 0254 3 - حلية الأولياء 1 / 44.
(٦٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، عبد الله بن عمر (1)، كتاب تاريخ الطبري (2)، القرآن الكريم (6)، المرض (1)، الإختيار، الخيار (2)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)

صفحه 068

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٨
يجود بأنفاسه، فقال له: يا أمير المؤمنين استخلف علي أمة محمد، فإنه لو جاءك راعي إبلك أو غنمك، وترك إبله أو غنمه لا راعي لها للمته، وقلت له:
كيف تركت أمانتك ضائعة؟ فكيف يا أمير المؤمنين بأمة محمد؟، فأجابه عمر: إن أدع فقد ودع من هو خير مني - يعني الرسول - وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - (1).
وروي ابن قتيبة: أن عمر لما أحس بالموت قال لابنه عبد الله: إذهب إلي عائشة واقرأها السلام، واستأذنها أن أقبر مع رسول الله ومع أبي بكر. فأتاها عبد الله، فأعلمها فقالت: حبا وكرامة، ثم قالت: يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له لا تدع أمة محمد بلا راع،.. استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك هم، فاني أخشي عليهم الفتنة!! فأتي عبد الله عمر فأعلمه فقال عمر: ومن تأمرني أن أستخلف لو أدركت؟ … الخ (2).
وأخرج البلاذري في أنساب الأشراف عن ابن عباس قال، قال: عمر لا أدري ما أصنع بأمة محمد، وذلك قبل أن يطعن؟ فقلت: ولم تهتم وأنت تجد من تستخلفه؟ (3).
وقد رأينا أن عبد الله بن عمر وصف حالة ترك الأمة بدون راع بأنها تضييع للأمانة، وأنها تفريط، وأنها محل لوم يترفع عن الوقوع فيها راعي الإبل أو راعي الغنم، وأن ترك الأمة يبدون راع يعني تركهم هم، علي حد تعبير عائشة، ويؤدي إلي الفتنة حسب توقعها!!!.
فهل يعقل بربكم أن يكون راعي الغنم أو الإبل، أو عبد الله بن عمر، أو أم المؤمنين أبعد نظرا، وأدرك لعواقب الأمور من رسول الله (ص)، وهو صفوة الجنس البشري؟!!، وهل يعقل أن يكون ابن عمر أو أبوه أو أم المؤمنين أو ابن أبي قحافة أكثر رحمة من النبي بأمته؟!!.
ثم إن فكرة ترك الرسول للأمة دون أن يعين خليفة من بعده، أو يبين علي الأقل طريقة تعيينه: فكرة تتعارض مع كمال الدين وتمام النعمة!! وهل يعقل أن يبين الرسول المهم ويترك الأهم؟!! (4).
أخرج الطبري في الرياض النضرة (5)، كما أخرج أبو ذر عن ابن عمر أنه قال:
لما طعن عمر قلت: يا أمير المؤمنين لو أجهدت نفسك وأمرت عليهم رجلا؟ فقال عمر: والذي نفسي بيده لأردنها للذي دفعها إلي أول مرة، - ويقصد به عثمان -: حيث كلفه أبو بكر بكتابة عهده فقال لعثمان: أكتب - إني قد وليت عليكم - ثم أغمي علي أبي بكر من شدة الوجع، فكتب عثمان -
١ - مروج الذهب ٢ / ٢٥٣.
٢ - الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ٢٢، وأعلام النساء ٢ / ٧٨٦.
٣ - أنساب الأشراف للبلاذري 5 / 16.
4 - راجع الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية ص 371 وما فوق: تجد التنظير المنطقي لهذه الشائعة.
5 - الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج 2 ص 74.
(٦٨)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب كمال الدين وتمام النعمة (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (2)، عبد الله بن عمر (2)، الموت (1)، الجود (1)، كتاب الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية لأحمد حسين يعقوب (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، محب الدين الطبري (1)

صفحه 069

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٩
عمر - أي أكملها عثمان من تلقاء نفسه، ولما أفاق أبو بكر طلب من عثمان أن يقرأ له ما كتب، فسر الخليفة وقال لعثمان: لو كتبت نفسك لكنت أهلا لها، بمعني أن الذي ردها إليه هو عثمان، وبالفعل فقد بر الخليفة بقسمه فولي عثمان عمليا: بالرغم من - الديكور - أو طريقة الإخراج.
وهنا يجدر بنا أن نسأل: إذا كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد ترك الناس بلا راع، أو بتعبيرهم خلي علي الناس أمرهم: فلماذا لم يقتد الخليفتان به؟!
ولماذا لم يخليا علي الناس أمرهم؟!! فقد استخلف أبو بكر عمر، واستخلف عمر عثمان عمليا، والستة نظريا؟!!! ومن العجب العجاب أن عملية استخلاف أبي بكر لعمر، واستخلاف عمر لعثمان تمت بأمر الرجلين، وهما علي فراش الموت، فأبو بكر يأمر والرعية تنفذ، وعمر يأمر، والرعية تجري وتنفذ وصيته، وبالمناسبة - لست أدري - لماذا لم يعامل الرسول بمثل هذه المعاملة؟!! ولم يحترم مثل هذا الاحترام؟!! فما أن قال الرسول: قربوا، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا: حتي تصدي له عمر فقال: إن الرسول قد هجر، حسبنا كتاب الله!!! إنه من العجب العجاب حقا أن تعلو مكانة الخليفة علي مكانة النبي، وأن يكرم الصحابي أكثر مما يكرم النبي، ومع هذا لا أحد يعتذر!! ولا أحد يقف عند هذه القاصمة، ولا أحد يوجه أي لوم لفاعليها!! بل أزد: أنهم يبررون لهم أفاعليهم تلك!!.
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق) (1).
الأسماء المباركة التي توسل بها نوح (ع).
بسم الله الرحمن الرحيم (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
إن لمحمد (ص) ولأهل بيته (ع) مكانة عند الله تعالي لم يتوصل إليها أحد، ولم يعرف قدرها إلا الرسل والأنبياء المعصومون (عليهم السلام).
فلقد دلت الأخبار الواردة عن أهل البيت (ع): بأن الأنبياء توسلوا إلي الله تعالي بالخمسة أصحاب الكساء في ساعات المحن التي تعرضوا لها، فلقد توسل بهم آدم (ع) بعد خروجه من الجنة، ونوح (ع) عند الطوفان، وإبراهيم عليه السلام، عند ما ألقاه النمرود في النار، وهكذا بقية الأنبياء (ع).
وقد أنجاهم الله تعالي من المحن التي تعرضوا لها بواسطة هؤلاء الخمسة المعصومين (ع).
وأخيرا ظهرت هذه الحقيقة نتيجة للبحث والتنقيب: حيث نشرت] البذرة [النجفية التي تصدرها ثانوية منتدي النشر الأهلية في عدديها الثاني والثالث بتاريخ شوال - ذي
1 - سورة فصلت: آية 53.
(٦٩)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، النبي إبراهيم (ع) (1)، النبي نوح عليه السلام (2)، الأنبياء (ع) (1)، النبي آدم عليه السلام (1)، أهل الكساء (1)، شهر شوال المكرم (1)، الموت (2)، سورة فصلت (1)

صفحه 070

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٠
القعدة 1385 ه بحثنا مترجما عن كتاب - إيليا - والذي نشرته دار المعارف الإسلامية بلاهور ب (باكستان) (1).
الأسماء المباركة.
التي توسل بها نوح (ع).
في تموز عام 1951 م حينما كان جماعة من العلماء السوفيت (الاتحاد السوفيتي سابقا) المختصين بالآثار القديمة ينقبون في منطقة بوادي قاف، عثروا علي قطع متناثرة من أخشاب قديمة متسوسة وبالية، مما دعاهم إلي التنقيب والحفر أكثر وأعمق، فوقفوا علي أخشاب أخري متحجرة وكثيرة، كانت بعيدة في أعماق الأرض!!.
ومن بين تلك الأخشاب التي توصلوا إليها نتيجة التنقيب: خشبة علي شكل مستطيل، طولها 14 عقدا وعرضها 10 عقود، سببت دهشتهم واستغرابهم حيث لم تتغير، فلم تتسوس ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الأخري.
وفي أواخر سنة 1952 أكمل التحقيق حول هذه الآثار، فظهر أن اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة النبي نوح (ع)، وأن الأخثاب الأخري هي أخشاب جسم سفينة نوح.
ومما يذكره المؤرخون أن سفينة نوح (ع) استوت علي قمة جبل قاف.
وشوهد أن هذه اللوحة قد نقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلي أقدم لغة.
وهنا ألفت الحكومة السوفيتية لجنة بعد الانتهاء من الحفر عام 1953، قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة، وأهم علماء الآثار، وهم:
1 - سوله نوف أستاذ الألسن في جامعة موسكو.
2 - ايفاهان خنيو عالم الألسن القديمة في كلية لولوهان بالصين.
3 - ميشانن لو مدير الآثار القديمة.
4 - تانمول گورف أستاذ اللغات في كلية كيفزو.
5 - دي راكن أستاذ الآثار القديمة في معهد لينين.
6 - أيم أحمد كولاد مدير التنقيب والاكتشافات العام.
7 - ميجر كولتوف رئيس جامعة ستالين.
وبعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة والحروف المنقوشة عليها: اتفقوا علي أن هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح (ع)، وأن النبي نوح عليه السلام كان قد وضع هذه اللوحة في سفينة للتبرك والحفظ.
وكانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية، وقد ترجمها إلي الإنجليزية العالم البريطاني ايف ماكس أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانجستر، وهذا نصها مع تعريبها:.
1 - نقلا عن ما نشرته الجمعية الخيرية الإسلامية بكربلاء المقدسة.
(٧٠)
مفاتيح البحث: النبي نوح عليه السلام (4)، باكستان (1)، السفينة (5)، مدينة كربلاء المقدسة (1)

صفحه 071

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧١
يا إلهي ويا معيني O my God my helper.
برحمتك وكرمك ساعدني Keep my hands With mercy.
ولأجل هذه النفوس المقدسة And With your holy bodies.
محمد Mohamed.
إيليا Alia.
شبر Shabbar.
شبير Shabbir.
فاطمة Fatma.
الذين هم جميعهم عظماء ومكرمون Thay are all Biggest and.
Honourables العالم قائم لأجلهم The world established for them.
ساعدني لأجل أسمائهم Help me by their names.
أنت فقط تستطيع أن توجهني نحو الطريق المستقيم you can reform to.
Right وأخيرا، بقي هؤلاء العلماء في دهشة كبري أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة، ومنزلة أصحابها عند الله تعالي، حيث توسل بها نوح (ع) إليه تعالي.
واللغز الأهم الذي لم يستطع تفسيره أي واحد منهم هو عدم تفسخ هذه اللوحة رغم مرور آلاف السنين عليها، وهذه اللوحة موجودة الآن في متحف الآثار القديمة في موسكو.:
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق) (1).
ورأيت بهذه المناسبة أن أنقل هنا نموذجا من الأحاديث التي تناسب المقام: بشأن أهل البيت الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام:.
1 - أخرج ابن المغازلي بسنده عن سلمان الفارسي (رض)، قال: سمعت حبيبي محمدا صلي الله عليه وآله وسلم يقول: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل يسبح، الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم (ع) بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم، أودع ذلك النور في صلبه: فلم نزل أنا وعلي شيئا واحدا، حتي افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة وفي علي الإمامة (2).
عميد البيت العلوي المطهر علي بن أبي طالب (ع).
حياته: في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب المرجب، وقبل بعثة النبي الأكرم محمد بن عبد الله (ص) باثنتي عشرة سنة: ولد علي بن أبي طالب في الكعبة المشرفة.
1 - سورة فصلت، آية 53.
2 - ينابيع المودة: 10 (الطبعة الأولي).
(٧١)
مفاتيح البحث: مبعث النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، النبي نوح عليه السلام (1)، النبي آدم عليه السلام (1)، شهر رجب المرجب (1)، إبن المغازلي (1)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، علي بن أبي طالب (1)، الكرم، الكرامة (2)، الصّلاة (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، سورة فصلت (1)

صفحه 072

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٢
فقد ابن المغازلي بإسناده عن محمد بن علي بن الحسين عليهم الصلاة والسلام.
قال: كنت جالسا مع أبي ونحن زائرون قبر جدنا (ع)، وهناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهن فقلت لها: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا زيدة بنت قريبة بن العجلان من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شئ تحدثينا؟ فقالت: إي والله، حدثتني أمي أم عمارة بنت عبادة بن فضلة بن مالك بن العجلان الساعدي: أنها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا، فقلت له: ما شأنك يا أبا طالب؟ قال: إن فاطمة بنت أسد في شدة المخاض، ثم وضع يديه علي وجهه، فبينما هو كذلك، إذ أقبل محمد (ص) فقال له: ما شأنك يا عم؟ فقال: إن فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها الكعبة فأجلسها فيها، ثم قال: إجلسي علي اسم الله، قال:
فطلقت طلقة فولدت غلاما مسرورا نظيفا منظفا، لم أر كحسن وجهه فسماه أبو طالب عليا، وحمله النبي (ص) حتي أداه إلي منزلها (1).
عن يزيد بن قعنب قال: كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وفريق من بني عبد العزي بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (ع)، وكانت حاملا به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلق، فقالت: يا رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل (ع)، وأنه بني البيت العتيق، فبحق الذي بني هذا البيت والمولود الذي في بطني: إلا ما يسرت علي ولادتي.
قال يزيد بن قعنب: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، وعاد إلي حاله، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك من أمر الله تعالي، ثم خرجت في اليوم الرابع وعلي يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب] عليه السلام [(2).
جدير ذكره هنا، أن الفضل الذي ناله أمير المؤمنين (ع) عبر ولادته في جوف الكعبة، لم ينله أحد في تاريخ الإنسانية علي الإطلاق، وهكذا كان علي (ع) أول مولود في الكعبة المشرفة، ولم يولد فيها بعده سواه،] فهو الفريد في ولادته داخل لكعبة المعظمة [:
تعظيما له من الله سبحانه وإجلال.
وأسرع البشير إلي أبي طالب وأهل بيته فأقبلوا مسرعين والبشر يعلو وجوههم، وتقدم من بينهم محمد المصطفي (ص): فضمه إلي صدره، وحمله إلي بيت أبي طالب (3)، وأقام
1 - ابن المغازلي / مناقب علي بن أبي طالب ص 7، وابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة ص 30.
2 - الإربلي / كشف الغمة ط بيروت ج 1 ص 60.
3 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 13.
(٧٢)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، النبي إبراهيم (ع) (1)، السيدة فاطمه بنت أسد أم أمير المؤمنين عليهما السلام (2)، إبن المغازلي (2)، العباس بن عبد المطلب (1)، القبر (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (2)، كتاب كشف الغمة للإربلي (1)، مدينة بيروت (1)، علي بن أبي طالب (1)

صفحه 073

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٣
أبو طالب وليمة علي شرف الوليد المبارك، ونحر الكثير من الأنعام (1).
أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكانت من رسول الله (ص) بمنزلة الأم، وربي في حجرها، وكانت من سابقات المؤمنات إلي الايمان، وهاجرت معه إلي المدينة، وكفنها النبي (ص) عند موتها بقميصه. فكان أمير المؤمنين (ع) هاشميا من هاشميين، وأولد من ولده هاشم مرتين (2).
أسماؤه (ع) في كتب الله تعالي المنزلة كثيرة، وكنيته المشهورة: أبو الحسن، وقد كني أيضا بأبي الحسين، وأبي السبطين، وأبي الريحانتين.
وكناه رسول الله (ص) بأبي تراب لما رآه ساجدا معفرا وجهه في التراب (3).
وقد لقبه رسول الله (ص): سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وسيد الأوصياء، وسيد العرب (4).
حصيلة الإعداد النبوي.
أشار علي (ع)، إلي أبعاد التربية التي حظي بها من لدن سيد البشر ومربيه الرسول الأعظم (ص)، وذلك في خطبته القاصعة، حيث قال: وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلي صدره ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به (ص) من لدن أن كان فطيما - أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به.
ولقد كان يجاورني كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة (5).
ولهذا وذاك، فإن اختيار علي (ع) من لدن الرسول (ص) يوم أملق أبو طالب، كان مخططا هادفا ابتداء، لكي يأتي علي (ع) صورة مجسدة لشخصية رسول الله (ص) في فكره ومواقفه
١ - بحار الأنوار للمجلسي ج ٣٥ ص ١٨، نقلا عن المناقب. ٢ المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٨٠، ومناقب ابن المغازلي ج ٦ ص ٢ و ٣ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥١٧.
3 - أنظر مسند أحمد ج 4 ص 263، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 140 ومناقب ابن المغازلي ج 8 ص 5، والرياض النظرة ج 3 ص 105.
4 - مناقب الخوارزمي ص 42 و 231.
5 - نهج البلاغة / تبويب د. صبحي الصالح ص 300.
(٧٣)
مفاتيح البحث: قبر النبي (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، السيدة فاطمه بنت أسد أم أمير المؤمنين عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (7)، يوم عرفة (1)، الإختيار، الخيار (1)، الوصية (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، إبن المغازلي (2)، كتاب بحار الأنوار (1)، الخوارزمي (1)

صفحه 074

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٤
وشتي ألوان سلوكه، بل حتي في مشيته (1)، وإذا كان الإمام (ع) قد عاش ست سنوات في أحضان والديه وإخوته فقد كان لرسول الله (ص) الدور البارز لرعايته وصقله طوال تلك السنوات الندية من عمره (ع).
الإرهاصات التي أحسها قلب علي (ع) وروحه الطاهرة.
أخرج البيهقي في دلائل النبوة عن علي (ع) ما يجسد هذه الحقيقة، حيث قال (ع): كنا مع رسول الله (ص) بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر، ولا خيل إلا قال له: السلام عليك يا رسول الله (2).
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: كان علي (ع) يري مع النبي (ص) قبل الرسالة الضوء، ويسمع الصوت (3).
إن هذا الإحساس العلوي المميز بعمق التحولات الغيبية التي تجري لرسول الله (ص)، تكشف عن كيان روحي خاص لا يختص به غير الأنبياء (ع)، إلا أن ختم النبوة بمحمد (ص) اقتضي أن يكون علي (ع) وزيرا للنبوة.
ذكر أصحاب السنن بأسانيدهم عن النبي (ص) مخاطبا عليا (ع).: أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي (4)، وحين سأل علي (ع) رسول الله (ص) عن رنة الشيطان، أجابه النبي (ص): إنك تسمع ما أسمع، وتري ما أري، إلا أنك لست بنبي، ولكنك وزير، وإنك لعلي خير (5).
وحين تلقي الرسول (ص) بيان التكليف الإلهي بحمل الرسالة، عاد إلي بيته فأطلع عليا (ع) علي أمره، فاستقبله (ع) بالتصديق واليقين، كذلك فعلت خديجة الكبري فانبثقت من أجل ذلك أول نواة لمجتمع المتقين في الأرض (6).
وحين بلغ رسول الله (ص) بأمر التكليف الإلهي لحمل الدعوة المباركة، بلغ كذلك، أن تنصب دعوته أولا علي الخاصة من أهل بيته.
وقد أشار ابن هشام في سيرته لذلك بقوله: فجعل رسول الله (ص) يذكر ما أنعم الله به
١ - علي بن أبي طالب لعبد الفتاح مقصود ج ١ ص ٣٩.
٢ - كشف الغمة للإربلي ج ١ ص ٨٦، نقلا عن البيهقي في دلائل النبوة.
٣ - شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٤ ص ٣١٥.
٤ - المناقب للخوارزمي ص ٢٧ - ٣٧، وذخائر العقبي للطبري ص ٦٣.
٥ - نهج البلاغة / الخطية القاصعة.
٦ - المستدرك ج ٣ ص ١٣٦، والتاريخ الكبير للخطيب البغدادي ج 2 ص 81، وحلية الأولياء ج 1 ص 66.
(٧٤)
مفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (5)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (11)، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، الأنبياء (ع) (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، كتاب كشف الغمة للإربلي (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، علي بن أبي طالب (1)، الخطيب البغدادي (1)، الخوارزمي (1)

صفحه 075

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٥
عليه، وعلي العباد به، من النبوة سرا إلي من يطمئن إليه من أهله (1).
وقد أشار الإمام علي بن الحسين (ع) في حديث له حول إسلام جده علي بن أبي طالب (ع) بقوله: … ولقد آمن بالله تبارك وتعالي وبرسوله (ص)، وسبق الناس كلهم إلي الايمان بالله وبرسوله، وإلي الصلاة ثلاث سنين (2).
وحينما أذن الله عز وجل لرسوله (ص) بدعوة عشيرته الأقربين من بني هاشم (وأنذر عشيرتك الأقربين)، ودعا الرسول (ص) عشيرته الأقربين، وأبلغهم بالأمر.
ذكر البيهقي وغيره: نهض القوم من مجلسهم وهم يخاطبون أبا طالب: ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك أميرا عليك (3) وأخيرا لم يحظ رجل في الإسلام بما حظي به علي بن أبي طالب (ع) من ثناء وتكريم من قبل الرسالة الإسلامية، وحثها المتزايد علي تقديره وانتهاج سبيله، حتي قال أحمد بن حنبل: ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما ورد لعلي (4).
أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في علي ثلاثمئة آية (5).
وقد أخرج ابن المغازلي بإسناده عن علي بن أبي طالب (ع) عن رسول الله (ص): مخاطبا عليا (ع): لولاك ما عرف المؤمنون من بعدي (6).
وفي حديث لرسول الله (ص) يخاطب به عمار بن ياسر جاء فيه: … وإن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا، فاسلك واديا سلكه علي وخل الناس طرا (7).
علي (ع) بعد النبي الأكرم (ص).
عن عائشة: فاضت نفس رسول الله (ص) في حجر علي (ع) (8).
١ - السيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٥٩.
٢ - الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١١١، والطبري في ذخائر العقبي ص ٦٠، والرياض النظرة ج ٢ ص ١٥٨، وكتاب صفين لنصر بن مزاحم ص ١٠٠، وابن ماجة، والطبري في تاريخه.
٣ - أخرجه البيهقي في سننه ودلائله، والتغلبي والطبري في تفسيريهما لسورة الشعراء، والطبري في تاريخه ج ٢ ص ٢١٧، وابن الأثير في الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٢، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٨١، وغيرهم.
٤ - السيوطي / تاريخ الخلفاء ص ١٨٧.
٥ - السيوطي / تاريخ الخلفاء ص ١٨٧.
٦ - مناقب ابن المغازلي ص ٧٠.
٧ - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ١٣ ص ١٨٦، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٧ ص ٢٣٨، والمتقي الهندي في كنز العمال ج ٦ ص ١٥٥، والمناقب للخوارزمي ص ٥٧، مع اختلاف يسير في الألفاظ.
٨ - المناقب للخوارزمي، ومسند أحمد بن حنبل ج ٢ ص ٣٠٠، وذخائر العقبي للطبري ص 72.
(٧٥)
مفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (5)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، عبد الله بن عباس (1)، إبن المغازلي (2)، إبن عساكر (1)، عمار بن ياسر (1)، بنو هاشم (1)، الصّلاة (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (2)، كتاب ذخائر العقبي (2)، إبن الأثير (1)، المتقي الهندي (1)، سورة الشعراء (1)، إبن ماجة (1)، نصر بن مزاحم (1)، الخوارزمي (2)

صفحه 076

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٦
رحل رسول الله (ص) إلي ربه، وهو قلق علي مستقبل الرسالة والأمة، كما جسد ذلك بقوة قوله (ص) عند زيارته لقبور المؤمنين في البقيع في بداية مرضه الذي قضي فيه: السلام عليكم يا أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه، مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها (1).
ولعدم قناعة الإمام (ع) بما جري في السقيفة وما بعدها: ظل مؤمنا بحقه في الخلافة، واعتزل الناس وما هم فيه ستة شهور، ولم يسمع له صوت في ما يسمي بحروب الردة، ولا سواها (2). واشتد ساعد المنافقين وقويت شوكتهم في داخل المدينة، وكان الرومان والفرس للمسلمين بالمرصاد (3).
ولقد تعامل الإمام علي (ع) مع الخلافة حسب ما تحكم به المصلحة الإسلامية، حفظا للإسلام وحماية للجماعة الإسلامية من التمزق والضياع، وتحقيقا للمصالح الإسلامية العليا التي جاهد من أجلها، وقد جاء في كتابه (ع) لأهل مصر مع مالك الأشتر، حين ولاه إمارتها: فأمسكت يدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلي محق دين محمد (ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله: أن أري فيه ثلما أو هدما، تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتي زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه (4).
بعض من إرشاداته ومواقفه (ع) في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.
فكر أبو بكر بغزو الروم فاستشار جماعة من الصحابة فقدموا وأخروا، ولم يقطعوا برأي، فاستشار عليا (ع) في الأمر فقال: إن فعلت ظفرت. فقال أبو بكر: بشرت بخير، وأمر أبو بكر الناس بالخروج بعد أن أمر عليهم خالد بن سعيد (5).
عن محمد بن المنكدر، أن خالد بن الوليد كتب إلي الخليفة أبي بكر، أنه وجد رجلا في بعض ضواحي العرب، ينكح كما تنكح المرأة، وأن أبا بكر جمع لذلك ناسا من أصحاب رسول الله ي (ص)، وكان فيهم علي بن أبي طالب، أشدهم يومئذ قو، فقال (ع): إن هذا ذنب لم تعمل به أمة من الأمم إلا أمة واحدة - يعني قوم لوط - فصنع الله بها ما قد علمتم، أري أن تحرقوه
١ - سنن النسائي ج ٤ ص ٩٣، وأخرجه أبو داود، وابن ماجة.
٢ - السقيفة لمحمد رضا المظفر ط ٤ بيروت ص ١٦٠.
٣ - المراجعات للسيد شرف الدين العاملي ص ٣٠٢.
٤ - راجع نهج البلاغة.
٥ - تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١١١.
(٧٦)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، مقبرة بقيع الغرقد (1)، خلافة أبي بكر بن أبي قحافة (1)، علي بن أبي طالب (1)، خالد بن الوليد (1)، مالك الأشتر (1)، خالد بن سعيد (1)، محمد بن المنكدر (1)، السقيفة (2)، المرض (1)، النفاق (1)، القبر (1)، الشيخ محمد رضا المظفر (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، مدينة بيروت (1)، إبن ماجة (1)

صفحه 077

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٧
بالنار، فكتب أبو بكر بذلك إلي ابن الوليد (1).
وحين أراد عمر بن الخطاب أن يغزو الروم، راجع الإمام (ع) في الأمر، فنصحه الإمام بألا يقود الجيش بنفسه، قائلا: فابعث إليهم رجلا مجربا، واحفز معه أهل البلاد والنصيحة، فإن أظهره الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخري كنت رداء للناس، ومثابة للمسلمين (2).
عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن ترك هذا المبلغ في جوف الكعبة لآخذه، وأقسمه في سبيل الله وفي سبيل الخير، وعلي بن أبي طالب يسمع ما يقول، فقال عمر:
ما تقول يا بن أبي طالب؟ بالله لأن شجعتني عليه لأفعلن؟ فقال علي: أتجعله فينا، وصاحبه رجل يأتي في آخر الزمان؟! (3)، فاقتنع عمر بضرورة عدم التصرف بحلي الكعبة.
بعد أن فتح المسلمون الشام جمع أبو عبيدة بن الجراح المسلمين واستشارهم بالمسير إلي بيت المقدس أو إلي قيسارية، فقال له معاذ بن جبل: أكتب إلي أمير المؤمنين عمر، فحيث أمرك فامتثله، فكتب ابن الجراح إلي عمر بالأمر، فلما قرأ الكتاب، استشار المسلمين بالأمر، فقال علي (ع): مر صاحبك ينزل بجيوش المسلمين إلي بيت المقدس، فإذا فتحها الله، صرف وجهه إلي قيسارية، فإنها تفتح بعدها إن شاء الله تعالي، كذا أخبرنا رسول الله - ص -.
قال عمر: صدق المصطفي (ص) وصدقت أنت يا أبا الحسن، ثم كتب إلي أبي عبيدة بالذي أشار به علي (ع) (4).
بعد انتصار المسلمين علي الفرس في خلافة عمر، شاور ابن الخطاب أصحاب رسول الله (ص) في سواد الكوفة، فقال بعضهم: تقسمها بيننا، ثم شاور عليا (ع) في الأمر، فقال (ع): إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجئ بعدنا شئ، ولكن تقرها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا ولمن بعدنا، فقال عمر لعلي: وفقك الله، هذا الرأي (5).
عن الطبري في تاريخه عن سعيد بن المسيب، قال: جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم، من أي يوم نكتب التاريخ؟ فقال علي (ع): من يوم هاجر رسول الله (ص)، وترك أرض الشرك، ففعله عمر (6).
١ - علي والخفاء ص ٦٣، كنز العمال ج ٣ ص ٩٩.
٢ - راجع نهج البلاغة.
٣ - كنز العمال ج ٧ ص ١٤٧، صحيح البخاري ج ١٩ ص ٧٢٧، وعلي والخلفاء لنجم الدين العسكري ص ٨٧.
٤ - علي والخلفاء لنجم الدين العسكري ص ١٣٣.
٥ - علي والخلفاء ص ٢٣٩.
٦ - تاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٥٣، وفي تاريخ اليعقوبي، وكنز العمال، ومستدرك الحاكم، والكامل في التاريخ لابن الأثير.
(٧٧)
مفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، عبد الله بن عباس (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (3)، مدينة الكوفة (1)، سعيد بن المسيب (1)، علي بن أبي طالب (1)، آخر الزمان (1)، سبيل الله (1)، معاذ بن جبل (1)، الشام (1)، التصديق (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (3)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 078

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٨
أتي إلي عثمان بامرأة قد ولدت لستة أشهر، فهم برجمها، فقال علي (ع): إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إن الله تعالي يقول: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)، ثم قال (ع): (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (1).
فحولين مدة الرضاع، وستة أشهر مدة الحمل، فقال عثمان ردوها - أي لا ترجموها - (2).
هذه أمثلة يسيرة مما كان ينهض بها الإمام علي (ع) من مسؤوليات عظيمة في عهد الخلفاء الذين سبقوه، وكان دافعه في ذلك الإخلاص للرسالة المحمدية، وحفظ الوحدة الإسلامية ومسيرتها، من الإنحراف.
رد الشمس كرامة حبا الله علي بن أبي طالب (ع) بها:.
ابتداء أري من الواجب الإشارة إلي أن كرامة رد الشمس قد حدثت مرة واحدة في التاريخ - قبل الإسلام - كما هو مؤكد في الكتب المعتبرة، ولكن هذه المعجزة نسبت إلي عدة أنبياء، فهناك من ينسبها للسيد المسيح (ع) (3)، ومنهم من ينسبها للنبي حزقيال (ع) (4)، وهو ذو الكفل الوارد ذكره في القرآن. لكن معظم هذه المصادر تجمع علي أن هذه المعجزة كانت للنبي يوشع بن نون (5).
وأما في العهد الإسلامي فقد ميز الله تعالي وليه وصفيه علي بن أبي طالب (ع) بهذه الكرامة الخارقة، فقد تواترت الأخبار أن الشمس ردت علي الإمام أمير المؤمنين (ع) مرارا، ومنها: يوم البساط، ويوم الخندق، ويوم حنين، ويوم خيبر، ويوم قرقيساء، ويوم براثا، ويوم الغاضرية، ويوم النهروان، ويوم بيعة الرضوان، ويوم صفين، وفي النجف، وفي بني مازن، وبوادي العقيق، وبعد أحد.
وأما المعروف منها والمشهور فمرتان:
الأولي: في حياة النبي الأكرم (ص)، وهو الحديث الذي نقله طائفة من المحدثين الثقات، عن أسماء بنت عميس (6).
عن أسماء بنت عميس: إن رسول الله (ص) صلي الظهر، ثم أرسل عليا في حاجة، فجاء وقد صلي رسول الله العصر فوضع رأسه في حجر علي، ولم يحركه حتي غربت الشمس،
١ - البقرة، آية ٢٣٣.
٢ - تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٥٧، وسنن البيهقي ج ٧ ص ٤٤٢.
٣ - كما يظهر من إنجيل برنابا / الفصل ١٩١ ص ٣.
٤ - تاريخ اليعقوبي ج ١ ص ٦٤.
٥ - راجع يشوع ٦ ص ١٧ - ٢٦، وتاريخ الطبري ج ١ ص ٤٤٠.
٦ - راجع سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٢٠٧، وأعلام النساء ج ١ ص ٤٦، وأسد الغابة ج ٥ ص ٣٩٥، والإصابة ج ٤ ص ٢٢٥.
(٧٨)
مفاتيح البحث: حياة النبي (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (5)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (1)، يوشع بن نون عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، مدينة النجف الأشرف (1)، أسماء بنت عميس (2)، خيبر (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، القرآن الكريم (1)، النهوض (1)، الرضاع (2)، العصر (بعد الظهر) (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 079

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٧٩
فقال رسول الله (ص): اللهم إن عبدك احتسب نفسه علي نبيه، فرد عليها شرقها، قالت أسماء: فطلعت الشمس حتي رفعت علي الجبال، فقام علي فتوضأ وصلي العصر، ثم غابت الشمس (1).
والمرة الثانية: كانت زمن خلافة الإمام علي وذلك بعد رجوعه من قتال الخوارج، وكان ذلك في أرض بابل، وقد دعا الإمام علي (ع) الله تعالي فردها عليه (2).
وهناك جمهرة من المحدثين والمؤلفين الذين أفردوا لذكر هذه المكرمة رسائل خاصة، وهذا دليل استئثار المسألة باهتمام أعلام المسلمين عامة ومنهم:.
1 - أبو بكر الوراق، له كتاب: من روي رد الشمس (3).
2 - أبو الحسن شاذان الفضيلي له رسالة في طرق الحديث (4) ذكر شطر منها السيوطي، وقال:
أورد طرقه بأسانيد كثيرة وصححه بمالا مزيد عليه، ونازع ابن الجوزي في بعض من طعن فيه من رجاله (5).
3 - أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي (6).
4 - أبو القاسم النيسابوري الحنفي، وله كتاب: مسألة في تصحيح رد الشمس (7).
5 - جمال الدين يوسف الدمشقي تلميذ ابن الجوزي له كتاب: مزيل اللبس عن حديث رد الشمس (8).
6 - جلال الدين السيوطي له كتاب: كشف اللبس عن حديث رد الشمس (9)، وقد أشار الحافظ السيوطي للحديث ووثقه في أكثر من كتاب له.
7 - الحافظ أبو جعفر الطحاوي الحنفي: أخرج الحديث بلفظين موضحا ثقة رواته.
8 - والحافظ السيوطي: ذكر الحديث في كثير من كتبه، وخصه ببحث مستقل (مزيل الشمس)، ومن كتبه: جمع الجوامع، يذكر فيه الحديث (10)، وكذلك كتابه (كفاية الطالب اللبيب) (11).
9 - محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري زين الدين: ذكر رد الشمس ليوشع (ع)، ثم لعلي
١ - ابن شهرآشوب المناقب ج ٢ ص ١٤٣، واللآلئ المصنوعة ج ٢ ص ١٧٥، والكنجي في كفاية الطالب ص ٢٣٩.
٢ - المصدر نفسه.
٣ - المصدر نفسه.
٤ - المصدر نفسه.
٥ - المصدر نفسه.
٦ - الكنجي: كفاية الطالب ٢٣٩.
٧ - أنظر البداية والنهاية ج ٦ ص ٨٠، وتذكرة الذهبي ج 3 ص 268.
8 - ذكره برهان الدين الكوراني المدني: الأمم لإيقاظ الهمم ص 63.
9 - هامش الصواعق ص 126.
10 - جمع الجوامع للسيوطي ج 5 ص 277.
11 - كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب ج 2 ص 82 ط الأولي الهند.
(٧٩)
مفاتيح البحث: حديث رد الشمس (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (5)، أبو بكر الوراق (1)، محمد بن الحسين (1)، جمال الدين (1)، محمد بن عبد (1)، الخوارج (1)، بابل (1)، القتل (1)، الصّلاة (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، ابن شهرآشوب (1)، الهند (1)

صفحه 080

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٠
وصححه، وأورد قول ابن الجوزي، وأشار إلي خطئه، ولمح إلي حبس الشمس لرسول الله (ص)، ونقل حديث رد الشمس لعلي (ع) بعد ذلك، كما رواه الطبراني في معجمه الكبير، والحاكم، والبيهقي في الدلائل (1).
إخبار رسول الله (ص) عن مقتله (ع).
قال ابن عبد البر: روي ابن الهاد، عن عثمان بن صهيب عن أبيه: إن رسول الله (ص) قال لعلي: من أشقي الأولين؟ قال: الذي عقر الناقة، قال (ص): صدقت، فمن أشقي الآخرين؟ قال: لا أدري، قال: الذي يضربك علي هذا - يعني يافوخه - يخضب هذه - يعني لحيته - (2).
وقال ابن حجر: أخرج أحمد والحاكم بسند صحيح عن عمار بن ياسر: إن النبي (ص) قال لعلي: أشقي الناس رجلان: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي علي هذه - يعني قرنه - حتي يبل هذه - يعني لحيته.
اخباره بالغيب:
قال ابن حجر: أخرج عبد الرزاق عن حجر المرادي قال: قال لي علي: كيف بك إذا أمر بك أن تلعنني؟! قلت: أو كائن ذلك؟ قال: (نعم، قلت: فكيف أصنع؟.
قال: العني ولا تبرأ مني. قال: فأمرني محمد بن يوسف أخو الحجاج - وكان أميرا من قبل عبد الملك بن مروان علي اليمن - أن ألعن عليا، فقلت: إن الأمير أمرني أن ألعن عليا، فالعنوه لعنه الله، فما فطن لها إلا رجل - لأنه إنما لعن الأمير ولم يلعن عليا (3).
وقال عليه السلام: أما أنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب مالا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، ألا، وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني، فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرأوا مني، فإني ولدت علي الفطرة، وسبقت إلي الايمان والهجرة (4).
تصحيحه (ع) الإنحراف الذي أوقعه من سبقه.
لما قتل عثمان بن عفان وعاد للمسلمين أمرهم، وتحللوا من كل بيعة: تهافتوا علي علي بن أبي طالب، يطلبون يده للبيعة (5).
وروي أن المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة والزبير، اجتمعوا فأتوا عليا فقالوا: يا أبا
١ - راجع الأعلام ج ٧ ص ٧٥ و ٧٦.
٢ - الإستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ ص ٥٤.
٣ - الكامل في التاريخ ج ٣ ص ٤٠٠.
٤ - نهج البلاغة خ ٥٧.
٥ - تاريخ الطبري ج ٥ ص ١٥٢ و ١٥٣، وكنز العمال ج ٣ ص ١٦١، وتاريخ ابن أعثم ص 160 و 161.
(٨٠)
مفاتيح البحث: حديث رد الشمس (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، المهاجرون والأنصار (1)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، الطبراني (1)، علي بن أبي طالب (1)، عمار بن ياسر (1)، محمد بن يوسف (1)، القتل (4)، الزكاة (1)، السب (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 081

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨١
الحسن هلم نبايعك، فقال علي: لا حاجة لي في أمركم، أنا معكم، فمن اخترتم رضيت به: فاختاروا، فقالوا: والله ما نختار غيرك، فاختلفوا إليه بعدما قتل عثمان، وأكثروا القول: بأنه لا يصلح الناس إلا بأمره (1).
ولما أكثروا اللح عليه، ورأي أن المسلمين لا ولي لهم: قبل بالبيعة، وقال:
ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفية، ولا تكون إلا عن رضي المسلمين. فصعد علي المنبر، وكان أول من صعد إليه وبايعه طلحة، وكانت إصبع طلحة شلاء، فتشاءم علي (2).
وحين أذاع بيانه المتضمن لشروطه في قبول الخلافة، قال فيه: واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلي قول القائل وعتب العاتب (3).
وسارعت الأمة مذعنة لشروطه، ومدت إليه يد البيعة علي الطاعة، وقد كانت من أولي مهامه (ع) أن يزيل صور الإنحراف المختلفة التي طرأت علي الحياة الإسلامية، وأن يعود بالأمة إلي أصالة المنهج الإلهي، وقد انصب منهاج حكومته علي مواجهة مشاكل الرعية فقد حدد الإمام علي (ع) مواصفات ولاة الأمر وموظفي الدولة، الذين يرشحهم الإسلام لإدارة شؤون الأمة الإسلامية ببيان جاء فيه: (انه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج والدماء والمغانم والأحكام، وإمامة المسلمين: البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة) (4).
ومن أجل ذلك رأينا أمير المؤمنين (ع) يبادر فورا إلي عزل الولاة والعمال، الذين كانوا سببا في ظلم الناس وإشاعة الباطل، ويعود بالأمة إلي قاعدة المساواة في توزيع العطاء، كما كان رسول الله (ص) يفعل (5).
وكما عمد الإمام علي (ع) إلي اصلاح الوضع السياسي والإداري للدولة الاسلامية كذلك فعل بالنسبة للوضع الاقتصادي، فقد بادر فور تسلمه زمام الأمور مباشرة إلي إلغاء طريقة العطاء التي كانت تفضل العرب علي العجم.
فألغي الإمام (ع) كل أشكال التمييز في توزيع المال علي الناس، مؤكدا أن التقوي، والسابقة في الإسلام والجهاد، والصحبة للرسول (ص): أمور لا تمنح أصحابها مراتب أو مميزات في الدنيا، وإنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة، وإن الناس سواسية في الحقوق المالية،
١ - راجع أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٧٠.
٢ - تاريخ الطبري ج ٥ ص ١٥٣، والمستدرك للحاكم، ج ٣ ص ١٤.
٣ - نهج البلاغة خ رقم ٩٢.
٤ - نهج البلاغة خ ١٣١.
٥ - محمد عبده / شرح نهج البلاغة ج ٨ ص ٢٦٩.
(٨١)
مفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الباطل، الإبطال (1)، القتل (1)، السجود (1)، الجهل (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، كتاب نهج البلاغة (2)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 082

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٢
وأمام القضاء الإسلامي، وفي الواجبات والتكاليف: ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله (ص)، يري أن الفضل له علي سواه: لصحبته، فإن الفضل النير غدا عند الله ثوابه، وأجره علي الله.
وأيما رجل استجاب لله وللرسول فصدق ملتنا ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، ولا يتخلفن أحد منكم، عربي ولا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن، إلا حضر إذا كان مسلما حرا) (1).
ودعا (ع) كاتبه عبيد الله بن أبي رافع يوما، وقال له:.
إبدأ بالمهاجرين فنادهم، وأعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير، ثم ثن بالأنصار، فافعل معهم مثل ذلك، ومن حضر من الناس كلهم، الأحمر والأسود: فاصنع به مثل ذلك، فقام سهل بن حنيف فقال: يا أمير المؤمنين، هذا غلامي بالأمس، وقد أعتقته اليوم، فقال (ع): نعطيه كما نعطيك، فأعطي كل واحد منهما ثلاثة دنانير) … إلخ (2).
وقد حاول المتضررون من إجراءات أمير المؤمنين (ع) التي تعكس صورة الإسلام الأصيل:
التفاوض معه، فأرسلوا الوليد بن عقبة بن أبي معيط مندوبا، فجاء إليه وقال: يا أبا الحسن إنك وترتنا جميعا، ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك اليوم علي أن تضع عنا ما أصبناه من المال أيام عثمان، وأن تقتل قتلته، وإنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام، فرد عليهم الإمام (ع).
أما ما ذكرتم من وتري إياكم، فالحق وتركم، وأما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع عنكم ولا عن غيركم) (3).
قال إبراهيم الثقفي: إن طائفة من أصحاب علي (ع) مشوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش علي الموالي والعجم، ومن تخاف خلافه من الناس وفراره.
فقال (ع): أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟! والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم، والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم؟ (4).
روي: أن امرأتين أتتا عليا (ع) عند القسمة إحداهما من العرب والأخري من الموالي، فأعطي كل واحدة خمسة وعشرين درهما وكرا من الطعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين إني امرأة من العرب، وهذه امرأة من العجم، فقال علي (ع):.
١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج ٧ ص ٣٧.
٢ - شرح النهج لابن أبي الحديد ط ٢ ج ٧ ص ٣٧ و ٣٨.
٣ - المصدر نفسه ص ٣٨ و ٣٩، وثورة الحسين ص ٦١.
٤ - الثقفي، كتاب الغارات ج ١ ص ٧٥.
(٨٢)
مفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، عبيد الله بن أبي رافع (1)، الوليد بن عقبة (1)، سهل بن حنيف (1)، الشام (1)، القتل (2)، الطعام (1)، الثورة الحسينية (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (2)، كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي (1)

صفحه 083

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٣
إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفئ فضلا علي بني إسحاق (1).
وهذه نماذج من سيرته (ع) في الرعية.
كان يلزم ولاته بالنصح لعباد الله، وإشاعة العدل بينهم، ومعاملتهم باللين والحب … : فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وأبسط لهم وجهك، وآس بينهم، فإن الله تعالي يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة، والظاهرة والمستورة، فإن يعذب فأنتم أظلم، وإن يعف فهو أكرم (2).
سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب، فإنه طيرة من الشيطان، واعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار، وما باعدك من الله يقربك من النار (3).
بلغه (ع) أن عثمان بن حنيف واليه علي البصرة دعاه بعض شخصيات أهلها إلي مأدبة، فخشي الإمام (ع) أن تستميل عماله تلك الوسائل أو سواها، فكتب إليه:.
ي أما بعد يا بن حنيف، فقد بلغني أن رج من فتية أهل البصرة دعاك إلي مأدبة، فأسرعت إليها فانظر إلي ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه، ألا وإن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون علي ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة و سداد (4).
من وصاياه (ع) لجيوشه: لا تقاتلوهم حتي يبدأوكم، فإنكم بحمد الله علي حجة، وترككم إياهم حتي يبدأوكم حجة أخري لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله، فلا تقتلوا مدبرا، ولا تصيبوا معورا (5)، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تهيجوا النساء بأذي، وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم (6).
أعتق علي (ع) في حياة رسول الله (ص) ألف مملوك مما عملت يداه، وعرق جبينه، ولقد ولي الخلافة، وأتته الأموال فما كان حلواه إلا التمر، ولا ثيابه إلا الكرابيس (7) ولقد بلغ في شدة زهده (ع) ونكرانه لذاته ابتغاء لوجه الله تعالي ما يتجلي من عبارته: والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتي استحييت من راقعها، ولقد قيل لي: ألا تستبدل بها
١ - الثقفي، كتاب الغارات ج ١ ص ٧٠.
2 - نهج البلاغة / باب الرسائل رقم 26، من عهده (ع) إلي محمد بن أبي بكر، حين ولاه مصر.
3 - نهج البلاغة رسالة رقم 76 في وصيته إلي عبد الله بن عباس، حين استخلفه علي البصرة.
4 - نهج البلاغة رسالة رقم 45.
* المعور: الذي عجز عن حماية نفسه أثناء الحرب.
6 - نهج البلاغة، وصيته رقم 14.
7 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 202.
(٨٣)
مفاتيح البحث: حياة النبي (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدينة البصرة (3)، عثمان بن حنيف (1)، الكرم، الكرامة (1)، الحج (2)، الغضب (1)، التمر (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي (1)، كتاب نهج البلاغة (4)، محمد بن أبي بكر (1)، الحرب (1)

صفحه 084

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٤
غيرها؟ فقلت للقائل: ويحك! أعزب فعند الصباح يحمد القوم السري (1).
أما منهاج أمير المؤمنين (ع) الذي سلكه في أهل بيته وقرابته، فلم يكن بعيدا عن منهاجه مع نفسه، فقد كان (ع) حريصا علي معاملة ذويه في مسألة الحقوق، كما لو كانوا من عامة الناس، فلا يفضلهم بعطاء، ولا يميزهم بحق.
وروي هارون بن سعيد أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قد قال له: يا أمير المؤمنين، لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فوالله مالي نفقة إلا أن أبيع دابتي، فقال الإمام (ع): لا والله ما أجد لك شيئا، إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك (2).
وقد جاءه عقيل أخوه وكان ضريرا يوما يطلب صاعا من القمح من بيت مال المسلمين:
زيادة علي حقه، وظل يكرر طلبه علي علي (ع)، فما كان من الإمام إلا وأحمي له حديدة علي النار وأدناها منه، ففزع منها عقيل، ثم وعظه: يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها لمدعبة، وتجرني إلي نار سجرها جبارها من غضبه، أتئن من الأذي ولا أئن من لظي؟ (3).
السياسة الإسلامية الأصلية للإمام علي (ع):.
لقد صح ما توقعه الإمام علي (ع) من أن تطبيقه للعدالة الإسلامية، سيثير غضب رجالات قريش الذين دأبوا علي العيش برفاهية: مما ينهبونه من أفواه الجياع والمحرومين، وكبر عليهم أن ينهج الإمام (ع) نهج المساواة في الحقوق، فلا يميز بين حر وعبد، وبين أسود وأبيض، وبين عربي وأعجمي، كان الجميع أمامه سواسية كأسنان المشط.
فقد أنكر الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله علي الإمام (ع) سياسته تلك، واعتبراها مخالفة للنهج الذي ألفه الناس، فقال لهما الإمام (ع): ما الذي كرهتما من أمري حتي رأيتما خلافي؟ قالا: إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله علينا بأسيافنا ورماحنا، وأرجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسرا قهرا: ممن لا يري الإسلام إلا كرها (4).
فقال الإمام (ع) لهما: لقد نقمتما يسيرا وأرجأتما كثيرا، ألا تخبراني أي شئ كان لكما فيه حق دفعتكما عنه؟ … إلي أن قال (ع): رحم الله رجلا رأي حقا فأعان عليه، أو رأي جورا فرده، وكان عونا بالحق علي صاحبه (5).
1 - تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 117.
2 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 200.
3 - البحار للمجلسي ج 40 باب 98 ص 347، نقلا عن أمالي الصدوق.
4 - علي بن أبي طالب / نظرة عصرية جديدة / د. محمد أحمد خلق الله ص 32.
5 - نهج البلاغة رقم النص 205.
(٨٤)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، جعفر بن أبي طالب عليهما السلام (1)، طلحة بن عبيد الله (1)، الزبير بن العوام (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، كتاب أمالي الصدوق (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، علي بن أبي طالب (1)

صفحه 085

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٥
موقف معاوية من سياسة أمير المؤمنين (ع).
ما أن تناقلت الأنباء أمر استخلاف الإمام علي ونهوضه بأعباء قيادة الأمة، حتي فزع معاوية، الذي كان يخطط منذ سنين لأن يكون الحاكم: حيث كان لابد له من أن يدافع عن امتيازاته وثرواته بأي ثمن كان، حتي لو أدي ذلك إلي إبادة المسلمين، وتدمير الإسلام، وإراقة الدماء في كل أنحاء الدولة الإسلامية، فالمهم عنده وعند أمثاله، وهم كثيرون، هو الملك والسلطان.
حاول الإمام (ع) أن يقضي علي الفتنة التي بدأت تلوح في الأفق بالطرق السلمية، فأرسل كتابا إلي معاوية يستقدمه فيه إلي المدينة، فلم يستجب معاوية، ولم يرد علي كتاب الإمام (1).
وبعد مضي ثلاثة أشهر علي مقتل عثمان، وقيام الإمام علي (ع) بالأمر،] تحرك معاوية شاهرا [سلاح المطالبة بدم عثمان]!! [، متخذا منه ذريعة للخروج علي إمام زمانه. وقد بدأت معارضته بنشر ثوب عثمان الدامي في مسجد دمشق، وراح يستشير أهل الشام للنهوض والانتقام ممن قتله، ولما ورد كتاب معاوية، وعرف الإمام (ع) نواياه وخبثه:
أمر الإمام (ع) بتجهيز جيشه لإخماد حركة البغاة التي قادها معاوية في الشام.
وحري بنا أن نذكر بطانة السوء والولاة وأمراء الأجناد والمتنفذين في حكم عثمان، والذين أصبحوا فيما بعد وبالا وخطرا عظيما علي خلافة الإمام (ع) ومن هؤلاء:.
1 - الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وهو عم عثمان، وكان أشد الناس أذي لرسول الله (ص) - إطلع علي رسول الله ذات يوم، وهو في بعض حجر نسائه، فعرفه (ص) وخرج إليه وقال: من عذيري من هذا الوزغ اللعين؟ ثم قال (ص): والله لا يساكنني ولا ولده، فغربهم جميعا إلي الطائف، فلما توفي رسول الله، كلم عثمان أبا بكر فيهم، فأبي أن يعيدهم إلي المدينة، وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله، ثم لما استخلف عمر، كلمه عثمان فيهم، فقال مثل قول أبي بكر، فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة (2).
وقد كان الحكم فقيرا مملقا حتي أنه عندما دخل المدينة بعد سني النفي والطرد، كان عليه ثوب خلق بال، وهو يسوق تيسا والناس ينظرون إليه، وقد كساه عثمان جبة خز وطيلسان، ثم ولاه علي صدقات قبيلة قضاعة، فبلغت ثلاثمئة ألف درهم فرجعها له (3).
2 - مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، وهو ابن عم عثمان، أرسله عثمان مع الغزو
١ - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ط النجف ص ٦٤، نهج البلاغة رقم خ ٧٥.
٢ - أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٢٧، أسد الغابة لابن الأثير ج ٢ ص ٣٤، والإصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني ج ١ ص ٣٤٥.
٣ - راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٨ و 164 و 168.
(٨٥)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مروان بن الحكم (1)، يوم عرفة (1)، الحكم بن أبي العاص (1)، الشام (2)، دمشق (1)، القتل (2)، السجود (1)، البول (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، مدينة النجف الأشرف (1)، كتاب نهج البلاغة (1)

صفحه 086

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٦
المتجه إلي أفريقيا، فلما عاد الجيش ومعه الغنائم، أعطي عثمان ابن عمه خمس تلك الغنائم (1).
قال المؤرخون: وأقطع مروان فدكا، وهي صدقة النبي التي طلبتها فاطمة من أبي بكر (2).
قال ابن حجر العسقلاني: إن مروان كان من أسباب قتل عثمان (3).
3 - الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، وهو ابن عم عثمان وأخو مروان. قال ابن عبد ربه الأندلسي، وابن أبي الحديد: تصدق رسول الله (ص) بمهزور (4) علي المسلمين، فأقطعها عثمان للحارث بن الحكم (5)، ثم زوجه ابنته عائشة، فأعطاه مئة ألف من بيت المال (6).
4 - الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو أخو عثمان لأمه، وكان أبو عقبة أشد الناس أذي لرسول الله (ص)، وعداوة للمسلمين، عمد إلي مكتل فجعل فيه عذرة (غائطا)، وجعله علي باب رسول الله (7).
أما هو فقد اشتهر أنه كان زانيا، شريب خمرة (8)، وكان له نديم نصراني (9).
ولاه عثمان علي الكوفة بعد أن عزل عنها سعد بن أبي وقاص، وكان يشرب مع ندمائه و مغنياته من أول الليل إلي الصباح، فخرج منفصلا في غلائله، فصلي بهم الصبح أربعا، وقال: أزيدكم؟ ونقل عن المسعودي، أنه قال في سجوده: إشرب واسقني (10).
5 - عبد الله بن أبي سرح القرشي، وهو ابن خالة عثمان وأخوه من الرضاعة، وكان كاتبا لرسول الله (ص)، فظهرت خيانته في الكتابة فطرده رسول الله (ص)، فارتد عن الإسلام
١ - الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٣ ص ٩١، فتوح أفريقيا لابن عبد الحكم ص ٥٨ - ٦٠، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٢٥، للسيوطي في تاريخ الخلفاء ط مصر ص ١٥٦.
٢ - تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ٢٣٢، والعقد الفريد ج ٤ ص ٢٨٣، وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤٩، وسنن البيهقي ج ٦ ص.
٣ - الإصابة للعسقلاني / دار إحياء التراث العربي ج ٣ ص ٤٧٨.
* مهزور: وادي بني قريظة بالحجاز وكان خصبا.
٥ - العقد الفريد ج ٤ ص ٢٨٣، ونهج البلاغة ج ١ ص ١٩٨.
6 - المصدر نفسه.
7 - الكامل لابن الأثير ج 2 ص 74.
8 - الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ج 5 ص 126.
9 - تاريخ المدينة لعمر بن شبة ج 3 ص 974، والأغاني لأبي فرج الإصفهاني ج 5 ص 135.
10 - الأعلام للزركلي ط بيروت ص 122، في الحاشية نقلا عن المسعودي.
(٨٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، مدينة الكوفة (1)، الحكم بن أبي العاص (1)، الوليد بن عقبة (1)، السجود (1)، القتل (1)، الرضاع (1)، الصّلاة (1)، التصدّق (1)، الغنيمة (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، كتاب تاريخ المدينة لابن شبة النميري (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، مدينة بيروت (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)

صفحه 087

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٧
ولحق بأهل مكة وأخبرهم: إني كنت أصرف محمدا حيث أريد، كان يملي علي (عزيز حكيم)، فأقول: عليم حكيم، فأنزل الله فيه: (ومن أظلم ممن افتري علي الله كذبا أو قال أوحي إلي)، فأهدر الرسول دمه، وبعد فتح مكة استأمن له عثمان من النبي (ص) (1).
6 - عبد الله بن عامر بن كريز الأموي وهو ابن خالة عثمان، وقد ولاه البصرة وعمره خمس وعشرون سنة (2).
علي أية حال، فقد كان عثمان محبا لأقاربه من بني أمية، ونقل عنه أنه قال:
والله لو أن مفتاح الجنة بيدي: لأدخلت بني أمية إليها (3).
ويبدو أن حب عثمان لأقربائه وتقربهم حتي أن عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة، وسمي أهل الشوري وذكر أوصافهم: قال عن عثمان: والله لئن كان الأمر إليه ليحملن بني أبي معيط - أي بني أمية - علي رقاب الناس (4) شئ من حرب البصرة.
علي الرغم من أن طلحة والزبير كانا من أشد الناقمين علي سياسة عثمان، ومع أنهما سبقا الناس في البيعة للإمام علي (ع) بعد قتل عثمان، فإن الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام (ع) لم تجد هوي في نفسيهما، فبدأ العمل للخروج علي الإمام، وإثارة المسلمين عليه، فكانت حصيلة ذلك فتنة عمياء كبدت الأمة خسارة فادحة: حيث أقنعا عائشة بنت أبي بكر بالخروج معهما، لقيادة المعارضة لحكم أمير المؤمنين (ع)!.
وما دام القوم قد رفعوا قميص عثمان للمطالبة بدمه، فلننظر موقف القيادات التي تزعمت حركة المطالبة بدمه - كيفا كان موقفها من عثمان نفسه - عند ما كان حيا.
روي أن الزبير كان يقول: اختلط عثمان، فقد بدل دينكم، فقالوا له: إن ابنك يحامي عنه بالباب - وكان ذلك أثناء الحصار الذي فرضه الثائرون علي بيت عثمان - فقال الزبير: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني، إن عثمان جيفة علي الصراط غدا (5).
وأما طلحة، فقد ذكر المؤرخ الواقدي: إنه لما قتل عثمان وتذاكروا أمر دفنه والمكان
١ - مستدرك الصحيحين للحاكم ج ٣ ص ١٠٠، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٣ ص ١٧٣، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٤٩.
٢ - تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٩، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٣ ص ١٩١.
٣ - البداية والنهاية لابن كثير ج ٧ ص ١٧١، ومسند أحمد ج ١ ص ٦٢، وفي الغدير ج ٨ ص ٢٩١ باختلاف يسير.
4 - تاريخ المدينة المنورة لعمر بن شبة ج 3 ص 881.
5 - ابن أبي الحديد ج 2 ص 404.
(٨٧)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي (ص) (1)، عبد الله بن عامر (1)، بنو أمية (3)، مدينة البصرة (2)، القتل (3)، الحرب (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (2)، كتاب تاريخ المدينة لابن شبة النميري (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 088

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٨
الذي يدفن فيه، قال لطلحة: يدفن بدير سلع - يعني مقابر اليهود (1)، وقال ابن أبي الحديد: كان طلحة أشد الناس تحريضا علي عثمان، وكان الزبير دونه في ذلك.
وأما عائشة بنت أبي بكر، فقد كانت أشد القوم في حربها لعثمان، ونظرا لمكانتها في النفوس فقد كان الرواة والركبان يتناقلون فورا ما كانت تتفوه به ضده، حتي قالت لمروان: يا مروان وددت والله أنه - أي عثمان - في غرارة من غرائري هذه، وإني طوقت حمله حتي ألقيه في البحر (2)، كما التقت وهي في طريقها إلي الحج بالصحابي الجليل عبد الله بن عباس فنهته عن نصرة عثمان قائلة: يا بن عباس، إنا لله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا، فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية (3)، وكانت تطلق شعارا ضد عثمان: أقتلوا نعثلا فقد كفر (4)، وتعني بنعثل الخليفة عثمان، وهي كلمة تعني الذكر من الضباع: والشيخ الأحمق، ويهوديا كان بالمدينة (5).
أما عمرو بن العاص، فبعد أن عزله عثمان عن ولاية مصر (6): تحصب عليه وخرج يحرض الناس ضد عثمان، وكان من أشد الناس طعنا علي عثمان، وقال: أبغض عثمان وحرضت عليه حتي الراعي في غنمه (7).
وأما معاوية، فقد أرسل مجموعة من الجند لنصرة عثمان، إلا أنه أمر قائدهم بالتوقف خارج المدينة، وكان الهدف من ذلك، أنه ينتظر عقبي الصراع (8).
إلا أن مقتل عثمان ومبايعة المسلمين للإمام علي (ع) جعل الأمور تتخذ مجري آخر، كما أسلفنا: حيث أن عدالة علي وتمسكه بالإسلام لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز وامتلكوا الضياع، وبنوا القصور من أموال المسلمين، فقاموا متحدين تدفعهم أحقادهم الدفينة وعقيدتهم المهلهلة لمقاومة رمز العدالة أمير المؤمنين (ع)، وقد بذل الإمام جهدا كبيرا
١ - تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٧٦، والغدير للأميني ج ٩ ص ٧٨ نقلا عن أنساب الأشراف للبلاذري.
٢ - تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٧٦، والغدير للأميني ج ٩ ص ٧٨ نقلا عن أنساب الأشراف للبلاذري.
٣ - الغدير ج ٩ ص ٧٨ نقلا عن البلاذري، وتاريخ الطبري، وشرح ابن أبي الحديد.
٤ - عن تاريخ الطبري، وتاريخ ابن أعثم، وتاريخ ابن الأثير، والنهاية لابن الأثير، وأحاديث أم المؤمنين عائشة ص ١٠٥.
٥ - راجع النهاية لابن الأثير، وتاج العروس، ولسان العرب.
6 - تاريخ المدينة المنورة ج 3 ص 1088، والطبري ج 3 ص 392.
7 - المصدر نفسه ص 1089.
8 - علي إمام المتقين لعبد الرحمن الشرقاوي ج 1 ص 207.
(٨٨)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، عبد الله بن عباس (1)، عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي (ص) (1)، عمرو بن العاص (1)، الحج (1)، الهدف (1)، القتل (1)، الدفن (2)، القبر (1)، أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الغدير للعلامة الأميني (2)، كتاب تاريخ المدينة لابن شبة النميري (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (2)، إبن الأثير (3)، كتاب تاريخ الطبري (2)

صفحه 089

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٩
لتحاشي فتنة الجمل، فلم يأل جهدا في بذل النصح للخارجين عليه، وتحميلهم مغبة وعواقب الحرب، فقد أرسل للناكثين رسولا يدعوهم للصلح ورأب الصدع.
كما التقي (ع) بالزبير وذكره بأمور جرت لهما في عهد رسول الله (ص)، منها قوله:
ما حملك علي ما صنعت يا زبير؟ قال: حملني علي ذلك الطلب بدم عثمان. فقال الإمام (ع): إن أنصفت من نفسك أنت وأصحابك قتلتموه، ولكني أنشدك الله يا زبير، أما تذكر، قال لك رسول الله (ص): يا زبير أتحب عليا؟ فقلت: وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي؟ فقال لك (ص): أما أنك ستخرج عليه وأنت ظالم له؟ فقال الزبير: اللهم بلي قد كان ذلك … اللهم بلي، ولكني قد نسيت ذلك، وبعد أن ذكرتنيه لأنصرفن! (1).
الإمام وفتنة أهل الشام.
علي الرغم من الهزيمة الساحقة التي مني بها الناكثون لبيعة أمير المؤمنين (ع) في البصرة، فقد أطل قرن جديد للفتنة في بلاد الشام، قاده معاوية ضد الخليفة الشرعي والإمام (ع)، وحقا يقال: ما تجرأ معاوية علي حماقاته هذه إلا حينما رأي عائشة والزبير وطلحة وقد أحدثوا وتسببوا في مقتل الآلاف المؤلفة من النفوس المسلمة.
بدأ الإمام ببذل مساعيه لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فأرسل وفدا ثلاثيا إلي معاوية يدعوه إلي تقوي الله، والحفاظ علي وحدة الصف، والدخول في إجماع الأمة (2)، فما كان من معاوية إلا أن قال: انصرفوا عني فليس عندي إلا السيف (3)، ولما لاحت تباشير النصر لمعسكر الإمام (ع)، وأوشكت القوي الباغية علي الإنهزام: دبروا خدعة رفع المصاحف علي رؤوس الرماع والسيوف، مما نجم عن تلك الخطة الماكرة تغير جوهري في الموقف العام، وكان لرفع المصاحف من قبل معسكر معاوية صدي عميق في معسكر الإمام (ع): إذ سرعان ما سارت كثرة كاثرة من جيشه مطالبة بإيقاف القتال، فكثر اللغط بين الصفوف وآثر الآلاف ترك الحرب.
ومع أن الإمام تصدي لكشف خلفيات رفع المصاحف، واستعمل كل وسائله الإقناعية في البرهنة علي كونها خدعة، يراد بها عرقلة تحقيق النصر الذي بات وشيكا لجيش الإمام (ع)، إلا أن المطالبين بإيقاف القتال لم يستجيبوا لنداءاته المتكررة في هذا المضمار، ولعل بعضهم استعمل لغة التهديد للإمام (ع) (4)، ثم تلي ذلك الفصل الثاني من المأساة، فاختارت
1 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 79، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 77.
2 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 87.
3 - المصدر نفسه.
4 - تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 96.
(٨٩)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، صلح (يوم) الحديبية (1)، مدينة البصرة (1)، الشام (2)، القتل (3)، الحرب (2)، الظلم (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (2)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)

صفحه 090

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٠
الغوغاء أبا موسي الأشعري لتمثيل معسكر الإمام (ع)، بينما اختار معاوية ابن العاص، علي أن الإمام (ع) قد رفض فكرة تمثيل الأشعري لمعسكره: باعتبار أن الأشعري كان معتزلا للإمام، ولم يكن يري في الإمام (ع) أهلا لتولي الخلافة بعد عثمان (1)، هو وآخرون ممن اعتزلوا الإمام (ع)، وكان يخذل الناس عن نصرة الإمام: مما حمل الإمام علي عزله من ولاية الكوفة (2).
وتشير بعض الروايات إلي أن التمزق في جيش الإمام (ع) بلغ ذروته، حتي هدده بعض المتنفذين من جنده أن يفعلوا به ما فعلوا بعثمان، أو يدفعوه إلي معاوية؟ (3).
شئ من معركة النهروان.
وهكذا ثم نري كيف غدر عمرو بن العاص بالأشعري بعد أن استغفله وخلع أمير المؤمنين (ع)، إلا أن الإمام (ع) ورغم اصراره علي الحرب: فقد رأي من الضروري أن يطوق الفتنة التي أحدثها الخوارج أولا.
بعد واقعة التحكيم عاد الإمام (ع) بجيشه إلي الكوفة، ففوجئ بخروج طائفة من جيشه يبلغ تعدادها أربعة آلاف معلنة تمردها علي الإمام (ع) فلم تدخل معه الكوفة، وإنما سلكت سبيلها إلي حروراء،] و [كان قوامها من الفئات التي أرغمته علي التحكيم في حرب صفين (4).
وقد كان الإمام (ع) عازما علي عدم التعرض لهم ابتداء: ليمنحهم فرصة التفكير جديا بما أقدموا عليه، غير أنهم بدأوا يشكلون خطرا حقيقيا علي دولة الإمام (ع) من الداخل وبدأ خطرهم يتعاظم، فقتلوا بعض الأبرياء والآمنين: سيما الصحابي الجليل عبد الله بن خباب، وبقروا بطن زوجته وهي حامل، وقتلوا نسوة من طئ، فلما بلغ أمرهم أمير المؤمنين (ع)، أرسل إليهم الحارث بن مرة العبدي، ليتعرف علي حقيقة الموقف، غير أنهم قتلوه كذلك (5)، وبعث الإمام (ع) إليهم الصحابي الجليل قيس بن سعد فوعظهم وحذرهم مغبة موقفهم الأحمق، وأهاب بهم للرجوع عما يرون من جواز سفك دماء المسلمين، وتكفيرهم دون وجه حق (6)، وقد نجحت المحاولات المستمرة للإمام (ع) في رأب الصدع وتفادي إراقة الدماء، بعد أن تفرق قسم كبير من جيش الخوارج، حتي انخفض عددهم إلي أربعة آلاف، بعد أن بلغ عددهم اثني عشر ألفا.
١ - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٩٦، وتذكرة الخواص ص ٩٦.
٢ - المصدر نفسه.
٣ - تذكرة الخواص ص ٩٥.
٤ - يوليوس فلهوزن / الخوارج والشيعة ص ٣٢.
5 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 108.
6 - المصدر نفسه ص 109
(٩٠)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، مدينة الكوفة (3)، عبد الله بن خباب (1)، عمرو بن العاص (1)، قيس بن سعد (1)، الخوارج (3)، الزوجة (1)، القتل (1)، الحرب (2)، الجواز (1)، الرفض (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (2)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)

صفحه 091

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩١
وقد بدأ الباقون منهم بمهاجمة جيش الإمام (ع)، وحينها طوقتهم قوات الإمام (ع) وتحقق الظفر لراية الحق.
حين انتهي التحكيم الذي اقترحه المخدوعون برفع المصاحف في معركة صفين، وكما أسلفنا، حين رجع جيش الإمام (ع) لمقاتلة الخوارج المارقين في النهروان: بدأ معاوية بن أبي سفيان يتصرف وكأنه الملك الذي تنبغي اطاعته، وراح يجبي أموال الزكاة والخراج وغيرهما له، علي الرغم من وجود الإمام (ع)، خليفة المسلمين الشرعي، واتبع أساليب بمنتهي الخسة والقذارة، ولا تمت إلي الإسلام بصلة، ومنها:.
1 - أرسل عام 40 للهجرة بسر بن أرطأة علي رأس جيش من ثلاثة آلاف مقاتل، ووجهه إلي اليمن، وأمره أن يأخذ طريق الحجاز والمدينة ومكة حتي ينتهي إلي اليمن، وقال: لا تنزل علي بلد أهله علي طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك (1)، حتي يروا أنه لا نجاة لهم منك وأنك محيط بهم، ثم اكفف عنهم وادعهم إلي البيعة لي، فمن أبي فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا (2)، وقد نفذ بسر أوامر سيده معاوية بحذافيرها، وزاد عليها فضائع وجرائم يندي لها الجبين، فأخذ يتتبع كل من كان له بلاء مع علي، أو من أصحابه، وكل من يرفض البيعة لمعاوية، فأخذ يحرق دورهم ويخربها وينهب أموالهم، وقد أحصي عدد الذين قتلوا علي يد بسر ثلاثين ألفا.
وعند ما توجه إلي حضرموت قال: أريد أن أقتل ربع حضرموت (3).
2 - أمر معاوية سفيان بن عوف الغامدي ان يدخل العراق منحدرا مع نهر الفرات وأوصاه أن يغير وينهب ويحرق ويقتل من يوالي عليا (ع)، وقد أرسل معه جيشا تعداده ستة آلاف مقاتل.
3 - أرسل معاوية الضحاك بن قيس الفهري مع ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف مقاتل وأوصاه بالسير بناحية الكوفة.
والغريب أن هذا السفاك كان يتباهي بأعماله الإجرامية تلك، فقد خطب علي منبر الكوفة بعد تلك الواقعة بسنين مفتخرا ومخوفا أهل الكوفة: أما إني لصاحبكم الذي أغرت علي بلادكم، فكنت أول من غزاها في الاسلام، أعاقب من شئت وأعفو عمن شئت، لقد ذعرت المخدرات في خدورهن، وان كانت المرأة ليبكي ابنها فلا ترهبه ولا تسكته الا بذكر اسمي، أنا الضحاك بن قيس، انا أبو أنيس، أنا قاتل عمرو بن عميس (4).
كما أرسل معاوية الكثير من أذنابه اللئام وأحدثوا مقتلة عظيمة في أكثر الثغور الاسلامية.
1 - أي تخويفهم وارعابهم وتهديدهم.
2 - الغارات للثقفي ص 598.
3 - المصدر نفسه ص 631.
4 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 121 والغارات للثقيفي ص 437.
(٩١)
مفاتيح البحث: دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (3)، نهر الفرات (1)، الضحاك بن قيس (2)، الخوارج (1)، القتل (7)، الزكاة (1)، الموت (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي (1)

صفحه 092

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٢
حين انهي الامام حركة المارقين والقاسطين أمر بتعبئة جيشه وأعلن حالة الحرب لاستئناف القتال مع أهل الشام الذين عاثوا فسادا في الأرض وقال من ضمن خطبه.
الجهاد، الجهاد عباد الله ألا واني معسكر في يومي هذا، فمن أراد الرواح إلي الله فليخرج (1).
وبينما كان أمير المؤمنين يواصل تعبئة قواته من أجل ان ينهي حركة البغي التي يقودها معاوية في بلاد الشام، كان يجري في الخفاء تخطيط لئيم من أجل اغتيال الإمام (ع) وفعلا فقد اغتيل الإمام (ع) وهو في أفضل ساعة حيث يقوم بين يدي الله في صلاة خاشعة وفي أشرف الأيام حيث كان يؤدي صوم شهر رمضان المبارك، وفي بقعة مباركة من مسجد الكوفة الشريف، حيث امتدت يد الأثيم المرادي إلي خير أولياء الله، فضربه بسيفه وهو في سجوده عند صلاة الفجر في صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام 40 للهجرة وبهذا خسرت الأمة الاسلامية مسيرة وحضارة وأمة، كلها تتمثل في شخص أمير المؤمنين (ع) ولقد بقي الإمام (ع) يعاني من علته ثلاثة أيام، عهد خلالها بالإمامة إلي ولده الحسن السبط (ع) ليمارس بعده مسؤولياته في قيادة الأمة الاسلامية. فسلام علي أمير المؤمنين يوم ولد ويوم قضي شهيدا ويوم يبعث حيا.
فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
ولادتها:.
في ظلال أبيها رسول الله (ص) وأحضان أمها الطاهرة، خديجة بنت خويلد بن أسد، ولدت فاطمة الزهراء في مكة المكرمة، في يوم الجمعة في العشرين من شهر جمادي الآخرة (2)، فاستقبل رسول الله (ص) ابنته الحبيبة بالفرح والرضا، وسماها (فاطمة) (3).
لقد أثمرت شجرة النبوة المباركة، وأذن الله لدوحة الرسول (ص) أن تمتد فروعها، و تستطيل آفاقها بميلاد فاطمة في أجيال هذه الأمة.
إذ لم يكن في الدنيا أحد يماثل الرسول في صفاته وشمائله كفاطمة، ولقد لفتت هذه المزايا والعلاقة، والآصرة المتينة بين رسول الله (ص) وابنته فاطمة أنظار الذين عايشوها، فتحدثوا عن ذلك الشبه وأكثروا القول فيه، فهذه عائشة زوج رسول الله (ص) تتحدث عن
١ - نهج البلاغة. / خ رقم ١٨٢.
٢ - المجالس السنية للسيد محسن الأمين ط ٦ ج ٥ ص ٥٣، وقال بعض المؤرخين أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين، غير أن معظم روايات أهل البيت (ع) تذهب إلي أنها (ع) ولدت بعد البعثة بخمس سنين، ومما يؤكد ذلك ما ذكرته كتب التاريخ من أن كل ولد خديجة (ع) ولدوا بعد البعثة النبوية الشريفة.
٣ - عيون أخبار الرضا (ع) ج ٢ ص ٤٦، ووردت روايات متعددة في علة تسميتها بالزهراء:
منها ما روي عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن فاطمة لم سميت الزهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء، معاني الأخبار ص ٦٤.
(٩٢)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، صلاة الفجر (الصبح) (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (1)، شهر رمضان المبارك (2)، الشام (2)، السجود (1)، التعبأة، العبء (1)، الإخفاء (1)، البعث، الإنبعاث (2)، القتل (1)، الصيام، الصوم (1)، الصّلاة (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (1)، مبعث النبي صلي الله عليه وآله (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، محمد بن عمارة (1)

صفحه 093

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٣
هذه الوشائج والرابطة الجسدية والروحية والأخلاقية بين خير البشرية وابنته فاطمة فتقول:.
ما رأيت أحدا أشبه سمتا ود وهديا برسول الله (ص) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله (ص)، وقالت: وكانت إذا دخلت علي النبي (ص): قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي (ص) إذا دخل عليها، قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها (1)، وقالت عائشة: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله (ص) (2).
حياتها:.
ولدت فاطمة ودرجت في بيت النبوة، وترعرت في ظلال الوحي، ورضعت مع لبن خديجة، حب الايمان ومكارم الأخلاق، وحنان الأب الأكرم الرسول الأعظم (ص)، فقد عاشت في جو روحي وسمو العائلة القدسي، وشاء الله تعالي أن تبدأ فاطمة طفولتها الطاهرة في مرحلة من أشد مراحل الدعوة الاسلامية ضراوة ومحنة، وأكثرها قسوة وأذي لأمها وأبيها، فقد ولدت في أوج الصراع بين الاسلام والجاهلية المقيتة، وفتحت عينيها في ضراوة الجهاد بين الطليعة المؤمنة، وبطون قريش الوثنية، وهاهي قريش تفرض المقاطعة والحصار علي رسول الله (ص) وأعمامه وسائر بني هاشم، والثلة المؤمنة من الدعاة و طلائع الجهاد: فيدخل الرسول (ص) شعب أبي طالب، وتدخل معه رفيقة حياته وشريكته في جهاده، زوجته المجاهدة، وتدخل معهما فاطمة، ومعهم الطليعة المسلمة، فتحاصرهم قريش ثلاث سنين، وبذا عايشت الزهراء الحصار، وذاقت في طفولتها مرارة الجهاد وشظف العيش.
وتمر سنون الحصار صعبة ثقيلة، ويخرج رسول الله ومن معه من الحصار، وقد كتب الله تعالي لهم النصر والغلبة، وتخرج أم المؤمنين خديجة الكبري، وقد أثقلتها السنون، وأرهقها عناء الحصار والحرمان، وقد بلغت الخامسة والستين من عمرها الشريف، و شاء الله أن يختارها لجواره: فتوفيت في ذلك العام الذي خرج فيه المسلمون من الحصار، وكان العام العاشر من البعثة الشريفة، كما وتوفي في العام ذاته حامي الدعوة الاسلامية وناصرها أبو طالب (ع)، عم الرسول (ص)، فكان هذا العام حقا عام فراق الأحبة، فسمي بعام الحزن، إذ ليس الرسول (ص) وحده الذي رزئ: بل وفاطمة الصبية الصغيرة التي لم ترتو بعد من حنان الأمومة وعطفها، فقد شعرت بغمامة الحزن واليتم والفراق قد خيمت علي حياتها.
ويحس الرسول الأكرم (ص) بوطأة الحزن علي نفس فاطمة (ع)، فلقد أحبها (ص) وأحبته، و حنا عليها، وحنت عليه، فلم يكن أحد أحب إلي قلبه ولا انسان أقرب إلي نفسه من فلذة كبده فاطمة (ع)، فكان صلوات الله عليه وآله وسلم يؤكد علي محبته واحترامه لفاطمة، وعظيم قدرها، ليعرف المسلمون مقامها ومكانة الأئمة الأطهار من ذريتها، وها هو رسول الله (ص) يعرف فاطمة، ويؤكد علي عدم إغضابها:
1 - فضائل الخمسة للفيروز آبادي ج 3 ص 157، ومستدرك الصحيحين ج 4 ص 272.
2 - المستدرك علي الصحيحين للحاكم ج 3 ص 154، وكشف الغمة للإربلي ج 2 ص 79.
(٩٣)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، مكارم الأخلاق (1)، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، أبو طالب عليه السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (11)، شعب أبي طالب (ع) (1)، بنو هاشم (1)، الزوجة (1)، الكرم، الكرامة (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الحزن (3)، الصّلاة (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب كشف الغمة للإربلي (1)

صفحه 094

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٤
فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني (1).
إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها (2).
وتكبر فاطمة (ع) وتشب، ويشب معها حب أبيها لها، ويزداد حنانه عليها، وتبادله فاطمة هذا الحب، وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيسميها أم أبيها (3)، وقد عايشت وشهدت - وهي لما تزال صبية - محنة أبيها وأذي قريش واستهزاءهم به، فساهمت هذه المواقف الصعبة في صنع شخصيتها، وعلمتها كيف تواجه الحياة بجلادة، وكيف تنتصر علي المحن التي تنتظرها، فلقد كانت هذه الشدائد تمر علي الزهراء (ع) بمثابة تأهيل نفسي: لتستقبل وتتهيأ لما ينتظرها من عزائم الأمور. وبعد الهجرة المباركة من مكة إلي يثرب تحل فاطمة بدار هجرتها، وتنضم إلي بيت أبيها المتواضع، فتنعم بعنايته وحبه ورعايته التي لم يحظ أحد من الناس بها، وحتي أزواجه اللاتي جئن بعد خديجة، سواها.
عن أم سلمة أنها قالت: تزوجني رسول الله (ص) وفوض أمر ابنته إلي، فكنت أؤدبها، وكانت والله أأدب مني، وأعرف بالأشياء كلها (4).
ولما كانت فاطمة (س) ذات الشرف والمجد الرفيع تعيش في كنف أبيها، فقد اتجهت الأنظار إليها، وكل يحدث نفسه بأن يحظي بالاقتران بها، لينال شرف الانتساب إلي أشرف خلق الله، فهي أعظم امرأة في شرفها ودينها ومكانتها عند بارئها.
وحين اعتذر رسول الله] ص [عن تزويج فاطمة لأبي بكر ولعمر: ذهبا إلي علي (ع) وهو يسقي في بستان نخل فقالا: قد عرفنا قرابتك من رسول الله، وقدمك في الإسلام، فلو أتيت إلي رسول الله (ص) فخطبت إليه فاطمة: لزادك الله فضلا إلي فضلك، وشرفا إلي شرفك، فإنا نرجو أن يكون الله ورسوله إنما يحبسانها عليك، فانطلق وأقبل إلي النبي (ص)، وكان في منزل أم سلمة فسلم عليه فرد عليه السلام، وجلس بين يديه، ينظر إلي الأرض، فقال له النبي (ص): أتيت لحاجة؟ قال: نعم أتيتك خاطبا ابنتك فاطمة، فهل أنت مزوجي يا رسول الله؟ قالت أم سلمة: فرأيت وجه رسول الله يتهلل فرحا و سرورا، ثم يبتسم في وجه علي، ودخل علي فاطمة فقال لها: إن علي بن أبي طالب قد عرفت قرابته، وفضله وإسلامه وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه، وأحبهم إليه، و قد ذكر من أمرك شيئا، فما ترين؟ فسكتت، فخرج رسول الله (ص) وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها، فقال: يا علي هل معك شئ أزوجك به؟ قال: سيفي ودرعي وناضحي، فقال: أما سيفك فلا غني بك عنه، تجاهد به في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به علي نخلك وأهلك،
١ - البخاري ج ٢ ص ١٨٥، ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٣٢، والإصابة لابن حجر ج ٤ ص ٣٧٨، و غيرها.
٢ - سنن الترمذي ج ٥ ص ٦٩٩، وفضائل الخمسة للفيروز آبادي ج 3 ص 185، وغيرهما.
3 - أسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 520، والاستيعاب لابن عبد البر ج 4 ص 380.
4 - راجع دلائل الإمامة باسناده عن ابن عباس، وبحار النوار للمجلسي ج 43 ص 10.
(٩٤)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (3)، مدينة مكة المكرمة (1)، يوم عرفة (1)، المدينة المنورة (1)، علي بن أبي طالب (1)، سبيل الله (1)، الغني (1)، الزوج، الزواج (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)

صفحه 095

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٥
وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكني قد زوجتك بالدرع (1).
فانطلق علي وباع درعه إلي عثمان بن عفان بأربعمئة وثمانين درهما، فصبها بين يدي النبي (ص) (2).
وبعد أن قرت عين الزهراء بهذه الخطبة السعيدة، وزوج الله فاطمة عليا (ع)، أراد رسول الله، أن يعلن لعامة المسلمين هذا النبأ العظيم، فأمر أنس بن مالك أن يجمع فئة من الصحابة ليعلن عليهم نبأ تزويج فاطمة لعلي، قال أنس: فدعوتهم، فلما اجتمعوا عنده كلهم، وأخذوا مجالسهم، ثم قال (ص): إن الله قد أمرني أن أزوجك فاطمة علي أربعمئة مثقال فضة إن رضيت بذاك، فقال (ع): قد رضيت بذلك يا رسول الله.
قال أنس بن مالك: فقال النبي (ص): جمع الله شملكما، وأسعد جدكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيرا طيبا، قال أنس: فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب (3) وهذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة الإلهية والوحي يلفت أنظارنا، ويلقي علي أسماعنا هذه الأسئلة المهمة:
1 - لماذا لم يرخص لفاطمة بتزويج نفسها؟
2 - ولم لم يرخص لرسول الله، وهو أبوها ونبيها بتزويجها - والنبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم - إلا بعد أن نزل القضاء بذلك؟.
3 - ولماذا أخص زواج فاطمة دون النساء بهذه الميزة؟ فلابد إذا وأن يكون هناك سر وحكمة إلهية ترتبط بهذا الزواج، وتتوقف علي هذه العلاقة الإنسانية الخطيرة علاقة فاطمة بنت رسول الله (ص) بابن عمه و (أخيه علي بن أبي طالب (ع)، كما كان يسميه رسول الله نفسه، وهو الذي تربي في بيت رسول الله (ص) وعاش معه وشب في ظلال الوحي، ونما في مدرسة النبوة: حتي قال عليه السلام: وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة، والمنزلة الخصيصة …، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (ص) وخديجة، وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة (4).
إن هذا السر والإعداد لم يكن غامضا، وهذه العناية لم تكن مجرد علاقة رحم وقرابة، فالأمر ذو علاقة بحياة هذه الأمة، وهذه العلاقة ترتبط بامتداد فرع النبوة والإمامة. سئلت عائشة: أي الناس أحب إلي رسول الله (ص)؟ قالت: فاطمة، قيل:
من الرجال؟ قالت: زوجها، أن كان - ما علمت - صواما قواما (5).
روي عن أبي الحمراء أنه قال: رابطت] في [المدينة سبعة أشهر، كيوم (6)، فكان النبي (ص)
١ - فاطمة من المهد إلي اللحد للسيد محمد كاظم القزويني ص ١٧١.
٢ - المجالس السنية للسيد محسن الأمين ج ٣ ص ٧٣ و ٧٤.
٣ - ذخائر العقبي للطبري ص ٣٠ و ٣١، وأخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي.
٤ - الإمام علي (ع) نهج البلاغة لمحمد عبده ص ٤١٧، ط مصر.
٥ - ذخائر العقبي للطبري ص ٦٢، وأخرجه الترمذي وابن عبد البر في الاستيعاب ج ٤ ص ٣٧٨.
* كيوم: أي انقضت عليه كيوم واحد.
(٩٥)
مفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، أنس بن مالك (2)، الزوج، الزواج (5)، السيد محمد كاظم القزويني (1)، كتاب ذخائر العقبي (2)، كتاب نهج البلاغة (1)

صفحه 096

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٦
يأتي عليا وفاطمة كل غداة، فيقول: الصلاة، الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (1).
روي ابن عباس قال: كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله (ص)، إذ دخل علي بن أبي طالب فسلم، فرد عليه رسول الله السلام، وقام إليه وعانقه وقبل بين عينيه و أجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله أتحب هذا؟ فقال رسول الله (ص):
يا عم والله، لله أشد حبا له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، و جعل ذريتي في صلب هذا (2).
روي: إن النبي (ص) عاد فاطمة وهي مريضة، فقال لها: كيف تجدينك يا بنية؟ قالت:
اني لوجعة، وإنه ليزيدني أني مالي طعام آكله، قال: يا بنية، أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت: يا أبت فأين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة (3).
قالت عائشة: كنت جالسة عند رسول الله (ص) فجاءت فاطمة تمشي، كأن مشيتها مشية رسول الله (ص) فقال: مرحبا يا بنتي فأجلسها عن يمينه، أو عن شماله ثم أسر إليها شيئا فبكت، ثم أسر إليها، فضحكت، قالت قلت: ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء، أستخصك رسول الله (ص) بحديثه ثم تبكين؟ قلت: أي شئ أسر إليك رسول الله (ص) قالت: ما كنت لأفشي سره، فلما قبض (ص) سألتها، قالت] ع [، قال: إن جبرئيل (ع) كان يعارضني في كل عام مرة، وإنه عارضني بهذا العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي، وإنك أول] أهل [بيتي لحوقا بي، ونعم السلف أنالك، فبكيت لذلك، فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين؟ قالت: فضحكت لذلك (4).
ولم تعش الزهراء طويلا بعد أبيها، وكما أخبرها (ص) أنها أول أهل بيته لحوقا به، فقد اختلف المؤرخون في المدة التي عاشتها فاطمة بعد أبيها، فذهب بعضهم إلي أنها عاشت خمسة وسبعين يوما، وذهب آخرون إلي أنها عاشت ثلاثة أشهر، وقال غيرهم:
إنها عاشت ستة أشهر، ولقد عاشت فاطمة هذه المدة الوجيزة صابرة محتسبة، قضتها بالعبادة والانقطاع إلي الله، كما ساهمت قضية الخلافة والبيعة مساهمة مؤلمة ومؤثرة في حياتها و وغيرها.
الطاهرة إلي الملكوت الاعلي صابرة محتسبا سلام الله عليها وهي غاضبة علي الحكام الجدد في سلب حقها في قدك وغيرها، بعد أن كان رسول الله قد أعطاها إياها وتصدق بها عليها، وبما أفاء الله علي أبيها (ص) بالمدينة ومن خمس خيبر.
فقد رفض أبو بكر أن يعطيها شيئا ورد شهادة علي والحسنين (ع).
١ - تاريخ ابن كثير ج ٥ ص ٣٢١.
٢ - ذخائر العقبي للطبري ص 67، وأخرجه أبو الخير الحاكمي في الأربعين.
3 - الإستيعاب لابن عبد البر ج 4 ص 372 المطبوع بهامش الإصابة.
4 - طبقات ابن سعد ج 2 ص 47، والاستيعاب لابن عبد البر ج 4 ص 1894، ومسند أحمد ج 6 ص 282، ومسند مسلم ج 7 ص 142، وابن ماجة ج 1 ص 518، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 226
(٩٦)
مفاتيح البحث: مريم بنت عمران عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، عبد الله بن عباس (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، خيبر (1)، البكاء (1)، الزوج، الزواج (1)، الشهادة (1)، الطعام (1)، الصّلاة (2)، الصّلب (1)، الرفض (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)، إبن ماجة (1)

صفحه 097

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٧
مظلوميتها، وكانت سببا مهما وبليغا في عروج روحها الطاهرة إلي الملكوت الأعلي صابرة محتسبة سلام الله عليها، وهي غاضبة علي الحكام الجدد في سلب حقها في فدك وغيرها، بعد أن كان رسول الله قد أعطاها إياها وتصدق بها عليها، وبما أفاء الله علي أبيها (ص) بالمدينة وبخمس خيبر، فقد رفض أبو بكر أن يعطيها شيئا، ورد شهادة علي والحسنين (ع).
قضية فدك:.
إن الحديث عن ميراث الزهراء (ع) طويل ومتشعب وذو شجون، ولابد لنا من الإحجام عن التوسع والإفاضة، ولكننا نلم به بما لا يمكن تجاوزه.
] فإن الله تعالي [اختص حبيبه محمدا (ص) بملكية قسم من الأموال ومن تلكم الأموال ما يصطلح عليه ب (الفئ)، وهو غنيمة أموال المشركين مصالحة، من غير حرب أو مشاركة، من مقاتلي المسلمين، فتكون خالصة لرسول الله (ص) وفقا لما وردت عليه في القرآن الكريم، حيث قال تعالي: (ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري، فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل … ) (١).
وقد قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك بعد أن فرغ النبي من خيبر، فصالحوه، فملك ما ملك منها خالصا له، لأنه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.
وفي شواهد التنزيل للحسكاني، وميزان الاعتدال للذهبي، ومجمع الزوائد للهيثمي، والدر المنثور للسيوطي، ومنتخب كنز العمال، واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري: لما نزلت (وآت ذا القربي حقه) (٢)، دعا النبي (ص) فاطمة وأعطاها فدكا.
ولما قبض رسول الله (ص)، وجلس أبو بكر مجلسه، بعث إلي وكيل فاطمة (ع) في أرض فدك فأخرجه منها، وصادر سائر ما أفاء الله علي رسوله في المدينة، وما بقي من سهم رسول الله (ص) بخيبر.
ولتبيان آية الخمس وذوي القربي التي نزلت علي الرسول (ص)، ينبغي لنا إيضاحها أولا، فقد نصت آية الخمس، علي أن الخمس لله ولرسوله ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل، ولنقف الآن علي كلمة (ذي القربي).
إن شأن ذي القربي، والقربي، وأولي القربي، في الكلام، شأن الوالدين فيه، فكما أن ذكر الوالدين أين ما جاء في الكلام قصد منه والدا المذكورين قبله، ظاهرا أو مضمرا، أو مقدرا، كذلك القربي، وأولوه وذووه.
فمثال المذكور منها ظاهرا قبله: ﴿ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربي﴾ (3).
فالمراد من أولي قربي هنا، هم أولو قربي النبي (ص)، وأولو قربي المؤمنين المذكورين ظاهرا قبل أولي قربي.
وأما المثال المذكور مضمرا فقوله تعالي: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي) (4).
١ - سورة الحشر / الآية ٧.
٢ - الإسراء: الآية ٢٦.
٣ - التوبة: ١١٣.
4 - الأنعام: الآية 152.
(٩٧)
مفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي (1)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، أبو سعيد الخدري (1)، القرآن الكريم (1)، خيبر (2)، الحرب (1)، الشهادة (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)، الخمس (3)، الرفض (1)، سورة الحشر (1)

صفحه 098

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٨
فالمراد من ذي القربي هنا، هو قربي مرجع الضمير في قلتم واعدلوا.
وأما المثال المذكور مقدرا فقوله تعالي: (وإذا حضر القسمة أولوا القربي) - (1).
والمراد قربي الميت المقدر ذكره فيما سبق من الآية.
إذا لما قال الله سبحانه في آية الخمس: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربي): فلابد أن يكون المراد من ذي القربي هنا قربي الرسول المذكورين بلا فاصله بعده (ص)، وكذلك المقصود من ذي القربي في قوله تعالي: (ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي) (2):
هم قربي الرسول (ص)، وكذلك المقصود من القربي في قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) (3):
هم قربي الضمير، فاعل أسألكم وهو الرسول (ص).
قال القاضيان الماوردي وأبو يعلي: صدقات رسول الله التي أخذها بحقيه: فإن أحد حقيه الخمس من الفئ والغنائم، والحق الثاني أربعة أخماس الفئ الذي أفاءه الله علي رسوله: مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب … إلي قولهما: فأما صدقات النبي (ص) فهي ثمانية!.
الصدقة الأولي: وهي أول أرض ملكها رسول الله (ص): وصية مخيريق اليهودي (الحوائط السبعة).
الصدقة الثانية: أرضه من أموال بني النظير بالمدينة.
الصدقة الثالثة والرابعة والخامسة: ثلاثة حصون من خيبر.
الصدقة السادسة: النصف من فدك.
الصدقة السابعة: الثلث من أرض وادي القري.
والصدقة الثامنة: موضع سوق بالمدينة، يقال له مزور (4).
وقال القاضي عياض: إنها صارت إليه بثلاثة حقوق.
أحدها: ما وهب له (ص)، وذلك وصية مخيريق اليهودي له عند إسلامه يوم أحد.
والثاني: حقه من الفئ من أرض بني النظير حين أجلاهم، كانت له خاصة لأنها لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
وأما منقولات بني النظير، فحملوا منها ما حملته الإبل، غير السلاح كما صالحهم، ثم قسم (ص) الباقي بين المسلمين، وكانت الأرض لنفسه، ويخرجها في نوائب المسلمين.
وكذلك نصف ارض فدك، صالح أهلها بعد فتح خيبر علي نصف أرضها، وكانت أيضا خالصة له، وكذلك ثلث أرض وادي القري، أخذه في الصلح حين صالح أهلها اليهود، وكذلك حصنان من حصون خيبر، وهما الوطيح والسلالم، أخذهما صلحا.
١ - النساء: ٨. / 2 - الحشر: الآية 7.
3 - الشوري: الآية 23.
4 - راجع الأحكام السلطانية للماوردي ص 168 - 171، والإحكام السلطانية لأبي يعلي ص 181 - 185. /
(٩٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، صلح (يوم) الحديبية (1)، المودة في القربي (1)، خيبر (3)، الموت (1)، الخمس (1)، الوصية (2)

صفحه 099

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٩٩
والثالث: سهمه من خمس خيبر، فكانت كلها ملكا للرسول (ص)، لا حق فيها لأحد (1).
وسوي ما ذكرنا، كان النبي (ص) قد ورث من أمه آمنة بنت وهب (رض) دارها التي ولد فيها بمكة المكرمة، وورث من زوجته خديجة (أم المؤمنين) بنت خويلد (رض) دارها، بمكة بين الصفا والمروة خلف سوق العطارين، فباعها عقيل بن أبي طالب بعد هجرة رسول الله (ص) إلي المدينة، فلما قدم مكة في حجة الوداع، قيل له: في أي داريك تنزل؟ فقال: هل ترك لنا عقيل من ربع؟ (2) يقول الخليفة عمر: لما قبض رسول الله جئت أنا وأبو بكر إلي علي فقلنا: ما تقول في ما ترك رسول الله (ص)؟، قال: نحن أحق الناس برسول الله، قال، فقلت: والذي بخيبر؟
قال: والذي بخيبر، قلت: والذي بفدك؟، قال: والذي بفدك، فقلت: أما والله حتي تحزوا رقابنا بالمناشير فلا (3) وأما رحل رسول الله، فقد روي هشام الكلبي عن عوانة الحكم: إن أبا بكر الصديق دفع إلي علي آلة رسول الله (ص) ودابته وحذاءه، وقال: ما سوي ذلك صدقة (4).
يقول البخاري: فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص)، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتي توفيت، وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر، قالت عائشة: فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة (5).
فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلي علي والعباس، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر و قال: هما صدقة رسول الله (ص) كانتا لحاجاته التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلي من ولي الأمر بعده، قال: فهما علي ذلك إلي اليوم (6).
وفي فتوح البلدان: إن فاطمة (ع) قالت لأبي بكر الصديق: أعطني فدكا فقد جعلها رسول الله (ص) لي، فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولي النبي (ص) فشهدا لها بذلك، فقال: إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل وامرأتين (7)، وفي رواية أخري: شهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أم أيمن.
جاء في معجم البلدان - مادة فدك قال ياقوت: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة - كتب إلي عامله بالمدينة يأمره برد فدك إلي ولد فاطمة (ع)، وبعد هذا في شرح النهج: فكتب إليه أبو بكر بن حزم: إن فاطمة قد ولدت في آل عثمان وآل فلان وفلان فعلي من أرد منهم؟
١ - كتاب الجهاد / حكم الفئ بشرح النووي علي صحيح مسلم.
٢ - راجع الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧١، وأبي يعلي ص ١٨٦.
٣ - راجع مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٩ باب (في تركة الرسول)، وعن الطبراني في الأوسط.
٤ - المصدر نفسه.
٥ - راجع صحيح البخاري ج ٢ ص ١٢٤ من كتاب الخمس / فرض الخمس، وصحيح مسلم الحديث ٥٤ من كتاب الجهاد، وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٣٤٦.
٦ - المصدر السابق من صحيح البخاري باب فرض الخمس.
٧ - فتوح البلدان ج ١ ص ٣٤ و 35.
(٩٩)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (8)، مدينة مكة المكرمة (3)، كتاب معجم البلدان (1)، عقيل بن أبي طالب عليه السلام (1)، علي بن أبي طالب (1)، آمنة بنت وهب (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، خيبر (3)، حجة الوداع (1)، الزوجة (1)، الصدق (2)، الشهادة (2)، الجواز (1)، التصدّق (2)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1)، كتاب صحيح البخاري (2)، الطبراني (1)، كتاب صحيح مسلم (2)، التاريخ الإسلامي (1)، الخمس (3)

صفحه 100

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٠
فكتب إليه: أما بعد فإني لو كتبت إليك آمرك أن تذبح شاة لكتبت إلي أجماء أم قرناء؟
أو كتبت إليك أن تذبح بقرة لسألتني ما لونها؟ فإذا ورد عليك كتابي هذا فأقسمها في ولد فاطمة (ع) من علي (ع)، والسلام، قال: فنقمت بنو أمية ذلك علي عمر بن عبد العزيز و عاتبوه فيه إلي أن قال، قال رسول الله (ص): فاطمة بضعة مني يسخطني ما يسخطها، و يرضيني ما يرضيها، وإن عمر بن العزيز قال: إن فدكا كانت صافية علي عهد أبي بكر وعمر ثم صار أمرها إلي مروان، فوهبها لعبد العزيز أبي فورثتها أنا وإخوتي عنه، فسألتهم أن يبيعوني حصتهم منها، فمن بائع وواهب حتي استجمعت لي، فرأيت أن أردها علي ولد فاطمة، … الخ (1).
قال أبو بكر: حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثني مهدي بن سابق قال: جلس المأمون للمظالم، فأول رقعة وقعت في يده نظر فيها وبكي، وقال للذي علي رأسه، ناد: أين وكيل فاطمة؟ فقام شيخ عليه دراعة وعمامة وخف ثغري فتقدم، فجعل يناظره في فدك، والمأمون يحتج عليه وهو يحتج علي المأمون، ثم أمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل و قرئ عليه فأنفذه (2).
إذن فالزهراء (ع) في مسألة فدك كانت - علي رأي أبي بكر - تطالب بما ليس لها فيه حق، وهي بذلك تكون علي أحد أمرين لا ثالث لهما أولهما: إنها كانت كاذبة - والعياذ بالله - تطمع بأخذ ما تعلم أنه ليس لها فيه حق!! وثانيها: إنها كانت جاهلة بالعلم الذي يعلمه أبو بكر، وقد التبست عليها أحكام الميراث!! ولا أحسب أننا بحاجة إلي تفنيد الاحتمال الأول.
وأما الثاني فقد تكفلت عليها السلام نفسها بتفنيده: حين واجهت أبا بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار بالقول: … وأنتم الآن تزعمون أن لا وارث لنا ولا حظ:
أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يؤمنون (3).
أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا، أعلي عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول سبحانه: (وورث سليمان داوود) (4).
وقال فيما اقتص من خبر زكريا: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) (5) … إلي قولها: أخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن من أبي وابن عمي؟ أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ (6).
وبإمكانك أن تراجع كنز العمال، والمسند لابن حنبل، والدر المنثور للسيوطي، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد حول نزول: (وآت ذا القربي حقه)، فذهب الرسول الأعظم إلي ابنته فاطمة وقال: يا بنية، إن الله قد أفاء علي أبيك بفدك، واختصه بها، فهي له خاصة
1 - راجع شرح النهج ج 4 ص 103.
2 - فتوح البلدان - مادة فدك، وشرح النهج ج 4 ص 81.
3 - المائدة: الآية 50.
4 - النمل: الآية 16.
5 - مريم: الآية 6.
6 - راجع منال الطالب لابن الأثير ص 501، وشرح النهج ج 16 ص 211 - 213.
(١٠٠)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، المهاجرون والأنصار (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، بنو أمية (1)، عبد العزيز (1)، القرآن الكريم (1)، الجهل (2)، العزّة (1)، الوراثة، التراث، الإرث (2)، إبن الأثير (1)

صفحه 101

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠١
دون المسلمين أفعل بها ما أشاء، وإنه قد كان لأمك خديجة علي أبيك مهر، وإن أباك قد جعلها لك بذلك، وأنحلكيها لك ولولدك بعدك. ثم دعا النبي (ص) علي بن أبي طالب فقال: أكتب لفاطمة بفدك نحلة من رسول الله.
فيمكن لنا أن نستخلص من قضية فدك الدوافع التي دعت أبا بكر وعمر بعيد وفاة الرسول الأعظم (ص) إلي وضع أيديهما علي ما ترك (ص)، حيث كانت الزهراء (ع) قد أخذت العهد علي نفسها في أن ترفع صوتها عاليا بوجه الحاكم: للتعبير عن مظلوميتها وغصب حقها، وهي التي باهل بها الرسول نصاري نجران، حيث كانت رمزا للمرأة المسلمة (ونساءنا و نساءكم)، وهي التي علمها الله وطهرها تطهيرا عن الشرك والمعاصي والكذب، حيث قال القرآن الكريم عنها وعن أهل بيتها: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1).
إذا لم تكن فاطمة (س) امرأة عادية يمكن أن تتعرض للأهواء والشهوات، أو تنحاز عاطفيا ضد الحق: فقد ترجمت رفضها للحكم منذ الأيام الأولي لفقد أبيها (ص)، وقد سجل التاريخ أن الزهراء (ع) كانت تقف بصلابة ضد الانقلاب السياسي، والانهيار الكبير اللذين حلا بالمجتمع الإسلامي، وكانت تستخدم قضية فدك لإدانة الحاكم سياسيا وأمام الملأ، من خلال عرض تجاوزه للحق ومخالفته للقرآن، كما أن استنصارها الأنصار كان يحمل معني سياسيا أيضا، وبكلمة أخري كانت الساعد الأيمن لعلي (ع) في خوض معترك الخلافة لصالحه.
ومن هنا يمكن لنا تلخيص المواقف والأهداف التي تبناها أبو بكر وعمر بعد وفاة النبي (ص)، فضلا عن فدك التي تركت أكبر الأثر في تاريخ الإسلام والمسلمين بما يلي:
1 - وضع مبدأ إبعاد الهاشميين عن مراكز الدولة، وعن الوظائف العامة، حتي لا يستغل الهاشميون مناصبهم، ويحاولوا الاستيلاء علي الخلافة.
2 - عمل عمر علي أن يحسم بسرعة خلافه مع أبي سفيان - الذي كان كما يبدو خارج اللعبة - فأعطاه ما بيده من الصدقات، وفيها حقوق الفقراء والمساكين (2).
3 - لقد عين عمر يزيد بن أبي سفيان قائدا لجيوش الشام، وعين أخاه معاوية نائبا له مما أتاح للأمويين أن يتحينوا الفرص للاستيلاء علي السلطة كلها.
4 - كذلك عمد عمر إلي إغراق أصحاب الخطر بالعطايا والصلات، بعد أن ألغي سنة رسول الله بالمساواة بين الناس في العطاء.
ومن نافلة القول، يمكن لنا أن نذكر نقاطا عدة ترتبط أصلا بحيثيات القضية (قضية فدك)، ومنها:
أولا: إن أبا بكر لم يكن حاكما في القضية، بل كان خصما.
ثانيا: إن الزهراء (ع) كانت صاحبة اليد، فلم يكن له أن يطالبها بالشهود
1 - الأحزاب، الآية 33.
2 - راجع العقد الفريد ج 4 ص 257، وشرح النهج ج 9 ص 49.
(١٠١)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، القرآن الكريم (1)، علي بن أبي طالب (1)، التاريخ الإسلامي (1)، الشام (1)، الوفاة (1)

صفحه 102

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٢
: بل هو كان عليه إقامة البينة، ليجوز له الاستيلاء علي ملكها.
ثالثا: إذا أقام المدعي البينة، وجب علي الحاكم أن ينظر فيها، فإن وجدها معتبرة ولا معارض: وجب عليه الحكم طبقا لها.
رابعا: إن النبي (ص) قضي باليمين مع وجود الشاهد الواحد (1).
فهلا طلب أبو بكر من الزهراء اليمين، وقد شهد لها علي (ع)؟.
خامسا: إن النبي (ص) قضي بالشاهد الواحد، وهو عبد الله بن عمر (2).
فهلا قضي أبو بكر بأمير المؤمنين (ع) وحده؟.
وسادسا: هذا كله بغض النظر عن عصمة الزهراء (ع) - كما أسلفنا - وعصمة علي والحسنين (ع)، وبغض النظر عن كون أم أيمن - التي شهدت للزهراء بأحقيتها بفدك - مشهودا لها بالجنة، كما في ترجمتها في (الإصابة) وغيرها.
5 - من ناحية أخري، عمد عمر بن الخطاب إلي النيل من شأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام علنا، وتصغير منزلته الرفيعة. فحينما كان يتلوي من سكرات الموت تجاهل وجود الإمام تماما، وتمني أن يكون أبو عبيدة أو سالم مولي أبي حذيفة أو خالد بن الوليد حيا، لكي يستخلفه (3).
6 - وإن من أخطر الأسافين التي دقها عمر هو تقديمه الخمسة ينافسون عليا علي الخلافة، بعد أن كان الإمام مرشح العناية الإلهية لخلافة رسول الإسلام (ص)! وعليه فالخطة معدة أساسا ليكون عثمان خليفة من بعده، وترديد الأمر بين ستة أشخاص إنما هو مجرد خدعة، والدليل علي ذلك أمران:
أولهما: إن عمر لما طعن قال له ابنه عبد الله: لو أجهدت نفسك وأمرت عليهم رجلا، فقال عمر: والذي نفسي بيده لأردنها للذي دفعها إلي أول مرة (4).
ويقصد به عثمان، فإنه هو الذي كلفه أبو بكر بكتابة عهده.
وثانيهما: إن عمر رتب الأمور بنحو يكون حصول عثمان علي الخلافة حتميا: إذ قال: إن رضي ثلاثة منهم رجلا واحدا منهم، وثلاثة رجلا منهم فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس (5).
وأخيرا فقد ذكر بعض المدافعين عن الخليفة في مسألة فدك، أن عليا (ع) لم يدفعها عن المسلمين أيام خلافته، بل اتبع فيها سيرة أبي بكر، فلو كان يعلم بصواب الزهراء (ع) و صحة دعواها: ما انتهج ذلك المنهج!!.
١ - راجع جامع الأصول ج ١٠ ص ٥٥٥، أخرجه مالك ومسلم وأبو داوود الترمذي، وغيرهم.
٢ - راجع جامع الأصول ج ١٠ ص ٥٥٥، أخرجه البخاري.
٣ - راجع أعلام النساء ج ٣ ص ١٢٧ - ١٢٨، والإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٨، والعقد ج ٤ ص ٢٧٤.
٤ - الرياض النظرة للطبري ج ٢ ص ٤١٤.
٥ - أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 18.
(١٠٢)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، سالم مولي أبي حذيفة (1)، علي بن أبي طالب (1)، عبد الله بن عمر (1)، الشهادة (1)، الموت (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)

صفحه 103

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٣
وللإجابة علي هذا القول، نقول: إن أمير المؤمنين (ع) كان يري فدكا لأهل البيت (ع) لما سجله التاريخ، وصرح به الإمام (ع) نفسه بوضوح في رسالته إلي عثمان بن حنيف، إذ يقول (ع): … وسخت عنها نفوس آخرين.
ولما ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة أمعن في السرية، وأكثر من الاستخفاف بالحق المهضوم، فأقطع مروان بن الحكم ثلث فدك، وعمر بن عثمان ثلثها، ويزيد ابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتداولونها حتي خلصت كلها لمروان بن الحكم، ثم صفت لعمر بن عبد العزيز (كما أسلفنا في أمره برد فدك)، ولما انقرضت دولة بني أمية تلاقفها بنو العباس، فبعد أن صارت بيد أبي العباس السفاح، ردها علي عبد الله ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ثم قبضها أبو جعفر المنصور من بني الحسن، وردها المهدي بن المنصور علي الفاطميين، ثم قبضها موسي بن المهدي من أيديهم، ولم تزل في أيدي العباسيين حتي تولي المأمون الخلافة، فردها علي الفاطميين سنة 210 ه، كما أسلفنا.
فقد كتب المأمون إلي عامله علي المدينة قثم بن جعفر، يأمره برد فدك علي ورثة فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص)، بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك، وتسليمها إلي محمد بن يحيي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ولما تولي المتوكل الخلافة، انتزعها من الفاطميين، وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار.
فالمسألة إذا ليست مسألة ميراث ونحلة، إلا بالمقدار الذي يتصل بموضوع السياسة العليا. وليست مطالبة بعقار أو دار، فالممعن في دراسة خطوات النزاع وتطوراته، والمناحي التي نحاها لا يفهم منها أنها مجرد مطالبة بأرض: بل يتجلي له منها مفهوم أوسع من ذلك، ينطوي علي غرض طموح يبعث إلي استرداد عرش مسلوب ومجد عظيم أجهض، و تقويم أمة انقلبت علي أعقابها.
ويكفينا لإثبات ذلك أن نلقي نظرة علي الخطبة التي خطبتها الزهراء (ع) في مسجد الرسول (ص)، أمام الخليفة الأول وبين يدي الجمع المحتشد من المهاجرين والأنصار، فقد دارت هذه الخطبة حول امتداح علي والثناء علي مواقفه الخالدة في الإسلام، وتسجيل حق أهل البيت الذين وصفتهم بأنهم الوسيلة إلي الله في خلقه، وخاصته، ومحل قدسه، و حجته علي عباده، وورثة أنبيائه في الخلافة والحكم، وإلفات نظر المسلمين إلي حظهم العاثر، واختيارهم المرتجل وانقلابهم علي أعقابهم، وورودهم غير مشربهم، وإسنادهم الأمر إلي غير أهله، والفتنة التي سقطوا فيها، والدواعي التي دعتهم إلي نبذ الكتاب، ومخالفته فيما يحكم به في موضوع الخلافة والإمامة.
ولم يؤثر عن نساء النبي (ص) أنهن خاصمن أبا بكر في شئ من ميراثهن. أكن أزهد من الزهراء (ع) في متاع الدنيا، وأقرب إلي ذوق أبيها في الحياة؟!. أو أنهن اشتغلن بمصيبة رسول الله (ص)، ولم تشتغل بها الزهراء؟!.
ومذهب الشيعة في تفسير ما قام به رسول الله (ص) من تجنيد جيش أسامة معروف، وهو إنه (ص) أحس بأن ثمة اتفاقا ما بين جملة من أصحابه علي أمر معين، وقد يجعل هذا الاتفاق
(١٠٣)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، المهاجرون والأنصار (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، عبد الله بن الحسن (ع) (2)، مروان بن الحكم (2)، يحيي بن الحسين بن زيد (1)، علي بن أبي طالب (2)، الخليفة أبو بكر بن أبي قحافة (1)، بنو أمية (1)، علي بن الحسين (1)، عثمان بن حنيف (1)، عمر بن عثمان (1)، عبد العزيز (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الثناء (1)، الخلود (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)

صفحه 104

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٤
منهم جبهة معارضة لعلي (ع)، ونحن إن شككنا في هذا، فلا نشك في أن النبي (ص) قد جعل أبا بكر وعليا في كفتي الميزان مرارا أمام المسلمين جميعا ليروا بأعينهم أنهما لا يستويان جميعا في الميزان العادل، وإلا فهل تري إعفاء أبي بكر من قراءة التوبة علي المشركين بعد أن كلف بذلك، أمرا طبيعيا؟ ولماذا انتظر الوحي وصول الصديق إلي منتصف الطريق، لينزل علي رسول الله (ص) ويأمره باسترجاعه (أبي بكر)، وإرسال علي للقيام بالمهمة؟ أفكان عبثا أو غفلة أو أمرا ثالثا، وهو أن رسول الله (ص) أحس بأن المنافس المتحفز لمعارضة ابن عمه ووصيه هو أبو بكر، فشاء وشاء له ربه تعالي أن يرسل أبا بكر ثم يرجعه؟ طبيعي أن يوضح الرسول (ص) مدي الفرق بين الشخصين، وقيمة هذا المنافس الذي لم يأتمنه الله علي تبليغ سورة إلي جماعة، فكيف بالخلافة والسلطنة المطلقة؟!!.
وإليك ما جاء في كتاب معاوية بن أبي سفيان إلي محمد بن أبي بكر في اتهام أبيه وعمر، بالاتفاق علي غصب الحق العلوي، والتنظيم السري لخطوط الحملة علي الإمام، إذ قال له فيما قال: فقد كنا وأبوك نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازما لنا، مبرورا علينا، فلما اختار الله لنبيه (ص) ما عنده وأتم وعده، وأظهر دعوته فأبلج حجته وقبضه إليه (ص)، كان أبوك والفاروق أول من ابتزه حقه وخالفه علي أمره، علي ذلك اتفقا واتسقا، ثم إنهما دعواه إلي بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم … الخ؟! (1).
إذن فلا غرابة في أن ينتزع الخليفة من أهل البيت أموالهم المهمة: ليركز بذلك حكومته، أو أن يخشي من علي (ع) أن يصرف حاصلات فدك وغير فدك علي الدعوة إلي نفسه، و معارضة نظام الحكم الجديد القائم علي أسس غير صحيحة، وهذا ما حدا بأكثر الحكام والخلفاء الذين تلوه إلي العمل علي سيرته.
ونحن لا نريد أن نستعرض هنا سيرة الخليفتين أبي بكر وعمر منذ اللحظة الأولي تجاه آل البيت، للقضاء علي الفكرة التي أمدت الهاشميين بقوة علي المعارضة، كما خنقوا المعارضة نفسها، لكننا نستطيع أن نصف هذه السياسة بأنها تهدف إلي إلغاء امتياز البيت الهاشمي، وإبعاد أنصاره والمخلصين له عن المرافق في جهاز الحكومة يومئذ، فمن سيرة الخليفة وأصحابه مع علي (ع) التي بلغت من الشدة أن عمر هدد بحرق بيته، وإن كانت فاطمة بضعة الرسول (ص) فيه، ومعني هذا إعلان أن فاطمة وغير فاطمة من آل الرسول (ص)، ليست لهم حرمة تمنعهم عن أن يتخذ معهم نفس الطريقة التي سار عليها مع سعد بن عبادة - سيد الخزرج -، حين أمر الناس بقتله، وما عزل الخليفة لخالد بن سعيد بن العاص عن قيادة الجيش الذي وجهه لفتح الشام بعد أن أسندها إليه، لا لشئ، إلا لأن عمر نبهه إلي نزعته الهاشمية.
وأخري، فقد أظهر الخليفة الندم في ساعة وفاته - بعد فوات الأوان - علي عدم تسليم فدك لفاطمة (ع) (2).
1 - راجع مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 315.
2 - راجع الطبري، كما في ص 18 من سمو المعني في سمو الذات، للأستاذ عبد الله العلائلي.
(١٠٤)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (7)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، محمد بن أبي بكر (1)، خالد بن سعيد (1)، سعد بن عبادة (1)، الشام (1)، الصدق (1)، الغصب (1)، القتل (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)

صفحه 105

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٥
ولما كان الصديق يطلب من الزهراء (ع) بضعة رسول الله (ص) (التي خصت وأهل بيتها (ع) بآية التطهير) البينة علي دعواها ويعترض علي شهادة أم أيمن المشهود لها بالجنة، و سيد الأوصياء علي قرين الزهراء في آية التطهير، والحسنين أيضا، فكيف غفل عن أخذ البينة من أبي بشير المازني لما جاء يطلب مالا كان قد أوعده النبي بذلك؟ فقد جاء في الطبقات لابن سعد عن أبي سعيد الخدري أنه قال: سمعت منادي أبي بكر ينادي بالمدينة حين قدم عليه مال البحرين: من كانت له عدة عند رسول الله (ص) فليأت، فيأتيه رجال فيعطيهم، فجاء أبو بشير المازني فقال: إن رسول الله (ص) قال: يا أبا بشير، إذا جاءنا شئ فأتنا، فأعطاه أبو بكر حفنتين أو ثلاثا فوجدوها ألفا وأربعمئة درهم (1).
وفي صحيح البخاري: إن النبي (ص) لما مات جاء لأبي بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال: من كان له علي دين أو كانت قبله عدة فليأتنا، قال جابر: وعدني رسول الله (ص) أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يده ثلاث مرات، فعد في يدي خمسمئة ثم خمسمئة ثم خمسمئة.
فإذا كان الصديق لا يطالب أحدا من الصحابة بالبينة علي الدين أو العدة: فكيف طالب الزهراء ببينة علي النحلة؟ وهل كان النظام القضائي يخص الزهراء وحدها بذلك؟ أو أن الظروف السياسية الخاصة هي التي جعلت لها هذا الاختصاص؟!.
إذن كان علي الخليفة نظرا لملكية الزهراء لفدك، أن لا يتصرف فيها بما تكره، ولا ينزعها منها، سواء أجاز له أن يحكم علي وفق علمه أولا، ثم إنه لم يكن في المسألة - منكر ينازع الزهراء (ع)، ليلزم طلب اليمين منه، واستحقاقه للمال إذا قسم: لأن الأموال التي كانت تطالب بها الزهراء (ع) إما أن تكون لها، أو أنها تكون للمسلمين.
الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع).
في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة من الهجرة: أعلن البيت النبوي المطهر نبأ ميلاد سبط الرسول الأول الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، وزفت البشري إلي المصطفي، والتفت الرسول (ص)، إلي علي (ع) قائلا: أي شئ أسميت ابني؟ قال:
ما كنت لأسبقك بذلك، فقال (ص): ولا أنا سابق ربي (2).
ولم يكد هذا الحوار الكريم بين الرسول (ص) ووصيه، حول تسمية الوليد يصل نهايته حتي تنزل الوحي الإلهي المقدس علي رسول الله (ص) يبلغه، بأن الله سبحانه قد سمي الوليد حسنا (3).
إن المتتبع لحياة الحسن السبط وأخيه الحسين عليهما السلام: لابد أن يصل إلي حد القطع في أنهما قد توافرت لهما من التربية والنشأة الروحية والفكرية ما لم يتسن لسواهما بعد جدهما (ص) وأبيهما (ع)، فبصمات الوحي والإعداد الإلهي، صارا طابعا مميزا لشخصيتهما
١ - راجع الطبقات لابن سعد ج ٣ ص ١٨٠.
٢ - ذخائر العقبي للطبري ط القاهرة ص 120.
3 - المصدر نفسه.
(١٠٥)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (7)، آية التطهير (2)، أبو سعيد الخدري (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، شهر رمضان المبارك (1)، الكرم، الكرامة (1)، الصدق (2)، الكراهية، المكروه (1)، الموت (1)، الشهادة (1)، الوصية (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)

صفحه 106

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٦
في شتي الملامح والعناصر والمنطلقات، فقد تلقيا أرقي ألوان التربية الإسلامية بين أحضان جدهما وأبيهما وأمهما الزهراء (ع).
بدأ دور الإمام الحسن (ع) يتألق في دنيا الإسلام مبكرا، وقبل أن يتلقي عهد الإمامة من أبيه أمير المؤمنين (ع)، فقد برز دوره بجلاء، منذ أن بايعت الجماهير المسلمة الامام عليا (ع) بالخلافة، وقد بلغ ذروته بعد رحيل أمير المؤمنين إلي الملكوت الأعلي، حيث هبت الكوفة إلي المسجد فزعة مذهولة لهول المصاب الأليم، فوقف السبط (ع) بين تلك الكتل البشرية الهائلة، يوجه أول بيان له بعد رحيل القائد العظيم أمير المؤمنين (ع).
لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، ولم يدركه الآخرون، لقد كان يجاهد مع رسول الله (ص) فيقيه بنفسه، وكان رسول الله (ص) يوجهه برايته فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتي يفتح الله علي يديه، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسي بن مريم (ع)، وفيها قبض يوشع بن نون وصي موسي (ع)، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمئة درهم فضلت من عطائه (1).
مواقفه (ع) منذ وفاة جده المصطفي (ص)، وفي حياة أبيه (ع).
1 - جاء الإمام الحسن (ع) يوما إلي أبي بكر وهو يخطب علي المنبر، فقال له: (إنزل عن منبر أبي)، فأجابه أبو بكر: صدقت، والله إنه لمنبر أبيك، لا منبر أبي، فبعث علي إلي أبي بكر: إنه غلام حدث، وإنا لم نأمره، فقال أبو بكر: إنا لم نتهمك (2).
ولو تأملنا إلي قول أمير المؤمنين: إنا لم نأمره: فإنه لا يتضمن إنكارا علي الحسن، ولا إدانة لموقفه، بل يتضمن دعما لمطالبته بالحق الموروث، وتذكرة لأبي بكر.
وموقفه عليه السلام في وداع أبي ذر الغفاري (رض)، حينما أبعده عثمان إلي الربذة، في قوله:
يا عماه لولا أنه لا ينبغي للمودع أن يسكت، وللمشيع أن ينصرف، لقصر الكلام، وإن طال الأسف، وقد أتي من القوم إليك ما تري، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتي تلقي نبيك (ص) وهو عنك راض (3).
2 - في سنة ثلاثين غزا سعيد بن العاص طبرستان، وكان أهلها في خلافة عمر قد صالحوا سويد بن مقرن علي مال بذلوه، ثم نقضوا، فغزاهم سعيد بن العاص، ومعه الحسن والحسين وابن عباس (4) قال أبو نعيم بالنسبة إلي الإمام الحسن (ع): دخل أصبهان غازيا، مجتازا إلي غزاة جرجان (5).
١ - أعلام الوري للطبرسي ص ٢٠٨، وحياة الإمام الحسن للقرشي ج ٢ ص ٣١ نقلا عن الفتوح.
٢ - تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٨٠ و ١٤٣، وتاريخ بغداد ج ١ ص ١٤١ عن أبي نعيم.
٣ - شرح النهج للمعتزلي ج ٨ ص ٢٥٣، والقدير ج ٨ ص ٣٠١.
٤ - الفتوحات الإسلامية ج ١ ص ١٧٥، والكامل لابن الأثير ج ٣ ص ١٠٩، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٢٣.
5 - ذكر أخبار أصفهان ج 1 ص 44 و 43 و 47.
(١٠٦)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (3)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (1)، يوشع بن نون عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبوذر الغفاري (1)، عبد الله بن عباس (1)، الحافظ أبو نعيم (2)، مدينة الكوفة (1)، سويد بن مقرن (1)، السجود (1)، الوفاة (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، مدينة إصفهان (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 107

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٧
وفي تاريخ ابن خلدون: إن عثمان جهز العساكر من المدينة، وفيهم جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وابن جعفر، والحسن والحسين، وابن الزبير، وساروا مع عبد الله بن أبي سرح سنة ست وعشرين (1).
3 - روي، أنه حينما حاصر الثائرون عثمان، بعث الامام أمير المؤمنين (ع) بولديه الحسن والحسين (ع) للدفاع عنه، وقد جرح الحسن (ع) وخضب بالدماء علي باب عثمان من جراء رمي الناس عثمان بالسهام، ثم تسور الثائرون الدار علي عثمان، وقتلوه. وجاء الإمام علي (ع)، كالواله الحزين، فلطم الحسن، وضرب صدر الحسين (ع) وشتم آخرين: منكرا عليهم أن يقتل عثمان، وهم علي الباب (2).
روي أبو جعفر قال: قال ابن عباس: أول ذل دخل علي العرب موت الحسن (ع) (3)، وقال أبو الفرج: قيل لأبي إسحاق السبيعي: متي ذل الناس؟ فقال: حين مات الحسن، وادعي زياد، وقتل حجر بن عدي (4).
قال الإمام الحسن (ع): لم يكن معاوية بأصبر مني عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب مني (5).
وصية الرسول (ص) بالإمامين الحسن والحسين عليهما السلام.
عن أبي جعفر عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما (6).
عن نافع عن عبد الله بن عمر، قال النبي (ص): ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة، و أبوهما خير منهما (7).
عن يعلي بن مرة الصحابي: جاء الحسن والحسين يسعيان إلي رسول الله (ص) فضمهما إلي إبطيه وقال: هذان ريحانتاي من الدنيا، من أحبني فليحبهما (8).
عن بريدة الأسلمي عن أبيه قال: كان رسول الله (ص) يخطب، فأقبل الحسن والحسين (ع) عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فوضعهما بين يديه، ثم قال:
صدق
١ - تاريخ ابن خلدون (العبر) ج ٢ قسم ١ ص ١٢٨، وسيرة الأئمة الاثني عشر ج ٢ ص ١٦ - ١٨ وج ١ ص ٥٣٥، وعن الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصي للناصري السلاوي ج ١ ص ٣٩.
٢ - الصواعق المحرقة ص ١١٥ و ١١٦، ومروج الذهب ج ٢ ص ٣٤٤ و ٣٤٥ وغيرهما.
٣ - شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ١٠.
٤ - مقاتل الطالبيين ص ٧٦، وشرح النهج ج ١٦ ص ٥١.
٥ - شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ١٥.
٦ - ترجمة الإمام الحسن رقم ٢، من تاريخ بغداد ج ١ ص ١٤٠، عن تاريخ دمشق.
٧ - تاريخ دمشق / ترجمة الإمام الحسن ص ٧٨ رقم ١٣٥، كما رواه الطبراني في الحديث ٧١ من المعجم الكبير ج ٣.
8 - المصدر نفسه رقم ح 144 ص 85.
(١٠٧)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (4)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، عبد الله بن عباس (2)، كتاب تاريخ ابن خلدون لابن خلدون (2)، علي بن الحسين بن علي (1)، حجر بن عدي الكندي (1)، إسحاق السبيعي (1)، عبد الله بن عمر (1)، عمرو بن العاص (1)، يعلي بن مرة (1)، الموت (1)، القتل (2)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب الصواعق المحرقة (1)، الطبراني (1)، دمشق (2)

صفحه 108

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٨
الله ورسوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ في خطبته (1).
وفي حديث ابن الحصين: قال (ص) لعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع): أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم (2).
عن الحسن بن أبي سفيان عن جابر، قال: قال رسول الله (ص) للحسن: إن ابني هذا سيد يصلح الله عز وجل به بين فئتين من المسلمين (3).
عن أحمد بن منصور الرمادي قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: قال لي عبد الله بن مصعب:
كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة، فإذا ذكر عبد الله بن الزبير بكي، وإذا ذكر علي نال منه!! قال، فقلت: ثكلتك أمك، لروحة من علي أو عدوة] منه [في سبيل الله خير من عمر عبد الله بن الزبير حتي مات، ولقد أخبرني أبي أن عبد الله بن عروة أخبره قال: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلي الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة، قال: فوالله ما قام حتي تفصد جبينه عرقا! قال: فغاظني ذلك فقمت إليه فقلت: يا عم، قال: ما تشاء؟ قلت: رأيتك قعدت إلي الحسن بن علي فما قمت] من عنده [حتي تفصد جبينك عرقا! قال: يا بن أخي إنه ابن فاطمة، لا والله ما قامت النساء عن مثله (4).
عن جويرية بن أسماء قال: لما مات الحسن بن علي بكي مروان في جنازته، فقال له حسين:
أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه؟ فقال: إني كنت أفعل ذلك إلي أحلم من هذا، وأشار بيده إلي الجبل (5) ما ذكر عن الإمام الحسن (ع):.
1 - عن الحسن (ع): إن أبا بكر وعمر عمدا إلي هذا الأمر، وهو لنا كله، فأخذاه دوننا، وجعلا لنا فيه سهما كسهم الجدة، أما والله لتهمنهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا (6).
2 - وعنه (ع): ولولا محمد (ص) وأوصياؤه، كنتم حياري لا تعرفون فرضا من الفرائض … الخ (7).
وقد كتب (ع) لمعاوية، بعد ذكره مجاهدة قريش لهم، بعد وفاة النبي (ص):
وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا (ص) … فأمسكنا عن منازعتهم مخافة علي الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به … إلي أن قال: وبعد،
١ - المصدر نفسه رقم ح ١٥ ص ٨٩.
٢ - المصدر نفسه رقم ١٦١ ص ٩٧.
٣ - المصدر نفسه ح رقم ٢٠٠ ص ١٢٥، وجاء في مسند أبي بكرة من كتاب المسند ج 5 ص 47، وعبد الرزاق في الحديث رقم 20981 من كتاب المصنف ج 11 ص 452 ط 1.
4 - حياة الإمام الحسن من تاريخ دمشق ح رقم 228 ص 137.
5 - المصدر نفسه ص 156، رقم 266.
6 - أمالي المفيد ص 49، وبهج الصياغة ج 4 ص 569.
7 - ينابيع المودة للقندوزي ص 480، وأمالي الطوسي ص 56.
(١٠٨)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (2)، عبد الله بن الزبير (3)، جويرية بن أسماء (1)، عبد الله بن مصعب (1)، الحسن بن علي (3)، سبيل الله (1)، الموت (2)، الحرب (1)، النفاق (1)، الوفاة (1)، كتاب أمالي الصدوق (2)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب كتاب المسند للإمام الشافعي (1)، كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، دمشق (1)

صفحه 109

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٩
فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاني الأمر بعده (1).
وفي موقف له مع حبيب بن مسلمة، قال له: رب مسير لك في غير طاعة الله، فقال له حبيب: أما مسيري إلي أبيك فليس من ذلك، قال: بلي والله، ولكنك أطعت معاوية علي دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في أخرتك، ولو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا … الخ (2).
إن المتتبع لحياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بعد أبيه أمير المؤمنين علي (ع) و دوره الايجابي في تلك الفترة العصيبة التي عاشها المسلمون، في استنفار الجماهير، لنصرة الحق والذود عن الإسلام المحمدي الأصيل: يجد أن الإمام السبط (ع) قد صعق لواقع المسلمين، وأصيب بخيبة أمل، حين تكشف له الأمر بتشتت أفكار الناس، و إصابتها بالذهول والارتباك والوهن إثر دعوته للجهاد والتجهز للحرب وتحمل المسؤوليات.
فقد برزت معالم ضعف الرصيد الإيماني للكثير من الناس، والانقياد المتذبذب لأمره، والخضوع للإشاعات الملفقة والدسائس التي كان يحيكها معاوية وأذنابه.
كل تلك الأسباب وما سيتبعها قد دفعت الإمام السبط (ع) إلي وضع مصلحة الإسلام العليا فوق كل اعتبار، من دماء الناس وغيرها، بعد أن واجه الإمام السبط (ع) كل محاولات معاوية التي سبقت الحرب بنفس متعالية، لا تعرف إلا الحق ولا تطأطئ للباطل رأسا طرفة عين.
فالجيش الذي يقوده الإمام الحسن (ع) سادته البلبلة ودب فيه المرجفون والأذناب، حتي كاد أن يسلم الإمام (ع) لعدوه. وإليكم أهم الحوادث الأليمة التي ألمت بالإمام (ع) عبر مواجهته لغدر معاوية:.
1 - خيانة قائده علي خط المواجهة - عبيد الله بن العباس - والتحاقه بمعاوية، ومعه ثلثا الطليعة التي كلفت بمواجهة العدو الزاحف: مما أثار موجة من الاضطراب والتفكك في معسكر الإمام (ع).
2 - إن القوات التي يقودها الإمام (ع) ذاته، كانت تتوزعها الشعارات والأهواء والمصالح والأفكار (3)، ومن بين هؤلاء أيضا الحاقدون علي أهل البيت (ع)، الذين يتظاهرون بعكس ذلك، ومنهم أيضا عدد كبير من المتعاطفين مع الأمويين طمعا بالوعود المعسولة من جانب معاوية، وإلي جانب تلك الأمور، هو سريان السأم من القتال في معسكر الإمام (ع)، سيما وإن قطعاته المقاتلة سبق أن خاضت حروبا ثلاث مع أبيه الإمام علي (ع)، وهي لما تندمل جراحاتها بعد.
3 - إغداق معاوية الأموال الوفيرة علي زعماء القبائل وأصحاب الحل والعقد في المجتمع العراقي، فتمكن من نقض عزائمهم وتثبيطها علي مسايرة الامام السبط (ع) في مواجهة
١ - مروج الذهب ج ٢ ص ٤٣٢، والفتوح لابن أعثم ج ٤ ص ١٥١، والمناقب ج 4 ص 31.
2 - شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 18.
3 - راجع الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 161.
(١٠٩)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (4)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، الدولة الأموية (1)، عبيد الله بن العباس (1)، الموت (1)، القتل (2)، الحرب (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)

صفحه 110

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٠
معاوية.
4 - حرص الامام السبط (ع) علي حقن دماء الأمة سيما المخلصين فيها من الصحابة والتابعين.
5 - بالنظر لتوفر عامل الطاعة لدي جيش معاوية، تري العكس في جيش الإمام (ع) الذي ساده التمزق والانشقاق بسبب المصالح المتضاربة والأهواء.
6 - أراد أن يكشف الامام للناس بعد الذي حصل، حقيقة معاوية عن كثب حينما تؤول السلطة بيده، بهدف كشف البون الشاسع بينه وبين التطبيق المثالي لأحكام الاسلام للإمام، و من قبله أبيه (ع).
7 - فضلا عن الأموال الطائلة التي أرسلها معاوية لضعاف النفوس والايمان: فقد بات سلاح الدعاية والتشويش يستخدم لزعزعة عن أمر الوحدة في جيش الإمام (ع)، فمن جملة إشاعات الأمويين يوم جاء الوفد الأموي يطلب الصلح من الإمام (ع)، وقد رفض الامام مطالب معاوية، خرج الوفد المفاوض وأشاع في الناس أن الحسن قد أجاب إلي الصلح، فحقن الله به الدماء!!.
والمتتبع - عبر كتب التاريخ - لمبررات صلح الإمام الحسن (ع)، مع معاوية، يجد أن الوثيقة التي أبرمها الإمام (ع) مع معاوية جاءت لحرص الامام علي الإسلام من التمزق، وإسالة الدماء، وحفظ الشريعة المحمدية، وضمان ديمومتها، وتبيانها فيما تبقي من حياته، وهذا نص من الوثيقة التي أراد بها الإمام السمو والشموخ للاسلام: هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، صالحه علي:.
1 - أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله (ص)، وسيرة الخلفاء الصالحين.
2 - ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهدا، بل يكون الأمر بعده شوري بين المسلمين.
3 - إن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله، في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.
4 - إن أصحاب علي وشيعته آمنون علي أنفسهم و أموالهم ونسائهم وأولادهم، وعلي معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله علي أحد من خلقه بالوفاء بما أعطي الله من نفسه، … وغيرها من النقاط التي وردت في الوثيقة، وبعد أن تم التوقيع علي الصلح، قدم معاوية إلي الكوفة للاجتماع بالإمام الحسن (ع)، حيث ارتقي المنبر ليعلن متحديا كل القيم والأعراف الإسلامية، والوعد الذي قطعه في وثيقة الصلح مع الامام، ليعلن وأمام الأمة في مسجد الكوفة، أنه يسحق بقدميه كل الشروط التي صالح الحسن عليها، وقال: والله إني ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون!!.
ألا وإن كل دم أصيب في هذه الفتنة فهو مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين (1).
وتعتبر هذه الوثيقة أقصي ما كان بإمكان الامام أن يحققه للأمة ولرسالتها، فقد صرح
1 - أنظر فتوح أعثم ج 4 ص 161.
(١١٠)
مفاتيح البحث: السنة النبوية الشريفة (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (2)، مسجد، جامع الكوفة (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (3)، الدولة الأموية (1)، مدينة الكوفة (1)، صلح (يوم) الحديبية (5)، الحسن بن علي بن أبي طالب (1)، الرفض (1)

صفحه 111

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١١
الإمام بعد استئثار معاوية بمقدرات المسلمين، قال لمالك بن ضمرة عند ما كلمه بشأن الوثيقة: إني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين داع، و قال عليه السلام مخاطبا أبا سعيد:
يا أبا سعيد، علة مصالحتي لمعاوية، علة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة وبني الأشجع ولأهل مكة، حين انصرف من الحديبية (1).
ولأهمية تلك الوثيقة وآثارها الايجابية المرجوة لمصلحة الإسلام والمسلمين: أشار الإمام محمد الباقر (ع) إليها بقوله: والله للذي صنع الحسن بن علي (ع) كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس (2).
وكما أسلفنا، قد سحق معاوية كل العهود والمواثيق تحت قدميه وأوغل في ايذائه لأهل البيت (ع) وشيعتهم، منها: مطاردة القيادات المؤمنة الموالية لأهل البيت (ع) في كل الأمصار الاسلامية، وقتل وتشريد الكثيرين منهم: سيما قتل الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي و أصحابه (رض)، وكذلك قطع العطايا والأرزاق، وهدم الدور والمساكن، و نهب أموالها وإعطاؤها غنائم لعملاء السلطة.
ومن بين أخطر الموبقات التي ارتكبها معاوية، الاستعانة ببعض الوعاظ المحترفين ذوي النفوس الوضيعة، الموالين له: لتشويه سيرة أهل البيت وسيدهم علي بن أبي طالب (ع)، وشتمه (ع) علي المنابر، إلي جانب وضع الأحاديث والروايات الملفقة من قبل وعاظ السلطة، التي من شأنها أن ترفع من معاوية وتؤكد شرعية حكمه.
الإمام الحسن (ع) بعد وثيقة الصلح.
بعد توقيع الوثيقة، بقي الإمام الحسن (ع) في الكوفة أياما قليلة، والألم يعتصر قلبه للذي حصل، ثم تهيأ للسفر إلي مدينة جده رسول الله (ص)، وعندما تحرك موكبه الشريف، خرجت الكوفة برمتها، شيبا وشبابا، وهم يندبون حظهم العاثر، والأسي يعلو نفوسهم علي ما آلت إليه الأمور، وما قد يصيبهم بعد أن تركهم إمامهم.
وقد بدأ معاوية بنقل دار الخلافة والقيادة العامة من الكوفة إلي دمشق، بعد أن دخل جيش معاوية الكوفة وشدد قبضته عليها، وأثار الهلع في نفوس الناس، وصار من أمر الناس في الكوفة بعد رحيل الحسن (ع) إلي المدينة، أنه من كان يداهن السلطة وينافق يجزل له العطاء، ومن يعارض يقتل، ومن يشم منه ولاؤه إلي علي وأهل بيته عليهم السلام: يصرف عنه العطاء أو يسجن أو يقتل أو ينفي.
وما ان استقرت الدار بأبي محمد الحسن وأهل بيته (ع) في مدينة الرسول (ص): حتي أخذ يمارس مسؤولياته في خدمة الاسلام، ليقود السفينة إلي شاطئ السعادة والخير والهدي، حيث أنشأ مدرسة وقيادة فكرية كبري لتكون محطة اشعاع للهدي، تهتدي الأمة من
1 - اعتمدنا في نقل كلام الإمام الحسن (ع) علي كتاب (حياة الإمام الحسن) للقرشي ج 2 ص 277.
2 - الكافي للكليني ط 2 ح 1389 ج 8 ص 330.
(١١١)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (5)، صلح (يوم) الحديبية (1)، مالك بن ضمرة (1)، دمشق (1)، القتل (4)، السفينة (1)

صفحه 112

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٢
خلالها إلي صراط الله المستقيم ورسالته الخاتمة، ولقد كان لتلك المدرسة دور فعال في بلورة الذهنية العامة وإنقاذها من الانحراف والدسائس التي قادها معاوية و أذنابه، لإفراغ الدين الإسلامي عن محتواه، وقد آتت مدرسة الإمام (ع) أكلها ضعفين، حين تخرج في أروقتها جهابذة العلماء والرواة، أمثال الحسن المثني، والمسيب بن نجبة الفزاري، وسويد بن غفلة، والشعبي، والأصبغ بن نباته وأبي يحيي النخعي وغيرهم، و قد صار بمقدور الإمام الحسن ورجال الفكر الإسلامي الذين تخرجوا في مدرسته، أن يوجدوا أمة واعية سياسيا، ومعارضة للحكم الأموي البغيض.
ومما جاء في حديث حاشية معاوية له: إن الحسن قد أحيا أباه وذكره، قال فصدق، وأمر فأطيع، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسئ إلينا (1).
وهذا الحديث علي وجازته، يعتبر أخطر تقرير يقدم أقطاب البيت الأموي وقادته إلي ولي نعمتهم معاوية حول نشاط الإمام الحسن (ع)، فقولهم: خفقت النعال خلفه، لهو أصدق وأدق تعبير علي أن الإمام (ع) قد أعد أمة من الناس، يسيرون خلفه ويجتمعون به، و يوضح لهم معالم الطريق القويم، وحقيقة الإسلام.
وكان آخر جرائم معاوية بحق الإمام الحسن (ع)، أن دس السم إليه من خلال زوجته جعدة بنت الأشعث، وأوصي الإمام الحسن (ع) وهو في مرضه الذي مات فيه، أن يدفن إلي جوار قبر جده رسول الله (ص)، إلا أن بني أمية ووالي المدينة منعوا من ذلك!! (2).
فاضطر أهل البيت (ع) أن يدفنوه في البقيع، إلي جنب أمه فاطمة الزهراء (ع).
وكانت شهادته (ع) في السابع من صفر أو الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة خمسين للهجرة، كما جاء في بعض الروايات. وهكذا رحل الامام السبط (ع) إلي ربه وهو في ميدان من ميادين الجهاد، من أجل الرسالة والدعوة المحمدية.
الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).
ولادته وحياته.
بعد حول من ميلاد الحسن السبط (ع)، وفي اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك، للسنة الرابعة من الهجرة، زفت البشري إلي الرسول (ص) بميلاد الحسين (ع)، فأسرع إلي دار علي والزهراء (ع) فقال لأسماء بنت عميس:.
يا أسماء هاتي ابني فحملته إليه، وقد لف في خرقة بيضاء، فاستبشر (ص) وضمه إليه و أذن في أذنه اليمني وأقام في اليسري، ثم وضعه في حجره، وبكي، فقالت أسماء: فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟ قال (ص): من ابني هذا، قالت: إنه ولد الساعة، قال ص: يا أسماء، تقتله
١ - أهل البيت / توفيق أبو علم ص ٣٤٣، نقلا عن شرح النهج.
٢ - قال ابن أبي الحديد: قال أبو الفرج: دفن الحسن (ع) في قبر فاطمة بنت رسول الله (ص) في البقيع، وقد كان أوصي أن يدفن مع النبي (ص)، فمنع مروان بن الحكم من ذلك، وركبت بنو أمية في السلاح، وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعة، راجع شرح نهج البلاغة ج ١٦ ص ٥٠.
(١١٢)
مفاتيح البحث: مولد الإمام الحسين (ع) (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، مقبرة بقيع الغرقد (2)، شهر شعبان المعظم (1)، شهر ربيع الأول (1)، الأصبغ بن نباتة (1)، أسماء بنت عميس (1)، بنو أمية (2)، سويد بن غفلة (1)، مسيب بن نجبة (1)، القبر (2)، المرض (1)، الأكل (1)، الموت (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، الدفن (3)، الوصية (2)، الجنابة (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، مروان بن الحكم (1)، الفرج (1)

صفحه 113

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٣
الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي!، ثم قال: يا أسماء، لا تخبري فاطمة، فإنها حديثة عهد بولادته (1)، ثم إن الرسول (ص) قال لعلي (ع): أي شئ سميت ابني؟ فأجابه علي (ع): (ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله)، وهنا نزل الوحي المقدس علي النبي (ص) حاملا اسم الوليد من الله تعالي.
وإذ تلقي الرسول (ص) أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلي علي (ع)، قائلا:
سمه حسينا.
مر] الحسين (ع) [بمساكين وهم يأكلون كسرا لهم علي كساء، فسلم عليهم، فدعوه إلي طعامهم، فجلس معهم، وقال: لولا أنه صدقة لأكلت معكم، ثم قال (ع): قوموا إلي منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم (2).
عن شعيب بن عبد الرحمن قال: وجد علي ظهر الحسين بن علي يوم الطف أثر، فسألوا زين العابدين (ع) عن ذلك فقال: هذا مما كان ينقل الجراب علي ظهره إلي منازل الأرامل واليتامي والمساكين (3).
ارتكب غلام له ما يستوجب التأديب، فأراد تأديبه، فقال له الغلام: يا مولاي:
والكاظمين الغيظ، قال الامام: خلوا عنه. قال الغلام: والعافين عن الناس، فقال الامام: قد عفوت عنك، قال: يا مولاي والله يحب المحسنين، قال (ع): وأنت حر لوجه الله، لك ضعف ما كنت أعطيك (4).
هذه سجاياه (ع)، وهي غيض من فيض، ولننظر ما في خصمه من خسة ودناءة ورذالة.
موبقات حاكم عصره.
قال البلاذري: كان ليزيد قرد يجعله بين يديه ويكنيه أبا قيس ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ، وكان يسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع، وكان يحمله علي أتان وخشبة ويرسله مع الخيل (5).
قال ابن كثير:.
روي أن يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب، والنطاح بين الكباش، والدباب والقرود، وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورا، وكان يشد القرد علي فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويلبس القرد قلانس الذهب، وكذلك الغلمان، وكان يسابق بين الخيل، وكان إذا مات القرد حزن عليه، وقيل: إن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها (6) فعضته (7).
١ - ذخائر العقبي ص ١١٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٨٧ و ٨٨.
٢ - مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٦٦.
٣ - المصدر نفسه.
٤ - كشف الغمة للإربلي ج ٢ ص ٢٤٣.
٥ - أنساب الأشراف للبلاذري ج ٤ ص ١ و ٢.
* - ينقز: يجعله يقفز أو يرقص.
٧ - البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 236.
(١١٣)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، شرب الخمر (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، يوم عاشوراء (1)، مدينة الكاظمين (1)، الحسين بن علي (1)، الموت (2)، الغناء (1)، التصدّق (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب كشف الغمة للإربلي (1)، كتاب انساب الأشراف للبلاذري (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، كتاب مناقب آل أبي طالب عليه السلام (1)، كتاب ذخائر العقبي (1)

صفحه 114

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٤
يقول المسعودي: وغلب علي أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب، وكان له قرد يكني بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكأ، وكان قردا خبيثا، وكان يحمله علي أتان وخشبة قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة، فجاء في بعض الأيام سابقا، فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل، وعلي أبي قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر مشمر، وعلي رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق، وعلي الأتان سرج من الحرير الأحمر منقوش ملمع بأنواع من الألوان (1).
نماذج من شعارات الإمام الحسين: قبيل ثورته (ع).
ولم ينته الموقف إلي هذا الحد، حيث بدأت الحملة تشتد علي أهل البيت (ع)، وعلي أتباعهم ومواليهم أيضا، فقد جاء في نص رسالة الإمام (ع):
لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا مفسدا ولا ظالما: وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص)، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي و أبي (2) … ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله (3) … وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه (ص)، فإن السنة قد أميتت، والبدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي، أهدكم إلي سبيل الرشاد (4).
أيها الناس، إن رسول الله (ص) قال: من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا علي الله أن يدخله مدخله: ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا عبادة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، و استأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله (5).
كان القرآن الكريم يؤكد أمرا لابد منه، وهو اتباع سنة الرسول (ص) الشاملة لقوله و عمله ورضاه، والولاء المطلق للخلفاء الراشدين الهادين، الذين نص عليهم الرسول (ص) بأسمائهم، المطهرين من الرجس، عدول القرآن الكريم.
ولما لم يكن في صريح القرآن كل التعاليم التي تغطي حاجة المؤمنين، فكان لابد من إحالتها إلي الاقتباس من سنة الرسول (ص) وأهل بيته الأطهار، أوصيائه وخلفائه، و كان لابد للرسول (ص) من التأكيد علي هذا الأمر بالنسبة إلي خلفائه الحقيقيين، طالما لم يتفقه أغلب المسلمين بجميع أبعاد الرسالة، لقصر فترة حياته (ص)، فقد ورث النبي (ص) علمه كله خلفاءه الذين نص عليهم، وأكد علي الرجوع إليهم في كل شاردة وواردة حول الكتاب
1 - مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 67.
2 - مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 88.
3 - مقتل الحسين لابن طاووس ص 11.
4 - مقتل الحسين للمقرم ص 141 و 142.
5 - المصدر نفسه.
(١١٤)
مفاتيح البحث: السنة النبوية الشريفة (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، شرب الخمر (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (8)، مدينة مكة المكرمة (1)، القرآن الكريم (3)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (3)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)

صفحه 115

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٥
والسنة، ولما آلت أمور المسلمين إلي أبي بكر بعد حادثة سقيفة بني ساعدة، انطلق الكثير من المسلمين آنذاك في اتباع كل من اعتلي مسند الخلافة، بغض النظر عن هويته و صدور النص عليه أو عدم صدوره، وصار المسلمون في دوامة من أمرهم بعد أن فقدوا رشدهم، مما أدي بهم إلي الخضوع في نهاية المطاف إلي حكام جور وظلمة متسلطين، همهم المال والجاه والكرسي، بعد أن وقفوا موقفا سلبيا من الإسلام والدعوة، وكانوا أعدي أعداء الرسالة المحمدية، وكان من أمرهم أن وضعوا الإسلام في جانب وأعادوا أمجاد الجاهلية، التي كانوا يفتخرون بها ويتبجحون بها، وإذا بالمسلمين جميعا والمؤمنين من الصحابة والتابعين أمام معاوية الطليق ابن الطليق، ومن ثم ولده يزيد.
ولما كان الإمام الحسين (ع) الخليفة الحقيقي المنصوص عليه من قبل جده رسول الله (ص)، والمسؤول الأول - في عهده - عن صيانة الرسالة وحفظ الشريعة: كان عليه القيام بكامل مسؤولياته تجاه هذه الأوضاع المتردية التي حلت بعامة المسلمين: للحيلولة دون القضاء علي الرسالة المحمدية: كان عليه - صلوات الله وسلامه عليه - أن يصرخ في وجه الحكام الظلمة، ويقتلع جذور الظلم والجاهلية والتبعية العمياء لكثير من أبناء الأمة لكل من تسلط وجلس علي منبر الخلافة.
وملحمة الطف العظيمة بكل أبعادها تعتبر من أعظم ما حفل به تاريخ الأمة الاسلامية، فلها ثقلها الكبير، وحجمها الضخم، وهي لم تظهر علي الساحة مباغتة وبدون مقدمات ودون بواعث ومحركات، بل سبقتها - كما أسلفنا - عوامل كثيرة من حوادث وخطوب و شجون، أدت بالتالي إلي هذه الوثبة الفريدة، والتضحية الفذة، ووقوع هذه المجزرة الرهيبة الدامية.
إذن فالبواعث لنهضة الإمام الحسين (ع)، ومجزرة الطف كانت نتيجة ليوم تحول مجري الحكم عن خط الرسالة، وانفصام عري الاسلام آنذاك، وكان الذي يقلق الأمويين و يؤرقهم أن ينبري لملكهم العضوض، من يعكر عليهم صفو جوهم ويفوت عليهم الأمر، بعد أن عمت جرائمهم وانتشر نتن مخازيهم وورثوا عن معاوية بطانة السوء من ولاة وقضاة وقواد، وقد أحكم معاوية أمرهم كما أحكموا أمره.
وحقا كما قال الإمام الحسين: علي الاسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد.
روي البلاذري قال: لما قتل الحسين (ع) كتب عبد الله بن عمر إلي يزيد بن معاوية: أما بعد فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة، وحدث في الاسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم الحسين، فكتب إليه يزيد: أما بعد يا أحمق فإننا جئنا إلي بيوت منجدة، وفرش ممهدة، ووسائد منضدة، فقاتلنا عنها، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا، وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أول من سن هذا، وابتز واستأثر بالحق علي أهله.
ومن الصور المعبرة لموقف الإمام الحسين (ع) من الحكام قبل نهضته المباركة:
1 - في جوابه] عليه السلام [للوليد بن عتبة والي المدينة حينما استدعاه لأخذ البيعة ليزيد، بعد هلاك معاوية: إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا يفتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل شارب الخمور، وقاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع
(١١٥)
مفاتيح البحث: نهضة الحسين عليه السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم عاشوراء (2)، الدولة الأموية (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، عبد الله بن عمر (1)، السقيفة (1)، الظلم (1)، القتل (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)

صفحه 116

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٦
مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحق بالخلافة (1).
2 - جوابه لمروان حينما نصحه بأن في بيعة يزيد خير الدنيا والآخرة، فاسترجع الامام وقال: علي الاسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد … الخ (2).
3 - وفي جوابه لأخيه محمد بن الحنفية: يا أخي، لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوي لما بايعت يزيد بن معاوية (3).
4 - وهذه وصيته المكتوبة لأخيه محمد بن الحنفية:.
… وإني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي (ص) و أبي علي بن أبي طالب (ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، ومن رد علي هذا، أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير الحاكمين (4).
5 - وهذه رسالته] الشريفة [إلي رؤساء الأخماس بالبصرة:.
… ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه، وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه (ص)، فإن السنة قد أميتت، والبدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي أهدكم إلي سبيل الرشاد (5).
6 - جوابه لرسائل أهل الكوفة] بيد رسوله وابن عمه [مسلم بن عقيل (ع):
… فإن كتب أنه قد اجتمع رأي ملئكم، وذوي الفضل والحجي منكم، علي مثل ما قدمت علي به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله، فلعمري ما الامام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه علي ذات الله (6).
7 - وهذا خطابه التاريخي العام في المسجد الحرام، وقد كانت مكة مجمع الناس يومذاك، فقام الامام فيهم خطيبا مصرحا بدعوته وغايته ومصيره قبل رحيله إلي العراق.
… الحمد لله، وما شاء الله ولا قوة إلا بالله، وصلي الله علي رسوله، خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، وما أولهني إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس و كربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفاء وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم … إلي أن قال: ألا ومن كان فينا باذلا مهجته، مواظبا علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإني راحل مصبحا إن شاء الله.
تنبؤات باستشهاد الحسين (ع).
1 - خبر رأس الجالوت.
روي الطبري، والبلاذري، وابن سعد، واللفظ للأول، عن رأس الجالوت عن أبيه قال:
ما مررت بكربلاء، إلا وأنا أركض دابتي حتي أخلف المكان، قال: قلت: ولم؟ قال:
كنا
1 - أنظر مقتل الحسين للمقرم ص 139.
2 - المصدر نفسه ص 142.
3 - المصدر نفسه ص 146.
4 - المصدر نفسه ص 151.
5 - المصدر نفسه ص 154.
6 - المصدر نفسه ص 160.
(١١٦)
مفاتيح البحث: السنة النبوية الشريفة (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (2)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، مسجد الحرام (1)، الصّلاة (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)

صفحه 117

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٧
نتحدث أن ولد نبي مقتول في ذلك المكان، وكنت أخاف أن أكون أنا، فلما قتل الحسين قلنا: هذا الذي كنا نتحدث، وكنت بعد ذلك إذا مررت بذلك المكان أسير ولا أركض (1).
2 - حديث أسماء بنت عميس:.
عن علي بن الحسين (ع) قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: … فلما ولد الحسين فجاءني النبي (ص) فقال: يا أسماء، هات ابني فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمني وأقام في اليسري، ثم وضعه في حجره وبكي، قالت أسماء: فقلت فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟ قال: علي ابني هذا، قلت: إنه ولد الساعة، قال: يا أسماء، تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء، لا تخبري فاطمة بهذا، فإنها قريبة عهد بولادته (2).
3 - رواية زينب بنت جحش في بيتها:.
في تاريخ ابن عساكر، ومجمع الزوائد وابن كثير وغيرها، واللفظ للأول عن زينب] بنت جحش [، قالت: بينا رسول الله (ص) في بيتي وحسين عندي حين درج فغفلت عنه، فدخل علي رسول الله (ص) فقال: دعيه …، إلي قولها ثم قام فصلي، فلما قام احتضنه إليه، فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكي ثم مد يده، فقلت حين قضي الصلاة: يا رسول الله أراني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال: إن جبريل أتاني فأخبرني، أن هذا تقتله أمتي، فقلت: فأرني تربته، فأتاني بتربة حمراء (3).
4 - رواية أم سلمة:.
عنه صالح بن أربد، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله (ص): إجلسي بالباب، ولا يلجن علي أحد، فقمت بالباب، إذ جاء الحسين رضي الله عنه فذهبت أتناوله فسبقني الغلام فدخل علي جده، فقلت: يا نبي الله جعلني الله فداك أمرتني أن لا يلج عليك أحد، وإن ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني، فلما طال ذلك تطلعته من الباب فوجدتك تقلب بكفيك شيئا ودموعك تسيل، والصبي علي بطنك!.
قال: نعم أتاني جبريل (ع) فأخبرني: أن أمتي يقتلونه، وأتاني بالتربة التي يقتل عليها، فهي التي أقلب بكفي (4).
5 - رواية عائشة:.
١ - راجع تاريخ الطبري ط أوربا ج ٢ (ص) ٢٨٧، وترجمة الإمام الحسين بمعجم الطبراني الكبير، تأليف أبي القاسم سليمان بن أحمد ج ٦١ ص ١٢٨.
٢ - مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٨٧، وذخائر العقبي ١١٩، ولعل الصحيح غير أسماء بنت عميس - سلمي بنت عميس زوجة حمزة سيد الشهداء - ترجمتها بأسد الغابة ج ٥ ص ٤٧٩.
٣ - تاريخ ابن عساكر ح ٦٢٩، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٨، وكنز العمال ج ١٣ ص ١١٢، و أشار إليه ابن كثير بتأريخه ج ٨ ص ١٩٩.
٤ - ترجمة الحسين في المعجم الكبير للطبراني ج ٥٤ ص ١٢٤، وطبقات ابن سعد ح ٢٦٨، و مقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٥٨، وكنز العمال ج ١٦ ص ٢٢٦.
(١١٧)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، إبن عساكر (2)، أسماء بنت عميس (2)، زينب بنت جحش (1)، القتل (1)، الفدية، الفداء (2)، الصّلاة (2)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، كتاب ذخائر العقبي (1)، الطبراني (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، سليمان بن أحمد (1)، الخوارزمي (1)، الزوج، الزواج (1)، الشهادة (1)

صفحه 118

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٨
وفي طبقات ابن سعد عن عائشة، قالت: بينا رسول الله (ص) راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه، فنحيته عنه ثم قمت لبعض أمري، فدنا منه فاستيقظ يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال:
إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله علي من يسفك دمه، وبسط يده، فإذا فيها قبضة من بطحاء فقال: يا عائشة، والذي نفسي بيده إنه ليحزنني …، الحديث (1).
6 - رواية ابن عباس:.
في مقتل الخوارزمي: عن أبي الضحي، عن ابن عباس قال: ما كنا نشك أهل البيت - وهم متوافرون - أن الحسين بن علي يقتل بالطف (2) 7 - عن ابن عباس، قال: أوحي الله تعالي: يا محمد، إني قد قتلت بيحيي بن زكريا سبعين ألفا، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا، وسبعين ألفا (3).
8 - في مقتل الخوارزمي:.
إن أمير المؤمنين عليا (ع) لما سار إلي صفين نزل بكربلاء وقال لابن عباس: أتدري ما هذه البقعة؟ قال: لا، قال: لو عرفتها لبكيت بكائي، ثم بكي بكاء شديدا، ثم قال:
مالي ولآل أبي سفيان؟ ثم التفت إلي الحسين وقال: صبرا يا بني، فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقي بعده (4).
سبب استشهاد الإمام الحسين عليه السلام:.
ينبغي أن نبحث في هذا المقام في أمرين، هما:
الأول: الإمام الحسين، لماذا اختار طريق الشهادة؟
الثاني: قاتل الإمام الحسين، لماذا أقدم علي قتله؟
يه عفوا (5).
روي الطبري: بويع ليزيد بالخلافة بعد وفاة أبيه، ولم يكن ليزيد همه حين ولي - إلا بيعة النفر الذين أبوا علي معاوية الإجابة إلي بيعة يزيد، … فكتب إلي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أمير المدينة، يخبره بموت معاوية، وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة: أما بعد، فخذ حسينا وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتي يبايعوا، والسلام.
فأشار عليه مروان أن يبعث إليهم في تلك الساعة ويدعوهم إلي البيعة والدخول في الطاعة، فإن فعلوا قبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا قدمهم فضرب أعناقهم، فإنهم إن علموا بموت معاوية وثب كل منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة، ودعا إلي نفسه، عدا ابن عمر، فإنه لا يري القتال إلا أن يدفع الأمر إل
1 - راجع طبقات ابن سعد، وتاري.
2 - مقتل الخوارزمي ج 1 ص 160. / 3 - تاريخ ابن عساكر ح 684، وتهذيبه ج 4 ص 342، وأمالي الشجري ص 16، 32.
4 - مقتل الخوارزمي ج 1 ص 162.
5 - باب خلافة يزيد بن معاوية ج 6 ص 188.
(١١٨)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم عاشوراء (1)، عبد الله بن عباس (4)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، عبد الله بن الزبير (1)، يحيي بن زكريا (1)، عبد الله بن عمر (1)، الحسين بن علي (1)، الخوارزمي (4)، البكاء (1)، القتل (10)، الشهادة (2)، البعث، الإنبعاث (1)، العفو (1)، الوفاة (1)، كتاب أمالي الصدوق (1)، إبن عساكر (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)

صفحه 119

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٩
فأرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان إلي الحسين وابن الزبير يدعوهما، فوجدهما في المسجد فدعاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس. فقالا: انصرف، الآن نأتيه، فقال الحسين لابن الزبير: أري طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشوا في الناس الخبر، فقال: وأنا ما أظن غيره، فقام الحسين (ع) وجمع إليه مواليه وأهل بيته، وسار إلي باب الوليد وقال لهم: إني داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا علي، وإلا فلا تبرحوا حتي أخرج إليكم، فدخل علي الوليد ومروان جالس عنده، فأقرأه الوليد الكتاب ودعاه إلي البيعة، فاسترجع الحسين وقال: إن مثلي لا يعطي بيعته سرا، ولا أراك تجتزئ بها مني سرا، دون أن تظهرها علي رؤوس الناس علانية، قال: أجل، قال: فإذا خرجت إلي الناس فدعوتهم إلي البيعة دعوتنا مع الناس، فكان أمرا واحدا، فقال له الوليد وكان يحب العافية -: انصرف علي اسم الله، فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه علي مثلها، حتي تكثر القتلي بينكم وبينه: إحبس الرجل ولا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه، فوثب عند ذلك الحسين، فقال: يا بن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت (1).
إذن فالإمام الحسين (ع) رجل عقائدي وصاحب مبدأ وحامل رسالة، وهو علي استعداد للتضحية والبذل والفداء من أجل إعلاء كلمة الله، وقد تجسد هذا المفهوم في منهج الحسين، فهو سبط الرسول الأكرم (ص) الذي عرض عليه المشركون الدنيا بأبعادها، قائلين لأبي طالب عمه وناصره، مؤمن قريش: قل لابن أخيك إن كان يريد مالا أعطيناه مالا لم يكن لأحد من قريش، وإن كان يريد ملكا توجناه علي العرب … الخ، فما كان من النبي (ص) إلا أن رد برباطة جأش وعزيمة لا تلين علي مقارعة الكفار، وإقامة حكم الله في الأرض، وايمان بالله: يا عماه، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي علي أن أترك هذا الأمر حتي يظهره الله أو أهلك فيه: ما تركته (2).
وهل أبوه إلا علي بن أبي طالب الفدائي الأول للإسلام ولنبيه محمد (ص) في كل الحروب والمواطن؟ أو ليس عمه جعفر الطيار الذي نصر الإسلام بكل ما يملك وحمزة سيد الشهداء؟
فالحسين ينطلق من مفهوم جده وأبيه وأعمامه الخيرين: إذ رأي أنه لابد أن يفك الخناق الذي فرضه الأمويون علي الإسلام، وأن يغذي شجرة الإسلام التي كادت أن تنضب وتجف.
جدير بالذكر أنه التزم بمواقف أخيه الحسن مدة إمامته، لأن الحسين ممن تجب عليه طاعته والانقياد له، لما هو من الثابت أن الإمام إنما يتصرف حسب المصالح اللازمة، وطبقا للموازين الشرعية التي تمليها عليه الظروف، وقد استغل معاوية، حلم الإمام الحسن (ع)، ليتمادي في غيه وتجاوزاته وتعديه علي كل القيم الإسلامية، فخطط لموبقاته خططا جهنمية، أدت نتائجها إلي هدم كيان الإسلام واجتثاث قواعده، فبدأ بتحريف الحقائق ونشر البدع، ومنع الحديث النبوي، وإبطال السنة وأخزي نفسه بمخالفته كثيرا من بنود
1 - الطبري ج 6 ص 188 - 190.
2 - أنظر الكامل لابن الأثير ج 2 ص 43.
(١١٩)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، الدولة الأموية (1)، علي بن أبي طالب (1)، عبد الله بن عمرو (1)، السجود (1)، القتل (1)، الإقامة (1)، الهلاك (1)، الشهادة (1)، الإبداع، البدعة (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)

صفحه 120

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٠
الصلح مع الإمام الحسن (ع)، ونقضه العهد، وكان من أخطر ما قام به هو الفتك بالصلحاء من الشيعة، الذين كانوا يتصدون لمنكره، وللأحاديث الموضوعة التي كان يذيعها علي ألسنة ولاته ووعاظ بلاطه.
إذن كانت المواقف الأخيرة التي وقفها الإمام الحسين (ع)، في وجه معاوية (ومن ثم ولده يزيد): تعتبر تباشير التحرك المضاد لعملية تنصيبه يزيد خليفة، وإلزامه الناس بالبيعة له، لا ريب أن إنكار الحسين (ع) لمسألة البيعة، وخروجه من مدينة الرسول (ص) إلي مكة متخفيا: لم يرض الدولة ولا أجهزتها، لذلك عزموا علي محاولة اغتيال الحسين في مكة - علي اعتباره الخطر الأول والأعظم في المعارضة علي الأمويين، وقد جاء في بعض المصادر: إن يزيد بث من يغتاله ولو كان متعلقا بأستار الكعبة!! لذلك عرج الحسين إلي أرض العراق: لئلا يجر إلي المواجهة المسلحة مع رجال الدولة في منطقة الحرم، ذلك الأمر الذي لا يريده الحسين (ع)، بل يربأ بنفسه أن يقع فيه، ولا بد أن عيون بني أمية كانت تلاحق الحسين وتراقب تحركاته، في محاولة لصده عن ما يريد، وهو توجهه إلي الكوفة في العراق، التي تعتبر بنظر الأمويين قاعدة مهمة، للمعارضة الشيعية الموتورة من البيت الأموي، فقد صمم الحسين (ع) علي التوجه إلي الكوفة، ولم تثنه العراقيل التي وضعت في طريقه، ولم تثبطه الاحتمالات، بل سار يسوقه الواجب الإلهي المفروض عليه، لكونه إماما للأمة، يجب عليه القيام بتلبية ندائها، لإتمام الحجة الظاهرة.
وأما المصير الغيبي المجهول، فكان يعلمه وينتظره بمنتهي الايمان بالله وقدره، ليس هذا فقط، بل كل من سمع جده النبي (ص) يتحدث عن كربلاء، أو شاهده وشاهد أباه عليا (ع) وهما يشمان تربتها ويتناولانها ويتعاطيانها ويستودعانها: كان يعلم بما تؤول إليه نهضة الحسين المباركة عليه السلام، وكان هذا المصير هو الدافع والقدر الإلهي الذي دفع الإمام الحسين إلي ذلك بكل ثبات، وغريب أمر أولئك الذين ينظرون إلي الموقف من زاوية المظاهر الحاضرة، ويحذفون من حساباتهم الأمور غير المنظورة، و يريدون أن يلقوا الكثير من علامات الاستفهام علي حركته (ع) وخروجه إلي العراق و نهضته، علي أساس أنه إمام عالم بالمصير، بل لابد أن يعرف كل شئ من خلال الغيب!
فكيف يقدم علي ما أقدم عليه وهو عالم بما يحدث؟!.
والجواب، إن الإمام الحسين (ع) لو عمل طبقا لما يعلمه من أنباء الغيب التي علمها إياه جده رسول الله (ص)، لعاب عليه كل من يسمع الأخبار ويري مجريات الأمور ويقرأ التاريخ.
إنه ترك دعوة الأمة له في التظاهر بالولاء ليزيد والطاعة له والمضي سرا في الوقوف بوجه حكام الجور، واستئصال شأفتهم، وذلك من خلال آلاف الكتب والعهود التي وصلته منهم، استنادا إلي احتمالات الخيانة والتخاذل، التي لم تظهر بوادرها إلا بالتخمين، حسب ماضي أهل الكوفة، وسيرتهم مع أبيه الإمام علي (ع)، وأخيه الإمام الحسن (ع).
فلو أطاع الإمام الحسين (ع) أولئك الناصحين له بعدم الخروج: لكان مطيعا لمن لم تجب عليه طاعتهم، وتاركا لنجدة من تجب عليه نجدتهم.
ورغم كل ذلك، فإن الواجب الإلهي المحتم عليه، يحدد مسيرته ويرسم له الخطط للقيام
(١٢٠)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (6)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الدولة الأموية (2)، دولة العراق (4)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، مدينة الكوفة (3)، الأحاديث الموضوعة (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، بنو أمية (1)، السلاح (1)

صفحه 121

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢١
بأمر الأمة، فإذا تمت الحجة بوجود الناصر، كان هذا دافعه الأول، والأساس علي الإقدام، دون الاحجام علي أساس الاحتمالات والتوقعات الظاهرية.
ومن نافلة القول، إن الذين لديهم مكانة اجتماعية مرموقة، ويرون في أنفسهم المؤهلات والإمكانيات التي يمكن أن تدفعهم نحو الزعامة والقيادة، كثيرا ما يتخذون سلوكا ملتويا، وهو مسايرة السلطة القائمة، وغض الطرف عن زلات وعبث الحكم القائم ومحاباته، وإظهار الليونة والتسلل خلسة، ومن ثم التسلق إلي المراكز الحساسة في السلطة: ليتحينوا الفرصة التي تسمح لهم بالانقضاض علي سدة الحكم وقيادة المجتمع، وبشهادة التاريخ، لو أن الإمام عليه السلام كان قد حابي الحكام الأمويين في بداية الأمر، لما كانوا يتركونه فحسب، بل كانوا مستعدين لمنحه منصبا ومقاما رفيعا، لسكوته وإعراضه عما يجري، ولو كان الإمام (ع) طالبا للرئاسة والحكم - سواء عن طريق التدرج في المناصب أو عن طريق الثورة - لكان عليه أن يسالم الحكام أو، لا أن يعبر عن رفضه أمام الملأ، وبثبات وصلابة، رغم تحذيرات محبيه والكثير من الوجوه المعروفة آنذاك له بضرورة مبايعة يزيد وتجنب إراقة الدماء.
ولو كان الدافع الحقيقي للإمام (ع) هو طلب الحكم والرئاسة، فماذا يعني المكوث في كربلاء وإبداء التصلب أزاء مختلف المقترحات التي قدمت له؟ ولو كان أصحاب الحسين (ع) قد جاؤوا من أجل حياة أفضل، ومن أجل نيل الحكم، فلماذا لم يتركوا الحسين ليلة عاشوراء، بعد أن شاهدوا الموت بأعينهم؟.
إن مصيبة الإمام الحسين (ع) تكمن في ارتقاء منبر رسول الله (ص) من لم يكن يؤمن به، إن مصيبة الامام تكمن في تفشي المنكر والظلم، وضياع شريعة جده رسول الله (ص)، إن مصيبة الإمام (ع) تتمثل في أن المقدسات الاسلامية قد سحقت، وقد اكتسبت الممارسات الوضيعة صفة قانونية، وباتت أمرا طبيعيا لدي الحكام الأمويين، ولم تلق أية معارضة تذكر من الكثير من الصحابة، لدواع كثيرة.
وإن الحسين (ع) لم يمض طالبا الكوفة إلا بعد توثق من القوم، وعهود وعقود، وبعد أن كاتبوه طائعين غير مكرهين، ومبتدئين غير مجيبين، وقد كانت المكاتبات ترده من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها، وقد وردته أيام حكم معاوية، وبعد الصلح الذي جري بين الإمام الحسن (ع) ومعاوية، وكذلك بعد وفاة الإمام الحسن (ع).
وبمجرد انتشار خبر وصول الإمام الحسين (ع) مكة المكرمة لدي أهل الكوفة، فقد أقيمت اجتماعات سرية لكبار شيعته ومحبيه، وكان سليمان بن صرد الخزاعي صاحب هذه الفكرة و هذا الحشد الكبير من الشيعة، وهذا الرجل معروف بورعه وحبه لأهل البيت (ع)، و معارضته للبيت الأموي.
وكانت الكوفة ككتلة من النار المتوقدة غضبا من تسلط الأمويين علي رقاب الناس، و إماتتهم للدين، ومحقهم لكل القيم الإنسانية، ومتلهفة غبطة وسرورا لمقدم أبي عبد الله (ع) ونصرتهم له، وقد أرسلوا الكثير من الرسائل يدعونه إلي الإسراع في القدوم إليهم.
فما كان الإمام (ع) إلا أن أرسل سفيره وابن عمه ومؤتمنه مسلم بن عقيل، لعلمه بكفاءته و
(١٢١)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (4)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (2)، مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، يوم عاشوراء (1)، الدولة الأموية (3)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، سليمان بن صرد الخزاعي (1)، مدينة الكوفة (4)، صلح (يوم) الحديبية (1)، البيعة (1)، الموت (2)، الوفاة (1)

صفحه 122

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٢
ايمانه وشجاعته وشخصيته، فقد غادر مكة المكرمة يوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك عام 60 للهجرة، قاصدا الكوفة، وسلمه كتابا منه إلي أهل الكوفة، وكتب فيه إليهم:.
بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلي الملأ من المسلمين، أما بعد، فإن هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم أنه ليس علينا امام فأقبل لعل الله يجمعنا بك علي الهدي، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي أحداثكم وذوي الفضل منكم، علي مثل ما قدمت به رسلكم وتواترت به كتبكم، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله، ولعمري ما الامام إلا الحاكم القائم بالقسط، الدائن بدين الله، الحابس نفسه علي ذات الله (1).
ولما وصل سفير الحسين (ع)، مسلم بن عقيل، (ع) الكوفة: اجتمع إليه كبار الشيعة، و بايعوه فور معرفتهم بكتابه (ع)، واستقبلوه استقبالا لم يعهد من قبل مثله، وأخذ عدد المبايعين يزداد يوما بعد آخر، وبسبب الأوضاع الطارئة وانقلابها علي يزيد و حكمه، وتصاعد الغليان في الكوفة: فقد كتبت رسالتان: إحداهما للحسين بن علي (ع)، والأخري ليزيد بن معاوية.
فقد كتب مسلم بن عقيل إلي الحسين (ع) يدعوه بالتعجيل في القدوم: أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، فعجل حين يأتيك كتابي.
فيما كتب أعوان يزيد: أما بعد فإن مسلم بن عقيل قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحسين بن علي، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا، ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف، وأصبحت هاتان الرسالتان سببا لإجراءين.
فالرسالة الأولي لمسلم بن عقيل (ع) قد شخصت طريق الحسين (ع)، وحسمت قراره، وأعدت المقدمات لحركته (ع) نحو الكوفة: حيث أن التحرك في ذلك الوقت بالذات ومن مكة المكرمة، تلك البقعة التي يقصدها الناس من أقصي البلاد الاسلامية، للظفر بذلك الموسم المقدس، غير معهود أبدا، ويثير الدهشة فيما لو قام به مسلم عادي، ناهيك عن ابن رسول الله (ص).
لذلك فقد انتشر خبر رحيل الامام من مكة المكرمة وتوجهه إلي العراق في غضون برهة و جيزة من الوقت، وأصبح حديث الساعة، فأينما اجتمع نفر من الناس كان حديثهم عن هذا التحرك المفاجئ وأسبابه، وقد عرف أهل مكة فيما بعد، أن الحسين (ع) - بتركه المدينة حال موت معاوية، ومن ثم ترك مكة أثناء الموسم - أنه (ع) لا يعترف بحكومة يزيد، وقد خشي علي نفسه هنا: حفاظا علي حرمة بيت الله لئلا تنتهك، وكذلك علمهم بتصميم يزيد علي قتل الحسين في مكة، ولو كان معلقا بأستار الكعبة!!
١ - راجع المناقب ص ٨٩.
(١٢٢)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (5)، مسلم بن عقيل عليه السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (6)، مدينة الكوفة (8)، شهر رمضان المبارك (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، النعمان بن بشير (1)، الحسين بن علي (1)، القتل (1)

صفحه 123

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٣
وأما الرسالة الثانية: فقد تسببت في عزل والي الكوفة السابق، النعمان بن بشير، و تعيين آخر محله، وهو عبيد الله بن زياد - المعروف بقسوته وبطشه بشيعة علي بن أبي طالب (ع)، وولائه المطلق للحكم الأموي، ناهيك عن ماضيه الأسود -، وترقيته إلي رتبة أعلي، فقد نال الولايتين، إذ أصبح واليا علي الكوفة، إضافة إلي ولاية البصرة.
ولما كان ابن زياد يعرف أن الكوفة تعيش حالة الهيجان والترقب والانتظار للإمام الحسين (ع)، وقد احتشد الناس في المسجد معلنين ولاءهم وبيعتهم للحسين عند سفيره مسلم بن عقيل عليهما السلام، فقد كان لزاما عليه أن يدخلها متنكرا، لكي لا يعلم به أحد من الشيعة، وجاء بفكرة شيطانية غادرة، بأنه إتخذ لنفسه هيئة جديدة، وتنقب وارتدي بزي أشراف بني هاشم، لإيهام الناس والجموع المحتشدة لاستقبال ابن بنت رسول الله (ص) بأن القادم هو الحسين (ع)، وليبدأ بتنفيذ خطته الآتية:
فعلي مشارف المدينة أوعز إلي أعوانه بأن يتجمهروا وينادوا بأعلي أصواتهم، و يعرفوه علي أنه الحسين بن علي ويرحبوا به، وقد نجحت خطته الخسيسة هذه في انتحال صفة وشخص الإمام الحسين (ع)، فكان كلما يتقدم نحو المدينة تزداد الجموع عددا، وقد ظن الناس أنهم يستقبلون الحسين (ع)، وأخذت الكوفة بالتحرك شيئا فشيئا، فدخل ابن زياد المدينة دون أن يتحدث إلي أحد من الناس أو يزيل النقاب عن وجهه، وتوجه نحو دار الإمارة مباشرة، وقد ظن الناس أنه هو الحسين الذي قصد مقر الأمير، ويريد أن ينهي أمر والي الأمويين حينذاك النعمان بن بشير، وقد كان غضب الأمة علي الأجهزة التابعة لحكومة يزيد بنحو كأنهم كانوا يريدون اقتلاع قصر الإمارة، وتحصن ابن زياد في القصر، وأوعز بأن تغلق جميع الأبواب، وقد تأكد من محبة الناس الشديدة لإمامهم، واشمئزازهم من أتباع يزيد: ليعمل بما ينسجم مع هذا الحب والاشمئزاز في سياسته اللاحقة.
ولما تبين للناس حجم المكيدة والخطة التي جاء بها ابن زياد وظهوره المفاجئ، اعتراهم الذهول والحيرة جراء هذا المشهد والخطة الوضيعة التي أخذوا فيها علي حين غرة، فتفرقوا بعدها، وقد دب الوهن فيهم.
وأول شئ اتخذه هذا الطاغية هو دخول المسجد وأمره الناس بالصلاة جامعة، وقد أفصح عن نيته والأمر الذي دعاه إلي التوجه إلي الكوفة، ونزل من المنبر وأمر بإحضار الشخصيات البارزة، ودعا من لديهم معرفة بأحوال الناس، وتشدد عليهم بإحضار كل من يعرف بمعارضته للنظام، وموافاته بمن يوافق النظام، وأخذ العهود والمواثيق منهم بعدم معارضة أي من أبناء عشيرتهم للنظام، وقال: ليعرف كل من خالف بأننا سنأخذ الولي بالولي.
ومن الخطط التي ابتدعها عبيد الله بن زياد - وهي ما لم تكن مألوفة في السابق - استحداث منظمة رهيبة تأخذ علي عاتقها التسلل إلي صفوف المعارضين: لاستلال الأخبار منهم، وإشاعة الأخبار التي من شأنها الحد من فورة المنتفضين، وإحباط معنوياتهم، والتحرك الحثيث علي بعض الوجوه لاستمالتهم إلي نظام الحكم، أو علي أقل تقدير تحييدهم، فقد دعا معقلا غلامه، وأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وأمره أن يلتقي مسلما أو أحد أنصاره، علي أنه
(١٢٣)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (4)، مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، الدولة الأموية (1)، مدينة الكوفة (5)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، النعمان بن بشير (2)، مدينة البصرة (1)، الحسين بن علي (1)، بنو هاشم (1)، الإبداع، البدعة (1)، السجود (2)، الظنّ (1)، الشهادة (1)

صفحه 124

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٤
رجل من أهل الشام وأن يعطيه هذا المبلغ ليستعينوا به علي عدوهم - ابن زياد - و أمره بأن يوهمهم بولائه لأهل البيت (ع)، وتطيره من البيت الأموي، وأن يتسلل إلي خلاياهم ليعرف أحوالهم، سيما أحوال مسلم وأصحابه.
وفعلا فقد مضي هذا الجاسوس بتدبير متقن، وتمكن من معرفة الكثير عن المجتمعين، و أفلح في الإيقاع بالكثير منهم، ومن ثم إجهاض حركة الناس، وتمزيق وحدتهم، ولا يخفي، فقد كانت تلوح في الأفق أمور عدة للسيطرة علي الأوضاع، وإضعاف حماس الناس، ولقد جاء القدر بما لم يكن في الحسبان، ويقع ما لم يكن متوقعا من سوء الوضع و سرعة التحول، بهذه الصورة المفاجئة، وأمام هذه المفاجأة الغريبة والمفجعة، يقف الإنسان متسائلا: كيف استطاع ابن زياد السيطرة علي الموقف، وإخماد ذلك الهياج الذي غمر الكوفة ضد سلطان الأمويين الغاشم؟ وكيف أصبح البلد بعد ذلك الوضع الثوري يستسلم ويفقد كل إمكانياته ومستلزمات نهضته؟ في الوقت الذي كان مسلم بن عقيل (ع) تسانده جبهة قوية تضم ألمع الشخصيات العربية - وهو سفير الحسين (ع) وممثله - فكيف انهارت الجبهة؟ وأين الزعماء الذين ساندوه، ليصبح وحيدا فريدا، يبحث عن ملجأ يؤويه في ذلك البلد الذي بايعه فيه ثمانية عشر ألفا؟
ويبدو الجواب واضحا، وبتأمل وإلقاء نظرة فاحصة مجردة، علي كل عوامل الانحراف عن المسيرة الحقة.
فنلقي الأضواء علي مجتمع الكوفة، لنتعرف علي العناصر المختلفة فيه، والآراء المتفرقة بين أهلها، والقوميات المتعددة، والمتناحرة، والعصبيات القبلية التي تحكمت في ذلك المجتمع، فنقول:.
إن ابن زياد لم يدخل بلدا متماسك القوي، متحد الاتجاه، متفقا في الآراء، فضلا عن وجود أهل الأديان المختلفة فيها، والمذاهب المتفرقة، وكانت الكوفة مرتعا خصبا لدسائس اليهود الذين سكنوها أيام الفتح، والتحق بهم من أجلاهم عمر بن الخطاب من المدينة، وفيها أيضا للخوارج مركز اجتماعي ولهم ثقلهم في ذلك البلد، وقد انضم الخوارج إلي شيعة الحسين (ع)، لاتحاد الهدف في بغض الأمويين، واشتركوا في مراسلة الحسين، وعند قدوم ابن زياد استسلموا بدافع الخوف من بطشه، ولضعف عقيدتهم و خوائها فرجحت كفة ابن زياد باستعماله خطة إرهابية للقضاء علي المعارضة وإجهاضها.
وإلي جانب ذلك فقد عمد ابن زياد إلي البطش والإرهاب، وإنزال أقسي العقوبات، و نشر الدعايات في البلد، حتي بلغت حد الأساطير: لغرض السيطرة علي الأوضاع وتفتيت معنوية الناس.
وكانت الكوفة مركزا لتجمع القوميات كما أسلفنا، فقد كان فيها بقية الفرس الذين زال ملكهم عن العراق، والنبط الذين كانوا تحت سيطرة الفرس، فضلا عن اليهود والصابئة والنصاري، والأمر الذي لاشك فيه ولا خلاف حوله، هو أن الوضع في الكوفة كان يتسم بالقبلية والعشائرية، تسوده العصبيات كما قال شوقي منيف في كتاب التصور والتجديد في الشعر الأموي: … وتمضي الحياة في الكوفة قبلية، كما بدأ فيها الإحساس بالقبلية، وفيها
(١٢٤)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، الدولة الأموية (2)، دولة العراق (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مدينة الكوفة (6)، الشام (1)، الخوارج (2)، الخوف (1)، الهدف (1)

صفحه 125

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٥
غلبت روح القبلي علي كل شئ، ومن هنا غلب علي الحياة فيها] الكوفة [طابع الجاهلية (1).
وعلي هذا فالكوفة] كانت [تتصف بطابع الخلافات، لضعف الروابط بين أهلها، واختلاف العناصر والقوميات، و تحكم العصبيات الجاهلية.
وحسبي من البيان ما قدمت في هذا العرض، لإعطاء صورة عن مجتمع الكوفة فقد رسم لنا المؤرخون لها صورة تمثل التقلبات، ووسموها بطابع الغدر والنفاق والخيانة، وجعلوا ذلك وسيلة للطعن في الشيعة، بعد أن أهملوا كل جانب من جوانبها الاجتماعية، ولم يلتفتوا إلي العوامل المهمة التي أدت بمجتمع الكوفة إلي انحلال الروابط، وازدياد الفتن والفوضي، وتباين الاتجاهات.
وعليه: فإن الكوفة لم تكن شيعية محضة، ولم تكن نزعتها العامة نزعة علوية، وإن ذلك الإطلاق في التسمية جاء متأخرا عن ذلك العصر، يوم اشتد الصراع العقائدي بين المذاهب، واستطاعت السياسة أن تفصل الشيعة عن المجتمع الإسلامي، وسار بعض علماء الحديث والفقهاء في ركاب الدولة، فمنعوا قبول رواية الشيعي: لأنه مبتدع - كما يقولون - وقسموا الشيعي إلي معتدل، ومخترق، ورافضي (2).
وكان إلحاح أهل الكوفة علي الحسين (ع) بالقدوم إليهم، هو غاية ما يصبو إليه ذلك البلد، وكانت قد لاحت في الأفق علائم النصر علي الأمويين إثر ورود كتاب سفيره ورائده مسلم بن عقيل (ع)، فضلا عن كتب أهل الكوفة ورسلهم، ولم يبلغه (ع) خلاف نشأ في الكوفة، وكما قلنا حينما شاع نبأ عزم الحسين (ع) علي الخروج إلي العراق: اهتم يزيد لذلك الأمر، فاتخذ شتي الوسائل للحيلولة دون وصول ركبه إلي الكوفة. فأخذ يراسل جماعة من أعيان الصحابة لعرض وجهة نظرهم علي الحسين في خروجه إلي العراق، ومنعه عن ذلك.
فكتب إلي ابن عباس كتابا جاء فيه: وجاءه] أي الحسين (ع) [رجال من أهل هذا المشرق فمنوه الخلافة، وعندك منهم خبرة وتجربة: فإن كان فعل فقد قطع أواشج القرابة، و أنت كبير أهل بيتك والمنظور إليهم، فاكففه عن السعي في الفرقة … الخ (3).
ولما شاع نبأ توجه الحسين (ع) إلي العراق في تلك اللحظة الحرجة - أصبحت السلطة أمام أهم مشكلة تقف أمام نفوذها، وذهبت المحاولة التي اتخذوها في مكة المكرمة هباء، إذ فشلت المؤامرة التي دبروها لقتله (ع) غيلة، وهذا الحادث هو أقوي وسيلة إعلام للثورة ضد الأمويين وحكمهم الجائر، ولم يك ذلك من باب المغامرة السياسية، ولا وسيلة عاجز عن إدراك ما يصبو إليه في مهمته، ولا حركة من الحركات التي يأمل القائمون بها الوصول من خلالها إلي أغراضهم الدنيوية: إنما هي حركة إصلاح دينية وغاية يتحقق فيها للمسلمين أعظم عوامل الظفر.
1 - التصور والتجديد في الشعر الأموي لشوقي منيف ج 80 ص 81.
2 - مع الحسين ونهضته لأسد حيدر ص 139.
3 - تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 221.
(١٢٥)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (4)، مسلم بن عقيل عليه السلام (1)، عبد الله بن عباس (1)، الدولة الأموية (2)، دولة العراق (3)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (9)، القتل (1)، الجهل (1)، الغلّ (1)، النفاق (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، إبن عساكر (1)

صفحه 126

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٦
وإليك ممن نعي الامام في المدينة حين مقتله (ع):
عن سلمي، قالت: دخلت علي أم سلمة تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله (ص) - تعني في المنام - وعلي رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا (1).
وقال اليعقوبي: وكانت أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله] ص [، كان دفع إليها قارورة فيها تربة وقال لها: إن جبريل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين و أعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل، و كانت عندها، فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلي القارورة في كل ساعة، فلما رأتها قد صارت دما، صاحت وا حسيناه! يا بن رسول الله! وتصارخت النساء في كل ناحية: حتي ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط (2).
وفي مسند أحمد عن عمار ابن أبي عمار عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله (ص) في المنام نصف النهار أشعب أغبر، معه قارورة فيها دم، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا؟
قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم، قال عمار: فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فيه (3).
بعض آثار مقتله (ع):
أ - قال ابن كثير: لما قتل ابن زياد الحسين (ع) ومن معه، وبعث برؤوسهم إلي يزيد، سر بقتلهم أولا، وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده، ثم لم يلبث إلا قليلا حتي ندم و قال: بغضني بقتله إلي المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البر والفاجر (4)، وكذلك يظهر ندم ابن زياد وعمر بن سعد وسائر قتلة آل رسول الله (ص)، كما جاء في كتب التاريخ وقد أعرضنا عن نقلها.
ب - إن غايتنا من إيراد خبر مقتل الإمام الحسين (ع) ليس في استقصاء تحقيق حوادثه أو بيان زمانه ومكانه، بل توخينا آثار مقتله علي الاسلام والمسلمين، سيما الثورات المستمرة ضد حكم آل أمية، وإليكم بعضها:.
1 - قال المسعودي: لما شمل الناس جور يزيد وعماله، وعمهم ظلمه وما ظهر من فسقه بقتله ابن بنت رسول الله (ص) وأنصاره، وما أظهر من شرب الخمور، وسيره بسيرة
١ - من سنن الترمذي ج ١٣ ص ١٩٣ و ١٩٤، ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ١٩، وسير النبلاء ج ٣ ص ٢١٣، والرياض النضرة ص ١٤٨، وتاريخ ابن الأثير ج ٣ ص ٣٨، وابن كثير ج ٨ ص ٢٠١، و تاريخ السيوطي ص ٢٠٨.
٢ - تاريخ اليعقوبي ج ١ ص ٢٤٧ و 248.
3 - مسند أحمد ج 1 ص 242 و 282، وفضائل أحمد / 20 و 22 و 26 و، المعجم للطبراني ح 56، ومستدرك الحاكم ج 4 ص 398، وقال: علي شرط صحيح مسلم و، سير النبلاء ج 3 ص 323، و الرياض النضرة ص 148.
4 - ابن كثير ج 8 ص 232، وتاريخ الاسلام للذهبي ج 2 ص 351، وغيرهما.
(١٢٦)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، إبن بنت رسول الله صلي الله عليه وآله (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، عبد الله بن عباس (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، القتل (10)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، إبن الأثير (1)، التاريخ الإسلامي (1)

صفحه 127

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٧
فرعون، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته، وأنصف منه لخاصته وعامته (1)، فامتنع ابن الزبير عن بيعة يزيد، وكان يسميه السكير الخمير، وكتب إلي أهل المدينة ينتقصه، و يذكر فسوقه، ويدعوهم إلي معاضدته علي حربه (2).
2 - وقال الطبري: لما قتل الحسين (ع) قام ابن الزبير في أهل مكة، وعظم مقتله، و عاب أهل الكوفة خاصة، ولام أهل العراق عامة، فقال بعد الحمد: … إن أهل العراق غدر فجر إلا قليلا، وإن أهل الكوفة شرار أهل العراق، وإنهم دعوا حسينا لينصروه و يولوه عليهم: فلما قدم عليهم ثاروا إليه فقالوا له: إما أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلي ابن زياد بن سمية سلما فيمضي فيك حكمه، وإما أن تحارب، … إلي آخر الرواية فيما يخص ثورة ابن الزبير ضد بني أمية (3).
3 - ثورة أهل المدية وبيعتهم لعبد الله بن حنظلة: اجتمعوا] الناس [علي عبد الله بن حنظلة وبايعهم علي الموت، قال: يا قوم اتقوا الله، فوالله ما خرجنا علي يزيد حتي خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة (4).
4 - استباحة جيش الخلافة الأموية حرم الرسول (ص): … وأباح مسلم بن عقبة (قائد جيش يزيد علي أهل المدينة) المدينة ثلاثا، يقتلون الناس، ويأخذون الأموال. ففي تاريخ ابن كثير: قتل يوم الحرة سبعمئة رجل من حملة القرآن، وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله (ص).
وقال: قتل بشر كثير حتي كاد لا يفلت أحد من أهلها، وقال: ووقعوا علي النساء حتي قيل: إنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج!! (5).
وقال الطبري: فدعا للبيعة علي أنهم خول ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء (6).
5 - قال الدينوري: فلما كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبة، فدعاهم إلي البيعة، فكان أول من أتاه يزيد بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود، وجدته أم سلمة زوج النبي (ص) فقال له مسلم: بايعني، قال: أبايعك علي كتاب الله وسنة نبيه (ص)، فقال مسلم: بل بايع علي أنك فئ لأمير المؤمنين، يفعل في أموالكم وذراريكم ما يشاء، فأبي أن يبايع علي ذلك، فأمر
١ - مروج الذهب ج ٣ ص ٦٨، وتاريخ ابن كثير ج ٨ ص ٢١٩.
٢ - التنبيه والإشراف ص ٢٦٣.
3 - ط أوربا ج 2 ص 396 و 397، وط مصر ج 5 274 و 275.
4 - فقد نقل الذهبي في تاريخ الاسلام ج 2 ص 356.
5 - قال الطبري في تاريخه ج 7 ص 11، وابن الأثير ج 3 ص 47، وابن كثير ج 8 ص 220، و غيرهم، وفي تاريخ ابن كثير ج 6 ص 234.
6 - الطبري ج 7 ص 13، وغيره.
(١٢٧)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، السنة النبوية الشريفة (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الدولة الأموية (1)، دولة العراق (3)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (2)، عبد الله بن حنظلة (1)، مسلم بن عقبة المري (2)، عبد الله بن ربيعة (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، بنو أمية (1)، القرآن الكريم (1)، القتل (5)، الموت (1)، الصّلاة (1)، الزوج، الزواج (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، إبن الأثير (1)، التاريخ الإسلامي (1)

صفحه 128

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٨
به، فضربت عنقه (1).
6 - جيش الخلافة يحرق الكعبة في حرب ابن الزبير. (2) 7 - الحجاج يرمي الكعبة ثانية: قال ابن الأثير: أرسل عبد الملك بن مروان الحجاج لحرب ابن الزبير بمكة فنزل الطائف، وأمده بطارق فقدم المدينة في ذي القعدة سنة 72 ه، و أخرج عامل ابن الزبير عنها، وجعل عليها رجلا من أهل الشام اسمه ثعلبة، فكان ثعلبة يخرج المخ علي منبر النبي (ص) يأكله ويأكل عليه التمر: ليغيظ أهل المدينة (3).
قال الذهبي: … واستوسق الأمر لعبد الملك بن مروان، واستعمل علي الحرمين الحجاج بن يوسف، فنقض الكعبة التي أعاد بناءها ابن الزبير، بعد رميها من قبل جيش يزيد، وكانت تشعثت من المنجنيق، وانفلق الحجر الأسود من المنجنيق فشعبوه (4).
هكذا انتهت ثورة الحرمين فقد أوجزناها لكم، وثارت معها وبعدها بلاد أخري، مثل ثورة التوابين سنة 65 في الكوفة، الذين خرجوا ينادون: (يا لثارات الحسين)، وقاتلوا الجيش الأموي بعين الوردة حتي استشهدوا، ثم ثورة المختار في الكوفة سنة 66 ه، وقيامه بقتل قتلة الحسين (ع)، ثم ثورات العلويين: مثل زيد الشهيد وابنه يحيي، وأخيرا ثورة العباسيين وقيامهم باسم الدعوة لآل محمد (ص)] وإسقاطهم [الخلافة الأموية، وإقامتهم الخلافة العباسية] علي أنقاضها [(5).
وهكذا ينتهي ركب آل محمد (ص) بعد تلك الرحلة الشاقة، ذات الفجائع والمآسي ولكن حصيلة ذلك الجهاد، وحصاد ذلك البذر، أن أصبحت الثورة شعلة تتأجج، ونورا يزيل الحجب التي ضربها أولئك الطغاة في طريق دعوة الإصلاح، لقد نجحت الثورة وإلي الأبد، وكان نصيب أولئك الذين تورطوا بانتحال الإمرة علي المسلمين، وحاولوا القضاء علي دعاة الإسلام، وحملة رسالته: أن تفرق شملهم وخسرت صفقتهم، وكان جميع الذين اشتركوا في قتل الحسين (ع) قد نالهم الذل والهوان وماتوا أسوأ ميتة، وديست جيفهم بالأقدام بعد أن شردوا وأصبحوا مطاردين، فابن زياد علي قوته وتجبره ونفوذ سلطانه: أصبح مشردا، وبعد أن عاد إلي البصرة طلبه أهلها فاستجار بأحد الزعماء فأخفاه، ثم هرب ليلا علي حمار حتي قتله الثوار، وعمر بن سعد قتل علي فراشه، …
وبقي الحسين خالدا، والدنيا كلها تلهج بذكره (ويموت يزيد، ويخلفه ابنه معاوية الثاني، و
١ - تاريخ الطبري ج ٧ ص ١١ و ١٢، وط أوربا ج ٤ ص ٤١٨ - ٤٢٠.
٢ - راجع تاريخ الخميس، ٢ / ٣٠٣، وتاريخ الطبري: ٧ / ١٤ - ١٥، وابن كثير: ٨ / ٢٢٥، وابن الأثير: ٤ / ٤٩ و ٣ / ١٣٥. / ٣ - راجع تاريخ الخميس ج ٢ ص ٣٠٣، وص ٩ للسيوطي، وتاريخ الطبري ج ٧ ص ١٤ و 15، وابن كثير ج 8 ص 225، وابن الأثير 4 ص 49، وابن الأثير ج 3 135، وغيره.
4 - الذهبي في تاريخ الاسلام ج 3 ص 115.
5 - راجع تاريخ الطبري وابن الأثير، وابن كثير في ذكرهم حوادث سني 65، 66، 67، و 121، 122، 125.
(١٢٨)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، الدولة الأموية (1)، ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1)، شهر ذي القعدة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (2)، إبن الأثير (4)، يا لثارات الحسين (1)، مدينة البصرة (1)، الحجر الأسود (1)، الشام (1)، القتل (5)، الشهادة (1)، الحرب (1)، الأكل (1)، الموت (1)، التمر (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، التاريخ الإسلامي (1)، كتاب تاريخ الطبري (4)

صفحه 129

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٩
هنا يوجه القدر الحكيم أذكي ضرباته، فيقف ابن يزيد نفسه ليحمل شعلة الحسين (ع) و يزيد الجذوة ضراما: حين يجمع الناس ليوم مشهود، ثم يعلن فيهم أن جده وأباه اغتصب الحق من أهله!!!، وأنه يبرأ إلي الله مما جنت أيديهما!! وأنه يربأ بنفسه وبتقواه من أن يجلس علي العرش الملوث بالجريمة!! ثم يعلن عليهم اعتزاله منصبه، ويعتكف الناس في بيته، حتي يأتيه الموت، فيلقي الله تقيا نقيا سعيدا (1).
وبعد ذلك كله، لو أن الإمام لم يلبي دعوة أهل الكوفة، وبايع يزيد، أو أنه لم يبايع يزيد، ولكنه استشهد بمكان آخر: كان عندئذ قد فرط في حق أهل الكوفة، وكان الناس - أبد الدهر وجيلا بعد جيل - يسجلون لأهل الكوفة الحق علي الإمام، وفي يوم القيامة كانت لهم الحجة.
إذن فما فعله (ع) مع أهل الكوفة كان من باب إتمام الحجة عليهم، وكان الإمام (ع) يعلم - بالبداهة، وبحسب حكم طبائع الأشياء، وبصرف النظر عما كان قد علمه من الأمور الغيبية بإنباء رسول الله عن الله عز اسمه بمقتله -: يعلم أن عليه أن يختار أحد اثنين لا ثالث لهما: إما البيعة، وإما القتل.
إذن فإن نهضة الإمام الحسين (ع) وثورته علي طواغيت عصره: لم تكن مشكلة تسلط الحاكم الجائر، لكي يعالج بتبديله بحاكم عادل: بل كانت مشكلة ضياع الأحكام الاسلامية، و تدين المسلمين بطاعة الخليفة، مهما كانت أوامره، حيث كان المسلمون في عاصمتي الاسلام، مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعاصمتي الخلافة، الكوفة والشام، يرون التمسك بالدين في طاعة الخليفة مهما كانت صفاته، وفي كل ما يأمر، ويرون في الخروج عليه شقا لعصا المسلمين، ومروقا من الدين.
وعليه فإن الإمام (ع) كما قلنا إن بايع يزيد، حظي بعيش رغيد في الدنيا، مع بقاء حب المسلمين له، فضلا عن المغريات الدنيوية المادية: لكن الإمام يعلم أن بيعته ليزيد، أولا - إقرار منه ليزيد علي كل فجوره وكفره وتظاهره بهما، وثانيا - إقرار منه للسواد الأعظم من المسلمين فيما يعتقدونه في أمثال يزيد، ممن تربع علي دست الخلافة بالبيعة، بأنهم الممثلون الشرعيون لله ولرسوله (ص)، وأن طاعتهم واجبة، وفي كلا الإقرارين قضاء علي شريعة جده سيد المرسلين، ويكون مصيرها بعد ذلك مصير شريعة موسي وعيسي وشرائع سائر النبيين عليهم السلام جميعا.
الإمام الرابع: زين العابدين علي بن الحسين (ع):.
ولادته وحياته:.
في ظل حكم ورعاية الإمام علي بن أبي طالب (ع) حين كان خليفة للأمة الاسلامية وربان سفينتها وقائد مسيرتها، ولد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام بالمدينة المنورة، في يوم الخميس، الخامس من شهر شعبان من سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، قبل وفاة جده أمير المؤمنين (ع) بسنتين، أمه أم ولد، اسمها غزالة، وقيل:
كان اسمها (شاه زنان)
1 - خالد محمد خالد: أبناء الرسول في كربلاء ص 193.
(١٢٩)
مفاتيح البحث: نهضة الحسين عليه السلام (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، السيدة شاه زنان بنت يزدجرد زوجة الإمام الحسين عليه السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (5)، شهر شعبان المعظم (1)، المدينة المنورة (2)، علي بن الحسين (1)، الشام (1)، الموت (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، الوفاة (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)

صفحه 130

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٠
بنت كسري يزدجرد، أحد ملوك الفرس من سلالة الأكاسرة.
وكان يقال له (ع): ابن الخيرتين لقول رسول الله (ص): إن لله من عباده خيرتين، فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس.
عن سهل بن القاسم، قال: قال لي الرضا (ع) بخراسان: إن بيننا وبينكم نسب قلت: و ما هو أيها الأمير؟ قال: إن عبد الله بن عامر بن كريز لما افتتح خراسان، أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم، فبعث بهما إلي عثمان بن عفان، فوهب إحداهما للحسن والأخري للحسين (ع)، فماتتا عندهما نفساوين، وكانت صاحبة الحسين (ع) نفست بعلي بن الحسين (ع).
فكفل عليا] زين العابدين (ع) [بعض أمهات ولد أبيه، فنشأ وهو لا يعرف أما غيرها، ثم علم أنها مولاته، وكان الناس يسمونها أمه … الخ (1).
وحين زفت البشري لأمير المؤمنين (ع) سجد لله شكرا، وأسماه عليا (2)، وكان مقدرا لهذا الوليد المبارك أن يتولي منصب الإمامة المبارك: وتكون الأئمة من ذريته المباركة، وهذه مسألة لا تقال اعتباطا وإفراطا في المحبة والولاء: وإنما نستقيها من الأمين علي وحي الله ورسوله محمد (ص)، فعن الحسين بن علي (ع) قال: دخلت علي جدي رسول الله (ص) فأجلسني علي فخذه، وقال لي: إن الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة، تاسعهم قائمهم، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء (3).
وحيث أن الله تعالي قد بارك في ذرية الحسين (ع) من خلال ولده علي (ع): فنمت وأثمرت به دون سواه من أولاده الذين استشهدوا في الطف، فلم يكن علي وجه الأرض حسيني إلا من نسله (4)، سواء كان من الأئمة أم من سواهم.
روي الكليني عن الإمام الصادق (ع): إن الحسين (ع) لما سار إلي العراق: استودع أم سلمة الكتب والوصية، فلما رجع علي بن الحسين (ع) دفعتها إليه (5)، وعن الزهري قال: لم أدرك أحدا من أهل هذا البيت] سلام الله عليهم [أفضل من علي بن الحسين (6).
كناه وألقابه:.
قال الامام مالك: سمي زين العابدين لكثرة عبادته (7).
وروي عن الإمام زين العابدين (ع) أنه إذا فرغ من وضوئه للصلاة، وصار بين وضوئه و صلاته، أخذته رعدة ونفظة، فقيل له في ذلك، فقال] ع [: (ويحكم! أتدرون إلي من أقوم؟
1 - عيون أخبار الرضا ج 2 ص 128 بتفاوت يسير.
2 - أهل البيت: توفيق أبو علم / موضوع أولاد الإمام الحسين (ع).
3 - ينابيع المودة للقندوزي ط 8 ج 2 ص 445.
4 - أهل البيت لتوفيق أبي علم / موضوع أولاد الإمام الحسين (ع).
5 - أعلام الوري للطبري ص 252، ومناقب آل أبي طالب ج 4 ص 172 لابن شهرآشوب.
6 - الإرشاد للمفيد ص 257.
7 - نور الأبصار للشبلنجي ص 200.
(١٣٠)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (8)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، يوم عاشوراء (1)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، دولة العراق (1)، عبد الله بن عامر (1)، علي بن الحسين (1)، خراسان (2)، الصّلاة (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (1)، كتاب مناقب آل أبي طالب عليه السلام (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، ابن شهرآشوب (1)

صفحه 131

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣١
ومن أريد أن أناجي؟) (1).
روي الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس: أن رسول الله (ص) قال: إذا كان يوم القيامة ينادي فينا: وأين زين العابدين، فإني أنظر إلي ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف (2).
أما سبب تسميته (ع) ب (ذي الثفنات) فإن مواضع سجوده كانت كثفنات البعير، وهي المواضع التي تقع من البعير علي الأرض إذا استناخ، كالركبتين وغيرهما، حيث تكون سميكة.
عن أبي جعفر (ع) قال: إنه كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب علي ظهره حتي يأتي بابا فيقرعه، ثم يناول من كان يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيرا لئلا يعرفه (3).
دخل علي بن الحسين (ع) علي محمد بن أسامة بن زيد في مرضه يعوده، فجعل يبكي ويقلق، فقال له علي] ع [: (ما شأنك)؟ فقال: علي دين، قال] ع [: (كم هو)؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، فقال] ع [: (هو علي) (4).
وقد بلغ من اهتمامه بالفئات المستضعفة في الأمة أن حرر مئات الأرقاء من أسيادهم، فكان يشتري في كل عام عددا كبيرا منهم من أجل تحريرهم، وخصوصا في العيدين، وكانت معاملته لهم معاملة الند للند، فلم يكلف أحدا فوق طاقته، ولم يؤذ أحدا أبدا، و قد أسماه بعض] الناس [من أجل ذلك (محرر العبيد)، ولقد أعتق مرة عبدا من عبيده، و كان قد أعطي فيه مبلغا ضخما ليبيعه، فرفض وأعتقه (5).
شتم رجل زين العابدين (ع) فقصده غلمانه، فقال: دعوه، ثم قال للرجل: ألك حاجة فخجل الرجل، ثم أعطاه ثوبا وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل، وهو يقول: أشهد أنك ابن رسول الله (ص) (6).
روي يوما أن الحسن بن الحسن نال منه فشتمه، فلم يكلمه] ع [، فلما انصرف، قال] ع [لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتي تسمعوا ردي عليه، فقالوا له: نفعل، وقد كنا نحب أن تقول له ونقول، فمشي وهو يتلو الآية الكريمة: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (7)، فلما بلغ منزله وناداه، خرج إليه متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه] ع [مكافيا علي بعض ما كان منه، فقال له علي
١ - حلية الأولياء لأبي نعيم ج ٣ ص ١٣٣.
٢ - أهل البيت لأبي علم: موضوع أولاد الحسين، والمجالس السنية ج ٢.
٣ - المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 153.
4 - تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 331.
5 - قيل: إن المبلغ كان عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، أنظر حلية الأولياء لأبي نعيم ج 3 ص 136.
6 - تذكرة الخواص ص 331.
7 - آل عمران: الآية 134.
(١٣١)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، عبد الله بن عباس (1)، مدينة الكاظمين (1)، سعيد بن المسيب (1)، أسامة بن زيد (1)، علي بن الحسين (1)، الحسن بن الحسن (1)، المرض (1)، السجود (1)، الكرم، الكرامة (1)، الشهادة (1)، العتق (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (2)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)، ابن شهرآشوب (1)

صفحه 132

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٢
بن الحسين] ع [: يا أخي إن كنت قلت ما في فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في، يغفر الله لك، فقبل الحسن ما بين عينيه، وقال: بلي، قلت ما ليس فيك وأنا أحق به (1).
ومن مصاديق إنسانيته المثلي (ع)، أنه كان له ابن عم فكان علي بن الحسين (ع) يأتيه بالليل سرا متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول له: لكن علي بن الحسين لا يواصلني، لا جزا الله خيرا، فيسمع الإمام (ع) ذلك، ويتحمل ويصبر ولا يعرفه بنفسه، فلما رحل الإمام (ع) إلي ربه تعالي، فقد الرجل تلك الصلة المعتادة، فعلم أنها منه، فجاء إلي قبره باكيا.
وروي الطبري: إن هشام بن إسماعيل كان أميرا علي المدينة، فأظهر القسوة وأشاع الإرهاب، وتحمل منه علي بن الحسين (ع) وأهل بيته الشئ الكثير، وقد عزله الوليد بن عبد الملك، وأمر بإيقافه أمام الناس ليجلد، فمر به علي بن الحسين (ع) وهو واقف عند دار مروان فسلم عليه، وأمر أتباعه بعدم التصدي له بمكروه، وقد أرسل إليه:
أنظر إلي ما أعجزك من مال تؤخذ به، فعندنا ما يسعك، فطب نفسا منا ومن كل من يطيعنا. فنادي هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالته (2).
وعلي أثر قيام ثورة الحرة ولي بنو أمية الأدبار هاربين من بطش الثورة، وكان في طليعة الهاربين مروان بن الحكم، فاستغاث بعبد الله بن عمر بن الخطاب أن يؤدي له عياله، وفي طليعتهم زوجته عائشة بنت عثمان، فأبي عليه ابن عمر، فاستغاث بالإمام السجاد (ع) فما كان من الإمام إلا أن أغاثه، وأضاف أهله إلي أهله، وقابل إساءة بني أمية التاريخية لأهل البيت (ع) بمنتهي الإحسان (3).
وأما الجانب الفكري الذي - يتسم به الإمام (ع)، فقد أشرنا في حديث سابق إلي أن الرسول الأكرم (ص)، والأئمة الهداة من أهل بيت النبوة (ع)، قد تسنموا قمة التسلسل في درجات العلا في الشخصية الاسلامية، ومن هنا فإن الإمام السجاد (ع)، وجميع الأئمة الهداة (ع) قد توفر لهم من السمو العقلي الرائد، ما لم يتوفر لسواهم من البشر ممن هم دون الأنبياء (ع)، إذ لم يحدثنا تاريخ حياتهم قط أن أمرا قد أشكل عليهم في باب من أبواب المعرفة، أو أنهم قد تعذرت عليهم الإجابة عن سؤال أو استفسار أو إشكال، سواء في أمر فكري أو تشريعي أو علمي أو نحو ذلك.
وهذه فقرات من تراثه الفكري الخالد المعروف (برسالة الحقوق) إلي بعض أصحابه، وهي لائحة قانونية من الطراز الأول، تبرز ما للناس من حقوق، وما عليهم من واجبات، ثم تشخص الحقوق المتبادلة بين الأفراد والحاكم، إلي غير ذلك من مسائل حقوقية هي في مضمون الحضارة لحمتها وسداها، وهذه فقرات من تلك الرسالة الخالدة، نطرحها كمثال
١ - المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٥٧.
٢ - المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 163، والإرشاد للقيد نقلا عن الطبري، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي / أحوال علي بن الحسين.
3 - زين العابدين للمقرم ص 367 نقلا عن الطبري، والكامل لابن الأثير، ط بولاق مصر ج 4 ص 48.
(١٣٢)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (5)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الأنبياء (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، مروان بن الحكم (1)، بنو أمية (1)، علي بن الحسين (2)، الزوجة (1)، القبر (1)، الخلود (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، ابن شهرآشوب (2)

صفحه 133

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٣
علي السمو الفكري الشاهق الذي بلغه الإمام علي بن الحسين (ع):.
… فأما حق الله الأكبر عليك: فأن تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص، جعل لك علي نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منها.
وأما حق نفسك عليك: فأن تستعملها بطاعة الله عز وجل، فتؤدي إلي لسانك حقه، وإلي سمعك حقه، وإلي بصرك حقه، وإلي يدك حقها، وإلي رجلك حقها، وإلي بطنك حقه، وإلي فرجك حقه، وتستعين بالله علي ذلك.
وأما حق اللسان: فإكرامه عن الخنا (1)، وتعويده علي الخير، وحمله علي الأدب، و إجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا، وإعفاؤه من الفضول الشنعة، القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها، ويعد شاهد العقل والدليل عليه، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العظيم.
وأما حق رعيتك بالسلطان: فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك، فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعجلهم بالعقوبة، و تشكر الله علي ما أولاك، وعلي ما آتاك من القوة عليهم.
وحق جليسك: أن تلين له كنفك، وتطيب له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسي زلاته، وتحفظ خيراته، ولا تسمعه إلا خيرا.
وأما حق الجار: فحفظه غائبا، وكرامته شاهدا، ونصرته ومعونته في الحالين جميعا، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوأة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف، كنت لما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا.
وأما حق الصلاة: فأن تعلم أنها وفادة إلي الله، وأنك قائم بها بين يدي الله، فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب الخائف، الراجي المسكين المتضرع، المعظم من قام بين يديه بالسكون والإطراق، وخشوع الأطراف، ولين الجناح، وحسن المناجاة له في نفسه، والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك، واستهلكتها ذنوبك، ولا قوة إلا بالله العظيم.
وأما حق الصوم: فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله علي لسانك وسمعك وبصرك وفرجك و بطنك: ليسترك به من النار، وهكذا جاء في الحديث: الصوم جنة من النار، فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب، فتطلع إلي ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله: لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه.
وأما حق الصدقة: فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلي الإشهاد، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية، وكنت جديرا أن لا تكون أسررت إليه أمرا أعلنته، وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا علي كل حال، ولم
1 - الخنا: الفحش من الكلام.
(١٣٣)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الضرب (1)، الخوف (1)، الشهادة (2)، الصّلاة (1)، الصيام، الصوم (2)، الجواز (1)، التصدّق (1)، الحاجة، الإحتياج (1)

صفحه 134

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٤
تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها، كأنها أوثق في نفسك وكأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك، ثم لم تمتن بها علي أحد لأنها لك، فإذا امتننت بها لم تأمن أن يكون بها مثل تهجين حالك منها إلي من مننت بها عليه، لأن في ذلك دليلا علي أنك لم ترد نفسك بها، ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها علي أحد، ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الشريك: فإن غاب كفيته، وإن حضر ساويته، ولا تعزم علي حكمك دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ماله، وتنفي عنه خيانته فيما عز أو هان، فإنه بلغنا: (إن يد الله علي الشريكين ما لم يتخاونا) (1).
المواقف السياسية للإمام السجاد (ع):.
قبل التحدث عن دور الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) في حركة الإسلام التاريخية، حري بنا أن نعيد إلي الأذهان مجددا أن الإمام - أي إمام من أئمة أهل البيت (ع) - كان يراعي الظروف النفسية والاجتماعية والفكرية والسياسية، التي تعيشها الأمة الإسلامية، عند ما كان يخطط لمسيرة الحركة الاصلاحية الإسلامية، فقد ألفيناه عند أبي الأئمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وولديه الحسن والحسين (ع)، وما سنجده عند علي بن الحسين (ع) أيضا، فعلي بن أبي طالب (ع) مر بثلاث مراحل في دوره في الحركة الاصلاحية: إذ أنه في عهد الرسول (ص) نجده جنديا مطيعا بأعلي درجات الطاعة، وأسمي معاني الانقياد والانضباط: ممارسا القتال حينا، ومبعوثا في مهمة من أجل الرسالة حينا آخر.
أما في عهد الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه تاريخيا في إدارة دفة الحياة الاسلامية، فقد اختط (ع) طريق الحفاظ علي أصالة الشرع الاسلامي، وبذل وسعه لتحقيق أكبر قدر من الممارسات في السياسة العامة والمجري العام لمسار الحياة الاجتماعية، فهو يجمع القرآن الكريم، ويرشد الحكام، ويعظ المتجاوز، ويحذر من الانحراف، و يهدي إلي حيث الرشاد والحق.
وأما حين ألفت الأمة الاسلامية زمام أمرها بين يديه: فقد نهض بالأمر وقاد المسيرة وفقا للسنة النبوية الصحيحة، فألغي ما جري من الانحرافات عن الرسالة، و غير الولاة، ووضع برامجه الاصلاحية في الحكم والإدارة، والاقتصاد وفقا لما تتطلبه طبيعة المسيرة الاصلاحية، ثم مارس سياسة العنف مع المنفلتين عن طاعته كإمام وخليفة للمسلمين.
وكما كان علي (ع) كان الحسن السبط عليه السلام، فالإمام الحسن (ع) في عهد أبيه غيره - في أساليبه التغييرية - في بداية حكمه، وكذا الحال في مرحلة ما بعد إبرام وثيقة الصلح.
إذن فإن دور أي امام، إنما تساهم الظروف والأحوال العامة في صنعه، فمثلا يقول الإمام الحسن (ع): يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية: علة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية. وأما الإمام الحسين (ع) فقد قال قبيل ثورته المباركة، بعد أن أجلي الغموض المحيط بأسباب نهضته المظفرة:
شاء الله أن يراني
١ - راجع الخصال للصدوق / رسالة الحقوق، وهي خمسون حقا، وتحف العقول للحراني، و غيرهما.
(١٣٤)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، القرآن الكريم (1)، صلح (يوم) الحديبية (1)، القتل (1)، كتاب الخصال للشيخ الصدوق (1)

صفحه 135

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٥
قتيلا.
أما الإمام السجاد (ع) فقد قال له عباد البصري، وهو في طريق مكة: تركت الجهاد و صعوبته، وأقبلت علي الحج ولينه و (إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم) (1).
فأجابه الإمام السجاد (ع): إقرأ ما بعدها: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) (2)، ثم قال (ع): إذا ظهر هؤلاء - يعني المؤمنين، حسب مواصفاتهم في الآية الكريمة - لم نؤثر علي الجهاد شيئا (3).
الإمام السجاد (ع) يستكمل الدور الرسالي الذي بدأه الحسين (ع):.
لحكمة إلهية بالغة، بقي الإمام السجاد (ع) حيا بعد المجزرة الأموية الدموية التي حلت بآل محمد (ص) في كربلاء، فقد سأله المنهال: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ قال (ع):
أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم (4).
بعد أحداث كربلاء الدامية بدأ السجاد (ع) يقود الحركة الاصلاحية وفقا لمقتضيات المصلحة الاسلامية العليا، فقد تبني الإمام (ع) وكرائم أهل البيت (ع) كزينب وأم كلثوم وغيرهما سياسة إسقاط الأقنعة التي غطي الأمويون وجوه سياساتهم البشعة الخطيرة بها، وتحميل الأمة كذلك مسؤوليتها التاريخية أمام الله والرسالة، فقد كان دور أساري آل محمد (ص) منصبا علي إلفات نظر الناس إلي جسامة الخطر الذي أحاق بهم بعد شهادة الإمام الحسين (ع)، وإلي حجم الجرم الذي ارتكبه بنو أمية بحق رسالة الله، وهذا ما نلمسه في الخطب كافة التي ألقيت بين جموع الناس في الكوفة والشام، ومن بينها الخطبة السجادية في جموع أهل الكوفة عندما وقفوا ينظرون إلي ركب آل محمد (ص)، مقيدين في الأغلال، في طريقهم إلي الشام: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من انتهكت حرمته، وسلبت نعمته، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، من غير ذحل ولا تراث، أنا ابن من قتل صبرا، وكفي بذلك فخرا.
أيها الناس: ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلي أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهود والميثاق والبيعة، وقاتلتموه؟ فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلي رسول الله (ص)، إذ يقول لكم قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي (5)، بيد أن مضامين الخطب وطبيعة الأحاديث قد تغيرت في الشام، فهي وإن
١ - التوبة: الآية ١١١.
٢ - التوبة: الآية ١١٢.
٣ - المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 159، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ج 2 ص 141 باختلاف يسير في الألفاظ.
4 - الاحتجاج للطبري ج 2، ومقتل الحسين للمقرم ص 360.
5 - مقتل الحسين للمقرم ص 316.
(١٣٥)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (5)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (4)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، واقعة الطف (1)، الدولة الأموية (2)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (2)، نهر الفرات (1)، علي بن الحسين بن علي (1)، بنو أمية (1)، عباد البصري (1)، آل فرعون (1)، الشام (3)، الحج (1)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (2)، كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (1)، الشيخ الصدوق (1)، ابن شهرآشوب (1)

صفحه 136

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٦
كانت تهدف إلي التوعية العامة بأهداف الحسين (ع) - كسابقتها - وإظهار مظلومية آل الرسول (ص)، وتكثيف الولاء لهم: إلا أن الأفكار التي أذيعت في الكوفة كانت منصبة علي مخاطبة وجدان الناس وضمائرهم، وتحميلهم المسؤولية كاملة.
ومن أجل ذلك وقف الإمام السجاد (ع) في دار الحكم الأموي، وبحضور يزيد بن معاوية و جميع أقطاب حكمه من رؤوس الظلال، وألقي بيانه الخالد معريا سياسة الأمويين الضالة، ومبينا من هم السبايا، وأي مقام رفيع يمثلون في أمة الاسلام وقد جاء في خطبته:.
… أيها الناس: أعطينا ستا وفضلنا بسبع، أعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار، والصديق، والطيار، وأسد الله وأسد رسوله، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، وسبطا هذه الأمة، …
أنا ابن مكة ومني، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدي، وخير من طاف وسعي، وحج ولبي، أنا ابن من حمل علي البراق وبلغ سدرة المنتهي، فكان قاب قوسين أو أدني، أنا ابن من صلي بملائكة السماء، أنا ابن من أوحي إليه الجليل ما أوحي، أنا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، أنا ابن خديجة الكبري، أنا ابن المرمل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء (1).
وحين بلغ الإمام السجاد (ع) هذه الفقرة من خطابه، استولي الذعر علي الحاضرين وضج كثير منهم بالبكاء، بعد أن فوجئوا بالحقيقة: مما اضطر يزيد أن يأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة، ليقطع علي الامام خطبته، وخشية انقلاب الأمور بعد كشف الحقيقة عن طبيعة حكم آل أبي سفيان، أما عقائل آل محمد (ص) فقد مرغن أنوف بني أمية في الوحل، و أسقطن كبرياءهم وجبروتهم أمام مرأي أهل الشام، وستجد ذلك في خطبة عقيلة البيت العلوي زينب الكبري (ع) التي ألقتها في مجلس الطاغية يزيد في دمشق، بعد انتهائنا من موضوع الإمام السجاد (ع).
وبعد مغادرة الإمام السجاد (ع) وأهل البيت الشام إلي العراق، ومن ثم إلي المدينة المنورة، اختط الامام منهجا جديدا لحركة الاسلام الاصلاحية، وشمر عن ساعدي الجد لبدء ثورة روحية وثقافية، وقد ساهمت الظروف التي تلت استشهاد الحسين (ع) وأهل بيته وصحبه الكرام في إنجاح خططه مبكرا، ويمكن حصر تلك الظروف تحت عاملين توافرا معا، ليكونا أرضية خصبة لنشر علوم أهل البيت (ع)، وإيضاح حقيقة الحكام، و سبل التصدي لهم:.
فالعامل الأول: الاضطراب السياسي والاجتماعي، الذي تفجر في أكثر مراكز العالم الاسلامي أهمية وتأثير، بعد مأساة الطف مباشرة، وأهم وقائعه:.
1) ثورة أهل المدينة عام 63 ه بقيادة عبد الله بن حنظلة الأنصاري، التي قامت بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) مباشرة، حيث كانت تعبيرا عن رفض الأمة العملي للحكم
1 - الاحتجاج للطبري ج 2 ص 49، ومقتل الحسين للمقرم ص 352.
(١٣٦)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (4)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم عاشوراء (1)، السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (1)، الدولة الأموية (1)، دولة العراق (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (1)، عبد الله بن حنظلة (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، بنو أمية (1)، الشام (2)، دمشق (1)، الكرم، الكرامة (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، الحج (1)، الصّلاة (1)، الشهادة (1)، الأذان (1)، الرفض (1)، كتاب مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (1)

صفحه 137

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٧
الأموي، فقد طرد الثوار بني أمية من المدينة، وفي طليعتهم مروان بن الحكم، ولكن الحاكم الأموي في دمشق يزيد بن معاوية، سارع بإرسال القائد السفاك مسلم بن عقبة علي رأس جيش عظيم، فحاصر المدينة وأزهق نفوسا كثيرة، وسالت الدماء، ودنست حرمة المدينة المنورة.
2) ثورة مكة بقيادة عبد الله بن الزبير، الذي كان ينتظر ما يتمخض عنه موقف الإمام الحسين آنذاك، فقد أفاد كثيرا من النقمة التي نجمت عن قتل الحسين، فأعلن ثورته، وانضم إليه بعض الخوارج والفارين من المدينة وسواهم، بيد أن الأمويين بادروا إلي محاصرة مكة المكرمة، بقيادة المجرم الحصين بن نمير السكوني، وضربوا الكعبة بالمنجنيق وأحرقوها (1): مما أثار حفيظة المسلمين، فحظي ابن الزبير منهم بمزيد من الإلتفاف والتأييد.
وفي الوقت الذي كان فيه الموقف يبلغ ذروة التأزم: أعلن البيت الأموي هلاك الطاغية يزيد، فخف الضغط عن ابن الزبير، فبادر إلي استقطاب البصرة ومصر والكوفة، وأخضعها جميعا لزعامته.
3) بعد هلاك يزيد نشبت أزمة سياسية حادة في البيت الأموي حول من يتولي بعد هذا الطاغية، إذ أن ابنه معاوية الثاني لم يمكث خليفة لأبيه غير أربعين يوما، ثم أعلن تنازله عن الحكم، ومات بعدها في ظروف غامضة، فانشقت القيادات المؤيدة لبني أمية علي نفسها إلي كتلتين: كتلة أيدت زعامة مروان بن الحكم، وقد مثل هذا الاتجاه القبائل اليمانية بقيادة حسان الكلبي، بينما أيدت قوي القيسيين بقيادة الضحاك بن قيس الفهري، عبد الله بن الزبير.
وقد بادرت القوي اليمانية إلي مبايعة مروان سلطانا علي الأمة عام 64 ه، وبذا وقعت معركة مرج راهط، في دمشق كرد فعل علي ذلك بين القوتين المتنازعتين، وانتهت بفوز مروان وعصبته علي خصومهم.
4) قيام ثورة التوابين عام 65 بقيادة القائد سليمان بن صرد الخزاعي، وبالفعل غزا أولئك بلاد الشام، وتصدي لهم الأمويون بقوات تفوقهم عددا خمس مرات، فكانت معركة (عين الوردة) (2)، وتمخضت عن مقتل أغلب التوابين.
5) ثورة المختار الثقفي عام 66، وهو زعيم مؤمن طموح قاد انتفاضة الكوفة فاستولي علي الحكم، وطرد والي عبد الله بن الزبير، وأباد جميع قتلة الإمام الحسين (ع) الذين حظوا بحماية سلطة ابن الزبير، وتصدي لغزو أموي عات فدرأ خطره، وقتل عبيد الله بن زياد والي الكوفة آنذاك، بيد أن الحكم الثقفي لم يدم طويلا، حيث زحفت قوات عبد الله بن الزبير إلي الكوفة وأسقطت حكومة المختار وقتلته.
إن كل هذه الثورات والحركات جعلن من الإمام (ع) أن يتخذ موقفا دون أن يثير حفيظة
١ - راجع تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٨٣ حوادث سنة ٦٤، وابن الأثير في الكامل في التاريخ ج ٤ ص ١٢٤.
2 - راجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 92.
(١٣٧)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الدولة الأموية (2)، ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، سليمان بن صرد الخزاعي (1)، مدينة الكوفة (4)، مروان بن الحكم (2)، المدينة المنورة (1)، عبد الله بن الزبير (4)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، بنو أمية (2)، مدينة البصرة (1)، حصين بن نمير (1)، الشام (1)، الخوارج (1)، دمشق (2)، القتل (4)، البيعة (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، إبن الأثير (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 138

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٨
السلطة الحاكمة، حيث تسني له عامل آخر للمضي في نشر علوم آل محمد (ص) واستقطاب الناس.
العامل الثاني: التجاوب النفسي مع أهل البيت (ع) من قبل قطاعات واسعة من الأمة، لا سيما في الولايات والمدن الاسلامية التي تتمتع بأهمية وتأثير في الوجود الاسلامي، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة والكوفة والبصرة، وحتي الشام، و ذلك لشعور عام وعارم لدي الناس بمظلومية أهل البيت (ع)، وقد أفادت مظاهر التعاطف مع أهل البيت (ع) الإمام كثيرا.
موقف الإمام السجاد (ع) من محمد بن الحنفية:.
لقد اشتدت الضغوط علي الإمام السجاد (ع) من قبل النظام الأموي، حيث أخذ يراقب تحركاته، ونشاطاته، بل حتي عبد الله بن الزبير كان يراقب تحركات الإمام زين العابدين (ع)، وينظر بعين الخوف إلي علاقاته مع شيعته ومريديه، لعله يظفر بشاهد علي نشاطه السياسي، ونتيجة لخوف الحكم الأموي من تحركات الإمام السجاد (ع): اقترح الحجاج علي عبد الملك قتل الإمام (ع)، للتخلص منه، حيث كتب الحجاج لعبد الملك تعبيرا عن شعوره بوجود علاقة بين الإمام السجاد (ع) وبين حركات الرفض للبيت الأموي:
إن أردت أن يثبت ملكك، فاقتل علي بن الحسين (ع) (1).
وهكذا وجد الإمام السجاد (ع) نفسه مطوقا من قبل ولاة الحكم الأموي في المدينة، ومن قبل حركة ابن الزبير في مكة، ومن قبل الأجواء العامة التي عاشتها الساحة الاسلامية عقيب شهادة الإمام الحسين (ع).
كل هذه الحوادث استدعت أن ينعزل الامام فترة عنها، وينصرف خارج المدينة في خيمة يتأمل في أوضاع الأمة، وما سوف تأتي من أمور.
وحيث أن شيعة أهل البيت (ع) يحتاجون إلي بيان المواقف المرتبطة بالأمور الشخصية، والقضايا العامة التي تصدر من الإمام (ع)، لتحديد مسؤولياتهم الشرعية تجاه الحوادث، فإن محمد بن علي بن أبي طالب تصدي لهذه المهمة، فلابد من معرفة هل أن الإمام السجاد (ع) يكمن خلف نشاط محمد بن الحنيفة؟ أم أن تلك النشاطات جاءت بمبادرة شخصية من قبله؟ فسوف يكون بين أيدينا موقف مهم للإمام (ع).
موقف الإمام السجاد (ع) من محمد بن الحنفية:.
ليس ثمة شك في أن محمد بن الحنفية قد تصدي لبعض الأمور، وكان يشكل قطبا أساسيا من أقطاب الهاشميين تجاه الخطوط الأخري، إلي حد أن بعضا ادعي إمامته (2)، وقد وردت رواية صحيحة السند (3)، لابد من نقلها، ثم نسجل الاحتمالات والوجوه التي يمكن أن تذكر
١ - البحار ج ٤٦ ص ٢٨.
٢ - يراجع فرق الشيعة ص ٢٦ و ٢٧.
٣ - رواها الكافي في ج ١ ص ٣٤٨ عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة وزرارة جميعا، عن أبي جعفر (ع)، وهذا السند صحيح، ويوجد سند آخر للرواية نقله الكافي في ذيل الرواية وهو: علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسي عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر مثله، وهذا السند صحيح، ورواها الاحتجاج في ج ٢ ص ٣١٦ مرسلا، ويرويها بصائر الدرجات بسندين صحيحين عن الصادق وعن الباقر (ع) في ص 522 - يختلفان بعض الشئ عن سند الكافي في أول السند، فالرواية صحيحة.
(١٣٨)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (9)، شيعة أهل البيت عليهم السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (4)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (3)، مدينة مكة المكرمة (2)، مدينة الكوفة (1)، المدينة المنورة (1)، عبد الله بن الزبير (1)، علي بن أبي طالب (1)، الشام (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، الخوف (1)، الوسعة (1)، الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (2)، علي بن إبراهيم (1)، محمد بن يحيي (1)، أحمد بن محمد (1)، الصدق (1)

صفحه 139

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٣٩
في بيان نشاط محمد بن الحنفية السياسي:.
عن أبي جعفر (ع) قال:
لما قتل الحسين (ع) أرسل محمد بن الحنفية إلي علي بن الحسين (ع) فخلا به فقال له:
يا بن أخي قد علمت أن رسول الله (ص) دفع الوصية والإمامة من بعده إلي أمير المؤمنين (ع) ثم إلي الحسن (ع) ثم إلي الحسين (ع)، وقد قتل أبوك رضي الله عنه و صلي علي روحه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي (ع) في سني وقدامتي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة، ولا تحاجني.
فقال له علي بن الحسين (ع): يا عم، اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي يا عم صلوات الله عليه أوصي إلي قبل أن يتوجه إلي العراق، وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله (ص) عندي، فلا تتعرض لهذا فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (ع)، فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلي الحجر الأسود حتي نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك.
قال أبو جعفر (ع): وكان الكلام بينهما بمكة، فانطلقا حتي أتيا الحجر الأسود فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: إبدأ أنت فابتهل إلي الله عز وجل، وسله أن ينطق لك الحجر الأسود ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر الأسود فلم يجبه، فقال علي بن الحسين (ع): يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك، قال له محمد:
فادع الله أنت يا بن أخي وسله، فدعا الله علي بن الحسين (ع) بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء، وميثاق الأوصياء، وميثاق الناس أجمعين، لما أخبرتنا من الوصي والامام بعد الحسين بن علي (ع) قال: فتحرك الحجر حتي كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (ع) إلي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب] ع [، وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولي علي بن الحسين (ع) (1).
وفي ضوء هذه الرواية يمكن تسجيل الوجوه التالية: -.
الوجه الأول: إن محمد بن الحنفية ادعي الإمامة، حيث انتهز فرصة انقطاع الإمام السجاد (ع) عن العمل السياسي المباشر، وعدم وجود شخصية علوية ذات نفوذ قوي في الساحة لطرح شخصيته، رغم علمه بامامة السجاد (ع) وكان غاصبا لحق الإمام (ع).
وهذا الوجه بعيد، وذلك لأن محمد بن الحنفية أحد المحمدين الذين لا يعصون الله، كما ورد
١ - الكافي ج ١ ص ٣٤٨.
(١٣٩)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (2)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (7)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (5)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، دولة العراق (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (5)، مدينة مكة المكرمة (1)، علي بن الحسين (2)، الحجر الأسود (4)، محمد بن علي (1)، الشهادة (1)، القتل (2)، الصّلاة (1)، الوصية (6)

صفحه 140

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٠
عن الإمام علي (ع) (1)، وكذلك قد مدحه الإمام الحسن (ع) وهو علي فراش الموت، حيث وصاه بالامام من بعده (2)، فمن البعيد أن يدعي الإمامة لنفسه الذي يمثل عصيانا عظيما، وتعديا علي حقوق الامام والأمة.
الوجه الثاني: حيث أن الإمام السجاد (ع) كان يعيش فترة انعزالية بعد شهادة الإمام الحسين (ع)، فإنه أعطي لمحمد بن الحنفية صلاحية تولي أمور الشيعة، وتكون نهاية هذه الفترة بانتهاء العزلة التي فرضها الإمام السجاد (ع) علي نفسه خارج المدينة.
الوجه الثالث: إن محمد بن الحنفية تصدي لأمور الشيعة بأمر الإمام السجاد (ع) من أجل حماية الإمام من بطش النظام، حيث أن النظام يبحث عن ذريعة للفتك به، فأوعز الإمام السجاد (ع) إلي عمه بالظهور علي المسرح بعد شهادة الإمام الحسين (ع): لكونه أبعد من أن تناله يد النظام لنفوذه أو لسوابقه التاريخية.
الوجه الرابع: إن محمد بن الحنفية كان يعلم أن تولي الامام اللاحق إنما يتم بنص من الامام السابق، وهذا من سجلته الرواية المنقولة عن الإمام الحسن (ع) في فراش شهادته، حيث استدعي محد بن الحنفية ونص علي إمامة أخيه الحسين بن علي (ع) (3)، وحيث أن الإمام الحسين قتل في ساحة المعركة، ولم يبق أحد من الرجال الكبار لكي يتصور إمكان الوصية له وتعيين الامام بعده: فإن هذا يعني عدم النص من قبل الإمام الحسين (ع) علي الامام اللاحق، وحيث أنه (أي محمد بن الحنفية) أكبر العلويين سنا، فلابد أن يكون هو الامام، لأن الإمامة للأكبر سنا من أهل البيت، كما هو الحال بالنسبة لتقدم امامة الحسن علي امامة الحسين (ع)، والرواية التي تقدمت في احتجاجه مع الإمام السجاد (ع) تشير إلي هذا المعني، حيث قال للإمام:.
يا بن أخي قد علمت أن رسول الله (ص) كان جعل الوصية والإمامة من بعده لعلي بن أبي طالب (ع)، ثم إلي الحسن ثم إلي الحسين، وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلي الله عليه، ولم يوص، وأنا عمك، وصنو أبيك، وأنا في سني وقدامتي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني الوصية والإمامة، ولا تخالفني (4).
وهذا الوجه يرد عليه: إن هذا خلاف المعلوم عن الرسول (ص) وعن الإمام علي (ع)، حيث نص علي أسماء الأئمة جميعا دفعة واحدة، فلا بد أن يكون محمد بن الحنفية عارفا بذلك، وهو من الذين لا تخفي عليه هذه المسألة كما جاء عن الإمام الحسن في حديثه مع محمد بن الحنفية (5).
ولكن يمكن الجواب علي هذا بالقول:.
حتي لو فرض علم محمد بن الحنفية بأسماء الأئمة جميعا، إلا أنه قد يقال: بأنه كان يعتقد
١ - راجع الكشي ص ٧٠.
٢ - راجع أصول الكافي ج ١ ص ٣٠٠. ٣ - راجع أصول الكافي ج ١ ص ٣٠٠.
٤ - البحار ج ٤٦ ص ١١١.
٥ - أصول الكافي ج ١ ص ٣٠١.
(١٤٠)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (5)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (7)، القتل (2)، الموت (1)، الشهادة (2)، الصّلاة (1)، الوصية (3)، كتاب أصول الكافي للشيخ الكليني (3)

صفحه 141

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤١
بوجوب النص التفصيلي علي الإمام اللاحق من قبل نفس الإمام السابق، وحيث أن الإمام الحسين (ع) لم يوص - حسب ظنه - فلم يستحق علي بن الحسين (ع) منصب الإمامة.
إلا أن هذا التسلسل من التفكير رده الإمام السجاد (ع) علي عمه محمد بن الحنفية، و أثبت له إمامته بعدة طرق وهي:
1 - إثبات خطأ اعتقاده بأن الإمام الحسين (ع) لم يوص، فهو قد وصاه مرتين، الأولي قبل الذهاب إلي العراق، حيث كان الإمام الحسين (ع) يعلم أنه السفر الأخير، فلزم أن يوصي للإمام السجاد بالإمامة، ولا يقال: فلماذا لم يستحضر محمد بن الحنفية ليخبره بموضوع الإمامة، كما فعل الإمام الحسن (ع)، فإن الجواب هو: إن ذلك يستدعي الكشف عن أشياء غيبية لا ينبغي كشفها لأحد في ذلك الوقت.
والثانية: قبل شهادته (ع) بساعة، كما نص الإمام السجاد (ع) علي ذلك.
2 - أبرز الامام دليلا علي صحة قوله (ع)، وهو وجود سلاح رسول الله عنده، إذ أن وجود السلاح وبعض الأشياء الأخري المختصة بالرسول: دليل علي أن علي بن الحسين (ع) هو الامام، لأن هذه الأشياء تنتقل من الامام السابق إلي الامام اللاحق مع الوصية بشخصه، وحيث أن محمد بن الحنفية ليس عنده شئ من ذلك: فلا يكون هو الامام.
3 - إن الإمامة إنما هي في عقب الحسين (ع)، حيث دلت النصوص علي ذلك، وعلي (ع) هو ابن الحسين، فلا بد أن يكون هو الامام: تطبيقا لتلك النصوص.
4 - المعجزة، وهي الحل النهائي والحاسم، حيث أن جريان المعجزة علي يد الامام دليل علي أنه هو الامام، وخصوصا في مقام الاحتجاج، وقد اقترح الإمام السجاد (ع) علي عمه أن يتحاكما إلي الحجر الأسود ويسألا الله أن ينطق باسم الإمام الشرعي، لهذا ذهبا إلي مكة ليحتكما عند الحجر الأسود.
وهكذا رجع محمد بن الحنفية من مكة وهو مؤمن بإمامة السجاد (ع)، وقد رتب علي ذلك الآثار اللازمة علي هذا الكشف الإعجازي:.
فقد قال (له) أبو خالد الكابلي: أتخاطب ابن أخيك بمالا يخاطبك بمثله؟ فقال: إنه حاكمني إلي الحجر الأسود، وزعم أنه ينطقه فصرت معه إلي الحجر فسمعت الحجر يقول:
سلم الأمر إلي ابن أخيك، فإنه أحق به منك، فصار أبو خالد إماميا (1).
5 - الوجه الخامس إن محمد بن الحنفية كان عارفا بمقام السجاد (ع)، ولكنه أراد إظهار ذلك الحوار وتحكيم الحجر الأسود أمام الناس، لإثبات الحجة علي سائر الناس بشهادة الحجر الأسود علي إمامة السجاد (ع)، فإن إثبات الإمامة بالمعجزة مارسه الأئمة (ع) في بعض الظروف، وأمام بعض الأشخاص.
وعلي كل حال فإن هذا الوجه ينفي أن يكون محمد بن الحنفية قد تنكر لإمامة السجاد (ع)، بدعوي أنه لا يمكن أن تخفي عليه إمامة السجاد (ع)، لأنه من أهل البيت العارفين بهذه
1 - الإمام زين العابدين ص 113.
(١٤١)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (12)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، دولة العراق (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (6)، مدينة مكة المكرمة (2)، أبو خالد الكابلي (1)، الحجر الأسود (5)، الشهادة (1)، الظنّ (1)

صفحه 142

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٢
الأمور (1).
6 - الوجه السادس إن الإمام السجاد (ع) قد أناط بعمه محمد بن الحنفية مسؤولية قيادة العمل العسكري المضاد للحكم الأموي، الذي كان علي أشده في الكوفة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، والمختار بن أبي عبيدة الثقفي، وهذا الوجه يدل عليه قول الإمام السجاد (ع) لمحمد:.
يا عم، لو أن عبدا زنجيا تعصب لنا أهل البيت، لوجب علي الناس مؤازرته، وقد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت (2) ولعل هذا الوجه هو أنسب الوجوه السابقة، لخبرة محمد بن الحنفية في العمل العسكري، ومهارته في هذا الميدان، التي اكتسبها من المعارك التي خاضها في حياة أبيه (ع)، ولموقعه بين الهاشميين.
وعلي كل حال، فالرواية المذكورة تدل علي إخلاص محمد بن الحنفية، ودالة علي ايمانه وقوله بإمامة علي بن الحسين (ع) (3).
مواقف الأمويين ضد الإمام السجاد (ع):.
رغم النزاع العسكري الذي شهدته الساحة الاسلامية علي امتداد وجودها، فإن الحاكم الأموي كان دائما يراقب بدقة تحركات الإمام السجاد (ع)، ويحسب لكل سلوك يصدر عنه حسابا سياسيا: وذلك لأنه الشخص الوحيد القادر علي قيادة المجتمع، وفق سيرة الرسول (ص) وسيرة أمير المؤمنين (ع) التي وفرت لهم العدل والمساواة.
وفيما يلي أهم الاجراءات التي مارسها الحاكم الأموي ضد الإمام السجاد (ع) وضد شيعته، وأنصاره المنتشرين في العراق وغيره، من الولايات الاسلامية:
أولا محاولة قتل الإمام (ع):.
فقد كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلي عبد الملك بن مروان: إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين (ع)، فكتب عبد الملك إليه: أما بعد، فجنبني دماء بني هاشم، واحقنها، فإني رأيت آل أبي سفيان لما أولعوا فيها لم يلبثوا إلي أن أزال الله الملك عنهم (4).
ثانيا: استقدام الإمام (ع) بين فترة وأخري إلي الشام:.
حيث كانت تصل عبد الملك أخبار حول تعاظم نفوذ الامام، وتكاثر أنصاره، لذلك كان عبد الملك يستدعيه إلي الشام مقيدا بالحديد، والهدف من ذلك هو الضغط عليه (ع) و تحجيم نشاطه، حيث كان يجبر علي البقاء هناك تحت ستار معرفة النوايا، وكان الهدف الحقيقي هو عرقلة عمل الإمام (ع)، ومعرفة الأشخاص الذين يتصلون به، وكان الامام في كل مرة يبرهن علي أنه لم يمارس معارضة سياسية علنية ضد عبد الملك.
وفي إحدي المرات استدعاه عبد الملك إلي الشام، والتقي مع الزهري، ثم جاء الأخير إلي
١ - راجع كتاب الإمام زين العابدين ص ٣١٧.
٢ - الإمام السجاد / هامش ص ٨٧.
٣ - معجم رجال الحديث ج ١٦ ص ٥٠.
4 - البحار ج 46 ص 28.
(١٤٢)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (9)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الدولة الأموية (1)، دولة العراق (1)، المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (3)، مدينة الكوفة (1)، بنو هاشم (1)، الشام (3)، القتل (1)، الشهادة (1)

صفحه 143

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٣
عبد الملك بن مروان وحاول أن يعطيه انطباعه عن الامام، بوصفه إنسانا عابدا زاهدا، فقال لعبد الملك: ليس علي بن الحسين (ع) حيث تظن، إنه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به (1).
ويقصد بذلك الشغل كثرة العبادة.
ولكن مع ذلك كان الحاكم الأموي لا يطمئن بحركات الإمام (ع)، ولذلك كان يستدعيه بين فترة وأخري للتأكد من ذلك، كان عبد الملك يحثه علي المجئ إليه إلي الشام والاتصال به، كما هو الحال بالنسبة إلي الشخصيات المشهورة في المدينة! ففي ذات مرة قال عقيب الطواف حول الكعبة:.
يا علي بن الحسين، إني لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إلي؟.
فقال علي بن الحسين (ع): إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون كهو فكن. فقال: كلا، ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا (2).
فرفض الإمام (ع) هذا الاقتراح، وكشف له أنه لا يحتاج إلي دنيا عبد الملك، فما أعطاه الله له خير من عطيته التي يريد أن يعطيها إلي الإمام (ع).
ثالثا: مراقبة الإمام (ع):.
كان الحاكم الأموي يخشي من تحركات الإمام السجاد (ع) ونشاطاته واتصالاته مع أهل الكوفة، لذلك وضع جاسوسا عليه (ع)، ينقل إليه جميع أعماله وأقواله ونشاطاته، فكانت تصل إلي عبد الملك تقارير مفصلة عن جميع نشاطات الإمام (ع) وأعماله، سواء منها الشخصية أو الاجتماعية أو العبادية، حتي أن هذا الجاسوس كتب إليه ذات مرة.
إن علي بن الحسين (ع) أعتق جارية ثم تزوجها! (3).
وكان عبد الملك يحلل جميع هذه المعلومات، ويحاول أن يستفيد منها في صراعه غير المعلن مع الإمام السجاد (ع)، وإلي جانب جواسيس عبد الملك الذين يراقبون الإمام (ع):
وضع عبد الله بن الزبير عيونا لمراقبة الإمام (ع) ومتابعة حركاته، وبشكل خاص صلاته وعلاقاته مع أهل الكوفة، حيث كان يعتقد أن ثمة صلة سياسية بين الإمام (ع) وبين شيعته في الكوفة.
رابعا: قتل مواليه وأنصاره:.
وإلي جنب سياسة الضغط علي الإمام (ع)، ومراقبة نشاطاته وتهديده بالقتل، فإن النظام الأموي نشط في التصفيات الدموية في صفوف قواعد الإمام (ع) ومريديه: حيث كان الحجاج في العراق يقتل من ثبت ولاؤه لأهل البيت (ع)، كل ذلك لحرمان الإمام (ع) من الامتداد الشعبي الضروري لممارساته السياسية والاجتماعية والفكرية.
خامسا: الطعن بشخصية الإمام (ع):.
لقد سعي الحكام الأمويون لإضعاف هيبة الامام بين الناس: من خلال تفسير سلوكه (ع)
1 - البحار ج 46 ص 123.
2 - البحار ج 46 ص 121.
3 - البحار ج 46 ص 164.
(١٤٣)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (5)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الدولة الأموية (1)، دولة العراق (1)، مدينة الكوفة (3)، عبد الله بن الزبير (1)، علي بن الحسين (1)، الشام (1)، القتل (5)، الطعن (1)، المنع (1)، العتق (1)، الجنابة (1)

صفحه 144

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٤
بصورة لا تليق بمقامه وجلالة قدره، فمن ذلك القدح بأنه زوج أمه، ولم يكن واقع الحال كذلك إنما كانت هذه المرأة مولاته، ربته صغيرا، فكان الناس يسمونها أمه.
فلما زوجها بناء علي طلبها ورغبتها في الزواج، استغل عبد الملك هذه القضية، و راح يشيع في الناس أنه زوج أمه (1)، وكذلك حاول عبد الملك استغلال زواج الإمام السجاد (ع) من مولاته بعد أن عتقها، حيث كتب إلي الإمام (ع) رسالة قائلا:.
أما بعد، فبلغني تزويجك مولاتك، وقد علمت أنه كان في أكفائك من قريش من تمجد به في الصهر، وتستنجبه في الولد، فلا لنفسك نظرت ولا علي ولدك أبقيت والسلام.
فرد عليه الإمام السجاد (ع) بجواب قاله فيه:
وإنما كانت ملك يميني خرجت مني، أراد الله عز وجل مني بأمر التمست به ثوابه، ثم ارتجعتها علي سنته، ومن كان زكيا في دين الله، فليس يخل به شئ من أمره، وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة، وتمم به النقيصة، وأذهب اللؤم، فلا لؤم علي امرئ مسلم، إنما اللؤم لؤم الجاهلية والسلام.
فلما قرأ الكتاب رمي به إلي ابنه سليمان فقرأه، فقال: يا أمير المؤمنين، لشد ما فخر عليك علي بن الحسين (ع)!! فقال: يا بني لا تقل ذلك فإنها ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر، وتغرف من بحر، إن علي بن الحسين - يا بني - يرتفع من حيث يتضع الناس (2).
موقف الإمام السجاد (ع) من ثورة المختار:.
لكي نعرف موقف الإمام السجاد من ثورة المختار: ينبغي أن نلقي ضوءا سريعا علي الولاء السياسي لقائد الثورة ورجالاتها وأفرادها وأهدافها، ثم ندرس بعض الشبهات التي أثيرت حول شخصية المختار بشكل إجمالي: لنصل في النهاية إلي موقف الإمام السجاد (ع) منها.
الولاء السياسي للثورة:.
هناك من يشكك في الهوية السياسية الموالية لأهل البيت (ص) في شخصية المختار، علي أساس بعض المواقف التي اتخذها، والتي سنتناولها بالبحث، إلا أن ثمة شواهد عديدة تجعل الباحث يقطع بولاء المختار لأهل البيت، وللإمام السجاد (ع)، وفيما يلي هذه الشواهد:.
1 - مبايعته الإمام الحسين (ع) علي يد مسلم بن عقيل.
2 - إيواؤه مسلم بن عقيل، وفتح بابه أمام الشيعة، حيث تحول منزله إلي مقر لأخذ البيعة للإمام الحسين (ع) (3).
3 - موقف عبيد الله بن زياد منه حيث استدعاه إلي مقر الامارة، وعنفه في إعطاء البيعة للإمام الحسين (ع)، وضرب عينه بقضيب وأودعه السجن إلي أن فرغ من الإمام الحسين (ع)، حيث توسط له عبد الله بن عمر عند يزيد بن معاوية بتحريك من زوجته،] زوجة عبد الله بن عمر هي أخت المختار [، فأرسل يزيد رسالة إلي عبيد الله يأمره بإطلاق
١ - البحار ج ٤٦ ص ٨.
٢ - البحار ج ٤٦ ص ١٦٥.
٣ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٣٦.
(١٤٤)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (7)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، مسلم بن عقيل عليه السلام (2)، ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي (2)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، عبد الله بن عمر (2)، علي بن الحسين (1)، بنو هاشم (1)، الزوجة (1)، الزوج، الزواج (5)، الجهل (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)

صفحه 145

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٥
سراحه (1).
4 - موقفه الحذر من عبد الله بن الزبير، الذي يكشف عن عدم اعتقاده بزعامته، ومع إضافة مواقفه من أهل البيت (ع) يتضح ايمانه بخطهم.
5 - موقفه من محاصرة عبد الله بن الزبير، لمحمد بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن العباس في شعب أبي طالب: حيث رفضا البيعة له، وطالباه بالانتظار إلي أن تنقشع الغيوم السياسية، فحاصرهما ابن الزبير وضرب لهما أجلا لإعطاء البيعة له، فاستنجد محمد بن الحنفية بالمختار الذي كان قد سيطر علي الكوفة، فبعث إليه سرية عسكرية وصلت في الوقت المناسب] حيث أنقذهما من السجن ومن معهما [، وقد استأذن قائد السرية في الهجوم علي ابن الزبير، فرفض محمد بن الحنفية ذلك (2).
6 - قيادة الثورة ضد الشام، وضد ابن الزبير، والسيطرة علي الكوفة، والانتقام من قتلة الحسين (ع)، حيث تتبعهم في منازلهم وطاردهم حتي قتل عبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وحرملة الكاهلي، وكل من ثبت اشتراكه في قتل الحسين (ع).
وفي الواقع يكفي فخرا للمختار أنه قاد حركة الشيعة في أحرج ظروفهم، وتصدي بجيشه الشيعي القليل العدة والعدد بقيادة إبراهيم الأشتر، لجيش الأمويين الكثير العدة والعدد بقيادة عبيد الله بن زياد، حيث انتصر جيشه بفضل تلك الروح العلوية التي كان ينطوي عليها شعار (يا لثارات الحسين) الذي أخذ جنود إبراهيم بن الأشتر يطلقونه في وسط ميدان الحرب.
7 - موقفه من الإمام السجاد (ع)، حيث كان دائم الصلة معه، وكان يرسل له بين الفترة والأخري الهدايا والأموال الكثيرة.
8 - الدعوة لمحمد بن الحنفية وأخذ البيعة له، أما موقف ابن الحنفية من تصرفات المختار هذه وبالخصوص من الدعوة إليه، فإنه لم ترد روايات حول هذه النقطة بالذات، إنما الذي ورد أن ابن الحنفية قد استنجد بالمختار في محنته مع ابن الزبير.
وهذا يكشف أن محمد بن الحنفية لم يتخذ موقفا سلبيا من مواقف المختار في الدعوة إليه، وإلا لم يستنجد به.
ومن الواضح أنه بناء علي أن محمد بن الحنفية تصدي للعمل السياسي بناء علي طلب من الإمام السجاد (ع)، لا يرد إشكال علي دعوة المختار لمحمد بن الحنفية، في حين أن الإمام الشرعي هو الإمام السجاد (ع).
هذه المؤشرات كافية للدلالة علي ولاء المختار السياسي للإمام السجاد (ع)، ولخط أهل البيت الذي يقوده الإمام (ع).
الأدلة علي مشروعية ثورة المختار.
إن ولاء الثورة السياسي للإمام (ع) وحده لا يكفي لإثبات مشروعيتها، إنما لابد من إحراز إذن الإمام، أو أمره بالعمل أو بالفعل الثوري.
١ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢١١.
2 - تاريخ المسعودي ج 3 ص 77.
(١٤٥)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (4)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الدولة الأموية (1)، ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (6)، مدينة الكوفة (2)، يا لثارات الحسين (1)، حرملة الكاهلي لعنه الله (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، عبد الله بن الزبير (2)، علي بن أبي طالب (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، شعب أبي طالب (ع) (1)، الشام (1)، القتل (1)، الحرب (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)

صفحه 146

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٦
وهنا عدة أدلة يمكن ذكرها لإثبات مشروعية حركة المختار الثقفي وهي:
الدليل الأول - النص الصادر من الإمام السجاد (ع):.
كان الإمام السجاد (ع) يعيش ظرفا سياسيا خاصا، دعاه إلي أن يسلك نهجا محددا في العمل السياسي، يتجنب فيه الممارسات السياسية المباشرة ضد النظام، فلا نتوقع أن نعثر علي نص صادر منه يدعو مريديه إلي الالتحاق بقوات المختار في الكوفة، لأن ذلك مخالف لأسلوبه في العمل، إنما ينبغي أن نبحث عن نص يؤيد عمل المختار، ويمدحه في حدود خاصة، وهذا النص قد صدر من الإمام السجاد (ع)، وذلك بعد أن أرسل إليه المختار رأسي ابن زياد وابن سعد، حيث قال (ع):.
الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي، وجزي الله المختار (1).
هذا الكلام يشهد بأن عمل المختار وقع مرضيا عنه من قبل الإمام (ع)، ولا يقال بأن مدح الإمام (ع) في حدود قتل ابن زياد، وابن سعد فحسب: وذلك لأن المختار إنما سعي في ثورته إلي تتبع قتلة الحسين (ع) والذين شاركوا في صنع تلك الفاجعة، كافة، فلا يمكن القول أن قتل شمر بن ذي الجوشن أو حرملة بن كاهل أو غيرهما، من الذين لم يبعث المختار برؤوسهم إلي المدينة، لم يقع مرضيا عنه من قبل الإمام السجاد (ع)، كما أن المختار سعي في مواجهة الحكم الأموي، لأنه هو المدبر الرئيس لفاجعة كربلاء، فلا محالة تكون مشمولة برضا الامام ومدحه للمختار.
الدليل الثاني - وهو النص الصادر من الإمام الباقر (ع):.
حيث ورد في الحديث، عن عبد الله بن شريك:
قال: دخلنا علي أبي جعفر (ع) يوم النحر وهو متكئ، وقد أرسل إلي الحلاق، فقعدت بين يديه إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه، ثم قال: من أنت؟
قال: أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان متباعدا من أبي جعفر (ع) فمد يده إليه حتي كاد يقعده في حجره بعد منعه يده، ثم قال: أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك.
قال (ع): أي شئ يقولون؟
قال: يقولون كذاب، ولا تأمرني بشئ إلا قبلته.
فقال (ع): سبحان الله، أخبرني أبي والله، أن مهر أمي كان مما بعث به المختار، أولم يبن دورنا، وقتل قاتلنا، وطلب بدمائنا؟ فرحمه الله، وأخبرني والله أبي، أنه كان ليمر عند فاطمة بنت علي يمهدها الفراش، ويثني لها الوسائد، ومنها أصاب الحديث، رحم الله أباك، ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه، قتل قتلتنا وطلب بدمائنا (2).
وهذه الرواية تدل بوضوح علي مدح المختار، وعلي سلامة أهدافه التي رفعها.
وإلي جانب تلك النصوص التي تدل علي مشروعية ثورة المختار، توجد ثمة مؤيدات عامة يمكن إضافتها إلي تلك النصوص الصريحة في دلالتها وهي:
1 - رجال الكشي ص 127.
2 - رجال الكشي ص 125.
(١٤٦)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (3)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (4)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1)، مدينة الكوفة (2)، الحكم بن المختار (1)، عبد الله بن شريك (1)، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (1)، فاطمة بنت علي (1)، القتل (5)، الشهادة (1)، كتاب رجال الكشي (2)

صفحه 147

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٧
1 - ما ورد عن الإمام الباقر (ع) قال:
لا تسبوا المختار، فإنه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوج أراملنا، وقسم فينا المال علي العسرة (1).
وما ورد عن أبي عبد الله (ع) قال:
ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتي بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين (ع) (2).
2 - ما ورد عن محمد بن الحنفية من المديح للمختار.
3 - ما ورد عن عبد الله بن العباس حين قال له ابن الزبير: ألم يبلغك قتل الكذاب؟.
قال: ومن الكذاب؟.
قال: ابن أبي عبيد (ويقصد به المختار).
قال: قد بلغني قتل المختار.
قال: كأنك نكرت تسميته كذابا، ومتوجع له.
قال: ذاك رجل قتل قتلتنا وطلب ثأرنا، وشفي غليل صدورنا، وليس جزاؤه منا الشتم، والشماتة (3) 4 - ما ورد من أن عبد الله بن الزبير قوي علي محمد بن الحنفية، وعلي عبد الله بن العباس بعد قتل المختار (4)، حيث كان المختار أيام حياته يقف إلي جانبهما، ويدافع عنهما أمام ضغوط ابن الزبير لأخذ البيعة منهما.
5 - وقوف أمثال إبراهيم بن مالك الأشتر، وهو الشيعي المعروف، إلي جانب المختار، و هذا بحد ذاته له دلالة علي نوعية مسار المختار السياسي.
6 - وقوفه (المختار) ضد ابن الزبير وخوضه الحرب ضده، وهذا الأمر يشير إلي اتجاهه السياسي الموالي لأهل البيت، حيث عرف من ابن الزبير عداوته وحقده علي الهاشميين.
وهذه المؤيدات إضافة إلي تلك الأدلة تجعل الباحث يقطع بالهوية الشيعية لحركة المختار.
شبهات حول شخصية ومواقف المختار:.
الأمر الأول: بيعته لعبد الله بن الزبير:.
فقد ورد في كتب التاريخ أن المختار بايع عبد الله بن الزبير (5): حيث قال له:.
أبايعك علي أن لا تقضي الأمور دوني، وعلي أن أكون أول داخل، وإذا ظهرت استعنت بي علي أفضل عملك. فقال ابن الزبير: أبايعك علي كتاب الله وسنة رسوله فقال (المختار): وشر غلماني تبايعه علي ذلك. والله لا أبايعك أبدا إلا علي ذلك، فبايعه، فأقام عنده وشهد معه قتال الحصين بن نمير وأبلي أحسن بلاء، وقاتل معه أشد قتال، وكان أشد الناس علي
١ - المصدر نفسه.
٢ - رجال الكشي ص ١٢٧.
٣ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٧٨.
٤ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٥٤.
٥ - تاريخ الكامل ج ٤ ص ١٧٠، وراجع نفس المصدر ص 247.
(١٤٧)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، عبد الله بن عباس (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (2)، إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي (1)، عبد الله بن الزبير (3)، حصين بن نمير (1)، القتل (7)، الحرب (1)، كتاب رجال الكشي (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (2)

صفحه 148

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٨
أهل الشام (1).
ولا ريب أن هذه البيعة وقعت بعد أن أخرج عبيد الله بن زياد المختار من السجن، بعد شهادة الإمام الحسين (ع)، حيث ذهب المختار إلي مكة وهناك بايع لعبد الله بن الزبير.
فلابد من علاج هذه النقطة، إذ لو كان مواليا لأهل البيت (ع)، كيف يبايع عبد الله بن الزبير المعروف بمواقفه المعادية لأهل البيت؟.
وهنا توجد عدة تفسيرات لهذه البيعة وهي:.
1 - إنكار وجود مثل هذه البيعة، حيث يستبعد أن يبايع المختار مع وجود الإمام السجاد (ع) في المدينة.
2 - إن البيعة التي أعطاها المختار لعبد الله بن الزبير، توفر له فرصة لتحقيق أهدافه في الانتقام من بني أمية، وقتلة الحسين (ع)، حيث أن هذا الهدف قد ملك عليه شغاف قلبه، ولهذا ينقل عنه أنه كان يقاتل إلي جانب عبد الله بن الزبير الجيش الأموي، الذي بعثه يزيد بن معاوية لحصار مكة والقضاء علي ابن الزبير، بقيادة الحصين بن نمير، بضراوة بالغة ونشاط ملحوظ (2).
وكان من ضمن الشروط التي وضعها المختار للبيعة: أن لا يمضي ابن الزبير أمرا من دون أن يعرضه علي المختار، وأن يستعمله في أفضل أعماله لو ظهر، وهذه الشروط تتيح للمختار صلاحيات كبيرة يستطيع أن يتحرك من خلالها، لتحقيق أهدافه التي تختلف عن أهداف ابن الزبير.
ويبدو أن ابن الزبير قد أدرك غرض المختار، ولذلك رفض أن يستعمله في شئ رغم ظهوره النسبي، واتساع سلطانه في العالم الاسلامي، مما دفع بالمختار إلي ترك المدينة والتوجه نحو الكوفة، بهدف قيادة الحركة الشيعية التي برزت فيها (3).
3 - إن هذه البيعة كانت بحكم الأمر المفروض عليه، حيث أن سلطان ابن الزبير اتسع، و قد فرض عليه أن يعيش تحت هذا السلطان، وهو ليس من القوة بحيث يرفض البيعة لابن الزبير، فهي بيعة مفروضة عليه ولم يكن مقتنعا بها، ولهذا نجده ينقضها في أقرب فرصة سنحت له، وهذا اللون من المبايعة قد حصل من كبار الشخصيات المعروفة، كالزبير بن العوام الذي نقض بيعته للإمام علي بن أبي طالب (ع)، فليس فيه حرج علي المختار.
4 - إن المختار بايع ابن الزبير بيعة مشروطة، وهي كما ينقلها ابن الأثير في تاريخه:.
فلو وفي عبد الله بن الزبير بشروط هذه البيعة، فهذا معناه أن المختار يحقق أهدافه السياسية، إلا أن ابن الزبير كان يعلم بحقيقة نوايا المختار ومذهبه السياسي، و لذلك لم يطمئن إلي جانبه، ويقول عن المختار حين طلب منه مبلغا من المال:.
إلي متي أماكر كذاب ثقيف ويماكرني، وكتب إليه جوابا علي طلبه: والله ولا درهم (4).
والواقع، أن العلاقة بين المختار وبين ابن الزبير كانت علاقة حذرة، يسعي كل واحد منهما
١ - تاريخ الكامل ج ٤ ص ٢٤٧.
٢ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ١٧٠.
٣ - المصدر نفسه.
٤ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٤.
(١٤٨)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، مدينة الكوفة (1)، إبن الأثير (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، عبد الله بن الزبير (4)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، بنو أمية (1)، الشام (1)، القتل (1)، الوسعة (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الهدف (1)، الرفض (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (2)

صفحه 149

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٤٩
للوصول إلي أهدافه علي أكتاف الآخر.
الأمر الثاني: علاقته مع محمد بن الحنفية:.
ثمة تصرفات تشير إلي وجود تفاهم مشترك بين محمد بن الحنفية، وبين المختار حول بعض القضايا السياسية، ومن هذه التصرفات أن ابن الحنفية كتب للمختار بعد أن ظهر أمره في الكوفة يطلب منه النجدة،: حيث أن ابن الزبير كان قد جمع بني هاشم، فحبسهم بزمزم وتوعدهم بالقتل، والإحراق، وإعطاء الله عهدا: إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به، وضرب لهم في ذلك أجلا (1).
وقد أنجده المختار بسرية أنقذته وسائر بني هاشم من قبضة ابن الزبير.
فلما قتل المختار تضعضعوا واحتاجوا (2).
وكان المختار حين يتصل بأحد من أهل الكوفة، يخاطبه بإمامة محمد بن الحنفية (3).
وحين اتصل المختار بإبراهيم الأشتر، عرض عليه كتاب من محمد بن الحنفية جاء فيه:.
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد المهدي إلي إبراهيم ابن الأشتر سلام عليك. قد بعثت إليك المختار ومن ارتضيته لنفسي، وقد أمرته بقتال عدوي والطلب بدماء أهل بيتي، فامض معه بنفسك وعشيرتك، وشهد جماعة علي صحة صدور هذا الكتاب من محمد بن الحنفية، فقبل الأشتر ذلك (4).
موقف الإمام السجاد (ع) من حركة التوابين:.
ظهرت حركة التوابين مباشرة بعد شهادة الإمام الحسين (ع) حيث أن الشيعة بالكوفة تلاقوا بالتلاوم والتنادم حين قتل الحسين (ع) فلم يغيثوه، ورأوا أنهم قد أخطأوا خطأ كبيرا، بدعاء الحسين إياهم، ولم يجيبوه، ولمقتله إلي جانبهم فلم ينصروه، ورأوا أنهم لا يغسل عنهم ذلك الجرم إلا قتل من قتله، أو القتل فيه، ففزعوا إلي خمسة نفر منهم: سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وعبد الله بن وال التميمي، ورفاعة بن شداد البجلي (5).
وكان هدفها (حركة التوابين) الرئيسي هو طلب التوبة من الله: لتقصيرهم في نصرة الإمام الحسين (ع)، وقد ظلت تعمل في السر خلال مدة طويلة من الزمن، حتي تجمعت لها قوات كافية انطلقت باتجاه الشام: لتحقيق هدفها في القضاء علي الحكم الأموي.
ولقد انتهت حركة التوابين بفاجعة أخري للشيعة، حيث استشهد في المعركة قادة الحركة وأغلب أفرادها.
مشروعية حركة التوابين.
إن حركة التوابين تلقيت من قبل الوسط الشيعي قاطبة بالقبول، حيث كتب سليمان بن صرد إلي الشيعة في الأمصار ينبئهم بخبر التوابين.
١ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٥٠.
٢ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٥١.
3 - المسعودي / ج 3 / ص 74.
4 - البحار ج 5 ص 366.
5 - تاريخ المسعودي ج 3 ص 93.
(١٤٩)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (4)، سليمان بن صرد الخزاعي (1)، رفاعة بن شداد البجلي (1)، مدينة الكوفة (3)، عبد الله بن وال (1)، بنو هاشم (2)، مسيب بن نجبة (1)، الشام (1)، القتل (7)، الغسل (1)، الشهادة (2)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (2)

صفحه 150

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٠
فكان، يجيبهم القوم بعد القوم والنفر بعد النفر (1).
وحيث أن مدة الاستعدادات للعمل العسكري استغرقت أكثر من ثلاث سنوات، فلابد أن الشيعة قد اتصلوا بالامام (ع)، وأخبروه بعزم الحركة فلم يمنعهم من نشاطهم، فيدل ذلك علي رضا الإمام (ع) من حركة التوابين.
إذ من المستبعد عدم معرفة الإمام السجاد (ع) بنشاطهم، ومن المستبعد أن لا يشير بكلمة، أو بموقف عملي محدد يفهم منه قبوله لتلك الحركة، أو رده لها، وحيث أن الشيعة قد تجاوبت مع حركة التوابين، فهذا يكشف عن وجود موافقة من قبل الإمام السجاد (ع)، وإن لم يصلنا نص في هذا المجال، إذ لو صدر من الامام شئ ضد الحركة لوصل إلينا، كما وصل مثلا القدح بالمختار من قبل نفس الإمام السجاد (ع) علي حسب ما يرويه المسعودي (2).
حيث أن طبيعة تفكير قيادات الحركة وأشخاصها مؤثرة في مسار الحركة، إذ أنها تتجه باتجاه تفكير قياداتها، وحيث أن تلك القيادات من الطراز الشيعي الذي أثبت ولاءه للإمام علي (ع) وللإمام الحسن (ع)، وقد خاض التجارب القاسية دفاعا عن هويته الشيعية، إذ فضلا عن الأشخاص الخمسة الذين تقدم ذكرهم، والذين عرفوا بتشيعهم الشديد، فقد انضم تيار الشيعة إلي هذه الحركة، فقد حدث أبو مخنف قال:.
حدثني حميد بن مسلم قال: والله إني لشاهد بهذا اليوم، يوم ولوا سليمان بن صرد و أنا، يومئذ لأكثر من مئة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره (3).
أقول: حيث كل ذلك متوفر في الحركة فلا بد أن يكون نشاطها وأهدافها، ينطبق مع العقلية الشيعية الموالية لأهل البيت (ع) فتكون مرضية للإمام (ع)، وإن لم يصدر من عنده.
إن طبيعة أهداف تلك الحركة تضفي الشرعية عليها، فقد خطب سليمان بن صرد وهو يحدد هدف الحركة قائلا:.
إنا كتبنا إلي الحسين بن علي فجاء وأخذ يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه، اتخذه الفاسقون غرضا للنبل، ودرية للرماح حتي أقصدوه، وعدوا عليه فسلبوه، ألا انهضوا فقد سخط ربكم، ولا ترجعوا إلي الحلائل والأبناء حتي يرضي الله، والله ما أظنه راضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا (تهلكوا)، ألا لا تهابوا الموت، فوالله ما هابه امرؤ قط إلا ذل (4).
فهذا الهدف الذي طرحه قادة الحركة، وتجمعت القوات الشيعية علي أساسه: يكشف عن رضا الامام بها، فالثأر لدم الحسين (ع) الذي سعت الحركة للأخذ به كاف لإثبات مشروعيتها، إذ لا شك في أن قيادات الحركة وجنودها كانوا مخلصين في رفع هذا الشعار، والقضاء علي قتلة الإمام الحسين ورموز فاجعة كربلاء.
ومن جهة أخري فإن التحرك في إطار هذا العنوان مما يرضي عنه الإمام السجاد (ع)، إذ طالما دعا الله في القضاء علي قتلة أبيه وأهله.
١ - تاريخ الطبري ج ٧ ص ٥١.
٢ - تاريخ المسعودي ج ٣ ص ٧٤.
٣ - تاريخ الطبري ج ٧ ص ٤٨.
٤ - تاريخ الطبري ج ٧ ص ٤٩.
(١٥٠)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (4)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، سليمان بن صرد الخزاعي (2)، الحسين بن علي (1)، حميد بن مسلم (1)، القتل (3)، الموت (1)، الهدف (2)، كتاب تاريخ الطبري (3)

صفحه 151

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥١
فعن المنهال بن عمرو قال:.
دخلت علي علي بن الحسين (ع)] عند [منصرفي من مكة فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟.
فقلت: تركته حيا بالكوفة.
قال: فرفع يديه جميعا ثم قال (ع): اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد (1).
وعن عمر بن علي بن الحسين (ع) قال:.
إن علي بن الحسين (ع) لما أتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد خر ساجدا، و قال: الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي، وجزي الله المختار خيرا (2).
وقال الإمام السجاد (ع):.
دخلت علي ابن زياد، وهو يتغدي ورأس الحسين أبي (ع) بين يديه فقلت: اللهم لا تمتني حتي تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدي (3).
بل يبدو أن محمد بن الحنفية كان مأمورا من قبل الإمام السجاد (ع) بتوجيه حركة الشيعة، للأخذ بثأر الحسين (ع) وأهله، فقد كتب صاحب بحار الأنوار:.
وكان محمد بن الحنفية أكبر من زين العابدين سنا، ويري تقديمه عليه فرضا، ودينا، ولا يتحرك حركة إلا بما يهواه، ولا ينطق إلا عن رضاه، ويتأمر له تأمر الرعية للوالي، ويفضله تفضيل السيد علي الخادم والموالي، وتقلد محمد (رض) أخذ الثأر إراحة لخاطره الشريف (أي خاطر زين العابدين (ع)، من تحمل الأثقال والشد والترحال (4).
فإذا كان الثأر لدم الإمام الحسين (ع) مما يسعي إليه الإمام السجاد (ع)، وقد كلف عمه لمتابعة هذا الأمر: فإنه حينئذ سوف يرضي علي حركة التوابين، لأنها حركة تستهدف الثأر للإمام الحسين (ع)، وقد أخذوا يجمعون العدة والعدد خلال مدة طويلة، حتي إذا اجتمعت قوتهم اندفعوا لقتال عبيد الله بن زياد، ولكنهم لقلتهم خسروا المعركة بعد أن أبلوا بلاء حسنا، وكبدوا الجيش الأموي خسائر فادحة (5) موقف الإمام السجاد (ع) من حركة ابن الزبير:.
لا توجد روايات كافية صادرة من الإمام السجاد (ع) تلقي ضوءا علي طبيعة موقفه من حركة ابن الزبير، إنما ثمة رواية واحدة أطلق الإمام السجاد (ع) فيها وصف الفتنة علي حركة
1 - البحار ج 45 ص 332.
2 - البحار ج 45 ص 347.
3 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج 3 ص 12.
4 - البحار / ج 45 / ص 347.
5 - إلا أن يقال: إن جواز رفع السلاح أمام الحاكم الجائر، وما يستلزم ذلك من إراقة الدماء، موقوف علي إذن خاص من الامام، ولا تكفي الأدلة اللبية لإثبات ذلك، والمفروض عدم وجود الإذن الخاص من الإمام السجاد (ع) لنشاط الحركة المسلحة.
(١٥١)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (11)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (2)، القتل (1)، السلاح (1)، الجواز (1)

صفحه 152

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٢
ابن الزبير (1)، سوف ننقلها فيما يلي من أبحاث.
ولكي نحدد موقف الإمام السجاد (ع) من هذه الحركة، لابد أن نحلل شخصية ابن الزبير، و اتجاهه السياسي والفكري بشكل مختصر، ثم نحاول معرفة موقف الإمام السجاد (ع) منه.
شخصية عبد الله بن الزبير.
حين نستقرئ نشاط عبد الله بن الزبير السياسي نجده دائما ضد خط أهل البيت (ع)، حيث اتخذ ابن الزبير موقفا عدائيا ضد الإمام علي بن أبي طالب (ع) وضد الحسنين (ع)، و لعب دورا بارزا في حرب الجمل رغم أن أباه ترك المعركة، بعد أن اكتشف خطا موقفه من الإمام علي (ع)، بل إن عبد الله بن الزبير نجح في جر أبيه إلي صف الناكثين لبيعة الإمام علي (ع)، حتي نسب إلي الإمام علي (ع) قوله بحق عبد الله بن الزبير:
كنا نحسب الزبير معنا أهل البيت، حتي نشأ ابنه عبد الله فصرفه عنا.
ولا نعلم بالدقة سبب كراهية ابن الزبير لأهل البيت، ولعل منشأه نزاع نسائي بين فاطمة الزهراء (ع) وبين عائشة وأسماء بنت أبي بكر.
وكان ابن الزبير لا يخفي كراهية لأهل البيت، فقد قال ذات مرة لعبد الله بن العباس:.
إني لا أكتم بغضكم أهل البيت منذ أربعين سنة (2).
وقد ذكر مساور بن السائب: إن ابن الزبير خطب أربعين يوما (والظاهر أربعين جمعة) لا يصلي علي النبي (ص) وقال: لا يمنعني أن أصلي عليه إلا أن تشمخ رجال بآنافها (3).
والذي يبدو أن شخصية عبد الله بن الزبير ذات طابع حاد يسعي لتحقيق أهدافه بكل ثمن: فمثلا حين دعا ابن الزبير لأخذ البيعة لنفسه بشكل علني بعد أن كان يدعو لنفسه بالسر جاءه الخوارج. فسر بمقدمهم، ونبأهم أنه علي رأيهم وإعطائهم الرضا من غير توقف ولا تفتيش، فقاتلوا معه حتي مات يزيد بن معاوية، وانصرف أهل الشام عن مكة. ثم إن القوم لقي بعضهم بعضا، فقالوا: إن هذا الذي صنعتم أمس بغير رأي ولا صواب من الأمر، تقاتلون مع رجل لا تدرون لعله ليس علي رأيكم، إنما كان أمس يقاتلكم هو، و أبوه ينادي يا لثارات عثمان، فأتوه وسلوه عن عثمان، فإن برئ منه كان وليكم، وإن أبي كان عدوكم …، فقال لهم عبد الله بن الزبير: وأنا أشهدكم ومن حضر أني ولي لابن عفان في الدنيا والآخرة، وولي أوليائه، وعدو أعدائه. قالوا: فبرئ الله منك يا عدو الله قال: فبرئ الله منكم يا أعداء الله، وتفرق القوم (4).
وقد أدي هذا المسلك الحاد في شخصية ابن الزبير تجاه الهاشميين، إلي أن يرفض كل من محمد بن الحنفية، وعبد الله بن العباس البيعة له كما تقدم، وخرجا إلي الطائف ابتعادا عنه.
والذي يبدو أن ملامح هذه الشخصية أثرت في بعض المعاصرين له، فقد قال له عمرو بن العاص وهو يصفه:.
1 - الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة ص 203.
2 - تاريخ المسعودي ج 3 ص 80.
3 - تاريخ المسعودي ج 3 ص 79.
4 - الطبري ج 7 ص 55 و 56.
(١٥٢)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (2)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، أسماء بنت أبي بكر (1)، عبد الله بن الزبير (6)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، الشام (1)، الخوارج (1)، الموت (1)، الحرب (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)

صفحه 153

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٣
والله يا ابن الزبير، إنك ما علمت لمتجلبب جلابيب الفتنة، فتأزر بوصائل التيه، تتعاطي الذري الشاهقة، والمعالي الباسقة، وما أنت من قريش في لباب جوهرها، ولا موفق حسبها (1).
وقال له معاوية بن أبي سفيان:.
أنت ثعلب رواغ، كلما خرجت من جحر انجحرت في آخر (2).
وكان أخوه عمرو بن الزبير يبغضه أشد البغض، وقد استعمله عمرو بن سعيد الأشدق علي شرطته، لما كان بينه وبين أخيه عبد الله من البغضاء، فأرسل إلي نفر من أهل المدينة، فضربهم ضربا شديدا لهواهم في أخيه عبد الله، وقد طلب عمرو بن الزبير من عمرو بن سعيد أن يرسله إلي مكة لمحاربة أخيه عبد الله بن الزبير، وقال لعمرو بن سعيد في ذلك:.
لا توجه إليه رجلا أنكأ له مني (3).
موقف الإمام السجاد (ع) من ابن الزبير.
لقد تولي عبد الله بن الزبير مقاليد السلطة بعد وفاة يزيد بن معاوية في شطر من العالم الإسلامي، حيث بويع له بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز واليمن والعراق و خراسان (4)، فهل بايعه الإمام السجاد (ع) الذي كان يعيش في المدينة؟.
لم ترد نصوص تثبت بيعته لابن الزبير، إنما ورد حديث عبر فيه الإمام (ع) عن خوفه من فتنة ابن الزبير.
فعن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (ع) قال:.
خرجت حتي انتهيت إلي هذا الحايط، فاتكيت عليه فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في اتجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين، مالي أراك كئيبا حزينا، أعلي الدنيا حزنك؟ فرزق الله حاضر للبر والفاجر، قال: قلت: ما علي هذا أحزن، وإنه لكما تقول.
قال: فعلي الآخرة، فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر.
قال: قلت: ولا علي هذا أحزن، وإنه لكما تقول)، قال: فعلام حزنك؟.
قلت: أتخوف من فتنة ابن الزبير، فضحك ثم قال يا علي بن الحسين، هل رأيت أحدا قط توكل علي الله فلم يكفه؟
قلت: كلا. قال: يا علي بن الحسين، هل رأيت أحدا قط خاف الله فلم ينجه؟.
قلت: لا.
قال: يا علي بن الحسين، هل رأيت أحدا قط سأل الله فلم يعطه؟.
قلت: لا، ثم نظرت فإذا ليس قدامي شئ، فعجبت من ذلك، فإذا قائل أسمع صوته، ولا أري شخصه يقول: يا علي بن الحسين هذا الخضر ناجاك (5).
١ - ناسخ التواريخ بالفارسية، قسم حياة الإمام زين العابدين ص ٢٠٦.
٢ - الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٨٨.
٣ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ١٨.
٤ - تاريخ الخلفاء ص ٢١٢.
٥ - يراجع كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، وكتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج ٢ ص ٣٠، وقد روي هذا الحديث من كتب العامة كتاب: نور الأبصار ص ١٩٢، وكتاب الإتحاف بحب الأشراف ص ٤٩، وكتاب الفصول المهمة في معرفة الأئمة ص 202، وكتاب كفاية الطالب ص 301.
(١٥٣)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (4)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، عبد الله بن الزبير (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن الحسين (5)، عمرو بن سعيد (2)، خراسان (1)، الخوف (1)، الوفاة (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)

صفحه 154

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٤
إذن نري أن الإمام السجاد (ع) لم يبايع ابن الزبير، وذلك للأسباب التالية:
أولا: الذي يظهر أن الهاشميين قد قرروا مقاطعة عبد الله بن الزبير، حيث رفض كل من محمد بن الحنفية، وعبد الله بن عباس البيعة له، فكان خروجهما إلي الطائف فمات ابن عباس فيها (1)، وكان ابن عباس قد أرسل ابنه إلي الشام ليطلب الأمن من عبد الملك بن مروان.
صحيح أنه ليست ثمة ملازمة بين عدم بيعة كل من محمد بن الحنفية وعبد الله بن العباس لابن الزبير، وبين عدم بيعة الإمام السجاد (ع) له، إلا أنه من البعيد جدا أن لا يبايع الاثنان لابن الزبير، ويبايعه الإمام السجاد (ع) مع معرفته بعداوته لأهل البيت، ومع خوفه من فتنته كما أشارت إليه الرواية السابقة.
ثانيا: إن الإمام السجاد (ع) قد تنكب طريق السياسة بمعني السعي نحو السلطة، وآثر أن يمارس إمامته ضمن اتجاهات أخري، كتعميق مفهوم الإمامة، وتحصين الأمة من الاتجاهات الدنيوية المنحرفة، وتربية القواعد الموالية للامام من أهل البيت، وهذه مسؤوليات لا تقل أهمية عن مسؤولية تولي السلطة، ولهذا فمن البعيد أن يبايع ابن الزبير، وخصوصا أن ضغوط ابن الزبير علي المدينة أقل بكثير من ضغوطه علي مكة.
ثالثا: اضطراب الأحوال السياسية في العالم الاسلامي، حيث كان يلي السلطة في الشام عبد الملك، وفي مكة ابن الزبير، وقد انفجر صراع عنيف وطويل بينهما إلي أن استطاع الحجاج القضاء علي ابن الزبير عام (73 ه)، وهذا القلق السياسي يسمح للإمام السجاد (ع) بعدم البيعة لأحد من الطرفين المتنازعين بذريعة الفتنة، وعدم اجتماع الأمة علي شخص، وطالما تعذر الآخرون بمثل هذا الاعتذار لعدم البيعة لأحد.
رابعا: لو كان الإمام السجاد (ع) قد بايع ابن الزبير، سواء في مكة، أو في المدينة لظهر ذلك وأشيع بين الناس، ولسجلته كتب التاريخ والروايات، مع الحرص علي إثبات هذه البيعة من قبل جبهة ابن الزبير، وحيث لم يصل شئ من ذلك: فلهذا ينمو احتمال عدم بيعة الإمام السجاد (ع) له.
موقف الإمام السجاد (ع) من حركة المدينة:.
في هذا الفصل نتناول موقف الإمام السجاد (ع) من حركة المدينة ضمن أمرين:.
الأمر الأول: حول بواعث الحركة.
ما هي بواعث حركة المدينة التي انفجرت في وجه الحكم اليزيدي عام 63 ه؟.
يمكن ذكر أهم بواعث الثورة كما يلي:.
أولا: الآثار التي تركتها فاجعة كربلاء علي أهل المدينة، وعلي عموم العالم الاسلامي، فإن أهل المدينة يعرفون الإمام الحسين (ع) حق المعرفة، ويكنون له احتراما عميقا حتي من قبل الأشخاص الذين يرون أنفسهم منافسين له، فقد قال له عبد الله بن الزبير لما عزم (ع)
١ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٢٥٣.
(١٥٤)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (9)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، عبد الله بن عباس (3)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، محمد بن الحنفية إبن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (2)، مدينة مكة المكرمة (3)، عبد الله بن الزبير (1)، الشام (2)، الرفض (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)

صفحه 155

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٥
علي المضي إلي الكوفة:
أما أنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر ههنا لما خالفنا عليك وساعدناك، و بايعناك ونصحنا لك (1).
ففاجعة الطف أخذت تتفاعل في الساحة حتي مزقت الأغطية الشرعية التي كان يزيد يتستر بها، وكشفت مقدار انحرافه عن الاسلام، وشرعه القويم.
ثانيا: التهتك الأخلاقي، والمجون الجنسي الذي تميز به يزيد بن معاوية، والذي أخذ ينتشر في صفوف المجتمع بدون رادع، فقد أرسل عثمان بن محمد بن أبي سفيان وفدا من المدينة إلي يزيد، وفيهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، فلما رجعوا قالوا:.
قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان، و يلعب بالكلاب، ويسمر عنده الحراب (وهم اللصوص)، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه.
وقال عبد الله بن حنظلة: جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم (2).
ويقول:.
والله ما خرجنا علي يزيد حتي خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة (3).
هذه أهم بواعث الحركة، التي أدت بأهل المدينة إلي خلع يزيد بن معاوية ومبايعة عبد الله بن حنظلة، تبعا للنفر الذي وفد إلي الشام (4).
وقد طرد أهل المدينة عامل يزيد عليها، والأمويين الذين يقطنونها، وكان عددهم زهاء ألف رجل (5)، وهكذا تطورت الأحداث، فبعث يزيد بن معاوية جيشا كثيفا إلي المدينة بقيادة مسلم بن عقبة، الذي أسرف بدماء المسلمين ونواميسهم، بعد القضاء علي تلك الحركة.
الأمر الثاني: موقف الإمام السجاد (ع) من حركة المدينة:.
تشير الروايات الواردة في أحوال الإمام السجاد (ع) أثناء ثورة المدينة عام 63 ه، أنه اعتزل المدينة، والسؤال هو: لماذا اتخذ الامام هذا الموقف مع أن قادة الحركة، وخصوصا عبد الله بن حنظلة من المعروفين بالورع والعبادة؟.
توجد عدة وجوه يمكن تفسير موقف الإمام السجاد (ع) في ضوئها: وقبل بيان ذلك ينبغي أن نشير إلي حقيقة مهمة وهي:.
إن الإمام (ع) ليس واجبا عليه أن يشارك في كل عمل ثوري ضد السلطة، فمثلا لم يشترك الإمام علي بن أبي طالب في الثورة ضد عثمان بن عفان، بل بعث ولديه الحسن والحسين (ع) لإيصال الماء إليه. وقد حاول الإمام (ع) إصلاح الأمر بين الثوار وبين الخليفة، و لم يفلح في ذلك.
١ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٣٨.
٢ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ١٠٣.
3 - تاريخ الخلفاء ص 209.
4 - راجع الطبري ج 7 ص 4.
5 - الطبري ج 7 ص 5.
(١٥٥)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، يوم عاشوراء (1)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، مدينة الكوفة (1)، عبد الله بن حنظلة (4)، عثمان بن محمد بن ابي سفيان (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (3)، علي بن أبي طالب (1)، الشام (1)، الصّلاة (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (2)

صفحه 156

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٦
صحيح أن للإمام الحق في رفع السلاح ضد الحاكم: ولكن قد تبرز مسائل تحول دون أن يقوم الإمام بهذا الفعل.
بعد هذا ينبغي أن نتناول الدوافع التي قد يكون واحد منها أو جميعها سببا لموقف الإمام السجاد (ع) من الحركة:.
فالدافع الأول: إن الإمام السجاد (ع) كان يعلم أن ثورة المدينة سوف تؤدي إلي فجائع كبيرة، وقتل النفوس الكثيرة، وهتك الحرمات، وذلك لأنه شاهد بنفسه ما فعله الأمويون في كربلاء بحق الإمام الحسين (ع)، وأهله وأنصاره، ولم يقف دون أفعالهم الوحشية مقام الحسين (ع) وصلته برسول الله (ص)، فلو أعلن أهل المدينة الخروج علي الشام، فإن يزيد سيسحقهم بلا رحمة، وقد حصل هذا علي يد مسلم بن عقبة.
وفي الواقع أن الإمام كان يعلم أن نتائج الثورة الفاشلة ستكون شاملة وقاسية، و لهذا لم يشترك فيها خوفا علي صحابة رسول الله، وعلي أعراض المسلمين ونفوسهم.
وكان النعمان بن بشير قد حذر القائمين بالثورة من مغبة تلك الثورة، وخوفهم بأن الفتك، والهتك سيكون شاملا ورهيبا، فجاء يكلمهم في جدوي الثورة.
فقال له عبد الله بن مطيع العدوي: ما يحملك يا نعمان علي تفريق جماعتنا، وفساد ما أصلح الله من أمرنا؟ فقال النعمان: أم والله كأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها (أي الثورة)، وقامت إليها الرجال علي الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف، ودارت رحي الموت بين الفريقين، وقد هربت علي بغلتك تضرب جنبيها إلي مكة، وقد خلفت هؤلاء المساكين (يعني الأنصار) يقتلون في سككهم، ومساجدهم، وعلي أبواب دورهم، فعصاه الناس فانصرف، وكان والله كما قال (1).
والدافع الثاني: ان حركة المدينة كانت متأخرة، إذ كان ينبغي أن تتحرك، حيث رفض الإمام الحسين (ع) البيعة ليزيد أثناء حكم معاوية، أو تتحرك بعد وفاة معاوية، إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل، حتي استقر الوضع لصالح يزيد بن معاوية.
فحركة المدينة متأخرة زمنا عن وقتها المناسب، فلا فائدة من الاشتراك فيها.
والدافع الثالث: إن أية حركة لا ترتبط بالامام الشرعي، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لا يمكن أن تحقق أهدافها الاسلامية، فقد تستطيع أن تقوض بعض معالم الانحراف، ولكنها قاصرة عن إيجاد البديل الشرعي ما دامت لم ترتبط بالامام (ع) و حركة المدينة، وإن كانت ذات بواعث سليمة، وقام بها الأنصار والمهاجرون، ولكنها حيث لم ترتبط بالامام الشرعي، فلا يمكن أن توصل إلي الأهداف المرجوة.
والدافع الرابع: إن أهل المدينة لم يتقدموا للبيعة إلي الإمام الحسين (ع) بعد وفاة معاوية، وليس معني ذلك أن الإمام الحسين طلب البيعة فرفض أهل المدينة بيعته، إنما المقصود أنهم لم يبادروا إلي بيعة الإمام الحسين (ع) مع علمهم بحقه، وعلمهم بيزيد وسلوكه، وهذا الموقف ترك أثره بعد شهادة الإمام الحسين (ع) في نفس علي بن الحسين (ع)، فلم يشترك الامام في
١ - تاريخ الطبري ج ٧ ص ٤.
(١٥٦)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (7)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الدولة الأموية (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، عبد الله بن مطيع العدوي (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، النعمان بن بشير (1)، الشام (1)، الموت (1)، القتل (2)، الشهادة (2)، الوفاة (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 157

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٧
حركة المدينة.. إذ كيف يساهم الامام في معركة لم يبذل قادتها جهدا في معرفة الإمام الشرعي، والوقوف إلي جانبه؟
فلذلك تنحي عن الفتنة وابتعد عن شررها المتطاير، فكان فيه الإبقاء علي كيان الإمامة، ومن انضوي إلي بيته من آل عبد مناف زهاء أربعمئة ما بين رجل وامرأة و صبي، وعدد كبير من أهل المدينة، فقام (ع) بما يحتاجون إليه إلي أن ارتحل الجيش الفاتك (1).
والدافع الخامس: حيث أن الإمام السجاد (ع) هو الإمام الشرعي للأمة، وأن اشتراكه في الحركة قد يؤدي إلي قتله، مما يؤدي ذلك إلي فراغ قيادي وسياسي، إذ أن ابنه محمد بن علي الباقر (ع) بعد لم يتجاوز الخمس سنوات، فقتله - إذن - سوف يترك فراغا قد يمتد إلي بضع سنين، وهذا معناه انحسار الغطاء المبدئي عن الأمة، وسقطوها في قبضة التيارات الفكرية، والشهوات الدنيوية، ونزاعات طواغيت الزمان. لذلك كله لم يشترك الإمام السجاد (ع) في حركة المدينة: حرصا علي منصب الإمامة الذي هو حصن الأمة، و بالتالي حرصا علي كل الأمة الإسلامية.
والدافع السادس: لما مات الحسن بن علي (ع) تحركت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلي الحسين بن علي (ع) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا ولا يجوز له نقضه حتي تمضي المدة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك (2).
صحيح أن مثل يزيد بن معاوية الذي اشتهر بفساده وكفره، لا معني للوفاء بالبيعة له إذ لا يستحقها، فكيف يحسن الوفاء له، إلا أن الخروج علي الحاكم الظالم الفاسق له شروط أهمها:.
أن لا يؤدي ذلك الخروج إلي خسائر هي أهم من فوت حق الإمام الشرعي، فلو كان الأمر كذلك فإن الامام يختار موقفا سياسيا آخر غير موقف الحرب، وهذا الموقف ليس إقرارا بسلطان الظالم، وليس قبولا بأفعاله، إنما هو من باب دفع أكبر الضررين.
والدافع السابع: رغم أن قادة الحركة من الأشخاص الورعين أمثال عبد الله بن حنظلة، إلا أن ثمة خيوط زبيرية تواجدت في الحركة أمثال المنذر بن الزبير، الذي ذهب إلي الشام مع الوفد ثم رجع إلي الكوفة، وتكلم علي يزيد ثم ذهب إلي المدينة، واشترك مع الوفد في القدح بيزيد وأفعاله.
ومن الواضح أن المنذر هو أخو عبد الله بن الزبير، فليس من المستبعد أن يكون اتفاقا خاصا قد جري بين الاثنين، لتحريك المدينة لحساب عبد الله بن الزبير، وإضافة إلي اشتراك المنذر بن الزبير في القيادة المباشرة في الحركة، يوجد شخص آخر اشترك في قيادة الحركة، وهو عبد الله بن المطيع العدوي وهو زبيري الهوي، وقد فر من المعركة بعد قدوم مسرف بن عقبة، والتحق بعبد الله بن الزبير في مكة، بعد أن رفض العرض الذي تقدم به النعمان بن بشير، لتسوية الموقف بين قادة الحركة وبين يزيد بن معاوية.
وأما الدافع الثامن: إن أغلب الظن أن نهاية حركة المدينة لو كانت هي الغالبة، فسوف تكون
1 - الإمام زين العابدين ص 369.
2 - الإرشاد ص 200.
(١٥٧)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، معرفة الإمام (1)، مدينة الكوفة (1)، عبد الله بن حنظلة (1)، عبد الله بن الزبير (3)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، النعمان بن بشير (1)، الشام (1)، القتل (1)، الموت (2)، الظنّ (1)، الظلم (2)، الوقوف (1)، الحرب (1)، الجواز (1)، الخمس (1)

صفحه 158

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٨
لصالح عبد الله بن الزبير، الذي كان نفوذه قويا في مكة والمدينة، فقد قال عمرو بن سعيد ليزيد بن معاوية (وكان واليه في الحجاز)، وهو يصف له نفوذ عبد الله بن الزبير في الحجاز:.
إن جل أهل مكة وأهل المدينة قد كانوا مالوا إليه (أي لعبد الله بن الزبير)، و هووه وأعطوه الرضا، ودعا بعضهم بعضا سرا وعلانية (1).
وحينئذ فإن جهود الحركة سوف يستثمرها ابن الزبير لتعميق نفوذه، ويكون هو الرابح الوحيد فيها، رغم أنه لم يخسر شيئا علي الإطلاق، ولهذا لم يشترك الإمام السجاد (ع) فيها.
دلائل عظمة آل البيت (ع):.
لقد أفاد الإمام السجاد (ع)، كثيرا من مظاهر التعاطف الجماهيري مع أهل البيت (ع):
نتيجة للسياسة التي مارسها ورسمها، من أجل إنجاح استراتيجية حركة الإسلام التاريخية في تلك المرحلة الحرجة، ويمكن لنا إيجاز ثلاثة أطر مهمة تبناها الإمام السجاد (ع) وهي:.
1 - العمل علي توسيع القاعدة الشعبية المخلصة والموالية لأهل البيت (ع).
2 - إيجاد وتنشئة قيادات فكرية متميزة، تحمل الفكر الإسلامي الأصيل.
3 - العمل علي رفع مستوي الوعي الإسلامي والانفتاح العملي بين قطاعات الأمة المسلمة، وقد نجحت الخطة التي وضعها الإمام (ع) علي شتي الأصعدة، وما يلي بعض المصاديق العملية علي ذلك:
قال ابن خلكان في ترجمته للشاعر الشهير الفرزدق: وتنسب إليه - للفرزدق - مكرمة ترجي له بها الجنة، وهي: إنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه، فطاف وجهد أن يصل الحجر ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلي الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينما هو كذلك، إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) وكان من أحسن الناس وجها و أطيبهم أرجا فطاف البيت، فلما انتهي إلي الحجر تنحي له الناس حتي استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه (مخافة أن يرغب فيه أهل الشام) وكان الفرزدق حاضرا فقال أنا أعرفه، فقال الشامي:
من هذا يا أبا فراس؟ قال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم.
هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم.
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا.
وليس قولك: من هذا بظائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم.
كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما عدم.
سهل الخليقة لا تخشي بوادره * يزينه اثنان: حسن الخلق والشيم.
حمال أثقال أقوام إذا امتدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده نعم.
ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاءه نعم.
1 - الطبري ج 7 ص 3.
(١٥٨)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (3)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، الشاعر الفرزدق (3)، عبد الله بن الزبير (3)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، هشام بن عبد الملك (1)، علي بن الحسين (1)، الشام (3)، الشهادة (2)، الحج (1)

صفحه 159

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٩
عم البرية بالإحسان فانقشعت * عنها الغياهب والإملاق والعدم.
إذا رأته قريش قال قائلها: * إلي مكارم هذا ينتهي الكرم.
يغضي حياء ويغضي من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم.
بكفه خيزران ريحه عبق * من كف أروع في عرنينه شمم.
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم.
ألله شرفه قدما وعظمه * جري بذاك له في لوحه القلم.
أي الخلائق ليست في رقابهم * لأولية هذا أوله نعم.
من يشكر الله يشكر أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم.
فلما سمع هشام هذه القصيدة، غضب وحبس الفرزدق، وأنفذ له الإمام زين العابدين (ع) اثني عشر ألف درهم، فردها، وقال: مدحته لله تعالي لا للعطاء، فقال زين العابدين (ع): إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده، فقبلها (1).
زينب الكبري (ع)، بنت الإمام أمير المؤمنين (ع):.
ولادتها: لما ولدت زينب (ع) جاءت بها أمها الزهراء (س) إلي أبيها أمير المؤمنين (ع) وقالت: سم هذه المولودة، فقال: ما كنت لأسبق رسول الله (ص) - وكان في سفر له - و لما جاء النبي (ص) وسأله علي (ع) عن اسمها، فقال: ما كنت لأسبق ربي تعالي، فهبط الأمين جبرئيل يقرأ علي النبي السلام من الله، وقال له: سم هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم، ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب فبكي النبي (ص) و قال: من بكي علي مصاب هذه البنت كان كمن بكي علي أخويها الحسن والحسين (ع).
كناها وألقابها: تكني بأم كلثوم، كما تكني بأم الحسن أيضا، ويقال لها زينب الكبري، للفرق بينها وبين من سميت باسمها من أخواتها، كما أنها تلقب بالصديقة الصغري، للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبري فاطمة الزهراء (س).
وتلقب بالعقيلة، وعقيلة بني هاشم، وعقيلة الطالبيين. وهي أول بنت لفاطمة (س) في أشهر الروايات، ومما يدل علي أنها أكبر بنات فاطمة: أن الرواة في أيام الاضطهاد الأموي كانوا إذا أرادوا الرواية عن علي (ع) يقول الرجل منهم: هذه الرواية عن أبي زينب، كما نقل ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج، ولم يكن يعرف الإمام بهذه الكنية عند أعدائه.
كانت الولادة الميمونة لهذه الطاهرة العقيلة زينب (س) في الخامس من شهر جمادي الأولي في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، وقيل في شعبان في السنة السادسة للهجرة، وقيل في السنة الرابعة، وقيل في أواخر شهر رمضان المبارك في السنة التاسعة للهجرة.
والراجح، هو أن ولادة زينب كانت في الخامسة من الهجرة، وقد روي صاحب ناسخ التواريخ في كتابه: إن زينب أقبلت عند وفاة أمها وهي تجر رداءها وتنادي: يا أبتاه يا رسول الله، الآن عرفنا الحرمان من النظر إليك، وعليها برقعة تجر ذيلها متجلببة برداء عليها
1 - القصيدة طويلة، وقد جاء ذكرها في الكثير من المصادر التاريخية والأدبية، أنظر وفيات الأعيان لابن خلكان ج 6 ص 96، والإمام زين العابدين للمقرم ص 395.
(١٥٩)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (4)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (3)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، شهر جمادي الأولي (1)، معرفة الإمام (1)، شهر رمضان المبارك (1)، شهر شعبان المعظم (1)، الشاعر الفرزدق (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، بنو هاشم (1)، الشكر (2)، الكرم، الكرامة (2)، الوفاة (1)

صفحه 160

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٠
تسحبهما.
لقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة في حضن النبوة، ودرجت في بيت الرسالة، ورضعت لبان الوحي من صدر أمها الزهراء البتول (ع)، وغذيت بغذاء الكرامة من كف ابن عم الرسول (ص) فنشأت نشأة قدسية، وربيت تربية روحانية.
ولما غربت شمس الرسالة، وغابت الأنوار الفاطمية، وتزوج أمير المؤمنين بأمامة بنت أبي العاص، وأمها زينب بنت رسول الله، بوصية من فاطمة الزهراء، إذ قالت: … و أوصيك أن تتزوج بأمامة بنت أختي زينب، لتكون لولدي مثلي.
قامت أمامة بشؤون زينب (س) خير قيام، وكانت من النساء الصالحات القانتات العابدات.
شرفها ومجدها (س):.
قال النبي الأكرم (ص): كل بني أم ينتمون إلي عصبتهم، إلا ولد فاطمة: فإني أنا أبوهم وعصبتهم (1).
وهذا الشرف الحاصل لعقيلة البيت العلوي (س) لا مزيد عليه، فإذا ضممنا إلي ذلك أن أباها علي المرتضي، وأمها فاطمة الزهراء، وجدتها خديجة الكبري، وعمها جعفر الطيار في الجنة، وأخويها سيدا شباب أهل الجنة، وأخواتها وخالاتها أبناء رسول الله (ص)، فماذا يكون هذا الشرف؟ وإلي أين ينتهي شأوه.
ومن الشرف الذي لم يقابله شرف لزينب (ع) أن الحسين (ع) ائتمنها علي أسرار الإمامة، كما في الخبر الذي رواه الصدوق (2).
قال ابن الأثير: إنها] ع [ولدت في حياة النبي (ص)، وكانت عاقلة لبيبة جزلة، زوجها أبوها عبد الله بن جعفر، فولدت له أولادا، وكانت مع أخيها الحسين (ع) لما قتل، فحملت إلي دمشق وحضرت عند يزيد بن معاوية، وكلامها ليزيد بن معاوية - حين طلب الشامي أختها فاطمة - مشهور يدل علي عقل وقوة جنان.
وعن الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته الزينبية: ولدت زينب في حياة جدها رسول الله (ص)، وكانت لبيبة جزلة عاقلة لها قوة جنان، فإن الحسن ولد قبل وفاة جده بثمان سنين، والحسين بسبع سنين، وزينب الكبري بخمس سنين.
وعن النيسابوري في رسالته العلوية: كانت زينب ابنة علي (ع) في فصاحتها وبلاغتها و زهدها وعبادتها كأبيها المرتضي (ع) وأمها الزهراء (س).
وقال عمر أبو النصر اللبناني في كتابه - فاطمة بنت محمد (ص) -: وأما زينب بنت فاطمة (س) فقد أظهرت أنها من أكثر آل البيت جرأة وبلاغة وفصاحة، وقد استطارت
1 - أورده النبهاني في الشرف المؤبد ص 51، وقال الصباني في إسعاف الراغبين: هذه الخصوصية لأولاد فاطمة دون أولاد بقية بناتها (ص)، ورواه الطبراني وغيره بأسانيدهم المختلفة.
2 - إكمال الدين وإتمام النعمة للصدوق ص 275 ط إيران.
(١٦٠)
مفاتيح البحث: حياة النبي (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (2)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، إبن الأثير (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (2)، الشيخ الصدوق (2)، دمشق (1)، الكرم، الكرامة (2)، القتل (1)، الزوج، الزواج (1)، الوصية (1)، الوفاة (1)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (1)، دولة ايران (1)، الطبراني (1)

صفحه 161

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦١
شهرتها بما أظهرت يوم كربلاء وبعده من حجة وقوة وجرأة وبلاغة، حتي ضرب بها المثل، وشهد لها المؤرخون والكتاب.
وأخيرا قال العلامة السيد جعفر آل بحر العلوم في تحفة العالم المطبوع بالنجف: زينب الكبري زوجة عبد الله بن جعفر، تكني أم الحسن، ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت علي الحسين (ع)، وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن علي الأرض وقام لها إجلالا.
خطبتها (ع) في أهل الكوفة.
تواترت الروايات عن العلماء وأرباب الحديث بأسانيدهم عن حذلم بن كثير قال: قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدي وستين عند منصرف علي بن الحسين عليهما السلام من كربلاء، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل بهم علي الجمال بغير وطاء، وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن، فسمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول بصوت ضئيل: - وقد نهكته العلة، وفي عنقه الجامعة، ويده مغلولة إلي عنقه -: إن هؤلاء النسوة يبكين، فمن قتلنا؟!.
قال: ورأيت زينب بنت علي عليه السلام ولم أر خفرة أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام، قال: وقد أومأت إلي الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس و سكنت الأصوات.
فقالت: الحمد لله، والصلاة علي محمد وآله الطيبين الأخيار، أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل (1) والغدر، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا (2)، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم (3)، ألا وهل فيكم إلا الصلف (4) النطف (5)، والكذب الشنف (6)، وملق الإماء، وغمز الأعداء؟! أو كمرعي علي دمنة (7)، أو كفضة علي ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأني ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم، ومدره سنتكم؟ ألا ساء ما تزرون، وبعدا لكم وسحقا، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة، ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟
1 - الختل بالتحريك: الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر.
2 - أي: لا تكونوا كالتي غزلت ثم نقضت غزلها، يقال: كانت امرأة حمقاء تغزل مع جواريها إلي انتصاف النهار، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، ولا يزال ذلك دأبها.
3 - أي: خيانة ومكرا.
4 - الصلف: الادعاء تكبرا.
5 - النطف: التلطخ بالعيب.
6 - الشنف بالتحريك: البغض والتنكر.
7 - الدمنة: ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها.
(١٦١)
مفاتيح البحث: السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (1)، واقعة الطف (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة الكوفة (5)، مدينة النجف الأشرف (1)، علي بن الحسين (1)، القرآن الكريم (2)، الحج (1)، الصّلاة (1)، الضرب (1)، الزوج، الزواج (1)، العذاب، العذب (1)

صفحه 162

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٢
وأي حرمة له انتهكتم؟! ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء (1)، سوداء فقماء، خرقاء شوهاء، كطلاع الأرض (2)، أو ملاء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دما؟ ولعذاب الآخرة أخزي وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار (3)، ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم لبالمرصاد.
قال الراوي: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حياري يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخا واقفا إلي جنبي يبكي حتي اخضلت لحيته بالدموع، وهو يقول:
بأبي أنتم وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، و نسلكم خير النسل، لا يخزي ولا يبزي (4).
وكان حذلم بن كثير من فصحاء العرب، قد أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها، و أخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية، حتي أنه لم يتمكن أن يشبهها إلا بأبيها سيد البلغاء والفصحاء، فقال: كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين.
وهذه الخطبة رواها كل من كتب في وقعة الطف أو في أحوال الحسين عليه السلام.
ورواها الجاحظ في كتاب (البيان والتبيين) عن خزيمة الأسدي قال: ورأيت نساء الكوفة يومئذ قياما يندبن متهتكات الجيوب.
ورواها أيضا أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور في (بلاغات النساء)، وأبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي في (الجزء الثاني من كتابه مقتل الحسين عليه السلام)، و شيخ الطائفة في
1 - الصلعاء: الداهية، وما بعدها صفات لها في القبح والشدة.
2 - طلاع الأرض: ملؤها.
3 - الحفز: الحث والإعجال.
4 - لا يبزي أي: لا يغلب ولا يقهر، وقد فهم من قولها: أفعجبتم أن مطرت السماء دما، أن القوم لما رأوا قطرات الدم النازلة من السماء يوم قتل الحسين عليه السلام كانوا يتعجبون من ذلك، ولم يلتفتوا إلي فعلتهم الشنعاء.
ففي كامل الزيارة عن حكيم بن داود بن حكيم، عن سلمة بن الخطاب، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن عيسي، عن أسلم بن القاسم، قال: أخبرنا عمرو بن وهب، عن أبيه، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: إن السماء لم تبك منذ وضعت إلا علي يحيي بن زكريا والحسين بن علي عليهم السلام، قلت: أي شئ كان بكاؤها؟ قال: كانت إذا استقبلت بثوب وقع علي الثوب شبه أثر البراغيث من الدم.
وفي ينابيع المودة عن أبي سعيد الخدري: ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط، ولقد أمطرت السماء دما، وبقي أثره في الثياب حتي تقطعت.
وفي ينابيع المودة، عن أبي سعيد الخدري: ما رفع حجر في الدنيا الا وجد تحته دم عبيط، ولقد أمطرت السماء دما وبقي أثره في الثياب حتي تقطعت.
وقال فيه: أخرج الثعلبي وأبو نعيم: أنه أمطرت السماء دما، وزاد أبو نعيم:
فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملوءة دما.
قال: وفي رواية: أن السماء أمطرت الدم علي البيوت والجدران بخراسان والشام والعراق.
(١٦٢)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (4)، يوم عاشوراء (1)، مدينة الكوفة (1)، الخوارزمي (1)، الطهارة (1)، الخوف (1)، القتل (2)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الحافظ أبو نعيم (2)، دولة العراق (1)، أبو سعيد الخدري (2)، كتاب ينابيع المودة (2)، حكيم بن داود بن حكيم (1)، يحيي بن زكريا (1)، الحسين بن عيسي (1)، أسلم بن القاسم (1)، سلمة بن الخطاب (1)، خراسان (1)، الشام (1)، الثعلبي (1)

صفحه 163

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٣
(أماليه)، وغيرهم من أكابر العلماء.
خطبتها (ع) في مجلس ابن زياد:.
ومن بلاغتها وشجاعتها الأدبية: ما ظهر منها عليها السلام في مجلس ابن زياد.
قال السيد ابن طاوس وغيره ممن كتب في مقتل الحسين عليه السلام: إن ابن زياد جلس في القصر وأذن إذنا عاما، وجئ برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه، وأدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه (1)، وجاءت زينب ابنة علي عليه السلام وجلست متنكرة، فسأل ابن زياد من هذه المتنكرة؟ فقيل له: هذه زينب ابنة علي، فأقبل عليها فقال:
الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم (2).
فقالت عليها السلام: إنما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق، وهو غيرنا.
فقال: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟.
فقالت: ما رأيت إلا خيرا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلي مضاجعهم، و سيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا بن مرجانة.
فغضب اللعين وهم أن يضربها، فقال له عمرو بن حريث: إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها.
فقال لها ابن زياد لعنه الله: لقد شفي الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك.
فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت.
١ - في رواية المفيد: فأدخل عيال الحسين بن علي عليهما السلام علي ابن زياد، فدخلت زينب أخت الحسين في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها، ومضت حتي جلست ناحية و حفت بها إماؤها، فقال ابن زياد لعنه الله: من هذه التي انحازت فجلست ناحية ومعها نساؤها؟ فلم تجبه زينب، فأعاد ثانية يسأل عنها فقالت له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم … الخ.
٢ - يريد بالأحدوثة: دين جدها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكانت في ابن زياد لكنة أعجمية يبدل الحاء هاء.
قال الجاحظ: كانت اللكنة فيه، لأنه نشأ بالأساورة مع أمه مرجانة، وكان زياد تزوجها من شيرويه الأسواري.
وقال مرة: إفتحوا سيوفكم، يريد: سلوا سيوفكم، فقال يزيد بن مفرغ:.
ويوم فتحت سيفك من بعيد - أضعت وكل أمرك للضياع.
وفي المعارف لابن قتيبة: كانت في ابن زياد لكنة.
وفي كامل المبرد: كان ابن زياد ألكن، يرتضخ لغة فارسية، وقال لرجل مرة: - واتهمه برأي الخوارج - أهروري منذ اليوم؟ يريد: أحروري.
(١٦٣)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيد إبن طاووس (1)، عمرو بن حريث (1)، الضرب (1)، القتل (2)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الخوارج (1)

صفحه 164

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٤
فقال لعنه الله: هذه سجاعة، ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا.
فقالت: يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة، إن لي عن السجاعة لشغلا.
موقفها الصلب (ع) في مجلس يزيد ومن ذلك: خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية في الشام (1)، رواها جماعة من العلماء في مصنفاتهم، وهي من أبلغ الخطب وأفصحها، عليها أنوار الخطب العلوية، وأسرار الخطبة الفاطمية (2)، ونحن ننقلها هنا من الإحتجاج للطبرسي.
قال: روي شيخ صدوق من مشائخ بني هاشم وغيره من الناس: إنه لما دخل علي بن الحسين عليهما السلام وحرمه علي يزيد، وجئ برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طشت، وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يقول:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل.
فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقالت: الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأي أن كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزئون (3)، أظننت يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسراء - أن بنا هوانا علي الله وبك عليه كرامة؟ و أن ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك (4) فرحا، و تنفض مذوريك مرحا، جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (5)، والأمور متسقة، حين صفا لك ملكنا وسلطاننا؟ فمهلا (6)، مهلا، أنسيت قول الله تعالي: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين)؟ (7) أمن العدل يا بن الطلقاء (8) تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت
١ - رواها أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور في كتابه بلاغات النساء، والخوارزمي في المقتل.
2 - المراد بها خطبة فدك التي قدمنا أسانيدها عنها.
* الروم: الآية 10.
4 - تضرب أصدريك أي: منكبيك، وتنفض مذوريك، المذوران: جانبا الأليتين، ولا واحد لهما، وقيل: هما طرفا كل شئ، يقال: جاء فلان ينفض مذوريه: إذا جاء باغيا يتهدد، و كذلك إذا جاء فارغا في غير شغل.
5 - مستوسقة أي: مجتمعة، ومتسقة أي: منتظمة.
6 - يقال: مهلا يا رجل، وكذا للأنثي والجمع بمعني أمهل، والمهلة بالضم: السكينة، و كذا المهل بالسكون والحركة.
* آل عمران، الآية 178.
8 - الطلقاء هم: أبو سفيان ومعاوية وبقية الأمويين الذين أطلقهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم الفتح، فقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء، وبهذا صاروا عبيدا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هم وذريتهم إلي يوم القيامة.
(١٦٤)
مفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، كتاب الإحتجاج للطبرسي (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، علي بن أبي طالب (1)، علي بن الحسين (1)، بنو هاشم (1)، الشام (1)، الضرب (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الدولة الأموية (1)، يوم القيامة (1)، الخوارزمي (1)، الطهارة (1)

صفحه 165

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٥
وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلي بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، و يتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي؟ وكيف يرتجي مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟! وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان؟! ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم.
لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل.
منحنيا علي ثنايا أبي عبد الله - سيد شباب أهل الجنة - تنكثها بمخصرتك (1)، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة (2)، واستأصلت الشأفة (3)، بإراقتك دماء ذرية محمد صلي الله عليه وآله وسلم، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب؟ وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم، فلتردن وشيكا (4) موردهم، ولتودن أنك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت، اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا، فوالله يا يزيد ما فريت (5) إلا جلدك، ولا حززت إلا لحمك، و لتردن علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بما تحملت من دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله تعالي شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، وحسبك بالله حاكما، وبمحمد صلي الله عليه وآله وسلم خصيما، وبجبرائيل ظهيرا، و سيعلم من سول لك وأمكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا، وأيكم شر مكانا و أضعف جندا، ولئن جرت علي الدواهي (6) مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك: لكن العيون عبري، والصدور حري، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف (7) من دمائنا، والأفواه تتحلب (8) من لحومنا، وتلك
1 - المخصرة بكسر الميم: كالسوط، وكلما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصي ونحوها، وكانت الخلفاء تحمل هذه المخصرة.
2 - نكأت القرحة بالهمزة من باب منع: كثر جراحها.
3 - استأصلت الشأفة، استأصل الشئ: إذا قطعه من أصله، قال في القاموس: الشأفة قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوي وتذهب، وإذا قطعت مات صاحبها، والأصل: استأصل الله شأفته: أذهبه كما تذهب تلك القرحة، أو أزاله من أصله.
4 - وشيكا، أي: سريعا.
5 - الفري: القطع.
6 - الدواهي جمع داهية، وهي النازلة بالانسان من بلاء وغيره، ومخاطبتك إما بالرفع فاعل جرت، أي: ان أوقعت مخاطبتك علي النوازل فلست أبالي بك ولا أعظم قدرك، أو بالنصب مفعول، والفاعل الدواهي، أي: إن أوقعتني دواهي الزمان إلي الاحتياج لمخاطبتك:
فلست معظمة لقدرك.
7 - تنطف بكسر الطاء وضمها أي: تقطر.
8 - في القاموس: تحلب عينه وفوه أي: سالا.
(١٦٥)
مفاتيح البحث: القتل، القتال في سبيل الله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حزب الله (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، القرح (3)، الموت (1)، المنع (1)

صفحه 166

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٦
الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل (1)، وتعفرها أمهات الفراعل (2)، ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، وما ربك بظلام للعبيد، وإلي الله المشتكي، وعليه المعول، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا تدحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند (3)، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله علي الظالمين، فالحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فقال يزيد:.
يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون النوح علي النوائح (4).
ومن شجاعتها الأدبية في مجلس يزيد:.
ما نقله أرباب المقاتل وغيرهم من رواة الأخبار: إن يزيد لعنه الله دعا بنساء أهل البيت والصبيان فأجلسوا بين يديه في مجلسه المشؤوم، فنظر شامي إلي فاطمة بنت الحسين، فقام إلي يزيد وقال: يا أمير هب لي هذه الجارية تكون خادمة عندي، قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام: فارتعدت فرائصي، وظننت أن ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمتي زينب، فقلت: عمتاه أوتمت وأستخدم؟ فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولؤمت، ما جعل الله ذلك لك ولا لأميرك، فغضب يزيد وقال: كذبت والله، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلا، والله ما جعل الله ذلك لك، إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا، فاستطار يزيد غضبا وقال: إياي تستقبلين بهذا الكلام؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، فقالت زينب: بدين أبي وأخي اهتديت أنت و أبوك وجدك، إن كنت مسلما، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت: يا يزيد أنت أمير تشتم ظالما، وتقهر بسلطانك، فكأنه استحيي وسكت، فأعاد الشامي كلامه: هب لي هذه الجارية، فقال له يزيد: أسكت وهب الله لك حتفا قاضيا.
وروي السيد ابن طاوس في اللهوف هذه الرواية كما يأتي: قال نظر رجل من أهل الشام إلي فاطمة بنت الحسين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمتها زينب عليها السلام: أوتمت وأستخدم؟ فقالت زينب عليها السلام: لا، ولا كرامة
1 - العواسل: الذئاب السريعة العدو. 2 - أمهات الفراعل: الضباع، جمع فرعل، وهو ولد الضبع، والتعفير معلوم.
3 - الفند: الكذب، وهو بالتحريك، قيل: ويقال لضعف الرأي الفند أيضا.
4 - قوله: يا صيحة تحمد …، ليس هذا جواب مثل الخطبة الغراء الفريدة، ومثل يزيد الذي يقال عنه إنه كان من رجال الفصاحة والبلاغة، وإنه قال الشعر وهو ابن سبع سنوات، لا يخفي عليه ذلك، لكن الخطبة الكريمة ألجمته بأسلوبها البليغ، وبيانها الآخذ بالألباب، فلم يكن قادرا علي أن يجيبها بشئ سوي هذا البيت الذي وصف الحالة ليس إلا.
(١٦٦)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (2)، السيد إبن طاووس (1)، كتاب اللهوف في قتلي الطفوف (1)، الشام (1)، الكذب، التكذيب (3)، الظلم (1)، الوسعة (1)، الشهادة (1)، الكرم، الكرامة (1)

صفحه 167

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٧
لهذا الفاسق، فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين] عليه السلام [(1)، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب، فقال الشامي: الحسين بن فاطمة، وعلي بن أبي طالب؟ قال: نعم، فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد! أتقتل عترة نبيك وتسبي ذريته، والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم، فقال يزيد: لألحقنك بهم، ثم أمر به فضربت عنقه.
إن بلاغة زينب عليها السلام وشجاعتها الأدبية ليست من الأمور الخفية، وقد اعترف بها كل من كتب في وقعة كربلاء، ونوه بجلالتها أكثر أرباب التاريخ.
ولعمري إن من كان أبوها علي بن أبي طالب، الذي ملأت خطبه العالم، وتصدي لجمعها و تدوينها أكابر العلماء، وأمها فاطمة الزهراء، صاحبة خطبة فدك الكبري، وصاحبة الخطبة الصغري التي ألقتها علي مسامع نساء قريش، ونقلها النساء لرجالهن.
نعم، إن من كانت كذلك فحرية بأن تكون بهذه الفصاحة والبلاغة، وأن تكون لها هذه الشجاعة الأدبية.
ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الأعظم، والخليفة الظاهري علي عامة بلاد الإسلام، تؤدي مختلف الفرق والأمم له الجزية، في مجلسه الذي أظهر فيه أبهة الملك، وملأه بهيبة السلطان، وقد جردت علي رأسه السيوف، واصطفت حوله الجلاوزة، وهو وأتباعه علي كراسي الذهب والفضة، وتحت أرجلهم الفرش من الديباج والحرير.
وهي صلوات الله عليها في ذل الأسر، دامية القلب، باكية الطرف، حري الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة، ودار عليها حسادها من كل صوب.
ومع ذلك كله ترمز للحق بالحق، وللفضيلة بالفضيلة، فتقول ليزيد: - غير مكترثة بهيبة ملكه، ولا معتنية بأبهة سلطانه: أمن العدل يا بن الطلقاء، وتقول له أيضا:
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك: إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك.
1 - فاطمة الصغري بنت الحسين عليه السلام، هي من عالمات نساء أهل البيت عليهم السلام، تروي الحديث عن أبيها وعن أم سلمة وأم هاني، وعن عمتها زينب الكبري، وعن أخيها زين العابدين، ويروي عنها ولدها عبد الله وغيره، استودعها أبوها الحسين عليه السلام مواريث الأنبياء، وسلمتها إلي السجاد بعد برئه من المرض، وكأن الله عز و جل صرف عن هذه المواريث أبصار الظالمين،. أم فاطمة هذه أم إسحاق بنت طلحة.
وفي الخبر: إن الحسن بن الحسن عليه السلام سأل عمه الحسين أن يزوجه إحدي ابنتيه، فاختار له الحسين عليه السلام فاطمة هذه، وقال له: هي أكثر شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله عليهما السلام.
وخطبتها عليها السلام في الكوفة تنبئ أنها كانت علي جانب عظيم من العلم والفضل، و في بعض الأخبار أنها كانت عندها أشياء من آثار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.
توفيت في المدينة علي الأصح، وقيل: بمصر.
(١٦٧)
مفاتيح البحث: السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (1)، واقعة الطف (1)، علي بن أبي طالب (2)، فاطمة بنت الحسين (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الصّلاة (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، مدينة الكوفة (1)، نساء أهل البيت عليهم السلام (1)، الظلم (1)، المرض (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)

صفحه 168

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٨
فهذا الموقف العظيم الذي وقفته هذه السيدة الطاهرة مثل الحق تمثيلا، وأضاء إلي الحقيقة لطلابها سبيلا، وأفحمت يزيد ومن حضر مجلسه المشؤوم بذلك الأسلوب الراقي من البلاغة، وأبهتت العارفين منهم بما أخذت به مجامع قلوبهم من الفصاحة، فخرست الألسن وكمت الأفواه، وصمت الآذان، وصعقت تلك النفس النورانية القاهرة منها عليها السلام تلك النفوس الخبيثة الرذيلة، من يزيد وأتباعه، بصعقة الحق والفضيلة، حتي بلغ به الحال أنه صبر علي تكفيره وتكفير أتباعه، ولم يتمكن من أن ينبس ببنت شفة، يقطع كلامها، أو يمنعها من الاستمرار في خطابتها، وهذا هو التصرف الذي يتصرف به أرباب الولاية متي شاءوا وأرادوا، بمعونة الباري تعالي لهم، وإعطائهم القدرة علي ذلك.
زهدها (س) وانقطاعها في سبيل نصرة الدين:.
كانت عليها السلام في بيت زوجها عبد الله بن جعفر الجواد، وهو من علمت في ثروته و يساره، وكثرة أمواله وخدمه وحشمه يوم ذاك، وكانت تخدمها العبيد والإماء والأحرار، ويطوف حول بيتها ذوو الحوائج وطالبو المعونة، وكان بيتها الرفيع و حرمها المنيع لا يضاهيه في العز والشرف، وبعد الصيت إلا بيوت الخلفاء والملوك.
فتركت ذلك كله لوجه الله، وانقطعت عن علائق الدنيا بأسرها في سبيل الله، وأعرضت عن زهرة الحياة من المال والبيت والزوج والولد والخدم والحشم، وصحبت أخاها الحسين عليه السلام، ناصرة لدين الله، باذلة النفس والنفيس لإمامها ابن بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، مع علمها بجميع ما سيجري عليها من المصائب والنوائب، كما سمعته في حديث أم أيمن، مؤثرة الآخرة علي الدنيا والآخرة خير وأبقي.
ومن زهدها عليها السلام بالدنيا وعدم ركونها إلي نعيمها: هو ما رواه البكري و غيره: إن يزيد بن معاوية لعنه الله لما عزم علي إرجاع سبايا آل الرسول (ص) من الشام إلي المدينة - بعد أن أحس بغضب الرأي العام عليه في قتله الحسين عليه السلام، و سبيه بنات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يطاف بهن من بلد إلي بلد: خاف عاقبة أمره، وأظهر أن هذه الأعمال لم تكن برضي منه، وصار يلعن عبيد الله بن زياد علي رؤوس الأشهاد.
ومن جملة أعماله التي كان يراها بزعمه تبرئ أفعاله: أن صب الأموال العظيمة علي الأنطاع، وأحضر أهل بيت النبوة، وقال لزينب: يا أم كلثوم، خذي هذه الأموال عوضا عن الحسين، واحسبي كأن قد مات، فقالت: يا يزيد ما أقسي قلبك، تقتل أخي وتعطيني المال، والله لا كان ذلك أبدا، وخرجت مع أهل بيتها، ولم تقبل منه شيئا، وقد رد عليهن بعض ما كان أخذ منهن، وفي ذلك مغزل فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم ومقنعتها وقلادتها وقميصها عليها السلام.
وهذه الرواية رويت عن أبي مخنف أيضا بتغيير يسير.
ومن زهدها: ما روي عن السجاد عليه السلام من أنها صلوات الله عليها ما ادخرت شيئا من يومها لغدها أبدا.
وروي المجلسي وغيره: إن الرسول الذي ساير أهل البيت في طريقهم من الشام إلي المدينة كان قد أحسن صحبته لهم، ولما قربوا من المدينة قالت فاطمة بنت أمير المؤمنين عليه
(١٦٨)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، سبايا أهل البيت عليهم السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (1)، العلامة المجلسي (1)، عبيد الله بن زياد لعنه الله (1)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، سبيل الله (1)، الشام (2)، العزّة (1)، القتل (2)، الموت (1)، الزوج، الزواج (2)، الصّلاة (1)، الصبر (1)، الجود (1)

صفحه 169

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٩
السلام لأختها زينب: قد وجب علينا حق هذا لحسن صحبته لنا، فهل لك أن تصليه؟ قالت:
والله ما لنا ما نصله به إلا أن نعطيه حلينا، قالت فاطمة: فأخذت سواري ودملجي و سوار أختي ودملجها، فبعثنا به إليه واعتذرنا من قلتها.
انقطاعها (ع) إلي الله رغم المصيبة:.
روي عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال: إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلي الشام ما تركت نوافلها الليلية.
وروي أن الحسين عليه السلام لما ودع أخته زينب عليها السلام وداعه الأخير قال لها: يا أختاه، لا تنسيني في نافلة الليل.
وفي مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري: قالت فاطمة بنت الحسين عليهما السلام:
وأما عمتي زينب، فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة - أي: العاشرة من المحرم - في محرابها تستغيث إلي ربها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لنا رنة.
وروي بعض المتتبعين عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلي الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك فقالت: أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال، لأنها كانت تقسم ما يصيبها من الطعام علي الأطفال، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة.
أقول: فإذا تأمل المتأمل إلي ما كانت عليه هذه الطاهرة من العبادة لله تعالي والانقطاع إليه لم يشك في عصمتها صلوات الله عليها، وأنها كانت من القانتات اللواتي وقفن حركاتهن وسكناتهن وأنفاسهن للباري تعالي، وبذلك حصلن علي المنازل الرفيعة والدرجات العالية، التي حاكت برفعتها منازل المرسلين ودرجات الأوصياء عليهم الصلاة والسلام.
كراماتها (ع) لدي الله تعالي:.
قال الفاضل في الأسرار: لما قتل الحسين روحي له الفداء، أمر عمر بن سعد لعنه الله أن تطأ الخيل عليه غدا، فسمعت فضة جارية الحسين عليه السلام فحكت لزينب أخته فقالت:
ما الحيلة؟ قالت زينب: إن سفينة (1) عبد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نجاه الأسد
1 - سفينة: مولي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، اختلف في اسمه علي أحد وعشرين قولا، تجدها في الإصابة لابن حجر، والذي صححه أهل التحقيق أن اسمه مهران، وكان أصله من فارس، فاشترته أم سلمة رضوان الله عليها، ثم أعتقته واشترطت عليه أن يخدم النبي صلي الله عليه وآله وسلم، قال ابن حجر: وقد روي عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم، وعن أم سلمة وعلي، وعنه ولده عبد الرحمن وعمر وسالم بن عبد الله بن عمر وأبو ريحانة وغيرهم.
قال حماد بن سلمة: عن سعيد بن جهمان، عن سفينة: كنت مع النبي صلي الله عليه وآله و سلم في سفر، فكان بعض القوم إذا أعيي ألقي علي ثوبه، حتي حملت من ذلك شيئا كثيرا، فقال: (ما أنت إلا سفينة)، وكان يسكن بطن نخلة.
وأما قصته مع الأسد: إنه سافر بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم في البحر، فانكسرت السفينة التي كان فيها بأهلها، فخرج سفينة إلي جزيرة من جزائر البحر يمشي وحده، فلما مشي ساعة لقي أسدا، فقال له: أيها الأسد أنا سفينة عبد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فأقبل الأسد نحوه وأشار إليه: إركب، فركب علي ظهره، فأسرع في المشي حتي أتي به بلده، فرآه الناس علي ظهر الأسد، فأنزله الأسد ورجع.
(١٦٩)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، كتاب مثير الأحزان (1)، مدينة الكوفة (1)، الشام (2)، الطعام (1)، القتل (1)، الصّلاة (2)، السفينة (7)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، سالم بن عبد الله (1)، حماد بن سلمة (1)

صفحه 170

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٠
علي ظهره لما قال له: أنا عبد رسول الله، وسمعت أن في هذه الجزيرة أسدا، فامضي إليه فقولي له: إن عسكر ابن سعد يريدون غدا أن يطأوا بخيولهم ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فهل أنت تاركهم؟ فلما مضت إليه الجارية وقالت ما قالته زينب، إلي قولها: (فهل أنت تاركهم)؟ أشار برأسه: لا، فلما كان الغد أقبل الأسد يأز أزا، والعسكر واقف فظن ابن سعد أنه جاء يأكل من لحوم الموتي، فقال: دعوه نري ما يصنع، فأقبل يدور حول القتلي حتي وقف علي جسد الحسين عليه السلام، فوضع يده علي صدره، وجعل يمرغ خده بدمه ويبكي، فلم يجسر أحد أن يقربه، فقال ابن سعد: فتنة فلا تهيجوها، فانصرفوا عنه.
قال: هكذا ذكروا مجئ الأسد إلي المصرع في كتب جمع من أصحاب المقاتل.
وفي المنتخب: لما قتل الحسين عليه السلام، أراد القوم أن يوطئوه الخيل، فقالت فضة (1)
١ - فضة: هي جارية الزهراء عليها السلام، اشتراها لها أمير المؤمنين عليه السلام، قيل: إنها كانت من بنات الملوك، ملك الهند كما قال البرسي، أو ملك الحبشة كما قال غيره، كانت عندها ذخيرة من الإكسير صنعت النحاس ذهبا، فأرته لأمير المؤمنين عليه السلام، فأراها عليه السلام كنوز الأرض، ثم قال: يا فضة، إنا ما خلقنا لهذا.
وفي البحار عن أبي القاسم القشيري في كتابه، قال بعضهم: انقطعت عن الطريق في البادية عن القافلة، فوجدت امرأة فقلت لها: من أنت؟ فقالت: (وقل سلام فسوف تعلمون)، فسلمت عليها وقلت: ما تصنعين هاهنا؟ قالت: (من يهدي الله فلا مضل له)، فقلت: أمن الجن أنت أم من الإنس؟ قالت: (يا بني آدم خذوا زينتكم)، فقلت: من أين أقبلت؟ فقالت:
(ينادون من مكان بعيد)، قلت: أين تقصدين؟ قالت: (ولله علي الناس حج البيت)، فقلت:
متي انقطعت عن القافلة؟ قالت: (ولقد خلقنا السماوات والأرض في ستة أيام)، فقلت:
أتشتهين طعاما؟ فقالت: (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام)، فأطعمتها، ثم قلت:
هرولي واستعجلي، قالت: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، فقلت: أردفك؟ فقالت: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)، فنزلت فأركبتها، فقالت: (سبحان الذي سخر لنا هذا)، فلما أدركنا القافلة قلت: ألك أحد فيها؟ قالت (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض)، (وما محمد إلا رسول)، (يا يحيي خذ الكتاب)، (يا موسي إني أنا الله)، فصحت بهذه الأسماء فإذا أنا بأربعة شباب متوجهين نحوها، فقلت: من هؤلاء منك؟ قالت: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، فلما أتوها قالت: (يا أبتاه استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)، فكافؤني بأشياء، فقالت: (والله يضاعف لمن يشاء)، فزادوا علي فسألتهم عنها، فقالوا: هذه أمنا فضة، جارية الزهراء عليها السلام، ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن.
(١٧٠)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، البكاء (1)، القتل (2)، الموت (1)، الأكل (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، القرآن الكريم (1)، الهند (1)، الطعام (1)، الحج (1)

صفحه 171

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧١
لزينب عليها السلام: يا سيدتي إن سفينة صاحب رسول الله كان بمركب، فضربته الريح فتكسر، فسبح فقذفه البحر إلي جزيرة، فإذا هو بأسد، فدنا منه فخشي سفينة أن يأكله، فقال: يا أبا الحارث أنا مولي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فهمهم بين يديه حتي أوقفه علي الطريق، فركب ونجا سالما، وأري أسدا في خلف مخيمنا، فدعيني أمضي إليه فأعلمه بما هم صانعون غدا، فقالت: (شأنك)، قالت: فمضيت إليه فقلت: يا أبا الحارث، فرفع رأسه، ثم قلت: أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد الله عليه السلام؟ يريدون أن توطئ الخيل ظهره، قالت: فقام الأسد فمشي حتي وضع يديه علي جسد الحسين عليه السلام، وجعل يمرغ وجهه بدم الحسين عليه السلام ويبكي إلي الصباح، فلما أصبح بنو أمية أقبلت الخيل يقدمهم الأخنس لعنه الله، فلما نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد: فتنة لا تثيروها، انصرفوا: فانصرفوا.
قال الإسفرائيني: روي عن زينب أخت الحسين عليهما السلام عند هجوم القوم علي الخيام أنها قالت: دخل علينا رجال وفيهم رجل أزرق العيون، فأخذ كل ما كان في خيمتنا التي كنا مجتمعين فيها … إلي أن قالت: فقلت له: قطع الله يديك ورجليك، وأذاقك الله النار في الدنيا قبل الآخرة، قال: فما كان إلا قليل حتي ظهر المختار الثقفي طالبا بثأر الحسين عليه السلام، فوقع في يده ذلك الرجل - وهو خولي بن يزيد الأصبحي - فقال المختار: ما فعلت بعد قتل الحسين؟ فذكر أفعاله التي فعلها ودعوتها (ع) عليه، فقطع المختار يديه ورجليه وأحرقه بالنار.
تزويجها (ع) بعبد الله بن جعفر وشئ من حياته:.
لما بلغت زينب صلوات الله عليها مبلغ النساء، ودخلت من دور الطفولة إلي دور الشباب، خطبها الأشراف من العرب ورؤساء القبائل، فكان أمير المؤمنين عليه السلام يردهم، ولم يجب أحدا منهم في أمر زواجها.
وممن خطبها عليها السلام الأشعث بن قيس، وكان من ملوك كندة - علي ما في الإصابة - فزبره أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: يا بن الحائك أغرك ابن أبي قحافة حين زوجك أخته؟ والحائك هنا: المحتال أو الكذاب (1)، وكان أبو بكر زوج أخته أم فروة بنت أبي قحافة من الأشعث، وذلك أن الأشعث ارتد فيمن ارتد من الكنديين، وأسر فأحضر إلي أبي بكر، فأسلم وأطلقه وزوجه أخته المذكورة، فأولدها محمد بن الأشعث، وهو أحد قتلة الحسين عليه السلام.
إن الذي كان يدور في خلد أمير المؤمنين عليه السلام أن يزوج بناته من أبناء إخوته، ليس إلا امتثالا لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم (2)، حين نظر إلي أولاد علي و جعفر، وقال:
1 - في المجمع: ذكر حائك عند أبي عبد الله عليه السلام، وأنه ملعون، فقال عليه السلام: إنما ذلك الذي يحوك الكذب علي الله ورسوله.
2 - في البحار: عن الخزاز القمي: نظر النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي أولاد علي وجعفر، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: (بناتنا لبنينا، وبنونا لبناتنا).
(١٧١)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (5)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (1)، عمر بن سعد لعنه الله (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (1)، المختار بن أبي عبيدة الثقفي (1)، كتاب الأشراف للشيخ المفيد (1)، خولي بن يزيد الأصبحي (1)، بنو أمية (1)، محمد بن الأشعث (1)، الزوج، الزواج (2)، البكاء (1)، القتل (2)، الصّلاة (1)، الأكل (1)، السفينة (2)، الكذب، التكذيب (1)

صفحه 172

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٢
بناتنا لبنينا، وبنونا لبناتنا، ولذلك دعا بابن أخيه عبد الله بن جعفر، وشرفه بتزويج تلك الحوراء الإنسية إياه علي صداق أمها فاطمة عليها السلام (أربعمئة و ثمانين درهما)، ووهبها إياه من خالص ماله عليه السلام.
ويجدر بنا هاهنا أن نذكر شيئا من حياة عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، فنقول:
هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف، يلقب بالجواد، ويكني بأبي محمد، وأشهر كناه أبو جعفر.
أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، أخت ميمونة بنت الحرث - أم المؤمنين - لأمها، وهي أم ولد جعفر بن أبي طالب جميعا، ولما قتل عنها جعفر تزوجها أبو بكر، فولدت له محمدا، ولما توفي عنها تزوجها أمير المؤمنين عليه السلام، فولدت له يحيي بن علي، توفي في حياة أبيه عليه السلام، هذا قول أبي الفرج الأصبهاني في المقاتل، وقيل: ولدت له يحيي ومحمدا الأصغر.
وفي مناقب ابن شهرآشوب: محمد الأصغر، كان يكني أبا بكر، قتل يوم الطف، وقيل:
كانت أمه أم ولد، وقيل: إنه مات في حياة أبيه أيضا، وأبو بكر المقتول يوم الطف من ليلي بنت مسعود النهشلية، وهو الصحيح.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر ابن الكلبي: إن عون بن علي، أمه أسماء بنت عميس، ولم يقل ذلك غيره (1).
وهاجرت أسماء مع زوجها جعفر إلي الحبشة، فولدت له أولاده هناك.
وكانت أسماء من القانتات العابدات، روت الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وعن علي والزهراء عليهما السلام، وروي عنها كثيرون، منهم: ابنها عبد الله ابن جعفر، وحفيدها القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو جد إمامنا الصادق عليه السلام لأمه، وروي عنها عبد الله بن عباس رضي الله عنه، و هو ابن أختها لبابة بنت الحارث.
قيل: وكان عمر يسألها عن تفسير المنام، و نقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره.
وفي الإصابة: ويقال إنها لما بلغها قتل ولدها محمد بمصر قامت إلي مسجد بيتها، و كظمت غيظها حتي شخب ثدياها دما.
وكان جعفر بن أبي طالب من المقربين إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، هاجر إلي الحبشة بأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فأسلم النجاشي ومن تبعه علي يديه.
قال الشعبي: وقدم المدينة عند فتح خيبر، فالتزمه النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وجعل يقبل بين عينيه ويقول: ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر؟.
وكان اسلام جعفر بأمر أبيه أبي طالب في السنة التي بعث فيها النبي صلي الله عليه وآله وسلم.
وكان يصلي مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وخديجة عليها السلام والناس عاكفون علي الأصنام.
1 - ويروي، أن أسماء أول من تزوجها هو حمزة بن عبد المطلب، وأنها ولدت له بنتا تسمي أمة الله، وقيل: أمامة.
(١٧٢)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، جعفر بن أبي طالب عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، يوم عاشوراء (2)، عبد الله بن عباس (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (2)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، القاسم بن محمد بن أبي بكر (1)، أسماء بنت عميس (1)، خيبر (2)، يحيي بن علي (1)، ابن شهرآشوب (1)، محمد الأصغر (1)، القتل (3)، الموت (1)، الزوج، الزواج (1)، السجود (1)، حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء عليه السلام (1)

صفحه 173

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٣
وعن ابن إسحاق: أنه أسلم بعد خمسة وعشرين رجلا، وقيل: بعد واحد وثلاثين.
والذي يدل علي صحة ما اخترناه: ما نقله عامة أهل السير، ورواه الرواة باسنادهم عن عمران بن حصين: أن أبا طالب قال لابنه جعفر: - حين رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم يصلي وخلفه علي عليه السلام - صل جناح ابن عمك.
وفي الأمالي للصدوق باسناده عن محمد بن عمر الجرجاني قال: قال الصادق عليه السلام:
أول جماعة كانت أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام معه، إذ مر أبو طالب ومعه ولده جعفر، فقال: يا بني صل جناح ابن عمك، فلما أحسه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تقدمهما وانصرف أبوه مسرورا، وهو يقول:.
ان عليا وجعفرا ثقتي - عند ملم الزمان والنوب.
والله لا أخذل النبي ولا - يخذله من بني ذو حسب.
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما - أخي لأمي من بينهم وأبي.
قال: فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم.
وقد جاءت في جعفر عليه السلام أخبار كثيرة تدل علي سمو قدره وعظم شأنه. قال ابن حجر: كان أبو هريرة يقول: انه أفضل الناس بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم.
قال: وفي البخاري عنه: كان جعفر خير الناس للمساكين.
وقال خالد الحذاء عن عكرمة: سمعت أبا هريرة يقول: ما احتذي النعال ولا ركب المطايا ولا وطأ التراب بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أفضل من جعفر ابن أبي طالب.
وعنه: كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويخدمهم ويخدمونه ويحدثهم ويحدثونه، فكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يكنيه أبا المساكين.
قال: وقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أشبهت خلقي وخلقي، رواه البخاري.
وفي التذكرة لسبط بن الجوزي: استشهد جعفر بمؤتة في أرض البلقاء إلي الحجاز، وذلك في جمادي الأولي سنة ثمان من الهجرة.
قال ابن إسحاق: وسبب هذه الغزاة: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعث الحرث بن عمير الأزدي إلي ملك بصري بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله، ولم يقتل لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم غيره، فشق ذلك علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فندب الناس وعسكر بالحرب، وهم ثلاثة آلاف، و شيعهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي ثنية الوداع، فساروا حتي نزلوا مؤتة، فالتقاهم هرقل في أربعمئة الف، منهم أربعون ألفا مقرنين، فالتقوا فثبت المسلمون، ثم قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة، وكانوا امراء الجيش.
قال ابن سعد في الطبقات: قال ابن عمر: وجد فيما أقبل من بدن جعفر ما بين منكبيه تسعون ضربة، بين طعنة رمح وضربة سيف.
وقال: إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم نعي جعفرا وزيدا وابن رواحة قبل أن يجئ خبرهم، نعاهم وعيناه تذرفان.
(١٧٣)
مفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (11)، كتاب أمالي الصدوق (1)، شهر جمادي الأولي (1)، أبو هريرة العجلي (2)، محمد بن عمر الجرجاني (1)، زيد بن حارثة (1)، عمران بن حصين (1)، خالد الحذاء (1)، القتل (2)، الصّلاة (2)، الشهادة (1)

صفحه 174

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٤
وفي الطبقات قال: بالاسناد إلي عبد الله بن جعفر: دخل رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم علي أمي فنعي إليها أبي، ومسح علي رأسي ورأس أخي وعيناه تذرفان بالدموع، ثم قال: اللهم ان جعفرا قد قدم إلي أحسن الثواب، فأخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته، ثم قال صلي الله عليه وآله وسلم:] يا [أسماء ألا أبشرك، أن الله قد جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة؟.
وقال: أمهل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم آل جعفر ثلاثا بعد ما جاء نعيه، ثم أتاهم، وجئ بحجام فحلق رؤوس أولاده محمد وعون وعبد الله، وقال: أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عون فشبيه خلقي وخلقي، ثم أخذ بيد عبد الله ودعا له وكان عبد الله بن جعفر ممن صحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحفظ حديثه، ثم لازم أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام، وأخذ منهم العلم الكثير.
وجاء في الاستيعاب: وكان كريما جوادا، ظريفا خليقا، عفيفا، سخيا، يسمي بحر الجود.
وجاء أيضا: انه لم يكن في الاسلام أسخي منه.
وقال في الإصابة: قال ابن جريح: أنبأنا جعفر بن خالد بن سارة: أن أباه أخبره عن عبد الله بن جعفر قال: مسح رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رأسي وقال: اللهم اخلف جعفرا في ولده.
وقال: كنا نلعب فمر بنا علي دابة، فحملني أمامه، أخرجه أحمد وغيره بسند قوي.
قال: ومن طريق محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، إلي أن قال: فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: وأما عبد الله فيشبه خلقي و خلقي، ثم أن قال: فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي، ثم أخذ بيدي فقال: اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، قالها ثلاث مرات.
وفيه: وأنا وليهم في الدنيا والآخرة.
وقال البغوي: حدثنا القواريري، حدثنا عبد الله بن داود، عن قطر بن خليفة، عن أبيه، عن عمرو بن حريث: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مر بعبد الله بن جعفر وهو يبيع مع الصبيان، فقال: اللهم بارك في بيعه أو صفقته.
وقال ابن حيان: كان يقال لعبد الله بن جعفر قطب السخاء، وكان له عند موت النبي (ص) عشر سنين.
وفي التذكرة عن صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن الزبير أنه قال لعبد الله بن جعفر: أتذكر إذ لقينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنا وأنت وابن عباس؟
فقال له عبد الله بن جعفر: نعم فحملنا وتركك.
وروي ابن سعد بإسناده عنه قال: كان رسول الله إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته، وأنه صلي الله عليه وآله وسلم جاء مرة فسبقت إليه، فحملني فجعلني بين يديه، ثم جئ بأحد ابني فاطمة الحسن والحسين عليهما السلام فأردفه خلفه، فدخلنا المدينة ثلاثة علي دابة.
(١٧٤)
مفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (9)، عبد الله بن عباس (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (7)، عبد الله بن الزبير (1)، عمرو بن حريث (1)، السخاء (1)

صفحه 175

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٥
كان عبد الله بن عمر إذا لقي عبد الله بن جعفر يقول له: السلام عليك يا بن ذي الجناحين.
قلت: وأخبار عبد الله بن جعفر في الكرم كثيرة، وكان بدعوة النبي صلي الله عليه و آله وسلم من أيسر بني هاشم وأغناهم، وله في المدينة وغيرها قري وضياع و متاجرة، عدا ما كانت تصله من الخلفاء من الأموال، وكان بيته محط آمال المحتاجين، و كان لا يرد سائلا قصده، وكان يبدأ الفقير بالعطاء قبل أن يسأله، فسئل عن ذلك فقال:
لا أحب أن يريق ماء وجهه بالسؤال، حتي قال فقراء المدينة بعد موته: ما كنا نعرف السؤال حتي مات عبد الله بن جعفر.
ويحكي أن الفرزدق الشاعر أتي عبد الملك بن مروان يستميحه، فأبي أن يعطيه شيئا، فقال له عبد الله بن جعفر: ما كنت تؤمل أن يعطيك؟ فقال: كنت أؤمل أن يعطيني ألف دينار في كل سنة، قال: فكم تؤمل أن تعيش في الدنيا يا أبا فراس؟ قال: أؤمل أن أعيش في الدنيا أربعين سنة، فنادي عبد الله بن جعفر غلامه: يا غلام علي بالوكيل، فأتاه و كيله، فقال له: خذ الفرزدق وأعطه أربعين ألف دينار، فقبضها ومضي.
ومما يدل علي سؤدده ومجده وفصاحته وبلاغته: ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج عن المدائني قال: بينا معاوية يوما جالس وعنده عمرو بن العاص إذ قال الآذن:
قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فقال عمرو: والله لأسوئنه اليوم، فقال معاوية: لا تفعل يا أبا عبد الله، فإنك لا تنتصف منه، ولعلك أن تظهر لنا من مغبته ما هو خفي عنا وما لا نحب أن نعلمه منه، وغشيهم عبد الله بن جعفر، فأدناه معاوية و قربه، فمال عمرو إلي بعض جلساء معاوية فنال من علي عليه السلام جهارا غير ساتر له، وثلبه ثلبا قبيحا، فالتمع لون عبد الله واعتراه افكل حتي أرعدت خصائله، ثم نزل عن السرير كالفنيق فقال عمرو: مه يا أبا جعفر، فقال له عبد الله: مه لا أم لك، ثم قال:.
أظن الحلم دل علي قومي * وقد يتجهل الرجل الحليم.
ثم حسر عن ذراعيه وقال: يا معاوية حتام نتجرع غيضك، والي كم الصبر علي مكروه قولك، وسئ أدبك، وذميم أخلاقك، هبلتك الهبول، أما يزجرك ذمام المجالسة من القذع لجليسك إذا لم يكن له حرمة من دينك تنهاك عما لا يجوز لك؟ أما والله لو عطفتك أواصر الأرحام أو حاميت علي سهمك من الاسلام ما أرخيت لبني الإماء المتك والعبيد المسك اعراض قومك، وما يجهل موضع الصفوة الا أهل نجوة، وانك لتعرف رشائط قريش، وصقوة عرائرها، فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطئك في سفك دماء المسلمين، ومحاربة أمير المؤمنين، إلي التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافه، فاقصد لمنهج الحق،، فقد طال عمهك عن سبيل الرشد، وخبطك في ديجور ظلمة الغي،، فإن أبيت الا أن تتابعنا في قبح اختيارك لنفسك فاعفنا عن سوء القالة فينا إذا ضمنا وإياك الندي، وشأنك و ما تريد إذا خلوت:، والله حسيبك، فوالله لولا ما جعل الله لنا في يديك لما أتيناك، ثم قال: انك ان كلفتني ما لم أطق ساءك ما سرك مني من خلق، فقال معاوية: يا أبا جعفر لغير الخطأ أقسمت عليك لتجلسن، لعن الله من أخرج ضب صدرك من وجاره، محمول لك ما قلت، ولك عندنا ما أملت، فلو لم يكن مجدك ومنصبك لكان خلقك وخلقك شافعين لك إلينا، وأنت
(١٧٥)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، جعفر بن أبي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (6)، الشاعر الفرزدق (2)، عبد الله بن عمر (1)، عمرو بن العاص (1)، بنو هاشم (1)، الظلم (1)، الموت (2)، الجهل (1)، الصبر (1)، الكرم، الكرامة (1)، الجواز (1)

صفحه 176

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٦
ابن ذي الجناحين، وسيد بني هاشم، فقال عبد الله: كلا، بل سيدا بني هاشم حسن وحسين، لا ينازعهما في ذلك أحد، فقال: أبا جعفر أقسمت عليك لما ذكرت حاجة لك قضيتها كائنة ما كانت، ولو ذهبت بجميع ما أملك، فقال: أما في هذا المجلس فلا، ثم انصرف، فأتبعه معاوية بصره فقال: والله لكأنه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مشيه و خلقه وخلقه وأنه لمن شكله، ولوددت أنه ابني بنفيس ما أملك، ثم التفت إلي عمرو فقال: أبا عبد الله، ما تراه منعه من الكلام معك؟ قال: مالا خفاء به عنك، قال:
أظنك تقول: انه هاب جوابك، لا والله ولكنه ازدراك واستحقرك ولم يرك للكلام أهلا، أما رأيت اقباله علي دونك، زاهدا بنفسه عنك؟ فقال عمرو: هل لك أن تسمع ما أعددته لجوابه؟ قال معاوية: اذهب إليك أبا عبد الله فلات حين جواب سائر اليوم، ونهض معاوية وتفرق الناس.
وقال: قال الشعبي: دخل عبد الله بن جعفر علي معاوية وعنده يزيد ابنه، فجعل يزيد يعرض بعبد الله في كلامه وينسبه إلي الاسراف في غير مرضات الله، فقال عبد الله ليزيد: اني لأرفع نفسي عن جوابك، ولو صاحب السرير لأجبته، فقال معاوية: كأنك تظن أنك أشرف منه؟ قال: أي والله ومنك ومن أبيك وجدك، فقال معاوية: ما كنت أحسب أن أحدا في عصر حرب بن أمية أشرف من حرب بن أمية، فقال عبد الله: بلي والله يا معاوية ان أشرف من حرب من أكفأ عليه اناءه وأجاره بردائه، قال: صدقت يا أبا جعفر.
أما وفاة عبد الله فكانت بالمدينة سنة ثمانين، أو أربع أو خمس وثمانين (1) عام الجحاف - سيل كان ببطن مكة جحف بالناس، فذهب بالحاج والجمال بأحمالها، وذلك في خلافة عبد الملك بن مروان - وصلي عليه السجاد أو الباقر عليهما السلام، وأمير المدينة يومئذ أبان بن عثمان.
قال في أسد الغابة: عبد الله بن جعفر أول مولود ولد في الاسلام بأرض الحبشة، وتوفي سنة ثمانين عام الجحاف بالمدينة، وأميرها أبان بن عثمان لعبد الملك بن مروان، فحضر غسل عبد الله وكفنه، والولائد خلف سريره قد شققن الجيوب، والناس يزدحمون علي سريره، وأبان بن عثمان قد حمل السرير بين العمودين، فما فارقه حتي وضعه بالبقيع، ودموعه تسيل علي خديه وهو يقول: كنت والله خيرا لا شر فيك، وكنت والله شريفا واصلا برا.
١ - قال الداودي النسابة في عمدة الطالب: ٢٢ من طبع النجف الأشرف ما نصه: مات عبد الله بالمدينة سنة ثمانين، وصلي عليه أبان بن عثمان بن عفان، ودفن بالبقيع، و قيل: مات بالأبواء، وقال شيخنا أبو الحسن العمري: مات عبد الله في زمان عبد الملك بن مروان وله تسعون سنة.
وقال ابن عساكر 7 / 443 في تاريخ الشام: قال هشام المخزومي: أجمع أهل الحجاز وأهل البصرة وأهل الكوفة علي أنهم لم يسمعوا بيتين أحسن من بيتين رأوهما علي قبر عبد الله بن جعفر، وهما:.
مقيم إلي أن يبعث الله خلقه - لقاؤك لا يرجي وأنت قريب.
تزيد بلي في كل يوم وليلة - وتنسي كما تبلي وأنت حبيب.
(١٧٦)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (3)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، مقبرة بقيع الغرقد (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، أبان بن عثمان (3)، بنو هاشم (2)، الإسراف (1)، الحرب (3)، الصّلاة (2)، الوفاة (1)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، مدينة الكوفة (1)، مدينة النجف الأشرف (1)، إبن عساكر (1)، مدينة البصرة (1)، الشام (1)، الموت (2)، البعث، الإنبعاث (1)

صفحه 177

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٧
وخلف عبد الله بن جعفر (1) عدة أولاد.
قال سبط ابن الجوزي: منهم جعفر الأكبر - وبه كان يكني، وأمه أم عمرو بنت خراش بن بغيض - وعلي، وعون الأكبر، ومحمد، وعباس، وأم كلثوم وأمهم زينب بنت علي عليه السلام وأمها فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وحسن درج، و عون الأصغر قتل مع الحسين عليه السلام يوم الطفوف (2) ولا بقية له وأمهما جمانة بنت المسيب بن نجبة الفزاري، وأبو بكر، وعبيد الله، ومحمد وأمهم الخوصاء بنت حفصة من بني بكر بن وائل، وصالح، ويحيي لا بقية لهما، وهارون، وموسي لا بقية لهما أيضا، وجعفر، وأم أبيها، وأم محمد وأمهم ليلي بنت مسعود، وحميد، وأم الحسن لام ولد، وجعفر، وأبو سعيد وأمهما أم الحسين بنت عمرو من بني صعصعة، و معاوية، وإسحاق، وإسماعيل، وقثم، وعباس لأمهات أولاد شتي.
وفاتها ودفنها سلام الله عليها.
ذكر النسابة العبيدلي في أخبار الزينبات علي ما حكاه عنه مؤلف كتاب السيدة زينب ص 21: إن زينب الكبري بعد رجوعها من أسر بني أمية إلي المدينة أخذت تؤلب الناس علي يزيد بن معاوية، فخاف عمرو بن سعيد الأشدق انتقاض الامر، فكتب إلي يزيد بالحال، فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرق بينها وبين الناس، فأمر الوالي باخراجها من المدينة إلي حيث شاءت، فأبت الخروج من المدينة وقالت: قد علم الله ما صار إلينا، قتل خيرنا، وسقنا كما تساق الانعام، وحملنا علي الأقتاب، فوالله لا أخرج وان أهرقت دماؤنا، فقالت لها زينب بنت عقيل: يا ابنة عماه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوء منها حيث نشاء، فطيبي نفسا وقري عينا، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا
١ - قال جمال الدين النسابة الداودي الحسني في عمدة الطالب: ٢٢ طبع النجف الأشرف ما نصه: ولد عبد الله عشرين ذكرا، وقيل: أربعة وعشرين، منهم: معاوية بن عبد الله كان وصي أبيه، ومنهم: علي الزينبي أمه زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام، ومنهم:
إسحاق العريضي أمه أم ولد، ومنهم: إسماعيل الزاهد قتيل بني أمية أو بني أخيه، و هؤلاء الأربعة هم المعقبون من ولد عبد الله بن جعفر رحمه الله تعالي.
2 - ان المقتول مع الحسين عليه السلام يوم الطفوف هو عون الأكبر الذي أمه زينب بنت علي عليهما السلام، كما هو الصحيح الثابت، وذهب إليه جمع من المؤرخين وأرباب المقاتل، منهم الشيخ المفيد في الارشاد.
وأما عون الأصغر الذي أمه جمانة بنت المسيب بن نجبة الفزاري، فإنه قتل في وقعة الحرة، كما ذكره جمع من المؤرخين.
ووقعة الحرة من الوقائع المشهورة في الاسلام، وكانت في ذي الحجة سنة 63 من الهجرة أيام يريد بن معاوية لعنه الله، وذلك حين أنهب المدينة عسكره من أهل الشام الذين ندبهم لقتال أهل المدينة من صحابة ة النبي صلي الله عليه وآله وسلم والقراء والتابعين، وأمر عليهم مسلم بن عقبه المري السفاك لعنه الله، وعقيبها هلك يزيد الطاغية أخزاه الله.
(١٧٧)
مفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (2)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (2)، يزيد بن معاوية لعنهما الله (1)، السبط إبن الجوزي (1)، بنو أمية (2)، مسيب بن نجبة (2)، عمرو بن سعيد (1)، الظلم (1)، القتل (3)، السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة النجف الأشرف (1)، معاوية بن عبد الله (1)، مسلم بن عقبة المري (1)، جمال الدين (1)، الشام (1)، الهلاك (1)

صفحه 178

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٨
هوانا؟! إرحلي إلي بلد آمن، ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطفن معها في الكلام، فاختارت مصر، وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة، فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه، فانزلها داره بالحمراء، فأقامت به أحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما، وتوفيت عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوما مضت من رجب سنة اثنتين وستين للهجرة ودفنت بمخدعها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوي (1)، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
حياة الإمام محمد بن علي الباقر (ع).
ولادته: في غرة رجب من عام 57 من الهجرة النبوية المباركة، غمر بيت الرسالة الطاهر البهجة والسرور، احتفاء بميلاد الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، الذي سبق من سواه من مواليد ذلك البيت الطاهر، كونه أول وليد ينتهي في نسبه إلي علي بن الحسين (ع) وفاطمة بنت الإمام الحسن (ع)، التي وصفها الإمام الصادق (ع) بأنها: صديقة لم تدرك في آل الحسن (ع) امرأة مثلها (2) فهو هاشمي من هاشميين، وشهد مأساة الطف في مستهل عمره الشريف، وتفيأ ظلال الرسالة والإمامة برعاية أبيه السجاد (ع) مدة سنوات إمامته، وتلقي علوم الاسلام وتراث الأنبياء (ع) من أبيه (ع). وقد بلغ الإمام الباقر (ع) الذروة في السمو نسبا وفكرا، وخلقا، مما منحه أهلية النهوض بأعباء المرجعية الفكرية والاجتماعية للأمة بعد أبيه (ع). ففي الإرشاد للمفيد وغيره في رواية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري حيث يقول:
قال لي رسول الله: يوشك أن تبقي حتي تلقي ولدا لي من الحسين (ع) يقال له: محمد، يبقر علم الدين بقرا، فإذا لقيته فأقرئه عني السلام (3).
وبناء علي ذلك لقب محمد بن علي (ع) بالباقر، أي المتبحر بالعلم، والمستخرج لغوامضه ولبابه وأسراره، والمحيط بفنونه. واليك جملة من أقوال أعلام المسلمين بشتي مذاهبهم بشأن الإمام الباقر (ع):.
قال عبد الله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء عند أحد قط، أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع) (4).
وقال محيي الدين بن شرفة النووي: هو تابعي جليل، امام بارع مجمع علي جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم، سمع جابرا وأنسا، وروي عنه أبو إسحاق وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار الأعرج، وهو أسن منه، والزهري وربيعة وخلائق آخرون من التابعين و
١ - الحمراء القصوي: وهي خطة بن الأزرق وبني روبيل، وهم من الروم، وهي من درب معاني إلي القناطر الظاهرية، يعني قناطر السباع، وهي حد ولاية مصر من القاهرة، و كانت هذه الحمراوات الثلاث جل عمارة مصر.
٢ - الكافي للكليني ج ١ ص ٤٦٩، المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 280.
3 - الارشاد للمفيد ص 262، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 211، نور الابصار للشبلنجي وغيرهم.
4 - الارشاد للمفيد ص 263.
(١٧٨)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (3)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (2)، الأنبياء (ع) (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (3)، يوم عاشوراء (1)، شهر ذي الحجة (1)، شهر رجب المرجب (2)، عبد الرحمن بن عوف (1)، عبد الله بن عطاء المكي (1)، علي بن الحسين بن علي (1)، جابر بن عبد الله (1)، بنو هاشم (2)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (1)، ابن شهرآشوب (1)

صفحه 179

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٧٩
كبار الأئمة، وروي له البخاري ومسلم (1).
وقال ابن العماد الحنبلي: أبو جعفر محمد الباقر كان من فقهاء أهل المدينة، وقيل له الباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه وعرف أصله وتوسع فيه (2).
ومن هنا فان الباقر (ع)، مع كونه متمتعا بمواصفات الإمامة في فكره وجميع نمط حياته، فان رسالة الله تعالي لم تتخلف عن الابلاغ الرسمي بإمامته، وهذه بعض النصوص الشرعية في هذا المضمار:.
1 - سأل جابر بن عبد الله الأنصاري رسول الله (ص): يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ثم سيد الصابرين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي، وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فأقرئه عني السلام (3).
2 - عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله عز وجل علي نبيه محمد (ص): (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الامر منكم) (4) قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (ص): هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين من بعدي، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي … (5).
3 - عن عثمان بن خالد عن أبيه، قال: مرض علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) مرضه الذي توفي فيه، فجمع أولاده محمدا والحسن وعبد الله وعمر وزيدا والحسين، وأوصي إلي ابنه محمد بن علي وكناه الباقر، وجعل أمرهم إليه (6).
4 - عن الإمام الصادق عن أبيه (ع) قال: دخلت علي جابر بن عبد الله فسلمت عليه، فرد علي السلام، قال لي: من أنت؟ - وذلك بعد ما كف بصره - فقلت: محمد بن علي بن الحسين، قال: يا بني أدن مني، فدنوت منه، فقبل يدي، ثم أهوي إلي رجلي يقبلها فتنحيت عنه، ثم قال لي: رسول الله يقرئك السلام، فقلت وعلي رسول الله السلام و رحمة الله وبركاته، فكيف ذاك يا جابر؟ فقال: كنت معه ذات يوم فقال لي: يا جابر لعلك تبقي حتي تلقي رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين، يهب الله له النور والحكمة، فأقرئه عني السلام (7) سخاؤه (ع):.
أ - عن الإمام الصادق (ع)، قال:.
١ - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر ج ٢ ص ٤٣٦ نقلا عن النووي.
٢ - المصدر نفسه لأسد حيدر نقلا عن شذرات الذهب.
٣ - اكمال الدين واتمام النعمة للصدوق ص ٢٥٣.
٤ - النساء: الآية: ٥٩.
٥ - ينابيع المودة للقندوزي ص ٣٦٠.
٦ - بحار الأنوار للمجلسي ج ٤٦ ص ٢٣ نقلا عن كفاية الأثر.
7 - الارشاد للمفيد ص 262، وللاستزادة يراجع الكافي للكليني ج 1 ص 305. /
(١٧٩)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، محمد بن علي بن الحسين (1)، علي بن أبي طالب (1)، جابر بن عبد الله (3)، علي بن الحسين (3)، جابر بن يزيد (1)، محمد بن علي (4)، الصدق (2)، المرض (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب كفاية الأثر للخزار (1)، كتاب ينابيع المودة (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، الشيخ الصدوق (1)

صفحه 180

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٠
دخلت علي أبي يوما وهو يتصدق علي فقراء المدينة بثمانية آلاف دينار، وأعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكا (1).
ب - عن الحسن بن كثير، قال:.
شكوت إلي أبي جعفر محمد بن علي (ع) الحاجة وجفاء الاخوان، فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمئة درهم فقال: استنفق هذا فإذا نفدت فأعلمني (2).
ج - عن عمرو بن دينار وعبد الله بن عبيد، قالا:.
ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي (ع) الا وحمل إلينا النفقة والصلة والكسوة، فقال:
هذه معدة لكم قبل أن تلقوني (3).
د - عن سليمان بن قرم، قال:.
كان أبو جعفر محمد بن علي (ع) يجيزنا بالخمسمئة إلي الستمئة إلي الألف درهم، وكان لا يمل من صلة إخوانه وقاصديه ومؤمليه وراجيه (4).
ه - قالت سلمي مولاته:.
] كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتي يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم الثياب الحسنة، ويهب لهم الدراهم، فأقول له في ذلك ليقل منه، فيقول: يا سلمي ما حسنة الدنيا الا صلة الاخوان والمعارف، وكان يجيز بالخمسمئة والستمئة إلي الألف [.
البعد الفكري في شخصيته (ع).
نحاول الان دراسة سيرة الإمام الباقر (ع) وسوف نطل علي البعد الفكري الشاهق من شخصيته الكريمة، وقبل أن نطرح بعض النماذج الحية من أفكاره الرائدة، نود أن نشير إلي أن عمق تفكيره (ع) وسمو مكانته العلمية، علي من سواه في عصره، في العقائد والفقه والتفسير والحديث وسواها من حقول معرفته كان مما يثير اعجاب القمم الفكرية في زمنه وما بعده.
فعبد الله بن عمر بن الخطاب يسأل عن مسألة، فيعجز عن الإجابة عنها، فيرشد سائلها إلي الإمام الباقر (ع): اذهب إلي ذلك الغلام، فسله وأعلمني بما يجيبك، فيأتي السائل إلي الباقر (ع)، فيري الإجابة حاضرة لديه، ثم يعود إلي ابن عمر ليخبره بما جني من ثمر، فيعلق ابن عمر علي ذلك بقوله: انهم أهل بيت مفهمون (5).
وعبد الله بن عطاء المكي يقول:.
ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع). ولقد
١ - المجلسي / البحار / ج ٤٦ / ص ٣٠٢ نقلا عن فلاح السائل.
٢ - المفيد / الارشاد / ص ٢٦٦.
٣ - المفيد / الارشاد / ص ٢٦٦. ابن شهرآشوب / المناقب / ج ٤ / ص ٢٠٧.
٤ - المفيد / الارشاد / ص ٢٦٦. ابن شهرآشوب / المناقب / ج ٤ / ص ٢٠٧.
٥ - ابن شهرآشوب / المناقب / ج 4 / ص 197 الأمين / أعيان الشيعة نقلا عن حلية الأولياء.
(١٨٠)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (3)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، عبد الله بن عطاء المكي (1)، عبد الله بن عبيد (1)، الحسن بن كثير (1)، سليمان بن قرم (1)، الطعام (1)، الكرم، الكرامة (1)، الحاجة، الإحتياج (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، العلامة المجلسي (1)، ابن شهرآشوب (3)

صفحه 181

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨١
رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه (1).
آراء المفكرين ورجال العلم المعاصرين بفكر الإمام (ع).
1 - وفد عمرو بن عبيد - وهو من أئمة الاعتزال ومفكريهم (2) - علي محمد ابن علي الباقر (ع) لامتحانه بالسؤال، فقال له:.
جعلت فداك ما معني قوله تعالي: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)، ما هذا الرتق وما هذا الفتق؟ قال أبو جعفر (ع): كانت السماء رتقا لا تنزل المطر، وكانت الأرض رتقا لا تخرج النبات، ففتق الله السماء بالقطر، وفتق الأرض بالنبات. فانقطع عمرو ولم يعترض بشئ. وعاد إليه مرة أخري وقال: خبرني جعلت فداك عن قوله تعالي: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوي)، ما ذلك الغضب؟ قال (ع):
العذاب يا عمرو، وانما يغضب المخلوق الذي يأتيه الشئ فيستفزه، ويغيره عن الحال التي هو بها إلي غيرها، فمن زعم أن الله يغيره الغضب والرضا ويزول عن هذا فقد وصفه بصفة المخلوق (3).
2 - قال محمد بن المنكدر - زعيم صوفي -:.
ما كنت أري أن مثل علي بن الحسين يدع خلقا يقارنه في الفضل حتي رأيت ابنه محمد بن علي، وذلك اني أردت أن أعظه فوعظني، فقال أصحابه: بأي شئ وعظك؟ قال: خرجت إلي بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي، وكان رجلا بدينا وهو متكئ علي غلامين له، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا، والله لأعظنه، فدنوت منه، فسلمت عليه، فسلم علي ببهر (4) وقد تصبب عرقا، فقلت: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا!
لو جاء الموت وأنت علي هذه الحال؟ قال: فخلي عن الغلامين من يده، ثم تساند وقال:
لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله، أكف بها نفسي عنك، وعن الناس، وانما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا علي معصية من معاصي الله. فقلت: يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني (5).
وتبدو أهمية حديث الإمام الباقر (ع) مع ابن المنكدر إذا أعدنا إلي الأذهان أن هذا الأخير يدين بالتصوف والعزلة عن الحياة الدنيا، والاتجاه الاتكالي في أموره المعاشية علي سواه من الناس، متذرعا بالانصراف للعبادة فحسب، الامر الذي لا
1 - المفيد / الارشاد / ص 263. الأمين / أعيان الشيعة نقلا عن الحلية وتذكر الخواص مع اختلاف يسير في الألفاظ.
2 - ابن خلكان / وفيات الأعيان / ج 3 / ص 460 / ط 1971 (بيروت).
3 - الطبرسي / الاحتجاج / ج 2 / ص 323 و 326.
* سلم علي ببهر: سلم علي بنفس متقطع.
5 - المفيد / الارشاد / ص 264.
(١٨١)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (3)، علي بن الحسين (1)، محمد بن المنكدر (1)، محمد بن علي (2)، الموت (3)، الفدية، الفداء (2)، الغضب (2)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، مدينة بيروت (1)

صفحه 182

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٢
يقره الاسلام الحنيف، وهو ما أشار رسول الله (ص) عندما قال: ملعون من ألقي كله علي الناس (1).
ولقد وجد الإمام الباقر (ع) الفرصة ملائمة لتفنيد مذهب التصوف عمليا، فوضع ابن المكندر أمام الامر الواقع، وذكره بأن الموت في ساعة كسب الرزق، انما يكون في طاعة من طاعات الله عز وجل، فلم ير ابن المنكدر بدا من الاعتراف بسلامة خط الإمام (ع).
3 - قال أبو يوسف الأنصاري:.
قلت لأبي حنيفة: لقيت محمد بن علي الباقر (ع)؟ فقال: نعم وسألته يوما، فقلت له:
أراد الله المعاصي؟ فقال: أفيعصي قهرا؟، قال أبو حنيفة: فما رأيت جوابا أفحم منه [(2).
ومن الضروري أن نشير إلي أن أبا حنيفة فقيه مدرسة الرأي المعروف، كان له كل الحق حين يصف جواب الإمام (ع) لوجازته، لان الرجل قد أدرك أهمية جواب الإمام (ع) بدقة تحديه العلمي الصارم لفلسفة الجبر والتفويض، التي مزقت وحدة المفكرين والفقهاء زمنا طويلا، حيث أن الإمام (ع) يحدد مسارها الموضوعي بكلمتين اثنتين أفيعصي قهرا؟ أي هل يعقل ان الله يجبر عباده علي معصيته، فيعصونه بالقهر؟ مما يثير اعجاب أبي حنيفة.
4 - عن أبي حمزة الثمالي قال:.
قدم قتادة بن دعامة البصري علي أبي جعفر (ع) فقال له الإمام (ع): أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم، فقال أبو جعفر (ع): ويحك يا قتادة، ان الله عز وجل خلق خلقا فجعلهم حججا علي خلقه، فهم أوتاد في أرضه، قوام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه، أظلة عن يمين عرشه، فسكت قتادة طويلا ثم قال: أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم ما اضطرب قدامك. فقال أبو جعفر (ع): أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وأقام الصلاة، وايتاء الزكاة، فأنت ثم ونحن أولئك، فقال قتادة: صدقت والله، جعلني الله فداك، واله ما هي بيوت حجارة ولا طين (3).
5 - ومن روائع فكره السياسي وصيته لعمر بن عبد العزيز الحاكم الأموي:.
أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا، وأوسطهم أخا، وأكبرهم أبا، فارحم ولدك
1 - الكليني / الكافي / ج 4 / ص 12.
2 - سبط بن الجوزي / تذكرة الخواص / 337.
3 - المجلسي / البحار / ج 46 / ص 357.
(١٨٢)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (5)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مسألة الجبر والإختيار (الجبر والتفويض) (1)، عبد الله بن عباس (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، مدينة البصرة (1)، الكسب (1)، الرزق (1)، الزكاة (1)، الموت (1)، الفدية، الفداء (1)، الصّلاة (1)، البيع (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)، العلامة المجلسي (1)

صفحه 183

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٣
وصل أخاك، وبر والدك، وإذا صنعت معروفا فربه (1).
هذه أمثلة من الفكر الباقري العظيم الذي يحتل مركز الزيادة في دنيا الفكر الاسلامي، في الماضي والحاضر وفي مستقبل الأجيال، وتتجلي مكانته العلمية إذا أمعنا النظر في أن الرحال كانت تشد إليه من أقطار العالم الاسلامي كافة، ويقصده رجالات الفكر الاسلامي وأصحاب المدارس الفقهية يوم ذاك.
السياسة الأموية في عصر الباقر (ع).
رحل الإمام السجاد (ع) إلي جوار ربه الاعلي سبحانه عام 95 ه فنهض الإمام محمد الباقر (ع) بأعباء المسلمين، وقد امتدت إمامته تسع عشرة سنة، قضي منها زهاء السنتين في حكم الوليد بن عبد الملك السلطان الأموي، وسنتين في عهد سليمان بن عبد الملك وهي مدة حكمه فحسب.
ويبدو أن الظروف في عهده] سليمان بن عبد الملك [لم تشهد تطورا نحو الأحسن في العلاقة بين أهل البيت (ع) والبيت الأموي الحاكم، فان حادثة اغتيال الإمام السجاد (ع) بالسم، ومن قبلها مأساة الطف، ما زالت حية في النفوس.
ويبدو أن سليمان بن عبد الملك الذي كان يخشي علي ملكه وسلطانه من أهل بيت النبوة (ع)، لا سيما وقد ارتكب جريمة اغتيال الإمام السجاد (ع) من قبل، قد انشغل طوال فترة حكمه القصيرة في تصفية كل القيادات التي اعتمدها أخوه الوليد من قبل، فقد صب حقده علي أسرة الحجاج بسبب حقده علي الحجاج ذاته لعوامل شخصية لسنا بصدد ذكرها الان، كما عزل ولاة الوليد البارزين وعاقب بعضهم بالموت كمحمد بن القاسم (2)، ومع انشغال سليمان بالإجهاز علي ولاة الوليد، كان كذلك مشغولا بالطعام والنساء والبذخ بشكل جعل المؤرخين يقطعون بكونه أفسد ممن سبقه من سلاطين بني أمية (3).
وبتولي عمر بن عبد العزيز قيادة الحكم الأموي، حدث تحول كبير لصالح الاسلام والدعوة، فبالرغم من قصر أيامه في الحكم، الا أن مواقفه من أهل البيت (ع) كان فيها الكثير من الإنصاف، فقد عمل علي رفع الحيف عنهم، وأطاح ببعض أنواع الظلم الذي لحق بهم، فرفع السب عن الإمام علي (ع) من علي المنابر، وهي سنة سنها معاوية، وعممها علي الأمصار، فصار سنة يستن بها كل سلاطين بني أمية في خطبة الجمعة، حتي عهد عمر بن عبد العزيز، الذي منعه، واستبدل به في خطبة الجمعة قول الله تعالي: (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء
1 - أسد حيدر / الإمام الصادق والمذاهب الأربعة / ج 2 / ص 455. وربه: أي أدمه، واستمر عليه.
2 - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج 1 / ط 7 1964 / ص 323.
3 - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج 1 / ص 324.
(١٨٣)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (2)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (3)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، يوم عاشوراء (1)، الدولة الأموية (1)، عمر بن عبد العزيز (2)، بنو أمية (2)، محمد بن القاسم (1)، الظلم (1)، الموت (1)، الشهادة (1)، التاريخ الإسلامي (2)، الصدق (1)

صفحه 184

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٤
والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (1).
وبالنظر إلي أن البيت الأموي لم يألف مهادنة أهل بيت الرسالة (ع) قط، فإن ابن عبد العزيز كان يواجه الضغط من بني أمية بسبب سياسته الانفتاحية عليهم، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) عن أبيه قوله:.
لما ولي عمر بن عبد العزيز أعطانا عطايا عظيمة، فدخل عليه أخوه فقال له: ان بني أمية لا ترضي منك بأن تفضل بني فاطمة عليهم، فقال عمر: أفضلهم لأني سمعت، حتي لا أبالي ان لا اسمع ان رسول الله (ص) يقول: انما فاطمة شجنة (2) مني، يسرني ما أسرها ويسوؤني ما أساءها، فأنا أبتغي سرور رسول الله (ص) وأتقي مساءته (3).
علي أن زعامة ابن عبد العزيز لم تدم أكثر من سنتين وخمسة أشهر، فتولي الحكم بعده يزيد بن عبد الملك، المشهور تاريخيا بلهوه وخلاعته وغزله الماجن. وإذا كان انشغال الأخير بأعمال الصبيانية ومجونه (64)، لم يعطه فرصة التصدي لمسيرة الاسلام التاريخية التي يقودها الإمام الباقر (ع)، فان تولي هشام بن عبد الملك لقيادة السياسة المنحرفة، قد خلق انعطافا تاريخيا لغير صالح الحركة الاسلامية، فالحاكم المذكور كان خشن الطبع، شديد البخل فظا، ناقما علي المسلمين من غير العرب، فضاعف من حجم الضرائب المالية عليهم (4)، وأعاد أيام يزيد والحجاج الدموية، فتصدي له أهل البيت (ع) من خلال انتفاضة الشهيد زيد بن علي (ع)، التي كانت صدي لثورة الحسين (ع) وامتدادا لها، فاستشهد هو وأصحابه، وأمر الطاغية هشام بصلب جثته، ومن ثم حرقها (5) وذر رمادها في نهر الفرات!!!.
علي أن الطغيان الأموي لم يكفه قتل زيد وأصحابه البررة، وانما اتجه نحو ضرب المواقع الأساسية للحركة الاسلامية التي يمثلها الإمام الباقر (ع) وتلامذته.
فقد أصدر هشام الحاكم الأموي قرارا يقضي بقتل جابر بن يزيد الجعفي، أبرز تلامذة الإمام الباقر (ع)، غير أن الامام قد أفشل مخطط القوم بالوسائل المتاحة لمنصب الإمامة الشرعية عادة، إذ أمر تلميذه بالتظاهر بالجنون، كطريق وحيد لضمان نجاته من القتل (6).
وبمقدورنا أن ندرك حجم الظلم الذي كان يصب علي أتباع الرسالة الإلهية في ذلك العصر الكالح، حتي يضطر الرجل منهم - بالرغم من فضله وعلمه - إلي التظاهر بالجنون، وما ينجم عنه من إهانة الصبيان، أو لعبه معهم، كل ذلك درءا للقتل عن
١ - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج ١ / ص ٣٣٠.
* سجنة: الغصن المشتبك، والشعبة من كل شئ.
٣ - المجلسي / البحار / ج ٤٦ / ص ٣٢٠ نقلا عن قرب الاسناد.
٤ - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج ١ / (هشام بن عبد الملك).
٥ - د. حسن إبراهيم حسن / تاريخ الاسلام / ج ١ / (هشام بن عبد الملك).
٦ - ابن شهرآشوب / المناقب / ج 4 / ص 191.
(١٨٤)
مفاتيح البحث: نهضة الحسين عليه السلام (1)، الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (3)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، نهر الفرات (1)، هشام بن عبد الملك (3)، يزيد بن عبد الملك (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، بنو أمية (1)، جابر بن يزيد (1)، عبد العزيز (2)، القتل (3)، الظلم (1)، الشهادة (1)، العلامة المجلسي (1)، التاريخ الإسلامي (3)، ابن شهرآشوب (1)

صفحه 185

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٥
نفسه وخلاصا من الموت الذي يدبر له في الظلام.
وهكذا تظاهر الجعفي بالجنون، وامتطي قصبة، وعلق كعبا في رقبته، فاجتمع عليه الصبيان في أزقة الكوفة والجميع يقولون: جن جابر (1)!!!.
ولم تمض غير أيام قلائل حتي أتت أوامر هشام إلي واليه علي الكوفة بوجوب قتل جابر الجعفي وانفاذ رأسه إلي دمشق، غير أن الوالي حين سأل عنه من أجل أن ينفذ فيه الجريمة، قيل له: أصلحك الله كان رجلا له فضل وعلم وجن، وهو دائر في الرحبة مع الصبيان علي القصب يلعب معهم (2).
فعدل الحاكم المحلي عن قتله بعد اقتناعه بجنونه.
ان هشام بن عبد الملك كان واثقا من أن مصدر الوعي الاسلامي الصحيح انما هو الإمام الباقر (ع)، وأن وجوده حرا طليقا يمنحه مزيدا من الفرص لرفد الحركة الاصلاحية في الأمة وتكريس مدها المتعاظم، ومن أجل ذلك رأت السياسة المنحرفة ممثلة بحفيد مروان أن يحال بين الإمام (ع) وبين استمراريته بالعمل الرسالي لصالح الاسلام والأمة، وقد اتجه المكر الأموي نحو اعتقال الإمام (ع)، وابعاده عن عاصمة جده المصطفي (ص)، التي اجتمعت هي والحجاز عموما علي اجلاله والتمسك به.
وهكذا حمل الإمام (ع) وابنه جعفر الصادق (ع) إلي دمشق بأمر السلطة الأموية لايقاف تأثيره في الأمة المسلمة، وحجبه عن أداء دوره الرسالي العظيم، وأودع في أحد سجون الحكم هناك.
بيد أن تأثيره الفكري فيمن التقي بهم حمل السلطة الأموية علي اطلاق سراحه كما تفيد رواية أبي بكر الحضرمي، حيث يقول:.
لما حمل أبو جعفر إلي الشام إلي هشام بن عبد الملك، وصار ببابه، قال هشام لأصحابه:
إذا سكت من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه،، ثم أمر أن يؤذن له، فلما دخل عليه أبو جعفر قال بيده: السلام عليكم، وأشار بيده، فعمهم جميعا بالسلام، ثم جلس، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة، وجلوسه بغير اذن. فقال: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين، ودعا إلي نفسه وزعم أنه الامام سفها وقلة علم، وجعل يوبخه. فلما سكت هشام اقبل القوم عليه رجلا بعد رجل يسئ الأدب فلما سكت القوم نهض الإمام (ع) قائما ثم قال: أيها الناس أني تذهبون وأني يراد بكم؟ بنا هدي الله أولكم، وبنا يختم آخركم، فان يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكا مؤجلا، وليس من بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، ويقول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين). فأمر به هشام إلي الحبس. فلما صار في الحبس تكلم، فلم يبق في الحبس رجلا ترشفه وحسن عليه، فجاء صاحب السجن إلي
١ - ابن شهرآشوب / المناقب / ج ٤ ص ١٩١.
٢ - ابن شهرآشوب / المناقب / ج 4 / ص 191.
(١٨٥)
مفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الدولة الأموية (2)، مدينة الكوفة (2)، هشام بن عبد الملك (2)، محمد بن علي (2)، الشام (1)، دمشق (2)، القتل (2)، الموت (1)، السكوت (2)، ابن شهرآشوب (2)

صفحه 186

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٦
هشام، وأخبره بخبره، فأمر به فحمل علي البريد، هو وأصحابه ليردوا إلي المدينة (1).
وإذا كانت رواية الحضرمي تؤكد أن اطلاق سراح الإمام (ع) من السجن الأموي كان بسبب تأثيره بالسجناء الذي التقي بهم، فان رواية محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة (2)، تفيد أن اطلاق سراحه انما جاء بسبب تأثيره علي جماهير دمشق، علي أثر مناظراته لزعيم النصاري هناك ودحض آرائه، وتبيان زيفها، والرد علي كل الشبهات التي أثارها حول الاسلام، علي أنه ليس هناك من تعارض بين الروايتين إذ لا مانع من وقوع الحادثتين معا، فإن الإمام (ع) انما يتبع الهدي والحق أينما حل، طليقا كان هو أم معتقلا، ما دام هناك انسان يلقي السمع وهو شهيد.
وإذ لم تحقق المضايقة الأموية غاياتها الدنيئة في صد الإمام الباقر (ع) عن النهوض بمهامه الرسالية العظمي: فقد رأت السياسة المنحرفة أنه ليس عن اغتياله بديل.
وهكذا دس إليه السم في عام 114 ه (3).
فرحل إلي ربه الاعلي سبحانه صابرا محتسبا.
فسلام عليه يوم ولد ويوم رحل إلي ربه ويوم يبعث حيا.
الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).
مولده ونشأته:.
ولد الإمام الصادق (ع) في المدينة المنورة في السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين للهجرة، في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
وأم الإمام (ع) هي: فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وتكني أم فروة، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، لذلك قال الإمام الصادق (ع): ولدني أبو بكر مرتين ولد الإمام الصادق (ع) وتربي وترعرع في ظلال أبيه محمد الباقر وجده علي بن الحسين عليهم السلام.
كان الإمام الصادق (ع)، امام عصره، ومرجع الفقهاء والعلماء والمحدثين، وعليه تتلمذ وعنه أخذ المئات من مشايخ العلم والحديث، وقد شهد له العلماء والفقهاء ودونوا شهاداتهم لجليل قدره وعظيم شأنه وغزارة علمه.
وقد أوضح الإمام الصادق (ع)، هذه الحقيقة بقوله: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب، و حديث علي
١ - ابن شهرآشوب / المناقب / ج 4 / ص 189. مسألة حمل الامام إلي الشام رويت في مصادر شتي وألفاظ مختلفة، كما روي في بحار الأنوار / ج 46 / باب خروجه (ع) إلي الشام، نقلا عن ابن طاووس / أمان الاخطار. والطبري / دلائل الإمامة. وتفسير علي بن إبراهيم، وغيرها.
2 - المجلسي / البحار / ج 46 / ص 309 نقلا عن دلائل الإمامة.
3 - الأمين / أعيان الشيعة / ج 1.
(١٨٦)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (6)، محمد بن جرير الطبري (1)، الدولة الأموية (1)، المدينة المنورة (1)، القاسم بن محمد بن أبي بكر (1)، شهر ربيع الأول (1)، علي بن أبي طالب (1)، دمشق (1)، الشهادة (2)، البعث، الإنبعاث (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، العلامة المجلسي (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، ابن شهرآشوب (1)، الشام (2)

صفحه 187

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٧
حديث رسول الله (ص (1).
في حياة الإمام الصادق (ع)، وفي أواخر الحكم الأموي ازداد ظلم الأمويين واشتد ارهابهم و تعاظمت نقمة الأمة عليهم، وكان طبيعيا أن يكون آل البيت (ع) هم الطليعة والقيادة والملاذ الامن لدي جماهير الأمة، لذا بدأت الحركة والثورات المناهضة للحكم الأموي باسم آل البيت عليهم السلام وأعلن دعاتهم أنهم يدعون لعودة الخلافة والإمامة لأصحابها الشرعيين، وهم آل البيت (ع)، وأنهم يدعون إلي الرضي من آل محمد (ص) أي إلي من هو أهل للأمة والخلافة من ذرية فاطمة الزهراء (س)، ومع كل تلك الاحداث والثورات التي حدثت أبان الحكم، الأموي البغيض، ومع شدة الصراع والمنافسة، نري أن الإمام الصادق (ع) ينأي بنفسه عن هذه الصراعات، فقد كان امامنا (ع) محيطا بأحداث عصره والفتن التي أثيرت باسم الولاء لأهل البيت، وكان (ع) يعرف النتائج التي ستنتهي إليها الاحداث سلفا، حيث أنه يعرف أن الشعارات زائفة والدعوة مبطنة، وأن أهل البيت سيكونون هم الضحية.
وحقا فقد صدق الإمام (ع) فقد وقع ما أخبر، وحدت ما كان يحذر منه، فهذا أبو سلمة الخلال أحد أبرز قادة الثورة ضد الأمويين يبعث برسوله إلي الإمام الصادق (ع) ويعرض عليه البيعة، فيحرق الإمام الصادق (ع) رسالته ولا يستجيب لطلبه، وتتكرر الطلبات، فيردها الامام، ويرد مرارا طلب أبناء عمومته من العلويين أيضا، بعد أعرضوا عليه أمر الخلافة واستشاروه فيها، وهذا الخليفة العباسي أشد خصوم الإمام (ع) الذي أوغل في أذاه، فقد استدعاه مرارا وحاكمه بحجة أنه يدير الحركات المناوئة، ويوجه الثورات المضادة للحكم العباسي الجائر سرا، فقد شهد هذا الخليفة الجائر بعظم قدر الإمام الصادق (ع) وعلو مقامه، وقد كشف عن هذا الاعتراف الصريح في رسالته التي وجهها للثائر العلوي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام - ذي النفس الزكية - ردا علي رسالته التي بين فيها فضله وتفوقه علي أبي جعفر المنصور، وأهليته للخلافة، مستشفعا بنسبه وقرابته من رسول الله (ص) وانتسابه لفاطمة الزهراء (ع)، ومما جاء في رد المنصور العباسي:
وما خيار بني أبيك خاصة، وأهل الفضل منهم، الا بنو أمهات الأولاد - يعني أن أمهاتهم كانت جواري - ما ولد فيكم بعد وفاة رسول الله (ص) أفضل من علي بن الحسين (ع) وهو لام ولد، ولهو خير من جدك حسن بن حسن، وما كان فيكم بعده مثل محمد بن علي - يعني الإمام الباقر (ع) وجدته أم ولد، ولهو خير من أبيك، ولا مثل ابنه جعفر - يعني الإمام جعفر الصادق (ع) - وجدته أم ولد، وهو خير منك.
وروي إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس، قال: دخلت علي أبي جعفر المنصور يوما و قد اخضلت لحيته بالدموع، وقال لي: ما علمت ما نزل بأهلك؟
1 - أعيان الشيعة للعاملي ط بيروت ج 1 ص 664.
(١٨٧)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (3)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (6)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، عبد الله بن عباس (1)، الدولة الأموية (2)، عبد الله بن الحسن (ع) (1)، الحسن بن علي بن أبي طالب (1)، إسماعيل بن علي (1)، محمد بن علي (1)، التصديق (1)، الشهادة (1)، الحج (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الإختيار، الخيار (1)، الوفاة (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، مدينة بيروت (1)

صفحه 188

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٨
فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: فان سيدهم وعالمهم وبقية الاخبار منهم توفي، فقلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: جعفر بن محمد (1).
لقد عايش الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) الحكم الأموي البغيض مدة تقارب الأربعين سنة، فقد ولد الإمام الصادق (ع) في عهد مروان بن الحكم، ثم عايش الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، والوليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، و إبراهيم بن الوليد، ومروان الحمار، حتي سقوط الحكم الأموي سنة 132 ه ثم آلت الخلافة إلي بني العباس، فعاصر (ع) من خلفائهم أبا العباس السفاح، وشطرا من خلافة أبي جعفر المنصور - تقدر بعشر سنوات تقريبا، عاصر الإمام الصادق (ع) كل هؤلاء وشاهد بنفسه محنة آل محمد (ص) وآلام الأمة وشكواها وتململها، الا أنه لم يستطع التحرك والمواجهة مع الحكام لعدة أسباب، أهمها:.
1 - إنه كان علي قمة الهرم العلمي والاجتماعي، وعميد آل البيت (ع)، ومحط أنظار المسلمين، لذا فقد كان تحت الرقابة الأموية والعباسية، وملاحقة جواسين الحكام، فقد كانوا يحصون عليه حركاته واتصالاته.
2 - التجربة التاريخية المرة لقيادة آل البيت (ع)، مع جمهور الأمة، وتيارات الثورات ضد الحاكم الأمويين، وكانت آخرها ثورة زيد بن علي بن الإمام الحسين (ع).
ونظرا لتخلف الناس عن الرمي إلي المقام السامي والأسلوب الرفيع الذي كان يتحلي به أهل البيت (ع) في الوصول إلي الحكم والخلافة ولهذه الأسباب وغيرهما جعلت من الإمام أن ينصرف عن الصراع السياسي المكشوف مع الحكام، ليعكف علي بناء روح المقاومة عند الناس بناء علميا وفكريا وسلوكيا يحمل روح الثورة، وبهذه الطريقة راح يربي العلماء والدعاة وجماهير الأمة علي مقاطعة الحكام الظلمة، ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي، والتفقه في أحكام الشريعة ومفاهيمها - كقوله (ع): من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له، ولم يأجره الله علي ظلامته (2).
وقال (ع): العامل بالظلم والمعين له، والراضي به شركاء ثلاثتهم (3).
وفي فترة حياة الإمام الصادق (ع) وقعت ثلاثة أحداث سياسية خطيرة شهدتها الأمة، في حياة إماما جعفر الصادق (ع) وهي:
1 - ثورة زيد الشهيد سنة 121 ه: وزيد - هو عم الإمام الصادق (ع) - بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، ولقد كان زيد أحد الأعلام البارزين من آل رسول الله (ص)، و من فقهاء أهل البيت (ع)، وقد عظمت عليه شدة المحنة، والارهاب
1 - تاريخ اليعقوبي ط بيروت ج 3 ص 383.
2 - الأصول من الكافي للكليني ط 3 ج 2 ص 334.
3 - المصدر نفسه ص 333.
(١٨٨)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (6)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (6)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الدولة الأموية (2)، مروان بن الحكم (1)، بنو عباس (1)، عمر بن عبد العزيز (1)، علي بن الحسين (1)، زيد بن علي (1)، جعفر بن محمد (1)، الظلم (1)، الشهادة (2)، كتاب أصول الكافي للشيخ الكليني (1)، مدينة بيروت (1)

صفحه 189

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٨٩
والتسلط والاستئثار الذي مارسه الحكام الأمويون في عصره، فاندفع بروح الثائر الذي لم ير غير السيف والقوة لغة للخطاب، ولا سواهما أسلوبا للتعامل مع الحاكم الجائر، فقرر الثورة المسلحة وقيادة المظلومين والمضطهدين ضد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك سنة إحدي وعشرين ومئة ه وكان ذلك في عهد الإمام محمد الباقر (ع) أخي زيد، وكان عمر الإمام الصادق (ع) يومها نحو (38 سنة) وقد بلغ تردي الأوضاع و انتشار الظلم والفساد والفقر وبذخ الحكام واستئثارهم حدا لا يطاق.
وقد كتب المؤرخون وصفا وافيا لسوء الأوضاع وتدهورها، نقتطف منها وصف المؤرخ الشهير أبي الحسن المسعودي، وهو يصف هشام بن عبد الملك: وصف المؤرخ الشهير أبي الحسن المسعودي، وهو يصف هشام بن عبد الملك:
وكان أحول، خشنا فظا، غليظا، يجمع الأموال (1).
ونقل أيضا:
وبعث عبد الملك إلي عامله في الجزيرة يأمره بإحصاء الجماجم واعتبار الناس كلهم عمالا، وأن يجمع ما يجنيه كل انسان في مجموع السنة، ويأخذ منه ما يبقي من نفقته، فأحصاهم العامل واعتبرهم عمالا بأجر معين، واستثني من مجموع الدخل السنوي نفقتهم و كسوتهم في تمام السنة، فوجد أنه يبقي لكل فرد أربعة دنانير، فألزمهم بدفعها.
هذا نموذج من الحياة الاقتصادية وتوزيع الثروة، المخالف لمبادئ الاسلام الاقتصادية وقوانينه العادلة، إضافة إلي الظلم السياسي والقتل والارهاب والملاحقة، فهذه الظروف السياسية والاجتماعية هي التي أحاطت بشخص الإمام الصادق (ع) وبآبائه من قبله، في ظل الحكم الأموي.
هي إحدي الأسباب التي دعت زيد بن علي إلي الثورة، فاختار الكوفة منطلقا لثورته: و أقام فيها بضعة عشر شهرا وأرسل دعاته إلي الآفاق (2).
وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه ويبايعونه حتي أحصي ديوانه خمسة عشر ألف رجل من الكوفة خاصة، سوي أهل المدائن والبصرة وواسط والمواصل وخراسان والري و جرجان (3).
والمتأمل في هذه الوثيقة التأريخية السياسية يدرك بوضوح سخط الأمة علي الحكم الأموي، وانتشار روح الثورة في معظم الحواضر والمراكز الاسلامية الكبري، مما يعكس طبيعة الحكم، ويكشف حقيقته المنافية لكل القيم الاسلامية ونستطيع أن نكتشف هذه الحقيقة عن طريق التأمل في سلوك الحكام الأمويين، الذي عرضنا
١ - المسعودي / مروج الذهب / ج / ٣ ص ٢٠٥.
٢ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ١٣٥.
٣ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 135.
(١٨٩)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (2)، الدولة الأموية (2)، مدينة الكوفة (2)، هشام بن عبد الملك (2)، زيد بن علي (1)، خراسان (1)، السلاح (1)، الظلم (3)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (2)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (2)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)

صفحه 190

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٠
جانبا منه آنفا منه آنفا من جهة، وطبيعة الثورات وشخصية القيادات التي تقودها من جهة أخري، فزيد الثائر القائد هو الذي وصفه أبو الجارود بقوله:.
قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن (1).
ووصفه الطبري بقوله: وكان عابدا، ورعا، سخيا، شجاعا.
وهو الذي أيده ومال إليه أبو حنيفة النعمان بن ثابت مؤسس المذهب الحنفي، فأفتي بصرف الزكاة لنصرة زيد، وحوكم وأوذي بسببها، وقد سجل كثير من المؤرخين والكتاب هذه الحقيقة، نذكر منهم الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم الذي كتب في دور فقيه المذهب الحنفي ورأيه في الحكم الأموي، وفي ثورة زيد، وحق آل البيت (ع) بالخلافة:.
وكان ينكر - يعني أبا حنيفة - علي بني أمية استيلاءهم علي منصب الخلافة بغير حق، واستيلاءهم علي السلطة بقوة السيف وادهاء، لذلك كان ميالا بقلبه نحو الامام علي بن أبي طالب وأبنائه (ع) الذين ذهبوا ضحية ظلم الأمويين وعسفهم، وكان أشد ما يحزن أبا حنيفة مقتل زيد بن علي زين العابدين، الذي كان في نظره إماما عادلا جديرا بالخلافة لمناقبه الباهرة، وظل أبو حنيفة علي ولائه لآل البيت وعدائه للأمويين حتي أنه رفض أن يشغل أي منصب في دولتهم، وكان يظهر أحيانا خلال دروسه بعاطفته و ميله نحو العلويين، الامر الذي جعل ابن هبيرة والي الكوفة ينقم عليه، وظل يراقبه و يتلمس له أي خطأ يقع منه لكي يعاقبه، فلما كلفه بتولي القضاء ورفض، اعتبر ابن هبيرة ذلك عدم ولاء للدولة، فضربه وسجنه، واستطاع أبو حنيفة بمساعدة حارس السجن أن يهرب ويلجأ إلي مكة ليقيم فيها، وظل فيها إلي أن قامت الدولة العباسية، واستتب لها الأمر فعاد إلي الكوفة (2).
ثورة زيد بن علي (ع) سنة 121 ه.:
في هذه الظروف القاسية المرعبة قرر زيد اعلان الثورة والانطلاق من الكوفة، وكان الجميع يعلقون آمالهم علي ثورة زيد، ويلحون عليه بالإسراع والاستجابة.
ولم يكن زيد ليعلن الثورة من أجل أن يتولي الخلافة والإمامة بنفسه، بل كان يدعو إلي الرضي من آل محمد - أي خيرة آل محمد (ص) -، وكان يعرف أن أخاه الباقر (ع) هو امام آل محمد (ص) في عصره، وقد حدث زيد أخاه الباقر (ع) بذلك واستشاره، وكان ينوي تسليم الامر إليه بعد نجاح الثورة، الا أن الإمام الباقر (ع) أخبره بأنه روي عن آبائه عن جده رسول الله (ص) مدة حكم بني أمية، وأنه يقتل ان هو تصدي
1 - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص 135.
2 - محمد إسماعيل إبراهيم / أئمة المذاهب الأربعة / ص 48 مصطفي الشكعة / الأئمة الأربعة / ط 1 دار الكتاب اللبناني / ص 114 - 116، بلفظ آخر. ابن خلكان / وفيات الأعيان / ج 5 / ص 406، وجاء فيه أن ابن هبيرة ضربه (110) أسواط، في كل يوم عشرة أسواط، الا أنه أصر علي رفضه منصب القضاء.
(١٩٠)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (3)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الدولة الأموية (1)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مدينة الكوفة (3)، النعمان بن ثابت (1)، بنو أمية (2)، أبو الجارود (1)، زيد بن علي (2)، القرآن الكريم (1)، الزكاة (1)، القتل (3)، الرفض (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، الضرب (1)

صفحه 191

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩١
لهشام وثار ضده.
قال المسعودي:.
وقد كان زيد بن علي شاور أخاه أبا جعفر (الباقر) بن علي بن الحسين] ع [، فأشار عليه بأن لا يركن إلي أهل الكوفة، إذ كانوا أهل غدر ومكر، وقال له: بها قتل جدك علي، وبها طعن عمك الحسن، وبها قتل أبوك الحسين، وفيها وفي أعمالها شتمنا أهل البيت، وأخبره بما كان عنده من العلم في مدة ملك بني مروان، وما يتعقبهم من الدولة العباسية، فأبي الامام ما عزم عليه من المطالبة بالحق، فقال له: اني أخاف عليك يا أخي أن تكون غدا المصلوب بكناسة الكوفة، وودعه أبو جعفر، وأعلمه أنهما لا يلتقيان (1).
وقد روي أبو الفرج الأصفهاني رواية عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع)، قال:.
رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب - ركاب فرسه - ويسوي ثيابه علي السرج (2).
وهو دليل علي التأييد والاحترام والحب لزيد الثائر، ولم لا؟ ألم يكن خروجه طلبا لاصلاح أمة جده التي أذاقها حكام الجور الظلم؟ وهو الذي بلغ تعلقه بهدفه السامي ذاك أن قال يوما لصاحب له يدعي البابكي، وهو يشير بيده إلي نجم الثريا في السماء:
يا بابكي! أما تري هذه الثريا، أتري أحدا ينالها؟ قلت: لا، قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها، فأقع إلي الأرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة، وأن الله أصلح بين أمة محمد (ص) (3).
وصدق الإمام الباقر (ع)، فقد ثار زيد وقتل في الكوفة، و دفنه أصحابه سرا، فأمر هشام بن عبد الملك الأموي باخراج جثته من قبره وصلبه عريانا ففعل به ذلك!!.
عن جابر بن عبد الله، عن أبي جعفر (الباقر):.
قال رسول الله (ص) للحسين: يخرج رجل من صلبك يقال له زيد، يتخطي هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين، يدخلون الجنة بغير حساب (4).
فكان مقتل زيد الشهيد والتمثيل به حدثا مروعا هز وجدان الأمة المسلمة، وألهب المشاعر، وأذكي روح الثورة، فعجل بنهاية الحكم الأموي، ولم يستمر أكثر من أحد عشر عاما بعد مقتل زيد، كانت مليئة بالثورات والانتفاضات التي قادها رجال من آل البيت النبوي الكريم.
ولم تكن لتمر هذه المأساة وأمثالها من المآسي والمحن التي فجع بها آل البيت
١ - المسعودي / مروج الذهب / ج ٣ / ص ٢٠٦.
٢ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 129.
3 - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص 129.
4 - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص 130.
(١٩١)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (4)، مدينة الكوفة (3)، هشام بن عبد الملك (1)، جابر بن عبد الله (1)، زيد بن علي (2)، جعفر بن محمد (1)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (1)، القتل (7)، القبر (1)، الشهادة (1)، الصّلب (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)

صفحه 192

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٢
النبوي الشريف والأمة المسلمة دون أن تؤثر في نفس الإمام الصادق (ع)، ومدي، حركته و نشاطه السياسي والاجتماعي، لذلك نجده قد عكف علي الاتجاه العلمي، وعلي العناية بحفظ الشريعة، وتربية جيل من العلماء وحملة العلم والفقه والحديث، بعد أن رأي نفسه مقيدا لا يستطيع الحركة والتصدي السافر للسلطة الحاكمة. ومع ذلك فإن هشام بن عبد الملك كان يخشي الإمام الصادق وأباه الباقر (ع)، ويخاف من تعاطفهم مع الثوار العلويين، لذلك استدعاهما إلي الشام للتحقيق معهما، فلم يجد حجة للنيل منهما أو الاعتداء عليهما، فعادا إلي المدينة بعناية ربانية قاهرة.
سقوط الدولة الأموية سنة 132 ه:
أما الحدث الثاني الخطير في مرحلة امامة جعفر بن محمد الصادق (ع) فهو سقوط الدولة الأموية، وقيام دولة بني العباس، وقد قامت دعوة الثورة ضد الأمويين تحت شعار الولاء لأهل البيت النبوي (ع) والانتصار لهم، الا أن بني العباس كانوا يعملون سرا لتكون الخلافة لهم، وقد كانت في بداية الدعوة إلي إبراهيم بن محمد العباسي، ولما قتل عهد بالبيعة لأخيه أبي العباس عبد الله بن محمد العباسي، ولما علم أبو سلمة الخلال بموت إبراهيم وانتقال البيعة لأبي العباس، خاف من هذا التحول واتجه إلي الإمام جعفر الصادق (ع) بالبيعة، فكتب كتابا بنسختين، إحداهما للإمام الصادق (ع) والأخري لعبد الله بن الحسن (1)، وهو من أشراف العلويين ومن نقبائهم بعد الإمام الصادق (ع)، ثم أمر الرسول أن يذهب بكتابه إلي الإمام الصادق (ع). وكان قد دعا الإمام الصادق في هذا الكتاب للحضور إلي الكوفة لتتم البيعة بالخلافة له، وأمر الرسول أن يتعرف علي جواب الإمام الصادق (ع)، فإن أجاب بالموافقة فلا يتوجه بعده إلي أحد، فهو الامام والرجل المؤهل للقيادة، والا فليتوجه (الرسول) إلي عبد الله بن الحسن، فحمل الرسول الرسالة، وتوجه إلي الإمام الصادق (ع)، فأخبره بما عنده فلم يجبه الصادق (ع)، ولكنه أخذ الرسالة فأحرقها أمام الرسول، وقال له: عرف صاحبك بما رأيت، ثم أنشأ يقول، متمثلا بقول الكميت بن زيد:.
أيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها - ويا حاطبا في غير حبلك تحطب (2).
فخرج الرسول من عنده، وأتي عبد الله بن الحسن فتناول الكتاب وقرأه فسر به، الا أنه لم يستطع تقرير موقف، أو إتخاذ قرار بأمر خطير كهذا، دون أن يطلع الإمام الصادق (ع)، وكان يتصور أنه سيلقي التأييد والترحاب بهذا الطلب من الإمام الصادق (ع)، الا أن الامام أخبره بالذي حدث منه مع الرسول، ونهاه عن الاستجابة، و حذره من العاقبة.
فقد كان الإمام الصادق (ع) يعرف سير الاحداث ويدرك نتائجها، ولديه علم عن
1 - جاء في بعض الاخبار أنه كتب كتابا لعمر والأشرف، وهو علوي بارز.
2 - المسعودي / مروج الذهب / ج 3 / ص 254.
(١٩٢)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (9)، الدولة الأموية (3)، عبد الله بن الحسن (ع) (2)، مدينة الكوفة (1)، بنو عباس (2)، إبراهيم بن محمد (1)، الكميت بن زيد (1)، عبد الله بن محمد (1)، الشام (1)، الصدق (2)، الحج (1)، الخوف (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)

صفحه 193

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٣
أبيه الباقر عن آبائه (ع) عن جدهم رسول الله (ص) بما سيجري لهم ويحدث - كما روينا ذلك عن الباقر (ع) آنفا -.
وقد جاء في الروايات أن رسول الله (ص) قال لأهل بيته:.
انا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا وتطريدا، حتي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملأوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا علي الثلج (1).
الا أن عبد الله بن الحسن لم يستجب لنصيحة الصادق (ع) وقال:
انما بريد القوم ابني محمدا لأنه مهدي هذه الأمة، فقال أبو عبد الله جعفر: والله ما هو مهدي هذه الأمة ولئن شهر سيفه ليقتلن، فنازعه عبد الله القول حتي قال له: والله ما يمنعك من ذلك الا الحسد، فقال أبو عبد الله (ص): والله ما هذا الا نصح مني لك (2).
وصدق الامام، وتمت البيعة لأبي العباس السفاح، قبل أن يعود الرسول إلي أبي سلمة الخلال.
ويتسلط العباسيون علي السلطة، فيتنكرون لآل البيت (ع)، ويفتكون بهم، بعد أن كانت دعوتهم تتستر تحت شعار الدفاع عن آل البيت (ع) وتعرض مظلوميتهم وتستميل الناس بحبهم، فعاني العلويون أشد المعاناة كما عاني غيرهم من ظلم بني العباس وجورهم و استبدادهم، حتي أن خليفتهم الأول (أبا العباس) سمي بالسفاح لكثرة ما أراق من الدماء، فاشتدت المحنة علي الإمام الصادق (ع) وضيق عليه.
ولذلك نجد أبا العباس السفاح يستدعي الإمام الصادق (ع) إلي الحيرة، ويضيق عليه، خوفا من منافسته وشموخ زعامته، ثم يحول الله بينه وبين الإمام (ع) فيعود الامام إلي المدينة، ليمارس مهامه العلمية والتوجيهية هناك. وحينما تولي أبو جعفر المنصور الخلافة ازدادت مخاوفه من الإمام الصادق (ع)، واشتد حسده لتفوق شخصية الإمام (ع) و علو منزلته في النفوس، وذيوع اسمه في الآفاق، وشموخ مكانته العلمية، حتي غطت شخصيته كل الشخصيات العلمية والسياسية في عصره، لذلك عمد أبو جعفر المنصور إلي استدعاء الإمام الصادق (ع)، وجلبه من المدينة إلي العراق مرات، ليحقق معه ويتأكد من عدم قيادته لحركات سرية ضد الحكم العباسي، لان أبا جعفر المنصور كان يعرف اتجاه الأمة وميلها للإمام الصادق (ع)، ويعرف أهليته وقوة شخصيته، بالإضافة إلي ذلك فهو يشاهد العلويين يتحركون لإنهاء التسلط العباسي، وإعادة القيادة لآل البيت النبوي.
1 - ابن ماجة / سنن ابن ماجة / ج 2 / ص 1366.
2 - المسعودي / مروج الذهب / ج 3 / ص 254.
(١٩٣)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (6)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، دولة العراق (1)، عبد الله بن الحسن (ع) (1)، بنو عباس (1)، أبو عبد الله (2)، المنع (1)، الشهادة (1)، كتاب سنن إبن ماجة (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، إبن ماجة (1)

صفحه 194

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٤
وكم حاول أبو جعفر المنصور أن يستميل الإمام الصادق (ع) إلي جانبه، الا أنه فشل، لان الإمام (ع) كان يفرض مقاطعة علي الحكم العباسي، وكان يعرف أن مقاطعته ترسم موقفا شرعيا للمسلمين، وتكشف انحراف السلطة فتضعف مركزها في النفوس، وتسلب الصفة الشرعية منها وتهيئ الأجواء المناسبة لهدمها والتخلص منها، ليكون موقفه هذا طريقا ومنهجا وأسلوبا لكل العلماء والمفكرين من السلطات الظالمة.
وقد كتب أبو جعفر المنصور إلي الإمام الصادق (ع) كتابا يطلب فيه قرب الصادق، و مصاحبته، ومما جاء في الكتاب:.
لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فكتب إليه الصادق (ع): ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك، ولا نراها نقمة فنعزيك. فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه الصادق (ع): من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك (1).
وكان أبو جعفر المنصور يزداد غيظا علي الإمام الصادق (ع) ويخشي مركزه وموقفه، إلي درجة أصبح المنصور معها حائرا عاجزا عن تحديد موقف من الإمام الصادق (ع) حتي قال فيه.
هذا الشجن (2) المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يجوز نفيه، ولا يحل قتله، ولولا ما تجمعني وإياه من شجرة طاب أصلها، وبسق فرعها، وعذب ثمرها، وبوركت في الذرية، و قدست في الزبر، لكان مني ما لا يحمد في العواقب، لما بلغني من شدة عيبه لنا، وسوء القول فينا (3).
ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية) (145 ه):
أما الحدث الثالث الخطير الذي وقع في عصر الإمام الصادق (ع)، فهو ثورة محمد ذي النفس الزكية في عصر أبي جعفر المنصور، فقد تسلم أبو جعفر المنصور السلطة سنة (136 ه) بعد أخيه أبي العباس السفاح وكان من أشد الحكام الذين سبقوه نقمة وعداوة لآل البيت النبوي (ع).
وكان عصره عصر ضيق وشدة علي عموم المسلمين، فحركت هذه الاحداث محمد بن عبد الله بن الحسن - ابن عم الإمام الصادق (ع) -، وقد عرضنا فيما سبق من البحث موقف الإمام الصادق (ع) من تصدي عبد الله بن الحسن وولده محمد للخلافة، وأنه كان علي يقين من فشل الحركات العلوية، وقد كان في حواره مع عبد الله بن الحسن في بداية الدعوة العباسية - قبل ثلاثة عشر عاما - قد أخبره بأن
1 - محمد أبو زهرة / الإمام الصادق / ص 139.
* الشجن: العود الصغير الذي إذا اعترض في فم الانسان فمن الصعب ابتلاعه أو لفظه خارج الفم.
3 - محمد أبو زهرة / الإمام الصادق / ص 138.
(١٩٤)
مفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (8)، عبد الله بن الحسن (ع) (3)، محمد بن عبد الله (1)، الصدق (3)، القتل (1)، الجواز (1)

صفحه 195

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٥
الخلافة لا تكون الا لبني العباس، وأن ابنه محمدا يقتله المنصور، فقد جاء في حوار الإمام الصادق (ع) مع عبد الله بن الحسن.
ان هذا - يعني أبا جعفر المنصور - يقتله علي أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بعده بالطفوف، وقوائم فرسه في الماء. ثم قام مغضبا يجر رداءه، فتبعه أبو جعفر (يعني المنصور وكان حاضرا المحاورة) فقال: أتدري ما قلت يا أبا عبد الله؟ قال: إي والله أدريه، وانه لكائن (1).
فلما ولي أبو جعفر الخلافة سمي جعفرا (الصادق)، وكان إذا ذكره قال: قال لي الصادق جعفر بن محمد كذا وكذا، فبقيت عليه (2).
لقد ثار محمد ذو النفس الزكية ضد ظلم أبي جعفر المنصور وتسلطه، ولم يكن الإمام الصادق (ع) يحمل في نفسه ضد المنصور، الا نفس الموقف والاحساس الذي يحمله محمد بن عبد الله بن الحسن، الا أن الفارق بينهما هو وضوح الرؤية، وشخوص الحقيقة للإمام الصادق، وخفاؤها علي ابن عمه محمد، لذلك كان (ع) يعارض الحركة، لأنه يعلم فشلها و ما تجر من مآس ومحنة علي آل البيت (ع) عامة، وقد صدق ما أخبر به الإمام الصادق (ع).
وقد حدثنا التاريخ أن محمدا ذا النفس الزكية قد دعا لنفسه وعاش فترة متخفيا، و عند ما قبض علي أبيه وأبناء عمومته وأهله، أعلن الثورة في المدينة ثم فشلت الثورة وقتل محمد، كما قتل ابنه علي في مصر من بعده، وابنه عبد الله في السند، وقبض علي ابنه الحسن في اليمن فحبس فيها ومات، واغتيل أخوه إدريس بالسم في بلاد المغرب، و أعلن الثورة أخوه إبراهيم من البصرة، وتوجه مع أنصاره باتجاه الكوفة، ولما بلغ المنصور خروجه، تحول فنزل الكوفة، حتي يأمن غائلة أهلها، وألزم الناس بلبس السواد - شعار الولاء للدولة العباسية - وجعل يقتل كل من اتهمه، أو يحبسه) (3).
وقد أدي ذلك إلي القضاء علي معظم مؤيدي الحركة، وأخيرا قتل إبراهيم علي مقربة من الكوفة.
وهكذا انتهت الثورة العلوية وجرت معها الكوارث والويلات علي آل البيت (ع)، ولم يكن الإمام الصادق (ع) ليسلم من هذه المحنة، فقد كان الخليفة العباسي (المنصور) يطارده الخوف والشك من الإمام الصادق (ع)، ويتصوره اليد المحركة لكل حركة وثورة ضد بني العباس، لذلك نجده يستدعي الإمام الصادق (ع) إلي العراق عند ما اشتد ساعد الدعوة التي قام بها محمد ذو النفس الزكية، ويتهم الامام بالمناوأة وإسناد ذي النفس الزكية، ويضيق عليه ويجري معه محاكمة ليشعره
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 256.
2 - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص 256. الشهرستاني / الملل والنحل / ج 1 / ط (القاهرة) / ص 139، وفيه: (وأخبرهم الصادق بجميع ما تم عليهم).
3 - الذهبي / العبر في خبر من غبر / ط (بيروت) / ج 1 / ص 53.
(١٩٥)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (5)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، دولة العراق (1)، عبد الله بن الحسن (ع) (2)، مدينة الكوفة (3)، بنو عباس (2)، مدينة البصرة (1)، جعفر بن محمد (1)، الصدق (2)، التصديق (1)، القتل (7)، الخوف (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (2)، مدينة بيروت (1)

صفحه 196

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٦
بالرقابة والمتابعة، ثم يقتنع أبو جعفر بعد أن يستمع إلي ردود الإمام الصادق (ع) بعدم صدق التقارير والوشايات الواردة فيخلي عنه. كما استدعاه مرة أخري من المدينة إلي العراق بعد مقتل محمد ذي النفس الزكية واتهمه بجمع الأموال والسلاح من أتباعه و أنصاره والإعداد للثورة، ثم يحضر الجواسيس الذين نقلوا التقارير والمعلومات الكاذبة لمقابلة الامام ومواجهته بما نسبوه إليه، فيحضر الرجل ويطلب الإمام الصادق منه أن يقسم بأن ما نقله ونسبه إلي الإمام الصادق هو صحيح فأقسم بقوله.
والله الذي لا اله الا هو الغالب الحي القيوم، فيرد عليه الإمام الصادق (ع): لا تعجل في يمينك فاني أستحلفك.
فيسأل المنصور الإمام الصادق (ع): ما أنكرت من هذه اليمين؟ فيرد الصادق بمعرفة العالم بالتوحيد والربوبية:.
ان الله حي كريم، إذا أثني عليه عبده لا يعاجله بالعقوبة، ولكن قل أيها الرجل:
أبرأ إلي الله من حوله وقوته وألجأ إلي حولي وقوتي اني لصادق فيما أقول).
فقال المنصور: احلف بما استحلفك أبو عبد الله به.
فحلف الرجل بهذه اليمين، فلم يستتم الكلام حتي خر ميتا، فاضطرب المنصور وارتعدت فرائصه، وقال للصادق (ع).
يا أبا عبد الله سر من عندي إلي حرم جدك، ان اخترت ذلك، وان اخترت المقام عندنا لم نأل في اكرامك وبرك، فوالله لا قبلت قول أحد بعدها أبدا (1).
المقام العلمي للإمام الصادق (ع) بشهادة العلماء:.
قال الشيخ المفيد رحمه الله: … كان الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (ع) من بين أخوته خليفة أبيه محمد بن علي (ع)، ووصيه القائم بالإمامة من بعده، وبرز علي جماعتهم بالفضل، وكان أنبههم ذكرا وأعظمهم قدرا، وأجلهم في العامة والخاصة، و نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله (ع)، فان أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات علي اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل (2).
ونقل المحقق العلامة السيد محسن الأمين: ان الحافظ ابن عقدة الزيدي جمع في كتاب رجاله أربعة آلاف رجل من الثقات الذين، رووا عن جعفر بن محمد فضلا عن غيرهم، وذكر مصنفاتهم (3).
1 - يراجع الإمام الصادق لمحمد أبو زهرة / ص 46.
2 - الشيخ المفيد / الارشاد / ص 270.
3 - السيد محسن الأمين / أعيان الشيعة / ج 1 / ص 661.
(١٩٦)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (5)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، دولة العراق (1)، كتاب الثقات لابن حبان (2)، الشيخ المفيد (قدس سره) (2)، أبو عبد الله (1)، جعفر بن محمد (2)، الصدق (5)، التصديق (1)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (1)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)

صفحه 197

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٧
ونقل أيضا.
روي النجاشي في رجاله بسنده عن الحسن بن علي الوشاء في حديث أنه قال: أدركت في هذا المسجد (يعني مسجد الكوفة) تسعمئة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد، وكان عليه السلام يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب، وحديث علي حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل (1).
ونقل ابن شهرآشوب في مناقبه: قال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلي جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين، ولا تخلو كتب أحاديث وحكمة وزهد وموعظة من كلامه، يقولون: قال جعفر بن محمد الصادق، قال جعفر الصادق. (2) ونقل أيضا عن حلية الأولياء لأبي نعيم إن جعفرا الصادق حدث عنه من الأئمة والاعلام: مالك بن أنس، وشعبة ابن الحجاج، وسفيان الثوري، وابن جريح، وعبد الله بن عمرو، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر، وحاتم بن إسماعيل، وعبد العزيز بن المختار، ووهب بن خالد، وإبراهيم بن طحان في آخرين، قال: وأخرج عنه مسلم في صحيحه محتجا بحديثه، وقال غيره: وروي عنه مالك والشافعي والحسن بن صالح وأيوب السختياني وعمرو بن دينار وأحمد ابن حنبل وقال مالك بن أنس: ما رأت عين، ولا سمعت أذن، ولا خطر علي قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا و علما وعبادة وورعا (3).
ووصفه المؤرخ اليعقوبي فقال: وكان أفضل الناس وأعلمهم بدين الله، وكان أهل العلم الذين سمعوا منه إذا رووا عنه، قالوا أخبرنا العالم (4).
وتحدث الأستاذ محمد فريد وجدي صاحب دائرة المعارف القرن العشرين عنه فقال: أبو عبد الله جعفر بن الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو أحد الأئمة الاثني عشر علي مذهب الإمامية، كان من سادات أهل البيت النبوي، لقب بالصادق لصدقه في كلامه، وكان من أفاضل الناس، وله مقالات في صناعة الكيمياء (5).
ثم أضاف قائلا: وكان تلميذه أبو موسي جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي قد ألف كتابا يشتمل علي ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق، وهي خمسمئة رسالة (6).
١ - الأمين / أعيان الشيعة / ج ١ / ص ٦٦١.
٢ - ابن شهرآشوب / المناقب / ج ٤ / ص ٢٤٩.
٣ - ابن شهرآشوب / المناقب / ج ٤ / ص ٢٤٧.
٤ - اليعقوبي / تاريخ اليعقوبي / ج ٢ / ص ٣٨١.
٥ - محمد فريد وجدي / دائرة المعارف القرن العشرين / ط ٣ / ج ٣ / ص ١٠٩.
٦ - محمد فريد وجدي / دائرة المعارف القرن العشرين / ط 3 / ج 3 / ص 109. ابن طولون / الأئمة الاثنا عشر / دار صادر (بيروت) / ص 85.
(١٩٧)
مفاتيح البحث: كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، مسجد، جامع الكوفة (1)، كتاب رجال النجاشي (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، عبد العزيز بن المختار (1)، الحسن بن علي الوشاء (1)، عمرو بن أبي المقدام (1)، حاتم بن إسماعيل (1)، سفيان بن عيينة (1)، إسماعيل بن جعفر (1)، سفيان الثوري (1)، سليمان بن بلال (1)، الحسين بن علي (1)، جابر بن حيان (1)، روح بن القاسم (1)، ابن شهرآشوب (3)، الحسن بن صالح (1)، مالك بن أنس (1)، جعفر بن محمد (2)، الصدق (6)، كتاب أعيان الشيعة للأمين (1)، مدينة بيروت (1)

صفحه 198

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٨
وتحدث أبو الفتح الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) عن الإمام الصادق (ع) وقال:
وقد أقام بالمدينة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض علي الموالين له أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدة، ما تعرض للإمامة - أي للسلطة - قط، ولا نازع أحدا في الخلافة قط. ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلي ذروة الحقيقة لم يخف من حط (1).
وهذا مالك بن أنس امام المالكية يقول في جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: كنت أري جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي اخضر واصفر، و لقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه الا علي ثلاث خصال: اما مصليا، واما قائما، و اما يقرأ القرآن، وما رأيته يحدث عن رسول الله الا علي الطهارة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه (2).
وتحدث الأستاذ محمد أبو زهرة شيخ الأزهر عن الإمام الصادق (ع) فقال: أما بعد فإننا قد اعتزمنا بعون الله وتوفيقه أن نكتب عن الإمام جعفر الصادق، وقد كتبنا عن سبعة من الأئمة الكرام، وما أخرنا الكتابة ة عنه لأنه دون أحدهم، بل أن له فضل السبعة علي أكثرهم، وله علي الأكابر منهم فضل خاص فقد كان أبو حنيفة يروي عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الامام مالك يختلف إليه دارسا راويا، وكان له فضل الأستاذية علي أبي حنيفة ومالك: فحسبه ذلك فضلا، ولا يمكن أن يؤخر عن نقص، ولا يقدم غيره عليه عن فضل، وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين (ع) الذي كان سيد أهل المدينة في عصره فضلا وشرفا ودينا وعلما، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري، وكثيرون من التابعين، وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلي لبابه، فهو ممن جمع الله تعالي له الشرف الذاتي والشرف الإضافي، بكريم النسب والقرابة الهاشمية والعترة المحمدية (3).
مدرسة الإمام الصادق (ع).
وكما عرفنا سابقا، فإن الإمام جعفر بن محمد (ع) هو أستاذ العلماء وامام الفقهاء، وهو امام عصره كما هو امام العصور وأستاذ الأجيال.
وقد انصرف هو وأبوه الباقر (ع) لإنشاء مدرسة أهل البيت العلمية، في مسجد رسول الله (ص) في المدينة المنورة، ثم أستمر في تنمية هذه الجامعة العلمية، ومواصلة حماية الشريعة، والدفاع عن عقيدة التوحيد بعد أبيه الباقر (ع)، وقد تخرج علي يده جيل من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والفلاسفة وعلماء الطبيعة … الخ.
وقد نشأت في عهد الإمام الصادق (ع) فرق ومذاهب فقهية واعتقادية كثيرة، كان
1 - الشهرستاني / الملل والنحل / ج 1 / ص 147.
2 - المستشار عبد الحميد الجندي / الإمام جعفر الصادق / ص 159.
3 - محمد أبو زهرة / الإمام الصادق / ص 3.
(١٩٨)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (6)، دولة العراق (1)، المدينة المنورة (1)، مالك بن أنس (1)، جعفر بن محمد (1)، القرآن الكريم (1)، الكرم، الكرامة (1)، الصدق (3)، السجود (1)، الوسعة (1)، الطهارة (1)، عبد الحميد (1)

صفحه 199

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٩
موقف الإمام الصادق (ع) منها هو التسديد والحوار العلمي والنقد الشرعي النزيه.
والذي يتابع منهج الامام، ومهمته العلمية يكتشف أنه (ع) كان يستهدف بعمله ومدرسته الهدفين الآتيين.
أولا - حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية الالحادية والمقولات الضالة التي انتشرت في عصره، كالزندقة والغلو، والتأويلات الاعتقادية التي لا تنسجم و عقيدة التوحيد، التي نشأت كتيار كونته الفرق الكلامية والمدارس الفلسفية الشاذة، لذا انصبت جهود الإمام (ع) علي الحفاظ علي أصالة عقيدة التوحيد ونقاء مفهومها، و ايضاح جزئياتها وتفسير مضامينها، وتصحيح الأفكار والمعتقدات في ضوئها، وقد درب تلامذته أمثال هشام بن الحكم علي علم الكلام والجدل والمناظرة والفلسفة، ليقوموا بالدفاع عن عقيدة التوحيد وحمايتها من المعتقدات الضالة، كمعتقد الجبر والتفويض، والتجسيم، والغلو، وأمثالها من الآراء والمعتقدات الشاذة عن عقيدة التوحيد.
ومن يقرأ آثار الامام ومناظراته وتوجيهاته وحواره يستطيع أن يكتشف هذه الحقيقة واضحة جلية، ويستطيع أن يدرك معني التوحيد، ويفهم أصالته ونقاءه، وقد برئ الإمام (ع) من هؤلاء الخارجين علي عقيدة التوحيد، كما برئ آباؤه منهم من قبل، فقد حدثنا التاريخ والرواة عن هذه الآراء الضالة، وعن موقف الإمام الصادق (ع) منهم ما يزيدنا وضوحا ومعرفة بتلك المقالات الضالة وببراءة أهل البيت (ع) منهم.
عن سدير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ان قوما يزعمون أنكم آلهة، يتلون بذلك علينا قرآنا: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) (1) فقال (ع): (يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، وبرئ الله منهم، ما هؤلاء علي ديني ولا علي دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة الا وهو ساخط عليهم (2).
ومن الجدير بالذكر هنا أن فرقا كثيرة حاولت أن تستغل اسم أهل البيت (ع)، لتتستر علي عقائدها المنحرفة الخارجة علي عقيدة الاسلام، التي حمل أهل البيت (ع) وأتباعهم وتلامذتهم لواءها، ودافعوا عن أصالتها ونقائها.
ثانيا - نشر الاسلام: أما الهدف الثاني لمدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) وجهوده العلمية فهو نشر الاسلام، وتوسيع دائرة الفقه والتشريع، وتثبيت معالمها، و حفظ أصالتها، إذ لم يرو عن أحد من الحديث، ولم يؤخذ عن امام من الفقه والأحكام، ما أخذ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).
ولذا اعتبرت أحاديثه، وفتاواه، وما أخذ عنه، أساسا وقاعدة لاستنباط الفقه والأحكام لدي العلماء والفقهاء، والسائرين علي نهج والملتزمين بمدرسته،
1 - الزخرف / 84.
2 - الكليني / الكافي / ج 1 / ص 269.
(١٩٩)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (3)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (4)، مسألة الجبر والإختيار (الجبر والتفويض) (1)، يوم القيامة (1)، هشام بن الحكم (1)، الهدف (1)

صفحه 200

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٠
والمنتسبين إلي مذهبه الذي سمي باسمه (المذهب الجعفري).
وفاته (ع) انتقل الإمام الصادق (ع) إلي الملكوت الأعلي في شهر شوال سنة (148 ه) في مدينة جده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، عن عمر ناهز ال (65) سنة، قضاها بالعلم والعمل والسعي والجهاد والفضل والتقوي، صابرا محتسبا إلي الله من أذي الحكام الظلمة، وقد دفن في مقبرة البقيع مع أبيه الإمام الباقر وجده الإمام السجاد وجدته فاطمة الزهراء والإمام الحسن السبط عليهم السلام.
الإمام موسي بن جعفر الكاظم (ع).
مولده ونشأته.
الإمام موسي بن جعفر الكاظم (ع) سليل أهل بيت النبوة، وهو الإمام السابع من أئمة المذهب الجعفري، وأمه (أم ولد) اسمها حميدة، أندلسية الأصل ويقال بربرية، ويقال رومية، وتكني لؤلؤة. ولد الإمام موسي بن جعفر أيام الخليفة الأموي مروان بن الحكم في الأبواء (البلد الذي توفيت فيه السيدة آمنة بنت وهب (ع) أم الرسول الأكرم محمد (ص)، ودفنت فيه، وهو بين مكة المكرمة والمدينة المنورة) وكانت ولادته يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة 128 ه.
عاش الإمام موسي بن جعفر الكاظم (ع) في كنف أبيه الإمام الصادق (ع)، ودرج في مدرسته العلمية الكبري التي توافد عليها العلماء والفقهاء والفلاسفة والمحدثون، فورث علوم أبيه، وشب علي صفاته وأخلاقه وخصائصه. ولجلال قدره وسمو صفاته وكمال ذاته لقب بالعبد الصالح، وزين المجتهدين، والكاظم لشدة تحمله وصبره وكظمه للغيظ، وباب الحوائج لوجاهته عند الله سبحانه، وقضاء الحوائج بالتوسل به، كما كني أبا الحسن الأول، وأبا إبراهيم وقد عاش مع أبيه الإمام الصادق (ع) عشرين سنة، وقيل تسع عشرة سنة، وعاش بعد أبيه (ع) وهي مدة إمامته (ع) وقيادته للأمة خمسا وثلاثين سنة، فقد تحمل مسؤولية الإمامة وأعباءها مذ كان عمره عشرين سنة.
أولاده.
أنجب الإمام الكاظم عليه السلام عددا كبيرا من الذكور والإناث فالذكور هم: الامام علي الرضا (ع)، إبراهيم، العباس القاسم، إسماعيل، هارون، الحسن أحمد، محمد، حمزة، عبد الله، إسحاق، عبيد الله، زيد، الحسن، الفضل، الحسين، سليمان.
وأما الإناث فهن: فاطمة الكبري، فاطمة الصغري، رقية، حكيمة، أم أبيها، رقية الصغري، كلثم، أم جعفر، لبابة، زينب، خديجة، علية، آمنة، حسنة، بريهة، عائشة، أم سلمة، ميمونة، وأم كلثوم (1).
النصوص علي إمامته بعد أبيه الصادق (ع).
1 - راجع الارشاد للمفيد ص 302.
(٢٠٠)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (4)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مقبرة بقيع الغرقد (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، مروان بن الحكم (1)، شهر شوال المكرم (1)، المدينة المنورة (1)، شهر صفر الظفر (1)، آمنة بنت وهب (1)، موسي بن جعفر (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)

صفحه 201

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠١
1 - دخل منصور بن حازم علي الامام أبي عبد الله (الصادق) يطلب منه تعيين الامام من بعده، قائلا: بأبي أنت وأمي، ان الأنفس يغدا عليها ويراح، فإذا كان ذلك فمن؟
فقال أبو عبد الله (ع): إذا كان ذلك فهو صاحبكم، وضرب بيده علي منكب أبي الحسن (ع) الأيمن - فيما أعلم - وهو يومئذ خماسي، وعبد الله بن جعفر جالس معنا (1).
2 - عن يزيد بن سليط الزيدي قال: لقينا أبا عبد الله الصادق (ع) في طريق مكة، ونحن جماعة، فقلن له: بأبي أنت وأمي، أنتم المطهرون، والموت لا يعري منه أحد، فأحدث إلي شيئا ألقيه إلي من يخلفني، فقال لي: نعم هؤلاء ولدي، وهذا سيدهم، وأشار إلي ابنه موسي (ع) (2).
كان عصر الإمام موسي بن جعفر (ع)، زاحرا بالتيارات والمذاهب الفلسفية والعقائدية، والاجتهادات الفقهية، ومدارس التفسير والرواية، وكانت تلك الفترة من أخطر الفترات التي عاشها المسلمون، فقد تفشي الإلحاد والزندقة، ونشأ الغلو، وكثرت الفرق الكلامية التي تحمل شتي الأفكار والآراء الاعتقادية، ودخلت علوم عديدة في استنباط الاحكام واستخرجها، كالمنطق والفلسفة والكلام وعلوم اللغة، كما وأدخل القياس والاستحسان والعمل بالرأي، وحابي بعض الفقهاء والقضاة الحكام باستنباطهم وقضائهم، ورويت في عهده الأحاديث المدسوسة والأخبار المزينة.
وعلي الرغم من حراجة هذا الظرف السياسي الذي مر علي المسلمين، عامة، والإمام موسي بن جعفر خاصة، فضلا عن تضييق الحكام عليه (ع): الا أنه لم يترك مسؤوليته العلمية، و لم يتخل عن تصحيح المسار الاسلامي بكل ما حوي من معارف وعلوم واتجاهات، فتصدي هو و تلامذته لتيارات الالحاد والزندقة وقد ذكرت كتب الرجال وتراجم الرواة والمعنيين بالحديث أن أكثر من ثلاثمئة راو رووا عن الإمام موسي بن جعفر صلوات الله وسلامه عليهما.
معاناته (ع) في عهد العباسيين.
إن دراسة الفترة التاريخية التي عاشها الإمام الكاظم عليه السلام تمثل أهم مساحة في تاريخ بني العباس، كما وإنها من الفترات الصعبة في حياة أهل البيت (ع).
تكتسب أهميتها من أهمية هذه الشخصية ودورها البارز في قيادة الأمة، ومن أهمية المرحلة التاريخية ذاتها، وطبيعة الحكام وحقيقة سياستهم الارهابية الغاشمة التي تنكرت لقيم الاسلام ومبادئه، فقد شملت هذه الفترة الزمنية العصيبة في تاريخ الاسلام وفي تاريخ أهل البيت (ع)، فترة من حياة المنصور وحياة المهدي والهادي و حياة الرشيد.
1 - الكافي للكليني ج 1 ص 309.
2 - البحار للمجلسي ج 48 ص 12، نقلا عن عيون الاخبار.
(٢٠١)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (3)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، بنو عباس (1)، أبو عبد الله (1)، يزيد بن سليط (1)، منصور بن حازم (1)، موسي بن جعفر (1)، الصدق (1)، الصّلاة (1)

صفحه 202

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٢
ومن الطبيعي أن يكتب كتاب التاريخ الرسميون للحكام ويخشون سطوتهم ويتملقونهم و يزيفون الحقائق، ويسبغون عليهم صفات العظمة والقدسية والمثالية، محاولين طمس الحقائق وتشويهها وقد دأب مؤرخو السلطات والمتزلفون للحكام الظلمة أن يمحوا صوت الحق من ضمير التاريخ، وأن يتجنبوا ذكر الرفض والمعارضة للتسلط والطغيان، بل و ربما أظهروا أهل الحق والعدل بمظهر المخربين والعصاة والخارجين علي إرادة القانون، فكم قرأنا عن تاريخ بني العباس وعن تاريخ الرشيد مثلا، وبأنه العصر الذهبي، و صحيح أن العلوم والمعارف تقدمت في هذه الفترة علي يد العلماء والأدباء والمفكرين والفقهاء والفلاسفة والباحثين، الا أن سلطان بني العباس كان يمثل الجور والتسلط والأثرة بأفظع ألوانها.
لقد تحمل الإمام الكاظم (ع) مسؤولية الإمامة في هذه الفترة الرهيبة ابتداء من سنة 148 ه وحتي سنة 183 ه وها نحن نستعرض هذه الفترة بشكل موجز ومتتابع وفق التسلسل التاريخي لسير الاحداث وتلاحق الوقائع:.
ففي عهد أبي جعفر المنصور عاني العلويون أشد المعاناة، ولحقهم الظلم والقتل والارهاب، ولوضوح الموقف لدي الإمام (ع) وعلمه بفشل المقاومة المسلحة إجتنب الاعلان عن موقفه، وأخفي معارضته لأبي جعفر المنصور حتي مرت سنون المنصور ثقيلة كئيبة علي الامام، والطالبيين بصورة خاصة، وعلي المعارضة وعموم طبقات الأمة بصورة عامة، و كان أبو جعفر المنصور قد صادر أموال العلويين، وأدخلهم السجون وطاردهم تحت كل حجر ومدر، فسفك دماءهم، وبالغ في تعذيبهم، وتفنن في أساليب القتل، فكان يبني عليهم الأسطوانات وهم أحياء، ويمنع عنهم الطعام والشراب، فيقتلهم جوعا في أعماق سجونه المظلمة الرهيبة، أو يثقلهم بالضرب والحديد حتي ينهكهم فيموتوا، وقد دامت فترة تولي الإمام الكاظم (ع) الإمامة في عهد المنصور نحو عشر سنوات حتي مات المنصور في الثالث من ذي الحجة سنة 158 ه، فآلت الخلافة من بعده لولي عهده وولده محمد المهدي، فاستقبل الناس الخبر بالارتياح، وأحسوا بطوق الارهاب قد فك عن رقابهم، الا أن الوجوم والخوف من اتجاه السياسة العباسية بصورة عامة لم يزل مخيما عليهم، والترقب والانتظار لسياسة الخليفة الجديد قد اتخذ طريقه إلي النفوس. وكان طبيعيا أن يلي الخلافة من بعده - وفق نظام الوراثة العباسي - ولده محمد المسمي بالمهدي، وكان المهدي يحس بالسياسة المجحفة الظالمة التي انتهجها أبوه، فحاول أن يخفف عن كاهل الرعية في مطلع خلافته، فأطلق سراح السجناء ورد الأموال المصادرة إلي أهلها، فشمل هذا القرار الطالبيين، فأخرجهم من السجون ورد أموالهم (1). وكان من جملة ما شمله القرار أموال الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) المصادرة، فردها إلي ولده الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام.
1 - اليعقوبي / تاريخ اليعقوبي / ج 2 / ص 394.
(٢٠٢)
مفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (3)، شهر ذي الحجة (1)، بنو عباس (2)، الطعام (1)، الخوف (1)، السلاح (1)، الظلم (1)، الموت (1)، القتل (1)، العصر (بعد الظهر) (1)

صفحه 203

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٣
وكانت هذه الفترة التي دامت من الثالث من ذي الحجة سنة 158 ه حتي 22 محرم سنة 169 ه تعتبر من أيسر فترات الحكم العباسي: بالنسبة للامام وللطالبيين، الا أن خوفه من شخصية الإمام موسي بن جعفر وقوة تأثيره لم يدعه وشأنه، ولم يفرغ قلبه من كراهية الطالبيين، والخوف من ثورتهم والتفاف جماهير الأمة ووجهائها حولهم، فتعرض للامام الكاظم وطلب من واليه علي المدينة أن يبلغ الإمام موسي بن جعفر للحضور إلي بغداد للمحاكمة والسجن، وكان ما أراد المهدي، فقد توجه الوالي بالطلب إلي الامام، في أن يتوجه إلي بغداد للحضور أمام المهدي العباسي، فشد الامام رحال السفر، وراح يطوي الفيافي والبيد مظلوما محتسبا، وسار ركبه (ع) وسارت معه قلوب شيعته وأتباعه خائفة وجلة، الا أنه كان مطمئنا إلي أن يد المهدي العباسي سوف لن تصل إليه بسوء، فأكد ذلك لاحد خواصه ومريديه.
وصل الامام بغداد عاصمة الخلافة العباسية فأمر المهدي بالقبض عليه، وزجه في السجن، ولكن عناية الله أكبر من كيد الظالمين، وحراسته لأوليائه أغلب من قوة الطغاة و وسائل تسلطهم.
لقد حدثت كرامة غيبية للإمام موسي بن جعفر (ع) إذ رأي المهدي بعد سجنه للامام، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في المنام، وهو يقول له.
يا محمد (هل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)؟.
ففزع المهدي وقام من نومه مذعورا، فاستدعي حاجبه الربيع وأمره باطلاق سراح الإمام (ع) (1).
وهكذا خرج الامام من السجن وعاد إلي مدينة جده، رسول الله (ص) ليواصل مهام الإمامة ومسؤولياتها العلمية والتوجيهية.
وبعد هلاك المهدي خلفه ابنه موسي الهادي، وكانت فترة حكمه من الفترات القاسية الرهيبة في تاريخ الطالبيين، فقد استمر الحاكم علي سياسة آبائه في كراهية العلويين - آل علي بن أبي طالب (ع) - وعامة الطالبيين، ومحاربتهم والتضييق عليهم، مما اضطر العلويين وأتباعهم إلي اعلان الثورة عليه بقيادة الحسين بن علي الخير صاحب فخ سنة 169 ه في عهد الإمام موسي بن جعفر (ع).
ونظر لأهمية هذه الثورة واعتبارها عينة تاريخية معبرة عن روح الصراع بين خط أهل البيت (ع)، وخط الحكام المنحرفين طوال فترة الحكمين الأموي والعباسي، ونظرا لعلاقتها بشخص الامام وعصره، وأهميتها في مسيرة الصراع في ذلك العصر، وشخوصها معلما من معالم الجهاد والشهادة، من أجل الدفاع عن الاسلام، ونظرا لخلودها نجما مضيئا في تاريخ الثوار المسلمين، سنذكرها بشئ من التفصيل لتكون درسا ملهما من مدرسة الاسلام لكل أجيال المسلمين ودعاة الاسلام، وحملة لواء الجهاد والشهادة من أجل الحق.
1 - ابن خلكان / وفيات الأعيان / ج 5 ص 308.
(٢٠٣)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، شهر ذي الحجة (1)، الحسين بن علي (1)، مدينة بغداد (3)، موسي بن جعفر (2)، الشهادة (2)، النوم (1)، الظلم (2)، الخوف (1)، العصر (بعد الظهر) (1)

صفحه 204

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٤
ثورة فخ.
لمعت في سماء التاريخ الاسلامي وآفاقه أماكن وأحداث وشخصيات، ونزفت من قلب هذه الأمة وشرايينها دماء طاهرة سقت شجرة الايمان، وخطت فصول المجد والجهاد بأحرف مضيئة وبعناوين لامعة.
ومن هذه الأماكن والاحداث والشخصيات والدماء أرض فخ ووقعتها الكبري، وقائدها العلوي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والكوكبة النيرة من طلائع آل أبي طالب، فكانت فخ حقا نجما في سماء التاريخ، كما كانت كربلاء المقدسة.
ان الذي يقف علي وقعة فخ ومأساتها وأهميتها التاريخية والحركية، يدرك أنها تكرار لواقعة كربلاء وصدي لصوت الحسين السبط الشهيد (ع)، حتي أن الذي يقرأ تقريع زينب لأهل الكوفة، ويصغي إلي لوعتها وشكواها، لا يشك أن كربلاء تكررت في فخ، وأن مأساة أهل البيت تجددت في هذه الأرض الطاهرة، فزينب بنت الامام علي بن أبي طالب، بنت فاطمة بنت رسول الله الطاهرة (ص) بالأمس تخاطب أهل الكوفة، بعد أن شهدت المأساة ووقفت علي مصارع أهل البيت (ع) وقتلاهم.
(ويلكم، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟
وأي حرمة له انتهكتم؟).
ويعيد التاريخ نفسه فيحدثنا أن زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب أم الحسين بن علي الخير صاحب ثورة فخ الشهيرة تعيش المأساة نفسها، وتعاني اللوعة ذاتها، تلك المرأة العابدة التي قتل أبو جعفر المنصور أباها وأخاها و عمومتها وبنيهم وزوجها، فكانت تلبس المسوح ولا تجعل بين جسدها وبينها شعارا حتي لحقت بالله عز وجل، وكانت تندبهم وتبكي حتي يغشي عليها، ولا تذكر أبا جعفر بسوء تحرجا من ذلك وكراهة لان تشفي نفسها بما يؤثمها ولا تزيد علي أن تقول.
(يا فاطر السماوات والأرض، يا عالم الغيب والشهادة، الحاكم بين عباده أحكم بيننا و بين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين) (1).
ثم يأتي دور الحسين ولدها العلوي الثائر ليقتفي أثر الحسين السبط الشهيد، ويحمل راية الجهاد والشهادة، فيراق دمه الطاهر ويفجع به رسول الله (ص)، كما فجع من قبل في كربلاء، ولقد كانت هاتان الواقعتان (كربلاء، فخ) عظيمتين علي نفس رسول الله وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكان قد أنبأ عنهما وبكي ألما ولوعة لما يجري علي أهل بيته فيهما.
اخبار النبي (ص) بواقعة فخ.
مر النبي (ص) بفخ فنزل فصلي ركعتين، فلما صلي الثانية بكي وهو في الصلاة، فلما
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 431.
(٢٠٤)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، واقعة الطف (1)، عبد الله بن الحسن (ع) (1)، مدينة كربلاء المقدسة (4)، مدينة الكوفة (2)، الحسن بن علي بن أبي طالب (1)، الحسين بن علي بن الحسن (1)، علي بن أبي طالب (1)، الحسين بن علي (1)، الشهادة (3)، القتل (1)، الركوع، الركعة (1)، الصّلاة (3)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)

صفحه 205

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٥
رأي الناس النبي (ص) يبكي بكوا، فلما انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا، يا رسول الله. قال: نزل علي جبرئيل لما صليت الركعة الأولي فقال: يا محمد ان رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان وأجر الشهيد معه أجر شهيدين (1).
روي زيد بن علي بن الحسين أن رسول الله (ص) صلي في فخ وقال: يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، وينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلي الجنة (2).
وحينما توقف الإمام جعفر بن محمد الصادق في أرض فخ في إحدي سفراته من المدينة إلي مكة نزل فيها وصلي، ثم سأله النضر بن قرواش صاحب الجمال المكراة للسفر: جعلت فداك رأيتك قد صنعت شيئا، أفهو من مناسك الحج؟: قال: لا ولكن يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلي الجنة (3).
وإذا كان وقع هذه المأساة عظيما علي نفس رسول الله (ص)، ومروعا لأهل البيت (ع) الذين لم يشهدوا هذه الواقعة، فكيف بعميد أهل البيت وامام المسلمين موسي بن جعفر الكاظم (ع) الذي عاصر المأساة، وعايش المحنة وتحمل آثارها وتبعاتها السياسية والرسالية، تلك المأساة التي وصفها الإمام محمد الجواد (ع) حفيد الإمام الكاظم (ع) بقوله.
لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ (4).
لقد تحدث التاريخ عن أن موسي الهادي الخليفة العباسي الذي وقعت الثورة أيام خلافته، عكس آثار هذه الثورة العلوية ونتائجها علي الإمام موسي (ع) ومن نجا من آل أبي طالب من مذابح بني العباس المروعة، فتحملها الامام بقلبه الكبير وصبره المديد وعزمه الذي لا يلين.
وقع الثورة:
لقد أعلن الحسين بن علي الخير الثورة في شهر ذي العقدة عام 169 ه في المدينة المنورة من جوار قبر جده رسول الله (ص) ضد الحكم العباسي أيام الهادي بن المهدي، الا أن ثورته أخفقت وقتل في فخ علي مقربة من مكة المكرمة.
ولعل هذه الثورة هي من أبرز ثورات أهل البيت وأكثرها لوعة وفجيعة، بعد ثورة كربلاء الشهادة التي قادها واستشهد فيها الامام السبط الحسين بن علي (ع)، فقد كان لهذه الثورة ولرجالها مقام عظيم في نفوس أهل البيت (ع)، وهي من الاحداث التاريخية الكبري التي أخبر عنها رسول الله (ص) وأهل البيت (ع).
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص ٤٣٦.
٢ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٤٣٦.
٣ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٤٣٧.
٤ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ١٦٥، نقلا عن عمدة الطالب.
(٢٠٥)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، يوم عاشوراء (1)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، بنو عباس (1)، الحسين بن علي (1)، علي بن الحسين (1)، موسي بن جعفر (1)، جعفر بن محمد (1)، الحج (1)، الصدق (1)، القبر (1)، الركوع، الركعة (1)، الشهادة (2)، القتل (5)، الصّلاة (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (2)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (3)، العلامة المجلسي (1)

صفحه 206

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٦
لقد وقعت هذه الثورة الاسلامية الرائدة بقيادة الثائر العلوي الحسين بن علي أيام الإمام موسي الكاظم (ع)، ولقد كان وقعها عظيما علي نفسه، ونتائجها ومردوداتها السياسية كبيرة علي شخص الامام وكيان الأمة، فقد روع أهل البيت في هذه الكارثة ولاقوا صنوف الأذي والظلم والاضطهاد، وقد كان الإمام (ع) عالما بنتائجها، عارفا بمصير الثورة بما حفظه عن آبائه وأجداده من أخبار وروايات، الا أن الحسين أصر علي موقفه، وقرر المضي بثورته، فلم يكن ليستوعب ويدرك رؤية الإمام موسي بن جعفر و موقفه، ولم يكن صبره يحتمل ما وقع علي أهل هذا البيت (ع) من العنت والظلم والاضطهاد، وعند ما رأي الإمام موسي بن جعفر (ع) اصرار الحسين بن علي وقراره في المضي، نعاه وقال له قول المودع الذي لا يرجو لقاءه أبدا حين رآه عازما علي المسير إلي مكة.
انك مقتول فأحد الضراب، فإن القوم فساق، يظهرون ايمانا ويضمرون نفاقا وشركا، فانا لله وانا إليه راجعون، وعند الله أحتسبكم من عصبة (1).
أسباب الثورة.
كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب: أن موسي الهادي (الخليفة العباسي) ولي المدينة إسحاق بن عيسي بن علي، فاستخلف عليها رجلا يعرف ب (عبد العزيز بن عبد الله العمري) (2)، فحمل علي الطالبيين وأساء إليهم، وأفرط في التحامل عليهم، وطالبهم بالعرض كل يوم (والعرض هو أن تقرأ قائمة بأسمائهم لمعرفة الموجود منهم من الغائب كما يفعل بالسجناء والعبيد)، وكانوا يعرضون في المقصورة، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينة ونسيبه، فضمن الحسين بن علي، ويحيي بن عبد الله ابن الحسن، الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، ووافي أوائل الحج، وقدم مع الشيعة نحو من سبعين رجلا، فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها، ولقوا حسينا وغيره، فبلغ ذلك العمري فأنكره، وكان قد أخذ قبل ذلك الحسن بن محمد بن عبد الله، وابن جندب الهذلي الشاعر، ومولي لعمر بن الخطاب (3) وهم مجتمعون، فأشاع أنه وجدهم علي شراب، فضرب الحسن ثمانين سوطا، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطا، وضرب مولي عمر سبعة أسواط، وأمر بأن يدار بهم في المدينة، مكشفي الظهور
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 447.
* في الطبري: (كان إسحاق بن عيسي بن علي علي المدينة، فلما مات المهدي واستخلف موسي شخص إسحاق وافدا إلي العراق إلي موسي، واستخلف علي المدينة عمر بن عبد العزيز ابن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وذكر الفضل بن إسحاق الهاشمي أن إسحاق بن عيسي بن علي استعفي الهادي وهو علي المدينة واستأذنه في الشخوص إلي بغداد فأعفاه و ولي مكانه عمر بن عبد العزيز).
* في الطبري: (وعمر بن سلام مولي آل عمر)، وهو الصواب.
(٢٠٦)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (2)، عبد الله بن الحسن (ع) (2)، مقبرة بقيع الغرقد (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، الحسن بن علي بن أبي طالب (1)، الحسين بن علي بن الحسن (1)، عبد العزيز بن عبد الله (1)، إسحاق بن عيسي (2)، محمد بن عبد الله (1)، الحسين بن علي (3)، موسي بن جعفر (1)، الحسن بن محمد (1)، الصبر (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، دولة العراق (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، عبد الله بن عبد الله (1)، عمر بن عبد العزيز (2)، عيسي بن علي (1)، مدينة بغداد (1)، الموت (1)

صفحه 207

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٧
ليفضحهم (1).
الا أنه كف عن ذلك وتراجع، ولكنه أخذ علي أثر ذلك يضيق علي الطالبيين ويشدد عليهم، وولي عليهم أبا بكر بن عيسي الحائك، فأساء لهم وضيق عليهم كثيرا حتي حبسهم يوم جمعة في المسجد إلي ما قبيل صلاة الجمعة، ولم يدع لهم من الوقت الا ما يكفي للوضوء، فلما أنهوا الصلاة عاد فحبسهم في المقصورة إلي العصر، ثم عرضهم فطلب الحسن بن محمد وقد تغيب ثلاثة أيام عن الحضور أمام أبي بكر بن عيسي، وقد كان علي بن الحسين ويحيي بن عبد الله قد تكفلا الحسن فلم يجده في الحاضرين، فتوجه بالقول ليحيي والحسين: لتأتيان به أو لأحبسنكما، فاشتبك معه يحيي برد عنيف وشتمه ثم نقل ابن الحائك هذا الموقف إلي العمري، فدعا يحيي والحسين فوبخهما وتهددهما فتضاحك الحسين في وجهه، ثم جري بينه وبين العمري كلام، فقال يحيي للعمري: سآتيك بالحسن بن محمد، وسأحضره ان وجدته، أو أضرب عليك بابك حتي تعلم أني قد جئتك. فاستغرب الحسين وقال:
وكيف تحضره؟ قال يحيي: ما قصدت تسليمه إليه ولكن قصدت أن أضرب عليه بابه ومعي السيف، ان قدرت عليه قتلته، فأخبر الحسين الحسن بن محمد بالحدث وقال له: قد بلغك ما كان بيننا وبين هذا الفاسق، فامض حيث أحببت، فرفض الحسن وقال: بل أجئ الساعة حتي أضع يدي بيده، فرفض الحسين ذلك وقال للحسن: سآتيك بنفسي لعل الله يقيني من النار.
ثم دعا الحسين بني هاشم وأتباعه ومواليه، فاجتمع ستة وعشرون رجلا من آل أبي طالب، وعشرة من الحاج، ونفر من الموالي، فلما أذن الصبح دخلوا المسجد وطلب عبد الله بن الحسن الأفطس من المؤذن أن يذكر في الاذان (حي علي خير العمل)، كما كانت علي عهد رسول الله (ص)، فخاف المؤذن وأذن بها، فعرف العمري أن ثورة علوية قد أعلنت، فاضطرب وخاف المؤذن وأذن بها، فعرف العمري أن ثورة علوية قد أعلنت، فاضطرب وخاف وفقد سيطرته علي نفسه، فأخذ يطلق العبارات بلا وعي و راح يصيح، وهو في داره:
(أغلقوا البغلة الباب، وأطعموني حبتي ماء)، فذهبت هذه العبارات المعبرة عن جبنه و رعديديته عارا عليه، فسمي الناس ولده (بني حبتي ماء)، ثم نفذ العلويون وعدهم واقتحموا - كما قرروا - دار العمري، ولكنه هرب ونجا من أيدي الثوار.
أما الثائر الحسين بن علي فقد صلي بالناس وخطب بعد فراغه من الصلاة، ف (أتاه الناس وبايعوه علي كتاب الله وسنة نبيه للرضي من آل محمد) (2).
وسيطر الحسين علي المدينة وكان ذلك في عام 169 من ذي القعدة ثم خرج قاصدا
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 448. وتاريخ ابن الأثير / ج 6 / ص 90.
2 - ابن الأثير / الكامل في التاريخ / ج 5 / ص 91 حوادث سنة 169 ه.
(٢٠٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن الحسن (ع) (1)، شهر ذي القعدة (1)، صلاة الجمعة (1)، يحيي بن عبد الله (1)، الحسين بن علي (1)، بنو هاشم (1)، بكر بن عيسي (2)، الحسن بن محمد (2)، القتل (1)، السجود (2)، الصّلاة (2)، الحج (1)، الأذان (3)، العصر (بعد الظهر) (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، إبن الأثير (2)

صفحه 208

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٨
مكة ليحج ويبلغ رسالته، ويدعو الناس بدعوته مستثمرا موسم الحج وتوافد الحجيج، و معه نحو مئتي رجل من أهل بيته وأتباعه، فلما قربوا من مكة ووصلوا فخا (1)، ووادي بلدح تلقتهم جيوش العباسيين واشتبكوا معهم في معركة حامية يوم التروية - وقت صلاة الصبح. ونظرا لعدم تكافؤ الجيشين فقد سحق أصحاب الحسين. فجرح هو وانكسر جيشه القليل العدد ثم أعطي الأمان فقال: والله مالكم أمان، ولكنني أقبل منكم. فلما سلم نفسه بعد أن كسر سيفه، خانوا عهده ونقضوا أمانهم، فقتلوه صبرا.
وانتهت ثورته البطولية بفاجعة مروعة، وتضحية عظيمة استشهد فيها أكثر من مئة شهيد من أولئك الثوار الابطال. فقد ذكر المؤرخون أن الجند احتزت الرؤوس فكانت مئة و نيفا، ثم حملت وأسر الباقون.
وجئ بالرؤوس إلي الخليفة موسي الهادي والعباس وعندهما من ولد الحسن والحسين، فلم يسألا أحدا منهم الا الإمام موسي بن جعفر (ع). فقالا: هذا رأس حسين؟ قال: نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون، مضي والله مسلما صالحا صواما، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله.
وحملت الاسري إلي الخليفة الهادي فأمر بقتلهم (2).
ولم يكتف القتلة بسفك الدم الحرام، والتمثيل بالشهداء، وقتل الاسري، بل عمد العمري إلي هدم الدور ومصادرة الأموال وحرق المزارع.
وقد ذكر المؤرخون. فلما بلغ العمري الخبر وهو بالمدينة عمد إلي دار الحسين ودور أهله فحرقها وقبض أموالهم ونخلهم فجعلها في الصوافي المقبوضة (3).
وجاء في رواية المؤرخ الطبري. وثب علي دار الحسين، ودور جماعة من أهل بيته و غيرهم ممن خرج مع الحسين فهدمها وحرق النخيل، وقبض ما لم يحرقه وجعله في الصوافي المقبوضة (4).
وهكذا يفعل الطغاة في كل عصر وجيل مع دعاة الهدي وطلائع الجهاد مندفعين
١ - فخ: بئر، وما بينه وبين مكة مسافة فرسخ.
٢ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ١٦٥، نقلا عن الكافي.
٣ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 455، والصوافي هي أن تحول الأموال المصادرة من الذين تسخط عليهم السلطات إلي ملكية الخليفة، وهي سنة سنها معاوية بن أبي سفيان، حيث كان يصادر ما كان للملوك في البلاد المفتوحة ويصيرها خالصة صافية لنفسه، ثم يتوارثها أبناؤه من بعده، وقد ورث الخلفاء العباسيون أملاك الخلفاء الأمويين لأنفسهم، ثم اتسع الامر فشمل أموال المسلمين المصادرة أيضا، انظر تاريخ اليعقوبي / ج 2 / ص 233، والعقد الفريد / ج 1 / ص 58.
4 - الطبري / تاريخ الطبري / ج 6 / ص 417، حوادث سنة 169 ه.
(٢٠٨)
مفاتيح البحث: مواقيت الصلاة (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (3)، الحج (2)، القتل (2)، الشهادة (1)، الباطل، الإبطال (1)، الدولة الأموية (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، العلامة المجلسي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، الوسعة (1)

صفحه 209

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٠٩
بروح الحقد والانتقام إلي القتل والسلب، ومصادرة الأموال والتشفي الاثم، لذا فقد نقلت رؤوس الشهداء إلي الخليفة العباسي موسي الهادي ووضعت بين يديه وهو يغلي حقدا وانتقاما من آل أبي طالب ومن عميدهم، وامام المسلمين موسي بن جعفر (ع)، فراح يهدد ويتوعد ويحلف علي قتل الإمام موسي ابن جعفر (ع)، حيث لم يكن ليفصل بين قيادة و توجيه الإمام موسي بن جعفر (ع) وبين هذه الثورة الاسلامية العلوية الكبري، التي أعلن عن هويتها قائدها الشهيد، وأكد أنها دعوة إلي قيادة آل محمد (ص) والالتزام بكتاب الله وسنة نبيه.
نقل العلامة المجلسي: أن موسي الهادي أمر برجل من الاسري فوبخه ثم قتله، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وأخذ من الطالبيين، وجعل ينال منهم إلي أن ذكر موسي بن جعفر صلوات الله عليه، فنال منه، و قال: والله ما خرج حسين الا عن أمره ولا اتبع الا محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله ان أبقيت عليه. فقال له أبو يوسف يعقوب ابن إبراهيم القاضي و كان جريئا عليه: يا أمير المؤمنين، أقول أم أسكت؟ فقال: قتلني الله ان عفوت عن موسي بن جعفر، ولولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان من جعفر - يقصد الإمام الصادق (ع) - من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعلمه وفضله، وما بلغني عن السفاح فيه من تقريظه وتفضيله: لنبشت قبره وأحرقته بالنار احراقا. فأخذ أبو يوسف القاضي يلح ويهدئه حتي سكن غضبه (1).
الا أن موسي الهادي لم يكن ليستقر، أو يشعر بالطمأنينة علي ملكه وهو يري موسي بن جعفر (ع) حرا طليقا يمارس دوره العلمي، ويحتل مكانته القيادية، فقرر اعتقال الامام وسجنه، وراح يهدده ويتوعده.
روي علي بن يقطين أحد خواص الإمام الكاظم (ع) فقال: انهي الخبر إلي أبي الحسن موسي بن جعفر، وعنده جماعة من أهل بيته بما عزم عليه موسي بن المهدي في أمره، فقال لأهل بيته: ما تشيرون؟ قالوا: نري أن تتباعد عنه، وأن تغيب شخصك، فإنه لا يؤمن شره.
فتبسم أبو الحسن موسي بن جعفر (ع) ثم قال.
زعمت سخينة (2) أن ستغلب ربها - وليغلبن مغلب الغلاب.
ثم رفع يده إلي السماء فقال.
اللهم كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، وأرهف لي شبا حده، وداف لي قواتل سمومه، و لم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح وعجزي عن ملمات الحوائج، صرفت عني ذلك بحولك وقوتك، فألقيته في الحفير
١ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ١٥١، نقلا عن مهج الدعوات.
* سخينة: اسم لقريش.
(٢٠٩)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (5)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، العلامة المجلسي (2)، رؤوس الشهداء (1)، علي بن يقطين (1)، القتل (3)، القبر (1)، الشهادة (1)، الوصية (1)، الجماعة (1)

صفحه 210

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٠
الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا عما رجاه في آخرته، فلك الحمد علي ذلك قدر استحقاقك. سيدي، اللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزا عما يناويه، اللهم وأعدني عليه من عدوي حاضرة تكون من غيظي شفاء، ومن حقي عليه وفاء، وصل اللهم دعائي بالإجابة، وأنظم شكايتي بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، انك ذو الفضل العظيم والمن الكريم.
قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا الا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسي بن المهدي (1).
وهكذا انتهي الصراع بين هذا الحاكم العباسي وبين الإمام موسي بن جعفر (ع) ليبدأ مرحلة جديدة مع الحاكم العباسي الجديد هارون الرشيد.
الإمام الكاظم والطاغية هارون الرشيد.
الذي يتابع بعض العبارات التي صدرت من أقرب الناس لبني العباس أو يتابع الاحداث، يدرك مدي الخوف والارهاب الذي زرعه العباسيون في نفوس الناس، ويعرف أهمية موقف الامام وتصديه لمواجهة الظلم والارهاب، وكسر حاجز الخوف عند الناس.
فمثلا، سجل التاريخ أن الفضل بن يحيي بن خالد البرمكي الذي كان من أخلص المقربين من الرشيد، يجرد من ثيابه ويضرب ويهان ويلعن في مجلس عام بطلب من الرشيد: لأنه رفه عن الإمام الكاظم وخفف عنه آلام السجن (2).
وهذا الفضل بن الربيع وهو من أبرز الساسة المقربين للرشيد، ومن أعمدة البلاط و وزرائه يتحدث عن موقف جري له، ويكشف عن عمق الخوف والارهاب في نفسه، فيرسم لنا صورة الارهاب العباسي.
قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض الجواري، فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة، فراعني ذلك، فقالت الجارية: لعل هذا من الريح، فلم يمض الا يسير حتي رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، وإذا بمسرور الكبير قد دخل علي، فقال لي: أجب الأمير، ولم يسلم علي، فيئست من نفسي وقلت: هذا مسرور، ودخل إلي بلا اذن، ولم يسلم، ما هو الا القتل، وكنت جنبا فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتي أغتسل، فقالت لي الجارية لما رأت تحيري وتبلدي: ثق بالله عز وجل، وانهض فنهضت ولبست ثيابي و خرجت معه حتي أتيت الدار، فسلمت علي أمير المؤمنين وهو في مرقده، فرد علي السلام، فسقطت، فقال: تداخلك رعب؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. فتركني ساعة حتي سكنت (3).
١ - الصدوق / عيون أخبار الرضا ج ١ / ص ٧٩.
٢ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 503.
3 - الصدوق: عيون أخبار الرضا ج 1، ص 74. /
(٢١٠)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، بنو عباس (1)، يوم عرفة (1)، الفضل بن يحيي (1)، الفضل بن الربيع (1)، هارون الرشيد (2)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (2)، القتل (1)، الخوف (3)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (2)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، الشيخ الصدوق (2)

صفحه 211

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١١
ان القارئ والمتأمل في هذه الوثيقة التاريخية، وهو يعرف موقع الفضل بن الربيع من هارون الرشيد، ويتأمل في نصوص الوثيقة، يعرف مدي الخوف والارهاب والاستهانة بكرامة الانسان، فأقرب المقربين وأبرز أركان السلطة وعمادها يعيش هذا الشعور ويعاني من هذه العقدة، فكيف بالمعارضين وبمن لا تربطهم بقصر الخليفة رابطة؟ وكيف بعامة أفراد الأمة؟!.
نقل أن يحيي ابن خالد البرمكي لما قدم إلي بغداد، لتدبير عملية اغتيال الإمام موسي بن جعفر (ع)، فوجئ الناس به فاستولي الذعر والخوف وشاعت الإشاعات، وانتشرت الأراجيف المعبرة عن الخوف، وترقب الشر، كما ورد في النص التاريخي.
ثم خرج يحيي بن خالد بنفسه علي البريد حتي أتي بغداد، فماج الناس وأرجفوا بكل شئ (1).
فالمتأمل لعبارة (فماج الناس، وأرجفوا بكل شئ) يستطيع أن يدرك وبوضوح كامل طبيعة علاقة الأمة بالسلطة، ويعرف كيف كانت تساس الأمة وتدار شؤون الدولة، وكيف كان الحكام العباسيون وأنصارهم يقبضون علي مقاليد الأمور وكيف كان موقف الامام بوجه السلطة يمثل قمة المسؤولية، ويعبر عن ضرورة عقائدية لانقاذ الأمة، وكسر طوق الارهاب المضروب عليها.
نماذج مأساوية لظلم العباسيين للعلويين.
ومن فجائع ما دون التاريخ ما ذكره حميد بن قحطبة أحد أمراء الرشيد إلي أحد خواصه، وهي قصة مأساوية فجيعة (2)، تمثل محنة العلويين، وظلم بني العباس وقسوتهم. جاء في القصة أن الرشيد لما كان بطوس استدعاه] حميد بن قحطبة [وسأله عن طاعته لأمير المؤمنين، فأجاب أنه مستعد أن ينفذ ما يطلب منه، ولما اطمأن الرشيد إلي اخلاصه للعرش العباسي وقدرته علي التنفيذ، أمر الخادم أن يناوله سيفا ويذهب إلي بيت مغلق في وسطه بئر، وفي البيت ثلاثة بيوت مغلقة، فلما أدخله الخادم فتح أحد البيوت وإذا في البيت عشرون علويا من ذرية علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله (ص)، وهم شباب وشيوخ وكهول مقيدون بالسلاسل والقيود، فطلب منه قتلهم والقاءهم في البئر ففعل، ثم فتح البيت الثاني ووجد فيه مثل هذا العدد وأمره بقتلهم ففعل، ثم فتح البيت الثالث وفيه مثل هذا وأمره بقتلهم ففعل، وكانت هذه القصة المأساوية سرا في زنزانات الارهابيين والقتلة، الا أن حميد بن قحطبة أفشي هذا السر بعد أن أخذت تلاحقه أشباح الجريمة، ويؤلمه وخز الضمير، وبعد أن شعر بأن صورته الانسانية قد مسخت، وأنه توغل في الجريمة
١ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ٢٣٤، نقلا عن الغيبة.
* حدثت هذه المأساة بعد شهادة الإمام موسي بن جعفر (ع).
(٢١١)
مفاتيح البحث: السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، بنو عباس (1)، علي بن أبي طالب (1)، الفضل بن الربيع (1)، يحيي بن خالد (1)، هارون الرشيد (1)، مدينة بغداد (2)، الخوف (3)، القتل (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، العلامة المجلسي (1)، الشهادة (1)

صفحه 212

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٢
حتي يئس من رحمة الله. فقد دخل عليه صاحبه عبيد الله البزاز النيشابوري قادما من سفر في شهر رمضان، ووجد حميد بن قحطبة يتأهب لتناول طعام الغداء، وبعد قليل أحضر الطعام، ودعا حميد صاحبه إلي تناول الطعام، فاعتذر بأنه صائم، وقال: لعل للأمير عذرا ومسوغا شرعيا للإفطار، أما أنا فصائم. فأجاب حميد: ليس بي علة ولا عذر لي، ثم دمعت عيناه، وبكي وراح يسرد فصول القصة المأساوية المروعة، وهو يقول لصاحبه: أي مغفرة أرجو وأي صيام ينفع، بعد أن ولغت في هذه الجريمة، وقتلت من ذرية علي وفاطمة ستين بريئا؟ وبأي وجه ألقي الله ورسوله؟! (1) ونموذج آخر لذلك: فقد ذكر أن محمد بن أبي عمير الأزدي، كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة - يعني سنة وشيعة - وأنسكهم نسكا وأورعهم وأعبدهم، وحكي عن الجاحظ أنه قال: كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها. وقال أيضا: وكان وجها من وجوه الرافضة، حبس أيام الرشيد ليلي القضاء، وقيل: بل ليدل علي الشيعة وأصحاب موسي بن جعفر (ع)، وضرب علي ذلك وكاد يقر لعظم الألم، فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن يقول له: اتق الله يا محمد بن أبي عمير، فصبر ففرج الله عنه.
وروي الكشي: أنه ضرب مئة وعشرين خشبة أيام هارون، وتولي ضربه السندي بن شاهك، و كان ذلك علي التشيع، وحبس فلم يفرج عنه حتي أدي من ماله واحدا وعشرين ألف درهم، و روي أن المأمون حبسه حتي ولاه قضاء بعض البلاد، وروي أنه حبس سبع عشرة سنة، وفي مدة حبسه دفنت أخته كتبه، فبقيت مدة أربع سنين، فهلكت الكتب (2).
وسجل التاريخ ملاحم أخري لتلامذة الإمام الكاظم (ع)، وأصحابه في السجون والمعتقلات، فقد روي: … وكان من أصحابه علي بن هاشم بن البريد، وعبد الله بن علقمة، ومخول ابن إبراهيم السهدي، فحبسهم جميعا هارون الرشيد في المطبق (3)، فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة (4).
وهكذا كان الظرف السياسي وسياسة السلطة العباسية. وفي هذه الظروف والأوضاع السياسية الخانقة عاش الامام، وكان طبيعيا أن يناله ظلم الرشيد، وأن يلحقه السجن والاضطهاد، إذ روي بعض المؤرخين والرواة: كان السبب في قدوم موسي بن جعفر إلي بغداد، أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الامر لابنه محمد بن زبيدة (الأمين)، وكان له من البنين أربعة عشر ابنا، فاختار منهم ثلاثة: محمد بن زبيدة وجعله ولي عهده،
١ - عيون أخبار الرضا (ع): ج ١، ص 110. / 2 - الصدوق / عيون الاخبار / ج 1 / ص 42، ورجال الكشي / ص 591.
* المطبق: اسم سجن من سجون الرشيد.
4 - الصدوق / عيون الاخبار / ج 1 / ص 187.
(٢١٢)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (2)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، شهر رمضان المبارك (1)، علي بن هاشم بن البريد (1)، محمد بن أبي عمير (2)، السندي بن شاهك (1)، هارون الرشيد (2)، مدينة بغداد (1)، محمد بن يونس (1)، موسي بن جعفر (1)، القتل (1)، الطعام (2)، الضرب (2)، العقد (1)، السب (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (1)، كتاب رجال الكشي (1)، الشيخ الصدوق (2)

صفحه 213

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٣
وعبد الله (المأمون) وجعل الامر له بعد ابن زبيدة، والقاسم (المؤتمن)، وجعل الامر له بعد المأمون، فأراد أن يحكم الامر في ذلك، ويشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام.
فحج في سنة تسع وسبعين مئة وكتب إلي جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والامراء أن يحضروا مكة أيام الموسم، فأخذ هو طريق المدينة.
قال علي بن محمد النوفلي: فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيي بن خالد بموسي بن جعفر عليه السلام أنه قد وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر ابن محمد بن الأشعث فساء ذلك يحيي، وقال: إذا مات الرشيد وأفضي الامر إلي محمد انقضت دولتي ودولة ولدي، وتحول الامر إلي جعفر بن محمد بن الأشعث وولده، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع، فأظهر له أنه علي مذهبه، فسر به جعفر وأفضي إليه بجميع أموره، وذكره له ما هو عليه في موسي بن جعفر (ع).
فلما وقف علي مذهبه سعي به إلي الرشيد، فكان الرشيد يرعي له موضعه وموضع أبيه من نصرة الخلافة، فكان يقدم في أمره ويؤخر، ويحيي لا يألو أن يخطب (1) عليه، إلي أن دخل يوما إلي الرشيد فأظهر له اكراما، وجري بينهما كلام مت (2) به جعفر لحرمته و حرمة أبيه، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار، فأمسك يحيي عن أن يقول فيه شيئا حتي أمسي، ثم قال للرشيد: يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرتك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه، وهاهنا أمر فيه الفيصل. قال: وما هو؟ قال: انه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات الا أخرج خمسه فوجه به إلي موسي بن جعفر، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين ألف دينار التي أمرت بها له، فقال هارون: ان في هذا لفيصلا فأرسل إلي جعفر ليلا، وقد كان عرف سعاية يحيي به، فتباينا وأظهر كل واحد فيهما لصاحبه العداوة، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيي، وانه انما دعاه ليقتله، فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما ولبس بردة فوق ثيابه و أقبل إلي الرشيد، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور، ورأي البردة عليه قال:
يا جعفر ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد علمت أنه قد سعي بي عندك، فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد فرغ إلي قلبك ما يقول علي فأرسلت إلي لتقتلني. قال: كلا، ولكن قد خبرت أنك تبعث إلي موسي بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه، وأنك قد فعلت ذلك في العشرين ألف دينار، فأحببت أن أعلم ذلك فقال جعفر:
الله أكبر يا أمير المؤمنين، تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها.
فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر وانطلق به حتي تأتيني بهذا المال، وسمي جعفر له جاريته التي عندها المال، فدفعت إليه البدر بخواتيمها، فأتي بها الرشيد
1 - يخطب عليه: ينشئ الخطب: أي ينسب إليه التهم الكبيرة التي من شأنها أن تجر عليه المحنة والكارثة.
2 - مت: توسل.
(٢١٣)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، جعفر بن محمد بن الأشعث (1)، علي بن محمد النوفلي (1)، يحيي بن خالد (1)، محمد بن الأشعث (1)، موسي بن جعفر (3)، الموت (1)

صفحه 214

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٤
فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعي بي إليك قال: صدقت يا جعفر، انصرف آمنا فإني لا أقبل فيك قول أحد. قال: وجعل يحيي يحتال في اسقاط جعفر.
فقال النوفلي: فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة، قال: لقيني (1) علي بن إسماعيل ابن جعفر بن محمد فقال لي:
مالك قد أخملت نفسك؟ مالك لا تدبر أمور الوزير؟ فقد أرسل إلي فعادلته و طلبت الحوائج إليه.
وكان سبب ذلك أن يحيي بن خالد، قال ليحيي بن أبي مريم: ألا تدلني علي رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا فأوسع له منها؟ قال: بلي، أدلك علي رجل بهذه الصفة، و هو علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فأرسل إليه يحيي فقال: أخبرني عن عمك وعن شيعته، والمال الذي يحمل إليه، فقال له: عندي الخبر، فسعي بعمه (موسي بن جعفر)، فكان في سعايته أن قال له: ان من كثرة المال عنده أنه اشتري ضيعة تسمي البشرية بثلاثين ألف دينار، فلما أحضر المال قال البائع: لا أريد هذا النقد، أريد نقد كذا و كذا، فأمر بها فصبت في بيت ماله، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه في ثمن الضيعة.
قال النوفلي: قال أبي: وكان موسي بن جعفر عليه السلام يأمر لعلي بن إسماعيل بالمال ويثق به، حتي ربما خرج الكتاب منه إلي بعض شيعته بخط علي ابن إسماعيل ثم استوحش منه، فلما أراد الرشيد الرحلة إلي العراق بلغ موسي ابن جعفر عليه السلام أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلي العراق، فأرسل إليه وسأله: مالك والخروج مع السلطان؟ قال: لان علي دينا. قال: دينك علي. قال: وتدبير عيالي، قال: أنا أكفيهم، فأبي الا الخروج، فأرسل إليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمئة دينار، وأربعة آلاف درهم. فقال: اجعل هذا في جهازك ولا تؤتم ولدي (2).
ونقل المؤرخون روايات أخري.
ان محمد بن إسماعيل بن الصادق عمه موسي الكاظم يكتب له الكتب إلي شيعته في الآفاق، فلما ورد الرشيد إلي الحجاز سعي بعمه إلي الرشيد، فقال: أما علمت في الأرض خليفتين يجبي الهيما الخراج؟ فقال الرشيد: ويلك أنا ومن؟ قال: موسي بن جعفر وأظهر أسراره، فقبض عليه، وحظي محمد عند الرشيد، ودعا عليه موسي بن جعفر الكاظم بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده (3).
وقد روي أنه (حج الرشيد في تلك السنة (179 ه) فبدأ بقبر النبي (ص) فقال: يا رسول الله، اني أعتذر إليك من شئ أريد أن أفعله، أريد أن أحبس موسي بن جعفر، فإنه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها.
1 - علي بن إسماعيل هو ابن أخ الإمام موسي بن جعفر.
2 - الصدوق / عيون الاخبار / ج 1 / ص 69.
3 - القرشي / حياة الإمام موسي بن جعفر / ج 1 / ص 329.
(٢١٤)
مفاتيح البحث: قبر النبي (ص) (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، دولة العراق (2)، علي بن إسماعيل بن جعفر (1)، علي بن الحسن بن علي (1)، علي بن إسماعيل (3)، محمد بن إسماعيل (1)، يحيي بن خالد (1)، ابن إسماعيل (1)، موسي بن جعفر (6)، عمر بن علي (1)، جعفر بن محمد (1)، محمد بن جعفر (1)، الكذب، التكذيب (1)، الصدق (1)، الضياع (1)، الحج (1)، الشيخ الصدوق (1)

صفحه 215

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٥
ثم أمر به فأدخل إليه فقيده، وأخرج من داره بغلين عليهما قبتان مغطاتان هو (ع) في أحدهما، ووجه مع كل واحد منهما خيلا، فأخذوا بواحدة علي طريق البصرة، والأخري علي طريق الكوفة، يعمي علي الناس أمره، وكان موسي بن جعفر (ع) في التي مضت إلي البصرة حينئذ فمضي إليه فحبسه عنده سنة، ثم كتب إلي الرشيد أن خذه مني وسلمه إلي من شئت و الا خليت سبيله، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجة فما أقدر علي ذلك، حتي أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو يدعو عليك، فما أسمعه يدعو الا لنفسه، يسأل الله الرحمة والمغفرة.
فوجه من تسلمه منه وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد، فبقي عنده مدة طويلة، أراده الرشيد علي شئ من أمره فأبي، فكتب إليه ليسلمه إلي الفضل ابن يحيي فتسلمه منه، و أراد ذلك منه فلم يفعله، وبلغه أنه عنده في رفاهية ودعة وهو حينئذ بالرقة فأنفذ مسرورا الخادم إلي بغداد علي البريد، وأمره أن يدخل من فوره إلي الامام فيعرف خبره، فإن كان الامر علي ما بلغه أوصل كتابا منه إلي العباس بن محمد وأمره بامتثاله، و أوصل كتابا منه إلي السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد، فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريد، ثم دخل علي موسي فوجده عليما بلغ الرشيد، فمضي من فوره إلي العباس بن محمد والسندي بن شاهك وأوصل الكتابين إليهما، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض ركضا إلي الفضل بن يحيي، فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتي دخل علي العباس، فدعا العباس بالسياط وعقابين ووجه بذلك إلي السندي فأمر بالفضل فجرد ثم ضربه مئة سوط، وخرج متغير اللون بخلاف ما دخل، فذهبت قوته، فجعل يسلم علي الناس يمينا وشمالا.
وكتب مسرور بالخبر إلي الرشيد فأمر بتسليم موسي إلي السندي بن شاهك (1).
هذه شرائح تاريخية تحكي لنا صورة الصراع السياسي المدبر بين قادة الهدي والايمان المتمثلة في أهل بيت النبوة (ع)، وبين حكام بني العباس والجلاوزة والجلادين والانتهازيين، وطلاب السلطة والمال والجاه.
تأثر البعض بعظمة الإمام (ع):.
روي أحد الذين كلفوا بمراقبة الامام في سجن عيسي بن جعفر أنه سمع الامام يقول.
اللهم انك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد (2).
وعن أحمد بن عبد الله عن أبيه قال.
دخلت علي الفضل بن الربيع وهو جالس علي سطح، فقال لي: أشرف علي هذا البيت، وانظر ماذا تري؟ فقلت: ثوبا مطروحا. فقال: انظر حسنا، فتأملت فقلت: رجل
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٥٠٢.
٢ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ١٠٧ نقلا عن المناقب.
(٢١٥)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، مدينة الكوفة (1)، بنو عباس (1)، أحمد بن عبد الله (1)، السندي بن شاهك (3)، الفضل بن يحيي (2)، الفضل بن الربيع (2)، مدينة البصرة (2)، العباس بن محمد (3)، مدينة بغداد (1)، الضرب (1)، الحج (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، العلامة المجلسي (1)

صفحه 216

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٦
ساجد. فقال لي: تعرفه؟ هو موسي بن جعفر، أتفقده الليل والنهار، فلم أجده في وقت من الأوقات الاعلي هذه الحالة، انه يصلي الفجر فيعقب إلي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس، وقد وكل من يترصد أوقات الصلاة، فإذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء، وهو دأبه فإذا صلي العتمة أفطر، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد فلا يزال يصلي فيجوف الليل حتي يطلع الفجر (1).
وجاء كذلك.
فأمر بتسليم موسي إلي الفضل بن يحيي، فجعله في بعض دوره ووضع عليه الرصد، فكان مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله: صلاة وقراءة ويصوم النهار في أكثر الأيام، ولا يصرف وجهه عن المحراب، فوسع عليه الفضل بن يحيي وأكرمه (2).
ومن روائع تأثيره: ان هارون الرشيد أنفذ إلي موسي بن جعفر جارية خصيفة، لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن، فقال: قل له: (بل أنتم بهديتكم تفرحون). لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها، قال: فاستطار هارون غضبا، وقال: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخذناك، واترك الجارية عنده وانصرف. قال: فمضي ورجع، ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها، تقول: قدوس، سبحانك سبحانك، فقال هارون: سحرها والله موسي بن جعفر بسحره (3).
فلعل هارون أراد أن يغري الامام ويشغله عن أهدافه بجمال الحسان ومتع الحياة، منطلقا من فهمه وتقويمه هو لنفسه، وما دري أن الامام مستغرق في جمال الحق وفان بحب الله، قد أعرض عن الدنيا وزينتها، فلا الجواري يشغلن باله، ولا متع الحياة تستهوي نفسه، بل هو داعية حق، وصاحب رسالة قد نذر نفسه لمبادئه، وأوقف ذاته علي ذات الله سبحانه، فغدا منارا يهدي بقوله وعمله، وداعية يرشد بصمته ونطقه، فصمته نطق بلسان العمل، ونطقه هدي بكلمة الحق، لذا استهوي هديه قلب الجارية، واستولي سلطان روحه علي روحها وعقلها حتي غدت تنادي سبوح، قدوس، مشدوهة سأجدد، بعد أن كانت ترتع في مسارح اللهو، وتكرع في كؤوس الهوي والغرام، وتقضي وقتها وهي تداعب أوتار الطرب وأنغام الشعر، وتستمتع بحلل الديباج وعقود اللؤلؤ، فصار ديدنها الصلاة والتسبيح والتقديس حتي ماتت، وقيل إن موتها كان قبل شهادة الإمام موسي ابن جعفر (ع) بأيام.
وهكذا اختط الامام الأجيال المسلمين السيرة الفذة، والسير في طريق ذات الشوكة،
١ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ١٠٧، نقلا عن المناقب.
2 - الطبرسي / إعلام الوري / ص 311.
3 - المجلسي / البحار / ج 48 / ص 238، نقلا عن الأنوار للعامري، وقعت هذه الحادثة في سجن السندي بن شاهك المعروف ب (دار المسيب) ببغداد. /
(٢١٦)
مفاتيح البحث: صلاة الفجر (الصبح) (1)، الفضل بن يحيي (2)، هارون الرشيد (1)، موسي بن جعفر (3)، السجود (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (3)، الوضوء (2)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (1)، العلامة المجلسي (2)، السندي بن شاهك (1)

صفحه 217

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٧
رغم الصعاب والمحن، فعلم السائرين في هذا الطريق الصبر علي مرارة السجون والثبات علي الحق والاستهانة بأساليب الجلادين، ووسائل القهر والارهاب، فقد كان الرشيد ينقل الامام من سجن إلي سجن، فمن عيسي بن جعفر، إلي الفضل بن الربيع، إلي الفضل بن يحيي، إلي السندي بن شاهك لعله يخفي شخص الامام، وقتل روح المقاومة ويغيبه عن الأذهان، الا أن وجود الإمام موسي بن جعفر في السجن كان له مغزي سياسي، وقيمة جهادية كبري، وخصوصا لتنقله بين السجون ومتابعة أنباء الأمة لأخباره، وعجز السلطة عن حسم الموقف معه، فقد كان وجوده يغذي روح الثورة والرفض والمقاومة، ويضفي عليها صفة الشرعية، لذلك فقد رفض الامام التوسط لدي الحكام لإخراجه من السجن، أو اللجوء إلي أي موقف من شأنه أن يضعف في الأمة هذه الروح، فقد رفض وقال لبعض من طلب منه أن يرسل بعض الشخصيات إلي هارون الرشيد للوساطة وإطلاق حريته.
حدثني أبي عن آبائه، أن الله عز وجل أوحي إلي داود: يا داود إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، وعرفت ذلك منه الا قطعت عنه أسباب السماء، وأسخت الأرض من تحته (1).
بهذا الرد الحاسم الصادق عزز موقفه وإباءه وثقته بالله سبحانه.
ولما أحس الرشيد أن روح المقاومة الصامتة التي أبداها الامام في السجن قد بدأت تأخذ طريقها إلي النفوس، وأن مواقفه بدأت تتفاعل مع وعي الجمهور واحساس الأمة:
خاف أن يتكثف هذا الوعي، وينمو ذلك الاحساس فيتحول إلي ثورة، فاستشار وزبره يحيي بن خالد، فأشار عليه باطلاق سراح الامام.
عن المناقب: لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم - موسي بن جعفر -، وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس، تحير الرشيد ودعا يحيي بن خالد البرمكي، فقال له: يا أبا علي أما تري ما نحن فيه من هذه العجائب؟ ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه؟ فقال يحيي بن خالد: الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمتن عليه، وتصل رحمه، فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا، وكان يحيي يتولاه وهارون لا يعلم ذلك، فقال هارون: إنطلق إليه وأطلق عنه الحديد، وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمك أنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتي تقر لي بالإساءة، وتسألني العفو عما سلف منك، وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة (2).
ولما وصل يحيي إلي الإمام موسي بن جعفر وأخبره برسالة الرشيد، رفض الامام أن يلبي طلب الرشيد الذي أراد أن يوقف الامام موقف المخاطب المعتذر، وأجابه.
وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي علي صاحبه
١ - القرشي / حياة الإمام موسي بن جعفر / ج ٢ / ص ٤٩٩.
٢ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ٢٣٠ نقلا عن المناقب.
(٢١٧)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، السندي بن شاهك (1)، الفضل بن الربيع (1)، يحيي بن خالد (2)، هارون الرشيد (2)، موسي بن جعفر (4)، الصدق (1)، الظلم (1)، القتل (1)، الصبر (1)، الرفض (3)، العلامة المجلسي (1)

صفحه 218

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٨
والسلام (1).
وهكذا حطم الإمام موسي بصبره وثقته بالله سبحانه كل وسائل الجور والارهاب، من السجن والضغط والقيود والتزييف وتضليل الرأي العام، فلم يكن أمام الرشيد الا الحل الأخير وهو اغتيال الامام وانهاء حياته الشريفة، وقد تخيل أنه سيسدل الستار بذلك علي أروع فصل من فصول الجهاد والثورة ضد الطغيان، وسيطفئ نور الإمامة في أهل هذا البيت، ويتخلص من أعظم شخصية علمية وقيادية في عصره، لذلك أقدم علي الجريمة الكبري، وقرر اغتيال الامام.
شهادة الإمام الكاظم (ع):
رفض عيسي بن جعفر والي البصرة قتل الامام حين كلف بذلك واستعفي الرشيد منه، وطلب نقله من سجنه فنقله الرشيد إلي سجن الفضل بن الربيع، فأثرت شخصيته (ع) في نفس الفضل بن الربيع، كما أثرت في نفس عيسي بن جعفر من قبل، فرفض الفضل قتل الامام وتحمل أوزار الجريمة التي أراد منه الرشيد أن يرتكبها فلم يجد الرشيد بدا من نقله إلي الفضل بن يحيي، فاستلمه الفضل بن يحيي، ووسع عليه وخفف عنه أعباء السجن، وطلب منه الرشيد أن ينفذ في الامام جريمة القتل فرفض، وحينما علم الرشيد بالمعاملة الحسنة التي يبديها الفضل بن يحيي للامام شق عليه هذا الميل، وعظم عليه هذا الموقف فأمر بمعاقبة الفضل، فجرد من ثيابه، وضرب مئة سوط في مجلس العباس بن محمد.
فلم يجد الرشيد في أنصاره وحاشيته أفضل من مدير شرطته في بغداد، السندي بن شاهك، و كان فظا غليظا قاسيا - شأن كل الجلادين والقتلة -.
وكما رأينا من سير البحث فإن السندي بن شاهك قد تسلم الامام من الفضل بن يحيي، و وضعه في سجنه فأرهقه بالسلاسل والقيود، وضيق عليه وعامله معاملة خشنة قاسية، و حينما بلغ يحيي بن خالد خبر ابنه الفضل شق عليه موقف الرشيد من الفضل وضربه و إهانته، فأراد أن يسترضي الرشيد، ويستميله ويرد اعتبار الأسرة عند الحاكم العباسي. فلم ير ثمنا لشراء هذا الرضي الرخيص الا دم الامام الطاهر، وقطع هذا الغصن من شجرة النبوة وإغضاب رسول الله (ص) وفري كبده.
فانطلق يحيي بن خالد إلي بغداد بعد أن تشاور مع الرشيد وأكد له أن الفضل شاب غير مجرب، ولا بارع في تنفيذ مخططات الجور والارهاب، فعرض عليه استعداده للتوجه إلي بغداد (2)، فسر الرشيد بهذا المنفذ المطيع وأذن له بارتكاب الجريمة النكراء، فتوجه يحيي بن خالد إلي بغداد يتأبط الشر. ويخطط لارتكاب الجريمة وما أن وصل بغداد حتي اجتمع بالسندي بن شاهك مدير شرطة الرشيد، وقدم له صورة المخطط وكيفية التنفيذ، فأجاب متقبلا طائعا فدس السم في رطب قدم
١ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ٢٣١ نقلا عن المناقب.
2 - كان الرشيد وقتها في الرقة ببلاد الشام.
(٢١٨)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، السندي بن شاهك (3)، الفضل بن يحيي (4)، الفضل بن الربيع (1)، يحيي بن خالد (3)، مدينة البصرة (1)، العباس بن محمد (1)، مدينة بغداد (5)، القتل (3)، النفاذ، التنفيذ (1)، العلامة المجلسي (1)، الشام (1)

صفحه 219

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٩
للامام، وقيل جعل السم بطعام آخر، فتناول الامام طعام الغدر والفاجعة فأحس بالسم يسري في جسده الطاهر، وراح يقاوم آثار السم ثلاثة أيام، فلم يستطع مغالبة المنية، فلفظ أنفاسه الأخيرة وفاضت روحه الطاهرة في اليوم الثالث في سجن السندي بن شاهك، و قيل في مسجد هارون المسمي بمسجد المسيب، ففاز بالشهادة في اليوم الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومئة للهجرة (1).
الامام الثامن علي بن موسي الرضا (ع).
مولده ونشأته.
ولد الامام علي بن موسي الرضا (ع) في المدينة المنورة سنة 148 ه (2)، وذكر الصدوق:
أن الإمام الرضا (ع) ولد يوم الخميس لإحدي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة 153 ه، بعد وفاة الإمام الصادق (ع) بخمس سنين (3).
وعلي بن موسي الرضا (ع) هو سليل بيت النبوة الطاهر، ووارث أهل البيت (ع) في عصره، فأبوه إمام المسلمين موسي بن جعفر (ع) الذي عاصر بإمامته دولة بني العباس من عصر أبي جعفر المنصور، حتي قضي شهيدا مسموما في أحد سبعون بغداد، في سبحن السندي بن شاهك، مدير شرطة الطاغية هارون الرشيد، وبأمر منه.
وأم الامام علي بن موسي الرضا (ع) هي جارية اسمها تكتم، وهي أم ولد، كانت مملوكة لحميدة المصفاة أم الإمام موسي بن جعفر (ع) وقد أعجبت بها لعظيم خلقها ودينها و جلال أدبها، فوهبتها لولدها موسي بن جعفر (ع) ليتزوج بها. وقد ذكرت أسماء لام الإمام الرضا (ع) كثيرة هي: نجمة، وأروي، وسكن، وسمان، وخيزران، وشقراء النوبية وتكتم هو الاسم الأخير لها، وسماها الإمام موسي بن جعفر بعد ولادة ولده الإمام الرضا (ع) (بالطاهرة).
نشأ الإمام الرضا (ع) في ظل أبيه الإمام موسي الكاظم (ع)، وتلقي علي يديه معارفه و علومه وأخلاقه وأدبه الذي ورثه عن آبائه وقد عاشق في كنف أبيه (ع) نحو 35
١ - اختلف المؤرخون في المدة التي قضاها الامام في السجن، الا أن هناك رواية تقول:
ان الرشيد حج عام ١٧٩ ه، فقبض علي الامام ونقله إلي بغداد، فسجنه وبقي في السجن حتي يوم شهادته في ٢٥ رجب ١٨٣ ه، فعلي هذه الرواية تكون مدة سجن الامام نحو أربع سنوات ورواية أخري تقول ان الرشيد سجن الامام بعد مضي ست أو سبع سنوات من تسلمه زمام السلطة، فتكون المدة التي قضاها الامام في السجن هي ست أو سبع سنوات تقريبا أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 505، وذكر المفيد في الارشاد أن استشهاده كان في 6 رجب سنة 183 ه.
2 - الارشاد للمفيد ص 304.
3 - عيون أخبار الرضا للصدوق ج 1 ص 18.
(٢١٩)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (7)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (4)، شهر رجب المرجب (3)، بنو عباس (1)، المدينة المنورة (1)، شهر ربيع الأول (1)، الشيخ الصدوق (2)، السندي بن شاهك (2)، هارون الرشيد (1)، مدينة بغداد (2)، موسي بن جعفر (1)، السجود (2)، الشهادة (2)، الطعام (1)، الوفاة (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (2)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، الحج (1)

صفحه 220

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٠
سنة، لذا نجد الإمام موسي بن جعفر (ع) في حياته وقبيل وفاته (ع) يوضح مكانة ولده الإمام الرضا (ع)، ويؤكد أنه وارث مكانته والأمين علي منهجه ومدرسته، والامام الذي لابد من الرجوع إليه من بعده دون غيره.
عن علي بن يقطين قال: كنت عند أبي الحسن موسي بن جعفر (ع) وعنده علي ابنه (ع)، فقال:
يا علي هذا ابني سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي، قال: فضرب هشام - يعني ابن سالم - يده علي جبهته، فقال: انا لله نعي والله إليك نفسه (1).
وعن داود الرقي قال: قلت لأبي إبراهيم - يعني موسي بن جعفر (ع): فداك أبي، اني كبرت وخفت أن يحدث بي حدث ولا ألقاك، فأخبرني من الامام من بعدك؟ فقال] ع [: (ابني علي (ع) (2).
وروي عبد الله بن مرحوم قال: خرجت من البصرة أريد المدينة، فلما صرت في بعض الطريق، لقيت أبا إبراهيم، وهو يذهب به إلي البصرة، فأرسل إلي، فدخلت عليه، فدفع إلي كتبا، وأمرني أن أوصلها إلي المدينة، فقلت: إلي من أدفعها جعلت فداك؟ قال: إلي ابني علي، فإنه وصي والقيم بأمري وخير بني (3) موقف الإمام الرضا (ع) من الفرق الكلامية.
في عهد الإمام الرضا (ع) أخذ ظهور الفرق الكلامية والجماعات المختلفة من شتي المذاهب والآراء في تصاعد وبلغ ذروته، وان كثيرا من هذه الفرق ادعي الانتماء إلي أهل البيت (ع) والولاء لهم، وقالوا فيهم أقوالا لا تناسب مقامهم، ولا توافق منهجهم، حتي بلغ الامر ببعض هذه الفرق الضالة أن نسبوا إلي أهل البيت (ع) بعض صفات الخالق و غالوا بهم، فسموا بالغلاة، وقد تبرأ منهم أهل البيت (ع)، ورفضوهم ولعنوهم، و أعلنوا تكفيرهم، وإليك رأي الإمام الرضا (ع) بهذه الفرق ومن لف لفها:.
روي أبو هاشم الجعفري، قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الغلاة والمفوضة، فقال:
الغلاة كفار، والمفوضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو آكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوجهم، أو تزوج منهم أو آمنهم أو ائمنهم علي أمانة أو صدق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل، وولاية رسول الله (ص) وولايتنا أهل البيت (4).
وقد حدثنا التاريخ وكشف لنا السبب الأعمق الذي كان يكمن وراء أسطورة الفرقة الواقفية التي ادعت أن الإمام موسي بن جعفر (ع) لم يمت وأنه حي، شبه للناس موته و أنه هو المهدي، فإن السبب كان حب المال والإبقاء عليه، واتخاذ هذا الأسلوب المحرم وسيلة للاحتفاظ به.
فقد ذكرت الروايات أن الإمام موسي بن جعفر (ع) كانت تأتيه الأموال من أتباعه و
1 - عيون أخبار الرضا للصدوق ج 1 ص 21.
2 - المصدر نفسه ص 23.
3 - المصدر السابق ص 27.
4 - الصدوق / عيون الاخبار / ج 2 / ص 203.
(٢٢٠)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (5)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (5)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هاشم الجعفري (1)، مدينة البصرة (2)، علي بن يقطين (1)، داود الرقي (1)، التصديق (1)، الموت (1)، الفدية، الفداء (2)، الزوج، الزواج (1)، السب (2)، الوراثة، التراث، الإرث (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (1)، الشيخ الصدوق (2)

صفحه 221

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢١
أنصاره ومحبيه، وكان بسبب ظروف المطاردة والمراقبة والتفتيش يدخرها عند بعض أصحابه لنشر الدعوة وإدارة شؤون عمله ونشاطه الاسلامي.
وقد علق الشيخ الصدوق علي هذه الاحداث مفسرا لها، وموضحا تجمع المال وادخاره عند بعض من كانوا يظهرون الولاء للإمام موسي بن جعفر (ع)، قال: لم يكن موسي بن جعفر عليهما السلام ممن يجمع المال، ولكنه حصل فيوقت الرشيد وكثر أعداؤه، ولم يقدر علي تفريق ما كان يجتمع الا علي القليل ممن يثق بهم في كتمان السر، فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك، وأراد أن لا يحقق علي نفسه قول من كان يسعي به إلي الرشيد ويقول: إنه تحمل إليه الأموال، ويعتقد له الإمامة ويحمل علي الخروج عليه، ولولا ذلك لفرق ما اجتمع من هذه الأموال، علي أنها لم تكن أموال الفقراء، وإنما كانت أموال يصل بها مواليه ليكون اكراما منهم له، وبرا منهم به (ع) (1).
وعند ما استشهد الإمام موسي بن جعفر (ع) استحكم ببعضهم حب المال وسيطر عليهم الطمع، وسول لهم الشيطان أن يبتدعوا بدعتهم، فقد جاء عن يونس بن عبد الرحمن قال.
لما مات أبو الحسن (ع) - الإمام الكاظم - وليس من قوامه (2) أحد إلا وعنده المال الكثير، فكان سبب وقفهم وجحودهم لموته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، و عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، قال: فلما رأيت ذلك وتبين لي الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (ع) ما عرفت تكلمت ودعوت الناس إليه، قال: فبعثا إلي (3).
وقالا لي: ما يدعوك إلي هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا لي: كف، فأبيت، فقلت لهما: انا روينا عن الصادقين عليهما السلام أنهما قالا: إذا ظهرت البدع فعلي العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الايمان، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله عز وجل علي كل حال فناصباني وأظهر إلي العداوة (4).
وقد كاتب الإمام علي بن موسي الرضا (ع) بعد شهادة أبيه الكاظم (ع) بعض هؤلاء فلم يستجيبوا لرسالته، والقارئ والملاحظ للرد يستطيع أن يكتشف بوضوح الطبيعة المستترة وراء هذه الأجوبة، من العصيان وتصنيع الأعذار والطمع بالمال (5).
وللإمام الرضا (ع) رأي واضح بهم وبزعمائهم، فعن إبراهيم بن أبي يحيي بن
1 - الشيخ الصدوق / عيون أخبار الرضا / ج 1 / ص 114.
2 - قوامه: وكلاؤه.
3 - فبعثا إلي: يعني زياد وعلي بن أبي حمزة.
4 - الشيخ الصدوق / عيون أخبار الرضا / ج 1 / ص 112 - 113، ورجال الكشي / ص 888 و 494.
5 - الشيخ الصدوق / عيون أخبار الرضا / ج 1 / ص 113 - 114.
(٢٢١)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (3)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (3)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، علي بن أبي حمزة البطائني (2)، يوم عرفة (2)، إبراهيم بن أبي يحيي (1)، الشيخ الصدوق (4)، زياد القندي (1)، موسي بن جعفر (1)، الموت (1)، الشهادة (2)، الإبداع، البدعة (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (3)، كتاب رجال الكشي (1)

صفحه 222

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٢
أبي البلاد، قال: قال الرضاع (ع): ما فعل الشقي حمزة بن بزيع؟ قلت: هوذا هو قد قدم، فقال: يزعم أن أبي حي، هم اليوم شكاك، ولا يموتون غدا الا علي الزندقة، قال صفوان: فقلت فيما بيني وبين نفسي: شكاك قد عرفتهم، فكيف يموتون علي الزندقة؟ فما لبثنا الا قليلا حتي بلغنا عن رجل منهم أنه قال عند موته: هو كافر برب أماته، قال صفوان: فقلت هذا تصديق الحديث (1).
وفي إحدي رسائل الامام للبزنطي، يكشف لنا عن واقع دعوة هؤلاء ودوافعها، فقد جاء في الرسالة.
أما ابن السراج، فإنما دعاه إلي مخالفتنا، والخروج من أمرنا أنه عدا علي مال عظيم لأبي الحسن - موسي بن جعفر - فاقتطعه في حياة أبي الحسن (ع)، وكابرني عليه، وأبي أن يدفعه، والناس كلهم مسلمون مجتمعون علي تسليمهم الأشياء كلها إلي، فلما حدث ما حدث من هلاك أبي الحسن (ع)، إغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي، وتعلل، و لعمري ما به من علة الا اقتطاعه المال، وذهابه به.
واما ابن أبي حمزة فإنه رجل تأول تأويلا لم يحسنه، ولم يؤت علمه، فألقاه إلي الناس فلج فيه، وكره إكذاب نفسه في إبطال قوله، بأحاديث تأولها ولم يحسن تأويلها، ولم يؤت علمها، ورأي أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنه كان، لا يكون منه شئ، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائي شئ، و لكنه قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه، فصار فتنة أو شبهة عليه، وفر من أمر فوقع فيه (2).
وهكذا يتضح أن الطمع بالمال، وخبث السريرة الذي انطوت عليه هذه النفوس، وضعف العقيدة، واضطراب الأفكار، وتزلزل الإيمان في نفوسهم، وهو السبب الأعمق، خلف هذه الدعاوي والآراء.
مقام الامام علي بن موسي الرضا (ع) لدي الناس.
وأشار الإمام موسي بن جعفر (ع) إلي مقام ولده الرضا وتفوق علمه واستحقاقه الإمامة، بقوله لاحد أصحابه وهو علي بن يقطين، فقد قال - علي بن يقطين -: قال لي موسي بن جعفر (ع) ابتداء منه: هذا أفقه ولدي، وأشار بيده إلي الرضا (ع)، قد نحلته كنيتي (3).
ونقل ابن الصباغ المالكي، قال إبراهيم بن العباس: سمعت العباس يقول: ما سئل الرضا (ع) عن شئ الا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلي وقت عصره، و كان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيبه الجواب الشافي (4).
١ - الشيخ الطوسي / كتاب الغيبة / اصدار مكتبة نينوي الحديثة (طهران) ص ٤٥.
٢ - قرب الاسناد / ص 206.
3 - الصدوق / عيون الاخبار / ج 1 / ص 22.
4 - ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة / ص 251.
(٢٢٢)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (3)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (2)، علي بن أبي حمزة البطائني (1)، ابن أبي حمزة (1)، علي بن يقطين (2)، ابن السراج (1)، حمزة بن بزيع (1)، موسي بن جعفر (1)، الموت (1)، الرضاع (1)، السب (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب الغيبة للشيخ محمد رضا الجعفري (1)، مدينة طهران (1)، الشيخ الصدوق (1)، الشيخ الطوسي (1)، نينوي (1)

صفحه 223

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٣
وذكر العلامة سبط ابن الجوزي وصفا للإمام الرضا (ع) منقولا عن الواقدي قال: وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله (ص) وهو ابن نيف وعشرين سنة (1).
وذكر ابن الجوزي أيضا: ذكر عبد الله بن أحمد المقدسي في كتاب (أنساب القريشيين) نسخة يرويها علي بن موسي الرضا (ع) عن أبيه موسي عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه علي عن النبي (ص)، إسناد لو قرئ علي المجنون برئ (2).
ثم ذكر نقلا عن الواقدي أن الامام علي بن موسي الرضا (ع) لما وصل إلي نيسابور أثناء الانتقال من المدينة إلي خراسان (سنة مئتين ه): خرج إليه علماؤها مثل يحيي بن يحيي وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن رافع وأحمد بن حرب، وغيرهم، لطلب الحديث والرواية، والتبرك به (3).
وجاء في نسخة العهد الذي كتبه المأمون بيده للإمام الرضا (ع) حين جعله وليا للعهد من بعده، جاء الاعتراف بفضل الإمام الرضا (ع) وبمكانته العلمية الشامخة، حيث كتب المأمون: … لما رأيت من فضله البارع، وعلمه النافع وورعه الباطن والظاهر (4).
وفي إعلام الوري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسي الرضا (ع)، ولا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجلس له عددا من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن آخرهم حتي ما بقي منهم أحد الا أقر له بالفضل وأقر علي نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم، وبعثوا إلي المسائل فأجبت عنها، قال أبو الصلت: ولقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسي ابن جعفر عن أبيه (ع) كان يقول لبنيه: هذا أخوكم علي بن موسي عالم آل محمد (ص) فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم (5).
الإمام الرضا (ع) والخلفاء العباسيون.
إن الذي يدرس حياة المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون التي عاصرها الإمام الرضا الممتدة من عام (158 ه) حتي عام (203 ه)، ويحلل أسلوب الحكم وكيفية إدارة شؤون الأمة، وعلاقة الحكام بالأمة واتجاه الرأي العام، ويدرس حياة الخلفاء في القصور بين الجواري والمغنين والشعراء وكؤوس الخمر، ويشاهد تبذير آلاف الملايين من الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، وسياسة التجويع والإرهاب
1 - سبط ابن الجوزي / تذكرة الخواص / ط مكتبة نينوي (طهران) / ص 351.
2 - سبط بن الجوزي / تذكرة الخواص / ص 352.
3 - سبط بن الجوزي / تذكرة الخواص / ص 352.
4 - سبط بن الجوزي / تذكرة الخواص / ص 353.
5 - الأمين / في رحاب أئمة أهل البيت / ج 4 / ص 107.
(٢٢٣)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (7)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (1)، عبد السلام بن صالح الهروي (1)، إسحاق بن راهويه (1)، عبد الله بن أحمد (1)، السبط إبن الجوزي (2)، إسحاق بن موسي (1)، محمد بن رافع (1)، خراسان (1)، السجود (1)، الشهادة (1)، الحرب (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (4)، مدينة طهران (1)، نينوي (1)

صفحه 224

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٤
لمختلف طبقات الأمة: فإنه يدرك بوضوح الفارق الكبير بين اتجاه بني العباس وقيادة أهل البيت (ع)، ودعوتهم إلي الاصلاح والتغيير باتجاه المبادئ والقيم الاسلامية التي دعوا إليها، وأوذوا وعذبوا وشردوا وسجنوا واستشهدوا من أجلها، ولا أدل علي ذلك من شهادة محمد بن الحسن (النفس الزكية)، والحسين بن علي الخير صاحب فخ، والإمام موسي بن جعفر (ع)، وتوالي ثورات آل علي (ع) الواحدة تلو الأخري.
الوضع السياسي للإمام الرضا (ع).
أما الوضع السياسي للمرحلة التي عاشها الإمام علي بن موسي الرضا (ع) فيمكن أن نقسمه إلي مرحلتين.
أولا - المرحلة الأولي: وهي مرحلة المهدي والهادي والرشيد، وكانت مرحلة قاسية صعبة علي أهل البيت (ع)، وعلي عميدهم وامامهم موسي بن جعفر أبي الامام علي بن موسي الرضا (ع)، فقد عاش الإمام الرضا (ع) هذه المرحلة الصعبة تحت كنف أبيه، وكان يشاهد بأم عينيه محنة أبيه الكاظم وهو ينقل من سجن إلي سجن، ويلاحق من قبل حكومة الرشيد وموسي الهادي ويضيق عليه، حتي شهد نهاية المحنة (في واقعة فخ) ومذبحة أهل البيت فيها واستشهاد الحسين بن علي بن الحسن، ومطاردة العلويين وهدم دورهم ومصادرة أموالهم وإدخالهم السجون والمحابس من قبل موسي الهادي، وكل ذلك كان يجري والامام علي بن موسي الرضا (ع)، يعيشه ويكابده وهو تحت كنف أبيه (ع) وفي ظل إمامته ولما استشهد أبوه وانتهت الإمامة إليه، لم يتعرض له الرشيد بسوء، وقد ذكر ابن الصباغ المالكي عن صفوان ابن يحيي قال.
مضي موسي الكاظم (ع) وقام ولده من بعده أبو الحسن الرضا (ع) وتكلم، خفنا عليه وقلنا له: انك أظهرت أمرا عظيما، وإنا نخاف عليك من ذلك الطاغية، يعني هارون الرشيد، قال.
ليجهدن جهده، فلا سبيل له علي.
قال صفوان فحدثني الثقة أن خالد بن يحيي البرمكي قال لهارون الرشيد: هذا علي بن موسي الرضا قد تقدم وادعي الامر لنفسه، فقال هارون: يكفينا ما صنعنا بأبيه، تريد أن نقتلهم جميعا؟ (1).
ومع ذلك فإن الإمام الرضا (ع) لم يكن ليحيي بعيدا عن الصراع العلوي مع العباسيين، دون أن يصيبه الأذي وتحل به الكروب والمحن، فكما انعكست ثورة الحسين (ع) صاحب فخ علي أبيه الكاظم، انعكست كذلك ثورة محمد بن جعفر علي الامام علي بن موسي الرضا (ع)، فبعد أن أعلنت هذه الثورة علي الرشيد وظفر بهم وانتصر عليهم علي يد أحد قواده (الجلودي)، أمره أن ينتقم من آل أبي طالب و
1 - ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة / ص 245.
(٢٢٤)
مفاتيح البحث: نهضة الحسين عليه السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (8)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، بنو عباس (1)، الحسين بن علي بن الحسن (1)، خالد بن يحيي (1)، هارون الرشيد (2)، الحسين بن علي (1)، موسي بن جعفر (1)، محمد بن الحسن (1)، محمد بن جعفر (1)، الإنتقام،النقمة (1)، الشهادة (2)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)

صفحه 225

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٥
أن يقتل محمد بن جعفر إن ظفر به.
نفذ الجلودي أمر الرشيد وآغاز علي بيوت الطالبيين والأسر العلوية الكريمة، وكان في طليعة من أصابته المحنة والأذي هو الامام علي بن موسي الرضا (ع)، فقد ذكر الشيخ الصدوق هذه الحوادث المؤلمة ونقلها بقوله.
وكان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج (1) محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة بعثه الرشيد، وأمره - إن ظفر به - أن يضرب عنقه، وأن يغير علي دور آل أبي طالب، وأن يسلب نساءهم ولا يدع علي واحدة منهن ثوبا واحدا، ففعل الجلودي ذلك، وقد كان مضي أبو الحسن موسي بن جعفر فصار الجلودي إلي باب دار أبي الحسن الرضا، فهجم علي داره مع خيله، فلما نظر إليه الرضا (ع) جعل النساء كلهن في بيت ووقف علي باب البيت، فقال الجلودي لأبي الحسن: لابد من أن أدخل البيت فأسلبهن كما أمر أمير المؤمنين، فقال الرضا (ع).
أنا أسلبهن لك وأحلف أني لا أدع عليهن شيئا الا أخذته، فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتي سكن، فدخل أبو الحسن الرضا (ع) فلم يدع عليهن شيئا حتي أقراطهن وخلاخيلهن و أزرارهن، الا أخذه منهن وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير (2).
أئمة المذاهب وموقفهم من حكام الجور.
وقد زادت المظالم وأساليب القسوة والجور التي عاناها أبناء علي (ع) من الحكم الأموي والعباسي التفاف الناس وزيادة عطفهم وميلهم إلي العلويين وثوراتهم.
وقد تحددت تلك المواقف واضحة جلية لدي أئمة المذاهب ووجوه المجتمع ورجال السياسة، نذكر من ذلك موقف الإمام أبي حنيفة، والامام مالك، وتعرضهما للأذي والاضطهاد بسبب تأييدهما للثوار العلويين، وافتائهما سرا تارة وعلنا أخري بأحقية أهل البيت (ع) وضرورة تأييدهم، ورفضهم للحكم الأموي والعباسي.
1 - فقد أفتي أبو حنيفة بتأييد ثورة زيد بن علي بن الحسين سنة 121 ه ضد الحكم الأموي، وبصرف الزكاة لتأييد هذه الثورة، كما رفض أن يتولي قضاء الكوفة للأمويين، حينما عرضه عليه يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراق، في عهد مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، فضربه يزيد مئة وعشرة سياط (3).
وحين زالت الدولة الأموية واستولي العباسيون علي السلطة، أعلن تأييده بصراحة
1 - يبدو أن الذي خرج أيام الرشيد هو محمد بن جعفر بن يحيي بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، فقد ذكر المسعودي أنه خرج أيام الرشيد ثم هرب إلي المغرب.
المسعودي مروج الذهب / ج 3 / ج 3 / ص 343.
2 - الصدوق / عيون أخبار الرضا / ج 2 / ص 161.
3 - الدكتورة سميرة مختار الليثي / جهاد الشيعة / ص 218، نقلا عن الكامل في التاريخ.
(٢٢٥)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (4)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الدولة الأموية (2)، دولة العراق (1)، مدينة الكوفة (1)، الشيخ الصدوق (2)، محمد بن جعفر بن محمد (1)، علي بن الحسين (1)، عمر بن هبيرة (1)، موسي بن جعفر (1)، محمد بن جعفر (1)، الضرب (1)، الزكاة (1)، الكرم، الكرامة (1)، القتل (1)، الظلم (1)، الرفض (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (1)، أبو طالب عليه السلام (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، عبيد الله بن الحسن (1)، جعفر بن يحيي (1)

صفحه 226

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٦
إلي إبراهيم بن عبد الله بن الحسن العلوي أيام المنصور العباسي، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني: وكان أبو حنيفة يجهر في أمر إبراهيم جهرا شديدا ويفتي الناس بالخروج معه (1).
وقد كتب أبو حنيفة إلي إبراهيم بالتوجه إلي الكوفة والاستفادة من التأييد الشعبي فيها لآل البيت (ع): ائتها سرا فإن من هاهنا من شيعتكم يبيتون أبا جعفر فيقتلونه، أو يأخذون برقبته فيأتونك به (2).
واستدعي المنصور أبا حنيفة من الكوفة إلي بغداد وطلب منه أن يلي القضاء، فرفض فأقسم المنصور عليه أن يتولاه، فاقسم أبو حنيفة ألا يفعل، فطلب الحاجب - الربيع بن يونس - من أبي حنيفة العدول عن قسمه فقال أبو حنيفة له: أمير المؤمنين علي كفارة إيمانه أقدر مني علي كفارة ايماني.
وأراد المنصور أن يرغمه علي نكث قسمه بألا يتولي ذلك المنصب، فعهد إليه ببعض أعمال بناء بغداد، فكلفه بضرب اللبنات واحصائها ومراقبة العمال، وابتكر أبو حنيفة طريقة جديدة في إحصاء الاجر فكان يحصيها بالقصبة بدلا من طريقة العد المعتادة (3).
2 - وكان للإمام مالك بن أنس تأييد لآل علي (ع) وإسناد واضح في ثوراتهم ضد العباسيين، فقد اتجهه جمهور من أهالي المدينة يسألون الامام مالكا رأيه في تأييد محمد بن الحسن (النفس الزكية) فقالوا له: ان في أعناقنا بيعة لأبي جعفر المنصور، فقال مالك لهم: إنما بايعتم مكرهين، وليس علي كل مكره يمين (4).
3 - وذكر المسعودي: إن سفيان الثوري كان يتهرب من تقبل القضاء ويرفض قبوله من المهدي العباسي، وإن المهدي قال له: يا سفيان: تفر منا هاهنا وهاهنا وتظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك؟ ثم أمر أن يكتب له كتاب يعين فيه قاضيا علي الكوفة، فكتب عهده ودفعه إليه فأخذه وخرج ورمي به في] نهر دجلة [وهرب، فطلب في كل بلد فلم يوجد (5).
4 - ومالك بن أنس الذي مات أيام الرشيد، قال الواقدي في تعريفه: ان مالكا كان يأتي المسجد، ويشهد الصلوات والجمع والجنائز ويعود المرضي ويقضي الحقوق، ثم ترك ذلك كله، ثم قيل له فيه، فقال: ليس كل إنسان يقدر أن يتكلم بعذره.
وسعي به إلي جعفر بن سليمان وقيل له: إنه لا يري ايمان بيعتكم شيئا، فضربه
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٣٦٥.
٢ - يراجع مقاتل الطالبيين / ص 366.
3 - الدكتورة سميرة مختار / جهاد الشيعة / ص 322 نقلا عن تاريخ بغداد.
4 - الطبري / ج 2 / ص 190، ابن قتيبة / الإمامة والسياسة / ج 3 / ص 81.
5 - المسعودي / مروج الذهب / ج 3 / ص 322 وما بعدها.
(٢٢٦)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، عبد الله بن الحسن (ع) (1)، مدينة الكوفة (3)، سفيان الثوري (1)، جعفر بن سليمان (1)، مدينة بغداد (2)، مالك بن أنس (2)، محمد بن الحسن (1)، الموت (1)، الصّلاة (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (2)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)

صفحه 227

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٧
بالسياط، ومد لذلك حتي انخلعت كتفاه (1).
وكان الامام مالك يعرف قدر العلويين ومكانتهم، فقد جاءه محمد بن جعفر العلوي يشكو المحنة والاضطهاد، فقال له مالك: إصبر حتي يجئ تأويل تفسير هذه الآية: (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) وقد اضطهد المنصور مالك وضربه والي المدينة سبعين سوطا (2).
ثانيا - المرحلة الثانية:
وهي مرحلة حكم الأمين والمأمون، وقد اشتد الميل لأهل البيت (ع) والتعاطف معهم، وبلغ شأوه أيام الامام علي ابن موسي الرضا (ع)، فكانت الثورات العلوية تتفجر، وجماهير الأمة، وبعض الوزراء والقادة يميلون لآل البيت (ع)، والدولة العباسية تمر بمرحلة صراع داخلي حاد بين الأمين والمأمون انتهت بانتصار المأمون وقتل الأمين، وشخصية الإمام الرضا (ع) تقوي وتتركز باعتباره الامام من أهل البيت (ع). فكانت الأنظار تتجه نحوه، والقلوب تهفو إليه، واضطرب الموقف علي الخليفة العباسي (المأمون) وخشي من قوة التيار الموالي للعلويين، فقرر أن يتعامل مع الرأي العام بدبلوماسية وحنكة، بعد أن رأي فشل السيف والسجون والدماء في مكافحة الانتفاضات وثورات آل علي (ع)، و أن يعقد ولاية العهد للإمام الرضا (ع) ويجعله أحد أركان السلطة لتهدئة الخواطر، وامتصاص روح النقمة والثورة، وقد أدرك الإمام الرضا (ع) ذلك ورفض ولاية العهد الا أنه قبلها مضطرا.
الثورات العلوية ضد الحكم العباسي البغيض.
وكان طبيعيا أن يستثمر الثوار العلويون فرصة ارتباك السلطة واضطراب الأوضاع، لذا فقد حدثت ثورات أيام المأمون وانتفاضات قام بها العلويون ضد الحكم العباسي، مستغلين الأوضاع والظروف السياسية المتردية، فكان من أبرز هذه الثورات في عهد الإمام الرضا (ع) هي ثورة (ابن طباطبا) عام 199 ه، وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب، وابتدأ ثورته في العاشر من جمادي الآخرة من هذه السنة، وقد فجر ثورته في العراق في مدينة الكوفة، حيث أنصاره و أتباعه، وكان قائده الذي تولي شؤون الجيش وإدارة المعركة، هو (أبو السرايا) السري بن منصور، وكان يذكر أنه من ولد هانئ بن مسعود الشيباني (3).
وما أن أعلنت الثورة في الكوفة حتي انضم إليها] أهاليها [ومن حولها من أعراب وقري، فأصبحت الكوفة بيد ابن طباطبا ومنطلق ثورته، فوجه العباسيون إليه جيشا كبيرا قوامه عشرة آلاف مقاتل، فاشتبك في معركة ضارية هو وصاحبه أبو السرايا مع
١ - المسعودي / مروج الذهب / ج / ص ٣٣٩.
٢ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 539.
3 - ابن الأثير / الكامل في التاريخ / ج 6 / ص 302.
(٢٢٧)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (3)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (4)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، دولة العراق (1)، مدينة الكوفة (3)، إبراهيم بن إسماعيل (1)، إبراهيم بن الحسن (1)، محمد بن جعفر العلوي (1)، الحسن بن علي (1)، القتل (2)، العقد (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (1)، إبن الأثير (1)

صفحه 228

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٨
هذا الجيش فانتصرا عليه وحطماه.
الا أن ابن طباطبا كان قد توفي بعد هذه المعركة (1)، وحل محله محمد بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، وكان هذا العلوي شابا حدث السن ضعيف السيطرة، فكانت الأمور ومقاليد الحكم بيد أبي السرايا.
وعاود العباسيون الكرة فأرسلوا أربعة آلاف مقاتل فاشتبك معهم أبو السرايا في معركة طاحنة، لم يفلت منها أحد منهم، فوقعوا بين قتيل وأسير بيد أبي السرايا تحت سيطرة الثوار، وقوي مركزهم، فأصدروا عملتهم بشكل مستقل بالكوفة وكتبوا عليها: (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) (2) وتعاظمت قواتهم العسكرية فأرسل أبو السرايا الجيوش إلي البصرة وواسط ونواحيهما، فاحتل البصرة بقيادة زيد بن موسي بن جعفر وصار زيد واليا عليها، وقد كان واليا علي مدينة الأهواز فانطلق للزحف منها علي البصرة (3)، وولي مكة الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي الأفطس، وولي اليمن إبراهيم بن موسي بن جعفر، وولي الأهواز زيد بن موسي بن جعفر، ووجه محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي إلي المدائن: وأمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي] فأتاها [وأقام فيها وسير عسكره] منها [إلي ديالي.
كما هزمت جيوشه جيش العباسيين في واسط، واستمرت المعارك والمناوشات سجالا بين أبي السرايا والعباسيين، حتي انهزم أمامهم وهرب من الكوفة في السادس عشر من المحرم سنة (200) ه وكانت نهايته في عام (200) ه.
حيث قتل وحمل رأسه إلي المأمون ونصبت جثته علي جسر بغداد بعد أن دامت حركته مدة عشرة أشهر فقط.
وهكذا فشلت حركة ابن طباطبا وأبي السرايا، وبانتهائها وفشلها بدأت حركة علوية أخري امتدادا لها، أو تأثرا بها، وهي حركة إبراهيم بن الإمام موسي بن جعفر (ع)، وقد انفجرت هذه الثورة اثر قيام ثورة أبي السرايا وابن طباطبا، فقد شجعت] ثورتهما [إبراهيم علي التحرك نحو اليمن والانطلاق منها.
لقد كان إبراهيم في مكة، وحين بلغه خبر ثورة أبي السرايا اتجه إلي اليمن، لتفجير الثورة وقيادة الاتباع والأنصار هناك، فاستولي علي اليمن بعد قتال يسير وأذعنت للسلطة العلوية وخضعت لقيادته (4).
ومن الثورات المهمة التي وقعت في عهد الإمام الرضا (ع)، ثورة محمد بن الإمام
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٥٣١ في الهامش.
٢ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص ٥٣١ في الهامش.
٣ - استفيدت هذه الاحداث من الكامل في التاريخ / ج ٦ / ص ٣٠٢ وما بعدها.
٤ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 534. ابن الأثير / الكامل في التاريخ / ج 6 ص 310.
(٢٢٨)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، مدينة مكة المكرمة (2)، مدينة الكوفة (2)، إبراهيم بن موسي بن جعفر (1)، الحسن بن علي بن الحسين (1)، سليمان بن داود (1)، مدينة البصرة (3)، الحسن بن الحسن (1)، مدينة بغداد (2)، زيد بن موسي (1)، موسي بن جعفر (1)، محمد بن زيد (1)، القتل (4)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (2)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (3)، كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (2)، إبن الأثير (1)

صفحه 229

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٢٩
جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر (ع) بالمدينة المنورة، فقد قاد الثورة وبايعه أهل المدينة بإمرة المؤمنين (1).
ويذكر أن سبب ثورة محمد بن جعفر الصادق: كان رجل قد كتب كتابا في أيام أبي السرايا يسب فيه فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) وأهل البيت (ع) وكان محمد بن جعفر معتزلا تلك الأمور لم يدخل في شئ منها، فجاء الطالبيون فقرأوه عليه، فلم يرد عليهم جوابا حتي دخل بيته، فخرج عليهم وقد لبس الدرع وتقلد السيف، ودعا إلي نفسه، وتسمي بالخلافة، وهو يتمثل.
لم أكن من جناتها علم الله * وإني بحرها اليوم صالي (2).
ويذكر أن محمد بن جعفر - كما مر علينا - قال: شكوت إلي مالك بن أنس ما نحن فيه و ما نلقي، فقال: إصبر حتي يجئ تأويل هذه الآية: (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) (3).
وقد تعاطف العلويون مع محمد بن جعفر وساندوا حركته في مكد، فقد ذكر أبو الفرج: ان جماعة من الطالبيين اجتمعوا مع محمد بن جعفر، فقاتلوا هارون ابن المسيب بمكة قتالا شديدا، وفيهم الحسين بن الحسن الأفطس، ومحمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن، ومحمد بن الحسن المعروف بالسيلق وعلي ابن الحسين بن عيسي بن زيد، وعلي بن الحسين بن زيد، وعلي بن جعفر بن محمد، فقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة، وطعنه خصي كان مع محمد بن جعفر فصرعه.
وكر أصحابه فخلصوه، ثم رجعوا فأقاموا بثبير في جبله مدة، وأرسل هارون الرشيد إلي محمد بن جعفر، وبعث إليه ابن أخيه علي بن موسي الرضا فلم يصغ إلي رسالته (4).
واستمر في معركته حتي حوصر ونفد ما كان معه من طعام وماء وتفرق أصحابه وانكسر جيشه.
وقد حمل محمد بن جعفر مع أصحابه إلي المأمون في أيام خلافته، ويذكر أنه توفي في خراسان (5).
وهكذا يحدثنا التأريخ أن العلويين قد ألهبوا أرجاء الدولة العباسية بالثورات والانتفاضات، ورفعوا رايات الجهاد ومعهم الطليعة من العلماء والمحدثين والطلائع السياسية.
١ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٥٣٧.
٢ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٥٣٨.
٣ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٥٣٩.
٤ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص ٥٤٠.
٥ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 540.
(٢٢٩)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، المدينة المنورة (1)، علي بن جعفر بن محمد (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الحسين بن عيسي (1)، سليمان بن داود (1)، الحسين بن الحسن (1)، هارون الرشيد (1)، الحسين بن زيد (1)، مالك بن أنس (1)، محمد بن الحسن (1)، محمد بن جعفر (8)، خراسان (1)، الفرج (1)، الصدق (2)، القتل (1)، الطعام (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (5)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (5)

صفحه 230

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٠
ولم يتحرك الإمام الرضا (ع) ولم يشارك بواحدة منها، مع ماله من مقام سياسي، و مكانة اجتماعية مرموقة، ورغم أنه سيد أهل البيت (ع) وعالمهم وعميدهم، فقد كان يعلم ما ستنتهي إليه هذه الحركات، كما كان موقف أبيه الصادق الكاظم وجده عليهما السلام فقد كانوا علي يقين من فشل الثورات العلوية، وما من ثورة الا وقد نبه الأئمة (ع) أصحابها وقادتها، وأوضحوا لهم الفضل، وهذا لا يعني أن الأئمة (ع) ما كانوا يعملون باتجاه المقاومة، والوقوف بوجه الحكومات العباسية المتتالية بل ما كانت الأجواء الاجتماعية والسياسية تتهيأ وتنضج الا بقيادتهم وتوجيههم الفكري والسياسي.
فاخترع المأمون مشروعا سياسيا لتطويق الامام علي بن موسي (ع)، وهو المبايعة للامام بالخلافة وولاية العهد من بعد المأمون، باعتباره الامام من أهل بيت النبوة (ع)، والقائد البارز والسيد العلم في عصره.
موكب الإمام الرضا (ع) إلي خراسان.
وجه المأمون دعوته إلي الإمام الرضا (ع) وطلب منه الحضور إلي خراسان، للتشاور معه في نقل ولاية العهد والخلافة إليه، فاستجاب الإمام (ع) مكرها بعد إلحاح وتهديد، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني: إن المأمون وجه إلي جماعة من آل أبي طالب فحملهم إليه من المدينة، وفيهم علي بن موسي الرضا، فأخذ بهم علي طريق البصرة حتي جاؤوه بهم (1).
بدأت القافلة في المسير من المدينة المنورة وراحت تغذ السير متجهة نحو العراق علي طريق البصرة فالأهواز، ثم شيراز، فمدينة مرو.
سار وقلوب الناس تشيعه وتسير معه وتتعلق به أينما حل، وحيثما ارتحل، وكان يحتفي به ويستقبل في الأهواز وفي نيشابور. وبعد التوقف في نيسابور، تابع الامام رحلته وواصل سيره، مارا بسرخس حتي مرو عاصمة الخلافة العباسية في حينه، التي كانت تتهيأ لاستقباله (ع)، وكان في طليعة المستقبلين والمحتفين بالامام (ع)، المأمون و حاشيته ورجال دولته.
يقول أبو الفرج الأصفهاني: فأنزلهم] أي المأمون [دارا، وأنزل علي بن موسي الرضا دارا، ووجه إلي الفضل بن سهل فأعلمه أنه يريد العقد له، وأمر بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل علي ذلك، ففعل، واجتمعا بحضرته، فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في اخراج الامر من أهله إليه.
فقال] المأمون [له: اني عاهدت الله أن أخرجها إلي أفضل ولد أبي طالب ان ظفرت بالمخلوع] أخاه الأمين [، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل، فاجتمعا معه علي ما أراد فأرسلهما إلي علي بن موسي الرضا (2).
١ - مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني ص ٥٦٢.
٢ - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص 562، الارشاد للمفيد ص 311.
(٢٣٠)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (4)، دولة العراق (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (3)، المدينة المنورة (1)، مدينة البصرة (2)، الحسن بن سهل (1)، الفضل بن سهل (1)، خراسان (2)، الصدق (1)، الوقوف (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (2)

صفحه 231

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣١
الغاية من دفع ولاية العهد إلي الإمام الرضا (ع).
لقد كان المخرج من الأزمة السياسية التي أحاطت بالمأمون حسب تصوره، هو مخاطبة الامام علي بن موسي الرضا (ع) بقبول ولاية العهد، والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، ليضم إليه قوي المعارضة ويجمع جناحي القوة - العلوية والعباسية - بيده كما تصور.
ولبعض الكتاب والمؤرخين آراء أخري في تفسير البيعة ونقل المأمون للخلافة من بني العباس إلي آل علي بن أبي طالب (ع)، وهو تشيع المأمون لأهل البيت (ع)، وتأثره بشخصية الإمام الرضا (ع)، لأنه كان أعلم وأورع وأكفأ أهل عصره … الخ.
الا أن الدلائل تشير إلي رجحان الرأي الأول، أي أن ما فعله المأمون كان خطة عمل سياسية تستهدف تهدئة الأوضاع، وامتصاص روح الثورة والنقمة.
ذكر المؤرخون أن المأمون لما أراد أن ينفذ خطته هذه أحضر الفضل بن سهل وأخبره بما عزم عليه، وأمر بمشاورة أخيه الحسن في ذلك، فاجتمعا وحضرا عند المأمون فجعل الحسن يعظم ذلك ويعرفه ما في اخراج الامر عن أهل بيته، فقال المأمون: عاهدت الله أني إن ظفرت بالمخلوع (1) سلمت الخلافة إلي ذي فضل من بني آل أبي طالب، وهو أفضل ولابد من ذلك، فلما رأيا تصميمه وعزيمته علي ذلك أمسكا عن معارضته، فقال: تذهبان الان إليه، وتخبرانه بذلك عني وتلزمانه به، فذهبا إلي الرضا (ع)، وأخبراه بذلك، والزام المأمون له بذلك فامتنع فلم يزالا به حتي أجاب علي أنه لا يأمر ولا ينهي، ولا يولي ولا يعزل، ولا يتكلم بين اثنين في حكم، ولا يغير شيئا هو قائم علي أصوله فأجابه المأمون إلي ذلك (2).
ثم دعا به المأمون فخاطبه فيما أراد من توليته فامتنع، فقال له قولا شبيها بالتهديد، ثم قال له: إن عمر جعل الشوري في ستة أحدهم جدك، وقال: من خالف فاضربوا عنقه، ولابد من قول ذلك، فأجابه علي بن موسي إلي ما التمس (3).
ان المتأمل في هذه النصوص التاريخية وفي الظروف والأوضاع السياسية، يدرك أن الإمام الرضا كان يدرك الخطة السياسية للمأمون، وانه لم يكن مطمئنا إليها، لذلك ثبت في الشرط: انه لا يأمر ولا ينهي، ولا يولي ولا يعزل، ولا يتكلم بين اثنين في حكم، ولا يغير شيئا هو قائم علي أصوله.
وكان يعرف ما تؤول إليه الأمور وينتهي إليه تفكير المأمون، وأوضح ذلك لاحد خاصته.
فقد ذكر الشيخ المفيد (رض) عن المدائني: لما جلس الإمام الرضا علي بن موسي عليهما السلام في الخلع بولاية العهد، قام بين يديه الخطباء والشعراء، وخفقت
١ - يعني أخاه الأمين.
٢ - ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة / ص ٢٥٥.
٣ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 562 المفيد / الارشاد / ص 310.
(٢٣١)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (4)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، الفضل بن سهل (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)

صفحه 232

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٢
الألوية علي رأسه، فذكر عن بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا (ع) أنه قال: كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر إلي وأنا مستبشر بما جري، فأوما إلي أن أدن فدنوت منه، فقال لي من حيث لا يسمعه غيري: لا تشغل قلبك بهذا الامر ولا تستبشر له فإنه شئ لا يتم (1).
وهكذا نجد أن الامام اضطر تحت التهديد لقبول البيعة، ولكي لا يتحمل شيئا من تبعات الحكم، ويشترط القبول الرمزي دون التدخل في شئ، أو تحمل أية مسؤولية في الدولة.
وحين قبل الإمام الرضا (ع) ولاية العهد في وضعها الرمزي التي حددها هو بنفسه راح المأمون يعلن هذا النبأ العظيم، وينشره في أرجاء البلاد الاسلامية. وجلس المأمون يوم الخميس في ديوان الخلافة، وأمر وزيره الفضل بن سهل أن يخرج للناس، ويعلن لهم عن قرار المأمون ورأيه في الإمام (ع)، وعزمه علي البيعة بولاية العهد من بعده، و انه سماه (الرضا).
وأبلغهم أن المأمون يأمر بابدال الشعار العباسي - لباس السواد - بالشعار الأخضر و لبس الثياب الخضر.
وأعلن لهم عن عزم الخليفة عن صرف مرتب سنوي كامل بهذه المناسبة السعيدة، ثم طلب منهم أن يعودوا في الخميس القادم ليبايعوا الإمام الرضا (ع)، وجلس المأمون والي جانبه الإمام الرضا (ع) في الموعد المحدد للبيعة، وأقبل القواد والوجهاء والقضاة، و هم يلبسون الملابس الخضر.
فأمر المأمون ولده العباس ليكون أول المبايعين فقام وبايع الإمام الرضا (ع) بولاية العهد.
فرفع الرضا (ع) يده وقد جعل باطنها إلي الناس وظاهرها مقابل وجهه، فقال له المأمون أبسط يدك للبيعة، فقال له: ان رسول الله (ص) هكذا كان يبايع، فبايعه الناس (2).
وهكذا كانت مراسيم البيعة حافلة بالإجلال والعناية واهتمامات المأمون فتوافد الشعراء والخطباء والمتكلمون والمهنئون، وبذلت الأموال والهدايا والأعطيات والمرتبات.
وتمت البيعة في شهر رمضان المبارك سنة إحدي ومئتين للهجرة.
روي إبراهيم بن العباس، قال: كانت البيعة للرضا (ع) لخمس خلون من شهر رمضان المعظم سنة إحدي ومئتين وزوجه المأمون ابنته أم حبيب في أول سنة اثنتين ومئتين والمأمون متوجه إلي العراق.
وحين تمت البيعة وأعلنت علي الناس في مجلس حافل ووسط مراسم لم يشهد
1 - الشيخ المفيد / الارشاد / ص 312.
2 - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص 564. المفيد / الارشاد / ص 311.
(٢٣٢)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (7)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، دولة العراق (1)، شهر رمضان المبارك (2)، الفضل بن سهل (1)، اللبس (2)، الموت (1)، الشهادة (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، القتل (1)

صفحه 233

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٣
لها تاريخ الاسلام من مثيل، طلب المأمون من الإمام الرضا (ع) أن يخطب الناس.
فقام الإمام الرضا (ع) وتحدث بكلمات وجيزة بليغة جامعة تحمل في طياتها طبيعة موقف الإمام الرضا (ع)، وعدم تجاوبه مع السلطة أو انسجامه معها. فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه: ان لنا عليكم حقا برسول الله (ص) ولكم علينا حقا به، فإذا أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم (1).
وخطبة الامام خير دليل علي موقفه وعدم قناعته بمستقبل البيعة، لذا أورد في خطابه إشارة دقيقة: فإذا أديتم ذلك وجب علينا الحق لكم. ولم يكلم الناس بشئ، ولم يتحدث بلسان رجل الحكم والسلطة، فما كان يقرها في نفسه، ولا يريد أن يضفي علي حكم المأمون صفة الشرعية بجعل نفسه نائبا له ووصيا لملكه.
المأمون يؤكد موقع الإمام (ع).
واستمر المأمون يتابع الاجراءات والقرارات التي تؤكد موقع الامام، وتقنع الرأي العام بجدية الخطوة التي أقدم عليها المأمون.
فأمر بإصدار النقود باسم الإمام الرضا (ع)، وضرب عليها اسمه الشريف، وأصدر أوامره إلي أقطار الدولة كافة أن يذكر اسم الإمام (ع) في خطب الجمعة ومن أعلي المنابر، و توكيد ولاية عهده للأمة في كل مكان، وأعلنت ولاية عهد الرضا من علي منبر رسول الله (ص) في المدينة المنورة، واتخذ المأمون خطوات أخري ليؤكد الرابطة والعلاقة بالامام، فزوج وعقد للإمام محمد الجواد بن الإمام علي بن موسي الرضا (ع) (2)، ليؤكد للرأي العام الصلة بينه وبين الامام، ويقنع الأمة بحسن القصد وصدق الاتجاه السياسي الذي اختاره واتجه إليه.
وخطب للرضا بولاية العهد في كل بلد، وخطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة علي منبر رسول الله صلي الله عليه وآله بالمدينة الشريفة.
وذكر المدائني، قال: لما جلس الرضا ذلك المجلس وهو لابس تلك الخلع، والخطباء يتكلمون وتلك الألوية تخفق علي رأسه، نظر أبو الحسن الرضا (ع) إلي بعض مواليه الحاضرين ممن كان يختص به، وقد داخله من السرور مالا عليه مزيد، وذلك لما رأي فأشار إليه الرضا (ع) فدنا منه، وقال له في أذنه سرا: لا تشغل قلبك بشئ مما تري من هذا الامر ولا تستبشر فإنه لا يتم.
روي المؤرخون أن المأمون بعد أن ثبت للناس وأبلغ الآفاق والأقطار بالبيعة، أراد من الامام أن يمارس عملا فعليا يتعرف الناس من خلاله علي مباشرة الامام لبعض مهام الدولة، فطلب من الامام أن يقيم في الناس صلاة العيد، فاعتذر الامام عن إقامتها
١ - السيد محسن الأمين / في رحاب أهل البيت (ع) / ج ٤ / القسم الثاني / ص ١٢١. أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 564، المفيد / الارشاد / ص 311.
* ولد الإمام الجواد (ع) سنة 195 ه وتمت البيعة والزواج في 201 ه.
(٢٣٣)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (7)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، المدينة المنورة (1)، التاريخ الإسلامي (1)، الجود (1)، الصدق (1)، الصّلاة (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، الزوج، الزواج (1)

صفحه 234

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٤
وذكر المأمون بنص العهد الذي ورد فيه إعتذار الامام عن ممارسة أي شأن من شؤون الدولة، فرفض المأمون ذلك وأصر علي رأيه وشدد في الطلب علي الامام في إقامة صلاة العيد، فوجد الامام نفسه محرجا أمام هذا الالحاح والاصرار فاستجاب للطلب وخرج، و لذا كان خروجه مفاجأة لجماهير الأمة ووجهائها وعلمائها ورجال الدولة المحتشدين في موكب الصلاة.
كما أن الامام كان قد خرج بهيئة الخاشع المتبتل، المتجه إلي الله سبحانه، بعيدا عن مظاهر الأبهة والملك والسلطان، خلافا لما ألفه الناس وعرفوه في مثل هذه المناسبات، فكان عليه جلال الإمامة وهيبة الأولياء، وقدسية الانتساب إلي رسول الله (ص)، فأثر الموقف في جموع المصلين المحتشدة، وأثار عواطفهم وذكرهم بهيئته هذه برسول الله (ص)، وسيرته في المسلمين، فاضطرب الموقف وتفاعل المصلون مع الحدث الكبير تفاعلا شديدا، وانشدوا إلي الإمام (ع)، وتعلقت به القلوب واشرأبت نحوه الأعناق، و تحولت (مرو) إلي مظاهرة صاخبة تعلن عن الولاء لأهل البيت (ع) وتزخر بالحب والوفاء لهم.
فأثار هذا الموقف مخاوف البلاط وأركان السلطة، وفي مقدمتهم الفضل ابن سهل ذو الرياستين أحد وزراء المأمون، فتوجه خائفا فزعا مما رأي بالمشورة إلي الخليفة العباسي، وطلب منه أن يعيد الامام وأن يحول بينه وبين إقامة الصلاة، فقد أرعبه الموقف، وتجسدت أمامه بداية تمركز شخصية الامام وتألق نجمه السياسي.
ومن الجدير بالذكر أن ذا الرياستين كان ممن يناوئون الإمام الرضا (ع) ومن الكارهين لنقل ولاية الامر إليه.
فتقبل المأمون نصيحة ذي الرياستين وطلب من الإمام الرضا (ع) العودة والرجوع، فترك الامام الناس وعاد قبل أن تقام الصلاة. ولكي ننقل صورة حية للقارئ الكريم عن الموقف والمشهد كما وصفه المؤرخون وذكره أرباب السير والرواية، فلنسجل النص التاريخي الذي رواه الشيخ الصدوق، قال رضوان الله عليه.
فلما حضر العيد بعث المأمون إلي الرضا (ع) يسأله أن يركب ويحضر العيد، ويخطب ليطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله وتقر قلوبهم علي هذه الدولة المباركة، فبعث إليه الرضا (ع) وقال: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخولي في هذا الامر، فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة والجند والشاكرية هذا الامر، فتطمئن قلوبهم ويقروا بما فضلك الله به، فلم يزل يردد الكلام في ذلك، فلما ألح عليه قال: يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله (ص)، وكما خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال المأمون:
أخرج كما تحب، وأمر المأمون القواد والناس أن يبكروا إلي باب أبي الحسن الرضا (ع)، فقعد الناس لأبي الحسن الرضا (ع) في الطرقات والسطوح من الرجال والنساء والصبيان، واجتمع القواد علي باب الرضا (ع)، فلما طلعت الشمس قام الرضا (ع) فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، وألقي طرفا
(٢٣٤)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (8)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الشيخ الصدوق (1)، ذو الرياستين (1)، الكرم، الكرامة (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (3)

صفحه 235

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٥
منها علي صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر (1)، ثم قال لجميع مواليه: إفعلوا مثل ما فعلت، ثم أخذ بيده عكازة وخرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلي نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فلما قام ومشينا بين يديه رفع رأسه إلي السماء وكبر أربع تكبيرات، فخيل إلينا أن الهواء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس علي الباب قد تزينوا ولبسوا السلاح وتهيأوا بأحسن هيئة، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة حفاة قد تشمرنا وطلع الرضا (ع) ووقف وقفة علي الباب قال: (ألله أكبر ألله أكبر ألله أكبر علي ما هدانا، ألله أكبر علي ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله علي ما ابتلانا)، ورفع بذلك صوته ورفعنا أصواتنا فتزعزعت مرو من البكاء والصياح فقالها ثلاث مرات، فسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما نظروا إلي أبي الحسن (ع)، و صارت مرو ضجة واحدة، ولم يتمالك الناس من البكاء والضجيج، وكان أبو الحسن (ع) يمشي و يقف في كل عشر خطوات وقفة، فكبر الله أربع مرات، فتخيل إلينا أن السماء والأرض والحيطان تجاوبه، وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلي علي هذا السبيل افتتن به الناس، فالرأي أن تسأله أن يرجع فبعث إليه المأمون، فسأله الرجوع، فدعا أبو الحسن (ع) بخفه فلبسه ورجع (2).
شهادة الإمام الرضا (ع).
استعرضنا بإيجاز سبب تولية المأمون الإمام الرضا (ع) لولاية العهد، وأوضحنا الأسباب التي دعته لذلك الامر، وكذلك أوضحنا كيف أن الإمام (ع) كان يدرك ذلك بوضوح، إلا أنه (ع) أرغم علي قبول ولاية العهد، حيث أن الامام لا يخفي عليه أيضا أن المأمون ليس ذلك الشخص الذي كان زاهدا في الملك والسلطة، فقد قتل أخاه الأمين من أجلهما و قتل من خدموه وخدموا أباه الرشيد من قبل، أمثال طاهر بن الحسين، والفضل بن سهل، و آخرين ممن ساهموا في تثبيت سلطته وتنفيذ خططه، فكان طبيعيا أن يلقي الإمام (ع) مثل هذه المعاملة: وهو من أكثر الناس خطرا وأشدهم فاعلية، يضاف إلي ذلك ما كان للصراع والوشايات والوقيعة، التي كان يمارسها الحواشي أمثال الحسن والفضل بن سهل، وضغوط رجالات بني العباس.
فقد حدثنا التاريخ أن المأمون قد دس السم في بعض طعام الإمام الرضا (ع) في عنب أو رمان، فقد ذكر المؤرخون ومنهم أبو الفرج الأصفهاني، أن الإمام الرضا (ع) قد مات اثر أكله عنبا قد دس فيه السم (3).
١ - شمر الثوب عن ساقيه: رفعه. تشمر للامر: أراده وتهيأ له.
٢ - الصدوق / عيون أخبار الرضا / ج ٢ / ص ١٥٠. ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة / ص ٢٦٠.
٣ - مقاتل الطالبيين ص ٥٦٧، ابن طولون الأئمة الاثنا عشر ص 98، وفيات الأعيان الابن خلكان ج 3 ص 270.
(٢٣٥)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (5)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (3)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، بنو عباس (1)، ذو الرياستين (1)، طاهر بن الحسين (1)، الفضل بن سهل (3)، البكاء (2)، القتل (1)، الموت (1)، الطعام (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، الشيخ الصدوق (1)

صفحه 236

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٦
وكانت شهادته (ع) في اليوم الأخير من شهر صفر سنة 203 ه بمدينة طوس التي دفن فيها، في دار حميد بن قحطبة. فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
الإمام محمد بن علي الجواد (ع).
مولده ونشأته.
ولد الإمام الجواد (ع) في شهر رمضان المبارك من سنة خمس وتسعين ومئة للهجرة وتوفي سنة عشرين ومئتين، في آخر ذي العقدة، وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما، ودفن ببغداد في مقابر قريش، عند قبر جده موسي بن جعفر (ع). فأبوه الامام الثامن علي بن موسي الرضا (ع)، وأمه نوبية من بلاد النوبة، من توابع السودان في أفريقيا، اسمها سبيكة، وقد ولد هذا الوليد الامام المبارك في مدينة جدة رسول الله (ص)، وهناك رواية تقول: انه (ع) ولد في شهر رمضان المبارك، وقيل أن ولادته (ع) في شهر رجب المرجب.
كانت ولادته (ع) في فترة تزخر بالأحداث والظروف السياسية المتقلبة، والصراع علي أشده علي الخلافة العباسية بين الأمين والمأمون ابني هارون الرشيد، فكانت ولادته المباركة سنة خمس وتسعين ومئة للهجرة، في السنة التي بويع فيها المأمون الذي خلع أخاه الأمين، ولم تكن تلك الأحداث السياسية والصراع بين الأخوين لينتهي دون أن تنعكس آثاره علي حياة الإمام الرضا (ع) والد الإمام الجواد (ع) كما أسلفنا.
كان الإمام الرضا (ع) وبعد أن شاءت الظروف السياسية أن يرحل إلي مرو عاصمة الدولة العباسية أنذاك ويترك ولده الإمام الجواد (ع) في مدينة جده، يركز علي بناء شخصيته و تعظيم مقامه، وكان يخاطبه بالإجلال والتعظيم، ويكنيه بأبي جعفر، وهو صبي لم يبلغ الحلم.
جاء في نص وثيقة البيعة التي كتبها المأمون إلي الامام علي بن موسي الرضا (ع)، إمام المسلمين وعميد أهل البيت (ع) في عصر المأمون، مما يكشف عن طبيعة فهم الأمة الاسلامية بمختلف مواقعها السياسية والاجتماعية لمقام أهل البيت (ع)، وأحقيتهم في الموقع الأول للقيادة وولاية الامر. فقد صرح المأمون بأحقية أهل البيت (ع) بالخلافة والإمامة، عند ما أقدم علي تزويج الإمام محمد الجواد ابن الإمام الرضا (ع)، محاولا التقرب من الامام. وهذه نص كلمة الوثيقة التي سجلها المأمون العباس وهو يحاور و جوه بني العباس في مقام أهل البيت (ع).
عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي (ع) بلغ ذلك العباسيين، فغلظ عليهم واستنكروه، وخافوا أن ينتهي الامر معه إلي ما انتهي مع الإمام الرضا (ع) فخاضوا في ذلك، واجتمع معهم أهل بيته الأدنون إليه فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم علي هذا الامر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فإنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عز وجل، وينزع منا
(٢٣٦)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (4)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (6)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (4)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، شهر رجب المرجب (1)، شهر رمضان المبارك (2)، بنو عباس (1)، شهر صفر الظفر (1)، هارون الرشيد (1)، ريان بن شبيب (1)، محمد بن علي (1)، القبر (2)، البعث، الإنبعاث (1)، الشهادة (2)، الجود (1)، الزوج، الزواج (1)، الدفن (1)

صفحه 237

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٧
عزا قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا (ع) ما عملت، فكفانا اله المهم من ذلك، فالله الله أن تردنا إلي غم قد انحسر عنا، واصرف رأيك عن ابن الرضا، وأعدل إلي من طراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أماما بينكم وبين آل أبي طالب، فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولي بكم، وأما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعا للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، ولقد سألته أن يقوم بالامر، من نفسي فأبي، وكان أمر الله قدرا مقدورا.
وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه، فقالوا له: ان هذا الفتي وان راقك منه هديه، فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم:
وتحكم اني أعرف بهذا الفتي منكم، وان أهل هذا البيت علمهم من الله تعالي ومواده و الهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله (1).
وفعلا فقد ثار - الجدل والحوار حول شخصية الإمام الجواد محمد بن علي الرضا (ع) لصغر سنه وعدم بلوغه، فقد كان صبيا، عمره نحو سبع سنوات يوم وفاة أبيه (ع)، وقد أتحفتنا كتب التاريخ والسير بجانب من تلك المناظرات حول شخصية الامام وعلمه ولياقته في هذه السن للإمامة، وذكرت تفرق بعض أتباع أهل البيت (ع) عن الإمام الجواد (ع)، وفيما يأتي نتناول جانبا من هذه النصوص الوثائقية، لننتهي معها إلي ما انتهت إليه من تثبيت إمامته (ع)، فقد كتب الشيخ المفيد، وهو من أعاظم علماء أهل البيت (ع) في القرن الرابع للهجرة تحليلا لذلك بقوله.
ثم إن الأمة استمرت علي القول بأصول الإمامة طوال أيام أبي الحسن الرضا (ع) فلما توفي وخلف ابنه أبا جعفر (ع) وله عند وفاة أبيه سبع سنين، اختلفوا وتفرقوا ثلاث فرق: فرقة مضت علي سنن القول في الإمامة ودانت بإمامة أبي جعفر (ع)، ونقلت النص عليه، وهي أكثر الفرق عددا، وفرقة أخري ارتدت إلي قول الواقفة، رجعوا عما كانوا عليه من إمامة الرضا (ع)، وفرقة ثالثة قالت بإمامة أحمد بن موسي (2)، وزعموا أن الرضا (ع) وصي إليه ونص بالإمامة عليه، واعتل الفريقان الشاذان عن أصل الإمامة بصغر سن أبي جعفر (ع)، وقالوا: لا يجوز أن يكون إمام الزمان صبيا لم
1 - البحار للمجلسي ج 5 ص 74 نقلا عن الامتجاج.
2 - أحمد بن موسي: أخو الامام علي بن موسي الرضا (ع).
(٢٣٧)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (3)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (6)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (1)، يوم عرفة (1)، الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، أحمد بن موسي (2)، محمد بن علي (2)، الجدال (1)، الجود (1)، السب (1)، الجواز (1)، الوفاة (2)

صفحه 238

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٨
يبلغ الحلم، فيقال لهم ما سوي الراجعة إلي التوقيف، كما قيل للواقفة، … الخ (1).
ان المتأمل في النص الذي أوردناه آنفا، يري بوضوح الاضطراب الذي حصل في المرحلة الانتقالية من إمامة الرضا (ع) إلي ولده الجواد (ع).
النصوص علي إمامة الجواد (ع).
روي علي بن أسباط عن يحيي الصنعائي قال: دخلت علي أبي الحسن الرضا (ع) وهو بمكة، و هو يقشر موزا، ويطعم أبا جعفر (ع)، فقلت له: جعلت فداك هو المولود المبارك؟ قال:
يا يحيي، هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود، أعظم بركة علي شيعتنا منه (2).
وروي الحاكم البيهقي قال: عن أبو الحسين بن محمد بن أبي عباد، وكان يكتب للرضا (ع) - ضمه إليه الفضل بن سهل - قال: ما كان (ع) يذكر محمدا ابنه الا بكنية، يقول: كتب إلي أبو جعفر (ع) وكنت أكتب إلي أبي جعفر (ع)، وهو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، وترد كتب أبي جعفر (ع) في نهاية البلاغة والحسن، فسمعته يقول: أبو جعفر وصيي و خليفتي في أهلي من بعدي (3).
وروي ابن قولويه، عن الكليني، عن الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه قال: كنت واقفا عند أبي الحسن الرضا (ع) بخراسان، فقال قائل: يا سيدي ان كان كون، فإلي من (4)؟
قال: إلي أبي جعفر البني، وكأن القائل استصغر سن أبي جعفر، فقال أبو الحسن (ع):
ان الله سبحانه بعث عيسي رسولا نبيا، صاحب شريعة، مبتدئه في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر (5) وهذه أمثلة قليلة وما هي الا غيض من فيض علي إمامة الجواد (ع) واستخلافه لأبيه (ع)، وكما قرأنا بعضا من هذه النصوص الواردة بإمامته (ع)، فلنقرأ الان إعتراف المأمون العباسي، وقاضي الدولة العباسية في ذلك العصر يحيي بن أكثم، واضطرار وجوه بني العباس إلي التسليم للإمام الجواد (ع) بالتفوق العلمي، ولياقته للإمامة، بعد حضور مجلس المناظرة بينه (ع) وبين يحيي بن أكثم.
نقلا عن الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي … واجتمع رأيهم علي القاضي يحيي بن أكثم أن يكون هو الذي يسأله ويمتحنه وقرروا ذلك مع القاضي يحيي، ووعدوه بأشياء كثيرة متي قطعه وأخجله، ثم عادوا إلي المأمون وسألوه أن يعين لهم يوما فاجتمعوا في ذلك اليوم بين يدي أمير المؤمنين المأمون، وحضر العباسيون ومعهم القاضي يحيي بن أكثم، وحضر خواص الدولة وأعيانها من أمرائها وحجابها و
١ - الفصول المختارة من العيون والمحاسن للمفيد ط 4 ص 256.
2 - البحار للمجلسي ج 50 ص 35.
3 - عيون أخبار الرضا للصدوق ج 2 ص 240.
4 - أي إذا حدث حادث أو توفاك الله، فإلي من تنتقل الإمامة؟.
5 - البحار ج 50 ص 23 نقلا عن إعلام الوري، والارشاد.
(٢٣٨)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (4)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (4)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (4)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، بنو عباس (1)، محمد بن أبي عباد (1)، يحيي بن أكثم (2)، علي بن أسباط (1)، ابن قولويه (1)، الحسين بن محمد (1)، الفضل بن سهل (1)، خراسان (1)، الفدية، الفداء (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (1)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (1)، الشيخ الصدوق (1)

صفحه 239

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٣٩
قوادها، وأمر المأمون بأن يفرش لأبي جعفر محمد الجواد فرش حسن، وأن يجعل عليه مصورتان، ففعل ذلك وخرج أبو جعفر فجلس بين المصورتين، وجلس القاضي يحيي مقابله، و جلس الناس في مراتبهم علي قدر طبقاتهم ومنازلهم، فأقبل يحيي بن أكثم علي أبي جعفر فسأله عن مسائل أعدها له، فأجاب بأحسن جواب، وأبان فيها عن وجه الصواب، بلسان ذلق ووجه طلق، وقلب جسور، ومنطق ليس بعي ولا حصور، فعجب القوم من فصاحة لسانه، و حسن اتساق منطقه ونظامه، فقال له المأمون: أجدت يا أبا جعفر (1).
العمل السياسي في حياة الإمام (ع).
شكل أئمة أهل البيت (ع) خط المعارضة السياسية هم وأتباعهم ومن تولاهم علي امتداد خط الصراع، ضد تسلط حكام الجور من الأمويين والعباسيين الذين تسلطوا علي رقاب المسلمين بالقهر والإرهاب، وكان لكل إمام من أئمة أهل البيت (ع)، من علي بن أبي طالب حتي نهاية هذه السلسلة المباركة: كفاح طويل، ومواجهة السلطة القائمة، وكان الحكام في كل عصر يعتبرون الامام المتصدي من أهل البيت (ع)، مصدرا لذلك التحرر السياسي، ورمزا للمقاومة، ومأوي للمعارضة: لذا فإنه لم يسلم امام من أئمة أهل البيت (ع) من الملاحقة والاضطهاد والمضايقة والمراقبة، أو السجن والنفي والقتل.
وعلي الرغم من مواقف المأمون هذه، فقد حدثت في عهده انتفاضات علوية عديدة، لقد تحرك عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وأعلن الثورة في (عك من بلاد اليمن) بسبب سوء المعاملة التي كان يبديها عمال الخليفة هناك، وراح يدعو إلي الرضا من آل محمد (ص)، فبايعه الناس والتقوا حوله واستجابوا لدعوته، فاضطر المأمون إلي إرسال جيش كثيف بقيادة دينار بن عبد الله، لمواجهة الثورة و إخمادها، وأرسل مع هذا القائد أمانا للثائر العلوي، فقبل ذلك الثائر الأمان، و سالم السلطة العباسية ولم يذكر المؤرخون السبب في هذا الموقف (2).
أما الثورة الثانية التي فجرها الثوار العلويون: فهي ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طاب (ع) فقد انطلق هذا الثائر العلوي من مدينة الطالقان في بلاد فارس، وقد تحدث المؤرخون وكتاب السير عن هذه الثورة، وعن شخصية هذا الثائر العلوي، فوصفه أبو الفرج الأصفهاني بقوله.
كانت العامة تلقبه الصوفي لأنه كان يدمن لبس الثياب من الصوف الأبيض، وكان من
١ - راجع الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٦٨، والارشاد للمفيد ص ٣٢٠.
٢ - تاريخ الطبري ج ٧ ص ١٦٨ أحداث سنة سبع ومئتين.
(٢٣٩)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (4)، الدولة الأموية (1)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، عبد الله بن محمد بن عمر بن علي (1)، علي بن الحسين بن علي (1)، يحيي بن أكثم (1)، القاسم بن علي (1)، الجود (1)، السب (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)

صفحه 240

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٠
أهل العلم والفقه والدين والزهد وحسن المذهب (1).
وكتب الطبري في تاريخه الشهير عن هذه الثورة قائلا.
فمن ذلك ما كان من ظهور محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالطالقان من خراسان، يدعو إلي الرضي من آل محمد (ص)، فاجتمع إليه بها ناس كثير، و كانت بينه وبين قواد عبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان في جبالها، فهزم و أصحابه، فخرج هاربا يريد بعض كور خراسان، كان أهله كاتبوه (2).
مواقف حكام بني العباس مع الإمام الجواد (ع).
يذكر المستشرق دونالدسون مخاوف العباسيين من إقدام المأمون علي تزويج ابنته من الإمام محمد الجواد (ع)، وما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك.
يقول: … وبعد مرور سنة علي زواج الإمام سمح له الخليفة ولزوجته الشابة بالذهاب إلي المدينة المنورة والإقامة فيها، وقد كان هذا التدبير موضع قبول العباسيين بأجمعهم، لأنهم كانوا يكرهون ما كان يتمتع به الامام من أرجحية ورعاية في بغداد (3).
وفاته (ع).
وبعد انتهاء حياة المأمون بدأت خلافة المعتصم، فكان كأسلافه الخلفاء العباسيين علي خوفه من امامة أهل البيت (ع) ومكانتهم العلمية والسياسية والاجتماعية في الأمة، فاستدعي الإمام الجواد من المدينة المنورة إلي بغداد عام 219 ه خوفا من تألق نجمه، واتساع تأثيره، وليكون علي مقربة من مركز السلطة والرقابة، ولعزله عن ممارسة دوره العلمي والسياسي، واحكام الطوق عليه. وفعلا تم استقدام الإمام الجواد (ع) من المدينة إلي بغداد، ولم يبق في بغداد الا مدة قصيرة حتي توفي سنة 220 ه وبعد هذه الحياة القصيرة في امتدادها الزمني التي دامت نحو خمس وعشرين سنة، المديدة في أثرها العقائدي والتاريخي، المليئة بالمآثر والجهاد، وقد انتقل الامام إلي جوار ربه فقد توفي ببغداد سنة 220 ه. في الخامس من ذي الحجة، ودفن في مقابر قريش مع جده موسي بن جعفر (4).
الامام علي بن محمد الهادي (ع).
مولده ونشأته:.
انا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة (5) اسمه (ع) علي وكنيته
١ - مقاتل الطالبين ص ٥٧٨.
٢ - تاريخ الطبري ج ٧ ص ٢٢٣ أحداث سنة تسع عشرة ومئتين.
٣ - نقلا عن موسوعة العتمان المقدسة لدون الدسون / قسم الكاظمية ج ١ ط ١ ص ٢٣٢.
٤ - البحار للمجلسي ج ٥٠ ص ١٧ نقلا عن عيون المعجزات.
5 - الفصول المهمات لابن الصباغ المالكي ص 255.
(٢٤٠)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (3)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (1)، شهر ذي الحجة (1)، بنو عباس (1)، المدينة المنورة (2)، علي بن الحسين بن علي (1)، عبد الله بن طاهر (1)، محمد بن القاسم (1)، مدينة بغداد (4)، موسي بن جعفر (1)، خراسان (2)، الزوج، الزواج (2)، الجود (1)، القبر (1)، الزهد (1)، مدينة الكاظمين (1)، كتاب تاريخ الطبري (1)، القتل (1)

صفحه 241

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤١
أبو الحسن، وألقابه النجيب، والمرتضي، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، والمؤتمن، الطيب والعسكري، ويقال له: أبا الحسن الثالث.
كانت الولادة المباركة للإمام الهادي (ع) في صريا (1) بالقرب من المدينة المنورة، في النصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومئتين للهجرة، وتوفي (ع) (بسر من رأي)] وتسمي اليوم سامراء [في شهر رجب سنة أربع وخمسين ومئتين للهجرة، وله يومئذ إحدي وأربعون سنة وأشهر، فقد أشخصه المتوكل العباسي مع يحيي بن هرثمة بن أعين من المدينة إلي سر من رأي، فأقام بها حتي مضي إلي سبيله، وكانت مدة إمامته (ع) ثلاثا و ثلاثين سنة.
أمه (ع) أم ولد يقال لها سمانة المغربية، ويقال ان أمه (ع) المعروفة بالسيدة أم الفضل، أقام مع أبيه (ع) ست سنين وخمسة أشهر، وبعده مدة إمامته ثلاثا وثلاثين سنة ويقال: وتسعة أشهر، ومدة مقامه بسر من رأي عشرين سند، وقبره في داره. وكان في سني إمامته (ع) بقية ملك المعتصم، ثم الواثق، والمتوكل والمنتصر، والمستعين، والمعتز، وفي آخر ملك المعتمد استشهد مسموما، وقال ابن بابويه: وسمه المعتمد (2).
النصوص علي إمامته (ع).
عن الصقر بن دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (ع) يقول: ان الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن (3).
روي إسماعيل بن مهران قال: لما خرج أبو جعفر محمد الجواد من المدينة إلي بغداد بطلبة المعتصم، قلت له عند خروجه: جعلت فداك اني أخاف عليك من هذا الوجه، فإلي من الامر بعدك؟ فبكي حتي بلت لحيته ثم التفت إلي فقال: الامر من بعدي لولدي علي (4).
فمحصلة النص الوارد من كل إمام علي الامام الذي يليه، تقودنا إلي قطع الشك والريب في مقام الأئمة من أهل البيت (ع)، ذلك لان التسلسل منته إلي كتاب الله والرسول (ص)، وهكذا يكون نص الإمام الجواد (ع) علي ولده علي الهادي (ع) مستمسكا ودليلا علي مكانه وعظمة شخصية الإمام الهادي (ع) شاهدا له بالعلم والورع والكفاءة لاحتلال موقع الإمامة والقيادة والمرجعية في الأمة.
وفي رسالة المتوكل العباسي - وهو من ألد خصوم الإمام الهادي (ع) خاصة
1 - صريا: وهي قرية أسها موسي بن جعفر (ع) علي ثلاثة.
2 - مناقب أول أبي طالب ج 4 ص 401.
3 - كمال الدين ج 2 ص 50.
4 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 277، إعلام الوري للطبري ص 340 ط بيروت.
(٢٤١)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (1)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، شهر ذي الحجة (1)، مدينة سامراء المقدسة (1)، شهر رجب المرجب (1)، المدينة المنورة (1)، إسماعيل بن مهران (1)، يحيي بن هرثمة (1)، مدينة بغداد (1)، محمد بن علي (1)، الفدية، الفداء (1)، الشهادة (2)، الجود (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (1)، مدينة بيروت (1)

صفحه 242

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٢
والعلويين عامة التي وجهها للامام، نلاحظ الاعتراف الكامل بعظمة الإمام (ع)، وجلالة قدره، وعظيم مكانة.
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، إن أمير المؤمنين عارف بقدرك، رايج لقرابتك، موجب لحقك مؤثر من الأمور فيك وفي أهل بيتك لما فيه صلاح حالك وحالهم، ويثبت عزك و عزهم وإدخال الامر عليك وعليهم … إلي أن قال: وقد ولي أمير المؤمنين ما كان يليه عبد الله بن محمد من الحرب والصلاة بمدينة الرسول (ص) لمحمد بن فضل، وأمره بإكرامك واحترامك وتوقيرك وتجليلك، والانتهاء إلي أمرك ورأيك، وعدم مخالفتك، والتقرب إلي الله تعالي والي أمير المؤمنين بذلك، وأمير المؤمنين مشتاق إليك، ويحب إحداث العهد بقربك والتيمن بالنظر إلي ميمون طلعتك المباركة (1).
الإمام الهادي (ع) والمتوكل العباس.
تحدث سبط بن الجوزي الحنفي عن الإمام الهادي (ع)، عن أحداث استدعاء الإمام الهادي من المدينة إلي سامراء (2)، قال: قال يحيي بن هرثمة: فذهبت إلي المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما، ما سمع الناس بمثله خوفا علي علي، وقامت الدنيا علي ساق، لأنه كان محسنا إليهم، ملازما للمسجد، لم يكن عنده ميل إلي الدنيا، قال يحيي: فجعلت أسكنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وإنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه الا مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي، وأحسنت عشرته، فلما قدمت به إلي بغداد، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري، وكان والياء علي بغداد، فقال لي: يا يحيي ان هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكل من تعلم، فإن حرضته عليه قتله، وكان رسول الله خصمك يوم القيامة، فقلت له: والله ما وقعت منه الا علي كل أمر جميل، ثم صرت به إلي سر من رأي فبدأت بوصيف التركي، فأخبرته بوصوله فقال: والله لئن سقطت منه شعرة لا يطالب بها سواك، قال: فعجبت كيف وافق قوله قوله إسحاق، فلما دخلت علي المتوكل، سألني عنه، فأخبرته بحسن سيرته، وسلامة طريقته و ورعه وزهادته، وإني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم، وإن أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه المتوكل، وأحسن جائزته، وأجزل بره، وأنزله معه سر من رأي (3).
وفي سامراء، هوجمت دار الامام علي الهادي (ع)، وفتشت، فوصف أصحاب السير
1 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 280.
2 - ذكر للمتوكل العباسي أن الامام يجمع المال والسلاح، ويعد للثورة، فأرسل يحيي بن هرصمة لقشيش داره وجلبه إلي سامراء.
3 - تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 2607 ابن طولون / الأئمة الاثنا عشر ص 107.
(٢٤٢)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم القيامة (1)، مدينة سامراء المقدسة (3)، إسحاق بن إبراهيم (1)، يحيي بن هرثمة (1)، عبد الله بن محمد (1)، مدينة بغداد (2)، القتل (1)، الصّلاة (1)، السجود (1)، الحرب (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)

صفحه 243

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٣
حال الامام حسين هو جم ليلا.
فهاجموا داره، فلم يجدوا فيها شيئا، ووجده في بيت فغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس علي الرمل والحصي، وهو متوجه إلي الله تعالي يتولا آيات من القرآن (1).
وعلي هذه الحال حمل إلي المتوكل العباسي، وأدخل عليه، وكان المتوكل في مجلس شراب، وبيده كأس الخمر، فناول الإمام الهادي (ع)، مزد الامام: والله ما خامر لحمي ولا دمي قط، فاعفني فأعفاه، فقال له: أنشدني شعرا، فقال علي: أنا قليل الرواية للشعر، فقال: لابد، فأنشده.
باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل.
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * وأسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا.
ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الأساور والتيجان والحلل.
أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل.
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل.
قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الاكل قد أكلوا.
فبكي المتوكل حتي بلت لحيته دموعه، وبكي الحاضرون (2).
الذي يدرس حياة الإمام الهادي (ع) منذ وفاة أبيت (ع) وتحمله مهام الإمامة وحتي وفاته، يجدها مليئة بالتحديات والضغوط والمصائب، والصبر علي فساد الحكام وتهورهم و ظلمهم، وضعف السياسة والإدارة، وشيوع الموبقات، فقد وصف المؤرخون المعتصم العباسي، أنه إذا غضب لا يبالي من قتل، ولا ما فعل (3).
ويمكننا أن نحيط القارئ علما بأبرز مظاهر العداء والصراع بين المتوكل العباسي و أهل البيت (ع) بما يلي.
1 - كراهيته للامام علي بن أبي طالب (ع) ومحاولة الحط من سمعته والاستهانة بقدره.
2 - هدمه لقبر السبط الشهيد الحسين بن علي (ع) وتنكيله بزوار القبر الشريف، و معاقبته بقسوة لكل من يقصده أو يزوره بأخذ المبالغ الطائلة منهم، وحيث لم يفد ذلك، أمر بقطع الأيدي لكل من يزور مرقد الإمام الحسين (ع) الطاهر بكربلاء.
3 - فرض الحصار الاقتصادي علي العلويين، وقطع أرزاقهم ومنع الناس من مساعدتهم.
4 - التضييق علي عميد أهل البيت الأطهار - الامام علي الهادي (ع) -، وجلبه
1 - المصدر نفسه ص 361.
2 - تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 361، وابن طولون الأئمة الاثنا عشر ص 107.
3 - تاريخ الرسل والملوك للطبري ج 7 ص 316 أحداث سنة 227 ه.
(٢٤٣)
مفاتيح البحث: قبر الحسين (ع) (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (3)، مدينة كربلاء المقدسة (1)، القرآن الكريم (1)، القتل (1)، الصبر (1)، الأكل (1)، الغلّ (1)، القبر (2)، الزيارة (1)، الوفاة (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (1)

صفحه 244

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٤
من المدينة ووضعه تحت الرقابة، وفرض الحصار السياسي عليه، ومحاولة قتله والقضاء عليه.
5 - محاولة ايجاد بديل هزيل لزعامة أهل البيت (ع) وترشيح موسي أخي الإمام الهادي (ع) لهذه المهمة، وفشل هذه المحاولة.
6 - قتل الثوار العلويين والتنكيل بهم - بعد أن ضج العلويون من ظلمه وسياسته وقد حملته هذه الكراهية وهذا الحقد علي علي وأهل بيته (ع)، أن يبطش بالعالم النحوي يعقوب بن إسحاق، المعروف بابن السكيت، فأمر الأتراك فداسوا بطنه، فحمل إلي داره فمات، وقيل: أمر بسل لسانه فمات. وكان سبب هذا الموقف من ابن السكيت، أن المتوكل سأله يوما: أيما أحب إليك المعتز والمؤيد] ولداه [، أو الحسن والحسين؟ فقال: قنبر - يعني مولي علي بن أبي طالب - خير منهما، وذكر الحسن والحسين (ع)، بما هما أهل له (1).
قال ابن الأثير: وفي هذه السنة 236 ه أمر المتوكل بهدم قبر الإمام الحسين بن علي (ع)، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يبذر، ويسقي موقع قبره، وأن يمنع الناس من اتيانه، فنادي (عامل صاحب الشرطة) بالناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة، حبسناه في المطبق، فهرب الناس، وتركوا زيارته، وحرث وزريح (2).
وقال جلال الدين السيوطي عن ذلك: وفي سنة 236 أمر بهدم قبر الحسين، وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته، وخرب وبقي صحراء، وكان المتوكل معروفا بالتعصب، فتألم المسلمون من ذلك، وكتب أهل بغداد شتمه - أي شتم المتوكل - علي الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء. فمما قيل في ذلك:.
بالله ان كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما.
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا العمري قبره مهدوما.
أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما (3).
وذكر أبو الفرج الإصفهاني عن مأساة العلويين ومحنتهم، ومما أصاب نساءهم وأطفالهم من الظلم والعسف والاستضعاف وشظف العيش، في عهد المتوكل فقال: … واستعمل علي المدينة ومكة عمر بن الفرج الخجي، فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البر بهم، وما كان ليبلغه أن أحدا أبرأ منهم بشئ، وان قل، الا أنهكه عقوبة، وأثقله غرما، حتي كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرفعنه ويجلسن علي مغازلهن عواري حواسر، إلي أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم، ووجه بماله فرقه فيهم، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله، ومضادة د مذهبه، طعنا
1 - الكامل لابن الأثير ج 7 ص 91، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 394.
2 - الكامل لابن الأثير ج 7 ص 55.
3 - تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 392.
(٢٤٤)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (3)، إبن الأثير (1)، علي بن أبي طالب (1)، يعقوب بن إسحاق (1)، الحسين بن علي (1)، مدينة بغداد (1)، الفرج (1)، القبر (4)، القتل (5)، الظلم (1)، القميص (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (2)

صفحه 245

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٥
عليه، ونفرة لفعله (1).
ثورات العلويين أيام المتوكل العباسي.
قاد العلويون عدة انتفاضات وثورات في عهد الإمام علي الهادي (ع) أيام المتوكل، وكان من أبرزها، ثورة محمد بن صالح بن عبد الله بن موسي بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) الذي وصفه أبو الفرج الأصفهاني بقوله: وكان من فتيان آل أبي طالب وفتاكهم وشجعانهم وظرفائهم وشعرائهم (2).
ومن الثوار العلويين الذين انتفضوا علي حكم المتوكل العباسي، وأعلنوا الثورة هو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد الشهيد وقد أعلن الثورة في طبرستان و نواحي الديلم، فسيطر عليها، وتمكن فيها، وقد سانده وتحرك معه محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين (ع) كما اشترك في هذه الثورة أحمد بن عيسي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وأعلن تحركه في بلاد الري يدعو إلي الحسين بن زيد، ثم أعلي الحسين بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب (ع) ثورته علي الحكم القائم، وكان يدعي بالكوكبي، وكذلك ثورة يحيي بن عمر الطالبي، في الكوفة.
نهاية المتوكل العباسي.
إنتهي الامر بالمتوكل إلي أن ينقسم الجهاز الحاكم عليه، وتتنازع مراكز القوي السيطرة علي الحكم، فيلقي المتوكل مصرعه وهو سكران في قصر خلافته، ويشارك ابنه المنتصر في القضاء عليه. ثم تمت البيعة للمنتصر، وقد كان المنتصر لينا مع آل أبي طالب، حيث رفع عنهم الضغط والإرهاب، وأعاد إليهم أملاكهم، ومنها (فدك)، الأرض التي وهبها رسول الله (ص) لابنته فاطمة الزهراء (ع) كما مر في بداية البحث - والتي أصبحت قضية من قضايا التأريخ المهمة فيه، وشعارا سياسيا من شعارات التعامل مع ذرية فاطمة (ع)، وكذلك أمر الناس بزيارة قبر الامام علي والحسين بن علي (ع)، وأطلق وقوف العلويين، ومات في سنة 248 ه.
الإمام الحسن بن علي العسكري (ع).
مولده ونشأته.
في ربوع المدينة المنورة، ولد الإمام الحسن بن علي، في شهر ربيع الثاني، سنة اثنتين وثلاثين ومئتين (3) ولد الإمام العسكري (ع) من أم جارية تسمي (حديث) وقيل إن اسمها (سوسن)، وقال بعض كتاب السير إن اسمها (سليل). وسمي الامام
١ - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص 599.
2 - المصدر نفسه ص 600.
3 - الارشاد للمفيد ص 335 و 136 نقلا عن المصباحين، أن الإمام العسكري (ع) ولد يوم العاشر من شهر ربيع الأول، وذكر ذلك أيضا عن كتاب حدائق الرياض للمفيد.
(٢٤٥)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (3)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (2)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (1)، زيارة القبور (1)، أبو طالب عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن الحسن (ع) (1)، أبو الفرج الإصبهاني (الإصفهاني) (2)، مدينة الكوفة (1)، المدينة المنورة (1)، شهر ربيع الثاني (1)، أحمد بن محمد بن عبد الله (1)، عبد الله بن موسي (1)، إسماعيل بن زيد (1)، الحسين بن زيد (1)، علي بن الحسين (1)، أحمد بن عيسي (1)، يحيي بن عمر (1)، الحسن بن زيد (1)، الحسن بن علي (2)، الحسن بن عمر (1)، محمد بن صالح (1)، محمد بن جعفر (1)، الشهادة (1)، الموت (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، كتاب مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني (1)، شهر ربيع الأول (1)

صفحه 246

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٦
الحسن (ع) بالعسكري: نسبة إلي محلة العسكر في مدينة سامراء التي كان يسكنها هو و أبوه الإمام الهادي (ع) من قبل.
النصوص علي إمامته (ع).
عن أبي بكر الفهفكي قال: كتب إلي أبو الحسن (ع): أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة، وأوثقهم حجة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عري الإمامة و أحكامنا، فما كنت سائلي عنه، فاسأله عنه، فعنده ما تحتاج إليه (1).
وعن علي بن مهزيار قال: قلب لأبي الحسن (ع): ان كان كون، وأعوذ بالله، فإلي من؟
قال: عهدي إلي الأكبر من ولدي، يعني الحسن (ع) (2).
الإمام العسكري (ع) والسلطة العباسية.
لقد درج خلفاء بني العباس علي استدعاء أئمة أهل البيت (ع) من المدينة المنورة، عاصمة العلم والشريعة، إلي بغداد وسامراء وخراسان، عواصم السلطات الحاكمة، ليكونوا تحت الرقابة والمتابعة الجاسوسية، ولتطويق نشاطهم الفكري والسياسي والاجتماعي، ولعزلهم عن قواعدهم الشعبية وأنصارهم والمتعاطفين معهم، فضلا عن زجهم في غياهب السجون الرهيبة، والحط من عظمتهم وعلو شأنهم فقد ذكر المؤرخون جملة من معاناة عميد أهل البيت الإمام الحسن العسكري (ع) من حكام بني العباس وعيونهم.
روي علي بن جعفر، علي حلبي، قال: اجتمعنا بالعسكر، وترصدنا لأبي محمد (ع) يوم ركوبه، فخرج توقيعه: ألا لا يسلمن علي أحد، ولا يشير إلي بيده، ولا يومئ، فإنكم لا تأمنون علي أنفسكم قال: والي جانبي شاب، فقلت: من أين أنت؟ قال: من المدينة، قلت: ما تصنع ههنا؟ قال: اختلفوا عندنا في أبي محمد (ع)، فجئت لأراه وأسمع منه أو أري منه دلالة ليسكن قلبي واني لولد أبي ذر الغفاري.
فبينما نحن كذلك إذ خرج أبو محمد (ع) مع خادم له، فلما حاذانا نظر إلي الشاب الذي بجنبي، فقال: أغفاري أنت؟ قال: نعم، قال: ما فعلت أمك حمدوية؟ فقال: صالحة، و مر] أي الإمام (ع) [، فقلت للشاب: أكنت رأيته قط، وعرفته بوجهه قبل اليوم؟ قال: لا، قلت: فينفعك هذا؟ قال: ودون هذا (3).
وعن محمد بن عبد العزيز البلخي، قال: أصبحت يوما فجلست في شارع الغنم، فإذا بأبي محمد (ع) قد أقبل من منزله، يريد دار العامة، فقلت في نفسي: تري ان صحت أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه، يقتلوني؟ فلما دنا مني، أومأ بإصبعه السبابة علي فيه:
أن أسكت، ورأيته تلك الليلة يقول: انما هو الكتمان أو القتل، فاتق الله علي نفسك (4).
1 - المصدر نفسه ص 337.
2 - المصدر نفسه ص 337.
3 - البحار للمجلسي ج 50 ص 269، عن الخرائج.
4 - كشف الغمة للأربلي ط بيروت ج 3 ص 212.
(٢٤٦)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (2)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (4)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (1)، أبوذر الغفاري (1)، الدولة العباسية (العباسيون) (1)، مدينة سامراء المقدسة (2)، بنو عباس (2)، المدينة المنورة (1)، محمد بن عبد العزيز البلخي (1)، علي بن مهزيار (1)، مدينة بغداد (1)، علي بن جعفر (1)، خراسان (1)، الحج (2)، القتل (1)، كتاب كشف الغمة للإربلي (1)، مدينة بيروت (1)

صفحه 247

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٧
روي أصحاب السير: كان أبو هاشم الجعفري حبس مع أبي محمد (ع)، كان المعتز حبسهما مع عدة من الطالبيين في سنة 258 ه (1).
وذكر الطبرسي في إعلام الوري عن سلسلة من الرواة: عن أحمد بن محمد قال: كتبت إلي أبي محمد (ع) حين أخذ المهتدي] الخليفة العباسي [في قتل الموالي، وقلت: يا سيدي، الحمد لله الذي شغله عنك، فقد بلغني أنه يتهددك، ويقول: والله لأجلينهم عن جديد الأرض، فوقع أبو محمد] ع [بخطه: ذاك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمر به، فكان كما قال] ع [(2).
الإمام العسكري (ع) وأصحاب العقائد المنحرفة.
ويحدثنا التأريخ أن بعض المنحرفين عن عقيدة التوحيد غالوا في أئمة أهل البيت (ع) و وصفوهم بأوصاف الألوهية، فتبرأ أهل البيت (ع) من ذلك الضلال ولعنوهم وحاربوهم.
فقد روي إدريس بن زياد الكفرتوثائي، قال: كنت أقول فيهم] أئمة أهل البيت (ع) [قولا عظيما، فخرجت إلي العسكر للقاء أبي محمد (ع) فقدمت وعلي أثر السفر ووعثاؤه، فألقيت نفسي علي دكان حمام، فذهب بي النوم، فما انتبهت إلا بمقرعة أبي محمد، قرعني بها حتي استيقظت، فعرفته، فقمت قائما أقبل قدميه وفخذه، وهو راكب والغلمان من حوله، فكان أول ما تلقاني به أن قال: يا إدريس: ( … بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (3) فقلت: حسبي يا مولاي، وانما جئت أسألك عن هذا، قال: فتركني ومضي (4).
وفي عصر الإمام العسكري (ع) أيضا عاش الفيلسوف المعروف يعقوب بن إسحاق الكندي، و كان فيلسوف العراق في زمانه، وأخذ في تأليف كتاب يتهم فيه القرآن بالتناقض، وفي أحد الأيام دخل أحد تلامذة الكندي علي الإمام العسكري (ع) فقال له أبو محمد (ع): أما فيكم رجل رشيد، يردع أستاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟! فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه، في هذا أو في غيره، فقال له أبو محمد (ع): أتؤدي إلي ما ألقيه إليك؟ قال: نعم، قال: فصر إليه وتلطف في مؤانسته علي ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك، فقل قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فإنه يستدعي ذلك منك، فقل له ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن، هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها؟، فإنه سيقول لك انه من الجائز، لأنه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك، فقل له فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فتكون
١ - إعلام الوري للطبري ص ٣٥٦.
٢ - إعلام الوري للطبري ص ٣٥٦.
٣ - الأنبياء، ٢٦ و ٢٧.
٤ - المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 428.
(٢٤٧)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (3)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (3)، كتاب إعلام الوري بأعلام الهدي (3)، دولة العراق (1)، أبو هاشم الجعفري (1)، إدريس بن زياد (1)، يعقوب بن إسحاق (1)، أحمد بن محمد (1)، القرآن الكريم (3)، القتل (1)، الضلال (1)، الجواز (2)، النوم (1)، ابن شهرآشوب (1)

صفحه 248

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٨
واضعا لغير معانيه.
فصار الرجل إلي الكندي، وتلطف إلي أن ألقي عليه هذه المسألة، فقال له: أعد علي، فأعاد عليه، فتفكر في نفسه، ورأي ذلك محتملا في اللغة، وسائغا في النظر، فقال:
أقسمت عليك الا أخبرتني من أين لك؟ فقال: انه شئ عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال:
كلا، ما مثلك من اهتدي إلي هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرفني من أين لك هذا؟، فقال: أمرني به أبو محمد، فقال: الان جئت به وما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت، ثم انه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألفه (1).
وفاة الإمام العسكري (ع).
عاصر الإمام العسكري (ع) المعتز والمهتدي والمعتمد من خلفاء بني العباس وقد لاقي التضييق والعنت والإرهاب والملاحقة والسجن من قبلهم، وكان آخر الذين عاصرهم الامام هو المعتمد، وكان خليعا ميالا إلي اللهو واللذات، منصرفا إلي العزف والغناء و اقتراف المحرمات، مما أوجب كراهية الناس له. وقد زاد من غيظ المعتمد اجماع الأمة علي تعظيم الإمام العسكري (ع) وتبجيله و تقديمه بالفضل علي جميع العلويين والعباسيين، في الوقت الذي كان المعتمد العباسي مكروها لدي الأمة، فأجمع رأيه علي الفتك بالامام (ع) واغتياله، فدس له سما قاتلا، أثر فيه فلازم الفراش عدة أيام يعاني آلاما مريرة وقاسية، وهو صابر محتسب حتي توفي (ع) وعمره ثمان وعشرون عاما (2). فقد كانت وفاته (ع) سنة 260 ه في سر من رأي (سامراء) المشرفة.
الإمام الحجة المنتظر.
محمد بن الحسن المهدي (عج).
بسم الله الرحمن الرحيم.
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (3): (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) (4) (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) (5).
شاء الله تعالي بلطفه بعباده، وحكمته في خلقه، ورحمته بهم، أن يرعي البشرية و يحوطها بعنايته الرحيمة، ويوفر لبني البشر ما يصلحهم وما يقربهم إليه، ويبعدهم عن الشقاء والمعصية والجريمة. ويشكل وجود الأنبياء مظهرا من مظاهر هذا اللطف
١ - المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٤٢٤.
٢ - راجع حياة الإمام العسكري ص ٢٥٥ وص ٢٦٧ نثلا عن تاريخ الخلفاء للسيوطي ٣٦٣، و مهج الدعوات ص ٢٤٧.
3 - الأنبياء: الآية 105.
4 - التوبة: الآية 33.
5 - القصص: الآية 5.
(٢٤٨)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (4)، مدينة سامراء المقدسة (1)، بنو عباس (1)، محمد بن الحسن (1)، الغناء (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، ابن شهرآشوب (1)

صفحه 249

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٤٩
الإلهي، بما يحملون للبشرية من دعوة ة خير وإصلاح، ومبادئ هداية وسلام علي هذه الأرض، ولقد شكل الأنبياء هذا الحظ والامتداد التأريخي المتواصل عبر مسيرة الأجيال.
قال تعالي: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) (1).
ويمثل أئمة الهدي وعلماء الإسلام وأبناؤه، الامتداد الحركي والتواصل الفكري لخط الأنبياء ولم يكن لطف الله سبحانه ليغيب عن هذا الكوكب، حتي مع انقطاع النبوة: حيث أن منهج الأنبياء المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله الكريم (ص)، ما زال حيا متدفقا بالحيوية والعطاء والهداية لبني البشر، وما زالت أمة من المؤمنين قائمة بالحق تدعو إلي الهدي والإصلاح متمسكة بالقرآن العظيم الذي أنزله رب العزة حيث قال تعالي:
(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (2).
الا أن حركة هذه المسيرة بدأن تضعف، وبدأ التقهقر والتصدع في حركة الحضارة والدعوة والقيادة الاسلامية، وحرم الانسان من أبسط حقوقه، وبدأت الشرور الجاهلية والعصبية المقيتة القديمة تنشط، وأخذ الظلم والجور يعود ويسري كالبرق في شتي بقاع المعمورة، وساد التنكر لمبادئ الايمان والصلاح، وصار حكام الجور هم الأعلون ومن تبعهم و تولاهم، فيما يهان المستضعفون وتداس القيم السماوية لتضحي تراثا باليا وتشيع الفاحشة ويعمل بها: الا أن كلمة الحق هي العليا، حيث ما زال ملايين من البشر يتطلعون إلي مصدر الحق والهدي والاصلاح، ويحدوهم الامل الكبير في الوعد الإلهي العظيم بتصفية بؤر الشر، ومنابع الفساد والظلم، وتحقيق الانقلاب الكبير والتغيير الشامل علي يد مصلح البشرية، ومقيم سنن الأنبياء، الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف، فقد شاء الله أن يخرج من هذه الأمة مصلحا يتحمل مهمة الأنبياء في الدعوة إلي الدين القويم ومبادئ الهدي، والعمل بما جاء به الهادي الأمين محمد (ص)، وذلك وعد حق غير مكذوب نطق به القرآن الكريم، ووعدت به الكتب الإلهية المقدسة، رغم ما يبتغيه أعداء الله، فهو المصلح والأمل الكبير الذي سيحطم عروش الطغاة والظلمة، ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا.
وبين أيدينا باقة لا يستهان بها من آي الذكر الحكيم، تدلنا بشكل قاطع علي ما أشار إليه العلي العظيم إلي ظهور المهدي، ذلك المصلح العظيم الذي يريث الأرض ومن عليها، تنقاد له الأمم والشعوب، ويكون خلاص البشرية علي يديه المباركتين لكننا نبتدئ بولادته (عج) الميمونة والمباركة ثم نعرج علي الظروف التي أحاطت بولادته ومن ثم نطوي ملابسات غيبته المباركة.
ولادته (ع) المباركة كان مولد الامام المهدي (عج) ليلة النصف من شعبان المعظم سنة خمس وخمسين
1 - فاطر: الآية 24.
2 - الحجر، 15.
(٢٤٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، النصف من شعبان (1)، القرآن الكريم (2)، الوراثة، التراث، الإرث (1)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (1)، الجهل (1)، الفرج (1)

صفحه 250

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٠
ومئتين للهجرة، وكان سنه عند وفاة أبيه العسكري (ع)، خمس سنين، وقد ولد الامام المهدي (عج) في عند الخليفة العباسي المهتد، بسر من رأي.
يلقب (عج): بالحجة، والقائم، والمهدي، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، والصاحب.
وهو المسمي باسم جده رسول الله (ص)، والمكني بكنيته، وقد جاء في الاخبار، أنه لا يحق لاحد أن يسميه باسمه، ولا أن يكنيه بكنيته، إلي أن يشرف الله تعالي العالم بظهوره المبارك، وإقامة دولته الشريف.
فمن الاخبار، التي جاءت في ميلاده (عج): ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيي العطار، عن الحسين بن رزق الله، عن موسي بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي الرضا (ع) قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي (ع) فقال: يا عمة، إجعلي افطارك الليلة عندنا، فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن الله تعالي سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه، قالت:
فقلت له: ومن أمه؟ قال: نرجس، قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر! فقال: هو ما أقول لك، قالت: فجئت فلما سلمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت: يا سيدتي كيف أمسيت؟ فقلت بل أنت سيدتي وسيدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا؟!، فقلت لها: يا بنية، ان الله تبارك وتعالي سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحيت، فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي، فرقدت، فلما أن كان في جوف الليل قمت إلي الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة، ثم قامت فصلت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة، قالت: فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمد من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمة، فهاك الامر قد قرب، قالت فجلست فقرأت (ألم السجدة) و (يس) فبينما أنا كذلك، إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: هل تحسين شيئا؟ قالت: نعم، فقلت لها: إجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.
قالت حكيمة: ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسن سيدي، فكشفت، الثوب عنه، فإذا به عليه السلام ساجدا يتلقي الأرض بمساجده،، فضممته إلي فإذا أنا به نظيف منظف، فصاح بن أبو محمد (ع): هلمي إلي ابني يا عمة، فجئت به إليه، فوضع يديه تحت أليتيه وظهره، ووضع قدميه] الوليد المهدي عج [علي صدره، ثم أدلي لسانه في فيه، وأمر يده علي عينيه وسمعه ومفاصله ثم قال: تكلم يا بني.
فقال: أشهد أن لا اله الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم صلي علي
(٢٥٠)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (1)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، شهر شعبان المعظم (1)، علي بن الحسين بن علي (1)، محمد بن القاسم بن حمزة (1)، محمد بن يحيي العطار (1)، موسي بن جعفر بن محمد (1)، الحسن بن الوليد (1)، محمد بن علي (1)، السجود (1)، الفدية، الفداء (1)، الشهادة (1)، الإقامة (1)، الصّلاة (2)، الوفاة (1)

صفحه 251

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥١
أمير المؤمنين وعلي الأئمة عليهم السلام، إلي أن وقف علي أبيه ثم أجحم.
ثم قال أبو محمد (ع): يا عمة، اذهبي به إلي أمه ليسلم عليها، وائتني به فذهبت به فسلم ورددته ووضعته في المجلس، ثم قال (ع): يا عمة، إذا كان يوم السابع فائتنا.
قالت حكيمة فلما كان يوم السابع جئت وسلمت وجلست فقال: (هلمي إلي ابني) فجئت بسيدي (عج) وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولي، ثم أولي لسانه في فيه كأنما يغذيه لبنا أو عسلا، ثم قال: تكلم يا بني. فقال عليه السلام: أشهد أن لا اله إلا الله وثني بالصلاة علي محمد وعلي أمير المؤمنين (ع)، وعلي الأئمة حتي وقف علي أبيه (ع)، ثم تلا هذه الآية: (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) (1).
قال موسي: فسألت عقبة الخادم عن هذا، فقال: صدقت حكيمة.
قال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: ولد أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص بسر من رأي ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين للهجرة …
إلي أن قال: وأما أمه فأم ولد يقال لها نرجس، خير أمة، وقيل اسمها غير ذلك.
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس و خمسين ومئتين للهجرة ولما توفي أبوه الإمام الحسن العسكري (ع) كان عمره خمس سنين، واسم أمه خمط وقيل نرجس.
وذكر ابن حجر في الصواعق بعد ذكر بعض حالات الامام أبي محمد العسكري: … ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة ويسمي القائم المنتظر (2).
يروي أن حكيمة بنت محمد الجواد] ع [كانت عمة أبي محمد الحسن العسكري عليهم السلام تحبه وتدعو له … إلي أن قالت: يا سيدي هل عندك من علم في هذا المولود المبارك؟
فقال: يا عمة هذا المنتظر الذي بشرنا به فخررت لله ساجدة شكرا علي ذلك، ثم كنت أتردد إلي الحسن فلا أري المولود، فقلت يا مولاي ما فعل سيدنا المنتظر؟ قال:
استودعناه الله الذي استودعته أم موسي (ع) ابنها، ابنها، وقال آتاه الله تبارك و تعالي الحكمة، وفصل الخطاب وجعله آية للعالمين، كما قال تعالي: (يا يحيي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا) (3) وقال تعالي: (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) (4) وطول الله تبارك وتعالي عمره كما طول عمر الخضر وإلياس
1 - القصص: الآية 5 - 6. وراجع كمال الدين 424 / 1.
2 - الصواعق ص 208 الباب الحادي عشر الفصل الثالث.
3 - مريم، 12.
4 - مريم، 29.
(٢٥١)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، النصف من شعبان (1)، شهر شعبان المعظم (1)، الشهادة (1)، الوفاة (1)

صفحه 252

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٢
عليهما السلام (1).
يحسن بنا، وقد توغلنا في تفاصيل ولادته الميمونة (عج) أن نعطي فكرة كافية عن أمه الراضية المرضية المجاهدة، كما وردت في التاريخ بشكل عام وفي مصادر الخاصة بشكل خاص. فقد كانت عليها السلام قبيل حملها بولدها المهدي (عج)، أمة مملوكة جليت بواسطة الفتح الاسلامي الذي كان جاريا علي قدم وساق في تلك العصور، من بعض مدن الكفر إلي سامراء، ودخلت في ملكية بعض أفراد أسرة الإمام العسكري (ع) … وكانت تسمي في ذلك المجتمع بأسماء مختلفة، فهي ريحانة ونرجس وسوس وصقيل ويعود تعدد أسمائها إلي سبب مهم في حياة الإمام العسكري (ع)، حيث أنها عليها السلام عاشت تخطيطا خاصا في تبديل اسمها بين آونة وأخري، ودعوتها بعدد أسماء في وقت واحد، أو أوقات مختلفة عاشت ذلك منذ دخلت في كنف هذه العائلة الكريمة، لأنها ستصبح أما للمهدي (عج) وستري المطاردة والاضطهاد من قبل السلطان، وستعيش في السجن مدة من الزمن … اذن، فيجب القيام بهذا المخطط تجاهها، امعانا في الحذر، وزيادة في التوقي عليها وعلي وليدها (عج) ولأجل أن يختلط في ذهن السلطان أن صاحبة أي من هذه الأسماء هي المسجونة، وأي منها هي الحامل، وأي منها هي الوالدة، وهكذا …، حيث يكون المفهوم لدي السلطان كون الأسماء لنساء كثيرات، فيغفلون عن احتمال تعددها في شخص امرأة واحدة، وبذلك يضيع عليهم أمره (عج).
مهمة الإمام العسكري (ع) في الحفاظ علي حياة المهدي (عج) وهناك مهمتان مترابطتان امام الإمام العسكري عليه السلام، تجاه وليده الجديد، تحتاج إلي تخطيط خاص، وحذر شديد ولباقة.
المهمة الأولي: إثبات وجود الإمام المهدي عليه السلام تجاه التاريخ وتجاه الأمة الاسلامية، وتجاه مواليه الذين يعتبرون المولود الجديد إمامهم الثاني عشر بحسب نص النبي (ص) حين قال: يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلهم من قريش. فليس من الممكن ولا من المنطقي أن يبلغ الحذر والتوقي إلي إخفائه الكامل، بحيث يؤدي انطماس اسمه وإنكار وجوده. مع كونه عليه السلام الامام الثاني عشر لمواليه والقائد المذخور لدولة الحق.
علي أنه لابد من إقامة الحجة في وجوده علي الموالين خاصة وعلي المسلمين عامة، بحيث يكون هناك تواتر في الاخبار عن وجوده ورؤيته، يدحض به قول من يزعم عدم وجوده أو أنه ليس للإمام العسكري عليه السلام من ولد.
المهمة الثانية: حماية الإمام المهدي عليه السلام من السيف العباسي والمطاردة الحكومية، التي عرفنا مناشئها وتخطيط السلطان لها، وتجنيد كل قواها وعيونها من أجلها.
1 - ينابيع المودة للقندوزي الباب 65 ص 387.
(٢٥٢)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (5)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حديث اثني عشر خليفة (1)، مدينة سامراء المقدسة (1)، الكرم، الكرامة (1)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (1)، كتاب ينابيع المودة (1)

صفحه 253

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٣
أضف إلي ذلك ما أشرنا إليه من أن الجهاز الحاكم، كان يعرف في دخيلة نفسه حق الامام، وعدالة قضيته، وصدق قوله. وإنما كان يمنعهم عن اتباع الحق: الملك العقيم، والمصالح العريضة المتعلقة بالخلافة العباسية، مضافا إلي تعصب وراثي قديم. ومن هنا كانوا يشعرون أن ولادة المهدي عليه السلام، وهو الشخص الذي ملأ رسول الله (ص) أسماعهم بأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا …، أن ولادته هذه، تعني الحكم علي نظامهم بالموت المحتم، وفضح مخططاهم المنحرفة، وأساليب عصيانهم لأوامر الإسلام، واهمال طاعة الله تعالي، وعدم الاهتمام بالأمة الاسلامية وعبارة أقرب:
إنهم كانوا يدركون أن مجتمعهم الذي يحكمونه قد امتلأ.. بفعل انحرافهم وسوء تصرفهم.. ظلما وجورا.
إذن فمن المنطقي أن يتصدي الإمام المهدي عليه السلام لطواغيت الأرض، لكي يملأه قسطا وعدلا وهذا ما يخافونه ويرهبونه.
وهم وان لم يحددوا بالضبط تأريخ ميلاد الإمام المهدي عليه السلام، للسرية التامة المحاط بها الا أنهم يعلمون، علي الإجمال أن زمانه قد أظلهم و أنه علي وشك الوجود. فإنه يكفيهم أن يعرفوا أن الإمام العسكري عليه السلام يكون في السلسلة التي وعد بها رسول الله (ص) الامام الحادي عشر … : لكي يكون ولده هو الثاني عشر وهو المهدي. إضافة إلي ذلك جهلهم بتحديد التاريخ، وما سنتطرق إليه من مراقبتهم للحوامل عند وفاة الإمام العسكري (ع)، ظنا منهم بوجود الامام المهدي (ع) جنينا في رحم إحدي النساء. مع أنه كان مولودا قبل خمس سنوات، كما أطلع علي ذلك الخاصة من مواليه.
وإذا كان نشاط الامامين العسكريين عليهما السلام، وهو مقتصر علي حفظ مصالح قواعدهم الشعبية، ومشفوعا بسياسة السلبية والمسالمة مع الجهاز الحاكم علي ما قلنا.. إذا كان هذا النشاط مثيرا ومغضبا للسلطة..، فكيف بالنشاط الموعود للمهدي المنتظر الذي يكون شديدا في الحق، لا يتسامح ولا يسالم ولا يعفو عن الإنحراف.
ومن هنا كان عمل السلطة في تلك الظروف أقرب شبها بالحركات العصبية، التي يقوم بها المخنوق عند خنقه أو الغريق قبل إنقاذه.. فإنها تعلم بوجود شئ خطر مشرف عليها، شديد الأهمية بالنسبة إليها … ولكنها تشعر بالعجز تجاهه، وقصر الباع في الوصول إليه و الوقوف عليه، بالرغم من وجود القوة والمال والضمائر الأجيرة، وليس في الجانب الآخر الا العزل والفقراء والمضطهدون..، ولعلها تحس تجاه ذلك بالتحدي لقوتها وعزتها، فتزيد من نشاطها وتبذل المستحيل في سبيل القبض علي الامام المهدي (ع).
فكانت هذه المسؤولية المزدوجة للإمام العسكري عليه السلام، تضعه في موقف غاية في الدقة والحرج.
ويزيد الموقف دقة، أن الإمام العسكري يعيش في هذا المجتمع الصاخب، تحت الأضواء المسلطة عليه من كل الجهات، والرقابة الاجتماعية التي تلاحقه لعدة
(٢٥٣)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (4)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (5)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الخوف (1)، الموت (1)، العقم (1)، الصدق (1)، الوفاة (1)

صفحه 254

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٤
أسباب: منها: أنه الرجل الاسلامي المثالي في عبادته وأخلاقه وعلمه ونسبه في نظر الجميع. ومنها: أنه القائد والموج لقواعد شعبية واسعة من المسلمين. ومنها: أنه يمثل جبهة المعارضة ضد السلطات الحاكمة. ومنها: أن السلطة تسعي لاستمالته إلي البلاط واخضاعه لرغباتها - ولكن دون جدوي -.
ومن المعلوم أن الشخص الذي يحمل بعض هذه الخصائص، فضلا عن جميعها يكون لولده من بعده شأن كبير وخبر ذائع.
فكان أقرب تخطيط للخروج من هذا المآزق، هو ترك الإعلان الاجتماعي عن ولادة المولود الجديد كلية، وكأن شيئا لم يحدث علي الاطلاق، بالنسبة إلي الفهم العام، وترك الاحداث تسير في مجراها الاعتيادي من دون إثارة أي انتباه أو فضول أوشك من أحد في شئ من النشاط أو القول أو العمل. حتي أن خادم الباب في بيت الإمام العسكري لم ينتبه إلي شئ ولم يفهم شيئا، (1) إذ أنه ما لم يحصل الشك والانتباه لم يحصل الفحص والسؤال.
ومما ساعد الإمام العسكري (ع) علي الإخفاء مساعدة كبري، تطبيقه سياسة الاحتجاب علي نفسه، وانقطاعه عن أصحابه و مواليه الا بواسطة المراسلات، كما عرفنا: حيث استطاع عليه السلام بذلك تحقيق نتيجتين أساسيتين، إحداهما: تعويد قواعده الشعبية علي فكرة الاحتجاب والقيادة غير المباشرة، كما سبق أن أوضحنا. وثانيتهما: استقطاب المهام التي كان يقوم بها، والحوادث التي كان يعيشها.. بشكل منفرد، بعيد عن الانتباه و تسليط الأضواء والضوضاء.. لا يكاد يعرف بكل مهمة أحد الا أهل الصلات بها. وحيث كان اخفاء ولده من مهامه الرئيسية، فلم يكن ذلك بممتنع عليه بعد تخطيط الاحتجاب.
وقد ساعد علي الاخفاء أيضا مساعدة كبيرة، تحول انتباه الدولة والمجتمع إلي حرب صاحب الزنج الذي بدأ أعماله التخريبية في جنوب العراق والأهواز في عام ميلاد المهدي عليه السلام.. عام 255 ه علي المشهور في ميلاده. والمتتبع للتأريخ العام يعرف ما أوجده هذا المخرب من الفزع والقلق في أذهان الشعب عامة والجهاز الحاكم بصورة خاصة.
ومن المعلوم أن المجتمع الذي يسوده القلق الذهني يكون تفكيره منصبا علي ما يخاف منه، ومن الصعب أن يلتفت إلي شئ آخر. كالفرد إذا خاف وحشا ركز نظره وفكره و قوته عليه، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع. فكان حركة صاحب الزنج سببا مناسبا لصرف الأذهان عن الالتفات إلي ميلاد الإمام المهدي عليه السلام.
الا أن هذه الفكرة ظلت تجيش بشكل غامض في ذهن السلطات المتمثلة في الخليفة المعتمد العباسي نفسه.. وتتجلي بأوضح صورها علي ما سوف يقوم به عند وفاة الإمام العسكري عليه السلام. إذ يكون المعتمد العباسي في ذلك الحين مرتاحا بعض
1 - انظر اكمال الدين. (مخطوط).
(٢٥٤)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (3)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (2)، دولة العراق (1)، الخوف (1)، الفزع (1)، الوسعة (1)، الوفاة (1)

صفحه 255

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٥
الراحة من الناحيتين السياسية والعسكرية.. بعد أن أوكل قتال صاحب الزنج إلي أخيه أبي أحمد الموفق، قبل عامين.. سنة 258 كما عرفنا.
والي هنا استطاع الإمام الحسن العسكري عليه السلام أن يضمن بكل بساطة.. حماية ولده المهدي عليه السلام من الجهاز الحاكم ومن كل من يدور في فلكه.. وأما مهمته الأولي عليه السلام، وهي إثبات وجوده للتأريخ وللأمة الاسلامية عامة ولمواليه خاصة..، فكان يجب - تحت الظروف التي عاشها الامام - أن تنحصر تلك المهمة علي التبليغ بوجوده واظهاره لكل شخص يعلم فيه قوة الايمان والاخلاص في عقيدته وصلابة الإرادة، مما تجعله لا يلين أمام أي ضغط من السلطان، بحيث يكون علي استعداد أن قدم نفسه فداء في سبيل امتثال أمر إمامه (ع) بالكتمان. كما أنه لابد أن يعلم من رجاحة عقله واتزانه و لباقته، أنه يكتم ذلك عن المجتمع كتمانا تاما، ولا يتهور بإذاعة السر إلي من لا ينبغي أن يذيعه له، وله الخبرة الكافية بالخاصة الذين يمكن أن يتبادل وإياهم هذا الخبر … وهكذا كان … وبمقدار هذا التبليغ خطط الإمام العسكري عليه السلام.
وكان هذا سببا لحجب المولود الجديد، حجبا تاما مطلقا عن الجمهور غير الموالي له.
بل حتي عن جمهور الموالين ممن لم تحرز فيه قوة الإرادة وعمق الإخلاص.
وكان كل من يطلعه الامام علي المولود الجديد، فيرويه إياه أو يخبره عنه، مكلفا تكليفا إلزاميا بأمرين لا مناص له منهما، وهو يطبقهما تبعا لاخلاصه وقوة إرادته وايمانه. وهما.
أولا: وجوب الكتمان. وقد سمعنا فيما سبق أن أحد الأصحاب يقول للاخر: ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد (ع) وأمر بكتمانه ويكتب الإمام العسكري عليه السلام لأحمد بن إسحاق: ولد لنا مولود، فليكن عندك مستورا، وعن جميع الناس مكتوما. فإنا لم نظهر عليه الا الأقرب لقرابته والموالي لولايته. أحببنا إعلامك ليسرك الله به، مثل ما سرنا به. والسلام (1).
وقد عرفنا، بكل وضوح وجه المصلحة في هذا الكتمان.
ثانيا: حرمة اطلاع أحد علي اسمه عليه السلام وهو أسلوب في الكتمان ورد التأكيد عليه بشكل خاص.
ولا يخفي أن اسم المهدي المنتظر أساسا، معلوم لدي الأمة، بإخبار نبيها (ص) حين قال:
اسمه اسمي. وهذا يعني بكل وضوح أن اسمه محمد وهذه المعرفة لا يختلف فيها الناس من موالين وغيرهم.
ولكن السلطة القائمة، إذ تريد أن تطارد المهدي المنتظر في شخص المولود الجديد، لابد لها من أمرين: أولا: أن تعرف ولادته، إذ مع الغفلة عنها، لا يمكنها بطبيعة الحال أن تجرد المطاردة الفعلية الحقيقية ضد المولود. وثانيا: أن تعرف
1 - أنظر اكمال الدين المخطوط.
(٢٥٥)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (3)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب الكافئة للشيخ المفيد (1)، أحمد بن إسحاق (1)، الغفلة (1)، القتل (1)، الوجوب (1)

صفحه 256

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٦
شخصه باسمه. إذ بدونه لا يمكن أن تحارب فيه المهدي المنتظر. لاحتمال أن يكون المهدي هو ولد آخر للإمام العسكري (ع) لعله ولد ولعله لم يولد بعد - فيما تحتمله السلطة - و هي ليس لها غرض معين الا ضد المهدي المنتظر علي وجه التعيين.
مضافا إلي وضوح أن الاسم يكسب الفرد شخصيته القانونية والاجتماعية التي يمكن أن تعين ويشار إليها به. وأما مع الجهل به إلي، جانب الجهل بشكله أيضا، فيكتسب بذلك نحوا من الغموض وعدم التعيين في ذهن السلطات، فتحار عند البحث عنه، انها تبحث عن أي شخص علي وجه التحديد. وهذا الغموض - علي أي حال - يعطي المهدي المبحوث عنه رهبة في صدورهم، وتضفي هالة قدسية علي أحاسيسهم، وشعورا بالعجز تجاهه. وفي ضعف في معنويات السلطة وخاصة عيونهم.
وطبقا لهذا التكليف الثاني.. سمعنا الإمام الهادي عليه السلام حين يبشر بحفيده المهدي (ع) يقول: لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه. قال الراوي فقلت:
فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجة من آل النبي صلي الله عليه وآله وسلم. ونسمع عثمان به سعيد العمري، وهو الوكيل الأول للحجة (ع) يقول لمن يسأل عن اسمه: إياك أن تبحث عن هذا (1). ويقول لاخر: نهيتم عن هذا (2). وفي حادثة مشابهة يقول ابنه الوكيل الثاني: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك. ويضيف: ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أحلل وأحرم، ولكن عنه عليه السلام، يعني الحجة المهدي (ع). ولكننا لا نجد نهيا عن التسمية واردا عن الإمام العسكري عليه السلام.
والذي أود إيضاحه في هذا الصدد، أن هناك احتمالا راجحا تؤكده الحوادث، وهو أن المراد من كتم الاسم كتم الشخص نفسه، وإخفاء ولادته عمن لا ينبغي أن يصل إليه الخبر. وعليه فهناك تكليف واحد بالكتمان متعلق بالولادة والاسم معا، باعتبارهما يعبران عن معني أصيل واحد، وليس المراد بكتمان الاسم حرمة التصريح به مع غض النظر عن حرمة التصريح بولادته. بل المراد بالاسم هو شخص المسمي، ووجوب الكتمان راجع إلي أصل ولادته المحافظة عليه بشكل عام.
ومن ثم نري أن من يضطلع ببيان ذلك هو عثمان بن سعيد دون الإمام العسكري عليه السلام. وذلك لما سنسمعه من أن السلطات بعد أن يئست من العثور علي الوريث الشرعي للإمام العسكري، قررت الجزم بعدم وجوده أساسا، وتقسيم ميراث الامام بين الورثة الآخرين.
وبذلك أسقطت السلطة وجود الحجة المهدي عليه السلام من حساباتها وغضت النظر عنه نهائيا، وان كانت المخاوف تبقي تعتمل في نفسها علي ما سنسمع. ومن المعلوم والحال هذه أن أي تصريح جديد باسم المهدي (ع) أو تلويح بشخصه أو تأكيد علي ولادته، سوف يثير من جديد التفات السلطات وتجديدها للمطاردة
١ - انظر الاكمال المخطوط.
٢ - الغيبة ص ٢١٥.
(٢٥٦)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (4)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (4)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (1)، عثمان بن سعيد (1)، الجهل (2)، الوراثة، التراث، الإرث (1)

صفحه 257

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٧
والبحث. وقد نأي هذا الخطر عن الإمام إلي حد كبير بعد يأس الدولة من العثور عليه.
وأما الإمام الهادي عليه السلام، فالمظنون أنه يشير إلي خصوص هذه الفترة التأريخية، أو والي ما بعدها - أي انتهاء زمان الغيبة الصغري -، فإن التصريح باسمه والاخبار عن ولادته ووجوده، كان خطرا عليه في مثل تلك الأزمنة.
كان الموقف علي عهد الإمام الحسن العسكري عليه السلام مختلفا عن الموقف في عصر الغيبة الصغري الذي ابتدأ بوفاته، ويفتتحه عثمان بن سعيد بسفارته عن المهدي (ع). فان السلطات في ذلك العصر المتأخر كانت قد يئست من إلقاء القبض علي المهدي عليه السلام، حتي قررت إلغاء وجوده القانوني كوريث شرعي لأبيه، فكان في التصريح باسمه إعادة للشك إلي ذهن السلطة. وأما في زمان أبيه عليهما السلام … فلم تكن السلطة قد التفتت إلي ولادته أو أحست بشئ يدل عليه. ومن المعلوم اختلاف الحالة النفسية عند السلطة بين كونها غافلة أساسا عن الشئ، وبين كونها ملتفتة عاجزة فإنها في هذه الحالة الثانية تكون أقرب ذهنا وأكثر توجها إلي تصيد الخبر الشارد واللفظ الوارد عن الإمام المهدي عليه السلام.
الا أننا سنلاحظ من الإمام العسكري عليه السلام، أنه وان ينه عن التسمية.. الا أنه يأخذ جانب الحذر … فلا يصرح باسمه لاحد من خاصته ممن يريهم ولده المهدي، بل يكتفي بقوله لهم: هنا صاحبكم.. يعني انه الامام بعده عليه السلام. ويقتصر في التصريح باسمه علي أقل القليل.
وفي الحقيقة، ان التكليف الشرعي الاسلامي، المتعلق بالامام العسكري عليه السلام بالتبليغ، وإقامة الحجة علي وجود ولده، والتكليف المتعلق بأصحابه بالايمان بامامهم الثاني عشر..، يكفي فيه هذا المقدار من الاطلاع وإن كان الاسم مجهولا. إذ يكفيهم بينهم وبين الله أن يؤمنوا بوجود إمام يرجعون إليه في الاحكام والمشاكل. ولا يتوقف ذلك علي معرفة أسمه بعد معرفة شخصه وإمكان الاتصال به عن طريق سفرائه.
علي أننا سنعرف أن الكثير من الأصحاب، قد تيسرت لهم رؤيته (عج). إذن يكفي للفرد الموالي أن يكثر السؤال من كثيرين ممن يعرف فيه القدم والرسوخ في علاقته مع الإمام العسكري عليه السلام، وممن شاهد ولده المهدي (ع) من غيرهم.. ليحصل عنده التواتر الموجب للعلم بوجود إمامه الثاني عشر. ولئن كان التواتر قد وصلنا من الطرق الخاصة والعامة إلي هذا العصر.. فكيف في ذلك الزمن الذي كانت كل القرائن تدل عليه وكل الأيدي تشير إليه، وكان هم أبيه ووكلائه وأصحابه.. هو التأكيد علي وجوده والتبليغ عنه إلي كل صالح للتبليغ.
الاعلان الرسمي عن إمامته (ع).
ولعل أوسع إعلان يقوم به الإمام العسكري بين أصحابه عن ولادة ابنه وإمامته من بعده، ووجوب طاعته عليهم، هو أنه عليه السلام قبل وفاته بأيام، وقد كان مجلسه غاصا بأربعين من أصحابه ومخلصيه، منهم محمد بن عثمان العمري، ومعاوية بن
(٢٥٧)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (5)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (4)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (1)، محمد بن عثمان العمري (1)، الغيبة الصغري (2)، عثمان بن سعيد (1)، الشهادة (1)، الإقامة (1)، العصر (بعد الظهر) (2)

صفحه 258

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٨
حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح.. يعرض عليهم ابنه عليه السلام ويقول: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم. أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم. ويضيف - منبها لهم إلي أن هذه هي فرصتهم الوحيدة في المهدي (ع) - قائلا: أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا (1).
ونجد أنه عليه السلام عرض ولده علي أصحابه في اليوم الثالث من ولادته، وأعطاهم المفهوم الأساسي الصحيح الذي أوكله الله تعالي إليه، وعين لهم تكليفهم تجاهه بصفته الامام بعد أبيه. وقال لهم: هذا صاحبكم بعدي وخليفتي عليكم.. وهو القائم الذي تمد إليه الأعناق بالانتظار. فإذا امتلأت الأرض جورا وظلما، خرج، فملأها قسطا و عدلا (2).
فهذا وذاك هو الإعلان الرسمي الكبير الذي قام به الإمام العسكري عليه السلام، علي طرفي المدة بعد الميلاد وقبل الوفاة لكي يكون هو الأساس المتين لإقامة الحجة تجاه القواعد الشعبية الموالية. وكان خلال هذه المدد يعرضه علي أشخاص بمفردهم حين يزورونه. فمنهم: عمرو الأهوازي، حيث أراه أبو محمد (ع) ولده المهدي (ع) وقال: هذا صاحبكم (3).
ومنهم: شخص آخر يزور الإمام عليه السلام ويريد أن يتأكد من وجود الإمام (ع) بعده قائلا: يا سيدي من صاحب هذا الامر؟ يعني الإمامة فيأمره الإمام العسكري (ع) برفع ستر كان مسبلا علي باب غرفة إلي جنبه. فيرفعه الرجل فيخرج إليهم غلام يقدره الراوي بعشر أو ثمان سنين، واضح الجبين، أبيض، دري المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة: فيجلس علي فخذ أبي محمد عليه السلام. فيقول الامام للرجل هذا هو صاحبكم. ثم وثب الغلام فقال له أبوه: يا بني أدخل إلي الوقت المعلوم، (4) يعني وقت ظهوره عجل الله فرجه.
ولا يخفي أن تقدير الراوي لعمر المهدي عليه السلام، لا ينافي ما عرفناه من أن عمره حين وفاة أبيه خمس سنين. فإن هذا بحسب عدد السنين هو الصحيح وأما بحسب النظر إلي نمو المهدي عليه السلام ونشاطه البدني، فلا يمكن أن نستبعد أن يبدو في ظرف خمس سنين أو أقل، كابن ثمان سنين أو أكثر. وذلك انطلاقا من أحد أساسين.
الأساس الأول: الميزان الطبي الطبيعي. فإنه من المشاهد أن كثيرا من الناس لا يمكن تقدير أعمارهم بشكل دقيق، إذ يبدو للناظر أنهم أكبر من عمرهم الحقيقي بعدة سنوات أو أصغر بعدة سنوات. فإذا أضفنا إلي ذلك نشاطا متزايدا وصحة موفورة،
1 - أنظر اكمال الدين - نسخة مخطوطة.
2 - أنظر الاكمال المخطوط.
3 - أنظر الارشاد ص 329 وص 330 مكررا.
4 - انظر اكمال الدين المخطوط.
(٢٥٨)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (2)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (4)، محمد بن أيوب بن نوح (1)، عمرو الأهوازي (1)، الشهادة (1)، الهلاك (1)، الفرج (1)، الزيارة (1)، الوفاة (1)

صفحه 259

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٩
لم نستبعد أن يبدو الصبي علي ضعف عمره الحقيقي.. حتي علي الموازين الطبية الطبيعية.
الأساس الثاني: ما ورد في بعض رواياتنا من أن نمو الامام المعصوم (ع) يكون عادة أسرع من غيره. فمن ذلك ما ورد عن الإمام العسكري (ع) نفسه يقول: إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم. وان الصبي منا إذا كان أتي عليه شهر كان كمن أتي عليه سنة (1).
وممن عرضه عليه الإمام العسكري عليه السلام، رجل من أهل فارس تصدي الإمام عليه السلام ليتشرف بخدمته. فأذن له الامام بذلك، فكان مع الخدم يشتري لهم الحوائج من السوق. وبقي علي هذه الحال حتي أصبح خاصا وارتفعت الكلفة بينه وبين الامام.. فكان يدخل الدار من دون استئذان إذا لم يكن فيها الا الرجال.
وبينما هو داخل عليه في يوم من الأيام، والرجال عنده، إذ سمع حركة في البيت - يعني الغرفة -. وناداه الامام: مكانك لا تبرح.
يقول: فلم أجسر أخرج ولا أدخل. فخرجت علي جارية معها شئ مغطي. ثم إن الإمام ناداه وأمره بالدخول فدخل الغرفة. فنادي الجارية فرجعت، فأمرها الامام أن تكشف ما معها.
فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، قدره الراوي بسنتين. وقال الامام: هذا صاحبكم. ثم أمر الجارية فحملته فلم يره بعد ذلك حتي توفي الإمام العسكري أبو محمد صلوات الله عليه (2).
فتري أن هذا البواب بالرغم من ملازمته للدار ودخوله من دون استئذان أحيانا.. لم يعلم بولادة الإمام المهدي عليه السلام، ولم يحسن بتجدد أي أمر جديد في الدار.
واكتفي الإمام العسكري (ع) بعرضه عليه مرة واحدة، كما هو الشأن مع جملة من أصحابه و خاصته.
واليك هذا السيل الهادر لجملة من الأحاديث الشريفة المبشرة بالامام المهدي (عج).
1 - عن أبي سعيد الخدري قال: دخلت فاطمة علي أبيها (ص) في مرضه وبكت وقالت: يا أبي، أخشي الضيعة من بعدك فقال: يا فاطمة، ان الله اطلع إلي أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك، فبعثه رسولا ثم اطلع ثانية، فاختار منهم بعلك فأمرني أن أزوجك منه فزوجتك منه، وهو أعظم المسلمين حلما وأكثرهم علما وأقدمهم اسلاما. انا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين، ولا يدركها أحد من الآخرين. نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك. وشهيدنا خير الشهداء وهم عم أبيك حمزة. ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو جعفر ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك. ومنا مهدي هذه الأمة.
1 - انظر اكمال الدين المخطوط.
2 - انظر الاكمال المخطوط. وأصول الكافي (مخطوط).
(٢٥٩)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (4)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، أبو سعيد الخدري (1)، المرض (1)، الصّلاة (1)، الوصية (1)، الشهادة (1)، كتاب أصول الكافي للشيخ الكليني (1)

صفحه 260

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٠
قال أبو هارون العبدي: لقيت وهب بن منبه أيام الموسم فعرضت عليه هذا الحديث فقال:
إن موسي لما فتن قومه واتخذوا العجل الها فكبر علي موسي قال الله: يا موسي من كان قبلك من الأنبياء افتتن قومه وان أمة أحمد أيضا ستصيبهم فتنة عظيمة من بعده حتي يلعن بعضهم بعضا. ثم يصلح الله أمرهم برجل من ذرية أحمد وهو المهدي.
ثم قال الشيخ سليمان: أخرج الحافظ أبو نعيم فمنها عن علي بن بلال عن أبيه قال هذا الحديث المذكور، من غير كلام وهب بن منبه وزاد (فيه): يا فاطمة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وصارت الفتن وانقطعت السبل وأغار بعضهم علي بعض، فلا كبير يرحم صغيرا، ولا صغير يوقر كبيرا، فيبعث الله عند ذلك المهدي من ولدك يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
2 - في مستدرك الصحيحين أخرج بسنده عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (ص):
المهدي منا أهل البيت، أشم الانف، أقني، أجلي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبحة والإبهام، وعقد ثلاثة. (ثم قال) هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه (1).
3 - وفي حديث أبي نضرة نقلا عن فتن السليلي وفيه اختلاف وزيادة وهذا نصه عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد. قال: قال رسول الله (ص): يخرج رجل من عترتي أجلي الجبهة، أقني الانف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، يعيش سبع سنين.
قال: وسمعت عفان مرة أخري يقول يعيش هكذا وأشار من اليسري وإصبعين من اليمني (2).
4 - عن أبي سعيد قال قال رسول الله (ص): المهدي مني، أجلي الجبهة أقني الانف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، يملك سبع سنين (3).
وزاد في آخره (يملك سبع سنين) وأخرجه في الفصول المهمة وقال روي أبو داود والترمذي في سننهما كل واحد منهما يرفعه إلي أبي سعيد الخدري (رض)، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: المهدي مني، أجلي الجبهة، أقني الانف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما.
وزاد أبو داود يملك سبع سنين وقال حديث ثابت صحيح ورواه الطبراني في معجمه، و كذلك غيره من أئمة الحديث.
١ - المستدرك للحاكم النيسابوري ج ٤ ص ٥٥٧.
٢ - الملاحم والفتن لابن طاوس ص ٨٩.
٣ - مصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ١٣٤، سنن أبي داود ج ٢ ص ١٣١ و 208.
(٢٦٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، أبو سعيد الخدري (1)، الطبراني (1)، أبو هارون العبدي (1)، وهب بن منبه (2)، آخر الزمان (1)، علي بن بلال (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)، كتاب سنن أبي داود (1)

صفحه 261

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦١
5 - في عرف الوردي قال: أخرج أبو نعيم بسنده عن أبي سعيد قال قال رسول الله (ص):
المهدي منا أجلي الجبين أقني الانف (1).
6 - أخرج إبراهيم بن محمد الحمويني الشافعي الحديث في فرائد السمطين عن أبي الصديق عن أبي سعيد، ولفظه ولفظ عرف الوردي سواء، وأخرجه الحافظ أبو نعيم في الأربعين و لفظه: المهدي منا أجلي الجبهة أقني الانف، وأخرجه السيد في غاية المرام من الأحاديث التي جمعها في أحوال الامام المهدي المنتظر وقال: أخرجه الحافظ أبو نعيم في الأربعين وأخرجه في فيض القدير ولفظه: المهدي مني أجلي الجبهة أقني الانف أشم.
7 - في مجمع الزوائد وفي فتن ابن طاووس نقلا من فتن زكريا واللفظ لابن طاووس قال: … حدثنا الوليد عن علي بن حوشب، سمع مكحولا يحدث عن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قال قلت: يا رسول الله أمنا أئمة الهدي (المهدي) أم من غيرنا؟ قال:
بل منا بنا يختم الدين كما بنا فتح، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتن، كما استنقذوا من ضلالة الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة، كما ألف بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك (2).
8 - وفي فتن ابن طاووس قال فيما ذكره زكريا في كتاب الفتن بسنده عن أبي معبد مولي ابن عباس قال: وافيت ابن عباس يوما طالت فيه نفسه. قال: فقلت يا بن عباس حدثني عن المهدي قال: إني لأرجو أن لا تنقضي الليالي والأيام حتي يبعث الله منا أهل البيت غلاما شابا، أو قال فتي شابا لم تلبسه الفتن، يقيم أمر الله. قال: قلت: يا بن عباس عجز عنها كهولكم وترجوها لشبابكم؟ قال: إنا لله يفعل ما يشاء (3).
9 - وفي الجمع بين الصحاح الستة للحميدي أخرج بسنده من صحيح أبي داود السجستاني المعروف بسنن أبي داود، ومن جامع الترمذي، وإنهما أخرجا بسنديهما عن زر عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله (ص) قال: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يملك العرب رجل مني ومن أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (4).
10 - وفي كنز العمال عن علي أنه قال للنبي (ص): أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال: بل منا يختم الله به كما فتح بنا، وبنا يستنقذون من الفتنة
١ - عرف الوردي ج ٢ ص ٥٨، وفرائد السمطين ج ٢ ص ٢٢، وغاية المرام ص ٦٩٩ ح ٨٢، وفيض القدير ج ٦ ص ٢٢٧ حديث رقم ٩٢٤٤.
٢ - مجمع الزوائد ج ٧ ص ٣١٧، وفتن ابن طاوس ج 3 ص 119 نقلا عن فتن ابن زكريا.
3 - الفتن لابن طاوس ج 3 باب 42 ص 147 نقلا عن تاريخ ابن عساكر.
4 - نهاية المرام ص 697.
(٢٦١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، عبد الله بن عباس (2)، كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2)، الحافظ أبو نعيم (3)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب سنن أبي داود (1)، كتاب فرائد السمطين (2)، علي بن أبي طالب (1)، إبراهيم بن محمد (1)، الضلال (2)، اللبس (1)، البعث، الإنبعاث (1)، إبن عساكر (1)

صفحه 262

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٢
كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم، قال علي:
قلت يا رسول الله، أمؤمنون أم كافرون قال مفتون وكافر (1).
11 - وفي كتاب البيان أخرج بسنده عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة (2).
12 - وفي ينابيع المودة عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب أحق المهدي؟ قال: نعم هو حق من أولاد فاطمة. فقلت: من أي أولاد فاطمة؟ قال: حسبك الان (3).
13 - وفي سنن أبي داود أخرج بسنده عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة (4).
14 - وفي الصواعق المحرقة لابن حجر قال: لما زوج النبي (ص) فاطمة بابن عمها علي بن أبي طالب دخل علي فاطمة ودعا بماء فأتته بقدح فيه ماء، فمج فيه ونفح علي رأسها و بين ثديها وقال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، ثم قال لعلي:
ائتني بماء قال علي عليه السلام: فنفح منه علي رأسي وبين كتفي، وقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال: أدخل بأهلك علي اسم الله تعالي و بركته، (قال): وقد ظهرت بركة دعائه (ص) في نسلها فكان منه من مضي ومن يأتي، ولو لم يكن في الآتين الا الامام المهدي قال: وسيأتي من الأحاديث المبشرة به أي المهدي.
15 - وفي عقد الدرر عن أبي وائل، قال: نظر علي إلي الحسين (رضي الله عنهما) فقال:
ابني هذا السيد كما سماه رسول الله (ص). وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم. يخرج علي حين غفلة من الناس وإماتة للحق واظهار الجور. يفرح بخروجه أهل السماء وسكانها، و هو رجل أجلي الجبين أقني الانف ضخم، المتن، أذيل الفخذين، بخده الأيمن شامة، أبلج الثنايا، يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا (5).
16 - وفي عقد الدرر نقلا عن معجم الحافظ أبي القاسم الطبراني. والحافظ أبي نعيم الأصفهاني في صفة المهدي، والحافظ أبي عبد الله نعيم بن حماد في كتاب الفتن بأسانيدهم عن عبد الله بن عمرو قال: يخرج من ولد الحسين من المشرق (رجل) لو
١ - كنز العمال للهندي ج ٧ ص ٢٦٣، والمعجم الأوسط للطبراني، وكتاب المهدي لأبي نعيم، والخطيب البغدادي أيضا.
٢ - أخرجه الحافظ أبي داوود في سننه ج ٢، ص ٤٢٢، وفي الصواعق المحرقة لابن حجر: ٩٧، وفي اسعاف الراغبين: ١٣١. / ٣ - ينابيع المودة ص ٤٣٢، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي، و أرجح المطالب ص ٣٨٤ والكنجي الشافعي في بيانه ص ٦٤.
٤ - سنن أبي داود ج ٢ ص ٢٠٧.
٥ - كقدر الدرر الحديث 55 باب 3.
(٢٦٢)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (2)، كتاب سنن أبي داود (2)، كتاب ينابيع المودة (2)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، الطبراني (1)، سعيد بن المسيب (3)، عبد الله بن عمرو (1)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، الخطيب البغدادي (1)، إبن ماجة (1)

صفحه 263

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٣
استقبله الجبال هدمها واتخذها طرقا (1).
17 - في ينابيع المودة عن علي (ع) رفعه إلي رسول الله (ص) أنه قال: لا تذهب الدنيا حتي يقوم علي أمتي رجل من ولد الحسين، يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما (2).
18 - وفي عقد الدرر أخرج بسنده عن الأعمش عن بني وائل قال: نظر علي إلي ابنه الحسين فقال: ان ابني هذا السيد كما سماه رسول الله (ص) وسيخرج من صلبه رجل يسمي باسم نبيك (ص) يشبهه في الحق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا (3).
19 - وفي الملاحم والفتن لابن طاووس … قال: حدثنا موسي بن جعفر (ع) عن أبيه عن جده (ع) قال: دخل الحسين بن علي علي علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وعنده جلساؤه فقال: هذا سيدكم سماه رسول الله (ص) سيدا وليخرجن رجل من صلبه شبهي شبهه في الخلق والخلق يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا. قيل له: ومتي ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: هيهات، إذا أخرجتم عن دينكم كما تخرج المرأة عن وركها لبعلها (4).
20 - وفي (كفاية الأثر) وغيره. أخرج بسنده عن محمد بن عثمان العمري يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (العسكري) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): ألا إن الأرض لا تخلو من حجة الله علي خلقه إلي يوم القيامة، وإن من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية، فقال: أن هذا حق كما أن النهار حق، فقيل له: يا بن رسول الله، فمن الحجة والامام بعدك؟ قال: ابني محمد هو الإمام، والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية. أما ان له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون،، ثم يخرج فكأني أنظر إلي الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.
21 - وفي (مقتضب الأثر) أخرج بسنده عن الحارث بن عبد الله الهمداني والحارث بن شرب كل حدثنا أنهم كانوا عند علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، فإذا أقبل ابنه الحسن يقول: مرحبا يا ابن رسول الله. وإذا أقبل ابنه الحسين يقول: بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خيرة الإماء، فقيل: يا أمير المؤمنين، ما بالك تقول هذا للحسن وهذا للحسين؟
ومن ابن خيرة الإماء؟ فقال: ذلك الفقيد الطريد الشريد م ح م د ابن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
١ - ينابيع المودة ص ٢٥٨، وذكره الشافعي الهمداني أيضا.
٢ - ينابيع المودة صا ٢٥٨، وذكره الأفعي الهمداني أيضا.
٣ - عقد الدرر حديث ٢٥ الباب ١، وأخرجه أبو داود في سننه والترمذي في الجامع والنسائي يحاسنه.
٤ - الملاحم والفتن لابن طاوس ج 2 ص 103.
(٢٦٣)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (3)، حديث من مات ولم يعرف امام زمانه (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، كتاب كفاية الأثر للخزار (1)، يوم القيامة (1)، كتاب ينابيع المودة (3)، محمد بن عثمان العمري (1)، مدينة الكوفة (1)، علي بن موسي بن جعفر بن محمد (1)، الحارث بن عبد الله (1)، الحسين بن علي (1)، علي بن الحسين (1)، الحسن بن علي (1)، الموت (3)، الحج (1)، الجهل (1)

صفحه 264

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٤
هذا، ووضع يده علي رأس الحسين.
22 - وفي فرائد السمطين أخرج حديثا مفصلا وقال في مضمونه: … وإن الله ركب في صلب (الملقب بالخالص) الحسن (بن علي النقي) نطفة مباركة زكية طيبة طاهرة مطهرة، يرضي بها كل مؤمن ممن أخذ الله ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كل جاحد، وهو امام تقي نقي سار مرضي هاد مهدي، يحكم بالعدل ويأمر به، ويصدق الله عز وجل ويصدق الله في قوله: يخرج من تهامة حتي يظهر الدلائل والعلامات وله بالطالقان كنوز لا ذهب ولا فضة، الا خيول مطهمة ورجال مسومة، يجمع الله له من أقصي البلاد علي عدة أهل بدر، ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم و بلدانهم وصنائعهم وطبائعهم، وكلامهم وكناهم، كدادون مجدون في طاعته، فقال له أبي: وما دلالته وعلامته، يا رسول الله؟ قال له: علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله عز وجل فناداه العلم: أخرج يا ولي الله، أقتل أعداء الله وهما رايتان وعلامتان وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله عز وجل، فناداه السيف: أخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج فيقتل أعداء الله حيث ثقفهم، ويقيم الحدود (حدود الله) ويحكم بحكم الله، يخرج جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن ميسرته، وشعيب بن صالح علي مقدمته، وسوف تدركون (تذكرون) ما أقول لكم، وأفوض أمري إلي الله عز و جل، طوبي لمن لقيه وطوبي لمن أحبه وطوبي لمن قال به ولو بعد حين (1).
23 - وذكر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة الخواص: إن الإمام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحادي عشر أبي محمد الحسن بن علي العسكري (2).
24 - وذكر محمد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤل إن الإمام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (3).
25 - وذكر الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أحوال صاحب الزمان إن الامام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (4).
26 - وذكر ابن خلكان الشافعي في كتابه وفيات الأعيان: إن الإمام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (5).
27 - وفي الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي الشافعي: إن الامام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (6).
1 - غاية المرام ص 42 - 43 عن فرائد السمطين ج 2 باب 35.
2 - تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 277.
3 - مطالب السؤال ج 2 ص 79 لابن طلحة الشافعي.
4 - البيان في أحوال صاحب الزمان للكنجي الشافعي ص 102 - 112.
5 - وفيات الأعيان ج 3 ص 316.
6 - الصواعق المحرقة ص 124.
(٢٦٤)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (4)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، كتاب تذكرة خواص الأمة للسبط إبن الجوزي (2)، كتاب فرائد السمطين (2)، كتاب الصواعق المحرقة (2)، إبن حجر الهيثمي (1)، السبط إبن الجوزي (1)، الحسن بن علي (2)، محمد بن طلحة (1)

صفحه 265

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٥
28 - وذكر ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة: إن الامام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (1).
29 - وذكر ابن طولون الدمشقي في كتابه (الأئمة الاثنا عشر) إن الامام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (2).
30 - وذكر ابن الصبان الشافعي في كتابه اسعاف الراغبين إن الامام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (3).
31 - وذكر مؤمن الشبلنجي الشافعي في كتابه نور الأبصار إن الامام المهدي (عليه السلام) هو ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (4).
32 - وذكر القندوزي الحنفي في ينابيع المودة إن الامام المهدي (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (5).
عظام الأمور عند ظهور الإمام المهدي (عج).
1 - في عقد الدرر أخرج بسنده من الفتن لنعيم بن حماد عن كعب الأحبار (أنه قال): ينزل رجل من بني هاشم بيت المقدس جيشه اثنا عشر ألفا (قال) وفي رواية قال: جيشه ستة و ثلاثون ألفا، علي كل طريق لبيت المقدس اثنا عشر ألفا (6).
2 - وفي مقدمة ابن خلدون في الباب الذي يذكر فيه أحوال الرجل الفاطمي قال: روي الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي الواصل عبد الحميد بن واصل، … عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: يخرج رجل من أمتي (وفي نسخة يخرج رجل من أهل بيتي) ينزل الله عز وجل له القطر من السماء وتخرج الأرض بركتها، وتملأ الأرض منه قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يعمل علي هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس ثم قال: رواة الحديث ثقات (7).
3 - ذكر ابن الصبان في إسعاف الراغبين والطبراني والبزار وجلال الدين السيوطي الشافعي، فقد أخرج الحديث في كتابه العرف الوردي في أخبار الامام المهدي، وقال:
أخرجه الحاكم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (ص): ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم حتي تضيق الأرض عنهم فيبعث الله رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما وجورا، يرضي عنه ساكن السماء
١ - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٧٤.
٢ - الأئمة الاثنا عشر لابن طولون ص ١١٧.
٣ - اسعاف الراغبين لابن الصبان ص ١٤٠.
٤ - نور الأبصار للشبلنجي ص ١٥٤.
٥ - ينابيع المودة للقندوزي ص ٤٥٠ - ٤٥١.
٦ - عقد الدرر حديث ١٩٥ باب ٢٧ وأخرجه أبو نعيم في كتابه الفتن.
٧ - مقدمة ابن خلدون ص ٢٦٥، ومجمع الفوائد للهيثمي ص 317 ج 1.
(٢٦٥)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (5)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، كتاب الفصول المهمة لإبن صباغ المالكي (2)، كتاب إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي (3)، كتاب نور الأبصار للشبلنجي (2)، الشيخ سلمان البلخي القندوزي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، كتاب ينابيع المودة (2)، الطبراني (2)، بنو هاشم (1)، كعب الأحبار (1)، آخر الزمان (1)، عبد الحميد (1)، الحافظ أبو نعيم (1)

صفحه 266

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٦
وساكن الأرض، لا تدخر الأرض شيئا من بذرها الا أخرجته، ولا السماء شيئا من قطرها الا صبته، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمانيا أو تسعا (1).
4 - وفي مقدمة ابن خلدون قال: الذي يهلك قيصر، وينفق كنوزه في سبيل الله هو هذا المنتظر المهدي (عليه السلام) حين يفتح القسطنطينية، فنعم الأمير أميرها ونعم الجيش ذلك الجيش، كذا، قال (ص): ثم قال: ومدة حكمه (وسلطانه) بضع، والبضع من ثلاث إلي تسع وقيل إلي عشر، (قال): وجاء (في بيان مدة سلطانه عليه السلام) ذكر أربعين، وفي بعض الروايات سبعين وأما الأربعون فإنها مدته ومدة الخلفاء الأربعة الباقين من أهله، القائمين بأمره من بعده علي جميعهم السلام. قال (ابن خلدون): وذكر أصحاب النجوم والقرانات أن مدة بقاء أمره و (أمر) أهل بيته من بعده مئة وتسعة وخمسون عاما، فيكون الامر علي هذا جاريا علي الخلافة والعدل أربعين سنة (2).
5 - وفي العرف الوردي قال: أخرج أبو الحسين بن المنادي في كتاب الملاحم عن سالم بن أبي الجعد (أنه) قال: يكون (ملك) المهدي إحدي وعشرين سنة، أو اثنين وعشرين سنة، ثم يكون آخر من بعده وهو دونه وهو صالح أربعة عشر سنة، ثم يكون آخر من بعده وهو دونه وهو صالح تسع سنين (3).
6 - وفي العرف الوردي قال: أخرج نعيم بن حماد عن صباح (أنه) قال: يمكث المهدي فيهم تسعا وثلاثين سنة، يقول الصغير: يا ليتني كبرت، ويقول الكبير: يا ليتني صغيرا. و فيه أيضا قال: أخرج نعيم بن حماد عن ابن لهيعة (أنه) قال: يتمني في زمان المهدي الصغير الكبير، والكبير الصغير وقد بين فيها النبي (ص) حليته وعدله وما يعمل به، وما يلقي المسلمون والإسلام في عصره، وانه يملأ الأرض قسطا وعدلا (4).
7 - وفي عقد الدرر أخرج بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): يخرج رجل من أهل بيتي فذكر الحديث، وفي آخره: ويعمل في هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس. أخرجه الإمام أبو عبد الرحمن المقري في سننه، وأخرجه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في صفة المهدي (5).
8 - وفي كنز العمال من كتب عديدة، ولفظه: لا تقوم الساعة حتي يملك الأرض
١ - العرف الوردي في أخبار المهدي ص ٦٥ ج ٢، واسعان الراغبين لابن الصبان، ومصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ١٣٤.
٢ - المقدمة لابن خلدون ص ٢٧٣.
٣ - العرف الوردي في أخبار المهدي ج ٢ ص ٨٤ - ٨٥.
٤ - العرف الوردي في أخبار المهدي ج ٢ ص ٧٨.
٥ - عقد الدرر الحديث ٣٢٢، وسنن المقري، والحافظ أبو نعيم في صفة المهدي و كنز العمال ج ٧ ص ١٨٨، وفرائد السمطين للحمويني.
(٢٦٦)
مفاتيح البحث: الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الحافظ أبو نعيم (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، أبو سعيد الخدري (1)، سبيل الله (1)، الهلاك (1)، كتاب العرف الوردي في اخبار المهدي عجل الله فرجه (3)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، كتاب فرائد السمطين (1)

صفحه 267

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٧
رجل من أهل بيتي أجلي أقني يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله ظلما، يكون سبع سنين و أخرجه الحمويني في فرائد السمطين، عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد ولفظه ولفظ كنز العمال سواء ثم قال: قال الشيخ عبد الرحمن الخدري: الأجلي: الذي قد انجر الشعر عن جبهته إلي نصف رأسه والقنا: احديداب في الانف.
9 - وفي غاية المرام للسيد هاشم البحراني، وقد أخرج الحديث. وهذا نصه بحذف السند قال: وعن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا رسول الله (ص) (فقال): ان من أمتي المهدي يخرج فيعيش خمسا أو سبعا أو تسعا قال قلنا: وما ذاك؟
قال: سنين (وذكر له تتمة وقال): يجئ الرجل إليه فيقول: يا مهدي أعطني قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله (ثم قال) قال الحافظ الترمذي في جامعه (بعد ذكر الحديث): حديث حسن وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي (ص) (1).
10 - وفي الأربعين حديثا لأبي نعيم قال عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) (أنه) قال: يكون من أمتي المهدي ان قصر ملكه فسبع سنين وإلا فثمان وإلا فتسع، تنعم أمتي في زمانه نعيما لم يتنعموا مثله قط، البر والفاجر، ويرسل السماء عليهم مدرارا ولا تدخر الأرض شيئا من نباتها (2).
11 - وفي عقد الدرر أيضا بسنده عن حذيفة وفيه زيادة وهذا نصه عن حذيفة قال، قال رسول الله: (ص): المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضي في خلافته أهل السماء، والطير في الجو، يملك عشرين سنة (3).
وممن تحدث عن ظهور المهدي (عج) من المعاصرين، عبد العزيز بن باز، رئيس الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة، قال: إن أمر المهدي، أمر معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، فهي بحق تدل علي أن هذا الشخص الموعود به، أمر ثابت، و خروجه حق (4).
وقد أحصي الشيخ عبد المحسن العباد، عضو هيئة التدريس في الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة في محاضرته بعنوان: عقيدة أهل السنة والامر في المهدي المنتظر: أسماء الكثير من الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي (عج) وأصحاب كتب الحديث أيضا، فقال:
جملة ما وقفت عليه من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله (ص) ستة وعشرون وهم: عثمان بن عفان، علي بن أبي
1 - غاية المرام ص 702 للبحراني، والترمذي في الجامع ج 2 ص 270 ط الهندي سنة 1310 ه.
2 - الأربعون حديثا لأبي نعيم.
3 - المصدر نفسه حديث 331، والمعجم للطبراني، والمصدر السابق حديث أيضا.
4 - عن مجلة الجامعة الاسلامية العدد 3 ص 161 - 162.
(٢٦٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، ابراهيم الحمويني الشافعي (1)، أبو سعيد الخدري (2)، كتاب فرائد السمطين (1)، المدينة المنورة (1)، عبد العزيز (1)، الصدق (1)

صفحه 268

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٨
طالب، طلحة بن عبيد الله، عبد الرحمن بن عوف، الحسين بن علي، أم سلمة، أم حبيبة، عبد الله بن عباس، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو، أبو سعيد الخدري، جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو هريرة، أنس بن مالك، عمار بن ياسر، عوف بن مالك، ثوبان مولي رسول الله (ص)، قرة بن اياس، علي الهلالي، حذيفة بن اليمان، عبد الله بن الحارث بن حمزة، عوف بن مالك، عمران بن حصين، أبو الطفيل، جابر الصدفي ثم ذكر في محاضرته القيمة أسماء الأئمة الذين خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي (عج) في كتب العامة. فقال: وأحاديث المهدي خرجها جماعة كثيرون من الأئمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها، قد بلغ عدد الذين وقفت علي كتبهم، أو اطلعت علي ذكر تخريجهم لها ثمانية وثلاثين، تذكر بعضا منهم لتفادي الإطالة: أبو داود في سننه، الترمذي في جامعه، ابن ماجة في سننه، النسائي، المناوي، أحمد في مسنده، ابن حبان في صحيحه، الحاكم في المستدرك، أبو بكر بن أبي شيبة، نعيم بن حماد في كتابه الفتن، أبو نعيم في كتاب المهدي وفي الحلية، الطبراني في الكبير والأوسط والصغير، الخطيب في تلخيص المتشابه وفي المتفق والمفترق، ابن عساكر في تاريخه، ابن سعد في طبقاته، البيهقي في دلائل النبوة، وغيرهم مما لا يسعنا ذكرهم رضوان الله عليهم.
وهكذا يتضح لدينا من الأحاديث الواردة في ظهور المصلح العظيم المهدي (عج)، أنه الإمام الثاني عشر، وأنه ابن فاطمة الزهراء (ع)، وأنه من ذرية الحسين (ع)، وأنه ابن لامام الحسن العسكري (ع)، وهذه الأحاديث كثيرة ومعتبرة، وبعضها متواتر عند المسلمين جميعا بمختلف مذاهبهم.
غيبة الإمام (ع) ودور السفراء الأربعة.
اذن، وبعد أن اطلعنا علي طائفة من الروايات، وتعرفنا علي أسماء الكثير من رواة هذه الأحاديث، فضلا عن أمهات الكتب والأسانيد المعتبرة حول الامام المهدي (عج) والظروف التي أحاطت بولادته المباركة، حري بنا أن نتعرف إلي غيبته (عج)، وبعض من خواص صحابته رضوان الله عليهم، الذين يعرفون بالسفراء الأربعة، فقد كانت للإمام المهدي المنتظر عج غيبتان، غيبة صغري، وأخري كبري:.
1 - الغيبة الصغري: امتدت من ولادته (عج) سنة 255 ه في حياة أبيه الإمام العسكري (ع)، الذي عايشه مدة خمس سنوات، وحتي سنة 328 أو 329 ه، حيث بدأت كما قلنا بعد ولادته (ع) وانتهت بعد وفاة سفيره الرابع والأخير، علي بن محمد السمري (رض) وقد عاصرت هذه الغيبة حكم المعتمد والمعتضد، والمكتفي بالله والمقتدر بالله، والقاهر بالله من حكام بني العباس، وكان خلالها يتصل بأتباعه من خلال سفرائه الأربعة وهم:
عثمان بن سعيد العمري الأسدي، ومحمد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري رضوان الله تعالي عليهم أجمعين.
(٢٦٨)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (2)، الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عثمان بن سعيد العمري السمان (2)، كتاب سنن إبن ماجة (1)، عبد الله بن عباس (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، علي بن محمد السمري (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الطبراني (1)، بنو عباس (1)، إبن عساكر (1)، عبد الرحمن بن عوف (1)، الغيبة الصغري (1)، أبو بكر بن أبي شيبة (1)، عبد الله بن الحارث (1)، طلحة بن عبيد الله (1)، حذيفة بن اليمان (1)، علي بن محمد السمري (1)، جابر بن عبد الله (1)، عبد الله بن مسعود (1)، عبد الله بن عمرو (1)، عبد الله بن عمر (1)، عمار بن ياسر (1)، الحسين بن علي (1)، أبو الطفيل (1)، عمران بن حصين (1)، أنس بن مالك (1)، الوفاة (1)

صفحه 269

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٦٩
ونظرا لأهمية هذه المرحلة وخطورتها، والغموض الذي يحيط بها عند الكثير من الناس، وتشكيك الغالبية منهم فيها، ولأهميتها في اثبات وجود الإمام الحجة (عج) شخصيا، و أنه هو الامام المفترض الطاعة، وأنه هو محمد بن الحسن العسكري (ع)، فلنعرف بالسفراء الأربعة، الذين كان يتصل بهم الامام المهدي (عج) وتصل بواسطتهم الأوامر والتوجيهات والوصايا إلي أتباعه وشيعته الذين كانوا يعيشون مرحلة السرية والكتمان، ويعانون الاضطهاد والإرهاب السلطوي الدموي من قبل حكام بني العباس، فلقد كانت هذه المرحلة من أشد مراحل الفوضي والاضطراب السياسي، والقهر والملاحقة والسجون والقتل لاتباع أهل البيت (ع).
فقد ورث الإمام العسكري (ع) عن أبيه الهادي (ع) جهازا من الوكلاء والقيمين والممثلين في كل الأمصار الاسلامية، فقد كانوا يثكلون الركائز الأساسية لبنية هيكل الأتباع والأنصار والمتعاطفين وورث كذلك من أبيه (ع) الإدارة الفكرية والعقائدية والسياسية، وقد عمل الإمام العسكري بكل جهده علي تثبيت وترسيخ ذلك كله وتنميته، ليسلمه إلي ولده محمد المهدي (عج)، فاستمر الامام المهدي (عج) علي نفس النهج السري وإدارة جهاز من الأتباع والوكلاء المتكتمين علي عملهم ودعوتهم الفكرية والعقائدية والفقهية، القائمة علي أساس الأصالة الاسلامية، لذا فقد عين السفراء الذين يتصل بهم، تعيينا سريا، وليشكلوا حلقة الاتصال بينه وبين أتباعه، لئلا يكشف وجوده للحكام الذين كانوا يبحثون عنه، ويسعون للقضاء عليه بكل وسيلة خسيسة ووصفت بعض النصوص الدالة علي الغيبة، صعوبة تلك الفترة كما بينا، وقلة المؤمنين فيها، كما في حديث الرسول الأكرم (ص)، قال: ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني، حتي يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته … (1). وفي حديث آخر عن رسول الله (ص) قال فيه: تكون له غيبة وحيرة تضل فيه الأمم (2) وفي حديث عن علي بن أبي طالب (ع) يصف فيه حالة الشيعة وصفا دقيقا يثير فيها الألم والأسي في نفوس المؤمنين، قال (ع): للقائم منا غيبة أحدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعي، فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم علي دينه، ولم يغش قلبه لطول غيبة امامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة (3).
ترجمة ملخصة عن السفراء الأربعة (رض).
السفير الأول:.
1 - عثمان بن سعيد العمري، يكني أبا عمرو السمان، ويقال له الزيات الأسدي، وهو جليل القدر، ثقة له منزلة عظيمة عند الطائفة، حظي برضي الأئمة وتوثيقهم له عند توكيله من قبلهم (ع) والسمان: قيل إنه كان يتجر بالسمن تغطية علي الامر، وكان
١ - راجع كمال الدين ج ١ ص ٣٠٢، البحار ج ٥١ ص ٦٨.
٢ - كفاية الأثر ص ٦٦ ط جديده.
3 - كمال الدين ج ص 303.
(٢٦٩)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (3)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (1)، أبو طالب عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عثمان بن سعيد العمري السمان (1)، يوم القيامة (1)، بنو عباس (1)، الكتمان (1)، كتاب كفاية الأثر للخزار (1)

صفحه 270

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٠
الشيعة إذا حملوا إلي أبي محمد (ع) ما يجب عليهم حمله من الأموال، أنفذوا إلي أبي عمرو ليجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلي أبي محمد (ع) تقية وخوفا (1) فالعمري رضوان الله تعالي عليه لم تعرف سنة ولادته، وسنة وفاته الا أنه يحتمل أنه توفي بعد خمس سنوات من استلامه السفارة، وله من الأولاد اثنان: وهما: محمد وهو السفير الثاني كما يأتي، وأحمد (2). وقد توكل للأئمة الهادي والعسكري والمهدي (ع)، وقام بدور الواسطة بينهم وبين قواعدهم الشعبية الموالية، حيث ينقل إليهم أسئلتهم و أموالهم الشرعية بالكيفية السابقة الذكر، ويأتيهم بأجوبة الرسائل توجيهات أئمتهم (ع) (3) وقبره علي ما جاء في (الغيبة) للطوسي: بالجانب الغربي من مدينة السلام - يعني بغداد - وهو يزار ويقع في منطقة الميدان في أول الموضع المعروف بدرب جبلة ببغداد.
2 - السفير الثاني محمد بن عثمان بن سعيد العمري: يكني أبا جعفر له منزلة جليلة بعد أبيه عند الإمام صاحب الزمان (عج). حيث استلم الشيخ العمري السفارة بعد وفاة أبيه، و قام مقامه بناء علي كتاب التعزية والتولية الصادر عن الإمام الحجة (عج). وعن أبي نصير هبة الله قال: مات في آخر جمادي الأولي سنة خمس وثلاثمئة، وقيل سنة أربع و ثلاثمئة، وإنه كان يتولي السفارة نحوا من خمسين سنة يحمل الناس إليه أموالهم ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن العسكري (ع) وإن قبر أبو جعفر - السفير الثاني - محمد بن عثمان عند والدته (4).
3 - السفير الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي: وهو أحد السفراء والنواب الخاصين بالامام المهدي (عج) توفي الحسين بن روح في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمئة ه وله قبر يزار في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلي التل (منطقة سوق الشورجة بجانب الرصافة ببغداد).
4 - السفير الرابع علي بن محمد السمري: أو السيمري، أو الصيمري، المكني بأبي الحسن، تولي السفارة من حين وفاة أبي القاسم بن روح عام 326 إلي أن لحق بالرفيق الأعلي عام 329 في النصف من شعبان، فتكون مدة سفارته ثلاثة أعوام وقبره يزار في منطقه سوق السراي في جانب الرصافة ببغداد.
ويمكن لنا وبصورة موجزة التعرف إلي الأسباب الموجبة لانهاء دور السفارة بالنقاط التالية.
1 - بالرغم من سرية دور السفارة وكتمانها عملا بسياسة التقية، التي حفظت لنا مذهب أهل البيت في أحلك الظروف وأكثرها إرهابا: فقد بدأ أمر السفارة وأخبارها و نشاطاتها يتفشي تدريجيا في أوساط أعوان السلطة وجلاوزتها، الذين
١ - بتصرف، عن رجال الشيخ ٣٨٩ و ٤٠١، وابن داود ص ١٢٢، بهجة الآمال ج ٥ ص ٣٣٣.
٢ - الغيبة للطوسي ص ٢٥٦.
٣ - المصدر نفسه ٢١٧.
٤ - راجع الغيبة للطوسي ص 223.
(٢٧٠)
مفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (1)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، عثمان بن سعيد العمري السمان (1)، الحسين بن روح النوبختي (2)، شهر جمادي الأولي (1)، النصف من شعبان (1)، علي بن محمد السمري (1)، شهر شعبان المعظم (1)، مدينة بغداد (1)، علي بن أحمد (1)، محمد بن عثمان (1)، القبر (2)، الموت (1)، التقية (1)، الوفاة (2)

صفحه 271

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧١
راحوا يرصدون جميع تحركات الموالين، لعلهم يتمكنون من معرفة الوكلاء وإلقاء القبض عليهم واجهاض نشاطاتهم.
2 - ومن الأمور التي استوجبت الغاء السفارة: هو وجود الكثير من ضعاف النفوس الذين استغلوا حالة العمل السري، المتصف بسياسة التقية، ليجعلوا من أنفسهم وكلاء للامام الحجة (عج) ويجمعوا الناس من حولهم بهذه الحجة المفتعلة، بهدف كسب الأموال، وإحراز مكانة اجتماعية مرموقة لهم، أمثال الشريعي، والنميري، والحلاج، ومحمد بن نصير، و أحمد الكرخي وغيرهم: ممن يحملون عقائد فاسدة ويدعون لإباحة نكاح الذكور في أدبارهم، وهذا ما حمل الامام (عج) علي التصدي لهذا التبار المنحرف ووضع حد له بإلغاء دور الوكالة (1).
3 - ان ظاهرة ظهور الوكلاء المزيفين تركت انعكاسات نفسية، وآثارا سلبية علي نفوس المؤمنين وزرعت الشكوك في أوساطهم.
4 - كان السفراء الأربعة (رحمهم الله) يتصفون بقوة الايمان وشدكات التقوي، وصلابة الموقف، بحيث لو كان المهدي (عج) متخفيا بين أذيالهم - آنذاك لما كشفوا عنه حتي لو قرضوا بالمقاريض.
لهذه العوامل مجتمعة أنهي الإمام (ع) دور السفارة، و أوكل الامر إلي الفقهاء والعدول المتصفين بالعدل والتقوي المخالفين للهوي والمطيعين لأمر المولي (2).
نقول: ان الغيبة الصغري كانت كافية لاثبات وجود المهدي (عج) بما يصل إلي الناس عن طريق سفرائه وغيرهم من البينات والبيانات، كما أوجبت بكل وضوح أن يعتاد الناس علي غيبة الامام ويستسيغون فكرة اختفائه. وهو آخر جزء من التخطيط العام الذي سار عليه الأئمة (ع) و أصحابهم ليستوعب الناس فكرة الغيبة الكبري وكون الامام المهدي (عج) مذخورا إلي اليوم الموعود.
وعلاوة علي كل تلك فإننا ننقل رسالة الامام المهدي (عج) إلي السفير الرابع علي بن محمد السمري في أيامه الأخيرة من سفارته: قال الامام المهدي (عج).
بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجرك فيك.
فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توصي إلي أحد، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور الا بإذن الله تعالي ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم (3).
فنري الإمام المهدي (عج) قد أكد في هذا البيان علي أمور:
١ - راجع الغيبة للطوسي ص ٢٤٤ - ٢٤٦.
٢ - الغيبة الطوسي ص ١٧٧ - ٢٤٠.
٣ - راجع كتاب تاريخ الغيبة الصغري للسيد الشهيد محمد الصدر ص 633 - 634.
(٢٧١)
مفاتيح البحث: علي بن محمد السمري (1)، الغيبة الصغري (2)، الغيبة الكبري (1)، محمد بن نصير (1)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، الكسب (1)، التقية (1)، الشهادة (1)

صفحه 272

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٢
الامر الأول: اخباره بموت الشيخ السمري في غضون ستة أيام، وهو من الاخبار بالغيب الذي تقول الشيعة بامكانه للامام. وقد غدا عليه أصحابه بعد ستة أيام فوجدوه (رض) يجود بنفسه محتضرا.
الامر الثاني: نهيه عن أن يوصي إلي أحد، ليقوم مقامه، ويضطلع بمهام السفارة بعد وفاته.
الأمر الثالث: أنه لا ظهور الا بأمر الله، وهذا معناه الغموض الذي يكتنف تأريخ الظهور، وايكال علمه إلي الله وحده وارتباطه بإذنه عز وجل.
الامر الرابع: الإشارة إلي أن أحد الغيبة التامة الكبري سوف يكون طويلا مديدا (1).
الامر الخامس: الإشارة إلي قسوة القلوب، والمراد به ضعف الدافع الايماني، والشعور بالمسؤولية، والمشارفة علي الانحراف، بل سقوط أغلب أفراد المجتمع المسلم فيه.
الامر السادس: الإشارة امتلاء الأرض جورا وظلما وفسادا.
الامر السابع: إثبات ظهور السفياني والصيحة، وإنه أمر حق لا محيص عنه قبيل خروج المهدي (عج) وظهوره، وهذا ما نطق به الكثير من الأخيار من الفريقين ورواها محدثوا كلا الفريقين.
الامر الثامن: إن من ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو مفتر كاذب (2).
الآيات الكريمة التي تبشر بظهور المهدي (عج).
1 - قال الله تعالي في محكم كتابه العزيز: (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلي أمة معدودة ليقولن ما يحبسه الا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) (3).
2 - قال تعالي: (ولقد أرسلنا موسي بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلي النور و ذكرهم بأيام الله ان في ذلك لايات لكل صبار شكور) (4).
3 - قال تعالي: (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددناه لكم الكرة عليهم … * ان أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة … ) (5).
4 - وقال تعالي: (وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو
١ - راجع الغيبة الصغري محمد الصدر ص 624 - 636.
2 - المصدر نفسه ص 637 - 639.
3 - هود: الآية 8، تفسير علي بن إبراهيم في البحار للمجلسي ج 51 ص 44.
4 - إبراهيم: الآية 5. المصدر نفسه ص 45.
5 - الاسراء: الآية 5 - 7 المصدر نفسه ص 45 و 46.
(٢٧٢)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)، العزّة (1)، السجود (1)، العذاب، العذب (1)، الغيبة الصغري (1)، علي بن إبراهيم (1)

صفحه 273

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٣
يحدث لهم ذكرا) (١).
٥ - وقال تعالي: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) (٢).
٦ - وقال تعالي: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (٣).
٧ - وقال تعالي: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله علي نصرهم لقدير) (٤).
٨ - وقال تعالي: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ان الله لعفو غفور) (٥).
٩ - وقال تعالي: (الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) (٦).
١٠ - وقال تعالي: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) (٧).
١١ - وقال تعالي: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) (٨).
١٢ - وقال تعالي: (اقتربت الساعة … ) (٩).
١٣ - وقال الله تعالي: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) (١٠).
١٤ - وقال تعالي: (وأخري تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين) (١١).
١٥ - وقال تعالي: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) (١٢).
١٦ - وقال تعالي: ﴿اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها﴾ (13).
17 - وقال تعالي: (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة و
١ - طي: الآية ١١٣ المصدر نفسه ص ٤٦.
٢ - الأنبياء: الآية ١٢ المصدر نفسه ص ٤٦.
٣ - الأنبياء: الآية ١٠٥ المصدر السابق ص ٤٧.
٤ - الحج: الآية ٣٩. المصدر السابق ص ٤٧.
٥ - الحج: الآية ٦٠. المصدر السابق ص ٤٧.
٦ - الحج: الآية ٤١. المصدر السابق ص ٤٧.
٧ - النمل: الآية ٦٢. المصدر السابق ص ٤٨.
٨ - الشوري: الآية ٤١. المصدر السابق ص ٤٨.
٩ - القمر: الآية ١. المصدر السابق ص ٤٩.
١٠ - الصف الآية ٨ المصدر السابق ص ٤٩.
١١ - الصف الآية ١٣ المصدر السابق ص ٤٩.
١٢ - التوبة: الآية ٣٣. المصدر الساق ص ٥٠.
١٣ - الحديد: ١٧ - الغيبة للطوسي، في البحار ص 53.
(٢٧٣)
مفاتيح البحث: الزكاة (1)، الصّلاة (1)، الحج (3)

صفحه 274

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٤
نجعلهم الوارثين) (١).
١٨ - وقال تعالي: ﴿فإذا نقر في الناقور﴾ (2).
19 - وقال الله تعالي: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق) (3).
20 - وقال تعالي: (وأشرقت الأرض بنور ربها) (4) 21 - قال تعالي: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) (5).
22 - وقال تعالي: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا قل انتظروا انا منتظرون) (6).
23 - وقال تعالي: (ويقولون متي هذا الفتح ان كنتم صادقين * يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم ولاهم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر انهم منتظرون) (7).
فيه (عج) من سنن الأنبياء (ع).
1 - عن إكمال الدين: عن أبي عبد الله (ع) قال: ان مثل القائم مثل صالح (ع) في غيبته عن قومه (8).
2 - عن اكمال الدين، عن أبي عبد الله (ع): يقول: في القائم سنة من موسي بن عمران (ع) و هي خفاء مولده وغيبته عن قومه (9).
3 - عن اكمال الدين عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: في صاحب هذا الامر أربع سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسي وسنة من عيسي وسنة من يوسف وسنة من محمد (ص)، فأما من موسي، فخائف يترقب، وأما من يوسف فالسجن وأما من عيسي فيقال:
انه مات ولم يمت، وأما من محمد (ص) فالسيف (10).
4 - عن إكمال الدين، عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (ع) يقول:
في القائم منا سنن من سنن الأنبياء (ع)، سنة من آدم، وسنة من نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسي، وسنة من عيسي، وسنة من أيوب، وسنة من محمد (ص) فأما من آدم ومن نوح فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسي فالخوف، والغيبة، وأما من عيسي، فاختلاف الناس
١ - القصص: الآية ٥. الغيبة للطوسي، في البحار ص ٥٤.
٢ - المدثر: ٨ راجع الغيبة للنعماني، في البحار ج 51 ص 51.
3 - فصلت: الآية 53، الكافي، وفي البحار للمجلسي ج 51 ص 62.
4 - الزمر: الآية 69 البحار ج 51 ص 58.
5 - الدخان: الآية 10.
6 - الانعام: الآية 158.
7 - السجدة: الآية 28 - 30.
8 - اكمال الدين، والبحار ج 51 ص 215.
9 - الكمال الدين، والبحار ج 51 ص 215.
10 - اكمال الدين، والبحار ج 51 ص 217.
(٢٧٤)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، النبي موسي بن عمران عليه السلام (1)، الأنبياء (ع) (2)، أبو بصير (1)، سعيد بن جبير (1)، الموت (1)، السجود (1)

صفحه 275

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٥
فيه، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوي، وأما من محمد فالخروج بالسيف (1).
5 - عن محمد بن مسلم قال: دخلت علي أبي جعفر (ع) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (ص) فقال لي مبتدئا: يا محمد بن مسلم ان في القائم من آل محمد (ص) شبها من خمسة من الرسل: يونس بن متي، ويوسف بن يعقوب، وموسي، وعيسي، ومحمد (ص) فأما شبهه من يونس فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن وأما شبهه من يوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصته وعامته، واختفاؤه من اخوته واشكال أمره علي أبيه يعقوب (ع) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته، وأما شبهه من موسي فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته وتعب شيعته من بعده، بما لقوا من الأذي والهوان، إلي أن اذن الله عز وجل في ظهوره ونصره، وأيده علي عدوه، وأما شبهه من عيسي فاختلاف من اختلف فيه حتي قالت طائفة منهم ما ولد، وقالت طائفة مات، وقالت طائفة قتل وصلب.
فأما شبهه من جده المصطفي (ص) فخروجه بالسيف، وقتل أعداء الله وأعداء رسوله (ص) والجبارين والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا ترد له راية، وأن من علامات خروجه السفياني من الشام وخروج اليماني، وصيحة من السماء في شهر رمضان و مناد ينادي باسمه واسم أبيه (2).
6 - عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب، علي مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) فرأيناه جالسا علي التراب، وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين وهو يبكي فقلنا: يا بن رسول الله كرمنا وشرفنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم قال: إن الله تبارك وتعالي أدار في القائم منا ثلاثة، أدارها في ثلاثة من الرسل، قدر مولده تقدير مولد موسي (ع)، وقدر غيبته غيبة عيسي (ع)، وقدر ابطاءه تقدير ابطاء نوح (ع) وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح أعني الخضر دليلا علي عمره، فقلت: إكشف لنا يا بن رسول الله عن وجوه هذه المعاني، قال: أما مولد موسي فإن فرعون لما وقف علي أن زوال ملكه علي يده أمر بإحضار الكهنة، فدلوه علي نسبه، وأنه يكون من بني إسرائيل، ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من] نساء [بني إسرائيل حتي قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود، و تعذر عليه الوصول إلي قتل موسي لحفظ الله تبارك وتعالي إياك، كذلك بنو أمية وبنو العباس، لما وقفوا علي أن زوال ملكهم - والامراء والجبابرة منهم - علي يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول الله (ص) وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلي قتل القائم (عج)، ويأبي الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلي أن يتم نوره ولو كره المشركون.
وأما غيبة عيسي (ع) فإن اليهود والنصاري اتفقت علي أنه قتل، وكذبهم الله عز و
1 - اكمال الدين والبحار ج 51 ص 217.
2 - اكمال الدين والبحار ج 51 ص 217 - 218.
(٢٧٥)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (2)، النبي نوح عليه السلام (1)، أبو بصير (1)، شهر رمضان المبارك (1)، بنو أمية (1)، يوسف بن يعقوب (2)، أبان بن تغلب (1)، المفضل بن عمر (1)، محمد بن مسلم (2)، الشام (1)، القتل (7)، الموت (1)

صفحه 276

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٦
جل بقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) (1)، كذلك غيبة القائم (عج) فإن الأمة تنكرها] لطولها [، فمن قائل بغير هدي بأنه لم يولد، وقائل يقول: انه ولد و مات، وقائل يكفر بقوله: ان حادي عشرنا كان عقيما، وقائل يمرق بقوله: انه يتعدي إلي ثالث عشر فصاعدا، وقائل يعصي الله عز وجل بقوله: ان روح القائم (عج)، تنطق في هيكل غيره، وأما إبطاء نوح (ع) فإنه لما استنزل العقوبة علي قومه من السماء، بعث الله عز وجل جبرئيل الروح الأمين بسبعة نويات فقال: يا نبي الله ان الله تبارك و تعالي يقول لك: ان هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي، الا بعد تأكيد الدعوة والزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فاني مثيبك عليه، واغرس هذا النوي فإن لك في نباتها وبلوغها وادراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين. فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت وزهر الثمر عليها بعد زمن طويل، استنجز من الله سبحانه وتعالي العدة، فأمره الله تعالي أن يغرس من نوي تلك الأشجار، ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكد الحجة علي قومه، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به، فارتد منهم ثلاثمئة رجل وقالوا: لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) (2).
وكذلك القائم تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة، الذين يخشي عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم (عج).
وأما العبد الصالح الخضر (ع) فإن الله تبارك وتعالي ما طول عمره لنبوة قدرها له ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبلها من الأنبياء، ولا لامامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له: بلي ان الله تبارك وتعالي لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم (عج) في أيام غيبته ما يقدر، وعلم ما يكون من انكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك، الا لعلة الاستدلال به علي عمر القائم (عج)، وليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس علي الله حجة؟ (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) (3).
فضل انتظار الفرج - زمان الغيبة.
1 - عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني، مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا إنكم أصحابي وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ولم يروني، لقد عرفتيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من
1 - النساء: الآية 157.
2 - هود: الآية 37.
3 - الكهف: الآية 9.
(٢٧٦)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، النبي خضر عليه السلام (1)، النبي نوح عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو بصير (1)، انتظار الفرج (1)، آخر الزمان (1)، الفرج (1)، الحج (2)، الصبر (1)

صفحه 277

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٧
أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: لأحدهم أشد بقية علي دينه من فرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض علي جمر الغظي، أولئك مصابيح الدجي، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة (1).
2 - عن يحيي بن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (ع) عن قول الله عز وجل:
(ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب) (2)، فقال: المتقون شيعة علي (ع)، والغيب: فهو الحجة الغائب. وشاهد ذلك قول الله عز وجل: (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل انما الغيب والله فانتظروا اني معكم من المنتظرين) (3) فأخبر عز وجل أن الآية هي الغيب، والغيب هو الحجة وتصديق ذلك قول اله عز وجل: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) (4) يعني حجة (5).
3 - عن صالح بن عقبة عن أبيه، عن الباقر (ع) عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص):
أفضل العبادة انتظار الفرج (6).
4 - عن محمد بن حاتم القطان عن حماد بن عمرو، عن الصادق (ع) عن آبائه (ع) قال: قال النبي (ص) لعلي (ع): يا علي … واعلم أن أعظم الناس يقينا قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواء في بياض (7).
5 - عن عمرو بن ثابت قال: قال سيد العابدين (ع): من ثبت علي ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد (8).
6 - عن السندي عن جده قال: قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول فيمن مات علي هذا الامر منتظرا له؟ قال: هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه ثم سكت هنيهة ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله (ص) (9).
7 - عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: لما دخل سلمان رضي الله عنه الكوفة، ونظر إليها، ذكر ما يكون من بلائها حتي ذكر ملك بني أمية والذين من بعدهم، ثم قال: فإذا كان ذلك فالزموا أحلاس بيوتكم حتي يظهر الطاهر ابن الطاهر ذو الغيبة الشريد الطريد (10).
8 - عن رفاعة بن موسي ومعاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال رسول
١ - راجع بصائر الدرجات، والبحار ج ٥٢ ص ١٢٣ - ١٢٤.
٢ - البقرة: الآية ١ - ٣.
٣ - يونس: الآية ٢٠.
٤ - المؤمنون: الآية ٥٠.
٥ - اكمال الدين، والبحار ج ٥٢ ص ١٢٤.
٦ - اكمال الدين والبحار ج ٥٢ ص ١٢٥.
٧ - اكمال الدين ج ١ ص ٤٠٥، والبحار ج ٥٢ ص ١٢٥.
٨ - المصدر نفسه.
٩ - المصدر نفسه وراجع المحاسن ص ١٧٢ - ١٧٤.
١٠ - الغيبة للطوسي والبحار ج 52 ص 126.
(٢٧٧)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، مدينة الكوفة (1)، أبو بصير (1)، يحيي بن أبي القاسم (1)، معاوية بن وهب (1)، ابن أبي عمير (1)، بنو أمية (1)، الفضل بن شاذان (1)، رفاعة بن موسي (1)، انتظار الفرج (1)، عمرو بن ثابت (1)، صالح بن عقبة (1)، محمد بن حاتم (1)، آخر الزمان (1)، حماد بن عمرو (1)، الشهادة (2)، الموت (1)، الحج (1)، السكوت (1)

صفحه 278

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٨
الله (ص): طوبي لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يتولي وليه، و يتبرأ من عدوه، ويتولي الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي وذوو ودي ومودتي، وأكرم أمتي علي، قال رفاعة: قال: وأكرم خلق الله علي (1).
9 - عن الحكم بن عيينة قال: لما قتل أمير المؤمنين (ع) الخوارج يوم النهروان، قام إليه رجل] فقال [: يا أمير المؤمنين طوبي لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف وقاتلنا معك هؤلاء الخوارج فقال أمير المؤمنين: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق الله آباءهم ولا أجدادهم بعد فقال الرجل: وكيف يشهدنا قوم لم يخلقوا؟ قال: بلي قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه، ويسلمون لنا، فأولئك شركاؤنا فيما كنا فيه حقا حقا (2).
10 - عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) قال: مثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم، مثل فرخ طار ووقع في كوة فتلاعبت به الصبيان (3).
11 - عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) أنه قال ذات يوم: ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملا الا به؟ فقلت: بلي، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والاقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا، يعني أئمة خاصة والتسليم لهم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم ثم قال: ان لنا دولة يجئ الله بها إذا شاء، ثم قال: من سر أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فان مات وقام القائم بعده، كان له من الاجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة (4).
12 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: كل راية ترفع قبل قيام القائم (ع)، فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل (5).
وأخيرا:
13 - عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (ع): ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يري، ولا امام هدي، لا ينجو منها الا من دعا بدعاء الغريق قلت: وكيف دعاء الغريق؟
قال: تقول: يا ألله يا رحمان يا رحيم، يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك فقلت: يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي علي دينك، فقال: ان الله عز وجل مقلب القلوب والابصار، ولكن قل: كما أقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي
١ - الغيبة للطوسي ص ٢٩٠ - ٢٩١ والبحار - ج ٥٢ ص ١٢٩ - ١٣٠.
٢ - المحاسن ص ٢٦٢، والبحار ج ٥٢ ص ١٣١.
٣ - الغيبة النعماني وراجع البحار ج ٥٢ ص ١٣٩.
٤ - راجع الغيبة للنعماني والبحار ج 52 ص 139 - 140.
5 - عن الكافي وراجع والحبار ج 52 ص 143.
(٢٧٨)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، أبو بصير (2)، عبد الله بن سنان (1)، الحكم بن عيينة (1)، أبو عبد الله (1)، آخر الزمان (1)، الخوارج (2)، القتل (1)، الموت (1)، الشهادة (1)

صفحه 279

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٧٩
دينك (1).
أحاديث الرسول (ص) في ظهور السيد المسيح آخر الزمان.
قال رسول الله (ص): ان عيسي سينزل إلي الأرض ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافا متباينا، فمن مدعي إلهيته كالنصاري، ومن قال فيه قولا عظيما، وهو أنه ولد ريبة، وهم اليهود، فإذا نزل قبل يوم القيامة تحقق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدعيه من الإفتراء (2).
وقال رسول الله (ص): … وينزل عيسي بن مريم (ع) عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم:
يا روح الله تقدم صل] بنا [فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم علي بعض، فيتقدم أميرهم فيصلي … (3).
وقال رسول الله (ص):.. وليسلكن (أي عيسي (ع)، فجاجا حاجا أو معتمرا أو بنيتهما، وليأتين قبري، حتي يسلم علي، ولأردن عليه السلام … (4).
وعنه صلوات الله عليه وآله: … وينزل عيسي بن مريم عند صلاة الفجر … (5) …
بيده حربة يقتل المسيح الدجال] الأعور الدجال الذي يخرج من بلاد المشرق [(6) يهلك الله في زمانه الملل كلها الا الاسلام (7) … يكسر الصليب، ويقتل الخنزير.. (8).. ثم يتوفي فيصلي عليه المسلمون (9).
وأخيرا قال الرسول الأكرم محمد (ص): ثلاث إذا خرجن (لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا)، طلوع الشمس من مغربها، المسيح الدجال] الأعور الدجال [، ودابة الأرض (10).
ما جاء في الكتب السماوية حول ظهور السيد المسيح (ع) في آخر الزمان.
1 -] … فكما أن البرق يومض من الشرق فيضئ في الغرب، فهكذا يكون رجوع ابن الانسان … (11) [. أي أن علامة رجوع المسيح (ع) آخر الزمان يسبقه برق يومض من الشرق فيضئ في الغرب.
1 - راجع اكمال الدين ج 2 ص 21 والبحار ج 52 ص 148 - 149.
2 - الفتن والملاحم لابن كثير.
3 - وعيسي يصلي خلفه. رواه احمد وابن أبي شيبة والطبراني والحاكم.
4 - الكنز (للحاكم 48851).
5 - احمد والطبراني والحاكم النيشابوري.
6 - الكنز لابن عساكر.
7 - أبو داود.
8 - ابن أبي شبة في كنزه (38855).
9 - أبو داود وزاد أحمد وابن جرير (ويدفنونه).
10 - رواه الترمذي.
11 - إنجيل متي 24 / 27.
(٢٧٩)
مفاتيح البحث: صلاة الفجر (الصبح) (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (4)، يوم القيامة (1)، أهل الكتاب (1)، آخر الزمان (3)، الكذب، التكذيب (1)، القتل (2)، الكرم، الكرامة (1)، الصّلاة (3)، كتاب الفتن والملاحم لابن كثير الشافعي (1)، الحاكم النيسابوري (1)، الطبراني (2)، إبن عساكر (1)

صفحه 280

رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٨٠
2 -] … ثم رأيت ملاكا آخر قادما من الشرق يحمل ختم الله الحي … [(1).
3 -] … أما هذا اليوم فهو يوم فتح روما، وأما السجدة فهي السجدة الوحيدة في الكتاب المقدس كله، التي قال فيها الفاتح المنتصر للذي أراد أن يسجد له عند دخوله المدينة] أي روما، حين يدخلها جيش الإمام المهدي (ع) [: لا تسجد لي، بل لله أسجد [(2).
اذن فالمنعطف التاريخي والتحول الحضاري العملاق، يحصل علي يدي الامام المهدي المنتظر (عج)، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، القائد العظيم الذي يحقق حلم الأنبياء، وينقذ الانسان من ضلالة الجاهلية المقيتة، وظلم الطواغيت المتجبرين ليعيد صياغة البناء الصالح للإنسان علي أساس عقيدة التوحيد وقيم الرسالة المحمدية الأصيلة.
ويمكن لنا أن نقول أن دلائل وعلامات، أصبحت توضح أن الانطلاقة الاسلامية قد بدأت وأن التيار الإسلامي والحركة الاسلامية التي سادت أرجاء الأمصار الاسلامية لهي توطئة وتمهيد، وأرض خصبة للانقلاب الفكري والسياسي والاجتماعي الشامل، الذي يقوم علي أساس الإسلام الأصيل وإقامة حكم الله في الأرض، وإن ما يشهده العالم اليوم من حالات سقوط الحصون المادية والالحادية وتهاوي عروشها: ان هو الا مؤشر بين وواضح علي فشل كل هذه الأنظمة الجاهلية والمبادئ المادية الالحادية، فجاءت هذه البشارة للعاملين في سبيل الله، وبشرتهم باستخلاف الأرض حيث قال الله تعالي:.
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا … ) (3).
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..) (4).
(ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا..) (5).
(وإذا رأي الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم..) (6).
والحمد لله رب العالمين، وصلواته وتحياته علي رسوله الصادق الأمين، وأهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما مولانا بقية الله في أرضه، وحجته علي خلقه أجمعين، وجعلنا الله من أنصاره، ومن المستشهدين بين يديه، آمين.
1 - الرؤيا 7 / 2.
2 - سفر الرؤيا - فتح روما -.
3 - النور: الآية 55.
4 - الشعراء: الآية 227.
5 - يونس: الآية 13.
6 - النحل: الآية 85.
(٢٨٠)
مفاتيح البحث: الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، سبيل الله (1)، الصدق (1)، الضلال (1)، السجود (4)، الجهل (2)، الطهارة (1)، الإقامة (1)، العذاب، العذب (1)

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.