بحوث في فقه‌الرجال : محاضرات القاها علي طلابه سماحة آيةالله‌العظميالسيد علي العلامة‌الفاني‌الاصفهاني

اشارة

‏سرشناسه : علامه فاني اصفهاني، علي، ‏۱۲۹۳ - ‏۱۳۶۸.
‏عنوان و نام پديدآور : بحوث في فقه‌الرجال : محاضرات القاها علي طلابه سماحة آيةالله‌العظميالسيد علي العلامة‌الفاني‌الاصفهاني/ تاليف علي مكي‌العاملي.
‏مشخصات نشر : [ بي‌جا: بي‌نا]‏، ۱۴۱۰ق.‏= ۱۹۹۰م.‏= ۱۳۶۶.( قم: مهر قم‏(چاپخانه) ).
‏مشخصات ظاهري : ۱۸۱ص.: نمونه.
‏شابك : ‏۱۳۰۰ ريال
‏وضعيت فهرست نويسي : برون‌سپاري.
‏يادداشت : عربي.
‏يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.
‏موضوع : حديث -- علم‌الرجال
‏موضوع : فقه جعفري
‏شناسه افزوده : مكي عاملي، علي ، تنظيم‌كننده
‏رده بندي كنگره : ‏BP۱۱۴‏/ع۸۴ب۳ ۱۳۶۶
‏رده بندي ديويي : ‏۲۹۷/۲۶۴
‏شماره كتابشناسي ملي : ۲۳۸۹۲۰۸

العلامة الفاني (قده) في سطور

آية الله العظمي العلامة الفاني (قدس سره) في سطور كان من المقرر أن يري هذا السفر النور منذ زمن. ولكن ولعدة ظروف شاءت الاقدار أن يتأجل ذلك إلي ما بعد الفاجعة الأليمة والحدث الجلل ألا وهو غياب سيدنا المقدس عن عالمنا وارتحاله إلي لقاء الله.
وكان من المقرر أيضا ان يضاف إلي الكتاب نبذة عن حياة وجهاد سماحته ولكن لما لم يكن معتادا ذكر حياة العظماء إبان حياتهم ارتأيت تأجيل ذلك.. ولكن لما فجعنا وفجع العالم الاسلامي برحيله، كان من الوفاء لأستاذنا المعظم ذكر نبذة من سيرته وجهاده وعمله تخليدا لذكراه … راجين من الله تعالي ان يوفقنا لنشر ما يليق بشأنه في كتابه مستقل.
وكنت في حياته رضوان الله تعالي عليه قد التمست منه ذكر نبذة من سيرته وحفظا للأمانة فإني ذاكرها ابتداء مع إضافات سمعتها منه (قده) أو لاحظتها أثناء حياته.
كتب قدس الله نفسه الزكية [السيد علي نور الدين أبو المكارم العلامة الشهير بالفاني الأصفهاني ابن المرحوم حجة الاسلام والمسلمين الحاج السيد
(٧)
صفحهمفاتيح البحث: أبو المكارم (1)، الحج (2)
محمد حسن الحسيني اليزدي الفاني المذكور في نقباء البشر المجلد الأول الصفحة 393، ولد بعد زوال الخميس 26 من شهر ربيع الأول سنة 1333 ه بأصفهان وشرع بالمبادئ العربية عند ملا عبد الله الخراساني المتوفي سنة 1349 ه القمرية وحضر بعد ذلك عند جماعة من أجلة علماء أصفهان سطحا وخارجا فحضر القوانين للمحقق القمي (قده) عند المرحوم المقدس الحكيم الخراساني ره المتوفي سنة 1355 ه القمرية وفرائد الشيخ الأنصاري عند المرحوم الحاج السيد مرتضي الخراساني (قدس سره) والمتاجر والكفاية بجزئيها عند السيد المقدس آية الله السيد محمد النجف آبادي المتوفي سنة 1358 ه القمرية (قدس سره) وحضر الفلسفة عند المرحوم الشيخ المفيد وحضر خارج الأصول والفقه والفلسفة والكلام والتفسير عند آية الله العظمي الجامع للمعقول والمنقول الزاهد التارك للدنيا الحاج مير سيد علي النجف آبادي مدة مستمرة في اثنتي عشرة سنة وأزيد حتي توفي (قدس سره العزيز) الثالث عشر من شهر صفر سنة 1362 ه فهاجر في أوائل ربيع الثاني من تلك السنة إلي النجف الأشرف واستفاد من جملة من أعظم علماء النجف أمثال السيد الزعيم السيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ محمد كاظم الشيرازي رحمهما الله تعالي واشتغل في نفس الوقت بتدريس الفقه والأصول سطحا وخارجا وبرز لدي تدريسه جملة من العلماء العظام وفقهم الله تعالي. واما ما قاساه فمما لا أقدر علي بيانه والمشتكي إلي الله تعالي والأجر منه إن شاء الله بلطفه العميم وأرجو العفو والغفران منه.
وأما تآليفه وتقريرات أبحاثه في العلوم المتنوعة فهي عبارة - عن مطبوع وغير مطبوع - عن قريب من ثمانين مؤلفا منها: 1 - شرح الشرايع في الطهارة - خمسة أجزاء - طبعت جميعها والحمد لله تعالي.
2 - شرح الشرايع في الصلاة - سبعة أجزاء - طبعت خمسة منها والباقي
(٨)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة النجف الأشرف (4)، مدينة إصفهان (2)، شهر ربيع الثاني (1)، شهر صفر الظفر (1)، الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، شهر ربيع الأول (1)، العزّة (1)، الصّلاة (1)، الحج (2)، الوفاة (1)، الطهارة (1)
تحت الطبع.
3 - الآراء في مباحث الأصول طبع جزءان منها في الألفاظ.
4 - الآراء في المباحث العقلية - ثلاثة أجزاء - تحت الطبع -.
5 - رسالة في علم الإمام ألفت في ليلة واحدة - جزء واحد -.
6 - الحاشية علي وسيلة النجاة للزعيم الديني آية الله العظمي المرحوم السيد أبي الحسن الأصفهاني (قدس سره) طبع مرة في سنة 1380 ه في النجف الأشرف ومرة أخري في قم المحمية بعد مرور خمس وعشرين سنة والحمد لله.
7 - الحاشية علي العروة الوثقي للزعيم الديني آية الله العظمي السيد البروجردي الطباطبائي (قدس سره) مع الالماح إلي جملة من القواعد في المسائل الصعبة - طبعت العبادات في طهران والمعاملات في قم المقدسة -.
8 - ترجمة تقديم المحسنين - طبعت مع بعض القرائين -.
9 - ترجمة نصائح.
إلي هنا انتهي ما كتبه بقلمه الشريف واما ما ذكره لي:
10 - البداء وقد ترجم إلي الفارسية.
11 - المختار في الجبر والاختيار وقد ترجم إلي الفارسية.
12 - رسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
13 - رسالة توضيح المسائل الشرعية وقد ترجمت وطبعت بخمس لغات (الفرنسية - الفارسية - العربية - الانكليزية).
14 - شرح الفصوص مع حاشية (ذكرها بخطه الشريف).
15 - قبسات العقول وقد طبعت بخمس لغات أيضا.
(٩)
صفحهمفاتيح البحث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)، مسألة الجبر والإختيار (الجبر والتفويض) (1)، علم المعصوم (1)، كتاب توضيح المسائل للميرزا جواد التبريزي (1)، مدينة النجف الأشرف (1)، مدينة طهران (1)
16 - الشعائر الحسينية وقد ترجمت إلي الفارسي والأوردو - مطبوع -.
17 - خمسون مسألة - مطبوع -.
18 - منظومة فارسية في المعصومين (ع) - مطبوع -.
19 - ديوان شعر بالفارسية - غير مطبوع - (2 جلد).
20 - الآراء حول الإرادة - مطبوعة -.
21 - الآراء حول القرآن - مطبوع - وقد ترجم بلغة أوردو من دون طبع.
22 - بيان الخيانة - مطبوع -.
23 - تنزيه الصفوة - مطبوع -.
24 - تحفة الجواهر - مطبوع -.
25 - ترجمة خطبة الزهراء (ع) في فدك - مطبوع -.
26 - زن از ديدكاه شريعت إسلام - مطبوع -.
29 - عبد الله بن عباس - مطبوع -.
30 - الحاشية علي صراط النجاة - فارسي - مطبوع -.
31 - الخمس الاستدلالي - غير مطبوع -.
32 - تفسير سورة الحمد - غير مطبوع -.
33 - تفسير سورة الجمعة - غير مطبوع -.
34 - فقه الرجال - وهو هذا الكتاب -.
35 - تفسير سورة (محمد) - غير مطبوع -.
36 - تفسير سورة الفتح - غير تام -.
(١٠)
صفحهمفاتيح البحث: خطبة الزهراء (عليها السلام) (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب صراط النجاة للميرزا جواد التبريزي (1)، الشريعة الإسلامية (1)، الشعائر الحسينية (1)، سورة الجمعة (1)، سورة الفتح (1)، سورة محمد (1)، القرآن الكريم (1)، الخمس (1)
37 - الزكاة - غير تام -.
38 - أحكام البنوك وتحليل ودراسة حول مسألة الربا - تام غير مطبوع -.
39 - الذباحة - غير مطبوع -.
40 - البيع علي ضوء متاجر الشيخ الأنصاري إلي بحث الفضولي - غير مطبوع -.
41 - الإجارة علي ضوء الشرائع - غير مطبوع -.
42 - القضاء - غير مطبوع -.
43 - الوصايا بقلم العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين - غير مطبوع -.
44 - القرعة - بقلمه أيضا - غير مطبوع -.
45 - الحج - غير تام -.
46 - الصوم - غير تام -.
47 - الفوائد العربية في الكلام - غير مطبوع -.
48 - الفوائد الرجالية - غير مطبوع -.
49 - رسالة في منجزات المريض (ذكرها بخطه الشريف).
50 - رسالة في العرفان (السير إلي الله) (ذكرها بخطه الشريف).
51 - الفوائد العلوية (كلام) (ذكره بخطه الشريف).
* وسيدنا المقدس كان من رجالات الدين والمراجع العظام الذين يقل جدا أمثالهم فقد حاز علي رتبة الاجتهاد كما ذكره لي وهو ابن سبعة عشر عاما
(١١)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الفوائد الرجالية للشيخ مهدي الكجوري الشيرازي (1)، الحج (1)، الزكاة (1)، المرض (1)، البيع (1)، الربا (1)، الصيام، الصوم (1)
وكان أول اجتهاده في مسألة المسح علي الرجل حيث رجح قول المشهور في أن الكعب هو قبة القدم ما بين الأصابع وأسفل الساق وخالف في ذلك الشيخ البهائي حيث اختار انه أسفل الساق.
كما كان (قدس الله نفسه) يتمتع بقوة حدس وذكاء وضبط يعجب ذوي الألباب فقد كان يكفي ان يزوره الشخص مرة واحدة فيتذكره ولو تمادت السنين … ولا زلت اذكر اني عندما كنت أقرأ عليه ما كتبته من تقريراته (فقه الرجال) رغم ان المرض قد أخذ منه مأخذا - كان يلتفت إلي أدق النقاط فيحذف أو يصوب.
وكان رضوان الله عليه شغولا جدا في التأليف والبحث والتدريس بشكل مدهش حتي أنه وفي أيامه الأخيرة التي كان فيها في المستشفي تمم كتابه الأخير (بحث القطع والظن).
وكان من غريب أموره إحاطته بمجموعة من العلوم رغم اشتغاله بالشؤون الفقهية والمرجعية فقد ألف في الفقه والفلسفة والعرفان والأصول والتفسير والعقائد والاخلاق فضلا عن نظمه الشعر.
وقد تخرج من مدرسته الكثير من الفطاحل والأعاظم وخصوصا في النجف الأشرف والذين انتشروا في الآفاق لخدمة الرسالة وكان رحمه الله كثير الوعظ والارشاد لجلسائه وملاحظا ما يناسب كل شخص بحسب أحواله وتطلعاته وكان مما يوصي به طلابه عموما واللبنانيين خصوصا العكوف علي طلب العلم والاصرار علي تلقيه مهما كلف الامر وله عبارة معروفة للوصول إلي سدة الكمال (السهر حتي السحر).
وكثيرا ما كان سيدنا يبرز تأذيه لوضع طلاب العلوم خصوصا الأذكياء منهم حيث يتركون الحوزات في أول فرصة مضيعين علي أنفسهم وعلي الأمة فرص الاستفادة الحقيقية منهم..
(١٢)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة النجف الأشرف (1)، المرض (1)
وكان طيب الله ثراه زاهدا في هذه الدنيا غير ملتفت إلي اقبالها وتزيينها ولذا فضل العيش بعيدا عن الأضواء والشهرة إلا من عمل دؤوب وتربية لجيل علمي رائد..
وكان يذكر لي وأظنه أقسم علي ذلك بأنه لو أمكنه ان يطبق فمه عن المأكل والمشرب لفعل. فلله درك.. كيف لا … وأنت سليل الأوصياء وربيب حجر العلم والقداسة وقد تلمذت علي منبر العظام والأتقياء.
وقد سألته يوما عما استفاده في حياته من تجارب يوصي بها الآخرين فقال في شأن العالم:
1 - إن من كان صائنا لنفسه حافظا لدينه حسنت عاقبته وكثر رزقه ووفقه الله ومن باع دينه ساءت عاقبته وأصابته البلايا من حيث لا يشعر ومن حيث لا يحصي.
وان علي العالم ان يترك الدنيا وان أقبلت عليه وهذا لا ينافي كون الزهد الحقيقي هو الورع عن محارم الله يقول جل وعلا * (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) * (1).
وعلي العالم ان يتمثل خطي علي (عليه السلام) ويسير علي وفقها ناصحا للناس وهاديا لهم ومعينا لعائلهم ومغيثا للملهوف.
وقال قدس سره في شأن الناس:
2 - ان عليهم بذل ما لديهم في خدمة الرسالة وهذا ضمان لعدم الخسارة ولدفع البلايا عنهم واما لو عكفوا علي جمع الثروات وعدها فسيكون نتيجتها الخسران وضياع الأموال بل وضياع الاعراض.. وقد يصابون وفي غالب
(1) سورة البقرة، الآية: 172.
(١٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الوصية (1)، سورة البقرة (1)
الأحيان بالأمراض والبلايا مما ليس له دواء ومما لا يعالج بالمال.
* رحمك الله سيدي فكم لك في قلوب الذين عرفوك ذكري لا تزول بزوال الأيام والسنين يذكرونك بحنانك.. بمرحك.. بنكاتك … وقد لا يصدق محبوك انك رحلت عنهم ولكن قدر الله هو الغالب.
يذكرونك عندما تعرج علي ذكر أهل بيت العصمة واعظا جلسائك حيث تفيض عيناك بالدمع وتنضح أساريرك بالولاء للعترة الطاهرة.
رحمك الله.. كم كنت شديد الولاء لهم مشددا علي التمسك بهم وبكتاب الله.. كيف لا!
ووصيتك أن يدفن مع جسدك الطاهر منظومتك الشعرية في المعصومين الأربع عشر وكتابيك (آراء حول القرآن - وعبد الله بن عباس) - رحمك الله كم كنت متعلقا بمدينة قم المقدسة عش آل محمد (ع).. فأنت علي فراش الموت تطلب أن تنقل إلي قم ويحول بينك وبين غرضك المشرفون علي صحتك..
وتحت إصرارك يوافقون بان تنقل إلي قم حيث المعصومة الشريفة وحيث أهلك ومحبوك وتلاميذك وتقول للمشرفين (الوقت تأخر أو لا فائدة في ذلك الآن) ويكون الموعد الساعة الثامنة ليلة الثلاثاء.. ولكن يد الأبد تأبي الا بان تمتد إلي روحك الطاهرة لترقي بها إلي عالم الخلود - وكأنك علي علم بذلك - وذلك ظهر يوم الاثنين الساعة الحادية عشرة والنصف 23 شوال - 1409 ه ولتفجع المسلمين بمصاب … ولتعود إلي قم وكما رغبت وطلبت وفي الساعة الثامنة ليلة الثلاثاء.. ولكنها العودة الأليمة.. العودة الفاجعة.. لكي لا يراك بعد.. أحبتك وتلاميذك.. ومريدوك.
* رحمك الله سيدي المعظم.. نم قرير العين إلي جانب مرقد السيدة المعصومة حيث مثواك الأخير (صحن السيدة المعصومة - حجرة 36) وجمع الله بينك وبين الأئمة الطاهرين في جنة النعيم.
(١٤)
صفحهمفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، شهر شوال المكرم (1)، مدينة قم المقدسة (1)، القرآن الكريم (1)، البلاء (1)، الطهارة (1)، الدفن (1)
ومما رثاه به العلامة الشيخ علي المصري أحد أفاضل طلابه:
شفيت فما تبغي الطبيب المداويا * وفزت وجاوزت الفقيه المساويا لئن كنت في عز الولاية فانيا * فقد صرت في دار المقامة باقيا تخلصت مما نحن فيه فعلمنا * مشوب ويجري العلم عندك صافيا تلميذك الصغير علي مكي العاملي قم المقدسة - 13 ذي القعدة 1409 ه
(١٥)
صفحهمفاتيح البحث: شهر ذي القعدة (1)، الطب، الطبابة (1)

تقديم وتعريف

تقديم وتعريف بين يديك مجموعة من البحوث الرجالية ألقاها سماحة سيدنا الأستاذ الاجل قدوة المحققين وعين عيون الناظرين عصارة المتقدمين وخلاصة المتأخرين آية الله العظمي السيد علي العلامة الفاني الأصفهاني (قدس الله أسراره).
وقد أفاض بها علي طلابه في مدينة قم المقدسة عام 1406 ه وقد أمر سماحته بكتابتها وتبويبها وملاحظة نكات وإضافات تناسب أمرين:
1 - أن يكون كتابا محافظا علي الجنبة الفقهية عرضا واستدلالا.
2 - أن يكون كتابا ذا قيمة تدريسية تعليمية.
فشمرت ساعد العزم امتثالا لامره وطمعا في ثواب الله ومنه معتمدا من البيان والأسلوب ما يناسب الغرض ولذا قد ذكرنا من وجوه الاستدلال ما لم يكون قد ذكر إتماما للفائدة وتحقيقا للهدف.
وأرجو ان أكون قد حققت رغبته سائلا الله تعالي ان يقبل عملي خالصا لوجهه وان يطيل في عمر سماحته ذخرا للمسلمين ومنارا للعالمين - وأخيرا
(١٧)
صفحهمفاتيح البحث: مدينة قم المقدسة (1)
إليك يا صاحب العصر والزمان أتقدم بعملي هذا خصوصا ان من توفيقات الله أن من علينا باتمامه وإكماله في يوم ميلادك المبارك …
قم المقدسة - علي حسين محمد مكي العاملي 15 شعبان - 1407 ه.
(١٨)
صفحهمفاتيح البحث: النصف من شعبان (1)، العصر (بعد الظهر) (1)
بحوث في فقه الرجال ويشتمل الكتاب علي أبحاث ثلاثة:
* الأول - المقدمة وتشتمل علي أربع نقاط.
* الثاني - المقصد ويشتمل علي ثمانية أبواب.
* الثالث - الخاتمة وتشتمل علي خمسة تطبيقات.
صفحه(١٩)

المقدمة وما تشتمل عليه اجمالا

المقدمة وتشتمل علي أربع نقاط:
* الأولي - في تاريخ البحث الرجالي.
* الثانية - في حقيقة البحث الرجالي.
الثالثة - في أهمية البحث الرجالي.
* الرابعة - في صحة التعبد والجعل في الطرق وعدمها.
صفحه(٢١)

النقطة الأولي - تاريخ البحث الرجالي

النقطة الأولي في تاريخ البحث الرجالي ساد الاعتقاد قديما وحديثا عند بعض مخالفينا بعدم وجود أثر للبحوث الرجالية عندنا أو تأخرها مما يعني التشكيك في المذهب وفي كل مروياتنا لرجوع الدعوي إلي تأخر البحث عن الجرح والتعديل زمانا عن وقت صدور الروايات أو نقلها ونشرها.
ولذا نجد النجاشي يرد علي هذه الادعاءات في أول كتابه قائلا:
(اما بعد فاني وقفت علي ما ذكره السيد الشريف أطال الله بقاه وأدام توفيقه من تعبير قوم من مخالفينا انه لا سلف لكم ولا مصنف وهذا قول من لا علم له بالناس ولا وقف علي أخبارهم ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم.. إلي أن قال.. علي أن لأصحابنا رحمهم الله في بعض هذا الفن كتبا) (1).
(١) الرجال النجاشي ص ٢.
(٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب رجال النجاشي (1)
وكذا نجد بعضا من متأخري العامة (1) يذكر بأن الشيخ الطوسي أول كاتب في الرجال عند الإمامية إلا أن واقع الحال مختلف تماما فإن البحوث الرجالية مطروحة قديما كما هي مطروحة حديثا ولكنها تختلف من حيث المضمون وطريقة البحث وسعة هذا البحوث وشمولها تبعا للحاجة ولاتساع وتطور هذا العلم علي مر الزمان.
ويمكننا أن نعتبر أن بداية النمو الحقيقي للبحث الرجالي تعود إلي زمن الحسن بن محبوب المولود عام 149 ه حيث ألف كتابا في الرجال (المشيخة).
وربما يكون ذلك قبل هذا التاريخ (2).
وهذا التاريخ قديم يعود إلي تاريخ الصادقين (عليهما السلام) تقريبا حيث كثر النقل عنهما (ع) كما كثر الوضاعون والكذابون علي أهل البيت مما دعا جمعا من أعلام الطائفة للتصدي لذلك وتصنيف الكتب لتمييز المقبول والمعتمد من غيره.
وفي عدة الشيخ الطوسي ما يشير إلي ما ذكرناه معمما ذلك ليشمل الطائفة حيث قال: (- انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة هذه الأخبار فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء وفرقوا بين من يعتمد علي حديثه وروايته ومن لا يعتمد علي خبره ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم وقالوا فلان متهم في حديثه وفلان كذاب.. وغير ذلك من الطعون التي ذكروها وصنفوا في ذلك الكتب) (3).
(١) أبو زهرة في كتابه (الإمام الصادق عليه السلام).
(٢) ذكر العلامة الطهراني في مصفي المقال جمعا من المؤلفين منهم أبو مخنف لوط بن يحيي المتوفي عام ١٥١ ه وأجلح الكندي المتوفي عام ١٤٠ ه أو ١٤٥ ه راجع مصفي المقال ص ٣٧.
(٣) عدة الأصول ج ١ ص ٣٦٦.
(٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، الحسن بن محبوب (1)، الشيخ الطوسي (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، كتاب عدة الأصول للشيخ الطوسي (1)، الوفاة (2)
فان عبارته الأخيرة صريحة في وجود الكثير من الكتب فيما يرجع إلي البحث الرجالي وأيضا نجد النجاشي يذكر في غير مورد ما يدل علي ذلك منها:
1 - ما ذكره في ترجمة جعفر بن عثمان بن شريك حيث قال بعد التعرض له (ذكر ذلك أصحاب الرجال) (1).
2 - ما ذكره في ترجمة إبراهيم بن سليمان المزني (.. له كتب ذكرها بعض أصحابنا في الفهرستات) (2).
3 - ما ذكره في ترجمة إبراهيم بن خالد العطار (ذكره أصحابنا في الرجال) (3).
4 - ما ذكره في ترجمة جميل بن صالح الأسدي (.. ذكره أبو العباس في كتاب الرجال) (4).
(5) ما ذكره في ترجمة أبان بن الأحمر العجلي ( … وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيام) (5).
إلي غير ذلك من الموارد التي يعثر عليها المتتبع بل إن بعضهم أنهي هذه الكتب إلي ما يقارب الخمسمائة كتاب. ولا بأس بذكر بعض أصحاب هذه الكتب المستفاد من رجال الشيخ والنجاشي:
1 - كتاب للحسين بن محبوب المولود عام 149 ه (6).
(١) رجال النجاشي ص ٩٠.
(2) نفس المصدر ص 11.
(3) نفس المصدر ص 18.
(4) نفس المصدر ص 92.
(5) نفس المصدر ص 10.
(6) فهرست الشيخ ص 47.
(٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: إبراهيم بن خالد العطار (1)، إبراهيم بن سليمان (1)، جعفر بن عثمان بن شريك (1)، أبان بن الأحمر (1)، جميل بن صالح (1)، كتاب رجال النجاشي (1)
2 - كتاب للحسن بن علي بن فضال المتوفي عام 224 ه.
3 - كتاب لأحمد بن محمد البرقي صاحب المحاسن المتوفي عام 274 ه (1).
4 - كتاب لأحمد بن محمد بن عمار وكتابه كبير في الممدوحين والمذمومين (2).
5 - كتاب لحميد بن زياد المتوفي عام 310 ه (3) 6 - كتاب لأحمد بن إسحاق في مسائل الرجال لابي الحسن الثالث (ع) الخ …
وقد تحصل مما ذكرناه بان دعوي أن لا رجال عندنا ولا مصنفات دعوي دافعها الهوي والتهمة من غير علم.
ورغم ذلك فإن معظم هذه الكتب لم تصل إلينا بما هي كتب منفردة ومستقلة وإنما وصلت عبر كتب جمع من الأصحاب يدور علي كلماتهم مدار التوثيق في عصرنا الحاضر.
وهي عبارة عن كتب خمسة:
* الأول - كتاب النجاشي وهو الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن علي بن العباس النجاشي المتوفي سنة 450 ه وقد ألف كتابه بعد تأليف الشيخ لكتابي الرجال والفهرست ولذا اتسم كتابه بالشمول والموسوعية فضلا عن أنه زاد عن الشيخ في ذكره طرفا من كني وألقاب ومنازل وأنساب الرواة ولعل منشأ ذلك كونه ذا اختصاص بالأنساب فقد ألف في ذلك كتابا كما نص عليه هو
(١) رجال النجاشي ص ٥٥ (٢) رجال النجاشي ص ٧٠.
(٣) رجال النجاشي ص ٩٦.
(٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: أحمد بن محمد بن عمار (1)، أحمد بن محمد البرقي (1)، أحمد بن إسحاق (1)، علي بن العباس (1)، حميد بن زياد (1)، علي بن فضال (1)، الوفاة (3)، كتاب رجال النجاشي (3)
نفسه في ترجمة نفسه (1).
ومن هنا صدرت الأقوال في حقه بأنه أعرف علماء الرجال وأضبطهم بل عبر عنه بعض المتأخرين (2) ب (أحد المشايخ الثقات والعدول الاثبات من أعظم أركان الجرح والتعديل وأعلم علماء هذا السبيل أجمع علماؤنا علي الاعتماد عليه وأطبقوا علي الاستناد في أحوال الرجال إليه وبتقديمه صرح جماعة من الأصحاب ونظرا إلي كتابه الذي لا نظير له في هذا الباب) (3).
وزاد آخر بأن هدف النجاشي من تأليف كتابه هو تصحيح وتصويب كتاب الفهرست للشيخ الطوسي.
ولما عرفته ذهب جمع إلي تقديم قوله علي قول الشيخ حين التعارض.
* الثاني - كتاب رجال الشيخ الطوسي وهو شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفي سنة 460 ه.
وينقسم الكتاب بحسب الرواية والراوي إلي قسمين:
أ - لمن روي عن أحد الأئمة أو النبي (ص). ولذا نجده قد كرر ترجمة شخص في موقعين أو أكثر بحسب صحبة الرجل لعدد من الأئمة (عليهم السلام).
ب - لمن لم يرو عنهم (ع). والذي يتأمل في كتابه يجده قد راعي الاختصار جدا فيه واقتصر علي تعريف الراوي مع بعض الكلمات إن وجدت مما يدل علي قدح أو مدح.
* الثالث - الفهرست وهو للشيخ أيضا وقد جمع فيه نحوا من تسعمائة
(١) رجال النجاشي ص ٧٤.
(٢) هو السيد محمد مهدي بحر العلوم في فوائده الرجالية.
(٣) رجال النجاشي ص ٥١.
(٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، محمد بن الحسن الطوسي (1)، الشيخ الطوسي (2)، الوفاة (1)، كتاب رجال النجاشي (2)
اسم من أسماء المصنفين وهو أوسع بكثير من حيث التفصيل وذكر الكتب والأحوال للمترجم لهم من رجاله.
فإنه قد أورد لكل من ترجم له كتابا أو أصلا. وبين في بعض الموارد بأن كتابه معتمد.. إلي غير ذلك مما يمتاز به هذا الكتاب.
* الرابع - اختيار معرفة الرجال وأصله كتاب رجال الكشي الا ان الشيخ اختصره وسماه بالاسم المعنون له وهذا الكتاب يمتاز بذكره للروايات بأسانيدها الدالة علي أحوال وأوضاع الرواة وما ورد فيهم من قدح أو مدح.
وهو كتاب نفيس من نوعه نظرا لما يعكسه من وقائع حية لحياة الأئمة وأصحابهم وأما كتاب الكشي الأصل فلم يصل إلينا بل ادعي بعض عدم وصوله حتي إلي زمن العلامة فضلا عمن تأخر عنه.
كما أن كتاب الكشي متقدم علي سائر الكتب الأربعة تأليفا لان وفاة الكشي في الربع الأول للقرن الرابع تقريبا.
* الخامس - رجال البرقي لمؤلفه أحمد بن محمد البرقي صاحب المحاسن المتوفي عام 274 ه.
وهذا الكتاب ليس بهذه المعروفية كسوابقه بل ولا أهمية له تذكر لعدم تعرضه للتوثيق أو التضعيف إلا نادرا جدا.. فإنه اقتصر فيه علي ذكر الطبقات بلحاظ أصحاب كل إمام ولذا تنحصر فائدته في ذلك مضافا إلي معرفة بعض المهملين الذين قد يتعرض لذكرهم دون غيره.
وهذه الكتب رغم أهميتها بالنسبة إلينا تعتبر نموذجا بدائيا في البحث الرجالي بل هي عبارة عن نوع نقل وشهادة لجملة من الوقائع والأحوال.
وهي رغم ذلك تشكل مادة للبحوث التي لحقت عصر أولئك العظام.
هذه هي جملة الكتب المعتمدة في حركة البحث الرجالي. ويضاف إليها
(٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب رجال الكشي (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)، أحمد بن محمد البرقي (1)، الشهادة (1)، الوفاة (1)
ما قد يستفاد من شهادة ونقل بعض القدماء الذين يعتد بأقوالهم بوثاقة أو ضعف شخص ما. فإنهم وكالشيخ المفيد والصدوق وغيرهما ضمنوا كتبهم أو بعضهم نماذج مما ذكرناه.
واما كتاب ابن الغضائري الذي يستشهد بأقواله جمع من الاعلام كالعلامة وابن داوود وغيرهما فهو مما لم يثبت لدينا.
وذلك لان هذا الكتاب مردد النسبة بين كونه لأحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري كما عليه المشهور وبين كونه لوالده الحسين بن عبيد الله أحد مشايخ النجاشي والطوسي معا.
إلا أن الظاهر أن هذا الكتاب للأول وقد اندرست معالمه وان الموجود في زمان العلامة هو كتاب آخر يحتمل جدا انه من وضع وافتراءات الوضاعين بل جزم بذلك بعض الأصحاب ويشهد لذلك ان النجاشي عندما تعرض لذكر شيخه الحسين ترحم عليه وذكر كتبه المتعددة ولم يقل أن منها كتاب في الرجال وقال أن تاريخ وفاته هو 411 ه (1).
واما الشيخ فمن عجيب ما وقع له انه ذكر في رجاله (الحسين بن عبيد الله الغضائري يكني أبا عبد الله كثير السماع عارف بالرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرست.. مات سنة 411 ه) (2).
مع اننا بمراجعة الفهرست لم نعثر علي أي ترجمة للحسين بن عبيد الله الغضائري.
نعم ذكر في أول الفهرست بعد تعرضه لعدم وجود كتاب عند الأصحاب جامع لجميع التصانيف وما رووه من الأصول (.. إلا ما قصده أبو الحسن أحمد بن الحسين بن عبيد الله (رحمه الله) فإنه عمل كتابين أحدهما ذكر فيه
(١) رجال النجاشي ص ٤٧٠ (2) فهرست الشيخ ص 2.
(٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: أحمد بن الحسين بن عبيد الله (1)، الحسين بن عبيد الله (1)، ابن الغضائري (1)، أحمد بن الحسين (1)، الشهادة (2)، الموت (1)، كتاب رجال النجاشي (1)
المصنفات والآخر ذكر فيه الأصول واستوفاهما علي مبلغ ما وجده وقدر عليه غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو رحمه الله وعمد بعض ورثته إلي إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب علي ما حكي بعضهم عنه) (1).
وما ذكره هنا مغاير جزما لما ذكره في رجاله لان كنية الحسين هي أبو عبد الله وكنية الابن كما في الفهرست أبو الحسن.
وعليه فان أريد من النسبة نسبة الكتاب إلي الأب ففيه ان الشيخ والنجاشي معا لم يتعرضا لذكر كتاب له من هذا القبيل مع أنه شيخهما وخصوصا أن النجاشي ذكر جملة كتبه.
وأما ما ذكره في رجاله مع فهو عدم صراحته في وجود كتاب له في هذا الفن قد عرفت حال هذه الدعوي.
واما ان أريد من النسبة نسبته إلي الابن كما عليه المشهور فبعد النسبة أوضع لوجوه أربع:
الأول - عدم تعرض الشيخ والنجاشي لذكر الابن أصلا ولذا حكم جمع من الأصحاب بجهالة الرجل وعدم وضوح حاله.
وأما ما ادعاه بعض من ظهور عبائر الفهرست في مدح الرجل وبيان جلالته حيث قال في المقدمة (.. ولما تكرر من الشيخ الفاضل أدام الله تأييده..) فغريب جدا لأنه عندما تعرض لذكر أحمد في المقدمة ترحم عليه ونص علي موته وفي هذه العبارة نص بما يدل علي حياته مما يدل علي تغاير الشخصين المذكورين وأن دوام التأييد يعود لغير أحمد بن الحسين.
الثاني - أن الشيخ نفسه قد صرح في الفهرست بتلف الكتابين وبعدم
(١) رجال النجاشي ص ١١٢.
(٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، أحمد بن الحسين (1)، الموت (1)، كتاب رجال النجاشي (1)
استنساخهما من قبل أحد من الأصحاب.
الثالث - أنه لو سلم استنساخ أحد من الأصحاب لهذين الكتابين ولو لنقل النجاشي في غير مورد عن أحمد بن الحسين فإن عبارة الشيخ لا تدل علي وجود كتاب خاص بالضعفاء كما يريد الناسب إثباته بل إن صريح لفظه يغاير الدعوي حيث صرح بأن أحدهما في المصنفات والآخر في الأصول.
الرابع - أنه لو سلم دلالة لفظ الشيخ علي المدعي فإنه من غير المعلوم ان الكتاب الذي وصل ليد العلامة وابن داوود وابن طاووس هو نفس الكتاب الأصل نظرا لانقطاع خبره وعدم شيوع أمره في الفترة ما بين زمان الشيخ وزمانهم.
ومما يؤكد ذلك أمران:
الأول - تضارب واختلاف الألفاظ المنقولة عن هذا الكتاب فمن قبيل المثال ما ذكره النجاشي في ترجمة الخيبري بن علي الطحان قال (كوفي ضعيف في مذهبه ذكر ذلك أحمد بن الحسين فقال في مذهبه ارتفاع) (1).
بينما نجد في الكتاب المنسوب إليه تعبيرا آخر حيث ورد فيه (كوفي ضعيف الحديث غال المذهب.. لا يلتفت إلي حديثه) (2).
وتغاير التعبيرين واضح الظهور.
وكذا حصل في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك فقد ذكر النجاشي فيه (قال أحمد بن الحسين كان يضع الحديث وضعا ويروي عن المجاهيل) (3).
(١) مجمع الرجال - قهبائي ج ٢، ص ٢٧٥.
(٢) رجال النجاشي ص ٨٨.
(٣) رجال النجاشي ص ٨٨.
(٣١)
صفحهمفاتيح البحث: جعفر بن محمد بن مالك (1)، أحمد بن الحسين (3)، خيبري بن علي (1)، كتاب رجال النجاشي (2)
بينما ورد في الكتاب المنسوب (كذاب متروك الحديث جملة وكان في مذهبه ارتفاع ويروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الطائفة مجتمعة فيه) (1).
إلي غير ذلك مما يلاحظه المتتبع …
الثاني - كثرة التضعيفات الواردة فيه بحيث سرت إلي بعض العيون الذين لا يترقب فيهم ذلك كأحمد بن مهران شيخ الكليني والذي كان يترحم عليه.
كما أن تعابيره في التضعيف فاقت جدا غمزا وطعنا عما يذكره النجاشي أو الشيخ مع تساوي عهودهم. وكذا فان الكتاب قد ورد فيه تضعيفات في حق من لم يرد فيهم ما يدل علي ضعف أو ذم.
نعم إن دعوي غمزه في أجلة الطائفة وعيونها وثقاتها بهذا الشمول مما لم نتحقق صحته بعد المزيد من الفحص والاستقراء فعهدة دعواها علي مدعيها.
وعلي كل حال فلم يتحصل لدينا وجه معقول لقبول هذا الكتاب وجواز الاعتماد علي ما فيه.
ثم إن الكتب الخمسة المتقدمة وكما قلنا شكلت مع غيرها من الكتب مادة لبحوث رجالية تطورت مع الزمن لتصبح فيما بعد وعند الجل علما موضوعيا ذا قواعد ثابتة وأسس محددة كما هو الحال في زمن المحقق والعلامة والشهيد الثاني (رض).
وقد ذكرت في هذه البحوث وجوه كثيرة ومتنوعة لاثبات المدعيات ونقض المثبتات بلون من النقض والابرام.
بل انها عرفت تقسيمات جديدة علي صعيد الراوي والمروي كتقسيم
(1) مجمع الرجال - قهبائي ج 1، ص 42.
(٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، أحمد بن مهران (1)
الحديث بلحاظ راويه إلي أربعة أقسام:
1 - الصحيح وهو ما اتصل سنده إلي المعصوم بنقل الامامي العدل عن مثله في جميع الطبقات.
2 - الحسن وهو ما اتصل سنده كذلك بإمامي ممدوح من غير نص علي عدالته.
3 - الموثق وهو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب علي توثيقه مع فساد عقيدته وشبه ذلك.
4 - الضعيف وهو ما لا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة …
إلي غير ذلك من الأسماء التي أضافوها بهذا اللحاظ مع الاختلاف في تحديد حقيقتها (1).
وكتقسيم الحديث بلحاظ وضع السند والنسبة من غير ما يرجع إلي صفات الراوي إلي أقسام عديدة كالمسند والمتصل والمرفوع والمعنعن والمعلق والمفرد والمدرج والمشهور والمصحف والعالي والشاذ.. وإلي ما يقرب من ثلاثين اسما من الأسماء.
وهكذا يتضح ان البحث الرجالي يزداد تطورا ووضوحا مع تطور وتقادم الزمن بل يزداد قيمة من حيث الاعتبار إلي درجة توجب الركون والتسليم ببحوث جمع من الأصحاب.
ومن هنا قبلنا توثيقات بعض المتأخرين في الجملة كما ستعرف ذلك مفصلا فيما بعد.
(1) منتقي الجمان - ج 1 - المقدمة الفائدة الأولي.
(٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب منتقي الجمان للشيخ حسن صاحب المعالم (1)

النقطة الثانية - حقيقة البحث الرجالي

النقطة الثانية في حقيقة البحث الرجالي جري الكثير من الكتاب في دراية الرجال والباحثين عن أحوالهم وأوضاعهم لما يعود لجهة اعتبار أقوالهم وعدمه إلي عنونة بحوثهم بعنوان له مدلول العلم والقانون المحدد.
وهذه العناوين علي اختلافها جعلت البحوث الرجالية مصاديقا لعلم مستقل علي حد سائر العلوم التي لها موضوعها الخاص وقوانينها الخاصة.
فتارة تعرف بأنها علم يقتدر به علي معرفة أحوال الخبر الواحد صحة وضعفا وما في حكمها بمعرفة سنده ورواة سلسلته …
وتارة تعرف بأنه العلم الباحث عن رواة الأخبار الواردة عن رؤساء الدين من حيث الأحوال التي لها مدخل في الرد والقبول.
وتارة أخري بأنها ما وضع لتشخيص رواة الحديث.. إلي غير ذلك من التعاريف التي أصبحت هذه البحوث خاضعة معها لهذه المقاييس والقواعد الداخلة تحت كبري علم الرجال.
صفحه(٣٥)
لذا تراهم يعللون تضعيف شخص ما وعدم العمل بما يرويه بأنه لم يوثق صريحا أو لم يثبت كونه شيخ إجازة أو وكيلا أو انه لم يقع في سند رواية أحد أصحاب الاجماع.
وكأن القضية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقاعدة بما هي قاعدة لا بما تكشف عنه مما سنوضحه ونبينه.
إلا أن هذا لا يعني اننا نريد ان نعدم الضوابط والمقاييس إذ بدونها لا يتصور الالتزام بوثاقة أحد من الرواة.
وإنما نريد قوله هو عدم وجود قانون أو قاعدة تعبدية صرفة أو ما أشبه ذلك يدور التوثيق والتضعيف مدارها وجودا وعدما.
وبعبارة أخري لا يوجد لدينا علم لدراية الرجال بالمعني الدقيق بل غاية ما ينبغي قوله هو ان البحث الرجالي يتعلق بدراسة أوضاع وأحوال كل شخص في عمود زمانه التاريخي وتجميع القرائن والملاحظات حوله بما يورث نوعا من سكون النفس واذعانها بصدق الرجل والتزامه الدقة والضبط وعدم تجرئه علي الوضع والافتراء والكذب وسواء سمي هذا الاذعان علما أم لا.
ولقد أجاد شيخ مشايخنا المفيد (قدس سره) حيث عرف العلم بأنه سكون النفس ومن هنا فإننا نلتزم بوجود فقه للرجال مرتبط ببحث ما تقدم بيانه وبأنه لا علم لدينا لدراية الرجال بما لهذه الكلمة من معناها الحرفي. ومن هنا قد يرد تضعيف في حق شخص ما مع اننا نلتزم بوثاقته والعمل برواياته نظرا لملاحظة القرائن والأحوال المرتبطة بذلك الشخص وحمل ما ورد فيه من تضعيف مثلا علي صورة ضعف العقيدة وفسادها وما شابه ذلك.
فالقرائن السلوكية والاجتماعية واللفظية تدخل كباب من الأبواب التي يعرف الرجل من خلالها.
صفحه(٣٦)
ورواية الاجلاء عن شخص تدخل في حساب احتمال صدقه.
وشهادة القدماء أو المتأخرين بأمانة آخر تدخل في حساب احتمال صدقه أيضا.
كما أن اطلاع الراوي علي أسرار المعصومين وأحوالهم الخاصة أو العامة فضلا عن كونه وكيلا من قبلهم يدخلان كعامل في إبراز هوية الراوي.
وأيضا فان كيف الرواية ونوعها ومدي انسجامها مع الخطوط العامة للتشيع ومع ظروف كل أمام وبحسب عصره تشكل عاملا مهما في اقتناص أمانة الراوي ورزانته ودراسة الحاضر بمقبول ما فيه ومستغربه تشكل أسا آخر لحكم ما علي راو ما فسهل بن زياد من باب المثال ممن ورد فيه تضعيف وذم ومع ذلك يلتزم بوثاقته لكونه من مشايخ الإجازة المعروفين والناقلين الناشرين لأحاديث أهل البيت (رض) إلي غير ذلك مما يدعو إلي القول بوثاقته كما انك ستعرف الحديث عنه مفصلا في الخاتمة.
وأيضا فقد يكون الذم تارة أحد قرائن صدق الرجل وعلو مقامه وشموخ شأنه مع ملاحظة سائر ظروفه وما قيل فيه.
فهذا زرارة بن أعين مثلا ممن ورد فيه اللعن والذم والتشهير (1) مع أنه من أجل الأصحاب وأبرزهم والذي ورد فيه أنه من أحب الناس إلي المعصوم وان الجنة تشتاق له وأن الشريعة كادت تندرس لولاه (2).
(1) منه ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (.. يا عمار أتعرف هذا الرجل؟ قلت لا والله إلا أني نزلت ذات ليلة في بعض المنازل فرأيته يصلي صلاة ما رأيت أحدا صلي مثلها ودعا بدعاء ما رأيت أحدا دعا بمثله فقال لي هذا زرارة بن أعين هذا من الذين وصفهم الله عز وجل في كتابه فقال: * (فقدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منشورا) * وفي غيرها ان الامام لعنه ثلاثا وفي آخر ان ايمانه عارية وأنه شر في اليهود والنصاري. الخ راجع اختيار معرفة الرجال - ص 151.
(2) كرواية عبد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حق زرارة ( … فإنك والله أحب الناس إلي وأحب أصحاب أبي حيا وميتا..) - اختيار معرفة الرجال ص 139.
(٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: زرارة بن أعين (1)، سهل بن زياد (1)، التصديق (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (2)، عبد الله بن زرارة (1)، عمار الساباطي (1)، اليهود، اليهودي (1)، الصّلاة (1)
فإنه بالنظر إلي جميع ما ورد فيه وبتأمله يظهر وجه القدح فيه خصوصا في تلك الظروف التي يؤخذ فيها الرجل علي الظن والتهمة ولمجرد احتمال ارتباطه بالأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
فإنه ليس إلا لاجل حفظهم ودرء المخاطر عنهم نظرا لجلالة أمرهم وأهميتهم العليا بالنسبة لأمور المذهب بحيث أريد من إبراز المذمة والقدح إيهام السلطة الحاكمة بعدم ارتباطه بالأئمة.
بينما لو أريد ان يتعامل مع هذه النصوص معاملة قانونية لأمكن دعوي وقوع التعارض بين هذه الروايات والتوقف في العمل بروايات عظيم من قبيل زرارة بن أعين (رض).
ومنه يظهر ان حقيقة البحث الرجالي من الحقائق الطبيعية الواقعية المرتبطة بملاكات واقعية من حيث البحث ومن حيث النتيجة المستخلصة ولا يوجد لدينا قانون الزامي أو قضايا جعلية تعبدية بأزيد مما عرفت.
ومن هنا قد يتحد أشخاص عدة في شخص واحد وإنما أو همت تراجمهم المتعددة ونتيجة بعض الاختلافات الجزئية كقول الرجالي في مكان انه بصري وفي آخر انه كوفي ان هناك عدة أشخاص بنفس الاسم واللقب والكنية مع أنه بملاحظة بعض الشواهد يتبين ان الجميع شخص واحد ذو أحوال متعددة وأوضاع مختلفة.
فبالحقيقة نحن بحاجة إلي دراسة عامة لكل مفردات الرجل الذي يراد توثيقه أو تضعيفه فلا تفريط بحيث تؤدي إلي المناقشة في الواضحات وذكر الوجوه نقضا وإبراما كما حصل مع الشهيد (قدس سره) حيث ناقش في دلالة لفظ الصدوق علي الوثاقة بحجة ان لها معني آخر تدل عليه.
ص 139.
(٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، الشيخ الصدوق (1)، زرارة بن أعين (1)، الحج (1)، الظنّ (1)، الصّلاة (1)، الشهادة (1)، الطهارة (1)
ولا إفراط يؤدي كذلك إلي توسعة دائرة التضعيف والتوثيق ولأي علامة تذكر أو بارقة تلوح.
بل إننا اعتمدنا في مبانينا المختارة علي مبني وسط بين المسلكين المتقدمين فإنا نهدف من خلال بحوثنا إلي تحصيل الاطمئنان والركون إلي وثاقة الشخص أو عدمه.
وعلي ذلك يبتني عملنا من حيث الاعتماد فتوائيا وفقهيا ولذا فإن ما تقدم من تقسيم الحديث بلحاظ راويه إلي صحيح وحسن وموثق وضعيف - مع عدم المشاحة في الاصطلاح - مما لا نؤمن به كمناط للعمل والاعتبار.
نعم اننا نعتمد الصحيح في حال تعارضه مع ما هو دونه صحة من باب ما ورد في أخبار العلاج في الاخذ بالأصدق والأعدل والأورع.. وهو أمر آخر …
صفحه(٣٩)

النقطة الثالثة - أهمية البحث الرجالي

النقطة الثالثة في أهمية البحث الرجالي وأهمية بحوث دراية الرجال لا تقل أهمية عن البحوث الأصولية لتوقف الاستنباط عليها كما يتوقف علي غيرهما وذلك لان جل الاحكام التي بين أيدينا وصلت عبر الروايات المسندة بأسانيد غير مقطوعة الصحة والاعتبار ويحتاج تنقيح الصحيح منها إلي نطر دقيق وعناية فائقة لمعرفة صحة الطريق إلي الراوية ليصبح إسنادها إلي المعصوم جائزا والعمل بمقتضاها مقبولا.
نعم قد لا يكون للمباحث هذه أهمية فائقة بالنسبة للمعاصرين للمعصوم سواء تلقوا الرواية منه مباشرة أو عبر واسطة واحدة وذلك لامرين:
الأول - كون الحديث مسموعا لديهم مباشرة من المعصوم واستفادة الحكم لا تحتاج إلي أكثر من سماعه وتدبره.
الثاني - شياع الاحكام آنذاك خصوصا ما كان محل ابتلاء لدي الأصحاب بحيث يسهل معرفتها وبغض النظر عن الناقلين ولسهولة الاطلاع علي الحقيقة من نفس المعصوم.
(٤١)
صفحهمفاتيح البحث: الوقوف (1)
ولذا نجد بعض الروايات تشير إلي هذا المعني كقوله (عليه السلام) (أنتم الفقهاء إذا عرفتم معاني كلامنا) فالفقيه آنذاك لا يحتاج إلي إعمال عناية بأكثر من التدبر في كلامهم (عليهم السلام) ومعرفة الحكم والمراد منه.
بينما يختلف الحال تماما في عصرنا إذ أن أهم الكتب الروائية الناقلة لاحكام الشريعة المطهرة عبارة عن الكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة.
وهذه الكتب قد وردت بأسانيد منها البعيد الواسطة ومنها القريب وما دامت غير قطعية الصدور أو صحيحة - كما هو المختار - توقف الاستنباط لا محالة علي إبراز بحوث وقواعد لتشخيص ما يعمل به من غيره، ولولا ذلك لتوقفت سفينة الاحكام والعمل بها إلا من خلال دعاوي أخر لا تنفك محتاجة إلي هذه البحوث من قبيل الدعوي القائلة بانسداد باب العلم والعلمي بالنسبة للرجال. فإن أصحاب هذه الدعوي هم أيضا بحاجة إلي تشخيص المظنون من المشكوك والمحتمل الصحة ليعمل به من باب قاعدة الضرورات تتقدر بقدرها.
وهذا لا يتم إلا بملاحظة الأحوال المتعلقة بالرجال الواقعين في سند الأدلة.
ومن هنا تكون أهمية البحث الرجالي ذات قيمة عليا معتد بها ولذا جاز القدح في الراوي بإبراز الوضاع والكذاب وان استلزم هتك الستور أو إشاعة الفاحشة إلا أن ذلك لاجل صيانة الشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها ونفيا للكذب والخطأ عنها (1).
ولنعم ما ذكره العلامة في الخلاصة من أن العلم بحال الرواة من أساس الأحكام الشرعية وعليه تبتني القواعد السمعية يجب علي كل مجتهد معرفته
(1) البداية في علم الدراية للشهيد الثاني - ص 62.
(٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: الأحكام الشرعية (1)، الطهارة (2)، السفينة (1)
وعلمه ولا يسوغ له تركه وجهله (1).
وتتأكد أهمية البحوث الرجالية تبعا لما اخترناه من حقيقتها. واما علي ما يمكن ان يدعي من الالتزام بأصالة العدالة أو الوثاقة وثبوت الأولي منهما بظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق ومن دون شرطية الملكة وما قاربها كما نسب للشيخ في الخلاف (2).
أو دعوي أن الكتب الأربعة كلها صحيحة أو قطعية الصدور بل إن البعض التزم بوثاقة كل من له كتاب.
فإنه بناء عليه لن يكون للبحث الرجالي أهمية تذكر فدعوي قطعية صدور الكتب الأربعة لا تبقي مجالا لهذه البحوث بقدر ما تصبح القضية مرتبطة ساعتئذ بأخبار العلاج وبحوث التعادل والتراجيح.
نعم يبقي نحو مجال للبحث في خصوص الاحكام الواردة خارج الكتب الأربعة إن لم تسري الدعوي المذكورة إليها كما هو مبني البعض.
وأيضا فان ما التزم به جمع من الاعلام من تصحيح كل ما عمل به المشهور وان رواه الضعيف وترك العمل بما أهمله المشهور وان رواه الثقة الثبت يكاد يعدم دور هذه البحوث بالكلية إلا في خصوص الموارد التي لا شهرة فيها.
ووجه ذلك واضح من خلال دوران الاعتبار والعمل مدار هذه القاعدة وجودا وعدما إلا انك عرفت وفي طيات مباحثنا الأصولية عدم صحة هذه الدعوي كبرويا.
وغاية الامر فيما يتعلق بالبحث الرجالي ان الشهرة المذكورة تشكل رقما احتماليا مساعدا يضاف إلي ما أستفيد من ملاحظة وتتبع أحوال الراوي.
(1) الخلاصة ص 2.
(2) رجال الطريحي - ص 24.
(٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)
وكذا الحال عند كل من آمن بإمكان التعبد والجعل في الطرق والامارات ووقوع ذلك فإنه يمكنه اعمال قاعدة تعبدية في المقام لتوثيق الرواة أو تضعيفهم علي ما ستعرفه مفصلا - بينما علي ما اخترناه من حقيقة هذه البحوث وانها عبارة عن التتبع التاريخي لأحوال وسلوك الرجل يكون الامر دقيقا وشائكا وصعبا للغاية إذ اننا سوف نتعامل مع كل شخص مستقلا وعلي حده.
مما قد يجعل ولكل شخص من الرواة رسالة خاصة به ولذا تري ان من نحي هذا المنحي قد ألف رسائل مستقلة في أحوال جملة من الرجال كأبي بصير وبني فضال وقد يأخذ البحث بحال روا تبعا لظروفه ردحا من الزمن لاستقصاء النتيجة النهائية فذاك المجلسي الأول قد بحث في أحوال أبي بصير مدة أربعين سنة قائلا بأنه يتعذر أو يتعسر علي أحد الاطلاع علي ما اطلع إليه.
ومن هنا تندفع جملة من الاشكالات المطروحة لاثبات عدم الحاجة للبحث الرجالي تارة بدعوي لزوم فضح معايب الناس والتجسس عليهم مع صدور النهي عن ذلك شرعا نهيا مؤكدا.
وتارة بدعوي العلم الاجمالي بزوال العدالة ولو آنا ما عند كل الرواة أو جلهم خصوصا علي القول بأنها ملكة.
وتارة بدعوي عدم قبول شهادة الفرع عندنا إذ أن أرباب الرجال أخذوا تعديلاتهم وتضعيفاتهم من كتب أو شهادات غيرهم وهي غير مسموعة ولا محسوسة إلي غير ذلك مما قيل ويقال.
ووجه الاندفاع ما عرفت من أن الذي نملكه في الرجال للفقه أقرب منه للعلم وللبحث أقرب منه للقاعدة والقانون بحيث نتوخي من ذلك تحصيل الاطمئنان العادي وجعل النفس تركن إلي النتيجة المتحصل عليها من خلال البحث الرجالي.
سواء استلزم ذلك قدحا أو فضحا أو كانت النتائج مستخلصة من شهادة
(٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: أبو بصير (2)، العلامة المجلسي (1)، يوم عرفة (1)، النهي (1)، الشهادة (2)
الفرع أو الأصل.
وذلك صونا للشريعة كما عرفت ولجري العقلاء وفي مثل المورد المبحوث عنه علي مقتضي ما تركن إليه النفوس وتطمئن به القلوب.
(٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)

النقطة الرابعة - في صحة القول بالتعبد والجعل في الطرق وعدمها

النقطة الرابعة في صحة القول بالتعبد والجعل في الطرق وعدمها ساد بين المحققين في بحوثهم الرجالية والأصولية الحديث عن الجعل والتعبد في الطرق والامارات بحيث أصبح عند بعضهم من مسلمات الوقائع ثم اختلفت ألسنة تخريج ذلك نظرا لما أسسوه من أن جملة من الطرق ومنها خبر الواحد لا يفيد أكثر من الظن وانه لا سبيل للعمل بمقتضي هذه الطرق إلا بالتعبد.
وهذه النتيجة تنافت مع ما أسسه وأدركه العقل من عدم جواز العمل بالظن وترتيب الأثر عليه ناهيك من ذلك قوله تعالي: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * وقوله تعالي: * (ان الظن لا يغني من الحق شيئا) *.
وأيضا فإن الالتزام بتخصيص أو تقييد هذه القاعدة مما لا مجال للبحث فيه فضلا عن التصديق به إذ لا يعقل التخصيص أو التقييد في الاحكام والمدركات العقلية - ومن هنا اضطر بعض إلي الالتزام بجعل الظن علما تعبديا تنساق الحجية إليه بشكل تلقائي ومن دون مساس بالمحذور المتقدم مدعيا ان هذا من التصرف بموضوع حكم العقل لا بالحكم مباشرة.
(٤٧)
صفحهمفاتيح البحث: الظنّ (3)، الجواز (1)
واضطر آخر إلي الالتزام بما يشبه هذه المقالة من دعوي أن الشارع تمم كشف الامارة الناقص وجعله علما كما هو مقتضي بعض الأدلة من قبيل ( …
من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا..) إذ انه (عليه السلام) جعل الناظر في حلالهم عارفا بالاحكام ولو لم تثمر سوي الظن.
وذهب آخر إلي تبرير ذلك بما أسماه بالمصلحة السلوكية الناشئة من السير علي طبق الامارة والعمل بمقتضاه رغم عدم افادتها سوي الظن.
وكل ذلك نشأ من أصل الايمان بالتعبد والجعل في الطرق. وهذه الدعوي مرجعها بالحقيقة إلي دعوي جعل غير الواقع والناقص تكوينا كاملا وإسناد ذلك إلي الشارع بينما لا أصل ولا فرع لهذه الدعوي بل إن كل ما ورد عندنا مما ظاهره ذلك هو عبارة عن نوع إرشاد إلي جملة أمور واقعية ارتكازية ومناطات عقلائية ثابتة جري علي طبقها بني النوع قديما وحديثا وبغض النظر عن أي تعبد أو جعل.
فالجري علي طبق الطرق لا لجعل حجية لها في البين بل لكونها طرقا حقا وموصلة للواقع بنحو من الوصول المعتبر.
فحال القائلين بالتعبد المذكور حال القائل (أتعبدك بوجود الشمس) والحال إنها موجودة.
ان قلت - ان إفادة الخبر للظن ليست من جهة احتمال الكذب لينقض بأنه فرع عدم إحراز الوثاقة بل من جهة طرو السهو والنسيان عليه مما يجعل خبره لا يفيد أكثر من الظن.
قلنا - انه تارة يراد من ظنية خبر المخبر ان قيمة التصديق عندنا من اخبار الثقات هي الظن وتارة يراد منها اقتران الخبر دائما بما قد يمنع من انكشاف الواقع من سهو وغيره فلا يثمر معه سوي الظن.
(٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، الكذب، التكذيب (1)، النسيان (1)، الظنّ (5)، المنع (1)، السهو (2)
فإن أريد به الأول فدعوي حصول الظن وبغض النظر عن الثاني غير مسلمة لان الاطمئنان الحاصل من اخبار الثقات لا ينبغي التشكيك به.
وان أريد به الثاني فالدعوي تصبح أجنبية عن المدعي إذ أي ربط بين ان يفيد خبر الواحد اطمئنانا للنفس بصدق ما أخبر به وبين عدم انطباق ما أخبر به علي الواقع خارجا. لان مدار العمل علي الأول لا الثاني.
هذا فضلا عن بناء العقلاء علي أصالة عدم الغفلة والخطأ والنسيان لا من جهة تعبد من البين بل من جهة كونها ارتكازات وأصول عقلائية يعمل بها فيما شاكل هذه الموارد.
وبهذا تعرف ان كل ما يرد مما ظاهره التعبد بالطرق لا بد من حمله علي الارشاد إلي أمور ومرتكزات ثابتة يعمل العقلاء بها. بمقتضي سجيتهم وعلي جريهم الطبيعي ونذكر ههنا جملة مما قد يظهر منه ما أدعي مع الجواب عليه:
الأول - ما ورد بلسان لزوم الاخذ بما خالف العامة لان الرشد في خلافهم وهو عبارة عن روايات عدة:
منها - ما ورد في كيفية علاج الخبرين المتعارضين عن الصادق (عليه السلام) (.. فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما علي اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه) (1).
والجواب - ان كون الرشد في خلاف العامة هو من الحقائق الواقعية الثابتة في صقع الخارج ولذا يقول صاحب دلائل الصدق المظفر (رحمة الله عليه) اننا عندما نريد تضعيف رواية من روايات العامة نستشهد بأقوال رجالييهم حيث تبين ندرة وجود الخبر التام والصحيح عندهم وبالتالي لا رشد في رواياتهم من جهة عدم ثبوتها حقيقة وواقعا كما أن تعمد العامة مخالفة * (هامش) (1) الوسائل - ج 18 ص 84 حديث 29. (*)
(٤٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، الغفلة (1)، الصدق (2)، النسيان (1)، الظنّ (1)
الشيعة وعلي مر التاريخ يجعل ما عندهم قرينة علي صحة ما خالفهم عندنا.
ويشهد لذلك مرفوعة أبو إسحاق الجرجاني قال (قال أبو عبد الله (عليه السلام) أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة. فقلت لا أدري فقال:
ان عليا (عليه السلام) لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلي غيره إرادة لابطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الشئ الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلتبسوا علي الناس) (1).
وكذا يشهد له ما في معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما أنتم والله علي شئ مما هم فيه ولا هم علي شئ مما أنتم فيه فخالفوهم فما هم من الحنيفية علي شئ) (2).
وهذه الرواية صريحة جدا في أن مخالفتهم إنما هي لاجل انهم ليسوا في الحق والرشد في شئ واقعا لا تعبدا والبحث في لوازم الاستدلال اشكالا ودفعا مما ليس محله ههنا.
بل يمكن دعوي ظهور جملة (فان الرشد في خلافهم..) في بطلان ما عندهم حقيقة.
الثاني - ما ورد في الاخبار العلاجية أيضا بلسان لزوم الاخذ بالمجمع عليه وترك الشاذ النادر.
حيث قد يدعي التعبد بالأخذ فيما اشتهر بحيث كاد يكون إجماعا.
والجواب - ان جواز الاخذ ووجوبه ليس من جهة التعبد بذلك بل من جهة كون المجمع عليه حقا وصادرا واقعا ولذا فقد ورد في ذيل بعض الروايات المتعلقة بهذا الوجه (.. فان المجمع عليه لا ريب فيه) وهو تعليل صريح في نظره إلي ما ذكرناه.
(1) الوسائل - ج 18 ص 83 حديث 24.
(2) الوسائل - ج 18 ص 85 حديث 32.
(٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، أبو بصير (1)، أبو إسحاق الجرجاني (1)، أبو عبد الله (1)، الباطل، الإبطال (1)، الشهادة (1)، الجواز (1)
الثالث - ما ورد في الاخبار العلاجية أيضا من لزوم الاخذ بالأورع والأصدق والأفقه وما شاكل مما يتخيل منه تعبد الشارع بلزوم ذلك.
والصيح انه كسابقه وإنما لزم الاخذ بما ورد من باب أو ضحية الحق وشدة بيانه ولا شك في عمل العقلاء طبيعيا بما هو كذلك لو عارضه ما هو دونه وضوحا وبيانا.
الرابع - ما ورد بلسان الارجاع إلي الرواة ما ظاهره بدوا التعبد بالطرق والامارات لظهور الامر في ذلك وهو عبارة عن مجموعة روايات:
أ - ما ورد في رواية مسلم بن أبي حبة (.. فلما أردت ان أفارقه ودعته وقلت أحب أن تزودني فقال إئت أبان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا فما رواه لك فاروه عني) (1).
ب - ما ورد في بعض التوقيعات الشريفة (.. لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بأنا نفاوضهم سرنا ونحملهم إياه إليهم) (2).
والرواية وان سيقت بجمل خبرية إلا أن المراد منها - كما هو المدعي - عدم جواز التشكيك بما يرويه الثقة ولزوم الاخذ به تعبدا.
ج - ما رواه ابن المهتدي عن الرضا (عليه السلام) (.. اني لا ألقاك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني؟ فقال خذ عن يونس بن عبد الرحمن) (3).
د - ما ورد عن بعض المعصومين من قوله (عليه السلام) في حق بعض أجلة الرواة (.. أطع له واسمع فإنه الثقة المأمون).
(1) وسائل ج 18 ص 106، باب 11 حديث 30.
(2) نفس المصدر حديث 40 ص 108 باب 11.
(3) الوسائل ج 18 باب 11 ص 107 حديث 34.
(٥١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، مسلم بن أبي حبة (1)، أبان بن تغلب (1)، الجواز (1)
ووجه الاستدلال بها جميعا كما عرفت هو التمسك بظاهر الامر في لزوم الانصياع إليهم فيما يقولون وهو تعبير آخر عن الحجية التعبدية.
وفيه أن الامر إنما يحمل علي ظاهره فيما لا قرينة صارفة له عن ذلك وفي المقام نجد ان الإمام (عليه السلام) يعلل ما أمر به بعلل ارتكازية معهودة حيث عقب الامر بالطاعة بقوله.. (فإنه الثقة المأمون) مما يدل علي الإحالة علي أمر مركوز ولا ظهور معه في تأسيس نحو من أنحاء التعبد.
وكذا ما ورد في التوقيع الشريف حيث ذيل بجمل لا داعي لذكرها لو كان الامر علي ظاهره وإنما ذكرت لبيان ان المأمون ومن تركن النفس لخبره ممن ينبغي العمل بقوله كما هي العادة والمعهود.
وفي بعض الاخبار ما يدل دلالة واضحة علي ارتكازية العمل باخبار الثقات حيث ورد فيها (.. أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني) وما دامت العلل الارتكازية فلا بد أن يكون المعلل إشاريا وارشاديا إلي ما هو المركوز وكما يقال في غير موضع مما ناظر البحث.
ولذا نجد الفقهاء يعرضون عن الكثير من الاخبار للاطمئنان بعدم صحتها أو غير ذلك مع أن في سندها من لا مطعن فيه ولا مغمز.
ان قلت إن ما ذكرتموه غير مرة من إفادة الخبر للاطمئنان والعلم العادي وكما صرح به الحر العاملي في فوائده ينافي تقديم الأورع علي من هو دونه مع إفادة خبر الأخير للاطمئنان وكذا يورد علي المشهور عند طرحهم لرواية رواها الثقات والاجلاء.
قلنا - ان إفادة الخبر في نفسه للاطمئنان شئ ووجود خبر وقرينة أخري تنافيه شئ آخر فإن الاطمئنان بما هو سكون للنفس يعقل فيه التشكيك لكون السكون المذكور من الكليات ذات المراتب المشككة.
(٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: الشيخ الحر العاملي (1)، كتاب الثقات لابن حبان (2)، يوم عرفة (1)
ومن الطبيعي عقلائيا تقديم من يكون أدعي لسكون النفس وأشد لاطمئنان القلب مع كون الآخر داخل في كلي الاطمئنان.
ومما ذكرناه يتضح الحال في كثير من الروايات المتوهم منها وقوع التعبد خارجا خصوصا في جملة من المسائل الأخلاقية التربوية كما هو الحال فيما ورد من أن المؤمن لا يعتذر أو أنه لا يمل من طلب العلم عمره كله وغيرهما من الأدلة.
فإنها ليست واردة لاثبات حقيقة تعبدية بعدم صدور الاعتذار أو عدم الملل من التعلم من المؤمن لبداهة وقوع ذلك خارجا.
وإنما تنظر إلي بيان أمور واقعية ثابتة في نفسها من قبيل ان المؤمن الواقعي لا يترقب صدور الذنب منه لشدة استحكام ملكة العدل فيه والتزامه بتعاليم الشريعة ورسومها وكذا يقال في طلب العلم وما شاكلهما من موارد.
فإنها جميعا ترجع إلي ما بيناه وأوضحناه بما لا مزيد عليه. فتأمل جيدا.
* وبهذا يتضح ان البحث الرجالي لا يرجع إلي قواعد تعبدية وأسس الزامية بقدر ما هو تحصيل الاطمئنان والقرار النفساني بصدق الراوي وبهذا يندفع ما ذكره بعض من أن قبول قول الرجاليين لا يخلو من كونه لاحد وجوه:
اما من باب الحجية المستفادة من آية النبأ وغيرها وهي لا تدل علي أكثر من حجية خبر العدل أو قد يقال باختصاصها بباب الاحكام.
وأما من باب الشهادة علي الوثاقة والضعف ومعه يحتاج إلي التعدد كما في غير ذلك من الموارد.
وأما من باب حجية فتوي المفتي ومعه لا بد من توفر شروط المفتي.
وأما من باب حجية الظنون الرجالية للانسداد ومعه لا حجية لغير المظنون.
(٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: الشهادة (1)، الظنّ (1)
أو من باب رجوع أقوال الرجاليين إلي قول أهل الخبرة ومعه لا بد من إحراز كون الناقل من أهل الخبرة في هذا الفن فضلا عن عدم إفادة خبر الخبير للاطمئنان دائما بما يخبر ويحدس به.
ووجه الاندفاع ما عرفته من إننا نبغي في البحث الرجالي اقتناص أمانة الرجل ووثاقته وتحرزه عن الكذب فيما يرويه بنحو تسكن إليه النفس مما يجعل العمل علي طبق النتيجة المستخلصة من الأمور العقلائية الطبيعية والتي لم يثبت الردع عنها.
وبذلك تكون النتيجة العملية أوسع دائرة مما قيده في تقسيمه المتقدم.
(٥٤)
صفحهمفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)

فرع - في الانسداد واعتبار الظن الرجالي

فرع. في الانسداد واعتبار الظن الرجالي.
ومحصل هذه الدعوي يتبين من خلال مقدمة:
وهي ان باب العلم والعلمي قد انسد بالنسبة إلي ما يتعلق بالتوثيق والتضعيف من جهة بعد زماننا عن زمان الرواة أو لكون التوثيقات الصادرة عن القدماء لا يعلم أن منشأها الحس وان كانوا من قدماء الأصحاب كالشيخ والنجاشي والمفيد.
والعلم الاجمالي بوجود تكاليف الزامية لا بد من الخروج عن عهدتها لا ينحل إلا بعلم أو علمي والحال انسدادهما.
والعمل بكل ما ورد مظنونا كان أو مشكوكا أو محتملا مستلزم للعسر والحرج المنفيين بأدلة الشرع الحنيف.
ويدور الامر ساعتئذ بين العمل بالمظنون أو بالمشكوك والمحتمل مع تسليم كغاية كل منهما لحل العلم الاجمالي ولا ريب في تعين الأول وإدراك العقل لحجية العمل بالمظنون شرعا وهو نوع من التعبد المدرك سواء كان من باب الكشف أو الحكومة.
(٥٥)
صفحهمفاتيح البحث: الظنّ (1)
وقد ذهب إلي القول بالانسداد جمع غفير من الأصحاب.
وهذا القول لو تم يثمر في امكان الاعتماد علي المراتب الثلاثة الأخيرة من مراتب التوثيق الآتية في الباب الثاني من المقصد لحصول الظن منها غالبا بالوثاقة.
بينما لم نقبل ذلك علي المبني المختار وكما ستعرفه في محله.
إلا أن دعوي الانسداد فاسدة من جهات:
الأولي - ان القول بالتعبد في الطرق مما لا نقبله رأسا لأنه من جعل غير الواقع واقعا اللهم إلا أن يقصد من حجية العلم بالظن - مع تسليم الانسداد - مجرد إحراز المعذرية والأمن من العقاب لعدم سبيل إلي غير ذلك لحرج وعسر وما شاكل وهو أمر آخر.
الثانية - منع كبري هذه الدعوي من حيث النتيجة لأنها لا تثمر حجية مطلق المظنون بل إن الحجية خاضعة للمرتبة التي ينحل فيها العلم الاجمالي فقد يتطلب ذلك العمل بخصوص الظن الاعلائي أو قد يلزم العمل باخبار مشكوك الوثاقة وهكذا.
الثالثة - ان كبري هذه الدعوي مما لا نقلبها أساسا لعدم تسليم انسداد باب العلم والعلمي بل إنا ونتيجة ولما اخترناه من حقيقة البحوث الرجالية ندعي إمكانية حل العلم الاجمالي بالمقدار الذي يثبت لدينا إضافة إلي جهات أخري يحرز العلم بالحكم فيها لقرائن وامارات وأدلة لا تعود إلي الروايات وأخبار الآحاد.
الرابعة - ان نتيجة القول بالانسداد غير متعينة في نفسها لامكان تحصيل الظن من غير ما ورد في الرجال قدحا ومدحا إذ يمكن تحصيل الظن بل اليقين أحيانا من خلال عمل المشهور وعدمه ومعه لا تتعين حجية الظن الرجالي
(٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: المنع (1)، الظنّ (4)
بالمعني المراد.
وبهذا يتضح ان دعوي انسداد باب العلم والعلمي في باب الرجال مما لا يعود إلي محصل ولا يثبت بها نحو تعبد أو جعل شرعي قد يدعي في المقام.
هذا آخر ما أردنا إثباته في المقدمة.
صفحه(٥٧)

المقصد وما يشتمل عليه اجمالا

المقصد ويشتمل علي ثمانية أبواب:
الباب الأول - القول في أصالة العدالة والوثاقة.
الباب الثاني - القول في مراتب التوثيق والتضعيف.
الباب الثالث - في قيمة توثيقات الاعلام وأرباب الدارية.
الباب الرابع - في صحة دعوي وثاقة رواة جملة من الكتب وعدمها.
الباب الخامس - القول في وثاقة من روي عنه أحد أصحاب الاجماع.
الباب السادس - القول في تقديم الجرح علي التعديل وعدمه.
الباب السابع - القول في قطعية صدور الكتب الأربعة أو صحتها.
الباب الثامن - القول في جملة أمور أدعي دلالتها علي الوثاقة.
صفحه(٥٩)

الباب الأول - القول في اصالة العدالة والوثاقة

الباب الأول القول في أصالة العدالة والوثاقة وهذا البحث يفيد - لو تمت كبراه - في جملة موارد:
منها - ما لو كان الراوي مجهول الحال أو مهملا قد ثبت وجوده الزماني.
ومنها - ما لو ورد في الراوي ذم لا يعود لجهة الوثاقة.
ومنها - ما لو تعارضت الأقوال في الراوي قدحا ومدحا ولم نقل بترجيح أحدهما علي الآخر.
وهذان الأصلان يفترقان في أن أصالة الوثاقة لو تمت فلن تفيد الملتزمين بالعمل باخبار خصوص العدل كصاحب المدارك وغيره من الأصحاب وهذا بخلاف الأصل الأول فان تماميته تلازم تمامية الثاني كما لا يخفي لثبوت وثاقة من ثبتت عدالته بالأولوية.
فههنا بحثان:
(٦١)
صفحهمفاتيح البحث: الموت (2)، الجهل (1)

في أصل شرطية العدالة

* الأول - في أصالة العدالة.
* الثاني - في أصالة الوثاقة.
البحث الأول - في أصالة العدالة:
ويقع البحث في مقامين:
أ - في أصل شرطية العدالة في العمل بأخبار الرواة.
ب - في ثبوت الأصل المذكور.
أ - في أصل شرطية العدالة:
وقد حققنا ذلك في مباحثنا الأصولية وذكرنا انه لم يتم دليل علي اعتبار العدالة كشرط في جواز الاخذ برواية الراوي وان الوثاقة تكفي في جواز الاخذ وفاقا لجمع كثير من محققي المتأخرين بل وجمهور المتقدمين علي ما ادعاه الشيخ من عمل الطائفة بخبر الثقة المتحرز عن الكذب وان كان فاسقا في جوارحه ولا بأس بذكر نبذة مما قد يستدل به لاثبات شرطية العدالة وغايته أحد أمرين:
الأول - دعوي اشتهار العمل عند الأصحاب بخصوص خبر العدل دون غيره إلا انك عرفت عدم صحة هذه الدعوي لا قديما ولا حديثا أما الأول فلما تقدم من قول الشيخ (قده) واما الثاني فلاشتهار العمل باخبار الثقات بين المتأخرين بل كاد يكون إجماعا.
الثاني - التمسك بمفهوم آية النبأ المستفاد من قوله تعالي: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) * بدعوي أن الآية الكريمة تضمنت جملة شرطية ذات موضوع وحكم وشرط والحكم هو لزوم التبين والموضوع هو طبيعي النبأ والشرط مجيئ الفاسق به. وهي دالة بمنطوقها علي عدم حجية خبر الفاسق مطلقا وان
(٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، يوم عرفة (1)، الكذب، التكذيب (1)، الكرم، الكرامة (1)، الجواز (2)

في أصالة العدالة

* الأول - في أصالة العدالة.
* الثاني - في أصالة الوثاقة.
البحث الأول - في أصالة العدالة:
ويقع البحث في مقامين:
أ - في أصل شرطية العدالة في العمل بأخبار الرواة.
ب - في ثبوت الأصل المذكور.
أ - في أصل شرطية العدالة:
وقد حققنا ذلك في مباحثنا الأصولية وذكرنا انه لم يتم دليل علي اعتبار العدالة كشرط في جواز الاخذ برواية الراوي وان الوثاقة تكفي في جواز الاخذ وفاقا لجمع كثير من محققي المتأخرين بل وجمهور المتقدمين علي ما ادعاه الشيخ من عمل الطائفة بخبر الثقة المتحرز عن الكذب وان كان فاسقا في جوارحه ولا بأس بذكر نبذة مما قد يستدل به لاثبات شرطية العدالة وغايته أحد أمرين:
الأول - دعوي اشتهار العمل عند الأصحاب بخصوص خبر العدل دون غيره إلا انك عرفت عدم صحة هذه الدعوي لا قديما ولا حديثا أما الأول فلما تقدم من قول الشيخ (قده) واما الثاني فلاشتهار العمل باخبار الثقات بين المتأخرين بل كاد يكون إجماعا.
الثاني - التمسك بمفهوم آية النبأ المستفاد من قوله تعالي: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) * بدعوي أن الآية الكريمة تضمنت جملة شرطية ذات موضوع وحكم وشرط والحكم هو لزوم التبين والموضوع هو طبيعي النبأ والشرط مجيئ الفاسق به. وهي دالة بمنطوقها علي عدم حجية خبر الفاسق مطلقا وان
(٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، يوم عرفة (1)، الكذب، التكذيب (1)، الكرم، الكرامة (1)، الجواز (2)
كان ثقة. وبمفهومها علي حجية خبر غيره وهو خصوص العدل.
والشروط المطلوبة لثبوت المفهوم متوفرة لان الموضوع بحسب الفرض هو طبيعي النبأ والمحفوظ مع بقاء الشرط وعدمه وبالتالي لا تكون الشرطية هنا مسوقة لتحقيق موضوعها والجواب علي الاستدلال المتقدم يقع من وجوه عدة:
الأول - ان جعل موضوع الحكم بالتبين طبيعي النبأ غير متعين في الآية لاحتمال أن يكون الموضوع هو الفاسق والشرط هو المجئ بالنبأ ويكون انتفاء الشرط مساوقا لعدم النبأ والموضوع المحفوظ وهو الفاسق لا تثبت له حجية بما هو فاسق بل المتعقل ثبوتها لخبره المنفي بحسب هذا الفرض.
ان قلت إن هذا الاحتمال ساقط في نفسه لعدم تعقل كون الفاسق موضوعا للتبين بما هو.. قلنا إن ذلك يتجه فيما لو أرجعنا الحكم بالتبين إلي الفاسق بمعني لزوم الفحص عن أن فسقه مرتبط بجهة الاعتماد عليه من حيث الكذب والافتراء أم لا أم انه ليس كذلك ويكون التعليل في ذيل الآية شاهدا لهذا الاحتمال وتكون الآية بمنطوقها بصدد بيان ان الفاسق ليس موضوعا للاعتماد مطلقا ويكون الذيل مفصلا لمورد جواز الاعتماد وبعبارة أخري يكون نظر الآية لاثبات ذلك لا لنفيه عن غيره كي يتمسك بالمفهوم كما أنه يحتمل كون الموضوع هو خصوص نبأ الفاسق والشرط هو المجئ به ومع انعدام الشرط ينعدم الموضوع وتكون الآية من قبيل الجملة المسوقة لتحقيق الشرط ينعدم الموضوع وتكون الآية من قبيل الجملة المسوقة لتحقيق موضوعها وقد عرفت في بحوثنا الأصولية عدم وجود مفهوم للجمل المسوقة كذلك ومع عدم تعين أحد من هذه الاحتمالات الثلاثة تصبح الآية مبتلاة بالاجمال إن لم يدعي ظهورها في أحد الاحتمالين الأخيرين.
وثانيا - انه لو سلم انعقاد مفهوم لها بشرط أو وصف فإنما يتم لو لم يتصل بالجملة الشرطية قرينة تصرف المفهوم عن ظهوره في الاختصاص بخبر العدل وفي المورد توجد قرينة متصلة علي عدم اختصاص الحجية المدعاة
(٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، الجواز (1)
بالعدل وهي قوله تعالي في ذيل الآية المباركة الظاهر في التعليل (ان تصيبوا قوما بجهالة) مما يدل علي أن عدم الاعتداد بخبر الفاسق لجهة تأديته إصابة الناس بما هو غير محمود اعتمادا علي خبر من لا يركن إليه ولا يعتمد عليه.
وهذه العلة تجعل خبر الثقة خارجا عن دائرة المنطوق في عدم حجية خبر الواحد الفاسق مطلقا.
وذلك لان خبر الثقة مما اعتمده العقلاء قديما وحديثا وساروا علي مقتضي قوله ورتبوا الآثار العامة والخاصة عليه كما أن اعتماد خبره من المرتكزات الثابتة في ذهن العقلاء والمتشرعة علي السواء.
وهذا الارتكاز مع التعليل المتقدم يحتم حمل الامر الوارد بالتبين علي الارشاد إلي لزوم التثبت في أخبار غير المعتمدين.
وثالثا - انه لو سلم تمامية المفهوم وعدم قدح الوجه الثاني فيه فغايته ثبوت إطلاق في المنطوق وهو قابل للتقييد بالقرينة الارتكازية المتقدمة. فضلا عن أن الارتكازيات تشكل قرائن متصلة بالخطاب تمنع الاطلاق فيه من رأس.
ثم لو سلم انعقاد اطلاق في المنطوق يشمل الثقة وانعقاد المفهوم في حجية خصوص خبر العدل فيمكن تقييد اطلاق المنطوق بالمزيد من القرائن الدالة علي جواز الاعتماد علي أخبار الثقات وذلك لان مدلول المفهوم ذو صفة إيجابية تثبت عدم لزوم تبين خبر العدل ولا يتنافي مع ثبوت عدل آخر بقرينة منفصلة مستثنية من اطلاق المفهوم.
ورابعا - ان أصل الاستدلال بالآية علي شرطية العدالة ممنوع تبعا لما نقحناه أكثر من مرة بإفادة الخبر الصادر من الثقات للاطمئنان ولزوم التبين الوارد في الآية وسواء كان من باب الحكم أو من باب الارشاد مختص بموارد الجهل وعدم الوضوح والثبوت ومع دعوي إفادته للاطمئنان لا يبقي للفحص والتبين موضوع لخروج خبر الثقة عنه تخصصا …
(٦٤)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (2)، الجواز (1)

في أصالة الوثاقة

هذا تمام الكلام في المقام الأول.
المقام الثاني - في أصالة العدالة:
والبحث فيها يرتبط بالمباني المتصورة في حقيقة العدالة والمعقول منها ثلاث:
الأول - انها ملكة نفسانية راسخة من مقولة عرض الكيف النفساني.
الثاني - انها عبارة عن ظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق وينسب للشيخ في الخلاف (1) وهذا القول يتلاءم مع تفسيرين:
أ - ان يراد بعدم ظهور الفسق عدم ظهوره ولو من جهة عدم الاطلاع والفحص وهذا المعني هو الظاهر من العبارة.
ب - ان يراد بعدم ظهور الفسق عدمه بعد التثبت من حال الرجل من خلال تتبع أفعاله وملاحظة سائر مفردات سلوكه والتي تعكس بمجملها حالة فعلية ظاهرة هي ما يسمي بالعدالة ولعله مقصود الشيخ (قده).
الثالث - ما اخترناه من أنها حالة وسطي بين مؤدي القول الأول والظاهر من الثاني فلا يشترط رسوخها كملكة كما لا يكفي في تحققها مجرد عدم ظهور الفسق بالمعني الأول للمبني الثاني.
بل إن انعكاس تشريعات وقوانين الشريعة علي سلوك الفرد من خلال ممارسته لاحكامها كحضور الجماعات والمناسبات وما شاكل يعتبر شرطا في ثبوتها أو انكشافها به وبهذا تكون العدالة من الصفات الوجودية التي تحتاج إلي محرز وليست هي الاسلام مضافا لامر عدمي محض هو عدم الفسق وستعرف ان هذا يؤثر علي صحة وطبيعة الاستدلال القادم وعدمه.
(1) رجال الطريحي ص 19.
صفحه(٦٥)
وعلي أي حال فعمدة ما يمكن الاستدلال به لاثبات الأصل المذكور أحد أمور ثلاثة:
* الأول - التمسك باستصحاب عدم الفسق.. وتوضيحه.
ان العدالة وكما عرفت من الصفات الوجودية التي يصح ان ينعت بها المرء حقيقة وما يقابلها وهو الفسق كذلك. والراوي وإن لم يتصف قبل بلوغه بإحدي الصفتين لان الانعكاس الذي تثبت به العدالة فرع التكليف وكذلك بالنسبة للصفة الأخري.
إلا أن اتصافه بعدم الفسق - ان صح التعبير - ثابت فيجري استصحابه لاثبات العدالة لعدم الواسطة.
وجوابه:
* إن استصحاب عدم الفسق ان أريد به استصحاب عدم الفسق المحمولي الثابت قبل وجود الراوي فيرد عليه أمور:
أ - ان هذا الاستصحاب لا يجري في نفسه لكونه من الاستصحاب الأزلي ولان الأثر الشرعي مترتب علي العدم النعتي لا العدم المحمولي مباشرة.
ب - انه لو سلم جريانه فلا تثبت به العدالة لان المستصحب أمر عدمي محض إذ لا يعقل إرادة عدم الفسق بالمعني الوجودي المتقدم من الاحتمال الثاني لعبارة الشيخ مع فرض العدم قبل وجود الراوي.
* وان أريد من استصحاب عدم الفسق المحمولي إثبات عدم الفسق النعتي وبما هو وصف له بعد وجوده من جهة ان استمرار العدم المحمولي إلي حين وجود الراوي يلازم العدم النعتي فيرد عليه.
أ - انه في الأصل المثبت لان التلازم عقلي.
ب - ان العدم النعتي الذي يراد إثباته بالاستصحاب لا يلازم العدم
(٦٦)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)
النعتي بالمعني الوجودي فهو لو تم لا يثبت العدالة بالمعني المختار.
نعم بناء علي التفسير الأول لكلام الشيخ المتقدم وتمامية الأصل المثبت في نفسه يصح ذلك.
ومع ذلك فلا حاجة إليه لان عدم الفسق المشترط في العدالة علي المختار عند الشيخ بناء علي استظهاره من العبارة يكون ثابتا بالوجدان ولا معني لجريان الأصل لتثبيت ما هو ثابت. فضلا عن أن أدلة الأحكام الظاهرية مأخوذ في موضوعها عدم العلم والجهل.
* وان أريد من استصحاب عدم الفسق استصحاب عدمه النعتي وبما هو وصف للراوي فهو لا يتم من حين البلوغ علي المختار من أن العدالة أمر وجودي يكتشف من ظهور الانعكاس الشرعي علي السلوك العام للفرد.
وذلك لعدم إمكان اتصاف الفرد فيها إلا بمضي برهة زمنية تتفاوت بتفاوت الاشخاص بل ولو سلمنا ذلك من جهة إمكان ثبوت الانعكاس لحظة البلوغ نظرا لسلوك الفرد المتميز قبل البلوغ وعلي طبق مقتضيات الشريعة فإنه لا يجدي في جريان الاستصحاب نفعا.
أما بالنسبة للصورة الأولي فلان معني الفترة الزمنية المتفاوتة وبحسب الاشخاص يؤدي معها لاكتشاف العدالة وجدانا ولا معني معه للاستصحاب الأصل.
وأما بالنسبة للصورة الثانية فلانها أخص من المدعي ولا تؤسس أصلا يرجع إليه في جميع الافراد كما هو المدعي. ولكون العدالة مكتشفة وجدانا كذلك مع عدم الشك نعم يرد بناء علي التفسير الأول لعبارة الشيخ زيادة علي ما ذكر أن الاستصحاب المذكور من الأصل المثبت لأنه لو تمت الملازمة بين عدم الفسق النعتي بالمعني المذكور وبين العدالة فلا تكون إلا عقلية كما لا يخفي.
(٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: الجهل (1)، الموت (1)
* الثاني دعوي عمل الأصحاب في قبول واعتبار الرواة بحسن الظاهر الكاشف عن سلامة الباطن مما يدل علي التزامهم بأصالة العدالة.
وقد تقدم بطلان هذه الدعوي كبري وصغري.
أما صغري فلعدم ثبوت ذلك كيف لا وقد أتعب الرجاليون والفقهاء كالشيخ والنجاشي وغيرهما أنفسهم ردحا من الزمن في تنقيح مجهول الرواة من معروفهم وعدلهم من فاسقهم ولو ثبت ما ذكر لكفاهم ذلك مؤنة البحث وكلفة الطلب.
وأما كبري فلأننا لا نلتزم بثبوت ما أثبته المشهور ما لم يورث لنا يقينا بصحة الاستناد وتمام المبني خصوصا في مثل المقام حيث يعلم مدركهم ومدار استنادهم.
ثم إن حسن الظاهر المذكور في الاستدلال مجمل من حيث المراد فان أريد منه حمل ما ظهر من الرواة مما يحتمل الحسن والقبح علي الحسن فهو وان صح اجمالا إلا أنه أجنبي تماما عن أصالة العدالة وما نحن فيه.
وان أريد منه حمل الحسن ظاهرا علي الحسن الواقعي بعد التثبت من الحسن والصحة فهو عبارة أخري من العدالة المكتشفة ولا ربط له بأصل موضوعي يثبت في الراوي من حين بلوغه.
الثالث - استفادة ذلك من مجموع النصوص الواردة بلسان لزوم حمل الناس علي الأحسن والأفضل ولزوم تصديق المؤمن وبلسان مدح المؤمن الاذن المصدق كما ورد في حق نبينا عليه وعلي آله أفضل السلام في قوله تعالي: * (ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) * (1) وغير ذلك من الألسنة المشابهة.
(1) سورة التوبة، الآية: 62.
(٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: مسألة الحسن والقبح (1)، الباطل، الإبطال (1)، الجهل (1)، الأذان (2)، سورة البراءة (1)
وجوابه - ان المستدل به أجنبي تماما عما نحن فيه.
فحمل فعل المسلم أو المؤمن علي الأحسن والأفضل شئ وأصالة العدالة شئ آخر فالأول يجري في أفعال وممارسات المسلم المحتملة لوجوه من المحامل والثاني يجري ولو لم يظهر منه أي عمل والصحيح ان هذه الألسنة عبارة عن أحكام أخلاقية تربوية ولذا لا يصدق المؤمن بل ولا الصديق لو قامت بينة علي عكس مقالته ودعواه بل انها عبارة عن نصائح وإرشادات إلي كيفية التعامل الاجتماعي ولزوم التغاضي عن تبني الاحتمالات السيئة فيما تردد وجهه إدامة لاجتماع بني النوع وتخفيفا لمشاكلهم وهي من المسائل التي لها جنبة ملاكية واقعية ومن دونها لا يسلم مجتمع من الحروب والفتن والدمار والخراب.
ومما يؤيد ذلك ما ورد في بعض الأدلة بلزوم تصديق المؤمن علي قوله ولو شهد عليه خمسون قسامة بخلاف مقالته مع أن هذا خلاف المجمع والمتسالم عليه بل انه بصدد بيان ضابطة أخلاقية في مقام التعاطي وانه لا يحسن للمسلم مواجهة أخيه بالتكذيب والتشكيك والذم رغم نفيه وتكذيبه وكذا يقال في الآية المباركة.
وأين هذا من أصالة العدالة التي يراد بها ترتيب آثار يقوم عليها بنيان الشرع القويم والدين الحنيف.
البحث الثاني - في أصالة الوثاقة:
ولا يراد بالوثاقة هنا ما قابل الكذب بمعني ان كل غير كاذب ثقة. بل إن المراد منها يتضح مما سبق من أن الوثاقة كالعدالة من الصفات الوجودية المنتزعة من حقيقة خارجية فإن عدم الكذب وإن كان أمرا عدميا إلا أننا لا نكتفي به. لاثبات الوثاقة لشخص ما.. بداهة ان البالغ مثلا لا ينعت بالوثاقة ولو لم ينطق بكلمة.
(٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: العدل الإلهي (1)، الكذب، التكذيب (2)، الشهادة (1)
ولا عقلا.
مع انك عرفت كون ديدن الناس والعقلاء علي العمل باخبار الثقات وترتيب الآثار المختلفة علي مقتضيات اختباراتهم وليس ذلك إلا لركون نفوسهم إلي اخبارهم.
- ومن مجموع ما ذكر يتحصل ان دعوي إثبات الوثاقة كأصل في الراوي دونها خرط القتاد.
كما أن عدم صحة ذلك لا تلازم ثبوت أصالة الكذب في المخبر لما عرفت من أن كلتي الصفتين من المعاني الوجودية المحتاجة إلي مثبت من خلال تتبع أحاديث الراوي وملاحظة مفردات سلوكه.
ومن هنا تراهم في بحوثهم الرجالية ينعتون من لم يتحقق حاله بالمجهول أو المهمل -.
ان قلت إنه يلزم من عدم انطباق مفهوم الوثاقة ولا مفهوم الكذب علي البالغ ارتفاع النقيضين وهو من المحالات الأولية.
قلنا إن الوثاقة لا يقابلها الكذب تقابل النقيض لنقيضه ليلزم ارتفاعهما معا بل وكما عرفت أن الكذب من الصفات الوجودية أيضا وإنما الكذب يقابل عدمه. وعدمه أيضا أعم من ثبوت الوثاقة وعدم ثبوتها.
وذلك لان عدم الكذب يلائم العدم فيمن لم يتكلم أصلا أو تكلم بما لا يكفي لبيان حاله أو من اقتنصت الوثاقة من مجموع سلوكه وفعاله.
- ان قلت - ان لازم دعوي كون الصدق والكذب من الحقائق الخارجية التي لا تنالها يد الجعل والاعتبار بل هي موجودة بواقعها ينافي قولكم بإمكان انتفاء الصفتين عن الراوي ولو واقعا قلنا إن الحقائق الخارجية علي قسمين:
الأولي - حقائق خارجية لا تنالها يد الجعل إلا أن ادراكها يكشف عن
(٧٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، يوم عرفة (3)، الكذب، التكذيب (6)، الصدق (1)
وجودها السابق المتقرر في صقع الواقع كسائر الكليات العقلية من قبيل قضية (النقيضان لا يجتمعان) وغيرها فادراكها ليس إلا طريق للكشف عن ثبوتها ووجودها الخاص والمستقل.
الثانية - حقائق خارجية لا تنالها يد الجعل إلا أن ادراكها لا يكشف عن وجودها دائما كصدق الراوي في مورد فإنه لا يلازم وجد صفة الوثاقة تبعا لما سلكناه في معناها وكيفية تحققها.
نعم لو تتبعنا أحوال شخص ما فقد تنكشف لنا وثاقته وفي نفس الوقت يقبل الاتصاف بها لا قبله.
فتحصل ان واقعية الصفتين لا تعني ثبوت أحدهما علي كل حال خصوصا أنهما ليسا من قبيل الضدين) اللذين لا ثالث لهما. نعم يرد هذا الاشكال لو كانت من الحقائق المندرجة في القسم الأول مع عدم فرض حالة ثالثة وهو كما تري.
صفحه(٧٣)

الباب الثاني - في مراتب التوثيق والتضعيف

الباب الثاني في مراتب التوثيق والتضعيف - لما كنا بنينا علي عدم ثبوت الجعل والتعبد في الطرق أو في قواعد أخري أسست أو قوانين نقحت كان لهذا البحث فائدة جلية إذ لن يكون ما ظاهره التوثيق علامة علي الصدق مطلقا ولا التضعيف علامة علي الكذب كذلك.
بل رب لفظ ينساق منه بدوا معني ما أو قد نص أرباب الأصول والمعاجم علي معني معين له إلا أنه بالتأمل يظهر له معني مغاير لما ذكروه وذلك من خلال تتبع القرائن الحالية واللفظية الروائية وغيرها وسائر ما هو مكتنف وملابس للالفاظ الصادرة والدالة علي المدح أو القدح.
فلا بد لتحصيل المراد الجدي والنهائي من التدقيق في مناسبات الاستعمال والغرض منه وملاحظة السير التأريخي لاستعمال الألفاظ والتحولات العامة التي شهدتها العصور الغابرة وان بقيت الألفاظ حاليا علي معناها التي وضعت له أساسا. ولا بأس بذكر مقدمة تتعلق باللفظ والمعني وكيفية تحصيل المراد.
(٧٥)
صفحهمفاتيح البحث: الصدق (1)، الشهادة (1)
نقول إن حقيقة الاستعمال هي إيراد اللفظ كمرآة لإرادة معناه بحيث يكون فانيا ومندكا فيه.
ان قلت إن الألفاظ الحاصلة من اصطكاك حجرين وما شاكل كالنائم والمجنون ومن لا قصد له كذلك هي ضرب من الاستعمال.
قلنا هناك فرق بين الايراد والورود فالاستعمال نحو إيراد اللفظ لإفادة المعني وبعبارة أخري فان قصد الافناء دخيل في الاستعمال شرطا أو شطرا ومن هنا لا يكون تلفظ النائم وشبهه من الاستعمال في شئ.
وان قلت إن ما ذكرتموه مخالف لتبادر المعاني من الألفاظ مطلقا ولو صدرت من النائم والساهي والمجنون.
قلنا إن هذا أجنبي عن الاستعمال فان تبادر المعني من اللفظ فرع عملية الاقتران الشديد والمؤكد بين اللفظ والمعني بحيث يصبح في البين أنس ذهني بينهما ينتقل الذهن من أحدهما إلي الآخر وهو ما يسمي بالتبادر.
إلا أن هذا ليس استعمالا ولذا لا يذهب عاقل إلي تسمية التلفظ الناشئ من اصطكاك حجرين استعمالا مع حصول التبادر وكما عرفت.
وفي هذه المرتبة المسماة بالاستعمال يتعلق المجاز كما تتعلق بها الحقيقة لان المجاز هو قصد افناء اللفظ في غير ما هو له وغير ما يعكسه اللفظ أولا وبالذات. لا يقال ان قصد الافناء يلازم إرادة إفهام المخاطب ولو باحضاره صورة اللفظ في ذهنه مع أنه ربما يتكلم بكلام مع نفسه وتحضر صورته في ذهنه تلقائيا من دون وجود أي مخاطب …
لأنه يقال ان قصد الاخطار منفك عن قصد الافناء فرتبة الكلام حال الاستعمال رتبة أولي وهي مغايرة لقصد اخطار المعني في ذهن السامع فإنه يقع في الرتبة الثانية.
(٧٦)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، الضرب (1)

مراتب التوثيق

كما أنه ليس كل قاصد لاخطار معني ما يريده بالمراد الجدي والنهائي ولذا صح قصد اخطار ألفاظ بمعانيها الحقيقية مع قرائن تدل علي مجازية المراد فقصد الاخطار أجنبي عن المراد النهائي وان كان كلا منهما منتزعا من حال المتكلم وسياق كلامه.
فالمراد الجدي يقتنص كمرتبة أخيرة للكلام من حيث المراد.. وهو متطابق غالبا مع قصد الاخطار من جهة غلبة تطابق المذكور والمراد. ومن هنا يعبر عن ذلك بأصالة التطابق بين المدلول التصديقي الأول والمدلول التصديقي الثاني أي المراد الجدي والنهائي.
إلا أن هذه الأصالة والتطابق ليس إلزاميا ومن هنا نشأت أهمية البحث في الألفاظ فان المراد يتكيف بنوع وكيف القرائن التي تسانح اللفظ وتلابسه.
ومن هنا كانت لا بدية البحث في كل لفظ وفي حق كل راو علي حدة لاكتناف اللفظ الواحد بملابسات في مواضع لا توجد في غيرها.. وبحسبها تختلف النتيجة المستنبطة من لفظ واحد بحسب اختلاف الموارد.
وبعد هذا يقع البحث في مقامين:
المقام الأول - في مراتب التوثيق.
المقام الثاني - في مراتب التضعيف.
المقام الأول - في مراتب التوثيق:
وهي كثيرة جدا بتكثر الألفاظ الواردة إلا أننا سنذكر أربعا منها ويمكن إرجاع أغلب ما فيه دلالة علي الوثاقة إليها.
الأولي - ما دل علي الوثاقة تصريحا كقولهم في الراوي (ثقة) أو مأمون
صفحه(٧٧)
أو ثقة ثقة مكررا أو صدوق.
ولا ريب في ثبوت الوثاقة بالمعني المبحوث عنه بهذه الألفاظ لظهورها بل صراحتها فيها بل نقل عن بعض دعوي إرادة العدل الامامي منها في مصطلح أرباب الرجال فلفظ صدوق مثلا من صيغ المبالغة في الصدق فكيف يقال ان لها معني آخر تحتمله.
ثم إنه لو سلم ذلك فإنما يصار إليه مع القرينة الصارفة عن المعني الظاهر أو الصريح - ان قلت إن الوثاقة والأمانة وكما يحتمل عودهما إلي النقل واللسان يحتمل عود الأول إلي الوثاقة في الاعتقاد وكونه إماميا ثبتا وعود الثاني إلي الأمانة بمعني انسجام أحاديثه مع ما يترقب صدوره من قبل الأئمة الأطهار.
قلنا إن هذا الاحتمال ههنا غير وارد إذ لا رباب الرجال لنعت صحيح العقيدة بالثقة وان صح بلحظات بل المتتبع في كلماتهم يري أنهم استعملوها في كل مورد كانت الوثاقة ثابتة بالمعني المطلوب إثباته.
واما اطلاق الأمانة علي ما ذكر فبعيد جدا لعدم تعارف إطلاق اللفظ علي ذلك ولظهورها في الدقة في النقل ان يكن بالمزيد منها ولان أرباب الرجال لم يطلعوا علي كل روايات الرواة وفي جميع الأصول الأربعمائة لعسر ذلك كما لا يخفي.
ومعه كيف يمكن دعوي أن المراد من الأمانة انسجام أحاديثه مع ما يترقب صدوره ولو لكونه منسجما مع الخطوط العامة للتشيع.
- ان قلت إن ظهور الوثاقة بالمعني المطلوب كما هو المدعي يتنافي مع زيادة أرباب الرجال في عدة موارد لقيد (في الحديث) أو (فيما يرويه) علي توثيقه مما يدل علي أعمية لفظ (ثقة) من المطلوب وغيره.
قلنا إنه لما كان من أهم مطالب الرجاليين معرفة الثقات من غيرهم
(٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، الصدق (1)، الأمانة، الإئتمان (3)
وكانت العبارة ظاهرة جدا فيما نريد بعد إرادة معني آخر إلا مع قرينة تحدد ذلك واما زيادة قيد (في الحديث) وما شاكل فهو من باب زيادة التوضيح والتفسير ولد ورد (ثقة ثقة) مكرره ولعل الدافع إلهي أيضا كون المقول فيه ذلك من العامة مما قد يتوهم معه المنافاة مع الصدق والأمانة فيؤتي بهذه القيود تنبيها واستداركا.
كما هو الحال في العديد من العامة الذين ورد فيهم التوثيق.
ففي ترجمة أحمد بن بشر يذكر النجاشي [ثقة في الحديث واقفي المذهب].
وفي ترجمة أحمد بن الحسين [كان فطحيا غير أنه ثقة في الحديث].
وفي ترجمة الحسن بن أحمد بن المغيرة [.. كان عراقيا مضطرب المذهب وكان ثقة فيما يرويه].
الثانية - ما دل علي الوثاقة ضمنيا كقولهم في الراوي - عظيم الشأن وجه من وجوه أصحابنا - جليل القدر - عظيم المنزلة وما شاكلها من ألفاظ.
وهذه الألفاظ مما لا نستشكل في دلالتها علي الوثاقة وإن لم تناظر القسم الأول دلالة إذ أننا لم نقبل التعامل الحرفي والجمود علي مؤدي اللفظة لغة بل شرطنا دراسة السير التاريخي للكلمة وملاحظة الأحوال التي تقال فيها.
والمتتبع خارجا لمراد استعمالات مثل هذه العبارات يكتشف ان المراد منها توثيق أصحابها ضمن شهادتهم العامة بل إثبات انهم في أعالي رتب الوثاقة …
وقد يورد ان لفظ عظيم الشأن أو جليل القدر قد يطلقان علي من كان عند العامة كذلك مع أنه قد يكون المتصف بذلك عندهم من أكبر الوضاعين والمفترين علي الأئمة والتشيع.
(٧٩)
صفحهمفاتيح البحث: أحمد بن الحسين (1)، الحسن بن أحمد (1)، أحمد بن بشر (1)، الصدق (1)
والجواب اننا لا نقبل بل لا نعقل ذلك النجاشي أو الشيخ لمثل هذه الكلمات في حق عامي ولا يقيد ذلك في كتابه بل يبعد جدا نعته بهذه العبارة مع ثبوت كذبه وضلاله كما لا يخفي علي المتأمل..
الثالثة - ما دل علي الوثاقة دلالة ظنية كقولهم في الراوي صحيح الحديث أو وجيه أو من علمائنا أو من أصحابنا أو كان فاضلا..
وهذه الألفاظ وما شاكلها لا يعتمد عليها بمفردها ومن دون قرائن أخري تنضم إليها.
والوجه في ذلك أن توصيف شخص بصحة الحديث ينسجم انسجاما مقبولا مع إرادة الصحة والاستقامة في كيف ونوع الأحاديث التي يرويها مع الخطوط الكبري للتشيع.
وبعبارة أخري يكون نظر الشاهد إلي طبيعة المخبر به لا المخبر وإن احتمله وكذا فإن لفظ وجيه أو من علمائنا وغيرهما من العبائر المشابهة تطلق علي الفاسق مطلقا فضلا عن الكاذب كما يلاحظ ذلك من استقراء موارد استعمالاتها - نعم ان لهذه الألفاظ قيمة احتمالية معتد بها للكشف عن حقيقة الرجل من حيث الوثاقة إلا أنها لا تشكل بمفردها عاملا متكاملا لتوثيقه.
إن قلت كيف يتصور أن يقول النجاشي وأضرابه في حق شخص ما انه من أصحابنا أو من علمائنا وهو من الكذابين الوضاعين.
قلنا إن الامر ليس منحصرا في الاحتمال المذكور بل يكفي لنعته بذلك كونه إماميا عالما معاصرا غير معلوم الحال عندهم.
ودعوي تلازم الفضل والعلم والصحبة مع الوثاقة مما لا تكاد تقبل أساسا وان شكلت إحدي القرائن الاحتمالية كما عرفت.
وفي جملة من أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله) مزيد دلالة علي
(٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، يوم عرفة (1)
بطلان الملازمة وهل يشك أحد في أن علي بن أبي حمزة أو أبا جميلة المفضل بن صالح كانا من الرواة وحملة العلم ومع ذلك ورد فيهم اللعن والتكذيب والتضعيف.
الرابعة - ما دل علي الوثاقة دلالة احتمالية كقولهم في الراوي بأنه ذو أصل أو كتاب أو كان خيرا أو رحمه الله أو حسن..
وهذه الألفاظ ملحقة بالقسم السابق من حيث عدم الاعتماد عليها في التوثيق إذ لا ملازمة عقلية أو عادية أو عرفية بين تأليف كتاب وبين الأمانة والوثاقة وملاحظة الخارج شاهدة علي صدق النقض.. فكم من الكتاب الوضاعين المفترين. علي التشيع وعلي أئمة أهل البيت وبألبسة أهل البيت وبسياق مدحهم.. ويستطيع الناظر المريد مراجعة ما كتب في هذا المجال ليتحقق من صحة المقال بل إن أرباب الرجال كالنجاشي قد نصوا في طيات كتبهم علي ذلك.
واما توصيف الراوي بالخير والصلاح فهو مما لا يدل علي التوثيق وان احتمله لصدق ولو بجهة ما كانفاقه علي الفقراء والمساكين مثلا أو تعاهده للمؤمنين بزيارة مرضاهم والسير في جنائزهم وما شاكل ذلك.
ومن الواضح عدم التلازم بين هذه الأفعال وان حسنت ورجحت وبين الأمانة والوثاقة.
اللهم إلا أن يدعي الملازمة بين كل من فيه محمدة ما وبين عصمة لسانه وهذا مما لا يترقب صدوره من عاقل فضلا عن فاضل.
وكذا يقال في الترحم فإنه يصح علي كل ذي منة وإحسان وفضل علي الاسلام والمسلمين مطلقا ما لم يدخل المقول فيه ذلك تحت عنوان موجب لعدم جواز ذلك كغاصب خلافة أو قاتل للنفوس المحترمة.. أو المدخل للبدع في دين الله وان كان لأولئك فضل ما علي الاسلام من جهات أخري.
(٨١)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي حمزة البطائني (1)، المفضل بن صالح (1)، الشهادة (1)، الباطل، الإبطال (1)، التصديق (1)، القتل (1)، الجواز (1)

مراتب التضعيف

ولاذ نجدان الصادق (عليه السلام) قد ترحم علي كل من زار الحسين (عليه السلام) فيما نقل عنه …
هذا تمام ما أردنا بيانه من مراتب التوثيق.. واما الألفاظ التي لم تذكر فهي ما لا يخلو الامر فيها من العود إلي أحد هذه الأقسام فيتعامل معها كما بينا..
المقام الثاني - في مراتب التضعيف:
وهي كثيرة مستفادة من عبائر القوم المختلفة وخصوصا أصحاب الكتب الرجالية الأربعة وسنحاول حصر هذه الأقسام والمراتب في أربعة:
الأولي - ما كان صريحا في تكذيب الراوي ونسبة الوضع والافتراء إليه كأن يقال فيه - كذاب - وضاع - مفتر …
ولا شبهة في الاعتماد علي مثل هذه التضعيفات لصراحتها في العود إلي جارحة النطق. وقد جرت عادة الأصحاب في مثل المقام علي طرح روايات الذين يرد فيهم مثل ذلك.
إلا أن ذلك وعلي إطلاقه مما يمكن الخدشة فيه ووجه ذلك استبعادنا وجود شخص لم يصدق في حياته ولو مرة.
وعليه كان للنظر في روايات أولئك وملاحظة ظروف صدور الرواية وطبيعتها ومدي انسجامها مع الخطوط العامة لفقه الأئمة أهمية فائقة قد تدعو في بعض الأحيان إلي العمل بها رغم وجود عدد من الضعفاء والمتهمين فيها.
وهذا لعله من أفضل التخريجات والتفاسير لعمل المشهور بروايات ورد في أسانيدها من هم كذلك.
(٨٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)
الثانية - ان يصرح بضعفه مطلقا بان يقال فلان ضعيف وما رادفها من ألفاظ.
وهذا التضعيف لا ثمرة فيه إلا صلوحه كشاهد علي عدم الاعتماد علي روايات من قيل فيه ذلك وفي كل مورد لم يرد إلا هذه العبارة.
وهذا لا معني ثبوت كذب الراوي بها بل غايته عدم صحة الاعتماد علي رواياته والوجه فيه أن كلمة ضعيف أو ما رادفها ليست صريحة في إرادة إثبات كذبه لاحتمال عودها إلي غير ذلك مما يجعل أي معني محتمل محتاج إلي قرينة تحدده والمحتملات في هذه العبارة أربعة:
أ - ان يراد منها الضعف في كيف الحديث بمعني ان أحاديث الراوي لا تنسجم مع الخطوط الكبري للائمة أو انه تفرد برواية ما يرويه.
ب - ان يراد منها الضعف في العقيدة بمعني فسادها لوقف أو فطح أو بتر.. أو لعدم كونه من الامامية مطلقا.
ج - ان يراد منها انه ينقل أحاديث أهل البيت عن الرواة مطلقا دون ان يعتمد الصحاح والثقات منهم فان ذلك كان مذمة في الراوي ردحا من الزمن ولذا نجد أن أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري أخرج البرقي من قم لاعتماده الضعاف.
د - ان يراد منها الضعف في الحديث بمعني الوضع أو الافتراء والكذب.
ومن الواضح ان هذه العبارة إنما يعتمد عليها كأساس للتضعيف المطلوب لو ظهر منها الاحتمال الأخير.. وأني لنا بإثبات ذلك.
ان قلت إن ظاهر حال أصحاب الرجال إرادة الاحتمال الأخير إذ لا معني لادراج الألفاظ الدالة علي غيره وهم بصدد بيان أحوال الرجال من حيث
(٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري (1)، الكذب، التكذيب (1)
الوثاقة وعدمها قلنا إن ذلك يلجأ إليه إن لم يكن عملهم إلا به مع اننا نجدهم ذكروا وخصوصا النجاشي مجمل أحوال الرجال وذكروا أحيانا من الأمور ما لا ربط له بالتوثيق والتضعيف وعدمهما.
هذا فضلا عن أنهم نعتوا فاسد العقيدة بالضعيف وكذلك من لا يهتم عمن ينقل كما هو الحال في البرقي.
بل إن النجاشي يصرح في أول كتابه انه إنما كتب كتابه لاجل إعابة العامة علينا بعدم وجود مصنف عندنا في الرجال وأحوالهم.
ومن هنا لو ورد توثيق لراو قيل فيه ذلك يؤخذ به ويجعل قرينة علي إرادة أحد الاحتمالات الثلاثة من العبارة..
الثالثة - ان يستفاد التضعيف صريحا أو لازما من العبائر ولكن بخصوص منشأ ما لا مطلقا وهو علي نحوين:
أ - ما يعود إلي معتقده كالتصريح بكونه فطحيا أو بتريا أو وأفقيا.
ب - ما يعود إلي سلوكه ولا يكون الظاهر منه إرادة ما يرتبط بالجهة القولية كما هو الحال في ألفاظ اللعن أو التشبيه بالحيوانات كما هو الحال في ابن أبي حمزة البطائني حيث ورد في حقه [يا علي أنت وأصحابك أشباه الحمير].
أو نعت الراوي بالمجفو أو التخليط.
وهذا كله لا يثمر في إثبات الضعف بالمعني المبحوث عنه اما في القسم الأول فلما عرفت من كفاية الوثاقة مطلقا في صحة الاعتماد وان فسدت سائر جوارح الراوي وأما الثاني فلعدم ظهور تلك الألفاظ بحسب الفرض فيما نحن بصدده وان كانت أشد ذما وأبرز قدحا.
ولصدق الجفاء والذي هو من الاعراض بإعراض الأصحاب عنه لانفراده
(٨٤)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، ابن أبي حمزة (1)
بروايات ما أو اعتماده علي الضعاف كما عرفت ذلك في البرقي مع أنه من عيون الأصحاب وأجلهم.
وكذا يقال في التخليط فإنه يصدق ذلك علي من خلط في كتبه سقيما وصحيحا سندا وكيفا.. أو انه كان في معتقده مخلطا بين الحق والباطل.
الرابعة - ما يلحق بالتضعيف الاحتمالي وهو ما لم يظهر منه تضعيف ككون الراوي مجهولا أو مهملا..
ويفترق اللفظان في أن الأول له ذكر في كتب الرجال بينما لا أثر للثاني فيها وقد يعكس التفسير كما أن الأول يناسب معنيين:
* أ - من فحص أرباب الرجال عن حاله ولم يتبين لهم فيه توثيق أو تضعيف فنصوا علي مجهوليته.
* ب - من لم يفحص عن حاله أصلا فإنه ممن يصح نعته بالمجهول إذ أن الجهالة بلحاظ الفاحص لا بلحاظ الواقع لعدم تصورها كذلك.
وهذا القسم الأخير لا دلالة فيه علي التضعيف لما عرفت من عدم ثبوت الجهالة الواقعية بل لا يخلو الامر من كونه ثقة أو انه ليس كذلك والأخير أعم من ثبوت الكذب وعدمه أيضا.
فعدم نص أرباب الرجال علي وثاقته ونعته بالمجهول أو كونه مهملا في كتبهم لا يعني ضعفا فيه واقعا.
وهذا الشيخ الصدوق فإنه لا يكاد يوجد في حقه توثيق بالمعني المطلوب مع كونه ممن در عليهم فلك التشيع.
ان قلت إنه لا ثمرة في هذا القسم وسابقه طالما لا يتلازم عدم توثيقه مع ضعفه وطالما لا يجوز لنا الاعتماد علي روايات أولئك المندرجين تحت هذين القسمين.
(٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (2)، الشيخ الصدوق (1)، الكذب، التكذيب (1)، الباطل، الإبطال (1)، الجواز (1)
قلنا بل توجد ثمرة مهمة كبري في البين وهو ان عدم ثبوت شئ من خلال العبارات المذكورة ينقح لنا صغري لكبريات يستفاد من مجموع ذلك توثيقا ومدحا ككون أصحاب القسمين الأخيرين واقعين في سند أحد أصحاب الاجماع.. إلي غير ذلك من الوجوه. وأيضا فإنه لو عثر علي توثيق لافراد هذين القسمين يؤخذ به لا محالة لعدم التنافي بين ما يعود لجهة قولية وما لا يعود كذلك كما عرفت تحقيق ذلك.
وهناك فوائد أخري نتعرض لها في طيات بحوثنا القادمة …
كما أن هذه التقسيمات يمكن ان تزداد وتتعدد بتعدد الألفاظ الواردة إلا أنه لما كان الغرض من هذه البحوث إعطاء ضوابط وإشارات إجمالية بعيدة عن التطويل الممل والايجاز المخل ارتأينا جمع ما تقارب من الألفاظ تحت ضابطة واحدة ومناقشتها جمع..
(٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)

الباب الثالث - في قيمة توثيقات الاعلام وأرباب الدراية

الباب الثالث في قيمة توثيقات الاعلام وأرباب الدراية ولا يخلو الامر بين أن يكون التوثيق صادرا عن المتقدمين منهم أو المتأخرين ونعتي بالمتقدمين أولئك المعاصرين للرواة أو المقاربين لعهدهم بحيث لا تكون شهاداتهم بالوثاقة محتاجة إلي إعمال اجتهاد أو حدس أمثال الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وان قولويه وعلي بن إبراهيم القمي والنجاشي والبرقي واضرابهم. ونعني بالمتأخرين ما احتاجت شهاداتهم إلي ذلك.
* فالبحث يدور في مقامين:
المقام الأول - في توثيقات القدماء:
ويراد بالتوثيق الأعم من التعديل أو التوثيق بالمعني الخاص ويلحق به المدح والاطراء والثناء.
ولا بد لاعتبار توثيقاتهم من توفر جملة شروط:
الأول - كفاية الوثاقة في الراوي بالمعني الخاص في جواز العمل برواياته وإلا كانت النتيجة - لو ثبتت - أخص من المدعي وللزم بطلان سائر
(٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، علي بن إبراهيم (1)، الشيخ الطوسي (1)، الباطل، الإبطال (1)، الثناء (1)، الجواز (1)

توثيقات القدماء

الباب الثالث في قيمة توثيقات الاعلام وأرباب الدراية ولا يخلو الامر بين أن يكون التوثيق صادرا عن المتقدمين منهم أو المتأخرين ونعتي بالمتقدمين أولئك المعاصرين للرواة أو المقاربين لعهدهم بحيث لا تكون شهاداتهم بالوثاقة محتاجة إلي إعمال اجتهاد أو حدس أمثال الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وان قولويه وعلي بن إبراهيم القمي والنجاشي والبرقي واضرابهم. ونعني بالمتأخرين ما احتاجت شهاداتهم إلي ذلك.
* فالبحث يدور في مقامين:
المقام الأول - في توثيقات القدماء:
ويراد بالتوثيق الأعم من التعديل أو التوثيق بالمعني الخاص ويلحق به المدح والاطراء والثناء.
ولا بد لاعتبار توثيقاتهم من توفر جملة شروط:
الأول - كفاية الوثاقة في الراوي بالمعني الخاص في جواز العمل برواياته وإلا كانت النتيجة - لو ثبتت - أخص من المدعي وللزم بطلان سائر
(٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، علي بن إبراهيم (1)، الشيخ الطوسي (1)، الباطل، الإبطال (1)، الثناء (1)، الجواز (1)
التوثيقات الصادرة من الثقات الذين لم تسلم جوارحهم الأخري.
الثاني - كون الموثق نفسه متصفا بالوثاقة.
الثالث - كون شهادة الموثق ناشئة عن حس ومعرفة بالموثق لعدم البناء علي اعتبار الشهادات الاجتهادية الحدسية ما لم توجب علما أو اطمئنانا وهذه الشروط متوفرة بمجملها في المقام.
أما الأول فلما تقدم من عدم الدليل علي اعتبار أمر زائد علي الوثاقة في صحة الاخذ بالرواية.
وأما الثاني فلان أرباب الكتب الرجالية الأربعة والذين يدور عليهم مدار الاخذ بالتوثيق والتضعيف من أجلاء الأصحاب وأعظمهم قدرا وأرفعهم شأنا وكذا سائر المذكورين سابقا..
نعم لم يثبت لدينا كتاب ابن الغضائري ولذا لا نعتمد علي سائر التضعيفات الواردة في كتابه لأنها فرع صحته ومعرفة صاحبه.
وأما الثالث فلانه لا شك في كون شهادة أولئك الاجلة عن معرفة وحس وذلك لأمور عدة:
الأول - قرب بعضهم للرواة مباشرة وبلا واسطة الثاني - كثرة التصنيفات الرجالية من قبل أصحابنا الاماميين في ذلك العصر بحيث يمكن الاعتماد علي ما ورد فيها مع فرضها بهذه الكثرة الكاثرة التي تربو علي المئة مصنف.
الثالث - ان كون اجتهاد المجتهد ليس حجة في حق غيره مما لا يكاد يخفي علي هؤلاء الاعلام فلو كانت شهاداتهم مبنية علي إعمال النظر والحدس فقط لكان ينبغي الإشارة إليه مجملا أو مفصلا وأما عدم الإشارة لذلك فهو مما لا يترقب وقوعه منهم.
(٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، ابن الغضائري (1)، الحج (1)، الشهادة (3)
الرابع - انه لو فرض الشك في حدسية هذه التوثيقات فلا يزيد ذلك مع تسليم الوجوه الثلاثة السابقة علي الاحتمال.
ولا شك في جري العقلاء وبنائهم علي ترتيب الآثار علي الاخبار وان احتمل ان منشأها الحدس ولذا لم نجد خارجا من ناقش في أخبار المخبرين بحجة احتمال حدسيتها بل ولا نجد العقلاء يسألون عن منشأ الحكم ما دام ظاهرا في الشهادة الحسية.
نعم لو كان الخبر مظنون الحدس أما لطبيعة الخبر بأن كان يتعذر ملاحظته حسيا ولبعد زمان المخبر فلا مجال معه للاعتماد عليه لعدم الدليل علي اعتبار الاخبار المظنونة الحدس لا بدليل لفظي لقصور مقتضيها إذ أن ما دل علي اعتبار أخبار الثقات - لو سلم أصل الاعتبار - ظاهر فيما يروونه عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أو غيرهم بالحس لا بغيره.
كما أن السيرة لا تفي لا ثبات ذلك لعدم جريانها علي ذلك كما عرفت ولو سلم وقوع ذلك في بعض الموارد فهو من باب الاطمئنان بمقتضي الخبر الحدسي..
- ان قلت إنه مع تسليم هذه الوجوه الأربعة فإنه لا يسلم ثبوت الوثاقة بشهادة أصحاب الكتب الرجالية لان الحكم بالوثاقة خاضع للمبني الذي يختاره الشاهد ولعل منهم من كان يبني علي أصالة الوثاقة فيحكم بوثاقة كل غير معلوم الكذب.
قلنا إن هذا الوجه مما لا وجه له لان المراد من تصنيف الكتب تمييز من ثبتت صحته ممن ثبت ضعفه وإعمال المزيد من العناية في ذلك لقيام فقه آل محمد علي ما يكتبون ويشهدون.
وكيف يتصور انهم كانوا يكتفون بمجرد عدم ظهور الكذب من نعت الراوي بالوثاقة وتجويز العمل باخباره.
(٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: الأئمة الأثنا عشر عليهم السلام (1)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، يوم عرفة (1)، الكذب، التكذيب (2)، الشهادة (1)
ولو سلم ذلك فلم كثر ذكر المجهولين في طيات كتبهم أو ذكر من لا يعلم حاله مع بنائهم علي القاعدة أو غيرها إذ عليه يكون مما لا وجه له رأسا.
وبهذا يتضح وجه اعتمادنا علي توثيق المتقدمين من الأصحاب.
وهذا مما لا ينبغي الاشكال فيه بل انه كاد يكون اجماعا ولذا ألحق المخالف بالشاذ النادر نعم ناقش بعض اعلام المتأخرين في صغري الكبري المتقدمة حيث شكك في قيمة توثيقات الشيخ الطوسي مدعيا عدم الظن بل ولا الشك منها.
ومنشأ هذه الدعوي يمكن تلخيصه باضطراب الشيخ في أقواله ونقوله ويظهر ذلك من خلال عرض جملة أمور:
الأول - ان توثيقاته لجملة من الرواة ينفيها هو بنفسه أو يناقضها في مجال آخر كما هو الحال في سهل بن زياد حيث وثقه في موضع وضعفه في آخر وكذا الحال في سالم بن مكرم الجمال ومحمد بن هلال.
الثاني - دعواه عمل الطائفة برواية جملة من الاعلام مع أنه بنفسه يذكرهم في مجال آخر بذم أو قدح فعبد الله بن بكير ممن ادعي الشيخ فيه عمل الطائفة باخباره وفي آخر الباب الأول من أبواب الطلاق من كتاب الاستبصار صرح بما يدل علي فسقه وكذبه وانه ممن يقول برأيه.
وفي عمار الساباطي ادعي أيضا ان الطائفة لم تزل تعمل باخباره مع أنه نص علي ضعفه وعدم العمل برواياته في مكان آخر.. الخ.
الثالث - دعواه عمل الطائفة باخبار الفطحية كعبد الله بن بكير والواقفية كعلي بن أبي حمزة وسماعة بن مهران وبني فضال مع أنه لا يوجد أثر لتوثيق علي بن أبي حمزة من أحد علي الاطلاق بل نص علي خبثه وكذبه بل ورد فيه اللعن والذم الكثير.
(٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي حمزة البطائني (2)، عبد الله بن بكير (2)، سماعة بن مهران (1)، عمار الساباطي (1)، سهل بن زياد (1)، الشيخ الطوسي (1)، سالم بن مكرم (1)، الظنّ (1)، الهلال (1)
الرابع - اختلاف أقواله في شرطية العدالة ففي كتبه الأصولية قطع بشرطية الايمان والعدالة في جواز الاخذ بالرواية والخبر وهو ملازم لعدم العمل بالاخبار الموثقة وتارة يدعي ان العدالة هي ظاهر الاسلام من دون ظهور الفسق وهو ملازم للعمل بالاخبار الموثقة وإن لم يظهر إيمان أصحابها.
الخامس - اختلال كلامه حول رد وقبول الروايات فتارة لا يعمل برواية ما محتجا بضعفها وتارة يخصص بها الاخبار الصحيحة حيث تتعارض الأدلة وتارة يرد الخبر بأنه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا.
ونحن أمام هذه الوقائع لا نريد ان نجزم بمراد الشيخ وإيراد دفاع عنه بل بصدد بيان جملة احتمالات معتد بها بناء علي ما أسلفناه وأسسناه وانسجاما مع الخطوط العامة لأفكار الشيخ (قدس سره) فنقول:
أما الايراد الأول فجوابه ان التصريح بالوثاقة لا يناقض التضعيف لأعمية التضعيف من ضعف اللسان أو غيره من الجوارح. فلم لا يجعل التوثيق قرينة علي المراد من التضعيف وانه يعود لغير جهة اللسان وكم لذا من نظائر..
ان قلت ماذا يعمل أمام التصريح بإرادة الضعف في جهة اللسان.
قلنا إن ثبت ذلك فمن المحتمل جدا ان الشيخ سمع شهادتين مختلفتين في حق شخص واحد في زمانين نقل إحداهما في كتاب أو في موضع ونقل الأخري في آخر.
ولو سلمت الغفلة بعد إمكان هذه الاحتمالات فهي نادرة ولنعم ما قاله بعض الرجاليين من أنها كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء …
واما الايراد الثاني فجوابه واضح فإن عمل الأصحاب لا يلازم بالتلازم القطعي عدالة الراوي بل ولا وثاقته المطلقة في بعض الأحيان إذ لا ربط بين عملهم وبين العدالة كما لا يخفي هذا أولا.
(٩١)
صفحهمفاتيح البحث: الغفلة (1)، الجواز (1)
وثانيا - ان الذم الوارد قد يكون متأخرا عن عمل الطائفة برواياته وكم من الفرق بين من لم يثبت فسقه ولا كذبه ولم تثبت بالمقابل وثاقته وبين طرح رواياته إذ العمل بالروايات قد يكون من جهة العلم بصدورها أو بصحتها لاحتفافها بقرائن ما علمها الأصحاب وخفيت علينا.
وأما الايراد الثالث فقد تبين مما سبق إذ لا منافاة بين ثبوت كبري عمل الطائفة بأخبار الفطحية أو الواقفية وبين عدم ثبوت وثاقة علي بن أبي حمزة المستشهد بها في المقام وذلك:
أولا - كون النقض أخص من المدعي ولا مانع من استثناء الأصحاب لجملة من الواقفية أو الفطحية وان ثبتت وثاقتهم في الجملة - لأمور وموانع أخر.
وثانيا - ان علي بن أبي حمزة قد وقف بعد وفاة الكاظم (عليه السلام) وأما قبل ذلك فإنه لم يثبت فيه ذم بل كان وكيلا من قبل الإمام (عليه السلام).
وأما الايراد الرابع فهو غريب لا يترقب صدوره لان اشتراط العدالة شئ وتفسيرها شئ آخر.
وكيف يتوهم إيقاع معارضة وتهافت في كلام قائل يتصدي بنفسه لتفسيره بغير ما قد يظهر منه بدوا.
وكذا فان تفسير العدالة بما ذكر يرفع التهافت إذ عليه لن يكون لكلامه لازم هو عدم العمل بالاخبار الموثقة ليحصل التهافت بين الكلامين.
إلا أن الانصاف ثبوت التلازم وذلك من جهة إرادة الامامي من المسلم العادل بناء علي تفسيره المتقدم.
نعم يمكن منع الملازمة الثانية إذ أن تفسير العدالة كيفما وقع لا يعني عملا بالاخبار الموثقة لخروجه عن العدالة بمجرد كونه غير إمامي كما لا
(٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، علي بن أبي حمزة البطائني (2)، المنع (1)، الوفاة (1)

توثيقات المتأخرين

يخفي …
ولو سلم وقوع التهافت المدعي فهو ليس بعزيز علي أهل النظر والاجتهاد لتبدل الآراء بتبدل المعلومات وزيادتها وهو يكاد يحصل مع كل من له ملكة اجتهاد.. وما هو المانع من أن يكون الشيخ قد اعتقد مذهبا ما في العدالة ثم اعتقد بطلانه بعد ذلك.
وأما الايراد الخامس فيتجه لو كان كلامه في جميع مواضعه ذا جهة واحدة والامر ههنا ليس كذلك فإنه في كتاب الاستبصار تصدي لابراز انسجام أحاديث أهل البيت مجموعيا مع كبريات التشيع وقواعده ولا بد والحال هذه من إبراز الوجوه والمحتملات التي قد لا تتناسب مع كتاب آخر يهدف منه لغرض آخر.
وكذلك فان كتاب الخلاف كان بصدد الرد علي العامة فيه ومن هنا وردت الأدلة التي تتناسب مع معتقداتهم في بعض الأحيان.
ومن كل ما ذكرناه يتضح عدم صحة هذا الايراد الصغروي علي كبري قبول توثيقات المتقدمين.
وإنما أوردنا هذه المناقشة مع أجوبتها نظرا لموقع الشيخ الرجالي فضلا عن موقعه الفقهي بحيث تكاد تتزلزل لولاه بنيان ومعالم الشرع الحنيف.
المقام الثاني - في توثيقات المتأخرين:
ويشمل العنوان توثيقات العلامة وابن طاووس والتفريشي والمجلسيان الأول والثاني وغيرهم ممن قارب عصرهم.
والتوثيق الصادر من قبلهم علي نحوين:
(٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: الهدف (1)
الأول - ما صدر في حق المعاصرين لهم والكلام فيه عين الكلام المتقدم في المقام الأول لعدم الفرق فالدليل هناك هو الدليل هنا وهذا ليس هدفا أساسيا لبحثنا.
الثاني - ما صدر في حق غير المعاصرين لهم بحيث كانت شهاداتهم علي الوثاقة تحتاج إلي أعمال النظر والاجتهاد وهذا هو معقد البحث ومحط النظر.
ويقع البحث فيه من جهتين:
الجهة الأولي - في الايرادات المتصورة علي العمل بتوثيقاتهم.
الجهة الثانية - في مناقشة الأدلة وبيان المختار.
وأما الجهة الأولي -.
فأوجه الايرادات المتصورة ثلاثة:
الايراد الأول - وهو مبني علي أن عمدة أدلة حجية أخبار الثقات هي السيرة العقلائية وهي قائمة علي اعتبار اخبارهم فيما كان منشؤها الحس يقينا أو الظن به مع احتمال الحدس.
وأما ما كان متيقن الحدس أو مظنونه فلا سيرة قائمة علي العمل بالاخبار كذلك..
وكذا يقال بالنسبة إلي سائر الأدلة اللفظية من جهة قصور في مقتضي إطلاقها لانصراف ونحوه مما تفصيله موكول إلي محله.
وتوثيقات المتأخرين من هذا القبيل والوجه فيه هو ان أهم ما نريده من الاعتماد علي توثيقاتهم معرفة أولئك الرواة المباشرين أو الواقعين في السند الوارد في الكتب الأربعة وسائر ما قارب عهد كتابتها وأما الرجال الواقعين في الطريق إلي هذه الكتب فلا حاجة لاثبات توثيقهم أو عدمه لتواتر الكتب المذكورة من حيث النسبة إلي مؤلفيها علي مر الازمان والعصور.
(٩٤)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، الظنّ (1)
وعليك فيقال ان مرحلة ما بعد الشيخ الطوسي هي مرحلة انقطاع سلسلة البحث عن أولئك الرجال وعن معرفة أحوالهم. وإنما وصل إلينا ما كان عبر الشيخ نفسه مع بعض الكتب الرجالية الأخري المعروفة.
والذي يدلنا علي ذلك ملاحظة إجازات الاعلام لنظرائهم وتلامذتهم فإنها ترجع كلها ألي الشيخ وأما سلسلة الواقعين بعده فهي معتمدة عليه وموكولة إليه.
ويظهر ذلك بالنظر إلي إجازات العلامة لبني زهرة وإجازة الشهيد الثاني الوالد الشيخ البهائي الشيخ حسين عبد الصمد (قدس سره) وغير ذلك.
وبناء عليه لا يعلم بثبوت طريق حسي أو قريب منه من طريق المتأخرين ولو بنقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة.
بل من المقطوع به ان توثيقاتهم مستندة إلي ما حدسوا به من عبائر الشيخ ونظرائه من أعلام وأرباب الرجال.
الايراد الثاني - وهذا الايراد متفرع علي سابقه وبيان ذلك أن إعمال النظر والحدس من قبل الاعلام إنما يكون حجة له بينه وبين ربه ولسائر مقلديه ومعتمديه.
وأما سراية الحجية لنظرائه من أهل النظر والفن فهي مما لم يقم عليها دليل من سيرة أو عقل أو غيرهما.
ان قلت لا زالت الناس قديما وحديثا ترجع إلي أهل الخبرة في كل مجهول لديها فلم لا يطبق مقتضي هذا البناء والعمل.
قلنا إنه كذلك ولكن ليس في حق الخبير والنظير ومن يملك في المقابل الحجة والدليل.
الايراد الثالث - وهو مبني علي ملاحظة التضاد والتضارب في أقوال
(٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: الشيخ البهائي (1)، الشيخ الطوسي (1)، الحج (1)، الشهادة (1)
وتوثيقات المتأخرين فمنهم من يلتزم بتوثيق جماعة ومنهم من يلتزم بتضعيفهم وعدم العمل بما يروونه.
واعطاء قاعدة في اعتبار توثيقات المتأخرين عبارة عن الالتزام بوقوع التعبد بالمحالات والممتنعات كما عرفت.
والجواب عن هذه الايرادات:
أما عن الايراد الأول فإن السلسلة التي ادعي انقطاعها تارة يراد من ذلك عدم وجود كابر ينقل توثيقا أو تضعيفا في مرحلة ما بعد الشيخ فهي وان كانت مقبولة إلا أن سلسلة البحث والتنقيب والكشف عن أحوال الرجال وإبراز الضعيف والسقيم منهم من الصحيح والمعتمد لا زالت جارية قديما وحديثا.
وهذه البحوث تزداد أهمية من حيث صوابية النتيجة بترامي الزمن لان المتأخر يجمع في حقيبته علم المتقدم وعلم المتأخر.
هذا مضافا إلي عثوره علي جوانب أخري قد لا يتسني للرجالي من أمثال النجاشي آنداك ملاحظتها والعثور عليها كملاحظة طبيعة روايات كل راو علي حدة وما يستفاد منها من قيمة احتمالية للتوثيق أو التضعيف.
فالقول بأن توثيق القدماء حجة دون توثيق المتأخرين ليس سديدا علي اطلاقه.. فان النجاشي وغيره عندما ينصون علي وثاقة شخص من خلال النقل فإنما ينصون عليها لا من باب المشاهدة لعدم تعقل مشاهدة الوثاقة أو العدالة كأمر خارجي بل انك عرفت أنها من الحقائق المقتنصة من مجموع مفردات أحاديث وسلوك الراوي والتي يدخل الحدس في اقتناص النتيجة منه وان أطلق عليه اسم الحس.
وعمل العقلاء بالشهادات الحسية لا لأنها كذلك وتعبدا بل لقلة وقوع الخطأ غالبا فيما كان منشؤه محسوسا أو ما قرب منه.
(٩٦)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (2)، الحج (1)
ومحل البحث من قبيل الثاني - وبعبارة أخري فان عمل العقلاء ليس لنكات تعبدية محضة بل إن له مبررات موضوعية نتيجة لارتكازات ثابتة عندهم.
وليس ذلك إلا ركون النفس بالمشهود به من قبل المتقدمين.
وساعتئذ نقول إن توثيق المتأخرين إن لم يكن من حيث القيمة أعلي من توثيق المتقدمين فهو لا يقل عنه.
وكيف لا يقال ذلك وذاك المجلسي الأول يقول في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه أنه بحث في أحوال ابن أبي عمير مدة خمسين عاما بحيث يتعسر أو يتعذر علي غيره الوصول إلي ما وصل.. وهل يا تري يقال بان بحثه المذكور حجة عليه ليس إلا..
علي أن دعوي اشتهار العمل بتوثيقات المتأخرين بين الأصحاب في الجملة لها وجه وجيه وكما ذكره بعض أصحابنا المتأخرين.
وأما الايراد الثاني فقد توضح مما سبق لان قول الخبير المبني علي الحدس يورث الظن غالبا بصحة ما حدس به وقد عرفت أن بحوث المتأخرين إنما يعتمد عليها لعدم نقصها قيمة عن توثيقات المتقدمين التي ركنت النفوس إليها واطمأنت بصحتها فالخبروية شئ وسكون النفس باخبار المخبر شئ آخر ومناط العمل الثاني لا الأول.
وأما الايراد الثالث فهو ناشئ من الغفلة عن أن مرادنا من اعتماد بحوث المتأخرين اعتمادها في الجملة لا مطلقا ومن أي معلم صدرت.. بل لا بد من النظر فيما أوردوه من الأدلة حيث لا يكونون بمثابة من الدقة والضبط وقوة الملكة.
والتضاد المذكور إنما يكشف عن عدم صحة مقدمات واستدلالات
(٩٧)
صفحهمفاتيح البحث: العلامة المجلسي (1)، يوم عرفة (1)، ابن أبي عمير (1)، الغفلة (1)، الحج (1)، الظنّ (1)
أحدهما أو كليهما مما يدعونا إلي ملاحظة ما أقيم من الأدلة وسيق من البرهان.
ولو سلم وقوع ذلك من الاجلة فلا ضير فيه إذ لا يقصر عن تضاد كلام المتقدمين فان وجوده في كلامهم ليس بعزيز ورغم ذلك لم تختل كبري حجية وقبول توثيقاتهم ولتكن المعاملة مع أجلة المتأخرين علي حد المعاملة مع أجلة المتقدمين قبولا وردا بعد ما عرفت مساواة قيمة أقوالهم لأقوال المتقدمين إن لم نقل باعلائيتها..
ومما ذكرناه يتحصل ان كبري قبول توثيقات المتأخرين مما لا أشكال فيها. عندنا..
وليعلم اننا عقدنا البحث في التوثيقات دون التضعيفات من أجل عدم اختلاط وتضارب الاستدلال وللمحافظة علي وضوح الطريقة.
وإلا فان الكلام في تضعيفات المتقدمين أو المتأخرين عين الكلام في توثيقاتهم من حيث القيمة والشروط والرد والقبول …
(٩٨)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)

الباب الرابع - القول في دعوي وثاقة رواة جملة من الكتب

الباب الرابع القول في دعوي وثاقة رواة جملة من الكتب - ومنشأ هذا البحث ما وقع لجملة من الاعلام وأرباب الكتب الروائية من تصدير أو تضمين كتبهم لعبارات يستوحي منها توثيق جميع رواة كتبهم بل استظهر ذلك جمع من الاعلام كالحر العاملي في فوائد وسائله وغيره.
وسنبحث في صحة الدعوي المذكورة بمناقشة ما ورد في كتب ثلاثة هي كتاب كامل الزيارات لابن قولويه وتفسير علي بن إبراهيم القمي ونهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي.
وإنما أفردناها دون غيرها نظرا لأهميتها ولتوثيق بعض الاعلام لرواة هذه الكتب ولرواج البحث فيها بين الأصحاب.
فههنا ثلاثة بحوث:
البحث الأول - القول في وثاقة رواة كتاب كامل الزيارات:
ومنشأ هذه الدعوي ما أورده جعفر بن محمد بن قولويه (قده) المتوفي عام 368 ه في أول كتابه والذي استظهر منه جمع من الأصحاب وثاقة
(٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه (2)، كتاب نهج البلاغة (1)، علي بن إبراهيم (1)، محمد بن قولويه (1)، ابن قولويه (1)، الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين (1)

البحث الأول - القول في وثاقة كتاب كامل الزيارات

الباب الرابع القول في دعوي وثاقة رواة جملة من الكتب - ومنشأ هذا البحث ما وقع لجملة من الاعلام وأرباب الكتب الروائية من تصدير أو تضمين كتبهم لعبارات يستوحي منها توثيق جميع رواة كتبهم بل استظهر ذلك جمع من الاعلام كالحر العاملي في فوائد وسائله وغيره.
وسنبحث في صحة الدعوي المذكورة بمناقشة ما ورد في كتب ثلاثة هي كتاب كامل الزيارات لابن قولويه وتفسير علي بن إبراهيم القمي ونهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي.
وإنما أفردناها دون غيرها نظرا لأهميتها ولتوثيق بعض الاعلام لرواة هذه الكتب ولرواج البحث فيها بين الأصحاب.
فههنا ثلاثة بحوث:
البحث الأول - القول في وثاقة رواة كتاب كامل الزيارات:
ومنشأ هذه الدعوي ما أورده جعفر بن محمد بن قولويه (قده) المتوفي عام 368 ه في أول كتابه والذي استظهر منه جمع من الأصحاب وثاقة
(٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه (2)، كتاب نهج البلاغة (1)، علي بن إبراهيم (1)، محمد بن قولويه (1)، ابن قولويه (1)، الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين (1)
كل من وقع في أسانيد هذا الكتاب.
والعبارة هي التالية:
[وقد علمنا بانا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعني ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم..] (1) - ووجه الاستدلال علي الخصوص التعبير ب [ما وقع لنا من جهة الثقات] فإنه لم يقل كتاليه [بما ينتهي] ليختص التوثيق بالمباشر كما قد يدعي هناك وكما ستعرفه في البحث الثاني.
ولعله من هنا أفاد الحر العاملي في فوائده من الجزء الأخير من الوسائل ما لفظه [وقد شهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره وانها مروية عن الثقات عن الأئمة (عليهم السلام) وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه فإنه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره] (2) كما أن ابن قولويه لم يقرن الثقات بالمشايخ ليرد احتمال ان العطف للتفسير كما سيأتي في مناقشة عبارة ابن إبراهيم وان كان عبر هنا بالأصحاب فان ذلك لا يضر لعموم اللفظ للمباشر وغيره كما لا يخفي علي المتتبع لموارد استعمالها. وعليه فوجه الأبلغية - لو تم أصل الكلام - واضح بين وقد يؤيد المدعي بقرينتين أخريين:
الأولي - قول ابن قولويه في الجملة المتقدمة [ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم..].
بدعوي أن ابن قولويه أراد بهذا التعبير اعطاء قيمة لكتابه بأنه لم يرو عن الشذاذ من الرجال ومن المعلوم عدم اختصاص الشذوذ بالضعيف بل قد يشمل
(١) كامل الزيارات ص ٤.
(2) الوسائل ج 20 ص 68.
(١٠٠)
صفحهمفاتيح البحث: الشيخ الحر العاملي (1)، كتاب الثقات لابن حبان (4)، علي بن إبراهيم (1)، محمد بن قولويه (1)، ابن قولويه (3)، الشهادة (1)، كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه (1)
الذين انفردوا بروايات غريبة في طبعها وغير منسجمة مع المروي والمشهور ولذا ورد في أخبار العلاج لحل مشكلة التعارض [خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر] وهو مطلق من حيث كون الشاذ النادر قد رواه بعض الأصحاب أم لا.
ان قلت إن مقابلة الشواذ للثقات تحدد إرادة الضعاف من الرجال لا الثقات أو ما يعمهم من الذين انفردوا بروايات شاذة كما عرفت.
قلنا لو صح ذلك فلا يكون ساعتئذ وجه للتعبير بالشاذ وإجمال الخطاب وثانيا - ان تذييل كلامه - ب [غير المعروفين بالرواية] يحدد إرادة الشاذ في الرواية من حيث طبعها كما هو واضح لا يخفي.
وبعد ذلك يقال ان ابن قولويه لما بني علي عدم ذكر رواية عن الشذاذ وإن كانوا من الأصحاب بل ومن ثقاتهم كان هذا بمثابة القرينة القطعية علي أنه لم يضمن كتابه المجاهيل ولو عنده فضلا عمن ثبت فيه القدح والذم..
الثانية - قوله أيضا [ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ] ببيان أن دلالة الاخراج يغاير دلالة لفظ النقل فان الثاني لو عبر به لادي إلي احتمال إرادة المباشرين من جهة اختصاص النقل عنهم بالنسبة إليه. وهذا بخلاف اللفظ المذكور فإنه يشمل جميع الواقعين في السند.
لا يقال بعدم وجود فرق مقبول بين التعبيرين لصدق النقل عن الأئمة مع وثاقة كل الوسائط.
لأنه يجاب بان العبارة تضمنت لفظ [ولا أخرجت فيه] فان الضمير في (فيه) يراد به الكتاب والمعني انه لم يخرج في كتابه حديثا روي أو نقل عن الشذاذ فكتابه منقول عن الثقات لا أنه نقل عن الامام بواسطة الثقات وعلي كل حال فان لفظ الاخراج دال علي أن الكتاب كله واقع عن طريق الثقات.
هذا غاية ما يمكن ان يستدل به لاثبات المطلوب.
(١٠١)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (4)، يوم عرفة (1)، ابن قولويه (1)
وأما الجواب فيقع من عدة وجوه:
1 - ان العبارة المستدل بها علي المطلوب ليست ظاهرة فيه جزما لصدق الوقوع من جهة الثقات ولو بكون الرواة المباشرين كذلك بل انه المتناسب مع طبيعة الناقل لروايات فيها من الوسائط والأسانيد وذلك لشيئين:
أ - سهوله المؤونة في تحصيل الثقات بالنسبة للمباشرين.
ب - معرفة الناقل عادة بالمنقول عنه لو كان النقل مباشرا.
ويؤيد الوجه المذكور ورود جملة من الروايات يتضمن إسنادها المجاهيل والضعاف بل وجود المراسيل والمرافيع وكما ستطلع عليه مفصلا.
مما يوجب وعلي الأقل شكا في شمولية العبارة لأكثر من المباشرين فهي إن لم تظهر في إرادتهم فلا ظهور لها في الأعم من ذلك وتكون العبارة مبتلاة بالاجمال ولا يسعنا معه إلا البناء علي القدر المتيقن منها وهو خصوص الرواة المباشرين.
2 - ان الاستدلال بقول ابن قولويه بأنه لم يرو عن الشذاذ من الرجال بالتقريب المتقدم غريب فهو غاية ما يثبت أنه لم يرو إلا عن المشهورين والمعروفين بالرواية لأنه المفهوم المقابل للشواذ..
والالتزام بوثاقة كل معروف بالرواية مبتنية علي بحث كبروي لا نلتزم به بل ندعي وضوح وهن هذه الدعوي.
كيف لا وقد ثبت اجماع الامامية علي وقوع صحبة بعض الكذابين بل المنافقين لنبينا (صلي الله عليه وآله) مع كثرة روايتهم عنه (صلي الله عليه وآله).
ومعه لا يبقي مجال لتعقل دعوي أن ابن قولويه لما أراد اعطاء قيمة لكتابه بني علي أن لا يروي إلا عن الثقة بقرينة عدم روايته عن الشذاذ.. مع أن
(١٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب الثقات لابن حبان (2)، ابن قولويه (2)
عدم الملازمة بين المعروفية والوثاقة أوضح من أن تخفي كما أشرنا …
ومنه يعرف حال القرينة الثانية المدعاة إذ أن عدم اخراجه لرواية تروي عن الشذاذ لا تعني انه أخرجها عن المعروفين. ولو سلم الفرق بين النقل والاخراج وقد عرفت أنه لا ملازمة بين المعروفية وكثرة الراوية وبين الوثاقة.
3 - ان ابن قولويه نفسه قد نقل عن الضعفاء والمجاهيل كثيرا بل انه ذكر من المرافيع والمراسيل عددا يطمئن معه بان لم يكن بصدد توثيق رواة كل من وقع في كتابه واعطاء مزيد قيمة له.
ويتعمق ويتضح الايراد من خلال وجود الضعاف المعروفين بالضعف والكذب عند الأصحاب وأرباب الرجال فإنه يبعد جدا عدم اطلاعه عليهم مع وضوح نسبة الذم لهم كما أن الدعوي المذكورة رغم محذوفية أسماء جملة من الرواة الواقعين في السند أشبه بدعوي إثبات علم الغيب لابن قولويه.
وسنذكر لك نبذة مما ورد في الكتاب كشاهد علي ما ذكرناه وهي علي أنحاء ثلاثة:
الأول - من ثبت فيهم الذم بشكل واضح وعلي مباني بعض أصحاب الدعوي أنفسهم منهم:
أ - عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ذكره النجاشي قائلا [كان ضعيفا غمز أصحابنا عليه وقالوا كان يضع الحديث] (1).
ب - علي بن حسان الهاشمي.. قال فيه ابن فضال [كذاب واقفي] (2) وقال فيه النجاشي [ضعيف جدا ذكره بعض أصحابنا في الغلات فاسد الاعتقاد] (3).
(١) رجال النجاشي ص ١٦٣.
(2) الكشي حديث 851.
(3) رجال الكشي ص 176.
(١٠٣)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، ابن قولويه (2)، علي بن حسان (1)، كتاب رجال النجاشي (1)، كتاب رجال الكشي (1)
ج - أبو جميلة المفضل بن صالح.. قال فيه ابن فضال انه وضع رسالة معاوية إلي أبي بكير وقال النجاشي في حقه ضمن ترجمة جابر بن يزيد الجعفي [روي عنه جماعة غمز فيهم منهم عمرو بن شمر ومفضل بن صالح ومنخل بن جميل] (1).
د - أبو الجارود زياد بن المنذر قال فيه ابن النديم في الفهرست [عن الصادق (عليه السلام انه لعنه وقال أعمي القلب] وروي فيه الكشي روايات ذامة له جدا وبعبائر مختلفة وفي بعضها [ما يموت إلا تائها].
وفي موضع آخر فيه وفي غيره [كذابون مكذبون كفار عليهم لعنة الله].
ه - عبد الله بن عبد الرحمن الأصم فقد قال النجاشي فيه [ضعيف غال ليس بشئ] (2) بل في كتاب ابن الغضائري المنسوب إليه انه من كذابة أهل البصرة (3).
و - عمرو بن شمر - فقد ذكر النجاشي في ترجمته [ضعيف جدا زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه والامر ملتبس] كما نسب تضعيفه إلي جماعة في ترجمة جابر بن يزيد.
الثاني - من ثبتت جهالتهم أو اهمالهم.
أ - أحمد بن أبي داوود - مجهول لا ذكر له في كتب الرجال.
ب - أحمد بن أبي زاهر - لم يوثق وقال الشيخ والنجاشي فيه [حديثه ليس بذاك النقي].
ج - أحمد بن إسحاق القزويني - مهمل لا ذكر له.
(١٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، أحمد بن أبي زاهر (1)، ابن الغضائري (1)، أحمد بن إسحاق (1)، زياد بن المنذر (1)، مدينة البصرة (1)، أبو الجارود (1)، جابر بن يزيد (2)، المفضل بن صالح (1)، جابر الجعفي (1)، ابن النديم (1)، عمرو بن شمر (2)، الموت (1)، الجهل (1)
د - أحمد بن جعفر البلدي - مهمل لا ذكر له.
ه - أحمد بن الحسن الميثمي - مهمل لا ذكر له.
و - أحمد بن الحسين بن سعيد ذكره في الفهرست من دون توثيق وزاد.. وذكروا انه غال وحديثه يعرف وينكر وفي رجاله نعته ب [يرمي بالغلو].
ح - أحمد بن علوية الأصفهاني ذكره الشيخ في رجاله من دون توثيق أو مدح.
ط - أحمد بن علي بن عبيد الجعفي مهمل لا ذكر له.
ي - أحمد بن قتيبة الهمداني مهمل لا ذكر له.
ك - أحمد بن هانيدار مهمل لا ذكر له.
إلي غير ذلك مما هو علي هذا النحو بل إن دعوي كون أغلب رواه الكتاب من هذا النحو قريبة جدا تظهر للمتتبع.
الثالث - ما رواه مرسلا أو مقطوعا أو مرفوعا وما شاكل ذلك وهو كثير.. منه:
أ - علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن هارون بن خارجة عن (1) أبي عبد الله.
ب - عن سعدان بن مسلم عن رجل (2).
ج - الحسن بن الزيرقان الطبري باسناد له يرفعه إلي الصادق (عليه
(١) كامل الزيارات ص ١٧٩ باب ٧٢ ح ١.
(٢) كامل الزيارات ص ٢١٩ باب 79 ح 13.
(١٠٥)
صفحهمفاتيح البحث: أحمد بن علوية الأصفهاني (1)، أحمد بن علي بن عبيد الجعفي (1)، أحمد بن قتيبة الهمداني (1)، أحمد بن الحسين بن سعيد (1)، أحمد بن الحسن الميثمي (1)، أحمد بن جعفر البلدي (1)، علي بن إبراهيم (1)، هارون بن خارجة (1)، سعدان بن مسلم (1)، الصدق (1)، كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه (2)
السلام) (1).
د - عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
ه - عمرو بن سعيد الزيات قال حدثني رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام).
و - عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3).
ز - عن إبراهيم بن محمد الثقفي رفعه إلي أبي عبد الله (عليه السلام) (4).
ح - محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن بعض أصحابه عن جويرية بن العلا عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5).
ط - عن عمرو بن هشام عن بعض أصحابنا عن أحدهم.. مع أن عمرو نفسه مجهول مهمل (6).
ي - حدثني محمد بن الحسن بن الوليد رحمه الله فيما ذكر كتابه من الذي سماه كتاب الجامع روي عن أبي الحسن (عليه السلام) (7).
إلي غير ذلك من الموارد التي لا حاجة لسردها لسهولة تحصيلها..
(١) كامل الزيارات ص ٨٨ باب ٤٨ ح ١.
(٢) كامل الزيارات ص ٥٦ باب ١٦ ح ٤.
(٣) كامل الزيارات ص ٥٧ باب ١٦ ح ٥.
(٤) كامل الزيارات ص ١٨٦ باب ٧٥.
(٥) كامل الزيارات ص ١٤١ باب ٥٥ ح ١.
(٦) كامل الزيارات ص ٥٣.
(٧) كامل الزيارات ص.
(١٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (1)، إبراهيم بن محمد الثقفي (1)، محمد بن الحسن بن الوليد (1)، الحسن بن الحكم النخعي (1)، عبد الله بن بكير (1)، عمرو بن هشام (1)، عمرو بن سعيد (1)، الجهل (1)، كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه (7)

البحث الثاني - القول في وثاقة تفسير ابن إبراهيم القمي

ومن كل ما ذكرناه يتضح لك بأن دعوي وثاقة رواة كتاب كامل الزيارات واضحة البطلان.
البحث الثاني - القول في وثاقة رواة تفسير علي ابن إبراهيم القمي:
ومنشأ هذه الدعوي أيضا ما صرح به في أول كتابه قال:
[ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا من مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم] (1).
وقد استفاد الحر العاملي وغيره من الاعلام من هذا التعبير إرادة علي بن إبراهيم توثيق جميع رجال كتابه. ويمكن توضيح الدعوي ببيان أمرين:
1 - ان قوله [.. من مشايخنا وثقاتنا] ظاهر في إرادة اعطاء قيمة عليا لكتابه وان رواياته صادرة عن الثقات الذين يركن إليهم ويعتمد عليهم.
2 - ان القول المذكور بإضافته إلي قوله [.. ومخبرون بما ينتهي إلينا..] يدل علي أن ما انتهي إليه من الروايات التي ضمنها كتابه مأخوذة عن المشايخ الثقات عن المفروض طاعتهم.
ونتيجة الامرين معا تعكس ظهورا واضحا للفظ في توثيق جميع رواة هذا الكتاب.
وقبل الجواب عن الدعوي بكلا أمريها المبينين لا بأس بتوضيح فقه العبارة قبل مناقشتها.
فان لفظ (ما) يراد به الروايات بقرينة (مخبرون.. ذاكرون) وأما مشايخنا فالمراد منها المباشرون له لا الأعم وان أطلق اللفظ عليهم بالعناية
(1) تفسير القمي ص 4 وفي نسخة [بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا].
(١٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه (1)، الشيخ الحر العاملي (1)، كتاب الثقات لابن حبان (2)، الباطل، الإبطال (1)
والتأول وساعتئذ يكون العطف ب (ثقاتنا) علي (مشايخنا) لاجل أحد أمرين لا ثالث لهما:
أ - أما لتفسير وتوضيح المراد من اللفظة كما هو شائع في الاستعمال العربي إذ كثيرا ما يقال مثلا (أبي وعزيزي) أو (الامام والسند المعتمد) مع إرادة شخص واحد من العبائر.. وإنما أورد العطف بالواو لاجل التفسير والتوضيح.
ب - وأما لبيان مغايرة الراوي الذي ينقل عنه بمعني ان روايات الكتاب انتهت إليه عبر المشايخ تارة وعبر الثقات تارة أخري وإن لم يكونوا شيوخا له وسواء كانوا مباشرين له أم لا.
والأظهر هو الأول نظرا لشيوع الاستعمال كذلك ولغلبة نقل الروايات عن المشايخ من الأصحاب لا عن رواة ليسوا كذلك وان كانوا من الثقات المعروفين لديه بنقل أو غيره.
وعلي كل حال سواء أريد به الأول أو الثاني فيرد علي أصل الدعوي جملة أمور:
* الأول - ان دعوي إرادة علي بن إبراهيم اعطاء قيمة لكتابه لا تعني وثاقة كل رواة كتابه إذ انه يوجد مراتب عدة للقيمة.
فالرواية عن الممدوحين هي قيمة للكتاب وإن لم تثبت وثاقتهم والرواية عن خصوص المشايخ الثقات قيمة أخري للكتاب والرواية عن الثقات المباشرين قيمة كذلك كما أن كون جميع من في الكتاب من الرواة ثقات قيمة عليا له.
ودعوي استظهار توثيق كل الرواة من لفظ [مشايخنا وثقاتنا] بتقريب انه بصدد اعطاء قيمة للكتاب غير متعينة لكفاية وثاقة المباشرين في ذلك بل الممدوحين لولا النص علي وجود الثقات في الجملة.
(١٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (5)، علي بن إبراهيم (1)
ويؤيد ذلك جملة أمور:
1 - ورود جملة من الضعفاء المنصوص علي ضعفهم في طيات كتابه ومن المستبعد جدا وجود عدد معتد به من المعروفين بالضعف قد خفي أمرهم عليه مع كونه بصدد اعطاء قيمة معينة لكتابه والمتوقفة علي البحث عن الثقات المتفق عليهم.. ولا أقل أولئك الذين لم يرد فيهم تضعيف صريح أو عدة ألفاظ متضاربة.
خصوصا انه بملاحظة التعبير ب (ثقاتنا) المضاف إلي الأصحاب أو إليه والمشعر بإرادة الاماميين من الثقات يتأكد لدينا عدم إرادة عموم رواة الكتاب للعلم بعدم الالتزام بذلك بناء علي شمولية التفسير فإنه روي عن الحسن بن محمد بن سماعة والحسن بن علي بن أبي حمزة وكلاهما واقفيان بل من شيوخ الواقفة إلي غير ذلك.
ونذكر جملة من الذين ورد التضعيف في حقهم وقبله بعض أصحاب هذه الدعوي نفسها مع أن ابن إبراهيم ضمنهم كتابه.
1 - أبو الجارود زياد بن المنذر فإنه روي عنه كثيرا بل إن كتابه ممتلئ بالرواية عنه وقد تقدم حاله وكذبه.
2 - أبو جميلة المفضل بن صالح وقد تقدم أمره.
3 - علي بن حسان الهاشمي وقد تقدم أيضا ومثله عمه عبد الرحمن فقد ذكره النجاشي قائلا [كان ضعيفا غمز أصحابنا عليه وقالوا كان يضع الحديث] (1).
4 - عمرو بن شمر وقد مضي.
5 - الحسن بن علي بن أبي حمزة. فان الكشي نقل عن ابن فضال فيه أنه
(١) رجال النجاشي ص ١٦٣.
(١٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي حمزة البطائني (2)، كتاب الثقات لابن حبان (2)، زياد بن المنذر (1)، أبو الجارود (1)، المفضل بن صالح (1)، محمد بن سماعة (1)، علي بن حسان (1)، عمرو بن شمر (1)، كتاب رجال النجاشي (1)
كذاب ملعون (1).
الثاني - ورود جملة من المجاهيل والمهملين والمختلف في حالهم مع وضوح الاختلاف فيهم وما شاكل.
ومن البعيد أيضا أن يكون اطلع علي وثاقتهم ومن خلال الكتب الرجالية مع عدم اطلاع غيره كالشيخ والنجاشي مع قرب عصرهم وكون ديدنهم البحث عن أمثال المذكورين ونذكر من هذا القسم:
1 - سهل بن زياد.
2 - النوفلي.
3 - المعلي بن خنيس.
4 - محمد بن الفضيل.
5 - أحمد بن هلال بل إن الكشي روي لعنا فيه (2).
6 - إسماعيل بن يسار الهاشمي فقد ذكر فيه النجاشي [.. ذكره أصحابنا بالضعف] (3).
7 - أحمد بن السياري.
8 - محمد بن سنان.
وغيرهم بل أن هذا القسم مما لا تكاد تحص أفراده وهذا أحد أهم المنبهات علي بطلان كبري الدعوي المتقدمة.
3 - ورود المراسيل والمقاطيع وما شاكل ذلك ولا مبرر لنقل ذلك وبهذه
(١) اختيار معرفة الرجال ص ٥٥٢ رقم ١٠٤٢.
(٢) نفس المصدر ص ٥٣٥ رقم ١٠٢٠.
(٣) رجال النجاشي ص ٢١.
(١١٠)
صفحهمفاتيح البحث: إسماعيل بن يسار الهاشمي (1)، أحمد بن السياري (1)، المعلي بن خنيس (1)، أحمد بن هلال (1)، سهل بن زياد (1)، محمد بن الفضيل (1)، محمد بن سنان (1)، الباطل، الإبطال (1)، كتاب رجال النجاشي (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
الكثرة إلا لعدم اطلاعه بنفسه علي المحذوفين والمجهولين … اللهم إلا يدعي أنه اطلع علي غيب الله فيهم ولكنه لم يذكرهم حفظا لأمانة النقل.
ومن مفردات هذا القسم:
1 - ما ورد في الكتاب وهو قوله [حدثني محمد بن يحيي البغدادي رفع الحديث إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
2 - قوله [حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجالهم عن أبي عبد الله (عليه السلام (2).
3 - قوله [حدثني أبي رفعة قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) (3).
4 - ما رواه عن النبي (صلي الله عليه وآله) بثلاث وسائط [فحدثني أبي عن مسلم بن خالد عن محمد بن جابر عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله)] (4).
5 - [.. وحدثني هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني رجل من بني عدي بن حاتم عن أبيه عن جده عدي بن حاتم..] (5).
6 - [حدثنا جعفر بن محمد الفزاري.. عن رجل عن أبي بصير..] (6).
7 - [أخبرنا أحمد بن إدريس قال.. عن الحسين بن أبي يعقوب عن
(1) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 99.
(2) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 49.
(3) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 389.
(4) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 175.
(5) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 60.
(6) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 295.
(١١١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، محمد بن يحيي البغدادي (1)، الحسين بن أبي يعقوب (1)، جعفر بن محمد الفزاري (1)، ابن أبي عمير (1)، أبو عبد الله (1)، أحمد بن إدريس (1)، هارون بن مسلم (1)، عدي بن حاتم (2)، مسعدة بن صدقة (1)، محمد بن جابر (1)، علي بن إبراهيم (6)
بعض أصحابه..] (1) وإلي غير ذلك من الموارد التي يلاحظها المتتبع …
وهذه الأمور الثلاثة تزداد أهمية بملاحظة كثرة الضعفاء ووضوح حالهم بحيث كلما ازداد الاستقراء تزداد القيمة الاحتمالية لبطلان الدعوي وإثبات ان ابن إبراهيم لم يرد إلا خصوص رواته المباشرين.
بل إن كون أغلب روايات كتابه واردة عن أبيه وأحمد بن إدريس تكاد تشككنا في أصل كلتي الدعويين وتثبت لنا ان غاية مراده إثبات وجود عدد من الثقات والمشايخ في الجملة.
هذا تمام الكلام في الشق الأول.
وأما الشق الثاني فهو مرتبط بالمراد من مشايخنا وثقاتنا.. فان قيل بالاحتمال الأول وكما بينا بان الشيخ لا يطلق علي غير المباشر إلا بعناية خصوصا مع ملاحظة إضافة الثقات والمشايخ إلي (نا) بقوله (مشايخنا وثقاتنا).
فستكون الجملة بناء عليه ناظرة لاثبات وثاقة مشايخه وانه روي كتابه بواسطتهم ووجه ذلك أنه لم يعبر بأنه سيذكر ويخبر بما رواه المشايخ والثقات ليرد احتمال التعميم بل انه ذكر أنه مخبر بما ينتهي إليه من المشايخ.
والمراد انه يذكر الروايات التي تصل إليه من شيخه وثقته وهو يكاد يكون كالنص في إرادة المباشرين لعدم كون الواقع في السند بعدهم ممن انتهت رواياته إليه كما لا يخفي …
ومنه تعرف ان تفسير (مشايخنا وثقاتنا) بمقتضي الاحتمال الثاني لا يزيد شيئا علي المدعي حتي لو سلمت المغايرة.
هذا مضافا إلي عدم صحة كبري الملازمة بين الشيخوخة وبين الوثاقة.
(1) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 423.
(١١٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (2)، أحمد بن إدريس (1)، الباطل، الإبطال (1)، علي بن إبراهيم (1)

البحث الثالث - القول في أسانيد نهج البلاغة

ولعمري بعد هذا فإن الامر أبين من الأمس وأوضح من الشمس.
وبهذا يتحصل ان عبارة ابن إبراهيم لا تدل علي أكثر من وثاقة مشايخه المباشرين إن لم نخدش في ذلك أيضا كما عرفت بيانه.
البحث الثالث - القول في أسانيد نهج البلاغة:
وهو الكتاب الذي ألفه الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسي بن محمد بن موسي ابن إبراهيم بن موسي بن جعفر الصادق (عليه السلام) والمولود سنة 359 ه والمتوفي سنة 406 ه (1).
وقد جمع فيه الكثير من كلام الأمير علي بن أبي طالب سلام الله عليه وفي موارد شتي كما صرح بذلك في مقدمة النهج.
[.. وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي علي مختار كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع فنونه ومتشعبات غضونه من خطب وكتب ومواعظ وآداب..] (2). وقد فرغ من تأليفه عام 400 ه كما نص علي ذلك في خاتمة النهج..
والذي دعاني إلي البحث المذكور ورغم عدم كونه محل ابتلاء من الناحية الفقهية أحد أمرين:
1 - إرسال جمع من الشيعة نسبة الكتاب إلي الأمير (عليه السلام) معتقدين صحة كل ما ورد فيه بحسب الاعتبار الرجالي.
2 - ما ورد من التشكيك المطلق في الكتاب من قبل جمع من العامة.
(1) اكتفاء القنوع ص 271.
(2) نهج البلاغة ص 11.
(١١٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، كتاب نهج البلاغة (2)، يوم عرفة (1)، إبراهيم بن موسي بن جعفر (1)، الحسين بن موسي بن محمد (1)، الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين (1)
فقد قال الذهبي من طبقاته [وفيها - سنة 436 - توفي شيخ الحنفية العلامة المحدث أبو عبد الله الحسين بن موسي الحسيني الرضي واضع كتاب نهج البلاغة] (1).
فإنك تري أنه عد الشريف الرضي من الحنفية ومن مشايخهم وانه قد وضع نهج البلاغة إلي غير ذلك مما ليس ههنا موضع بحثه.
ولا ريب في أن دافعهم ما وجدوا فيه من اشتماله علي ما لا تهوي أنفسهم كخطبة الشقشقية وغيرها مما يزعزع عرش مذاهبهم.. ولا نريد إطالة الكلام في هذا البحث بقدر ما نريد بيان بعض الأمور ويمكن تلخيص الوجوه التي تثبت صحة النهج بثلاثة:
الأول - ان الشريف الرضي قد ذكر ما ذكره منسوبا إلي الأمير (عليه السلام) والذي يظهر من المقدمة كون ذلك عنده من المسلمات.
الثاني - ان أسلوب النهج لا يتفق لاحد غير الأمير (عليه السلام) لما فيه من بلاغة تبهر العقول ويسلم بها كل ذي مسكة وعلم باللغة والأدب العربيين.
ولذا تجد أن جمعا من علماء النجف لما وجه إليهم السؤال عنه قالوا بأنه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق وكما صرح بذلك ابن أبي الحديد نفسه.
الثالث - ان النهج كان علي مرأي من علمائنا وأصحابنا المتقدمين ولم نجد منهم من طعن في صحته أو غمز فيه مما يدل علي تسالمهم بان ما فيه هو من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه.
إلا أن الانصاف عدم تمامية كل من هذه الوجوه وذلك:
أما الأول - فلانه لو سلم دلالته فغايته الصحة بنظر الشريف (قدس سره)
(١) تذكرة الحفاظ ج ٣ ص ٢٨٩.
(١١٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، مدينة النجف الأشرف (1)، كتاب نهج البلاغة (2)، الحسين بن موسي (1)، أبو عبد الله (1)، الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين (2)، كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي (1)
مع اننا لا نسلم الدلالة المتقدمة وذلك لذكر نفس الشريف في مقدمته ما يخل بذلك حيث قال مبررا اختلاف التعابير.
[.. والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا..] وكيف يقال بذلك مع حذفه للأسانيد وعدم ذكره إلا القليل منها مما ستعرف حاله.
وأما الثاني - فلانه غاية ما يثبت صحة وجود كلام للأمير (عليه السلام) في النهج في الجملة وهذا مما لا نناقش فيه. بل اننا نعتقد بأن شبه هذا الكلام لا يمكن صدوره من غيره فضلا عن أن تعدد مآخذ الشريف الرضي وان حذف الاسناد يثبت بالضرورة وقوع العديد من كلام الأمير (ع) في طيات الكتاب.
وأما ثبوت النهج بمجمعه فمما لا يقتضيه هذا الوجه كما هو بين واضح وأي صعوبة في الدس المقتبس من مجموع كلامه بحيث يؤذي إلي ضياع التشخيص ولو جزئيا.
وأما الوجه الثالث فإنه يتم لو كان الأصحاب والفقهاء بصدد العمل بمضمونه من الناحية الفقهية مع أنه ليس كذلك.
وكون ما في الكتاب مجملا صحيح النسبة كافيا لاتخاذه مسلكا ومنهاجا للكمال والسير والتقرب إلي حضرة الله عز وجل خصوصا مع تأيد ما فبه - ولأي كانت النسبة - بالعقول السلمية والقلوب النيرة المستقيمة.
ومنه يتحصل ان التشكيك في النهج علي نحو يراد منه استيعاب الجمل والكلمات بأسرها ففيه إشكال وتأمل واضحين كما عرفت من ثبوته ولو في الجملة. وإن لم نستطع الجزم ببعض المفردات أو الجمل بالتحديد.
ويتأيد ما ذكرناه ورود المراسيل وما رواه الضعاف وما شاكل ذلك.
فمن الأول - 1 - ومن كتاب له (عليه السلام) كتبه لشريح بن الحرث قاضيه
(١١٥)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين (1)
[روي (1) ان شريح بن..] فان التعبير ب (روي) إرسال واضح.
2 - ومن خطبة له (عليه السلام) روي (2) عن نوف البكالي قال خطبنا بهذه الخطبة وهو قائم علي حجارة …
3 - ومن خطبة له، (عليه السلام) روي (3) ان صاحبا لأمير المؤمنين يقال له همام كان رجلا عابدا..
4 - ومن كلام له (عليه السلام) روي (4) عنه أنه قال عند دفن سيدة نساء العالمين …
5 - ومن كتاب (5) له (عليه السلام) إلي طلحة والزبير مع عمران بن الحصيني الخزاعي وذكر هذا الكتاب أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات.
6 - وروي (6) انه كان جالسا في أصحابه إذ مرت بهم امرأة جميلة.
ومن الثاني - 1 - [روي اليماني عن أحمد بن قتيبة عن عبد الله بن زيد عن مالك بن دحية وفي الحديث انهم كانوا خلقه في سبخ الأرض] (7).
وهو ضعيف باليماني فإنه مجهول.
2 - وروي (8) ابن جرير الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي
(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٤.
(٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٠٣.
(٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٦٠.
(٤) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٨٢.
(٥) نهج البلاغة ج ٣ ص ١١١.
(٦) نهج البلاغة ج ٤ ص ٩٨.
(٧) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٢٧.
(٨) نهج البلاغة ج ٤ ص ٨٨.
(١١٦)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن زيد (1)، أحمد بن قتيبة (1)، نوف البكالي (1)، الجهل (1)، الدفن (1)، كتاب نهج البلاغة (8)
ليلي..] وهو ضعيف بابن أبي ليلي.
3 - ومن حلف كتبه (عليه السلام) بين اليمن وربيعة ونقل (1) من خط هشام بن الكلبي والأخير ضعيف.
4 - ومن كتاب له (عليه السلام) أجاب به أبا موسي الأشعري قال وذكر هذا الكتاب سعيد بن يحيي الأموي في كتاب المغازي (2).. وسعيد المذكور ضعيف.
إلي غير ذلك مما يلاحظه المتتبع.
نعم ان كتاب النهج ككتاب بلاغي أدبي تعليمي إرشادي أخلاقي نموذجي مما لا نظير له ولا أتت البشائر مثله يكاد يكون وحيا منزلا وذهبا منضدا.
وبهذا ينتهي البحث عن الباب الرابع..
(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ١٣٤.
(٢) نهج البلاغة ج ٣ ص ١٣٦.
(١١٧)
صفحهمفاتيح البحث: ابن أبي ليلي (1)، سعيد بن يحيي (1)، كتاب نهج البلاغة (2)

الباب الخامس - القول في وثاقة من روي عنه أحد الأصحاب الاجماع

الباب الخامس القول في وثاقة من روي عنه أحد أصحاب الاجماع وهذا البحث من أجل المباحث وأنفسها لأنه لو تم كبرويا لادي إلي تصحيح الكثير من الروايات التي كانت في عالم الضعف.
بل عن بعض الاعلام دخول آلاف الأحاديث في دائرة الصحة بذلك.
ومنشأ الدعوي المذكورة ما افاده الكشي في ثلاثة مواضع من كتابه الذي اختصره الشيخ الطوسي والمعروف بكتاب اختيار معرفة الرجال حاليا.
وما افاده الشيخ الطوسي في كتاب العدة.
ولا بد من عرض كلامهما ومناقشته وبيان المقدار الذي يستفاد منه لاثبات المدعي فههنا مقامات:
الأولي - في دلالة عبائر الكشي علي الدعوي:
الثاني - في دلالة عبارة الشيخ علي ذلك:
الأولي - عرض العبائر وذكر محل الاستدلال.
(١١٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)، الشيخ الطوسي (2)
الثانية - في تعميق الاستدلال وبيان المختار.
الجهة الأولي - ذكر الكشي في موضع من كتابه في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام):
[قال الكشي: أجمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) وانقادوا لهم بالفقه فقالوا أفقه الأولين ستة: زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطايفي قالوا وافقه الستة زرارة وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري] (1).
والكلام في فقه العبارة من موضعين:
الأول - في قوله [أجمعت العصابة علي تصديق هؤلاء الأولين..] فان لفظ هؤلاء أما ان يعود إلي الستة كما هو المشهور وأما ان يعود إلي سائر الأولين من أصحابهما (عليهما السلام) وذلك ببيان مؤيد هو تعقيبه ذلك بجملة (أفقه الأولين) مما يدل علي إرادة جميع الأولين من العبارة المتقدمة.
وعليه ففي كل مورد علمنا من القرائن أو من النص الصريح لاحد أرباب الكتب الرجالية والاعلام الذين يعتد بأقوالهم بأن فلانا فقيه فيبني علي وثاقة كل من يقع بعده أيضا ولعل ذلك يظهر من السيد الداماد وغيره. إلا أن الصحيح إرادة خصوص الستة وذلك لقرائن ثلاث:
أ - أنه فرع أفقهية الستة علي الجملة الأولي بالفاء فقال (فقالوا أفقه..) وهو ظاهر في إرادة تفسير العبارة الأولي وتوضيحها وإلا لانبغي العطف
(1) اختيار معرفة الرجال ص 238.
(١٢٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، أبو بصير (3)، محمد بن مسلم الطائفي (1)، الفضيل بن يسار (1)، معروف بن خربوذ (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
بالواو.
ب - ان التعبير باسم الإشارة يناسب المحسوس المذكور أو ما قام مقامه وأما عودها علي الفقهاء مطلقا مع عدم كونهم مذكورين فبعيد ويخالفه لو عادت اللفظة علي الستة المذكورين بعد ذلك.
ج - ان هذا التعبير من الكشي موافق سياقا للعبارتين الآتيتين ولا يحتمل وجود مغايرة بينهما وهناك يوجد صراحة في إرادة خصوص المذكورين نصا وتفصيلا فوحدة السياق تقتضي وحدة المراد..
الثاني - ان جملة (وقال بعضهم) تعود إلي نقل بعض الأصحاب واجتهاده الخاص في مقابل العصابة. والعبارة علي هذا التوجيه بمعني ان الكشي ينقل عن الأصحاب أفقهية هؤلاء الستة وبعض آخر ينقل رأيه الخاص لا انه ينقل عن الأصحاب أفقهية الستة ولكن بإبدال الأسدي بالمرادي وهذا الاحتمال هو الأظهر لعود الضمير إلي الأصحاب لا إلي أجنبي ينقل رأيهم ليقال بوقوع المعارضة بين نقله ونقل الكشي..
هذا تمام الكلام في العبارة الأولي * وذكر الكشي في موضع آخر من كتابه في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) [أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسي وحماد بن عثمان وأبان بن عثمان. قالوا وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون: ان أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) (1).
وهذه العبارة أصرح من سابقتها في عودها علي خصوص الستة
(1) اختيار معرفة الرجال ص 375.
(١٢١)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن مسكان (1)، عبد الله بن بكير (1)، أبان بن عثمان (1)، ثعلبة بن ميمون (1)، حماد بن عيسي (1)، حماد بن عثمان (1)، جميل بن دراج (2)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
المذكورين وأنهم أدني رتبة من الستة المتقدمين.
كما وان المراد من أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) أنهم كانوا شبابا إذ يقال للشاب الفتي أنه حديث السن وحدث بفتحين وجمعه أحداث لا كما ربما يتوهم أنه مشتق من التحديث أي انهم كانوا أكثر تحديثا لعدم صحة هذا الجمع بهذا المعني ولعدم كون الكلام بصدد بيان ذلك.
وفي موضع ثالث ذكر الكشي في باب تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليه السلام).
[أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر دون الستة الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيي بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب وأحمد بن محمد بن أبي نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب وقال بعضهم مكان ابن فضال (1) عثمان بن عيسي وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيي] (2).
وفقه العبارة واضح وأما إبدال البعض للحسن بن محبوب بشخصين لا ينافي كونهم ستة لأنهم كذلك بشهادة الكشي لا بشهادة البعض الآخر ولعله كان يعتقد بأنهم سبعة وقد تحصل من مجموع هذه العبائر دعوي إجماع العصابة علي تصحيح ما صح عن ثمانية عشر رجلا ولا خلاف في ستة عشر منهم وإنما الخلاف في اثنين هما ابن محبوب وأبو بصير الأسدي.
ولا ضير في الخلاف المذكور ما دام من بعض لا يعلم أهميته خصوصا
(1) اختيار معرفة الرجال ص 566 وفي نسخة أخري فضالة بن أيوب مكان ابن فضال.
(2) المصدر السابق.
(١٢٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، أبو بصير (1)، أحمد بن محمد بن أبي نصر (1)، عبد الله بن المغيرة (1)، الحسن بن علي بن فضال (1)، محمد بن أبي عمير (1)، فضالة بن أيوب (2)، صفوان بن يحيي (2)، عثمان بن عيسي (1)، الحسن بن محبوب (2)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
انه أعرض عن ذكر اسمه.
وتفترق العبارة الأولي عن الأخيرتين بعدم وجود جملة [.. تصحيح ما يصح عن هؤلاء] فيها بل اقتصرت كما عرفت علي الفقرة التالية وهي [تصديقهم..].
إلا أن استبعاد إرادة المغايرة بين هذه العبائر وخصوصا ان الستة الأولي هم أعلي وأرقي درجة منهم بشهادته يحدد إرادة معني واحد من جميع هذه العبائر فالمستفاد دلالة من الثانية والثالثة لا محاله مراد من العبارة الأولي.
هذا تمام الكلام في الجهة الأولي.
الجهة الثانية - في تعميق الاستدلال وبيان المختار:
وتعميق الاستدلال بهذه العبائر بملاحظة قوله في أول العبارة [أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون..] الخ.
ببيان ان المراد ب (ما) هو الروايات وأما حرف (عن) فهو للتجاوز والمعني ان ما صح متجاوزا إليهم أجمعت العصابة علي صحته دون النظر فيمن بعدهم وهذا ينسجم مع أحد احتمالين.
الأول - بناء الأصحاب علي صحة رواياتهم بمجرد صحة السند إليهم ولو جهل الواقعون بعدهم. لجهة بناء أصحاب الاجماع علي عدم نقل غير الصحيح والمعتمد لقرائن وشواهد ثابتة لديهم ولو كانت غير مرتبطة بالرواة ووثاقتهم.
وعلي هذا الاحتمال يكون نظر العبارة إلي تصحيح المضمون والمروي.
الثاني - بناء الأصحاب علي العمل برواياتهم كذلك لكن لا لصحتها في نفسها بل لعلم الأصحاب ببناء أصحاب الاجماع علي عدم الرواية إلا عن
(١٢٣)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، الشهادة (1)، الجهل (1)
الثقات وذلك لمزيد احتياطهم ودقتهم في النقل عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم.
ونظر العبارة علي هذا التوجيه إلي تصحيح الراوي وتوثيقه.
وقد ذهب إلي الاحتمال الأول جمع من الاعلام كصاحب الوافي وظاهر السيد علي في الرياض وغيرهم ممن نسب إليهم هذا القول.
وذهب إلي الاحتمال الثاني السيد الداماد والمولي المجلسي والفاضل السبزواري والعلامة البهبهاني وغيرهم وهو الصحيح.
وذلك لان ظاهر الكشي إرادة معني واحد من العبائر الثلاث بل لا يحتمل تحقق اجماع الطائفة علي الاخذ برواية ابن أبي عمير واضرابه وتصحيح ما يصح عنهم وعدم تحقق ذلك في حق زرارة مع قرب التعابير الثلاث مضمونا.
ومن هنا يندفع الاشكال القائل ان العطف بالواو في جملة [تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم] يدل علي أن التصحيح عائد إلي الرواية ومضمونها لا إلي الراوي بل إن هذا العطف لإرادة التأكيد والتوضيح للمراد. ولذا حذفه في العبارة الأولي واكتفي بعبارة [تصديقهم..].
ويؤيد ذلك أن الكشي لو كان بصدد دعوي الاجماع علي التصحيح للروايات مضمونا للزم منه دعوي اطلاق جميع الأصحاب المجمعين علي جميع روايات هؤلاء وعلمهم بصحتها جمع مع اختلاف مبانيهم بالصحة وشرائطها وعدم توفر جميع روايات الراوي عند كل منهم ودعوي كهذه تكاد تكون من المحالات وبخلافه ما لو قيل بان هذا العبائر دالة علي أن هؤلاء لمزيد جلالتهم ودقتهم في النقل عن الأئمة كان ديدنهم النقل عن خصوص الثقات ليأمنوا الدس والتغيير والتحريف.
وهذا مما لا يحتاج إلي مؤونة أكثر من الاطلاع علي أحوالهم والعلم
(١٢٤)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (2)، العلامة المجلسي (1)، ابن أبي عمير (1)
ببنائهم وإن لم يطلع الأصحاب علي أي من رواياتهم.
ومما يؤيد ذلك ما ذكره الطوسي في آخر بحث خبر الواحد من العدة من أن الأصحاب سووا بين مراسيل ومسانيد ابن أبي عمير وغيره لاجل أنهم لا يرسلون إلا عن ثقة بتوضيح ان العبارة - وكما ستعرف مفصلا - تعود إلي اجتهاد من قبل الشيخ في فهم عبارة الكشي وهي صريحة في إرادة توثيق كل الواقعين في الأسانيد لمكان بناء هؤلاء والتزامهم عدم الرواية إلا عن الثقات.
لا يقال ان شيوع ذلك ينافي عدم عمل الشيخ نفسه بروايات ابن أبي عمير المرسلة وغيره من أصحاب الاجماع.
قلنا - ان عدم عمله لمانع شئ، وعدم عمله بدوا شئ آخر. وما نحن فيه من قبيل الأول فان الشيخ في الاستبصار كان بصدد علاج الاخبار المتعارضة ومن الطبيعي جدا انه سيقدم المسند الصحيح علي ما فيه أحد أصحاب الاجماع ولو من باب أقوائية الكاشفية عن الواقع في الروايات الصحيحة المسندة.
ثم إن ههنا ثمة إشكالات قد ترد لا بد من الإجابة عليها وهي متعددة:
الأول - ان العبارة المذكورة لا تدل علي أكثر من جلالة هؤلاء القوم ووثاقتهم ومزيد ورعهم ولا نظر لها للمروي أو رواته مطلقا.
ويؤيد ذلك اننا لم نجد أحدا من القدماء عمل بخبر ضعيف محتجا بأن في سنده أحد أصحاب الاجماع.
والجواب ان إرادة ذلك من العبائر لا تكاد تعقل إذ كيف يدعي وجود ثمانية عشر رجلا فقط ممن اجتمعت العصابة علي وثاقتهم وورعهم وغير ذلك مع وجود النصوص المتضافرة علي وجود المزيد من الاجلاء والعيون والعدول بل إن بعض المتأخرين أنهي ثقاته إلي ألف وثلاثمائة وثمانية وعشرين رجلا.
(١٢٥)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، ابن أبي عمير (2)
وأما عدم عمل القدماء - لو سلم علي عمومه - فلعله من جهة قربهم للرواة ولأصحاب الاجماع فكانوا يركنون لبعض الروايات دون أخري من دون حاجة لاعمال القاعدة أو لاجل وجود روايات آخر في الباب موافقة لما رواه أصحاب الاجماع أو غير ذلك فيعملون بها من دون حاجة الاستشهاد برواية فيها إرسال أو ضعف وقع في سندها أحد أصحاب الاجماع.
الثاني - ان لازم القول المختار عدم ورود الضعفاء والمهملين وأمثالهم في سند الروايات التي فيها أحد أصحاب الاجماع مع أن ذلك واقع وبشكل معتد به.
والجواب يتضح علي ضوء ما أسسناه من لزوم التدقيق في عبائر الذم والمدح فان تضعيف شخص من الواقعين في إسناد روايات أصحاب الاجماع لا يضر ما دام راجعا إلي معتقده أو إلي حديثه ومن هنا قيل في البرقي (ضعيف الحديث) مع أنه من أجلة الأصحاب وأوثقهم.
وكذا فإن وجود المهملين والمجهولين لا يتنافي مع ذلك بل يمكننا القول بأن موضوع القاعدة هو تصحيح المهمل والمجهول وعلي حد تصحيحات الشيخ والنجاشي واضرابهما إن لم تكن دلالة القاعدة من خلال العبائر المتقدمة أبلغ في إثبات الجلالة والوثاقة وخصوصا ان حذف الأسانيد كان لأسباب سياسية. أو نتيجة لضياع الكتب وكتابتها بعد ذلك عن ظهر قلب.. كما هو الحال في كتب ابن أبي عمير فإنه اضطر نتيجة ضياع كتبه أو تعرض بعض الأسانيد للاندثار إلي ذكر كلمة (رجل) أو (بعض أصحابنا) بدل الاسم السابق مع أن الجميع من الثقات وحذفهم ليس إلا لاجل نسيان أشخاصهم بالذات.
ثم إنه لو فرض وجود شخص قد ثبت ضعفه صريحا من جهة اللسان فإننا نحتمل انه كان ذا حالتين كما هو الحال في علي بن أبي حمزة البطائني والذي
(١٢٦)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي حمزة البطائني (1)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، ابن أبي عمير (1)
روي عنه سبعة من أصحاب الاجماع رغم ما ورد فيه الذم واللعن.
ووجه ذلك - وكما سيأتي في الخاتمة - كون الذم متأخرا عن زمان الروايات وكونه في ظرف وقفه وانحرافه.
بل إن وجود شخص ما لم يصدق في حياته ولو مرة مما لا نكاد نتعقله..
ومن هنا نقول إن وجود شخص قد نص علي كذبه أو وضعه مما لا يخرم القاعدة وعمومها.
ان قلت إن هذا لا يزيد علي الاحتمال.
قلنا هو كاف في عدم انخرام القاعدة إذ كيف تقيد أو تخرم بالاحتمال وان كان معتدا به.
ومنه يندفع الاشكال الذي يعود بروحه إلي الاشكال الثاني وحاصله اننا نتيجة للعم الاجمالي بوجود الضعاف لا نلتزم بالعمل بالمراسيل لاحتمال كون المحذوف أحد الضعفاء المعلومين بينما نلتزم بالعمل بالمسانيد لو وجد في أحدها فرد من أصحاب الاجماع.
ووجه ذلك أن التمسك بالقاعدة كعام حين الشك هو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ووجه الاندفاع ما عرفت من عدم تعقل رجل لم يصدق في حياته ولو مرة مع إمكان حمل الذم علي برهة زمانية مغايرة للبرهة التي نقل أصحاب الاجماع فيها عنه إلي غير ذلك مما تقدم بيانه كحمل التضعيف علي ضعف الاعتماد.. ومنه يندفع الاستشهاد بأمثال علي بن أبي حمزة أو ولده فان الأول ممن له حالتان والثاني من يحتمل رجوع تكذيبه إلي الاعتقاد لقول ابن فصال عقيب تكذيبه (ملعون) وكذا يندفع الاستشهاد بورود المفضل بن صالح ضمن من روي عنه أحد أصحاب الاجماع إذ ورد فيه التعبير ب (غمز فيه) وهو أعم مما يراد إثباته وعلي ذلك يقاس جميع الذين نقض بهم علي عموم القاعدة.
(١٢٧)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي حمزة البطائني (1)، يوم عرفة (1)، المفضل بن صالح (1)
الثالث - ان انفراد الكشي بمثل هذا الدعاوي دليل علي عدم إرادته ما ذكر وإلا شاع بين الفقهاء آنذاك وأرباب الرجال مع كونهم بصدد البحث عما هو من قبيل ذلك.
والجواب انه ليس بأيدينا من الكتب الرجالية المعتمدة إلا أربعة كما عرفت في المقدمة وعدم تعرضها مع قلتها لا يدل علي عدم وجودها.
وأيضا فان الشيخ في العدة ذكر ما يشابه هذه الدعوي ولا بد انه عثر علي شواهد لصدقها وان كان أصل دعواه مأخوذ من كتاب الكشي وسيأتي بيانه وكذلك فإن النجاشي لم يكن بصدد بيان هذه المسائل بأكثر مما كان بصدد الرد علي من عاب علي الشيعة في أنه لا كتاب لهم في الرجال.
وأما عدم تعرض الفقهاء لذلك فقد عرفت وجهه عند الجواب عن الاشكال الأول.
الرابع - انه لو تمت الدعوي المذكورة لما كان معني لطرح الروايات التي رواها أحد أصحاب الاجماع كما هو الحال مع الشيخ الطوسي والذي هو أحد أرباب هذه الدعوي.
فقد روي عن ابن محبوب عن الحسن بن صالح رواية وعلل طرحها بأن الحسن زيدي بتري غير معمول برواياته (1) ولم يقل أنها معتبرة مع كون ابن محبوب في طريقها.
والجواب وكما عرفت آنفا ان الشيخ كان بصدد العلاج والجمع بين الأدلة والسعي ما أمكنه لبيان الوجوه والأدلة لرفع ما قد يتوهم من تضاد الاخبار وتناقضها وهو مقام يستدعي طبيعيا طرح ما كان مرسلا أو كان راويه مضعفا ولو لجهة لا تعود لوثاقته وتقديم المسند الصحيح عليه.
(١) التهذيب ج ٢ ص ٤٠٨ ح 1282.
(١٢٨)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (3)، الحسن بن صالح (1)، الشيخ الطوسي (1)، الموت (1)
ومن هنا نجد ان جموع الشيخ في الغالب تبرعية لا تعود إلي قانون عرفي متين.. مما يؤكد صحة ما ذكرناه..
الخامس - ان دعوي الاجماع المتقدمة منقولة بخبر الواحد وقد قرر في محله ان الاجماع إنما يكون حجة فيما لو كان محصلا وكاشفا عن رأي المعصوم بشروط تذكر في محلها وأما الاجماع المنقول فهو بقوة الخبر الواحد الحدسي المحتمل للحس وهو غير حجة..
والجواب أننا لا نؤمن بكبري التعبد في الطرق وإنما المناط عندنا تحصيل نحو ركون للنفس بصحة آية دعوي تدعي.
وههنا كذلك خصوصا انه كرر الدعوي ثلاثا ولم يذكر من الاشخاص إلا ما كان مترقبا في حقه ذلك.. ومن ثبت قيام فقه آل محمد (عليهم السلام).
هذا تمام الكلام في المقام الأول …
المقام الثاني - في المستفاد من عبارة الشيخ:
وكان حق هذا البحث أن يكون فرعا من أجل ما ستعرفه من عود دعواه إلي اجتهاد منه في كلام الكشي.
وعليه فما يقال هناك يقال ههنا ولا حاجة في هذا المقام إلي أكثر من إثبات ان كلام الكشي هو منشأ لدعوي الشيخ وإن لم ينافي وجود الشيخ لبعض الشواهد علي صحة كلام الكشي.
والمستفاد من عبارته يدور حول صفوان واضرابه كما جرت العادة في عنونة البحث عند أرباب الدراية.
ومنشأ هذا الكلام ما أورده في كتاب العدة في آخر بحث خبر الواحد حيث قال [.. وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فإن كان من يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر
(١٢٩)
صفحهمفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الحج (2)
غيره علي خبره ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيي وأحمد بن محمد بن أبي بصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم] (1).
وهذه العبارة كما قلنا مستوحاة من عبائر الكشي وذلك لوجوه عدة:
1 - ان كتاب الكشي من أهم الكتب الرجالية ولذا تولي الشيخ نفسه اختصاره بالكتاب المعروف باسم اختيار معرفة الرجال ولم يصلنا الكتاب الأصل.
ولا بد ان الشيخ قد اطلع وتأمل جيدا في هذه العبائر ولم يناقش فيها وفي مدي صحتها وملاحظة كل شؤونها بما يعود لثبوتها وإلا كان من الطبيعي جدا ان يوردها في كتابيه الرجاليين وهما الفهرست والرجال مع أنه لم يذكر هذه الدعوي فيهما.
2 - ان الاشخاص الثلاثة المذكورين في عبارة الشيخ مذكورون أيضا في عبائر الكشي.
3 - ان الشيخ الطوسي لم يذكر الثلاثة مكتفيا بهم بل انه عطف عليهم قوله [وغيرهم من الثقات..] مما يدل علي عدم انحصارهم وعلي انهم الثمانية عشر الذين ذكرهم الكشي في كتابه.
ان قلت ألا يحتمل أن يكون الشيخ قد اطلع علي مقتضي هذه الدعوي من النجاشي.
قلنا إن النجاشي وان توفي قبل الشيخ إلا أن كتابه قد كتب بعد تأليف الشيخ لكتابيه بدليل نقله عنهما في ترجمة الشيخ الطوسي (قده) هذا أولا.
(1) العدة ج 1 ص 387.
(١٣٠)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)، كتاب الثقات لابن حبان (2)، محمد بن أبي عمير (1)، صفوان بن يحيي (1)، الشيخ الطوسي (2)، أحمد بن محمد (1)
ثانيا - ان النجاشي لم يذكر هذه العبارة ليرد أصل هذا الاحتمال بل لا يوجد لها أثر ولا عين حتي في ترجمة أمثال زرارة ومحمد بن مسلم وابن أبي عمير والبزنطي والذين هم من أبرز أصحاب الاجماع ومن البعيد جدا أن يكون اطلع علي ذلك ولم يذكره. خصوصا انه ذكر في حق من ليس من قبيلهم ما يشابه ذلك كما هو الحال في جعفر بن بشير حيث قال في ترجمته (روي عن الثقات ورووا عنه).
كيف لا وقد قيل بأعرفية النجاشي من الشيخ بل قيل فيه أنه أعرف علماء الرجال ومما يؤيد ذلك أنه ذكر في ترجمة بعض أصحاب الاجماع ما هو دون هذه الدعوي بكثير كما قال في ترجمة زرارة [.. شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم وكان قارئا فقهيا شاعرا أديبا قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين صادقا فيما يرويه..] فإنك تراه يذكر انه كان شاعرا ولم يذكر - ما لو علمه - ما هو أهم من ذلك.
ويتأيد ذلك أيضا بما يعلم من خلال ملاحظة نقل النجاشي بأنه كان علي اطلاع بكتاب الكشي لكونه بين يديه.
ولذا نقل عنه في غير مورد كما في ترجمة أبان بن تغلب فقال [قال أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال..] (1) إلي غير ذلك من الموارد.
ومن جميع ما تقدم يتحصل انه لا يستفاد من عبارة الشيخ أكثر مما يستفاد من عبائر الكشي …
ولذا يندفع ما أورد علي كبري صحة أسانيد أصحاب الاجماع من دعوي نظر عبائر الكشي للفتاوي لا للاخبار بدليل عنونة العبائر ب [باب تسمية الفقهاء..].
(١) رجال النجاشي ص ٧.
(١٣١)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، أبان بن تغلب (1)، جعفر بن بشير (1)، محمد بن مسلم (1)، كتاب رجال النجاشي (1)
ووجه الاندفاع ما عرفت من عود عبارة الشيخ إلي هذه العبائر وقد صرح هو بما لا ريب فيه بإرادة الروايات من العبائر حيث أبدل التعبير ب [لا يروون ولا يرسلون..].
وبهذا ينتهي البحث في الباب الخامس.
(١٣٢)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)

الباب السادس - القول في تقديم الجرح علي التعديل وعدمه

الباب السادس القول في تقدم الجرح علي التعديل وعدمه والبحث في هذه القاعدة من مهمات الأبحاث الرجالية وذلك لامرين:
1 - كثرة تضارب الألفاظ في حق الرواة جرحا وتعديلا مما يعني إعمال هذه القاعدة في كثير من الموارد.
2 - كثرة التعرض له عند علماء الدراية وبحث وجوه النقض والابرام والاثبات وما إلي ذلك.
وقد نسب للمشهور من علماء القول بتقديم كلام الجارح علي كلام المعدل ولو تعدد الأخير. وهذا إنما ينسجم مع الدعوي القائلة بوجود ثوابت موضوعية لعلم الدراية ولكنك عرفت بطلان ذلك.
وقبل بيان المختار لا بد من إبراز الوجوه التي يمكن فرضها منشأ لدعوي المشهور والرد عليها وهي عديدة منها:
الأول - ان التعديل مبني علي ملاحظة ظواهر الرجل وسلوكه ومجموع فعاله ويكاد يكون محالا اطلاع المعدل علي كل مجريات وأفعال رجل ما
(١٣٣)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، الباطل، الإبطال (1)
وإنما يشهد بعدالته من مجموع أمور حسية وملاحظات وقرائن يطمئن من خلالها باستقامة الرجل وسداده وهذا لا يتنافي مع انحرافه باطنا ولو في برهة زمنية قصيرة ولم يطلع المعدل عليه.
وهذا بخلاف الجارح فإنه يكفي في صدقه اطلاعه علي حالة ما من أحواله ومن هنا يكون تقديم قوله عملا بكلتي الشهادتين معا..
الثاني - ان شهادة المعدل شهادة علي أمر حدسي هو العدالة غير أنها منتزعة من مجموع أمور حسية أو ما قرب منها بينما علي العكس من ذلك شهادة الجارح فإنها شهادة علي أمر محسوس ومع تعارض الشهادتين كذلك لا بد من تقديم الشهادة الحسية علي الحدسية وذلك لامرين:
1 - غلبه الخطأ في الحدسيات بالمقابلة مع الحسيات.
2 - كون عمل العقلاء وديدنهم علي تقديم الشهادة الحسية علي غيرها حين التعارض.
الثالث - ان الاهتمام بأمور الرجال وبيان المجروح منهم من المعدل الموثوق أمر قديم عرفه الأصحاب ومنذ عهد الأئمة الأطهار ولذا كثر السؤال عن الاشخاص الذين يركن إليهم في أخذ معالم الدين ليتميزوا عن غيرهم ممن ليسوا كذلك وبما أن عادة الأصحاب أخذ الحائطة في أمور الدين عموما وبما يتعلق منها بالجرح والقدح خصوصا لما فيه من مزيد النهي والوعيد بالخذلان واللعن كان الأقرب إلي الأصحاب حمل الرجال علي ظاهر الفعال وحسن المقال والبناء علي العدالة والصلاح أو التوقف مهما أمكن من مثل هذه الأمور.
ومن هنا كانت شهادة الواحد منهم بجرح، ونتيجة لما تشتمل علي الجرأة والهتك ببيان ما خفي عن الناس أشبه بالنص الصريح علي صحة وواقعية الشهادة بحيث دعته إلي الخروج عن ديدن وطريقة الأصحاب إلي
(١٣٤)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، الشهادة (8)، النهي (1)
إبراز معايب ومثالب من ظهر أو خفي منه ذلك.
ومن الطبيعي ساعتئذ تقديم الشهادة الجارحة علي المعدلة كما تقدم الدلالة اللفظية علي السكوتية والصريحة علي الظاهرة والمحتملة.
وفي كل هذه الوجوه الثلاثة نظر بين:
* أما الأول - فلانه يتم لو بني علي أن العدالة عبارة عن الاسلام مع عدم ظهور الفسق الملائم للاطلاع والاختبار السطحي أو عدمهما أصلا. وأما لو بني علي أنها ملكة وكيفية راسخة في النفس باعثة علي ملازمة الطاعات وتجنب المحرمات بل وعدم الاخلال بالمروات كما هي عند البعض فان النتيجة ستنعكس لان الملكة كما بين تكون قرينة علي صرف ما ظهر من فسق وانحراف عن ظاهره وحمله علي جهة من الجهات المسوغة مما لا يتنافي مع ثبوت الملكة المذكورة.
وكذلك الحال تبعا لما اخترناه في حقيقة العدالة من أنها انعكاس تشريعات الملة علي تصرفات وسلوك الرجل إذ لا نقصد منها ظهور حالة أو حالتين بل نعني بها مجموع تصرفات تدعو إلي الاطمئنان والركون إلي أنه لا يصدر منه ما يخل بالجادة ومما يؤكد ذلك الكثير من الحوادث الخارجية مع المؤمنين والتي قد يستظهر منها بل يقطع من خلالها بانحرافهم وزندقتهم أحيانا مع أنه بعد الفحص والسؤال يتبين ان لها وجها وجيها بل قد تكون لازمة واجبة وإنما دعا إلي الحكم المتقدم عدم الإحاطة بجميع الظروف والملابسات المكتنفة بالحادث.
فهذا محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني يرمي بأنه يونسي وكأنها مدعاة لكفره وخروجه عن الملة مع أنه من مثل يونس في الورع والصلاح كيف وقد ورد فيه أنه أفقه الأصحاب بعد سلمان الفارسي وخرج التوثيق فيه والترحم عليه بل قد ضمنت له الجنة إلي غير ذلك مما ورد
(١٣٥)
صفحهمفاتيح البحث: سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (1)، محمد بن عيسي بن عبيد (1)، الشهادة (1)
فيه (1).
ولو استقرأت ما قيل في الأصحاب والعظام لوجدت العجب العجاب مما مصدره التسرع وعدم التثبت وغلبة قوي النفس الشيطانية وما إلي ذلك.
* وأما الوجه الثاني فيرد عليه:
ان دعوي كون العدالة من الأمور الحدسية وهي لا تقاوم المحسوس فغريبة بل وفيها من التسامح في التعبير ما لا يخفي لان العدالة وإن لم تكن شخصا أو جسما خارجيا يري بالعين إلا أنها عبارة عن حالات حسية أو قريبة منها كما تقدم فحضور الجماعات والمواظبة علي الطاعات واجتناب المحرمات أمور محسوسة وهذا المجموع منها ومن غيرها يسمي بالعدالة.
فالاسم بما هو اسم ليس محسوسا لكن المسمي هو أمر حسي.
وإن شئت التنزل فهي أمر حدسي ملاصق جدا للحس كما هو الحال في الشجاعة والكرم وساعتئذ تنخرم كلتا الدعويين من غلبة خطأ الحدسيات بالمقابل مع الحسيات ومن أن عمل العقلاء علي ترجيح المحسوس علي المحدوس بل لو قيل بالعكس لكان أوجه ذلك لان العدالة تقتنص من مجموع ملاحظات حسية تشكل قرينة ظنية أو قطعية علي المجموع المسمي بالعدالة بينما لا يحتاج الجرح إلي أكثر من ملاحظة حالة خارجية واحدة وتقديم الجرح مع كونه كذلك علي التعديل مع ما عرفت في كيفية اقتناصه خلاف الوجدان وخلال الانصاف.
هذا أولا:
وثانيا - ان الالتزام بتقديم المحسوس علي المحدوس لا يخلو أما للاطمئنان بكذب المحدوس أو بخطئه أو لجري العقلاء الممضي شرعا.
(1) اختيار معرفة الرجال ص 478.
(١٣٦)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
وكلاهما ممنوع:
أما الأول فلعدم حصول الاطمئنان بكذب أو خطأ الخبر الحدسي كما عارضه خبر حسي بل قد يحصل العكس أحيانا.
وأما الثاني فلعدم تسليم جري العقلاء علي تقديم المحسوس علي المحدوس مطلقا ولو سلم فان ذلك لا يتم فيما كان ملاصقا جدا للحس وما نحن فيه إن لم يكن حسيا فهو كذلك.
* وأما الوجه الثالث فغريب أيضا إذ تارة يلحظ الأصحاب بما هم متشرعة وأصحاب وتارة بما هم مريدون حفظ الشريعة وصونها عن الحدثان وتطرق الوضع والتحريف.
ففي الحالة الأولي قد يصدق علي الأصحاب أخذهم الحائطة في الدين وإيجادهم للمحامل الحسنة والعمل علي إصلاح أمور الناس ومساعدتهم للوصول إلي أهداف الله تعالي إلا أنه في الحالة الثانية ليس كذلك إذ كيف تصان الشريعة بحمل من ظهر منه الفسق والكذب والوضع علي محمل ما مع كونه يحمل بحسب الظاهر تراث أهل البيت مع أن أدني تساهل يؤدي إلي زعزعة بنيان الشريعة المحمدية..
وبعبارة أخري فإن صون الشارع إنما يكون بالتشدد مع كل محتمل الكذب في روايته فضلا عن مظنونه وهذه عادة القميين أشهر من أن تخفي في مزيد احتياطهم بالأخذ عن الرجل حتي أن أحمد بن عيسي الأشعري أخرج البرقي من قم لا لذنب سوي اعتماده الضعفاء في مروياته.
وأما بيان المذهب المختار في القاعدة فيتوضح ضمن بيان نقطتين:
الأولي - طريقة فهم الألفاظ:
الثانية - حقيقة التناقض:
(١٣٧)
صفحهمفاتيح البحث: أحمد بن عيسي (1)، الهدف (1)
أما الأولي - فإنه وكما عرفت أن اللفظ مرحلتان مرحلة تصورية ومرحلة تصديقية فليس كل ظاهر بدوا هو مراد جزما وجدا للافظه بل إن هذا خاضع للون سياق الكلام وحال المتكلم ومعرفة أساليب تعبيره ومن خلال مجموع ذلك يتحدد المراد الجدي لكلامه.
وأما الثانية - فان الحكم علي كلامين، انهما متناقضان مرتبط بوحدة المحطة التي ينظر إليها كلا الكلامين لا أن يكون أحد الكلامين مفسرا للآخر أو ناظرا لبرهة زمنية مغايرة إلي غير ذلك مما يذكر من شروط التناقض.
ومن هنا فإن تقديم الألفاظ الجارحة علي الألفاظ المعدلة مرتبط بالنقطتين المتقدمتين فلا الجرح مقدم مطلقا ولا التعديل كذلك بل لا بد من النظر في كلتي العبارتين أولا والنظر في إمكان توجيه إحداهما بشكل يتناسب مع الأخري..
فمثلا قد يرد في حق شخص انه ضعيف الحديث ويرد فيه أيضا انه ثقة فنحن أمام هذا التضارب لا بد لنا من إعمال الموازنة بين التعبيرين علي ضوء ما عرفت وملاحظة المراد من اللفظة الأولي فان التتبع في موارد استعمالاتها مثلا يعين لنا ان المراد منها غير ما قد يتوهم من إرادة الكذب والافتراء بل المراد ان أحاديثه غير منسجمة مع الخطوط الكبري والعامة للتشيع أو أن أخبار شاذة أو انه يعتمد المراسيل والمجاهيل وغير ذلك..
وهذه التفاسير كلها لا تتناقض ولا تتضارب مع وثاقة الراوي أبدا..
ولذا يبني في مثل المورد علي العمل بالتوثيق وتقديمه علي الجرح.
وكذا فيما لو كان أحد الكلامين محمولا علي برهة زمنية محددة كما هو الحال في علي بن أبي حمزة البطائني فإنه ورد فيه اللعن مع كونه من وكلاء الامام وخواصه وبالتدقيق والتأمل نجد ان نظر الكلام الجارح إلي ظرف مغاير لظرف المعدل وهو ظرف وقفه واستبداده بأموال الإمام الكاظم (عليه
(١٣٨)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي حمزة البطائني (1)، يوم عرفة (2)، الكذب، التكذيب (1)
السلام).
بينما ظرف التعديل ما قبل ذلك. ومنه لا يمكن القول بتقديم الجرح مطلقا علي التعديل مع إمكان توجيه الوارد وبيان انسجامه وعدم تناقضه.
فتحصل من مجموع ذلك أنه لا بد من ملاحظة جملة شروط كأساس لتقديم الجرح علي التعديل أو العكس.
الأول - تشخيص الظاهر الأولي من العبارة.
الثاني - دراسة سير العبارة تاريخيا وتحول معناها عند مستعمليها وطريقتهم في التعبير ومدي اعتمادهم علي مقدمات مطوية أو موجودة تؤثر في تحديد المراد.
الثالث - معرفة الفترة الزمانية التي صدرت فيها العبارة.
الرابع - دراسة وضع الشخص وملاحظة رواية الاجلاء عنه وعدمها وموقعة الديني في الأوساط العلمية وطبيعة رواياته.. إلي غير ذلك مما يرتبط به.
الخامس - إعمال الموازنة بين العبائر الواردة علي ضوء هذه المقدمات وتحصيل فهم عرفي جامع بينها صالح لتفسير التضارب الظاهر بدوا..
وبهذا يتحصل عدم ثبوت قاعدة ثابتة في المقام تستدعي تقديم الجرح علي التعديل أو العكس ولا ان العمل بالجرح عمل به وبالتعديل كما مر خصوصا انه أخص من الدعوي لاستلزام الجرح أحيانا تكذيب ما صدر من تعديل التزاما والعكس.
ولذا لا بد من إعمال النظر والاجتهاد والموازنة وهو الأساس الوحيد في التقديم والترجيح.
صفحه(١٣٩)

الباب السابع - القول في قطعية صدور الكتب الأربعة أو صحتها

الباب السابع القول في قطعية صدور روايات الكتب الأربعة أو صحتها ولا يخفي وجود فرق بين دعوي صحة ما في هذه الكتب ودعوي قطعية صدورها عن المعصومين فان الدعوي الأولي تتلاءم مع الثانية ومع غيرها ككون رواة هذه الكتب ثقات أو ان رواياتها معمول بها عند الأصحاب كما هو مبني بعض في التصحيح … وهذان التفسيران الأخيران لا يلازمان قطعية صدور هذه الكتب كما لا يخفي.
وقد ذهب إلي هذه الدعوي علي الاجمال جمع من الأصحاب كالحر العاملي والمحدث البحراني والمحدث الاسترآبادي وغيرهم.
كما أن من الأصحاب من زاد كتبا أخري ككتاب المحاسن للبرقي والاحتجاج للطبرسي والخصال والعيون للصدوق وغيرها من الكتب.
ومنشأ هذه الدعوي علي ما يستفاد من ملاحظة كلماتهم هو تضمين المحمدين الثلاثة وغيرهم كتبهم بعبارات تدل علي ما ادعوه من صحة هذه
(١٤١)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الخصال للشيخ الصدوق (1)، كتاب الإحتجاج للطبرسي (1)
الكتب أو قطعية صدورها.
ولا بد قبل الشروع في البحث وبيان المختار من عرض هذه العبائر ومناقشتها:
1 - فقد ذكر الشيخ الصدوق في أول كتاب من لا يحضره الفقيه ما لفظه:
[وسألني - أي الشريف أبو عبد الله المعروف بنعمة - ان أصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام موفيا علي جميع ما صنفت في معناه وأترجمه بكتاب من لا يحضره الفقيه ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه ويشترك في أجره من ينظر فيه وينسخه ويعمل بمودعه.. فأجبته أدام الله توفيقه إلي ذلك لأني وجدته أهلا له وصنفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وان كثرت فوائده ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جمع ما رووه بل قصدت إلي إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد انه حجة بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع..] (1).
وأهم ما في هذه العبارة نقاط ثلاثة:
الأولي - ان تأليفه لاجل عمل السائل ومن أراد أن ينحو نحوه.
الثانية - ان ما ذكره فيه محكوم بالصحة بنظره.
الثالثة - ان ما ذكره فيه مستخرج من كتب معتمدة ومشهورة.
وقد فهم الحر العاملي من هذه العبارة ان الصدوق أراد إثبات صحة كتابه وصحة كل كتاب أخذ منه واعتبر ان العبارة صريحة في جزم الصدوق بذلك.
وخصوصا ان تأليفه لاجل عمل السائل كما يدل عليه تعبيره ب [ليكون
(1) من لا يحضره الفقيه ص 3 ح 1.
(١٤٢)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (3)، الشيخ الحر العاملي (1)، الشيخ الصدوق (3)، أبو عبد الله (1)، الحج (1)
إليه مرجعه] ومن البعيد جدا ان يودع كتابه الصحيح والسقيم ورغم ذلك يجعله مرجعا للطالب وملاذا للسائل.
ومما يؤكد ذلك أن الصدوق أسند جملة من روايات كتابه إلي المعصومين مباشرة كتعبيره مثلا (قال النبي (صلي الله عليه وآله) أو (قال الصادق (عليه السلام)) مما يدل علي صحة هذه الروايات وقطعيتها صدورا …
2 - وأما الكليني فقد ذكر في أول كتاب الكافي رادا علي سؤال السائل ما لفظه [.. ما ذكرت ان أمورا أشكلت عليك لا تعرف حقايقها لاختلاف الرواية فيها وانك لا تعرف ان اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها وإنك لا تجد بحضرتك من تذاكره وتفاوضه ممن تثق بعلمه فيها.
وقلت انك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهما السلام) والسنن القائمة التي عليها بالعلم وبها تؤدي فرايض الله وسنة نبيه (صلي الله عليه وآله) وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون سببا يتدارك الله بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملتنا ويقبل بهم إلي مرشدهم وقد يسر الله وله الحمد ما سألت وأرجو أن يكون بحيث توخيت فمهما كان من تقصير فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة إذ كانت واجبة لإخواننا وأهل ملتنا مع ما رجونا ان نكون مشاركين لكل من اقتبس منه وعمل بما فيه في دهرنا وفي غابره إلي انقضاء الدهر إذ الرب واحد والرسول واحد وحلال محمد حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة] (1).
وأهم النقاط الواردة في العبارة هي:
(١) أصول الكافي ج ١ ص ٨.
(١٤٣)
صفحهمفاتيح البحث: السنة النبوية الشريفة (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم القيامة (1)، الشيخ الصدوق (1)، كتاب أصول الكافي للشيخ الكليني (1)
أولا - ان السائل أراد بسؤاله رفع حيرته لعدم علمه بحقائق الاحكام لاختلافها عليه.
ثانيا - ان السائل طلب كتابا كافيا عما سئل وهاديا له ولاخوانه.
ثالثا - ان الكليني مدح كتابه بعدة جمل عندما قال [وقد يسر الله وله الحمد ما سألت] إذ أن السؤال وقع عن تأليف كتاب كاف للمتعلم ومرجع للمسترشد ومأخذ لمن أراد معالم الدين.
رابعا - ان الكليني صرح بان كتابه مأخوذ عن الآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهم السلام) ووجه الاستدلال بهذه النقاط يتلخص بأحد أمرين:
الأول - ان حيرة السائل لا تخلو أما لاجل تعارض الأحاديث واختلافها أو لاجل عدم تميز بعضها من بعض لوجود الثبت وغيره بين الرواة …
ولا بد معه وفي كتاب يكون جوابا وشفاء من الحيرة من كونه بغير ما كان منشأ لها إذ لا تدفع الحيرة بالحيرة.
ان قلت إن ما ذكر مناف لوجود المزيد من التعارض في روايات الكتاب.. قلنا إن ما ذكر قرينة علي عدم جدية التعارض أو إمكان العمل بكل من هذه الروايات من باب التخيير لصحتها جمع بحسب الظاهر.
الثاني - ان الشيخ الكليني شهد شهادة ضمنية بكون كتابه مأخوذ من مصادر صحيحة لكون الكتاب جوابا عن سؤال يقتضي ذلك كما مر في العبارة قوله بلسان السائل [من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة].
فبمقتضي التطابق بين الجواب والسؤال يثبت وبشهادة الكليني الضمنية ان كل ما في الكتاب صحيح ومعتمد.
3 - وأما الشيخ الطوسي فقد ذكر في كتاب الاستبصار بعد بيانه لنبذة يسيرة عن كتابه المسمي (تهذيب الأحكام) وانه لطوله وكثرة ما فيه من الأدلة
(١٤٤)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي (1)، الشيخ الطوسي (1)، الشهادة (2)
وتضاربها ألف كتاب الاستبصار.. ذكر ما لفظه:
[.. وان ابتدي في كل باب بإيراد ما اعتمده من الفتوي والأحاديث فيه ثم أعقب بما يخالفها من الاخبار وأبين وجه الجمع بينها.. إلي أن قال واعلم أن الاخبار علي ضربين: متواتر وغير متواتر فالمتواتر منها ما أوجب العلم مما هذا سبيله يجب العلم به من غير توقع شئ ينضاف إليه ولا أمر يقوي به ولا يرجح به علي غيره وما يجري هذا المجري لا يقع فيه التعارض ولا التضاد في أخبار النبي (صلي الله عليه وآله).
وما ليس بمتواتر علي ضربين فضرب منه يوجب العلم أيضا وهو كل خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم وما يجري هذا المجري يجب أيصا العمل به وهو لا حق بالقسم الأول] ثم ذكر جملة من القرائن وقال: [وأما القسم الآخر فهو كل خبر لا يكون متواترا ويتعري من واحد من هذه القرائن فان ذلك خبر واحد يجوز العمل به بشروط] ثم ذكر وجوها للعمل بالاخبار وترجيح أحدها علي الآخر وقال.. [وإذا لم يمكن العمل بواحد من الخبرين إلا بعد طرح الآخر جملة لتضادهما أو بعد التأويل بينهما كان العامل أيضا مخيرا في العمل بأيهما شاء من جهة التسليم..] وعلل ذلك برواية تدل علي التخيير وبأنه مع عدم الاجماع علي أحدهما يكون كالاجماع علي صحتهما.
ثم قال.. وأنت إذا فكرت في هذه الجملة وجدت الاخبار كلها لا تخلو من قسم من هذه الأقسام ووجدت أيضا ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا في الفتاوي في الحلال والحرام لا يخلو من واحد من هذه الأقسام] (1).
وبما أن الكتاب المذكور هو اختصار لكتاب التهذيب كان لا بد من ذكر ما قاله هناك قبل التعرض لوجه الاستدلال علي قطعية صدوره أو صحته.
(١) الاستبصار ج ١ ص ٤.
(١٤٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الجواز (1)
فقد قال في التهذيب بعد أن عرض تعييب قوم علينا بكثرة اختلاف رواياتنا حتي أن البعض رجع عن الحق لذلك وانه لاجله جعل كتاب المقنعة للشيخ المفيد منطلقا لكتابة كتابه وجعل مع كل حكم شاهدا من القرآن أو من السنة القطعية المتواترة أو السنة المحفوفة بقرائن تدل علي صحتها قال ما لفظه:
[.. ثم اذكر بعد ذلك ما ورد في أحاديث أصحابنا المشهورة في ذلك وانظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها وأبين الوجه فيها أما بتأويل أجمع بينها وبينها أو أذكر وجه الفساد فيها أما من ضعف اسنادها أو عمل العصابة بخلاف متضمنها.
ومهما تمكنت في تأويل بعض الأحاديث في غير أن أطعن في أسنادها فاني لا أتعداه واجتهد أن أروي في معني ما أتأول الحديث عليه حديثا آخر يتضمن ذلك المعني أما من صريحه أو فحواه حتي أكون عاملا علي الفتيا والتأويل بالأثر وان كان هذا مما لا يجب علينا ولكن يؤنس بالتمسك بالأحاديث] (1).
كما أن الحر العاملي نقل عنه قوله في مواضع أخر أن كل حديث عمل به قد أخد من الأصول والكتب المعتمدة مع أنه صرح في العدة بعدم جواز العمل بالظن والاجتهاد في الشريعة. وأيضا فإنه كثيرا ما يرد الأحاديث في تهذيبه بقوله انها من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
هذا ما أردنا ذكره من كلام الشيخ مما يمكن ان يدعي من خلاله صحة كلا كتابيه أو قطعية صدورهما.
ووجه الاستدلال يمكن ان يستفاد من عدة مواقع:
(1) التهذيب - ج 1 - ص 4.
(١٤٦)
صفحهمفاتيح البحث: الشيخ الحر العاملي (1)، الشيخ المفيد (قدس سره) (1)، القرآن الكريم (1)، الشهادة (1)
الأول - قوله في بداية الحديث بان ما يذكره في كتابه مما يعتمد عليه ومن البعيد جدا مع قربه وقرب عهده للأصول واطلاعه عليها أن لا يكون اعتمد في كتابيه علي غير الصحيح ومقطوع النسبة والصدور.
الثاني - ما قاله عقيب تقسيمه للاخبار إلي متواترة وغيرها.. والغير إلي محفوف بقرائن قطعية وعدمه مما يجوز العمل به بشروط حيث قال إن كلا كتابيه بل غيرهما من هذه الأقسام.
وهو شهادة صريحة بصحة كل ما في كتابيه علي الأقل …
الثالث - ما يستفاد من كلامه بان ما رواه مأخوذ من الكتب المعتمدة ولا ريب في أنه أراد اعتمادها عند الأصحاب لا عنده لظهور كلامه في إرادته بيان مزية لكتابه ومن المعلوم ان اعتماد الأصحاب علي هذه الأصول ليس إلا لجهة وثاقة الرواة والناقلين لها أو لقطعية صدورها عن المعصومين (عليهم السلام).
الرابع - ما يستفاد من كلامه في العدة حيث منع جواز العمل بالظن مضافا إلي ما يذكره في غير موضع طارحا للاخبار بعلة انها لا توجب علما ولا عملا.
وهذا كالصريح في أن كل ما عمل به هو مقطوع الصدور أو انه محكوم بالصحة علي أقل تقدير.
هذه خلاصة الكلمات الأربعة للمحمدين الثلاثة مع بيان أهم ما يمكن الاستدلال به علي المدعي.
وسنجيب عن الدعوي بمناقشة دليل كل كتاب مستقلا عن الآخر.
فاما ما استدل به لاثبات قطعية صدور أو صحة من لا يحضره الفقيه فيرد عليه أمور:
(١٤٧)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (1)، المنع (1)، الشهادة (1)، الجواز (2)
أولا - ان دعوي تأليفه لاجل عمل السائل لو دلت علي صحة ما فيه فإنما تصح في حق من لا نظر له في فقه ولا تأمل له في علم ولكن السائل المعروف ب (نعمة) وكما يظهر من كلامه هو من أهل العلم والنظر لأنه ذكره بعبائر مادحة وانه ذاكره في كتاب الرازي (من لا يحضره الطبيب).
ومعه كيف تصح دعوي كهذه مع صدق المؤلف الجامع والمعتمد علي مجموع كتابه وان اشتمل علي جملة من الرواة المجاهيل والضعفاء وغير ذلك.
وإنما ذكرت من باب عدم مخالفتها للمنقول أو المعمول أو لعدم وجود بديل بها في بابها..
وثانيا - ان محكومية الكتاب بالصحة بنظر الصدوق غاية ما تدل عليه انه عثر علي قرائن تثبت ذلك وهي أعم من كون الحديث مقطوع الصدور من المعصوم أو متعبد بصحته لكونه خبر واحد مثلا.
بل إن الشيخ جري في تصحيحاته مجري شيخه ابن الوليد فهو يصحح ما يصححه ويضعف ما يضعفه.
ولذا نجده في كتاب علل الشرائع يصف جملة روايات بأنها صحيحة مع أنه بالمراجعة نجد انها مروية عن العامة أو انها في غاية الضعف.
بل لو سلم أصل دعواه فغايته محكوميته بالصحة ضمن نظره وعلي نفسه لا علي غيره ولعلنا لو اطلعنا علي ما اطلع عليه هو أو شيخه من قرائن لما أوجب لنا ما أوجب لهما علي أن أصل المحكومية مخدوش به تبعا لما شهد به جمع من رجوع الشيخ عن دعواه وقد جمع المحدث البحراني أربعين موردا أفتي الصدوق فيها بخلاف ما رواه في الفقيه.
وثالثا - ان كون كتابه مأخوذ من كتب مشهورة أو معتمدة مما لا يجدي
(١٤٨)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب علل الشرايع للصدوق (1)، الشيخ الصدوق (2)، التصديق (1)، الشهادة (1)، الطب، الطبابة (1)
نفعا لاثبات المدعي وذلك لوجوه:
أ - ان شهرة الكتاب شئ وصحتها أو قطعية صدورها ولو ترامي سندها شئ آخر ولا ملازمة بينها وغايته ثبوت نفس الكتاب إلي مؤلفه بالشهرة لا أكثر من ذلك.
ولذا يصح إسناد الرواية إلي الكاذب لصدورها منه مع أنها غير معتبرة لمكان كذبه وان صدرت منه حقا.
وأما انضمام دعوي اعتماد الأصحاب علي الكتب المذكورة فهي دعوي مجملة المراد لصدق الاعتماد عليها عندهم وإن لم يعملوا بكل ما ورد فيها وإنما صح تسميتها بالمعتمدة بالمقابل مع غيرها وبالنظر إلي جلالة وشأن مؤلفيها ولغلبة وجود ما يحتاجه الفقيه فيها.
وكذلك فان الكبري غير مسلمة إذ أن الصدوق في بعض الموارد يذكر حديثا ما قائلا انه لم يجده إلا في كتاب واحد كما هو الحال في باب الوصي يمنع الوراث حيث أفاد [ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن يعقوب ولا رويته إلا من طريقه].
وهذا الكلام كما تري لا ينسجم مع دعوي قطعية صدور كتابه.
ب - ان اعتماد الأصحاب علي الأصول والكتب المذكورة لو سلمنا الملازمة بينه وبين ثبوتها فغايته الثبوت الأعم من الواقعي والتعبدي وهو لا يتناسب أيضا مع دعوي قطعية الصدور.
كيف لا يقدر وقد امتلأ كتابه بالمجاهيل والمهملين والضعفاء وغير ذلك مما لا داعي لذكره لسهولة الاطلاع عليه بالمراجعة.
ج - ان الصدوق أسند أحاديثا إلي النبي (صلي الله عليه وآله) أو الأئمة بل إلي جبرائيل أحيانا وبدون واسطة مع عدم العلم بسنده إلي هذه الروايات.
(١٤٩)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الشيخ الصدوق (2)
فهل يقال بثبوت هذه الأحاديث المرسلة لمجرد نسبته إلي من ذكرناه مباشرة وهل هو إلا من التقليد الممنوع علي أهل النظر والبصيرة.
د - انه لم سلم ان اسناده إلي المعصومين يدل علي صحة كتابه فهو لا يثبت المطلوب لان غايته ثبوت الصحة بنظره مع أنه يحتمل جدا إرادة ما رآه في كتب الأصحاب فأسنده علي حسب ما رآه.
وبهذا يتحصل بطلان هذه الدعوي ولزوم أعمال النظر في روايات هذا الكتاب كشرط في جواز الاخذ بها.
وأما الجواب عما استدل به لاثبات قطعية أو صحة روايات الكافي فيقع من عدة وجوه:
الأول - ان حيرة السائل وعدم علمه بحقائق الاحكام لا تعين جهله وكونه من المقلدة محضا بل إن ذلك قد يكون لجهة كثرة الأصول والكتب وكثرة الموضوعات والنقول المتضاربة مما لم يدع له مجالا للتثبت من شئ يركن إليه.
كما أن الظاهر من تعبيرات الكليني ان السائل كان من أهل النظر والعلم وإلا كان يكفيه ذكر آرائه أو ذكر الروايات بدون أسانيدها.
وأيضا فان كلامه لا دلالة فيه علي أنه لم يورد في كتابه إلا مقطوع الصحة وان كان هذا مرغوبا ومطلوبا.
ويؤيد ذلك ما نقله الكليني نفسه عنه [وقلت انك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع (منه) من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين].
فان تعبيره ب (يأخذ منه) دليل علي أن فيه ما هو صحيح وتام واقعا أو ظاهرا لا أنه كله كذلك.
(١٥٠)
صفحهمفاتيح البحث: الجهل (1)، الباطل، الإبطال (1)، المنع (1)، الجواز (1)
الثاني - ان الكليني نفسه قد نبه السائل علي كيفية الاخذ بالروايات التي أوردها وما ينبغي طرحه منها حيث قال فيما قال [فاعلم يا أخي أرشدك الله لا يسع أحد تمييز شئ مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء برأيه إلا ما أطلقه العالم.. وقوله (عليه السلام) خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه..].
فان هذا صريح في وجود روايات شاذة ينبغي طرحها لمقابلتها للمجمع عليه.
الثالث - انه لا ملازمة أصلا بين طلب السائل لكتاب شاف له وبين كون الكتاب قطعي الصدور أو صحيحا مطلقا.. فكم من الكتب الطبية أو الهندسية والتي فيها من الغث والثمين ورغم ذلك يقال لها كافية نظرا لامكان اقتناص غالب المطلوب والمراد منها.
ومنه يعرف الجواب من النقطة الثالثة إذ أن الكليني أجابه علي مقتضي ما يتطلبه سؤاله وقد عرفت عدم اقتضاءه لأكثر مما ذكر.
الرابع - ان ما ذكره الكليني من أن كتابه مأخوذ عن الآثار الصحيحة للصادقين (عليهم السلام) لا يمكن تسليمه بأكثر مما عرفت في الوجه المتقدم وذلك:
أولا - كثرة وجود الروايات المروية عن غير الصادقين (عليهم السلام):
وثانيا - كثرة وجود المقاطيع والمراسيل كذلك وهل يقال في مثل رواية رواها في الجزء الأول [علي بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام)] (1).
أو [علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن عيسي عن
(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤٥٣ وص 467 وص 468.
(١٥١)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (2)، علي بن إبراهيم بن هاشم (1)، محمد بن عيسي (1)، علي بن محمد (1)، كتاب أصول الكافي للشيخ الكليني (1)
حفص بن البختري عمن ذكره عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لما مات أبي..].
أو [الحسين بن محمد بن عامر عن أحمد بن إسحاق بن سعد عن سعدان بن مسلم عن أبي عمارة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) … ].
أو [الحسين بن محمد عن المعلي بن محمد عن البرقي عن أبيه عمن ذكره عن رفيد مولي يزيد بن عمرو بن عبيدة..].
.. بأنها مقطوعة الصدور أو انها صحيحة بأكثر مما هي كذلك بنظره - لو سلم أيضا -.
اللهم إلا أن يدعي أنه يعني بذلك أنها مأخوذة من الكتب المعتمدة والمشهورة وقد عرفت جوابها.
وأما الجواب عما ادعي من قطعية صدور كتابي الشيخ الطوسي (قده) فهو من عدة وجوه:
الأول - ان دعوي قرب الشيخ لأصحاب الأصول جارية فيه وفي غيره وهل يا تري يقال ذلك في حق كل مصنف ومصنف.
مضافا إلي أن الشيخ لم يصرح بان كل ما في كتابه معتمد المأخذ بل إن ذلك في خصوص ما يتبدي به كما في أول استبصاره.. ولذا تراه يردف أحاديثه المذكورة بغيرها ويذكر وجوه العلاج والتأويل.
الثاني - ان ما ذكره الحر العاملي علي عكس المدعي أدل لأننا بمراجعة كلام الشيخ لم نعثر علي أنه قال أن ما في كتابه أما متواتر وأما غير ذلك ولكنه مقطوع الصدور بل إن صريح كلامه في وجود أخبار آحاد لا بد من النظر فيها وفي كيفية العمل بها ولذا تراه قيد جواز العمل بشروط عدة..
(١٥٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الشيخ الحر العاملي (1)، يوم عرفة (1)، الحسين بن محمد بن عامر (1)، أحمد بن إسحاق بن سعد (1)، حفص بن البختري (1)، الحسين بن محمد (1)، الشيخ الطوسي (1)، سعدان بن مسلم (1)، معلي بن محمد (1)، الجواز (1)
الثالث - ان كون كتابيه مأخوذين من الأصول المعتمدة ليس صريحا كما عرفت في إرادة الاعتماد تفصيلا بل انه يحتمل كون ذلك لجهة وضوح نسبتها إلي مؤلفيها مع جلالة قدرهم وعظمة مكانهم وانسجام ما رووه مع كبريات التشيع.
كما أنه يحتمل كون ذلك لاجل وجود الشواهد والقرائن العملية واللفظية علي صحتها ومما يؤيد ذلك أن الشيخ في كتاب العدة قال إن تسليم الأصحاب الإحالة علي الأصول المشهورة إنما هو فيما لو كان راوية ثقة.
وكلامه صريح جدا في عدم قطعية كتابيه بل وكتب غيره أيضا لا من حيث الصدور ولا عند الأصحاب.
بل لو سلم قطعيتها عندهم فإنها لا تسلم لدينا لوصول هذه الكتب إلي المحمدين الثلاثة وغيرهم ممن قارب عهدهم عبر الواحد سواء أكان لجهة المعصوم أو لجهة أصحابها.
ومعه لا يبقي مجال لدعوي قطعية صدور الكتب الأربعة.
وهذا الوجه يشمل المقام وغيره مما سبقه.
الرابع - ان ما ذكره من عدم تجويزه العمل بالظن والاجتهاد لا محالة يريد به كبراه وإلا فقد امتلأت كتبه بألوان ووجوه الاجتهاد وأنحاء الاستظهارات والتأويلات الظنية وإنما كان محط نظره ما كان من قبيل التخرص والاستحسان والقياس والرجم بالغيب وما شاكل ذلك.
ولا نظر لعبارته إلي ما قام الدليل علي جواز الاعتماد عليه وان كان ظنيا.
هذا مع عدم قبولنا لكبري مقولة ظنية أخبار الثقات.
ويمكن ان نذكر شواهد ومؤيدات أخري لابطال دعوي قطعية صدور كلا
(١٥٣)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، يوم عرفة (1)، الجواز (1)
كتابيه:
1 - كثرة روايته (قده) عن المجاهيل والضعفاء بل الكذابين وبشهادة منه نفسه فضلا عن وجود المراسيل وما إلي هنالك مما هو قرينة علي عدم صحة الدعوي المتقدمة.
لا يقال ان ضعف أو جهالة الراوي لدينا لا تلازم ضعفه أو جهالته عنده لاحتمال وضوح الامر عنده.
فإنه يقال مضافا إلي ما تقدم من ورود الضعفاء وبتصريح منه أنه قال في ذيل رواية الزعفراني في الاستبصار (1) بأنه مجهول وبأن في إسناد الحديث ضعاف وانه لا يعمل بما يختصون بروايته.
2 - ان الشيخ في العدة صرح بما يستفاد منه عدم قطعية ما في كتابيه وغيرهما عند الأصحاب لاختلافهم جدا في العمل بالروايات الواردة فيهم فإنه قال:
[.. وقد ذكرت ما ورد عنهم (عليهم السلام) من الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد علي خمسة آلاف حديث وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها وذلك أشهر من أن يخفي حتي انك لو تأملت اختلافهم في هذه الأحكام وجدته يزيد علي اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك].
وهو كما تري دلالة اللهم إلا يقال ان اختلافهم كان في كيفية فهم النصوص وطرق الجمع الدلالي.
3 - ما ذكره الشيخ في ذيل رواية يونس في الاستبصار عن أبي الحسن (عليه السلام) قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة
(١) الاستبصار ج ٢ ص ٢٣٠ وص 231.
(١٥٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، كتاب تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي (1)، الصّلاة (1)، الجهل (1)، الغسل (1)
قال لا بأس بذلك.
فقد ذكر في ذيله [فهذا خبر شاذ شديد الشذوذ وإن تكرر في الكتب فإنما أصله يونس.. إلي أن قال ولو ثبت لاحتمل أن يكون المراد بالوضوء في الخبر التحسين] (1). ولفظ (لو ثبت) صريح في عدم جزمه ولا ظنه بصدور الرواية.
4 - ما ذكره أيضا في الاستبصار الباب السادس باب الوضوء بنبيذ التمر عن عبد الله بن المغيرة عن بعض الصادقين [ … فان لم يقدر علي الماء وكان نبيذا فاني سمعت حريزا يذكر في حديث ان النبي (صلي الله عليه وآله) قد توضأ بنبيذ ولم يقدر علي الماء].
فقد ذكر [فأول ما فيه أن عبد الله بن المغيرة قال عن بعض الصادقين ويجوز أن يكون من أسنده إليه غير إمام وان اعتقد فيه أنه صادق علي الظاهر فلا يجب العمل به.
والثاني انه أجمعت العصابة علي أنه لا يجوز الوضوء بالنبيذ فسقط الاحتجاج به من هذا الوجه ولو سلم من ذلك كله لجاز ان نحمله علي الماء الذي قد طرح فيه تمر قليل.. وإن لم يبلغ حدا يسلبه الماء … ] (2).
وهذه العبارة أصرح من سابقتها في عدم جزمه بصحة كتابه مطلقا بل بعدم الجزم بأن كل ما فيه هو عن المعصومين كما تنبئ بذلك عبارته.
5 - ما رواه في التهذيب عن الحسن بن صالح الثوري فإنه قال عقيبة [الراوي له الحسن بن صالح وهو زيدي بتري متروك العمل بما يختص بروايته] مع أن في سند الرواية ابن محبوب وهو أحد أصحاب الاجماع.
6 - ان الشيخ أكثر الرواية عن سهل بن زياد مع أنه بنفسه ذكر ان سهلا ضعيف جدا عند نقاد الاخبار وان أبا جعفر بن بابويه قد استثناه من رجال نوادر
(١) الاستبصار ج ١ ص ١٤.
(٢) الاستبصار ج ١ ص ١٥.
(١٥٥)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الحسن بن صالح الثوري (1)، عبد الله بن المغيرة (2)، سهل بن زياد (1)، الحسن بن صالح (1)، الظنّ (1)، الوضوء (2)، الجواز (1)
الحكمة.
وإلي غير ذلك من الشواهد الكثيرة التي يحصل عليها المتتبع والتي تشكل بمجموعها دليلا قطعيا علي بطلان دعوي قطعية أو صحة كتابي الشيخ (قده).
- وعليه يتحصل ان حال الكتب الأربعة حال غيرها من الكتب ولا بد من إعمال النظر والاجتهاد في رواة أسانيدها وتمييز العليل والسقيم من الصحيح والمعتمد علي طبق القواعد الاجتهادية الملتزم بها.
(١٥٦)
صفحهمفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (1)

الباب الثامن - القول في جملة أمور ادعي دلالتها علي الوثاقة

الباب الثامن القول في جملة أمور ادعي دلالتها علي الوثاقة ذكر أرباب الدراية والرجال أمورا كثيرة أدعي استفادة الوثاقة منها ونوقش فيها بوجوه كثيرة بحيث صارت موردا للآراء والتفصيلات.
ونذكر نبذة مما ذكروه دالا علي الوثاقة:
1 - أن يكون الراوي شيخ إجازة.
2 - أن يكون ممن روي كثيرا عن المعصومين (عليهم السلام).
3 - أن يكون وكيلا من قبل أحد المعصومين (عليهم السلام).
4 - أن يكون ممن روي عنه الاجلاء.
5 - أن يكون رسولا من قبل المعصومين (عليهم السلام).
6 - أن يكون ممن تسلم راية في حرب من حروبهم (عليهم السلام).
7 - أن يكون ممن لازم المعصوم بخدمة أو كتابة أو صحبة وما شاكل ذلك.
(١٥٧)
صفحهمفاتيح البحث: الحرب (1)

البحث الأول - في وثاقة مشايخ الإجازة

8 - أن يكون ممن أذن له في الفتيا من قبلهم (عليهم السلام).
9 - أن يكون ممن تشرف بلقاء الحجة (عليه السلام).
10 - أن يكون ذا أصل أو كتاب.
11 - أن يكون محبوبا من قبلهم (عليهم السلام).
12 - أن يكون ممن استفاد علوما خفية من قبلهم (عليه السلام) كعلم البلايا والمنايا وما شاكلها.
إلي كثير من الأمور والامارات التي ذكرت لاثبات وثاقة المتصفين بإحدي هذه الأوصاف وقد رأينا الاعراض عن أكثرها لعدم أهميتها ولوضوح أمرها وإنما أحببنا التعرض للصفات الثلاثة الأول التي ذكرت في المقام.
فههنا بحوث ثلاثة:
البحث الأول - في وثاقة مشايخ الإجازة:
والمراد من مشايخ الإجازة من كان لديهم كتب أو روايات أجازوا غيرهم نقلها وروايتها ولو لم يكن بالسماع منهم أو بالقراءة عليهم بل كان بمجرد اجازتهم النقل والرواية وغير ذلك.
ووجود المشايخ عندنا ليس بعزيز ويعلم حالهم وعددهم بمراجعة كتب الرجال ككتاب النجاشي.
وقد استشكل في استكشاف وثاقة الشيخ لمجرد كونه شيخ إجازة باستلزامه وثاقة كل من روي عنه لمجرد الرواية واللازم باطل فالملزوم مثله في البطلان.
إلا أن الصحيح هو التفصيل بين نوعين من مشايخ الإجازة:
أ - تارة يكون الشيخ مجرد مخبر لجزء يسير من الروايات أو لكتاب
(١٥٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام المهدي المنتظر عليه السلام (1)، الأذان (1)
واحد مثلا مع مجهولية حاله تماما ما خلا ذلك.
ب - وتارة يكون الشيخ من خلال اجازته ممن صدق عليه انه ناشر لتعاليم أهل البيت لكثرة حوالته علي الكتب والروايات عن الثقات والاجلاء وغيرهم.
ففي النوع الأول لا نلتزم بوثاقة الشيخ كذلك بينما نلتزم بها في المقام الثاني ومن هنا قبلنا وعملنا بروايات سهل بن زياد - كما سيأتي توضيحه في الخاتمة - والوجه فيه أننا لا نتعقل أن يكون الرجل ناشرا لأحاديث أهل البيت وصاحب مكتب إسلامي لبث الوعي الديني وتنشيط معالم الاسلام وأن يكون في المقابل كذابا أو وضاعا.
وهذه الملازمة تدرك بسهولة لو لوحظ الحاضر وما فيه إذا انه خير دليل علي الماضي خصوصا في مثل هذه الموارد.
والاطمئنان المذكور بوثاقة الشيخ المجيز إن لم نقل بالعدالة بل بالجلالة لا يتنافي مع عدم انطباق ما أخبر عنه خارجا أو تبين عدم وثاقته أحيانا كما يحصل كثيرا في سائر موارد الاطمئنان. ومنه يندفع الاشكال القائل بأن بعضا من المشايخ قد ضعفهم النجاشي كما هو الحال في الحسن بن محمد بن يحيي حيث قال النجاشي فيه [.. ورأيت أصحابنا يضعفونه] (1).
ووجه الاندفاع عموما وفيه خصوصا:
أولا - عدم رجوع التضعيف إلي الجهة القولية بل وقد يكون لجهات أخري يمكن حمل اللفظ عليها وفي المقام كذلك فان النجاشي ذكر قبل هذه الجملة ما يدل علي أن تضعيف الأصحاب له لا لضعف في نفسه بل لما رواه عن المجاهيل مما هو مستنكر ومستغرب آنذاك فقد قال ما لفظه [.. وروي عن المجاهيل أحاديث منكرة..].
(١) رجال النجاشي ص ٤٨.
(١٥٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، الحسن بن محمد بن يحيي (1)، سهل بن زياد (1)، التصديق (1)، كتاب رجال النجاشي (1)

البحث الثاني - في وثاقة كثير الرواية عن المعصومين (عليهم السلام)

وثانيا - ان المضعف لا يعلم كونه ممن دخل تحت النوع الثاني خصوصا مع تضعيف الأصحاب له فلعله داخل في أفراد القسم الأول.
وثالثا - لو سلم انه من القسم الثاني فلا ينافي الاطمئنان فان عدم انطباق المطمئن به معلوم إجمالا ورغم ذلك لا ينافي وجود الاطمئنان وتمركزه.
البحث الثاني القول في وثاقة كثير الرواية عن المعصومين (عليه السلام):
وخير ما يمكن ان يستدل به لاثبات الوثاقة وجوه ثلاثة:
الأول - ان كثرة روايات الراوي عن المعصومين (عليهم السلام) تدل علي ملازمته لهم (عليهم السلام) والكاشفة عن شدة حبه وارتباطه بهم (عليهم السلام) وهذا لا محالة ينبئ عن جلالة الراوي ووثاقته.
الثاني - ان كثرة الرواية وتعددها كما وكيفا تدل علي ايداعهم (عليهم السلام) أسرار الشريعة وأحوالهم إلي الراوي وهذا يدل علي التزام الرواة بأمر الدين الحنيف. وإلا لما كان لروايتهم عنهم وخصوصا مع نقلها وتدوينها وجه يكاد يعقل.
الثالث - التمسك بالروايات الخاصة. فقد روي الكشي عن الصادق (عليه السلام) وبألسنة متقاربة بان معرفة منازل الرجال منهم (عليهم السلام) إنما تكون علي قدر روايتهم عنهم (ع) ولكن الصحيح أن أيا من هذه الوجوه لا يدل علي ما ذكر وذلك لأمور:
أولا - ان كثرة الراوية لا تدل علي الملازمة دائما إذ أن تردد شخص ما إلي المساجد والمنتديات العامة التي يتواجد فيها المعصوم أحيانا كاف في أن يكثر الراوية عنه.
(١٦٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، السجود (1)
وكذلك فان سماع الراوي عن المعصوم بحيث اطمئن بما سمع كاف في نقله مسندا إليه مع أن كلا الموردين لا يدل علي أي ملازمة للمعصوم كما هو واضح.
وثانيا - ان الملازمة لا تدل بوجه علي المحبة والارتباط وكيف يتم ذلك وقد لازم النبي (صلي الله عليه وآله) في صدر الاسلام من كانوا يتربصون به وبالإسلام الدوائر. وممن سمعوا منه (صلي الله عليه وآله). نتيجة لملازمتهم له المزيد من الروايات وبين أيديهم الوحي والمعجزات والبراهين التي لا يمكن انكارها.
فهل يا تري يلتزم بوثاقتهم لذلك.
وثالثا - ان إيداع أسرار الشريعة لا يكتشف من كثرة الرواية أو تنوعها مطلقا بل إن تنوعها الخاص أو ارتباطها ببعض العلوم التي يعلم بانسجامها مع الخطوط العامة لخط أهل البيت (عليهم السلام).
فان المعصوم كان يجلس في المساجد وغير ذلك ويفتي الناس ويحدثهم وكان يسمع منه المفتر والكذاب كما كان يسمعه الصادق والأمين.
ورابعا - ان كثرة الرواية لو دلت علي الوثاقة لكان من السهل اليسير علي كل مفتر وضاع ان يؤلف كتابا أو يحدث بما لا عين رأت أو أذن سمعت وبالتالي يتصف بالجلالة والوثاقة وتأخذ رواياته قيمة معتد بها.
وبعبارة أخري ان ثبوت مروياته فرع وثاقته لا العكس.
وناهيك من الأدلة علي صحة ذلك ما رواه أبو هريرة بشكل فاق زمن دهره.. وهل يقال بوثاقته بناء علي ذلك.
وخامسا - انه قد ثبت في طيات الكتب الرجالية التضعيف والذم للكثير من أرباب الكتب المتعددة والمرويات الكثيرة.
(١٦١)
صفحهمفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الصدق (1)، السجود (1)، الأذان (1)
وسادسا - ان ما ادعي دلالته من الروايات الخاصة غير تام فإنه مضافا لضعف سند هذه الروايات لا نظر لهذه الروايات لاثبات المنازل علي قدر الروايات مطلقا.
بل من المقطوع به عدم صحة ذلك فان الوثاقة والحجية مفروضتان في كلام الامام في حق الذي يراد معرفة منزلته وإنما أعطي نحو مائز طريقي يعرف من خلاله منازل الرجال وقربهم للائمة (عليهم السلام).
وأيضا فان الاستدلال المذكور استدلال بأمر غالبي لوضوح عدم الملازمة إذ رب صديق ورع هو أقل رواية ممن هو أقل منه ورعا وصلاحا..
كما أنه من المحتمل جدا أن يكون المراد بالأحاديث التقدمة اعطاء ضابطة لمعرفة الرجال بالنظر إلي فقه وتدبر الروايات لا لمجرد الرواية وهذا نحو ضابطة موضوعية عقلائية ويؤيد هذا الاحتمال ما رواه الكشي نفسه في مرفوعة المحمدي عن الصادق (عليه السلام) [اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا فانا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتي يكون محدثا فقيل له أو يكون المؤمن محدثا قال: يكون مفهما والمفهم المحدث] (1).
فان قوله (عليه السلام) فيها [بقدر ما يحسنون] ظاهر في إرادة التفقه والتدبر ولذا عقبه بما هو مترتب علي هذه العبارة وهو قوله [فانا لا نعد الفقيه.. الخ] فإنه لولا الحمل المذكور لما كان لهذا التفريع والترتيب مناسبة كما لا يخفي علي المتأمل فتأمل.
إلا أن الرواية ساقطه سندا بالارسال.
ويؤيد الاحتمال المتقدم أيضا ما في مكاتبة أبو الحسن بن ما هوية عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) في سؤال عمن يأخذ معالم دينه فأجابه (عليه
(1) اختيار معرفة الرجال باب فضل الرواية والحديث ص 3.
(١٦٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)

البحث الثالث - في وثاقة الوكيل عن المعصومين (عليهم السلام)

السلام)].. فاصمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا وكل كبير التقدم في أمرنا فإنهم كافوكما انشاء الله].
حيث نجد ان الامام لم يستدل بكثرة الرواية لتحصيل الكفاية بل نجده أرجعهما إلي كل كبير التقدم في أمرهم وهو الفقيه الممارس والناظر في أقوالهم وفعالهم بحيث يتوخي ويترقب منه الحق والصواب.
وبهذا يتحصل عدم تمامية الكبري المدعاة.
البحث الثالث - القول في وثاقة الوكيل من قبل المعصومين (عليهم السلام):
- وقد إدعي ان الوكالة تستلزم العدالة والتي هي فوق رتبة الوثاقة ولا بد من ذكر ما يمكن أن يكون مدركا لهذه الدعوي:
الأول - دعوي جريان العقلاء وأصحاب المروات علي تسليم أمورهم إلي المأمون والحاذق وخصوصا فيما خطر أمره وعظم نحوه.
ولا ريب في كون المعصوم سيد العقلاء ورجل المروات ولا يتصور في حقه مع صحة هذه الدعوي ان يوكل الفاسق والكاذب في أموره وشؤونه مع استدعاء ذلك في بعض الموارد إلي اختلال أحواله وأموره فيما يعود إليه وإلي التشريع الذي هو بصدد حفظه وبيانه.
الثاني - ان الروايات تضافرت في النهي عن إعانة الظالمين والركون إليهم كما ورد في المقابل الحث والترغيب في اتخاذ الشريف والأمين مساعدا وعضدا وأي ظلم أعظم وأوضح من أن يوكل إمام المسلمين وولي الله في الأرض فاسقا أو كاذبا فاجرا..
(١٦٣)
صفحهمفاتيح البحث: الظلم (1)، النهي (1)
الثالث - ان توكيل الفاسق من قبل إمام المسلمين نوع تشريف وتعظيم للوكيل وتسهيل لأموره وشؤونه بحيث يستطيع من خلال ما يحصل عليه الاخلال بأمر الدين وبلباس الدين وهو مما لا يتصور وقوعه من أحد من المعصومين (عليهم السلام).
الرابع - التمسك ببعض الروايات الخاصة كالذي رواه الكليني عن علي بن محمد عن الحسن بن عبد الحميد قال:
[شككت في أمر حاجز فجمعت شيئا ثم صرت إلي العسكر فخرج إلي:
ليس فينا شك ولا من يقوم مقامنا بأمرنا رد ما معك إلي حاجز بن يزيد] (1).
وموضع الاستدلال قوله [.. ليس فينا شك ولا من يقوم بأمرنا] حيث إنها تصرح بنفي الشك والريب ومنه الكذب بل الفسق في كل قائم بأمرهم (عليهم السلام).
وقبل الإجابة عن هذه الوجوه نذكر أولا الأقسام المتصورة في الوكالة وما يمكن ان يستفاد بالنسبة إلي كل منها فنقول:
الوكالة تتصور علي أنحاء:
الأول - أن يكون وكيلا عنهم (عليهم السلام) فيما يرجع إلي شؤون الدين كالافتاء والقضاء وامامة الناس وإرشادهم إلي ما فيه صلاحهم ونقل كلام المعصومين إليهم وما شاكل ذلك.
الثاني - أن يكون وكيلا عنهم فيما يتعلق بأمور النظام العام كنصب العيون وتحميل الرايات في الغزوات والحروب والتولية في إجراء أحكام وقائية من تعزير أو قتل وما إلي ذلك.
الثالث - أن يكون وكيلا من قبلهم فيما يعود للحقوق والواجبات المالية
(١) الكافي ج ١ فروع - كتاب 4 باب مولد الصاحب ص 124.
(١٦٤)
صفحهمفاتيح البحث: الحسن بن عبد الحميد (1)، حاجز بن يزيد (1)، علي بن محمد (1)، الكذب، التكذيب (1)، القتل (1)
كالأخماس والزكوات والكفارات وما شابه ذلك.
الرابع - أن يكون وكيلا من قبلهم بالنسبة إلي الحقوق الخاصة للناس أو ما ناظرها كحفظ المساجد والأوقاف والمدارس وإدارتها وسائر ما يتعلق بشؤونها.
الخامس - أن يكون وكيلا من قبلهم في جملة من المسائل الخاصة التي لا ترتبط بأمور الدين ولا بالناس كشراء وبيع وإيصال رسالة وطلب حاجة وما شاكل ذلك.
- ثم إنه لا بد من التذكير بان الملازمة بين الوكالة وبين الوثاقة لو تمت فإنما تفيد إثبات الوثاقة الظاهرية لابتناء تعامل الامام مع الآخرين علي الظواهر كما يشهد له جمع من الأدلة.
وساعتئذ لا يقال باختلال القاعدة لو ثبت تضعيف ما عائد لجهة قولية أو غيرها من قبل أرباب الرجال بل لا بد من إعمال الموازنة بين نتيجة القاعدة ومؤدي التعبير الذام وتحصيل النتيجة النهائية علي ضوئها.
والصحيح في المقام هو الالتزام بثبوت الملازمة في خصوص موردين اثنين لا ثالث لهما.
الأول - ما كانت الوكالة فيه من الأمور المهمة والخطيرة.
الثاني - ما كانت الوكالة فيه مستلزمة لثبوت الوثاقة أو العدالة.
أما الأول فلان ديدن العقلاء فضلا عن المتشرعة وفي خصوص أمورهم الخطيرة التثبت والتأكد من صحة ووثاقة من ينيطون هذه الأمور إليه.
وأي شئ أعظم وأهم من حفظ الدين من الضياع ومن وقوع الدس فيه ولذا نلتزم بوثاقة كل من ينضوي تحت القسم الأول المتقدم ذكره آنفا بل وبعض أفراد القسم الثاني لا مطلقا فان توكيل الامام شخصا في إجراء أحكام
(١٦٥)
صفحهمفاتيح البحث: السجود (1)، الشهادة (1)، التكفير، الكفارة (1)
وقائية مما لا يحتمل فيه كونه كاذبا فاسقا.
بينما يحتمل ذلك في العين ولو في الجملة وذلك لامكان اقتناص الحقيقة من مجموع كلامه وخصوصا كون المقتنص هو المعصوم (عليه السلام).
ولا يقال ان هذا يتم مع عدم وجود غيره وأما معه فلا.
إذ يجاب أنه ربما اختير بخصوصه لمزية لا توجد في غيره ككونه من القوم المأمور بمراقبتهم أو لمزيد خبرته ومثله يقال في حامل الراية ولو لكونه بطلا في الحروب أو لمناسبة ما تجعل حمل الراية بيده أشد علي الأعداء وأمسك للأصدقاء.
وأما الثاني - فلان الإمام (عليه السلام) رأس الشرع والمتشرعة ولا يعقل صدور المخالفة منه من هذه الناحية إذ كيف يوكل شخصا في طلاق مثلا وهو كاذب مخادع مع وضوح توقف انفساح النكاح علي قوله.
وكذا الحال في الحقوق المالية المنصب لقبضها لان يد الوكيل بمنزلة يد الموكل ولو كان كاذبا وأخفي ذلك عن الامام لادي إلي عدم سقوط الحقوق عن أصحابها بل انه يعرض أموال الشرع للاندراس والاختفاء.
وكذا لو وكل شخصا في امامة الناس فان ذلك دال لا محالة علي عدالته.
وأما في غير ذلك مما لا ملازمة بينه وبين الوثاقة عرفا أو شرعا فلا نسلم ثبوت الوثاقة به وهل يقال ان توكيل الامام شخصا في شراء حاجة ما دال علي وثاقة الموكل ومنه تعرف ان أفراد الأقسام الخمسة المذكورة لا يلتزم بوثاقتهم إلا ضمن أحد الضابطين المتقدمين.
ومنه يندفع ما أورده بعض المحققين من ثبوت فسق جملة معتد بها من
صفحه(١٦٦)
وكلاء المعصومين (عليهم السلام) ووجه الاندفاع ان فسق أولئك عائد لا محالة إلي أحد أمور:
1 - أما لجهة غير لسانية مع أن وكالته لا تحتاج إلي أكثر من وثاقة لسانه.
2 - أما لجهة لسانية أو غيرها ولكن المقام لا يحتاج فيه لذلك كشراء الأمتعة وما شاكلها.
3 - أن يكون المضعف ممن صدر فيه التضعيف بعد انقضاء وكالته بوفاة المعصوم أو غير ذلك كما هو الحال في علي بن أبي حمزة البطائني.
وأما الوجوه الأربعة المتقدمة والتي أقيمت لاثبات الملازمة فيرد عليها زائدا علي ما توضح لديك عدة أمور:
أما الأول - فلانه لا يتم إلا فيما عظم أمره لا مطلقا ونحن قد قبلنا الملازمة فيما كان كذلك.
وأما الثاني - فهو غريب لان ديدن العقلاء والمتشرعة أيضا جار قديما وحديثا علي جعل المزيد من أمورهم في يد الفسقة والكذبة كالبناء والمزارع والمشتري والبائع ناهيك تتلمذ جملة من العظام عند مخالفينا وهل يقال فيهم انهم ركنوا إلي الظالمين أو أعانوهم علي الظلم والبغي، وأما الثالث - فقد اتضح بيانه من سابقه خصوصا ان أحوال الأئمة وأوضاعهم الصعبة لم تكن لتخلق تشريفا للوكيل بقدر ما كانت تجلب عليه الهموم والأحزان لمراقبة السلاطين لهم وتتبعهم.
وهل يقال لمن خاط جبة أو بني بناء أو أكل من مطعم ما مع انحصار البناء والخياط بأنه نوع تشريف لهم. أو ليست هذه أمورا طبيعية يمارسها الكبير والصغير والشريف والوضيع قديما وحديثا وفي أمثال هذه الموارد.
(١٦٧)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي حمزة البطائني (1)، الظلم (2)، الأكل (1)
وأما الرابع - فلان الرواية لا يصح الاستدلال بها من جهتين:
أ - سقوطها سندا لجهالة الحسن بن عبد الحميد.
ب - اجمالها دلالة إذ لا يعلم المراد من الامر الذي قام القائم مقامهم فيه لكون الرواية ليست بصدد البيان من هذه الجهة فلعله داخل تحت القسمين المذكورين اللذين قبلنا الملازمة فيهما.
ج - ان ظاهر الرواية إرادة إثبات وثاقة وجلالة نوابهم وما شاكلهم ممن له حظوة ودور في تشريع الله ودينه لا مطلق القائم مقامهم ولو في شراء حاجة ولذا لم يعبر في الرواية [.. ولا بمن وكلناه] بل إن التعبير ب [من يقوم مقامنا بأمرنا] دال علي ما ذكرناه.
وبهذا ينتهي البحث في الباب الثامن وهو الباب الأخير من المقصد …
(١٦٨)
صفحهمفاتيح البحث: الحسن بن عبد الحميد (1)

الخاتمة في بعض التطبيقات

الخاتمة وهي في بعض التطبيقات:
ويدور البحث في خمسة مصاديق وفي كيفية تطبيق كبريات البحوث المتقدمة علي مواردها الجزئية وتحصيل النتائج المرجوة سلبا أو إيجابا:
الأول - في أحوال سهل بن زياد.
الثاني - في أحوال المعلي بن خنيس.
الثالث - في أحوال علي بن أبي حمزة البطائني.
الرابع - في أحوال السكوني (إسماعيل بن أبي زياد).
الخامس - في أحوال عمر بن حنظلة.
(١٦٩)
صفحهمفاتيح البحث: علي بن أبي حمزة البطائني (1)، إسماعيل بن أبي زياد (1)، المعلي بن خنيس (1)، سهل بن زياد (1)، عمر بن حنظلة (1)

البحث الأول - في أحوال سهل بن زياد

البحث الأول في أحوال سهل بن زياد الادمي ويقع البحث في أحواله ضمن ثلاث نقاط:
الأولي - في عرض أقوال العلماء الفقهاء فيه.
الثانية - في عرض عبائر الرجاليين ومن يعتد بقولهم.
الثالثة - مناقشة الأقوال والعبائر وبيان المختار.
أما الأولي:
اختلفت كلمات الأصحاب في سهل بن زياد فقد نسب للمشهور منهم تضعيفه وعدم الاعتداد بما يرويه نذكر منهم الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي في رجاله والعلامة في الخلاصة وفي جملة من كتبه الفقهية والمحقق في الشرائع ونكت النهاية والمعتبر والمحقق الآبي في كشف الرموز والسيوري والشهيد الثاني والبهائي وصاحب المدارك وغيرهم من الأصحاب.
وفي مقابل المشهور ما ذهب إليه الشيخ نفسه في رجاله من القول بوثاقته
(١٧١)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب رجال النجاشي (1)، كتاب كشف الرموز للفاضل الآبي (1)، سهل بن زياد (2)، الشيخ الطوسي (1)
وقوي ذلك العلامة في التحرير وهو المختار والمعتمد تبعا للوحيد والعلامة المجلسي.
وأما الثانية - قال الشيخ في الفهرست [سهل بن زياد الآدمي الرازي أبو سعيد ضعيف له كتاب أخبرني به ابن أبي جيد..] (1).
وقال في رجاله ضمن أصحاب الجواد (عليه السلام) [سهل بن زياد الآدمي يكني أبا سعيد من أهل الري] (2).
وذكره في ضمن أصحاب الهادي قائلا [سهل بن زياد الآدمي يكني أبا سعيد ثقة رازي] (3).
وقال في الاستبصار [.. ضعيف جدا عند نقاد الاخبار وقد استثناه أبو جفر بن بابويه من كتاب نوادر الحكمة] (4).
وذكره في رجاله ضمن أصحاب العسكري أيضا قائلا [سهل بن زياد يكني أبا سعيد الآدمي الرازي] (5).
وقال فيه النجاشي [سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي كان ضعيفا في الحديث غير معتمد عليه وكان أحمد بن محمد بن عيسي يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلي الري وكان يسكنها وقد كاتب أبا محمد العسكري (عليه السلام) علي يد محمد بن عبد الحميد العطار للنصف من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح
(١) فهرست الشيخ ص ٨٠.
(٢) رجال الشيخ ص ٤٠١.
(٣) رجال الشيخ ص ٤١٦.
(٤) الاستبصار ج ٣ باب أنه لا يصح الظهار بيمين في ذيل الحديث 935.
(5) رجال الشيخ ص 431.
(١٧٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (1)، الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (1)، العلامة المجلسي (1)، شهر ربيع الثاني (1)، محمد بن عبد الحميد العطار (1)، أحمد بن محمد بن عيسي (1)، أبو سعيد الآدمي (1)، ابن أبي جيد (1)، سهل بن زياد (5)، أحمد بن علي (1)، الشهادة (1)
وأحمد بن الحسين رحمهما الله له كتاب التوحيد رواه أبو الحسن العباس بن أحمد بن الفضل بن محمد الهاشمي الصالحي عن أبيه عن أبي سعيد الآدمي وله كتاب النوادر أخبرناه محمد بن محمد قال حدثنا جعفر بن عن أبي سعيد الآدمي وله كتاب النوادر أخبرناه محمد بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب قال حدثنا علي بن محمد عن سهل بن زياد ورواه عنه جماعة] (1).
وقال الكشي تحت رقم 1068.
[قال علي بن محمد القتيبي سمعت الفضل بن شاذان يقول في أبي الخير وهو صالح بن أبي حماد الرازي كما كني وقال علي: كان أبو محمد الفضل يرتضيه ويمدحه ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي ويقول هو الأحمق].
وقال تحت رقم 1069 [قال نصر بن الصباح: سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي يروي عن أبي جعفر وأبي الحسن وأبي محمد صلوات الله عليهم] (2).
وذكر الشيخ في فهرسته ضمن ترجمة محمد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعري صاحب النوادر بعد ذكر طريقه إلي هذا الكتاب الجامع لكتب عدة [.. وقال أبو جعفر بن بابويه إلا ما كان فيها من غلو أو تخليط وهو الذي يكون طريقه محمد بن موسي الهمداني أو يرويه عن رجل أو عن بعض أصحابنا.. إلي قوله أو عن سهل بن زياد الآدمي] (3).
وذكر النجاشي أيضا ان محمد بن الحسن بن الوليد كان يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيي ما رواه سهل بن زياد] (4).
وتبعه علي ذلك الصدوق وابن نوح.
(١) رجال الشيخ ص ١٣٢.
(٢) اختيار معرفة الرجال ص ٥٦٦.
(٣) فهرست الشيخ ص ١٤٥.
(٤) رجال النجاشي ص ٢٤٦.
(١٧٣)
صفحهمفاتيح البحث: محمد بن موسي الهمداني (1)، محمد بن الحسن بن الوليد (1)، محمد بن أحمد بن يحيي (2)، علي بن محمد القتيبي (1)، صالح بن أبي حماد (1)، الشيخ الصدوق (1)، الفضل بن شاذان (1)، أحمد بن الحسين (1)، عمران الأشعري (1)، محمد الهاشمي (1)، سهل بن زياد (4)، أحمد بن الفضل (1)، محمد بن يعقوب (1)، علي بن محمد (1)، جعفر بن محمد (1)، محمد بن محمد (2)، الصّلاة (1)، كتاب رجال النجاشي (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
ونقل عن كتاب ابن الغضائري قوله [سهل بن زياد أبو سعيد الادمي الرازي: كان ضعيفا جدا فاسد الرواية والمذهب وكان أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري أخرجه من قم وأظهر البراءة منه ونهي الناس عن السماع منه والرواية عنه ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل].
إلي هنا انتهي ما أردنا ذكره من أقوال الرجاليين وأرباب الصناعة.
أما النقطة الثالثة - لقد استفاد المشهور مما ذكرناه ضعف سهل وعدم صحة الاعتماد عليه ويمكن ذكر مواضع الاستفادة بعدة نقاط:
1 - تضعيف الشيخ الطوسي له في الفهرست ونسبة ذلك إلي نقاد الاخبار كما في الاستبصار.
2 - تضعيف النجاشي له كذلك بقوله ضعيفا في الحديث غير معتمد عليه.
3 - ما نقله النجاشي عن شهادة أحمد بن محمد بن عيسي بأنه غال كاذب.
4 - اخراجه من قم مهد التشيع والثقات من قبل أحمد بن محمد بن عيسي.
5 - ما ذكره الفضل من حمق سهل وعدم كونه مرضيا عنده.
6 - ما هو المنسوب إلي كتاب ابن الغضائري من شدة ضعف سهل وفساد روايته.
7 - استثناء ابن الوليد والصدوق وابن نوح الروايات التي يقع في سندها سهل بن زياد.
(١٧٤)
صفحهمفاتيح البحث: أحمد بن محمد بن عيسي (1)، أبو سعيد الآدمي (1)، ابن الغضائري (2)، سهل بن زياد (2)، الشيخ الطوسي (1)، أحمد بن محمد (2)، الشهادة (1)
وهذه النقاط السبعة هي غاية ما يقال في إثبات ضعف سهل وعدم صحة الاعتماد عليه إلا أن الصحيح هو وثاقته والاعتماد علي ما يرويه ويقع توضيح ذلك في مقامين:
الأول - في إبطال ما ذكر من دلالة هذه الوجوه علي الضعف وإبراز خدشة فيها.
الثاني - في إبراز منبهات علي صحة ما التزمناه.
أما المقام الأول - وهو خاضع لما ذكرناه في بداية بحوثنا الرجالية من انه ليس لدينا علما موضوعيا لدراية الرجال بقدر ما لدينا من فقه لدرايتهم ودراسة أحوالهم بنحو يوجب سكون النفس بصدقهم أو عدمه فلا بد من ملاحظة العبارات التي قيلت والأجواء والملابسات المقترنة بها مما قد يدعو أحيانا إلي عدم انعقاد مدلول تصديقي جدي لها مطابق لما حضر بدوا في الذهن وكما تقدم بيانه.
وأما النقطة الأولي فيرد عليها:
أ - ان تضعيف الشيخ معارض بتوثيقه نفسه في رجاله وكتاب الرجال متأخر عن الفهرست فانا إن لم نقل بتقديم قوله الأخير نظر لكشفه عن تبدل رأيه فلا أقل من تعارض قوليه مما لا يوجب الاعتماد عليهما معا.
لا يقال كما عن بعض الاعلام بان التأخر يكشف عن التبدل في الرأي فيما لو كان في الفتوي لا في الاخبار إذ العبرة بزمان المحكي عنه دون زمان الحكاية لأنه يجاب بأن الاخبار المستند إلي النظر والملاحظة والتدقيق والموازنة خارج عن حدود الحكاية المحضة.
وثانيا - أي استحالة في أن يخبر المخبر بشئ ما ثم بعد الملاحظة والتأمل يبدو له شبهة تغير مجري حكايته مع أن زمانهما واحد ولم (يتعمد)
صفحه(١٧٥)
الكذب في كل منهما.
ب - ان توثيقه المتأخر عن التضعيف يمكن جعله قرينة علي إرادة الضعف من جهة أخري ولو من جهة الحديث بمعني عدم انسجام رواياته مع الخطوط العامة للائمة المبرزة آنذاك علي الأقل. ولا دلالة فيها علي الضعف من الجهة اللسانية والقولية ويؤيد ذلك تقييد غيره للضعف بكونه في الحديث.
ج - ان نسبة التضعيف إلي نقاد الاخبار مما لا تغني قولا ولا تثبت رأيا لان تضعيفه نفسه لم يثبت عودة لجهة أقواله فما بني عليه لا يزيد عنه.
د - ان عادة الشيخ في كتاب الاستبصار التعليل فيما يريد طرحه بكون راويه غير ثقة أو غير معتمد وما شاكل ذلك. والحال عدم حصول ذلك في كثير من الموارد مما يدلل علي أن هذه العبارة إنما ذكرها كشاهد ومؤيد ووجه لاثبات حكم غير مناقض لما يظهر منه المناقضة كما هو ديدنه في كتاب الاستبصار.
وأما النقطة الثانية فيرد عليها:
أولا - ان النجاشي لم يطلق تضعيفه ليقال بانصرافه إلي الجهة القولية أو غير ذلك من الوجوه التي قد تدعي بل قيده بكونه في الحديث والمتتبع لكلمات الرجاليين يجد ان استعمال اللفظة مقيدة بما ذكر يراد منه إثبات انفراده بروايات غريبة عن السلوك العام للمذهب كما كان يقال في العبيدي انه ضعيف الحديث مع أنه من أجل الأصحاب والذي قال فيه العباس بن نوح ردا علي ابن الوليد حيث استثناه من كتاب النوادر [وما أدري ما رابه فيه لأنه كان علي ظاهر العدالة والوثاقة] (1).
وثانيا - ان عدم الاعتماد عليه كما نص النجاشي جاء كتفريع علي ضعفه في الحديث ومن الطبيعي وفي ذاك الوقت خصوصا وفي قم بالذات وفي ذاك
(1) رجال العلامة الحلي ص 272.
(١٧٦)
صفحهمفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)، العلامة الحلي (1)
الجو المتشدد بحيث كان الذي يعتمد الضعفاء والمراسيل مضطهدا معرضا للاعتزال أو النفي وما شاكل ذلك - أن لا يعتمد عليه.
وطبيعي أيضا ان من كان بنظر قوم ضعيفا في أحاديثه أن لا يعتمد عليه وان أصبحت رواياته فيما بعد من مسلمات التشيع ومرتكزات أفكاره.
ولرب رواية أعرض عنها الأصحاب لغرابتها وعدم تعقلها أصبحت مع الزمن من الأمور المسلمة والواضحة كتلك الروايات الواردة في مناقب آل البيت والتي اعتبرت ردحا زمنيا من الغلو كما رمي ناقلوها بذلك.
وأما النقطة الثالثة فيرد عليها:
أولا - ان كلمة كاذب لم تصدر بهذه الصراحة إلا من أحمد بن محمد بن عيسي ولو كان أمر سهل بهذه المثابة مع تأخر عهد المضعف والقريب لزمن المشايخ لكان التصريح بها من قبلهم أمرا غير عزيز مع كون ديدن جملة منهم هو تتتبع ذلك ونقله.
ثانيا - ان كلمة كاذب لو سلم إرادة ما يدعي منها فلا بد من صرفها عن ظاهرها نظرا للجو العام الذي صدرت فيه حيث إن سهلا كان متهما بضعف الحديث بالمعني المتقدم ونسب إليه الغلو ولا بد ان ذلك لجهد غرابة أحاديثه وأقواله وطبيعي جدا لمن كان يعتقد فيه ذلك وان رواياته خارجة عن خط آل النبي (صلي الله عليه وآله) روحا وفكرا بحيث جعلت من روايات الغلاة أن يعتقد بكذب ووضع قائلها وناسبها خصوصا من أولئك المشددين علي شرع أهل البيت وأخبارهم (ع).
ويؤكد ذلك أن ابن عيسي ذكر كلمة كاذب بعد أن نسب إليه الغلو بقوله [كان أحمد بن محمد بن عيسي يشهد عليه بالغلو والكذب].
وأما النقطة الرابعة - فيرد عليها:
(١٧٧)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أحمد بن محمد بن عيسي (1)، أحمد بن محمد (1)، الشهادة (1)
أولا - ان الاخراج من بلد إلي بلد وان صدر عن الأعاظم إلا أنه لا ملازمة بينه وبين ضعف المخرج لاحتمال بناء المخرج علي مرتكزات يعتقد خطر الامر في معتقدها مع أنها قد تكون من صلب الواقع.
اللهم إلا أن يقال بالملازمة بين العظمة والعصمة.
وثانيا - ان الملازمة لو سملت فهي تدل علي ضعفه إجمالا ولا تدل علي ضعفه من جهة لسانية قولية فهي أعم من ذلك.
ومما يؤيد عدم عودها لجهة القول ما قيده النجاشي في كتابه بقوله [كان ضعيفا في الحديث] خصوصا مع ملاحظة الجو المشار إليه أنذاك.
وثالثا - ان بعضا من الأعاظم أخرجوا من قم كالبرقي صاحب المحاسن ولا ذنب له إلا كونه قد اعتمد الضعفاء في مروياته.
فهل يقال بوهنه وكذبه.
وأما النقطة الخامسة فيرد عليها أيضا:
أولا - ان الحمق شئ والكذب شئ آخر إذ رب بليد لا يكذب في قول ولا يزل في فعل ولو أعطي الأقاليم السبعة بل قد تكون بلادته عاملا وراثيا أو نتيجة لأمور قهرية فلا تدل علي عيب فيه أصلا كما هو الحال عند الشيخوخة والصدمات الكبيرة.
وثانيا - ان عدم الرضي من قبل الفضل قد يكون منشؤه اعتقاده بحمقه فضلا عن عدم صراحتها ولا ظهورها في تكذيبه فكم من عظيم لا يرتضي عظيما آخر مماثلا له وكم عرف التاريخ تلاسنا بين جملة من الأصحاب ممن لا يشك في دينهم وورعهم ومزيد حيطتهم.
وثالثا - انه من المحتمل جدا أن نسبة الحمق إليه نظرا لغرابة مروياته بحيث يظن براويها مزيد حمق ونقصان وعي.
(١٧٨)
صفحهمفاتيح البحث: الصّلب (1)، الظنّ (1)
وأما النقطة السادسة ففيها:
أولا - ان نفس كتاب ابن الغضائري مما لم يثبت لدينا.
وثانيا - انه لو سلم ثبوته فلا يعتمد عليه للعلم الاجمالي بكثرة الأخطاء فيه أو وجود التحريف ضمنه حتي قيل إن لم يترك أحدا إلا ورماه بالضعف والكذب بما فيهم الاجلة والأعاظم ومن لا ينبغي الخدش فيه.
وثالثا - ان كتاب ابن الغضائري رغم كثرة تضعيفاته وقسوة عباراته لم يصرح فيه بكذب سهل بل غاية ما تدل عليه العبارة كون أحاديثه مستغربة غير مقبولة مما يؤكد ذاك الجو العام المشاع أنذاك في حق سهل وغيره ممن نحا نحوه.
بل إن العبارة المنسوبة لم تتعرض لسهل بالتكذيب من قبل ابن عيسي بقدر ما ذكرت انه نهي الناس عن الاستماع إليه والنقل عنه.
وأما النقطة السابعة من الاستدلال فيرد عليها:
أولا - ان المستثني هو ابن الوليد شيخ الصدوق ورأس المتشددين في لزوم ضبط الرواية عن الثقات والاثبات وفي اللعن علي معتمدي المراسيل والضعفاء فاستثناؤه مع هذا المبين لا يدل علي أكثر من ذلك.
ويدل عليه قول الشيخ في الفهرست [وقال أبو جعفر بن بابويه إلا ما كان فيها من غلو أو تخليط وهو.. الخ].
مما يدل دلالة واضحة علي أن الاستثناء نشأ من عدم وضوح تلك الروايات واختلاطها آنذاك ومن هنا فقد استثني العبيدي أيضا مع شهادة ابن نوح بكونه علي ظاهر العدالة والوثاقة.
وبهذا يتضح عدم تمامية كل من النقاط المتقدمة لاثبات ضعف سهل وعدم صحة الاعتماد عليها ولا مانع عندها من التمسك بتوثيق الشيخ الوارد في
(١٧٩)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الثقات لابن حبان (1)، الشيخ الصدوق (1)، ابن الغضائري (2)، الشهادة (1)
رجاله ضمن عرضه لأصحاب الهادي (عليه السلام).
وان خدش في ذلك نظرا لهذا الجو العام من الأقوال الصادرة في حق سهل وعدم اعتماد الأصحاب عليه أو لجهة تعارض كلام الشيخ فإنه يمكن إبراز شواهد ومنبهات أخري تدل علي صحة ما ما ذهبنا إليه.
الأول - ان تأليف الشيخ لرجاله وقع بعد فهرسته وتوثيقه (فيه) يدل علي تنبهه لحال سهل.
الثاني - ان كتاب النجاشي متأخر عن كتابي الشيخ بدليل نقله عنهما ولو كان قد استظهر ضعفا لجهة القول لانبغي النص عليه مع كونه بصدد بيان ذلك.
الثالث - ان سهل بن زياد من مشايخ الإجازة وقد التزمنا بالتفصيل المتقدم في محله دلالة ذلك علي الوثاقة بل الجلالة فيمن صدق عليه انه ناشر لأحاديث أهل البيت وصاحب مكتب إسلامي كبير. وسهل ممن يصدق عليه ذلك.
الرابع - رواية الاجلاء عنه وعلي رأسهم المشايخ الثلاثة والذين صدر من بعضهم ما قد عرفت من العبائر بل إن سهلا وقع في أسانيد روايات تربو علي الألفي رواية وخصوصا ان الصدوق الذي يقلد شيخه ابن الوليد تضعيفا وتصحيحا قد روي عنه أيضا.
الخامس - ما ذكره بعض من أن الشيخ المفيد في رسالة الرد علي الصدوق أورد حديثا مرسلا وفي طريقه سهل بن زياد وأكثر من الطعن في الحديث لابطال مذهب الصدوق ولم يذكر من وجوه الطعن كونه مرويا بطريق سهل بن زياد.
السادس - ان سهلا ممن قد روي عن ثلاثة من الأئمة الأطهار بل انه كاتب الإمام العسكري (عليه السلام) وألف بعضا من الكتب ككتاب التوحيد.
(١٨٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (1)، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام (1)، كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (1)، يوم عرفة (1)، الشيخ الصدوق (3)، سهل بن زياد (3)، التصديق (1)، الطعن (2)
السابع - ان الأصحاب قد أفتوا بمضمون رواياته لكونها منسجمة مع الروايات الأخري وهذا أحد القرائن الكيفية الدالة علي صدق الرجل وأمانته.
وبهذا نكتفي بالبحث عن أحوال سهل بن زياد وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه وثاقة سهل وصحة الاعتماد عليه فيما يرويه. ولقد أجاد من قال [الامر في سهل سهل].
(١٨١)
صفحهمفاتيح البحث: سهل بن زياد (1)، التصديق (1)

البحث الثاني - في أحوال المعلي بن خنيس

البحث الثاني في أحوال المعلي بن خنيس والكلام فيه يقع ضمن نقاط ثلاث:
1 - نقل أقوال العلماء.
2 - نقل أقوال الرجاليين المتعلقة به.
3 - مناقشة الأقوال والاخبار وبيان المختار.
أما النقطة الأولي - فالذي يظهر من الأصحاب اختلافهم فيه أيضا بين جارح وبين معدل نظرا لاختلاف شهادة الرجاليين فيه ولتضارب الأخبار الواردة حوله فقد ضعفه النجاشي وتبعه علي ذلك جمع منهم العلامة في الخلاصة وفي المقابل عدله الشيخ كما يستفاد من عبارته الآتية وتبعه علي ذلك جمع من المتأخرين منهم الوحيد البهبهاني والمحقق البحراني وغيرهم.
وأما النقطة الثانية -
(١٨٣)
صفحهمفاتيح البحث: المعلي بن خنيس (1)، الشهادة (1)
فقد ذكر الشيخ في رجاله [المعلي بن خنيس المدني مولي أبي عبد الله (عليه السلام)] (1).
- وقال في الفهرست [معلي بن خنيس يكني أبا عثمان الأحول له كتاب. أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد عن أبيه عن صفوان عنه] (2).
- وعده الشيخ في كتاب الغيبة من السفراء الممدوحين قائلا [ومنهم المعلي بن خنيس وكان من قوام أبي عبد الله (عليه السلام) وإنما قتله داوود بن علي بسببه وكان محمودا عنده ومضي علي منهاجه وأمره مشهور] (3).
- وقال النجاشي [معلي بن خنيس أبو عبد الله مولي جعفر بن محمد (عليه السلام) ومن قبله كان مولي بني أسد كوفي بزاز ضعيف جدا لا يعول عليه له كتاب يرويه جماعة قال سعد هو من غني وابن أخيه عبد الحميد بن أبي الديلم أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال حدثنا علي بن حاتم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن أيوب بن (كذا) عن صفوان بن يحيي عن أبي عثمان معلي بن زيد الأحول عن معلي بن خنيس بكتابه] (4).
- وعن البرقي أنه عده من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا:
معلي بن خنيس مولي أبي عبد الله (عليه السلام) كوفي بزاز] (5).
وعن الكتاب المنسوب لابن الغضائري [معلي بن خنيس مولي أبي
(١) رجال الشيخ ص ٣١٠.
(٢) فهرست الشيخ ص ١٦٥.
(٣) الغيبة ص ٢١٠.
(٤) رجال النجاشي ص ٢٩٦.
(5) رجال البرقي ص 25.
(١٨٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه السلام (1)، كتاب الغيبة للشيخ محمد رضا الجعفري (1)، مولي أبي عبد الله عليه السلام (1)، معلي بن خنيس أبو عبد الله (1)، أبو عبد الله بن شاذان (1)، صفوان بن يحيي (1)، ابن الغضائري (1)، المعلي بن خنيس (2)، عثمان الأحول (1)، علي بن حاتم (1)، بنو أسد (1)، معلي بن زيد (1)، أحمد بن محمد (1)، كتاب رجال النجاشي (1)
عبد الله (عليه السلام) كان أول أمره مغيريا ثم دعا إلي محمد بن عبد الله وفي هذه الظنة أخذه داوود بن علي فقتله والغلاة يضيفون إليه كثيرا ولا أري الاعتماد علي شئ من حديثه].
- وجعله العلامة في الخلاصة في عداد الضعفاء ومن لا يعتمده مكتفيا بنقل قول النجاشي وقول ابن الغضائري وقول الشيخ في الغيبة معلقا علي الأخير بقوله (وهذا يقتضي وصفه بالعدالة) (1).
وأما النقطة الثالثة:
ان هذه العبائر رغم تضاربها لا تتنافي في أمور:
1 - انه كان مولي لابي عبد الله الصادق (عليه السلام).
2 - ان كان بزازا ومن أهل الكوفة.
3 - انه صاحب كتاب.
4 - انه قتل من قبل الحاكم آنذاك وهو داوود بن علي.
5 - ان الغلاة يضيفون إليه أمورا معينة.
وأما التضارب الوارد في هذه العبائر بما يعود إلي وثاقته والاعتماد عليه فهو في تصريح النجاشي وابن الغضائري بضعفه وعدم التعويل عليه ويقابل ذلك تصريح الشيخ الطوسي بأنه من السفراء ومن الممدوحين لدي الامام بل انه مضي علي منهاج الامام وخطه.
وبما اننا بنينا علي لزوم الموازنة بين ما يظهر منه بدوا عدم الوثاقة والعدالة وبين غيره فلا بد من الإشارة إلي أن ما ذكره النجاشي لا يتنافي مع ما ذكره الشيخ.
(1) الخلاصة ص 259.
(١٨٥)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، مدينة الكوفة (1)، ابن الغضائري (2)، محمد بن عبد الله (1)، الشيخ الطوسي (1)، القتل (1)
والوجه في ذلك أمور:
أولا - عدم صراحة تعبير النجاشي في عود الذم إلي الجهة القولية بل ولا ظهورها في ذلك.
ثانيا - انه من المحتمل جدا ان منشأ ضعفه نسبة الغلاة إليه أشياء معينة كما صرح به ابن الغضائري - علي تقدير ثبوت النسبة - أو ما ستسمعه من ورود الروايات الذامة له لمخالفته الإمام (ع) في الاعتراض علي السلطة آنذاك وسوف تعرف عدم دلالة تلك الروايات علي ذمه مطلقا فضلا عن عوده للجهة القولية وسنذكر وجه جمع مناسب يؤكد عدم تنافي هذه الروايات مع جلالة المعلي ورفعة مكانه.
ثالثا - ان ما ذكره ابن الغضائري من دعوته للنفس الزكية منقوض بما يأتي من إصرار المعلي علي الولاء للإمام الصادق (عليه السلام) ومن انه وهب ديونه كلها لجعفر بن محمد (عليهما السلام) هذا مع عدم المنافاة بين الدعويين لو أريد من الدعوي نحو ولاء كما لا يخفي.
رابعا - ان الشيخ نفسه رغم اطلاعه علي كتاب الكشي وتلخيصه له لم يذكر في رجاله ولا في فهرسته أي تضعيف له مع كون الروايات الذامة للمعلي علي مرأي منه مما يؤكد ان النجاشي لما اطلع علي الروايات المتضاربة وعلي ما أورده ابن الغضائري ضعفه بقوله [.. ضعيف جدا لا يعول عليه].
خامسا - انه لو سلم ظهور العبارة في التضعيف فغايته شمولها للجهة القولية بالاطلاق ولا بد من صرف اطلاقها عن خصوص الجهة القولية لما ذكره الشيخ في الغيبة.
وبهذا يتحصل ان ما ذكر لا يثبت جرحا لجهة الوثاقة بل يمكن استفاد الوثاقة والجلالة منه.
(١٨٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (2)، ابن الغضائري (3)
وأما عبارة العلامة فهو مع كونه من المتأخرين اقتصر علي نقل العبائر ومن المعلوم عدم وجود جديد اطلع عليه وإلا لكان نقله ومن ذلك يعلم ان توقفه ليس إلا لاجل هذا التضارب مما دعاه للحيطة والتروي في الرواية عنه ويؤيده تعليقه علي كلام الشيخ بأنه يقتضي وصفه بالعدالة.
- وأما الأخبار الواردة والتي قد تثبت ما استفدناه من عبائر الرجاليين أو قد تخل به فسنذكر محل الشاهد منها أو ماله دخل في توجيه فهم الرواية.
وأكثر هذه الروايات مأخوذ من كتاب اختيار معرفة الرجال للكشي.
1 - الحديث الأول - ما روي عن إسماعيل بن جابر بان الإمام الصادق (عليه السلام) أرسله ليستطلع عن حدوث شئ في المدينة وعندما عاد ليخبره بمقتل المعلي بادره الإمام (ع). [قال لي يا إسماعيل قتل المعلي بن خنيس فقلت نعم قال فقال أما والله لقد دخل الجنة] (1).
وهذه الرواية تامة سندا ويستفاد منها أمران رئيسيان:
1 - إهتمام الامام بأمر المعلي بدليل إرساله إسماعيل إلي المدينة يستطلع له عن حدث كان يدرك حقيقته وهو مقتل المعلي ولذا بادره بالقول المتقدم.
2 - كون المعلي في أعلي درجات الجلالة وذلك لاخبار الامام عنه بمغيب هو انه من أهل الجنة واستعمال القسم الذي هو نحو تأكيد كما أنه كرر تأكيد ذلك باللام وبقد حيث قال [والله لقد].
والخدشة فيما ذكر بأنه لا ملازمة بين دخول الجنة وبين الجلالة والوثاقة رغم هذا السياق والتعبير وسوسة محضة مصدرها قلة التدبر في أساليب الكلام العربي كما لا يخفي علي المتأمل.
(1) اختيار معرفة الرجال ص 376.
(١٨٧)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب رجال الكشي (1)، إسماعيل بن جابر (1)، القتل (2)، الإختيار، الخيار (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
2 - الحديث الثاني - ما رواه حماد عن المسمعي وبسند صحيح من أن المعلي لما أريد قتله طلب الخروج إلي الناس ليشهد بان كل ما عنده من قليل أو كثير للصادق (عليه السلام) وفعل ذلك ثم شدوا عليه وقتلوه ويقول المسمعي:
[.. فلما بلغ ذلك أبا عبد الله (عليه السلام) خرج يجر ذيله حتي دخل علي داوود بن علي وإسماعيل ابنه خلفه فقال يا داوود قتلت مولاي وأخذت مالي فقال ما أنا قتلته ولا أخذت مالك قال والله لأدعون الله علي من قتل مولاي وأخذ مالي قال ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي فقال بإذنك أو بغير إذنك؟
قال بغير اذني قال يا إسماعيل شأنك به فخرج إسماعيل والسيف معه حتي قتله في مجلسه] (1).
وزاد حماد عن معتب بان الامام لم يزل ساجدا وقائما يدعو بأجل الأسماء علي داوود وان الله أخذه لساعته.
والمستفاد من هذا الحديث أمور:
1 - مزيد ولاء المعلي للامام بحيث أصر قبل أن يقتل علي تسليم كل ماله للامام (عليه السلام).
2 - ان قتله كان لاجل الامام نفسه لا لاجل غيره كما عن الكتاب المنسوب لابن الغضائري وذلك لما ورد في الراوية من انه لما شهد بأمواله للامام (عليه السلام) شدوا عليه وقتلوه ويشهد لذلك أيضا ما يأتي في الحديث الرابع.
3 - مزيد احترام وإجلال الإمام (عليه السلام) له بحيث جر أذياله بمجرد علمه وأصر علي معرفة قاتله والانتقام منه بقتله.
(1) اختيار معرفة الرجال ص 387 حديث 708.
(١٨٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، ابن الغضائري (1)، القتل (11)، الشهادة (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
4 - ان المعلي لم يكن واضح الضعف والانحراف وإلا لاحتج داوود بن علي بذلك بينما تراه أنكر ذلك وأحاله علي رئيس شرطته مع أنه هو الذي أمر بذلك كما نصت عليه رواية الوليد بن صبيح التامة سندا (1) وفيها [يأمروني بقتل الناس فاقتلهم لهم ثم يقتلوني].
5 - ان الامام قد استعمل ما لم يستعمله إلا في موارد خاصة وهو الدعاء بألفاظ جليلة وان الله قد استجاب دعاءه لساعته مما يعني مزيد غضب الامام وشدة تأثره بحيث لم يكتف بقتل المباشر لقتل المعلي..
والمتأمل في هذه الأمور لا يشك في استفادة الوثاقة والجلالة منها بل وكون المعلي من حواريي وعيون الإمام (عليه السلام) المقربين.
وهذه الرواية والتي سبقتها لا تدلان علي أية دلالة سلبية بالنسبة للمطلوب.
3 - الحديث الثالث - ما رواه الكشي أيضا عن إسماعيل بن جابر وبسند تام ان الإمام (عليه السلام) لما علم بمقتل.. وذكر [.. فقام مغضبا يجر ثوبه فقال له إسماعيل ابنه يا أبت أين تذهب؟ فقال لو كانت نازلة لقدمت عليها فجاء حتي قدم علي داوود بن علي فقال له يا داوود أتيت ذنبا لا يغفره الله لك قال وما ذلك الذنب؟ قال: قتلت رجلا من أهل الجنة.. الخ] (2).
وهذه الرواية تدل أيضا علي جلالة أمر المعلي من جهات ثلاث:
1 - ان الامام تصدي لطلب القود من قاتل المعلي ولو أدي ذلك إلي كارثة أو مصيبة.
ان قلت من المحتمل أيضا ان الامام رأي الفرصة مناسبة للانتقام من
(1) اختيار معرفة الرجال ص 379 حديث 710.
(2) نفس المصدر ص 379 حديث 711.
(١٨٩)
صفحهمفاتيح البحث: إسماعيل بن جابر (1)، وليد بن صبيح (1)، القتل (3)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
أحد الظالمين آنذاك فاستغل قتل المعلي باعتباره مولاه ولذا طالب بالقود.
قلنا إن قيام الامام مغضبا يجر ثوبه ومخاطبته لولده بأنه لو كانت نازلة لأقدم عليها لا تتناسب مع هكذا احتمال.
كما أن دعاء الامام علي الوالي بعد قتله المعلي بحيث استجيب دعاؤه من ساعته لدليل واضح علي أن فعلته إنما كانت لاجله.
2 - ان الامام جعل قتل المعلي ذنبا لا يغفر مما يدل أيضا علي جلالته ووثاقته لا يقال ان ذلك أعم من المطلوب فإن قتل المسلم عمدا يوجب ذلك أيضا بنص الآية المباركة.
فإنه يجاب بان ملاحظة السياق والتعبير من ظهور غضب الإمام (عليه السلام) وإقدامه رغم ما يمكن حدوثه ومخاطبته لداوود بما خاطبه يعين ما ذكرناه.
وبعبارة أخري يمكن القول ان نظر الرواية لبيان عظمة المعلي من خلال بيان عظمة ذنب داوود بقتله وإلا فداوود متيقن الظالمية وأي ظلم أعظم من تحمل وتسلم ولاية ليست له وهي أعظم من القتل بمراتب شديدة …
3 - ان الامام بين ذنب داوود بأنه قتل رجلا من أهل الجنة وهذا التعبير أيضا من الألفاظ الدالة علي علو مكانة المعلي إذا لم يقل بدلا من ذلك قتلت رجلا يستحق الجنة أو قد يدخل الجنة بل انه جعله محتوما من أهلها مما يدل علي استحقاق المعلي الفعلي لها.
4 - الحديث الرابع - ما رواه الكشي بسند تام عن أبي بصير حول اعتقال المعلي ومحاكمته [.. فدعاه - أي دعا داوود المعلي - وسأله عن شيعة أبي عبد الله (عليه السلام) وان يكتبهم له فقال ما أعرف من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) أحدا وإنما أنا رجل اختلف في حوائجه ولا أعرف له صاحب قال أتكتمني أما إنك ان كتمتني قتلتك فقال له المعلي بالقتل تهددني
(١٩٠)
صفحهمفاتيح البحث: أبو بصير (1)، الظلم (1)، القتل (9)
والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم وان أنت قتلتني لتسعدني وأشقيك فكان كما قال أبو عبد الله (عليه السلام)..] (1).
وهذا الحديث دال أيضا علي رفعة مكان المعلي من جهات:
1 - ان اعتقال داوود له كان بسبب علاقته مع الإمام (عليه السلام) بدليل انه لما اعتقله سأله عن أصحاب الإمام (عليه السلام) وهدده إن لم يذكرهم بالقتل.
2 - ان سؤال داوود للمعلي عن أصحاب الإمام (عليه السلام) يدل علي قربه من الامام وكونه من حوارييه وإلا لما كان معني لطلب حاكم يملك من العيون والجواسيس ما يملك من رجل كالمعلي لو لم يكن حاله كما ذكرناه.
3 - ان المعلي رغم تهديد داوود بالقتل لم يجبن بل قال ما يدل علي كونه من الأولياء العظام وهو قوله [.. والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم].
ويشهد لذلك ما في روضة الكافي وبسند تام من قول الإمام (ع) في حق المعلي [ … سلط الله فيها عدوه علي وليه..] (2).
4 - ان المعلي كان معتقدا ان سعادته في شهادته.
* لا يقال ان اعتقاده لا يغير في الواقع شيئا إذ رب معتقد شيئا حقا وهو من الضالين بل من أضل العباد سبيلا.
فإنه يجاب بأن ناقل الحديث هو الإمام (عليه السلام) مما يعني إقراره بما فيه.
هذه خلاصة ما أردنا إثباته من الروايات المادحة والتي تشكل بصحتها
(1) اختيار معرفة الرجال ص 381 حديث 713.
(2) روضة الكافي حديث 469.
(١٩١)
صفحهمفاتيح البحث: أبو عبد الله (1)، القتل (1)، الشهادة (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
سندا مع ما تقدم من تصريح الشيخ في الغيبة دليلا قاطعا علي جلالة وعظمة ووثاقة المعلي.
وأما ما ورد فيه من الروايات الذامة فهو عدة أحاديث:
1 - الحديث الأول - ما رواه الكشي عن أبي العباس البقباق وبسند تام [.. تذاكر (تدراء) ابن أبي يعفور ومعلي بن خنيس فقال ابن أبي يعفور الأوصياء علماء أبرار أتقياء وقال ابن خنيس الأوصياء أنبياء قال فدخلا علي أبي عبد الله (عليه السلام) قال فلما استقر مجلسهما قال فبدأهما أبو عبد الله (عليه السلام) فقال يا عبد الله ابرأ ممن قال انا أنبياء] (1).
وهذه الرواية مما يقطع بعدم صحتها بحسب ظاهرها ولزوم تأويلها بالمقابل مع ما تقدم من الأدلة التامة علي عظم أمر المعلي بحيث لا يتصور ان المعلي كان جاهلا بأن النبي (صلي الله عليه وآله) خاتم الأنبياء وآخر الرسل مع أن ذلك من ضروريات الدين والمذهب فلا بد من أن يكون قول المعلي ناظرا إلي أن الأوصياء أفضل من الأنبياء ما خلا نبينا محمد (صلي الله عليه وآله).
أو أنهم كالأنبياء في اطلاعهم علي الاسرار والمغيبات وعلوم البلايا والمنايا وما شاكل ذلك.
خصوصا ان الامام لم يخاطب المعلي معرضا فيه بذنب وشبهة.
ولو زدت إصرارا في الجمود علي المؤدي الأولي للرواية ولم ترد الموازنة بينها وبين ما تقدم بيانه فغاية دلالتها اشتباه المعلي غير الملازم لكذبه ولعل نظر ابن الغضائري في قوله ان الغلاة يضيفون إليه أمورا معينة إلي هذا الحديث.
الحديث الثاني - ما رواه الكشي في ترجمة ابن أبي يعفور عن ابن أبي
(1) اختيار معرفة الرجال ص 248 حديث 460.
(١٩٢)
صفحهمفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، ابن أبي يعفور (3)، ابن الغضائري (1)، الوصية (2)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
عمير وغيره [.. ان ابن أبي يعفور ومعلي بن خنيس كانا بالنيل علي عهد أبي عبد الله (عليه السلام) فاختلفا في ذبائح اليهود فأكل المعلي ولم يأكل ابن أبي يعفور فلما صارا إلي أبي عبد الله (عليه السلام) أخبراه فرضي بفعل ابن أبي يعفور وخطأ المعلي في أكله إياه] (1).
وهذه الرواية وان تمت سندا لا تدل علي أكثر من خطأ المعلي في تشخيص حكم شرعي خصوصا مع بعد وجود اليهود عنه بحيث لم تكن ذبائح اليهود ومآكلهم داخلة في محل الابتلاء آنذاك.
ومما يؤيد ذلك أن الامام خطأ المعلي ولم يقل بان المعلي ارتكب حراما أو ما أدي دلالته.
بل لو سلم أنه قال له ذلك فلا يدل أيضا علي كذب المعلي لوضوح عدم الملازمة بين فعل سائر المحرمات غير الكذب وبينه فضلا عن الملازمة بين الخطأ وبين الكذب كما هو مراد المستدل بالرواية.
الحديث الثالث - وهو المهم في المقام وهو ما رواه الكشي أيضا عن حفص الأبيض التمار أنه قال [دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام) أيام المعلي بن خنيس رحمه الله فقال لي يا حفص إني أمرت المعلي فخالفني فابتلي الحديد.. ثم ذكر ان الامام أكرم المعلي لما رآه حزينا كئيبا بإراءته لأولاده وعياله.. إلي قوله.. قلت يا معلي ان لنا حديثا من حفظه علينا حفظ الله عليه دينه ودنياه يا معلي لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا إن شاؤوا منوا عليكم وان شاؤوا قتلوكم يا معلي انه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله نورا بين عينيه وزوده القوة في الناس ومن أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتي يعضه السلاح أو يموت بخبل يا معلي أنت مقتول فاستعد] (2).
(1) اختيار معرفة الرجال ص 278 حديث 709.
(2) اختيار معرفة الرجال ص 380 حديث 712.
(١٩٣)
صفحهمفاتيح البحث: الأحكام الشرعية (1)، ابن أبي يعفور (1)، المعلي بن خنيس (1)، الكذب، التكذيب (3)، الكرم، الكرامة (1)، الموت (2)، اليهود، اليهودي (2)، الأكل (2)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (2)
ووجه الاستدلال بالحديث علي ضعفه أمور:
1 - ما ورد فيها من التصريح بمخالفة المعلي للامام (عليه السلام).
2 - ما ورد من عدم حفظ المعلي للأمانات لقول الإمام (عليه السلام) له [لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا..].
3 - ان الإمام (عليه السلام) أنذره بالقتل مما يدل علي أنه لا أمل في ارتداعه عما ردعه الامام عنه.
والصحيح عدم تمامية هذه الوجوه في الدلالة علي ذمة وذلك لأمور:
أولا - ان المخالفة قد لا تستدعي المعصية كما هو الحال في الأوامر الارشادية العظتية والمقام من هذا القبيل لقرينتين:
أ - ان الامام ذكر عقيب بيان مخالفة المعلي له أحاديث تدل علي أنه حباه وأكرمه بحيث أعمل القدرات الغيبية لاسعاده.
ب - ان سياق الحديث بما فيه من تعليل وعظمة لا يناسب الحكم التكليفي المقتضي للالزام والبت وعدم التعليل عادة.
فالامر في الحديث نحو إرشاد للمعلي وللشيعة عموما لمزيد الرأفة بهم والعطف عليهم وبيان لرغبة الامام في أن يحفظوا دمائهم وان لا يتورطوا مع أولئك الظالمين فالرواية بصدد بيان رجحان أخذ الحائطة.
وثانيا - ان إنذار الامام له بأنه سيقتل وأمره له بالاستعداد علي عكس ما استدل له أدل لأنه نحو عناية بالمعلي كما لا يخفي.
ومما يؤكد ذلك ما ورد في رواية أخري علي أن المعلي كان مكلفا بذلك وانه لا ينال ما نال إلا بما يؤدي للقتل.
ورابعا - ان كون الحديث صادرا في أيام ملاحقة المعلي يحدد احتمال
(١٩٤)
صفحهمفاتيح البحث: الظلم (1)، القتل (2)
صدور الحديث تقية ولأجل تصوير عدم ارتباط المعلي بالامام (عليه السلام).
وخامسا - انه لو سلم دلالة الرواية علي ذمة فهو غير مضر بالمقصود لعدم عود الذم لجهة الوثاقة وقد عرفت انها المناط في الاخذ والاعتداد.
ومن كل ما ذكرناه يتحصل عدم وجود وجه مقبول لاثبات ذمه لا من قول ولا من خبر.
وان ما ورد من الروايات المادحة مع ما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة دالان علي عظم شأن المعلي بل وكونه من الأولياء والصالحين..
(١٩٥)
صفحهمفاتيح البحث: كتاب الغيبة للشيخ محمد رضا الجعفري (1)، يوم عرفة (1)

البحث الثالث - في أحوال علي بن أبي حمزة

البحث الثالث في أحوال علي بن أبي حمزة البطائني ويدور البحث في أحواله ضمن نقطتين:
الأولي - عرض أقوال الفقهاء.
الثانية - عرض أقوال الرجاليين ومن يعتد بأقوالهم وعرض الاخبار المتعلقة به ومناقشة ذلك وبيان المختار.
أما النقطة الأولي - فقد وقع الخلاف بين الأصحاب أيضا في توثيق الرجل وعدمه فقد بني المشهور علي ضعفه منهم العلامة والشهيد الثاني وصاحب المدارك والفاضل التستري بل إن بعضهم ادعي عدم وجود القائل بوثاقة علي بن أبي حمزة لكونه خبيثا كذابا واقفيا مذموما وفي مقابل المشهور ما يظهر من الحر العاملي من توثيقه والاعتماد عليه لايراده رواية يقع في سندها علي بن أبي حمزة قائلا [..
وأكثر رواته ثقات وان كان منهم علي بن أبي حمزة وهو واقفي لكن وثقه بعضهم] كما جنح الوحيد إلي توثيقه أيضا وهو المختار عندنا وعليه المعتمد
(١٩٧)
صفحهمفاتيح البحث: الشيخ الحر العاملي (1)، علي بن أبي حمزة البطائني (4)
علي تفصيل يأتي..
أما النقطة الثانية قال الشيخ في رجاله [علي بن أبي حمزة البطائني الأنصاري قائد أبي بصير واقفي له كتاب] (1).
وعده فيه من أصحاب الكاظم (عليه السلام) ومن أصحاب الصادق (عليه السلام) في موضع آخر وقال نحوه.
وقال في فهرسته [علي بن أبي حمزة البطائني واقفي المذهب له أصل رويناه بالاسناد الأول عن أحمد بن أبي عبد الله وأحمد بن محمد بن عيسي عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيي جميعا عنه] (2).
وفي كتابه الغيبة ورد [.. وقد روي السبب الذي دعا قوما إلي القول بالوقف فروي الثقات ان أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة..
طمعوا في الدنيا ومالوا إلي حطامها واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال] (3).
وقال النجاشي [علي بن أبي حمزة واسم أبي حمزة سالم البطائني أبو الحسن مولي الأنصار كوفي وكان قائد أبي بصير يحيي بن القاسم وله أخ يسمي جعفر بن أبي حمزة روي عن أبي الحسن موسي (عليه السلام) ثم وقف وهو أحد عمد الواقفة وصنف كتبا عدة] (4).. ثم ذكرها وذكر طريقه إليها.
وعده البرقي تارة من أصحاب الصادق (عليه السلام) وتارة من أصحاب الكاظم (عليه السلام) من دون ذكر تضعيف أو توثيق بل اكتفي بذكر اسمه
(١) رجال الشيخ ص ٣٥٣.
(٢) فهرست الشيخ ص ٩٦.
(٣) غيبة الشيخ ص ٤٢.
(٤) رجال النجاشي ص ١٧٥.
(١٩٨)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (2)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (3)، علي بن أبي حمزة البطائني (4)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، أبو بصير (1)، أحمد بن أبي عبد الله (1)، أحمد بن محمد بن عيسي (1)، يحيي بن القاسم (1)، صفوان بن يحيي (1)، سالم البطائني (1)، ابن أبي عمير (1)، السب (1)، كتاب رجال النجاشي (1)
ونسبه.
وفي كتاب الكشي [محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن الحسن - أي ابن فضال قال علي بن أبي حمزة كذاب متهم] (1).
وفي حديث آخر نحوه وزاد [.. قد رويت عنه أحاديث كثيرة وكتبت تفسير القرآن كله من أوله إلي آخره إلا أني لا استحل ان أروي عنه حديثا واحدا] (2).
- وعن كتاب ابن الغضائري المنسوب إليه ان علي بن أبي حمزة لعنه الله أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه السلام.
وفي الحديث عن ولده الحسن بن علي بن أبي حمزة قال [أبو أوثق منه].
- وعده العلامة في الخلاصة في عداد الضعفاء مكتفيا بنقل أقوال النجاشي والشيخ وابن فضال وابن الغضائري. (3).
وأقوال الرجاليين هذه متنافية من جهات وغير متنافية من جهات أخري.
وأما ما لا منافاة فيه فأمور:
1 - انه من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام).
2 - انه من الواقفة ومن عمدهم ولم يعترف بإمامة الرضا (عليه السلام) بعد وفاة الكاظم (عليه السلام).
3 - ان له أصلا وبعضا من الكتب.
4 - انه استبد بأموال الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد وفاته وانها سبب
(1) اختيار معرفة الرجال ص 403 حديث 755.
(2) نفس المصدر حديث 756.
(3) الخلاصة ص 231.
(١٩٩)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (3)، النبي إبراهيم (ع) (1)، كتاب تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني (1)، علي بن أبي حمزة البطائني (3)، ابن الغضائري (2)، علي بن الحسن (1)، محمد بن مسعود (1)، الصدق (1)، الوفاة (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
وقفه وانحرافه.
5 - ان الرجاليين يضعفونه في سياق إثبات وقفه مما يدل علي نظرهم إلي مرحلة ما بعد وقفه إلا ما أطلقه ابن فضال.
وأما ما يوجد تنافي فيه فهو:
1 - تعارض تضعيف ابن فضال مع دعوي الشيخ عمل الطائفة بأخباره.
2 - تعارض تضعيف ابن فضال مع دعوي وثاقته من قبل ابن الغضائري - أقول إن ما اتفقت عليه كلمات الرجاليين فلا نقاش فيه وأما ما افترقت فيه كلماتهم فلا بد من رد بعضه إلي بعضه وتوجيهه بحمل ما أطلقه ابن فضال علي صورة ما بعد وقفه وكذا سائر ما ورد فيه من الذم.
ووجه ذلك أحد أمرين:
الأول - ان التشكيك والطعن فيه قد صدر في سياق وقفه بل إثبات كونه من عمدهم وانه الأصل لهم ولا بد ان نظر ابن فضال لهذا الجو السائد بعد الوقف لا مطلقا.
الثاني - ان نفس ان فضال قال في مكان آخر من كتاب الكشي عين هذه العبارة المتقدمة وعقبها بقوله [روي أصحابنا ان الرضا (عليه السلام) قال بعد موته: أقعد علي بن أبي حمزة في قبره فسئل عن الأئمة فأخبر بأسمائهم حتي انتهي إلي فسئل فوقف فضرب علي رأسه ضربة امتلأ قبره نارا] (1).
وأما ما ذكره ابن الغضائري ففيه ما مر من عدم ثبوت النسبة بل وعدم التنافي لان الحسن بن علي بن أبي حمزة واضح الضعف وقوله (أوثق منه) لا بد انه بيان أفضلية أبيه من ولده رغم كونه ضعيفا مثله.
فبقي دعوي الشيخ عمل الطائفة باخباره الدالة نحو دلالة علي وثاقة
(1) اختيار معرفة الرجال ص 444 حديث 834.
(٢٠٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، علي بن أبي حمزة البطائني (2)، ابن الغضائري (2)، القبر (2)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
الرجل قبل وقفه علي الأقل خالية عن المعارض.
يمكن تقسيم هذه الأخبار بحسب قرب المضمون إلي أربعة أقسام:
الأول - ما دل علي تشبيه ابن أبي حمزة بالبهائم وهو روايات عدة:
منها - ما روي بسند تام إلي علي بن أبي حمزة حيث روي بنفسه ان الكاظم عليه السلام) قال له.
[يا علي أنت وأصحابك شبه الحمير] (1).
وهذه الرواية تمتاز بخصوصية وهي ان الذم الوارد فيها قد صدر في حقه زمن الكاظم (عليه السلام) ورغم ذلك لا يصح الاستدلال بها علي التضعيف بالمعني المخل.
وذلك لان تشبيهه بالحمير يعود لا محاله لوجه شبه بينهما أما من حيث رؤيته لكثير من الوقائع من دون أعمال التدبر لاستخلاص النتائج الموصلة للحيطة والنجاة أو من حيث إن ما يعمله لن يري ثوابا عليه كما أن الحمير تستعمل للنقل والحمل من دون أي مكافأة علي عملها سوي التعب والكلل وما شاكلهما من احتمالات وهذا كما تري لا دلالة فيه علي تكذيب ابن أبي حمزة بقدر ما له نظر لأمور سلوكية وعقائدية خصوصا مع ملاحظة سائر النصوص الأخري بل قد يتعين من خلالها ان عليا كان يحمل قابليات الانحراف والوقف منذ زمن الكاظم (عليه السلام).
الثاني - ما دل علي تكذيبه وهو ما رواه الشيخ في الغيبة قال [روي أحمد بن محمد بن عيسي عن سعد عن أحمد بن عمر قال سمعت الرضا (عليه السلام) يقول في ابن أبي حمزة: أليس هو الذي يروي ان رأس المهدي يهدي إلي عيسي بن موسي؟ وهو صاحب السفياني! وقال إن أبا
(1) اختيار معرفة الرجال ص 44 حديث 832.
(٢٠١)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (3)، علي بن أبي حمزة البطائني (1)، أحمد بن محمد بن عيسي (1)، ابن أبي حمزة (2)، أحمد بن عمر (1)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (1)
إبراهيم (عليه السلام) يعود إلي ثمانية أشهر فما استبان لهم كذبه] (1).
وهذه الرواية لا يصح الاستدلال بها من ثلاث جهات:
1 - ضعف الرواية سندا لجهالة طريق الشيخ إلي أحمد بن محمد بن عيسي (2).
2 - ان التكذيب لو سلم صدوره فإنما يثبت في عهد الرضا (عليه السلام).
وهو مما لا ريب فيه ولا في الروايات التي رواها بعد وقفه وإنما محل الكلام ما صدر منه قبل ذلك.
3 - غرابة مضمون الرواية فان المهدي الوارد فيها بقرينة السفياني يشعر بإرادة القائم (عج).
وساعتئذ يكون تبين كذبه مرهون بأمر متأخر مع أن الامام كما يظهر في الرواية قد أناط ذلك بأمر فعلي.
وكون المراد بالسفياني رجل آخر مع شيوع هذا اللفظ عند المتشرعة وأصحاب الأئمة قديما وحديثا أغرب وأبعد.
اللهم إلا أن يقال ان ابن أبي حمزة كان يعتقد مهدوية الكاظم (عليه السلام) رغم مغايرة اسمه للاسم الوارد عن النبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة متواترا.. وهو أزيد في البعد.
الثالث - ما دل علي استحقاق ابن أبي حمزة النار وانه من أهلها.
- من قبيل ما رواه يونس بن عبد الرحمن قال: [دخلت علي الرضا (عليه السلام) فقال لي مات علي بن أبي حمزة؟ قلت نعم قال قد دخل النار قال
(١) الغيبة ص ٤٦.
(2) بل الأقرب صحته فراجع.
(٢٠٢)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، النبي إبراهيم (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، علي بن أبي حمزة البطائني (1)، ابن أبي حمزة (2)، أحمد بن محمد (1)، الموت (1)
ففزعت من ذلك قال اما انه سئل عن الامام بعد موسي أبي فقال لا أعرف إماما بعده فقيل لا؟ فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره نارا] (1) وغيرها مثلها وهذه الرواية لا يصح الاستدلال بها لوجهين:
أولا - وبغض النظر عن سندها قد صدرت من الرضا (عليه السلام) وقد تقدم الكلام.
وثانيا - ان دخول النار الوارد في الرواية لم يكن نتيجة عصيانه مطلقا بل إن ذيل الرواية ظاهر في أنه استحقها لاجل وقفه وهو من أكبر الذنوب ولا ريب في استحقاقه النار علي ذلك.
إلا أنه لا ملازمة بينه وبين الكذب.
ولرب قوم يدخلون النار مع هامان وفرعون مع أنهم ليسوا من الكذابين وإنما استحقوا ذلك لأمور أخري.
الرابع - ما دل علي أن ابن أبي حمزة كان يسعي لاطفاء نور الله وهو روايات عدة: منها - ما رواه الكشي عن أحمد بن محمد [.. فلما توفي أبو الحسن (عليه السلام) جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في إطفاء نور الله فأبي الله إلا أن يتم نوره وان أهل الحق إذا دخل فيهم داخل سروا به وإذا خرج منهم خارج لم يجزعوا عليه وذلك انهم علي يقين من أمرهم..] (2).
ويرد علي الاستدلال بها ان المراد بجملة [.. اطفاء نور الله] بحسب ما يظهر هو إرادته لاطفاء الإمامة وعدم أيمانه واعترافه بإمامة الرضا (عليه السلام) بقرينة ما سبق من الأدلة وما في صدر الرواية من أن الناس جهدوا في اطفاء نور الله بعد مضي الرسول (صلي الله عليه وآله) إلا أن الله أبي إلا أن يتمه بعلي أمير المؤمنين (عليه السلام).
(1) اختيار معرفة الرجال ص 444 حديث 833.
(2) اختيار معرفة الرجال ص 445 حديث 837.
(٢٠٣)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام علي بن موسي الرضا عليهما السلام (1)، الإمام الحسن بن علي المجتبي عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، علي بن أبي حمزة البطائني (1)، ابن أبي حمزة (1)، أحمد بن محمد (1)، الكذب، التكذيب (1)، القبر (2)، كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي (2)
وعليه فلا دلالة للرواية علي أكثر مما مضي.
هذه خلاصة الاخبار التي أردنا التعرض لها وقد تحصل عدم تمامية دليل واضح علي ضعف علي بن أبي حمزة بما يرجع لجهة قوله فيما رواه عن الكاظم (عليه السلام) وقبل وقفه.. بل إن ما ذكره الطوسي من عمل الطائفة بأخباره معتمد وعليه المعول في اعتماد وإثبات وثاقة علي المذكور ويمكن دعم المختار بجملة منبهات:
1 - ما ذكرناه في الأبواب السابقة في المقصد من قبول وثاقة الواقع في سند أحد أصحاب الاجماع وعلي بن أبي حمزة ممن روي عنه سبعة منهم كابن أبي عمير وصفوان والبزنطي ويونس وغيرهم من أجلاء وعيون الطائفة.
وهذا المنبه وجه مستقل لاثبات وثاقة علي بن أبي حمزة.
2 - ان علي بن أبي حمزة أحد أصحاب الأصول وله كتاب أيضا وقد صرح الشيخ الطوسي بذلك في الفهرست والرجال وهذا أحد القرائن علي الوثاقة وإن لم يكن علي مستوي الملازمة معها.
3 - ان للصدوق طريقا صحيحا إليه وقد عد بعض الأصحاب ذلك من امارات الحسن والوثاقة.
وإلي هنا ينتهي البحث عن أحوال ابن أبي حمزة.
(٢٠٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، علي بن أبي حمزة البطائني (4)، الشيخ الصدوق (1)، ابن أبي حمزة (1)، الشيخ الطوسي (1)

البحث الرابع - في أحوال السكوني

البحث الرابع في أحوال السكوني إسماعيل بن أبي زياد الشعيري والبحث في أحواله يقع ضمن نقطتين:
الأولي - استعراض أقوال العلماء والفقهاء.
الثانية - استعراض أقوال الرجاليين ومن يستدل بقولهم ومناقشة ذلك وبيان المختار.
أما النقطة الأولي:
ذهب المشهور إلي عدم الاعتداد بما يرويه السكوني إما مطلقا أو بخصوص ما ينفرد به كالمحقق في النكت والعلامة في المنتهي والشهيد الثاني في الروضة والمسالك وصاحب المعالم وصاحب المدارك.
وذهب جمع في المقابل إلي توثيقه والاعتماد عليه والاعتداد بما يرويه كالمحقق في المسائل العزية علي ما ظهر من بعض كلامه حيث قال (انه وإن كان عاميا فهو من ثقات
(٢٠٥)
صفحهمفاتيح البحث: إسماعيل بن أبي زياد الشعيري (1)
الرواة) (1) وكذلك هو ظاهر فخر المحققين وابن أبي جمهور بل أصر علي دعوي الوثاقة المحقق الداماد في الرواشح ناقلا دعوي الاجماع. ومضيفا في حق روايات السكوني [والطعن فيها بالضعف من ضعف التمهر وقصور التتبع] (2).
بل إن بعض الأصحاب ذكران من المشهورات التي لا أصل لها تضعيف السكوني.
وأما النقطة الثانية:
فقد ذكر الشيخ في الفهرست [إسماعيل بن أبي زياد السكوني ويعرف بالشعيري أيضا واسم أبي زياد مسلم له كتاب كبير وله كتاب النوادر أخبرنا برواياته..] (3). وذكر طريقه إليه.
وقال في رجاله [إسماعيل بن مسلم وهو ابن أبي زياد السكوني الكوفي] (4).
- وقال في العدة بعد ذكر موارد جواز العمل بخبر الثقة المخالف ما لفظه [.. وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه وجب أيضا العمل به لما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:
إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا فانظروا إلي ما رووه عن علي (عليه السلام) فاعملوا به ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا (عليهم السلام) فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه] (5).
(١) الفهرست ص ١٣ والسكوني كما قيل نسبة إلي حي من عرب اليمن.
(2) الرواشح للداماد ص 57.
(3) الرواشح للداماد ص 58.
(4) رجال الشيخ ص 143.
(5) عده الأصول ج 1 ص 379.
(٢٠٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، إسماعيل بن أبي زياد (1)، ابن أبي جمهور (1)، إسماعيل بن مسلم (1)، غياث بن كلوب (1)، نوح بن دراج (1)، الجواز (1)، كتاب عدة الأصول للشيخ الطوسي (1)
وقال النجاشي [إسماعيل بن أبي زياد يعرف بالسكوني الشعيري له كتاب قرأته علي يد أبي العباس أحمد بن علي نوح..] (1) وذكر طريقه إليه.
وقال البرقي [إسماعيل بن زياد السكوني كوفي واسم أبي زياد مسلم ويعرف الشعيري يروي عن العوام] (2).
وجعله العلامة في عداد الضعفاء قائلا: [.. إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري كان عاميا] (3).
ونقل عن ابن الغضائري تضعيفه.
وعن غيره عدم العمل بما ينفرد به كالصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (4).
هذه خلاصة الأقوال التي أردنا التعرض لها.
وهي متفقة بمعني عدم تنافيها في عدة أمور:
1 - انه ملقب بالسكوني والشعيري.
2 - انه صاحب كتاب.
3 - انه كان من العامة ومن أهل الكوفة.
4 - ان الطائفة عملت برواياته.
5 - انه من أصحاب الصادق (عليه السلام).
وأما التنافي المستفاد من أقوالهم فهو حاصل من خلال دعوي الشيخ
(١) رجال النجاشي ص ١٩.
(٢) البرقي ص ٢٨ (٣) الخلاصة ص ١٩٩.
(٤) من لا يحضره الفقيه ج ٤ حديث 804 ص 249.
(٢٠٧)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، مدينة الكوفة (1)، إسماعيل بن أبي زياد (2)، إسماعيل بن زياد (1)، ابن الغضائري (1)، أحمد بن علي (1)، كتاب رجال النجاشي (1)، كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (1)
عمل الطائفة برواياته الدال علي توثيقه وبين ما ربما يستفاد منه التضعيف وهو كلام ابن الغضائري والشيخ الصدوق.
وقبل ذكر التفصيلات والإشارة إلي عدم صحة التنافي المذكور لا بد من الإشارة إلي أن دعوي الشيخ عمل الطائفة برواياته مع إضافته بان السكوني لو انفرد برواية وجب العمل بها ليست إلا لجهة وثاقة الرجل لعدم بناء الشيخ علي العمل بروايات الضعاف.
ان قلت إنه قال في صدر حديثه في العدة بتقديم روايات الامامي العدل علي روايات غيره من أمثال السكوني.
قلنا إن ذكر ذلك في مقام الترجيح شئ ودلالته علي ضعفه شئ آخر ولذا لا يعمل بروايات الامامي العدل أحيانا لمعارضته لما هو أقوي منه كشفا عن صحة الواقع وثبوته كما أن كون كلامه المذكور في مورد الترجيح يدل علي مقبولية ووثاقة الرجل في نفسه إذ مع عدم ذلك لا معني للترجيح أساسا فان الخبر الضعيف ساقط في نفسه ويؤيده ما ذكره في المقطع الثاني عند الكلام حول فرق الشيعة من الفطحية والواقفية حيث قال [.. وان كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضا العمل به إذا كان متحرجا في روايته موثوقا في أمانته وان كان مخطئا في أصل الاعتقاد فلأجل ما قلناه عملت الطائفة باخبار الفطحية..] (1). فان فيه تصريحا بشرطية الوثوق في الاخذ بروايات المذكورين.. وواضح عدم الفرق بين المذكورين في العبارة الأولي المتقدمة.
وقد تحصل ان المستفاد من عبارة الشيخ أمران:
1 - شهادة شبه صريحة بوثاقة السكوني.
2 - شهادة ضمنية مستفادة من قوله ان الطائفة عملت برواياته.
(1) عده الأصول ج 1 ص 381.
(٢٠٨)
صفحهمفاتيح البحث: الشيخ الصدوق (1)، ابن الغضائري (1)، الشهادة (2)، كتاب عدة الأصول للشيخ الطوسي (1)
أقول لا منافاة بين عبارته وبين قول الصدوق وعبارة ابن الغضائري وذلك لاجل أمور:
الأول - ان كتاب ابن الغضائري وكما عرفت أكثر من مرة مما لم يثبت لدينا.
الثاني - اننا لم نطلع علي عبارته إلا من خلال ما نقله العلامة في الخلاصة في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي [.. وقال ابن الغضائري ان جابر بن يزيد الجعفي ثقة في نفسه ولكن جل من روي عنه ضعيف فمن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر الجعفي ومفضل بن صالح والسكوني ومنخل بن جميل الأسدي] (1).
وهذا التضعيف وان اقترن ببعض الموسومين بالكذب لا يدل علي عوده لجهة أقواله فلعل منشأه كون السكوني من العامة ويكون نظر التضعيف إلي الجهة الاعتقادية.
الثالث - ما قلناه - سابقا من أن تضعيفات ابن الغضائري - لو سلمت النسبة - مما لا نثق بها أما لخطأ في المبني والطريقة التي بني عليها أو لتصحيف مخل بالاعتماد علي الكتاب.
الرابع - ان السكوني لقب يطلق علي أكثر من شخص وان انصرف في هذه الأزمنة إلا خصوص إسماعيل إلا أنه من غير المعلوم كونه كذلك في عهد ابن الغضائري وإنما قد يكون حدث متأخرا عنه لشدة البحث الواقع في رواياته خصوصا مع كون النوفلي ممن يروي عنه.
ومن المحتمل جدا أن يكون تضعيف ابن الغضائري عائدا إلي غيره كإسماعيل بن مهران الذي ضعفه ابن الغضائري نفسه وقال فيه [.. ويروي عن
(1) الخلاصة ص 35.
(٢٠٩)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، إسماعيل بن مهران (1)، الشيخ الصدوق (1)، ابن الغضائري (7)، جابر بن يزيد (2)، عمرو بن شمر (1)
الضعفاء كثيرا] (1) بينما لم ينقل العلامة عن ابن الغضائري تضعيفا لإسماعيل مع كون ديدنه هو ذلك بل اقتصر علي التعريف باسمه وانه كان عاميا، الخامس - ان رواية السكوني عن جابر غير متحققة بل إن جابرا مات في عصر الباقر (عليه السلام) والسكوني من أصحاب الصادق (عليه السلام) وان كان ليس مستحيلا روايته عنه.
- وأما عبارة الشيخ الصدوق في الفقيه [ولا أفتي بما ينفرد السكوني بروايته] فواضح عدم عودها لجهة لسانه.
والوجه فيه أنه لا معني لاستثناء خصوص ما انفرد به لو كان ممن ثبت كذبه وأيضا فان عدم العمل بما ينفرد به المنحرفون عقائديا كان أمرا متعارفا شائعا آنذاك إلا اننا وكما عرفت لم نشترط أكثر من الوثاقة في جواز العمل بروايات راو ما انفرد بما يرويه أو لم ينفرد.
اللهم إلا أن يعود ذلك إلي الاطمئنان بعدم صدور الرواية وهو أمر آخر - ومما ذكرناه يتضح جليا عدم وجود ما يدل علي ضعف السكوني بالمعني المراد والمخل.
بل إن عبارة الشيخ دالة بما لا يقبل الشك علي وثاقة السكوني وحسن أمره في الجملة.
لا يقال ان ما أوردتموه علي ابن الغضائري من عدم العلم بالمراد من السكوني واحتمال كونه ابن مهران وارد هنا أيضا لعدم تصريح الشيخ في العدة بالمراد من السكوني قلنا إن هذا الاحتمال غير وارد هنا إذ لم يذكر في ترجمة إسماعيل بن مهران انه كان عاميا وعبارة الشيخ بصدد بيان ما يرتبط بالعامة من الرواة بل لو سلم انه كان عاميا أيضا فان اطلاق الشيخ منصرف إلي ما هو واضح النسبة ومن كانت رواياته محل ابتلاء واسع وليس إلا إسماعيل بن أبي
(1) الخلاصة ص 8.
(٢١٠)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (1)، يوم عرفة (1)، إسماعيل بن مهران (1)، الشيخ الصدوق (1)، ابن الغضائري (2)، الموت (1)، الوسعة (1)، الجواز (1)
زياد المترجم له والمبحوث عنه..
ومن هنا نجد ان ابن إدريس عند ما تعرض له قال [عامي بلا خلاف].
- بقي في البين ان نذكر جملة من المؤيدات والمنبهات الدالة علي وثاقة السكوني:
1 - ان بعض أصحاب الاجماع قد رووا عنه كجميل بن دراج وعبد الله بن المغيرة (1) وهذا المنبه يصلح وجها مستقلا لاثبات وثاقة السكوني..
2 - ان النجاشي الخبير بأمور الرجال والشيخ في فهرسته ورجاله لم يتعرضوا لتضعيف السكوني مع كونه ذا كتاب.
3 - ان جمعا من الرجاليين العامة كالدار قطني والذهبي ضعفوه رغم كونه عاميا وهذا يورث نحو سكون في أن ذلك هو منشأ قرب السكوني للائمة الأطهار في الجملة مما يشكل قرينة احتمالية لاثبات ما نريده.
4 - عمل جمع من الأصحاب برواياته ومنهم الشيخ نفسه كما يظهر ذلك من خلال تتبع أقواله حتي في خصوص ما ينفرد به.
ولذا قوي في باب ميراث المجوس القول بالتوارث من الجهتين للرواية الصريحة (2) كما أفاد مع أنه ليس هناك إلا ما رواه السكوني.
5 - قول ابن إدريس في سرائره (3) حول مسألة ميراث المجوس ان للسكوني كتابا يعد في الأصول وهو عندي بخطي كتبته من خط بن أسناس البزاز وقد قرء علي شيخنا أبي جعفر وعليه خطه إجازة وسماعا لولده أبي علي
(١) الكافي ج ٣ كتاب الزكاة باب ٣٨ حديث ١ - والتهذيب ج ٦ باب المكاسب حديث ١١٤٧.
(٢) النهاية ص ٦٨٤.
(٣) السرائر ج ٣ ص ٢٨٩.
(٢١١)
صفحهمفاتيح البحث: عبد الله بن المغيرة (1)، جميل بن دراج (1)، الوراثة، التراث، الإرث (2)، كتاب السرائر لابن إدريس الحلي (1)، الزكاة (1)
والجماعة.
فان هذه العبائر الصادرة من خصوص ابن إدريس الذي لا يعمل بخبر الواحد واستكتابه لكتابه مع دعواه ان كتاب السكوني من الأصول لشاهد علي مكانة الرجل وأهميته عند الأصحاب.
هذا ما أردنا ذكره في أحوال السكوني وقد تحصل منه ثبوت وثاقة السكوني والاعتداد بما يرويه..
صفحه(٢١٢)

البحث الخامس - في أحوال عمر بن حنظلة

البحث الخامس في أحوال عمر بن حنظلة والكلام فيها يقع ضمن نقطتين:
الأولي - في استعراض أقوال الفقهاء فيه.
الثانية - في استعراض أقوال الفقهاء فيه.
الثانية - في استعراض أقوال الرجاليين ومن يعتد بقولهم وذكر الأخبار الواردة فيه ومناقشة كل ذلك وبيان المختار.
أما النقطة الأولي - نسب للمشهور من الأصحاب عدم توثيق عمر بن حنظلة ولا الاعتداد به.
إلا أن الشهيد الثاني في شرحه للدراية أفاد ان عمر بن حنظلة لم ينص الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل لكن أمره عندي سهل لأني حققت توثيقه من محل آخر وان كانوا قد أهملوه.
ومن المحتمل جدا إن لم يكن مطمئنا به ان مقصود الشهيد من المحل
(٢١٣)
صفحهمفاتيح البحث: عمر بن حنظلة (3)، الشهادة (2)
الآخر هو رواية الوقت الآتية بدليل ما نقله ولده الشيخ حسن في المنتقي [وجدت بخطه في بعض فوائده ما صورته عمر بن حنظلة غير مذكور بجرح ولا تعديل ولكن الأقوي عندي انه ثقة لقول الصادق (عليه السلام) في حديث الوقت إذا لا يكذب علينا] (1).
وما قواه الشهيد في محله وهو المختار.
ومن الغريب هنا عدم تعرض الشيخ رحمه الله لترجمته في فهرسته رغم ذكره له في رجاله وكذا النجاشي والكشي والعلامة في الخلاصة وتتمة الفهرست لابن شهرآشوب بل وكذلك الكتاب المنسوب إلي ابن الغضائري.
نعم ذكره الشيخ كما قلنا في رجاله فقد عده تارة من أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلا [عمر يكني أبا صخر وعلي ابنا حنظلة كوفيان عجليان] (2).
وتارة من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلا [عمر بن حنظلة العجلي البكري الكوفي] (3) وأما البرقي فقد اقتصر علي عده من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) قائلا [عمر وعلي ابنا حنظلة العجليان عربيان كوفيان ونية عمر أبو صخر] (4).
وهذه العبائر كما تري لا تدل علي أكثر من بيان بعض أحواله ولا دلالة فيها علي قدح أو مدح.
وعليه فينحصر الطريق لاثبات أحدهما بالاخبار الواردة مع إبراز وجوه أخر قد يستدل بها في المقام.
وأما الاخبار فهي عديدة - نذكر منها:
(1) رجال المامقاني ص 342.
(2) رجال الشيخ ص 131.
(3) نفس المصدر ص 251.
(4) رجال البرقي ص 17.
(٢١٤)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (3)، ابن الغضائري (1)، ابن شهرآشوب (1)، عمر بن حنظلة (2)، الشهادة (1)
الأول - ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [يا عمر لا تحملوا علي شيعتنا وارفقوا بهم فان الناس لا يحتملون ما تحملون] (1).
وهذه الرواية وبغض النظر عن سندها فيما قبل عمر لا يمكن الالتزام بها لكون المضمون الدال علي جلالة أمر عمر متوقف الاعتبار علي اعتباره لكونه واقعا في سندها فهو من توقف كل من المضمون والسند علي الآخر وهو من توقف الشئ علي نفسه نعم لو ثبت بدليل آخر وثاقة عمر فإنه يعود لهذه الرواية قيمتها مع وثاقة باقي رجال السند وتكون من الأدلة علي جلالته واحاطته لأمور لم يحط بها غير.
الثاني - ما رواه الكليني عن محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن سنان عن محمد بن مروان العجلي عن علي بن حنظلة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول [اعرفوا منازل الناس علي قدر رواياتهم عنا] (2).
ببيان ان عمر ممن تعرف منزلته لكثرة روايته.. إلا أن الاستدلال بها علي ذلك غير صحيح أولا - ضعف سندها بابن سنان ولو علي بعض المباني ومحمد بن مروان العجلي فان الأول لم يوثق بل قد ضعفه الشيخ وغيره ونسب إليه الضعف وطعن فيه وأما الثاني فلجهالته.
وثانيا - لو سلم تماميتها سندا فيرد ما تقدم من أن الرواية ليست بصدد اعطاء ضابطة الجلالة والوثاقة علي ضوء كثرة الرواية مطلقا ومن أي صدرت بل إن وثاقة الراوي وحجية قوله مفروضة مسبقا في الرواية وإلا لأمكن ان
(١) روضة الكافي حديث ٥٢٢.
(٢) الكافي ج ١ - باب النوادر من كتاب فضل العلم حديث 13. والوسائل باب 11 ج 18 حديث 3.
(٢١٥)
صفحهمفاتيح البحث: محمد بن مروان العجلي (2)، سهل بن زياد (1)، محمد بن يحيي (1)، علي بن الحكم (1)، علي بن حنظلة (1)، محمد بن الحسن (1)، أحمد بن محمد (1)، عمر بن حنظلة (1)
يكتب المرء من الكتب ما شاء وينسبها إلي الأئمة وتثبت بذلك وثاقته.
وهو ممن لا يتصور قبوله من عاقل فضلا عن فاضل.
الثالث - ما رواه الصفار في بصائر الدرجات عن الحسين بن علي بن عبد الله عن الحسن بن علي بن فضال عن داوود بن أبي يزيد عن بعض أصحابنا عن عمر بن حنظلة فقال قلت لابي جعفر (عليه السلام) إني أظن ان لي عندك منزلة قال أجل فقلت فعلمني الاسم الأعظم قال أتطيقه قلت: نعم.
قال فادخل البيت قال فدخلت فوضع أبو جعفر (عليه السلام) يده علي الأرض فاظلم البيت فارتعدت فرائص عمر فقال أعلمك فقلت لا فرفع يده فرجع البيت كما كان] (1).
وهذه الرواية لا تدل علي المطلوب من جهات:
1 - ضعف سندها بجهالة البعض المذكور في الرواية.
2 - لزوم الدور لكون راويها هو عمر نفسه حتي ولو سلم الوجه الأول ببيان ان داوود ممن ورد فيه أنه من أهل العلم والدين وانه صادق اللهجة بحيث استبعدنا معه ان يروي عن بعض أصحابه مع كونه من الكذابين.
3 - ان دلالة الرواية علي الوثاقة غير مستظهرة لان وجود رتبة لعمر عند الامام مسلمة علي كل حال ولو بإسلامه والقرب من الامام لا لشخصه بل لأغراضه وأهدافه ومن المعلوم ان الملتزم بالشريعة من أي جهة كان ذو منزلة عند الله وعند الامام ولا يتنافي مع كونه كاذبا في الجملة.
4 - ان العبارة غير متزنة لأنه تارة ينقل الحديث فيها بلفظ الحاضر [فدخلت..] وتارة بلفظ الغائب [فارتعدت فرائص عمر] مع كون عمر هو الراوي لها.
(1) البصائر ج 4 ح 12 حديث 1 في أن الأئمة أعطوا الاسم الأعظم.
(٢١٦)
صفحهمفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الحسن بن علي بن فضال (1)، الحسين بن علي (1)، عمر بن حنظلة (1)
ومن الغريب دعوي البعض احتفاف الرواية بقرائن الصدق مع ما عرفته.
الرابع - ما في العوالم من أعلام الدين الديلمي في كتاب الحسين بن سعيد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) لعمر بن حنظلة يا أبا صخر أنتم والله علي ديني ودين آبائي وقال والله لنشفعن والله لنشفعن ثلاث مرات حتي يقول عدونا فما لنا من شافعين ولا صديق حميم] (1).
وهذه الرواية تامة دلالة إلا أنها ساقطة سندا لعدم معرفة طريق الديلمي للحسين بن سعيد.
الخامس - ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسي عن يونس عن يزيد بن خليفة قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت فقال: أبو عبد الله (عليه السلام) إذا لا يكذب علينا] (2).
وهذه الرواية من أهم الروايات التي يستدل بها علي وثاقة عمر وقد ذكرت حولها الوجوه الكثيرة نقضا وإثباتا.
ولا بد من تحقيق حالها سندا قبل ذكر دلالتها.
فنقول ان جملة من الأصحاب ذكروا انها ضعيفة لوجود يزيد بن خليفة حيث إنه لم يذكر له توثيق فضلا عن كونه واقفيا.
إلا أنه غير تام وذلك لرواية جمع من أصحاب الاجماع عنه وقد بنينا في بحوثنا السابقة علي وثاقة من يقع في طريق أصحاب الاجماع وهو هنا كذلك فقد روي عنه صفوان وابن مسكان ويونس.. وأما كونه واقفيا فقد عرفت عدم أثره فيما هو المعتبر عندنا في جواز العمل والاخذ بالاخبار.
(١) رجال المامقاني ص ٣٤٢.
(٢) الكافي ج ٣ - باب وقت الظهر والعصر من كتاب الصلاة حديث 1.
(٢١٧)
صفحهمفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، علي بن إبراهيم (1)، أبو عبد الله (2)، يزيد بن خليفة (2)، محمد بن عيسي (1)، عمر بن حنظلة (1)، الصدق (1)، الجواز (1)، الصّلاة (1)
فنقول ان (إذا) الواردة في الرواية هي حرف جواب وقد تكون حرف جواب وجزاء معا كما لو قيل لشخص سآتيك غدا فيقال في الجواب [إذا جئتني أكرمك] فتحذف (جئتني ويعوض عنها بالتنوين فيقال [إذا أو إذن أكرمك].
وعلي كل حال وسواء كانت للجواب أو للجواب والجزاء معا كما عن سيبويه لا يتأثر الاستدلال بذلك..
وساعتئذ نقول إن العبارة تحتمل أحد المعاني الآتية:
الأول - أن يكون التنوين عوض عن جملة [أتانا عنك بوقت] ويكون الجواب علي طبق السؤال والمعني ان عمر لا يكذب علينا في خصوص ما جاء به من الوقت المذكور كما احتمله الشهيد الثاني.
ويمكن تأييد هذا الاحتمال بمؤيدات:
1 - انه لو لم يعد لخصوص الوقت لما انبغي الاتيان ب (إذن) فان الامام ساعتئذ يمكنه الإجابة لو كان عمر موثوقا عنده ب (خذوا بقوله فإنه لا يكذب علينا] أو ما قارب هذا التعبير.
2 - ان كون إذن جوابا تعني ارتباط كلام الامام بكلام السائل وهو يقتضي التخصيص.
الثاني - ان الجواب المذكور يؤذن باعتقاد الامام كذب عمر ولذا عند ما سمع الرواية وتبين له صدقه فيما أخبر قال [إذن لا يكذب..] وعليه تكون الرواية علي الكذب أدل ولعله من هنا قال الوحيد انها علي الذم أدل.
الثالث - ان التنوين عوض عن الجملة بأكملها أي جملة [ان عمر بن حنظلة أتانا..].
ويكون معني الجواب انه إن كان عمر هو الراوي فلا يكذب علينا.
(٢١٨)
صفحهمفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (2)، الشهادة (1)

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.