ابو هريره‌

اشارة

‏سرشناسه : شرف الدين، عبدالحسين، ۱۹۸۵ - ۱۸۷۳م.
‏عنوان و نام پديدآور : ابو هريره/ عبدالحسين شرف الدين الموسوي
‏مشخصات نشر : بيروت : دارالزهراآ ، ق‌۱۳۷۹ = .۱۳۲۶.
‏مشخصات ظاهري : ص ۲۴۰
‏وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
‏يادداشت : كتابنامه به‌صورت زيرنويس
‏مندرجات : نمايه
‏موضوع : ابو هريره، عبدالله بن عامر، ۲۰؟قبل از هجرت -- ۵۸ ؟ق -- سرگذشتنامه
‏موضوع : احاديث مجهول
‏رده بندي كنگره : BP۳۲/۵/الف‌۲۷ش‌۴ ۱۳۲۶
‏شماره كتابشناسي ملي : م‌۸۱-۷۰۸۲

صفحه 001

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١
* أبو هريرة * بقلم للامام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
(١)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، السيد عبد الحسين شرف الدين (1)

صفحه 002

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢
هوية الكتاب اسم الكتاب: أبو هريرة بقلم: للامام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي الناشر: انتشارات أنصاريان - إيران - قم - ص. ب 187 العدد: 3000 نسخة المطبعة: بهمن - قم - 25070 العنوان - إيران - قم - شارع الشهداء - مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر - ص. ب: 187 - تليفون 21744 - 251 - 0098
(٢)
مفاتيح البحث: دولة ايران (2)، أبو هريرة العجلي (1)، السيد عبد الحسين شرف الدين (1)، الشهادة (1)

صفحه 003

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣
بسم الله الرحمن الرحيم
(٣)

صفحه 004

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥
بسم الله الرحمن الرحيم هذه دراسة لحياة صحابي روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله فأكثر حتي أفرط وروت عنه صحاح الجمهور وسائر مسانيدهم فأكثرت حتي أفرطت أيضا، ولا يسعنا إزاء هذه الكثرة المزدوجة إلا أن نبحث عن مصدرها لاتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالا مباشرا ولولا ذلك لتجاوزناها وتجاوزنا مصدرها إلي ما يغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه.
ولكن اسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدين وأصوله فاحتاج بها فقهاء الجمهور ومتكلموهم في كثير من أحكام الله عز وجل وشرائعه ملقين إليها سلاح النظر والتفكير.
ولا عجب منهم في ذلك بعد بنائهم علي أصالة العدالة في الصحابة أجمعين.
وحيث لا دليل علي هذا الأصل (كما هو مبين في محله بايضاح) لم يكن لنا بد من البحث عن هذا المكثر نفسه وعن حديثه كما وكيفا لنكون علي بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله فروعا وأصولا وهذا ما اضطرنا إلي هذه الدراسة الممعنة في حياة هذا الصحابي (وهو أبو هريرة) وفي نواحي حديثه وقد بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب حتي أسفر وجه الحق في كتابي هذا وظهر فيه صبح اليقين والحمد لله رب العالمين.
أما أبو هريرة نفسه فنحيلك الآن في تاريخ حياته وتحليل نفسيته علي ما ستقف عليه في الكتاب، إذ مثلناه بكنهه وحقيقته من جميع نواحيه تمثيلا تاما تدركه بحواسك كلها والحمد لله علي التوفيق.
وأما حديثه فقد أمعنا النظر فيه كما وكيفا فلم يسعنا - شهد الله - إلا
(٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الشهادة (1)

صفحه 005

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦
الانكار عليه في كل منهما، وقد سبقنا إلي ذلك معاصروه كما ستقف عليه في محله (1) إن شاء الله مفصلا.
وأي ذي روية متجرد متحرر يطمئن إلي هذه الكثرة لا يعادلها المجموع من كل ما حدث به الخلفاء الأربعة وأمهات المؤمنين التسع والهاشميون والهاشميات كافة كما فصلنا في الأصل (2).
وكيف تسني لأمي (تأخر اسلامه فقلت صحبته) أن يعي عن رسول الله صلي الله عليه وآله ما لم يعه السابقون الأولون من الخاصة وأولي القربي.
ونحن حين نحكم الذوق الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيرا مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه.
فان للسنة في حكمتها وأساليبها وخصائصها ميزات يعرفها أولوا الألباب والأذواق الفنية وأهل الاختصاص من علماء البلاغة.
فما يسمعوه أو يقرؤوه منها يجدوه متميزا في أذواقهم ومقاييسهم بوضوح واعلان ويجدوا سماته وشاراته متميزة في غير شك ولا شبهة.
فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشابا شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية، وأدمي بها تفكير المقاييس العلمية قبل أن يشوه بها السنة المنزهة ويسئ إلي النبي وأمته صلي الله عليه وآله.
وبالجملة: فان السنة منهاج الاسلام، ودستور الحياة اللا حب في كل ما يجب أن تصاغ الحياة علي مثاله في الأخلاق والعقائد والاجتماع والعلم والآداب، فلا يصح في منطق أن نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الاسلام وروحه الرفيعة المنادية بالتحرر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات التي يسبق إلي الذهن استنكارها.
(1) - في الفصل 14. (2) - راجع منه الفصل 10.
(٦)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)

صفحه 006

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧
وأذن فالواجب تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث هذا المكثار.
أقول هذا وأنا أري وجوها تنقبض دوني، ونفوسا تتقبض مزورة عني، وقد يكون لها بسبب الوراثة والتربية والبيئة أن تنقبض وتتقبض أمام حقيقة وضعها البحث علي غير ما ألفت من احترام الصحابة واعتقاد عدالتهم أجمعين أكتعين أبصعين من غير أن تزن أعمالهم وأقوالهم بالموازين التي أخذ النبي صلي الله عليه وآله بها أمته، لان الصحبة عندهم بمجردها حرم لا تنال من اعتصم به معرة ولا يمس بجرح وان فعل ما فعل وهذا شطط علي المنطق، وتمرد علي الأدلة وبعد عن الصواب.
والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة، لكنها غير عاصمة، والصحابة فيهم العدول وفيهم الأولياء والأصفياء والصديقون وهم علماؤهم وعظماؤهم وفهيم مجهول الحال، وفيهم المنافقون من أهل الجرائم والعظائم، والكتاب الحكيم يعلن ذلك بصراحة (ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) فعدولهم حجة ومجهول الحال نتبين أمره، وأهل الجرائم لا وزن لهم ولا لحديثهم.
هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة بينتنا علي هذا الرأي (1) فالوضاعون لا نعفيهم من الحرج وان أطلق عليهم لفظ الصحابة، لان في اعفائهم خيانة لله عز وجل ولرسوله ولعباده، ونحن في غني
(1) - لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا حتي خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين وافتدوا بالطلقاء وأمثالهم ممن سمع النبي أو رآه اقتداء أعمي وأنكروا علي من يخالفهم في هذا الغلو وخرجوا في الانكار عن كل حد من الحدود كما بيناه علي سبيل التفصيل في ص 11 إلي منتهي ص 15 من أجوبة موسي جار الله وفي الفصل الذي عقدناه في ص 23 منها فراجع
(٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الحج (1)، النفاق (1)، الغني (1)

صفحه 007

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨
بالعلماء. والعظماء. والصديقين، والصالحين، من أصحابه صلي الله عليه وآله ومن عترته التي أنزلها منزلة الكتاب وجعلها قدوة لأولي الألباب.
وعلي هذا فقد اتفقنا في النتيجة وان قضي الالتواء في المقدمات شيئا من الخلاف، فان الجمهور إنما يعفون أبا هريرة، وسمرة بن جندب، والمغيرة، ومعاوية، وابن العاص، ومروان، وأمثالهم تقديسا لرسول الله ولسنته صلي الله عليه وآله شأن الأحرار في عقولهم ممن فهم الحقيقة من التقديس والتعظيم.
وبديهي - بعد - أن تكذيب كل من يروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله شيئا خارجا عن طاقة التصديق أولي بتعظيم النبي وتنزيهه وأجري مع المنطق العلمي الذي يريده صلي الله عليه وآله لرواد الشريعة ورواد العلم من أمته. وقد أنذر صلي الله عليه وآله بكثرة الكذابة عليه وتوعدهم بتبوء مقاعدهم من النار فأطلق القول بالوعيد.
وإني أنشر هذه الدراسة في كتابي هذا - أبو هريرة - مخلصا للحق في تمحيص السنة وتنزيهها في ذاتها المقدسة وفي نسبتها لقدسي النبي الحكيم العظيم (وما ينطق عن الهوي).
وللحق في سلامة التفكير وصدق النظر.
وللحق في قواعد العلم والعقل التي تأبي احترام كذاب علي رسول الله صلي الله عليه وآله فتعفيه من الجرح لأنه صحب رسول الله!! وتأبي كل الاباء ان تخضع لروايته (مغلولين مفلولين) فيما يمس السنة النبوية وهي أولي بالتنزيه والتقديس لأنها رسالته إلي العالمين وبقيته الباقية إلي يوم الدين.
وليس لاحد أن يتقبض أو تنقبض نفسه بعد أن نقدم له كتابنا هذا وفيه صفايا ما عندنا من هذه الدراسة، ونحن نكرم الفكر نفسه ونرفعه عن أن يهون فيسف إلي حياطة الخرافة وإحاطتها بسور من قدس موهوم (له باب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب).
(٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، يوم القيامة (1)، سمرة بن جندب (1)، الصدق (1)، العذاب، العذب (1)

صفحه 008

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩
ولا زيد لوجه أن يتقبض ولا لنفس أن تنقبض، بل نريد لمن تمر به هذه السحابة المركومة من التقاليد أن يتحرر منها ثم يمعن في الكتاب امعان أولي الألباب (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب).
لا نقصد بهذا الكتاب - شهد الله - أن نصدع هذه الوحدة المتواكبة المتراكمة في هذه اللحظة المستيقظة، بل نقصد تعزيز هذه الوحدة وإقامتها علي حدية الرأي والمعتقد، لتكون الوحدة علي هذا الضوء أهدي للغاية وأدل علي القصد، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.
والكرامة العقلية أسمي الكرامات التي يسعي إليها أولوا الألباب بأغلي ما لديهم من أموال وأنفس ودماء، لأنها السلم إلي المجد والجسر إلي الاتحاد.
أما إذا شاء بعض إخواننا في الدين الاسلامي أن يصغر خده محمرا أو مصفرا فليصغ إلي هذه الملاحظات المتواضعة، وليفتنا بعدها يجدنا إن شاء الله تعالي أقرب إلي تأليف الكلمة وتوحيد الصفوف بالرغم عن هذا الشوك الذي يقض المضجع، ويخز الفكر، ويدمي الضمير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بين أيدينا الآن من هذه الملاحظات ألوان: بعضها يمس الطبائع في نواميسها وفطراتها، وبعضها متناقض متداحض، وبعضها خارج علي قواعد العلم المشتقة من صلب الدين، وكثير منها تزلف إلي بني أمية أو إلي الرأي العام في تلك الأيام، وبعضها خيال أو خبال، وهي بجملتها خروج علي أصول الصحة في كل معانيها.
فمن بلاياه أن ملك الموت كان قبل موسي يأتي الناس عيانا حتي أتي موسي فلطمه موسي ففقأ عينه! وأرجعه علي حافرته إلي ربه أعور! فكان بعد هذه الحادثة يأتي الناس خفيا!.
(٩)
مفاتيح البحث: بنو أمية (1)، الشهادة (1)، الموت (1)، الكرم، الكرامة (1)، الصّلب (1)

صفحه 009

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠
ومنها: تلك المسابقة الطريفة بين الحجر وموسي، أو بين موسي والحجر إذ وضع موسي ثيابه عليه ليغتسل في ناحية عن الناس ففر الحجر بثياب موسي ليستدرجه إلي لحاقه عاريا! كي ينفي الشائعة عن فتق موسي بمروره علي الملا من بني إسرائيل مكشوفا كما خلق يشتد خلف الحجر يناديه بأعلي صوته ثوبي حجر ثوبي حجر حتي وقف الحجر إذ انتهت مهمته فطفق موسي يضربه بعصاه ضربا أثر فيه ندوبا أي جروحا قال أبو هريرة: إن في الحجر ندبا ستة أو سبعا وأطراف ما في هذه الأسطورة هذا التردد من أبي هريرة في ندوب الحجر فان ورعه في الحديث كان يفرض عليه أن لا يحدث عن شئ حتي يكون منه علي مثل ضوء الشمس.
ومنها: ذلك الجراد الذهبي المتراكم يتساقط علي أيوب عليه السلام وهو يغتسل فجعل يحثي منه في ثوبه.
ومنها: ان مولدين تكلما برشد وعقل وعلم بالعواقب الغيبية حيث لا مقتضي لخرق العادة ونواميس الطبيعة.
ومنها: ان بقرة وذئبا يتكلمان بلسان عربي مبين، يدل علي عقل وحكمة وعلم الغيب، حيث لا مقتضي للتحدي والاعجاز، في حديث حدث به في فضل الخليفتين.
ومنها: مجئ الشيطان إليه في صورة رجل في ثلاث ليالي متوالية ليسرق لعياله وأطفاله الجوعي من طعام كان أبو هريرة موكولا إليه حفظه في خرافة عجيبة.
ومنها: ان أمة من بني إسرائيل فقدت، وبعد البحث عنها تبين أنها الفأر بدليل أن الفأر إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب! وإذا وضع لها ألبان الشاة شربت ومنها: حديثه إذ كان - فيما زعم - مع العلاء في أربعة آلاف فأتوا خليجا من البحر ما خاضه أحد قبلهم! ولا يخوضه أحد بعدهم! فأخذ
(١٠)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (3)، الطعام (1)

صفحه 010

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١
العلاء بعنان فرسه فسار علي وجه الماء! وسار الجيش وراءه (قال أبو هريرة) فوالله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر! ومنها: حديثه عن مزودة المبارك إذ كان فيه تميرات طعم منها الجيش كله حتي شبع والتميرات علي حالها فكانت معاشه مدة أيامه علي عهد النبي صلي الله عليه وآله وأبي بكر وعمر وعثمان، حتي كانت مأساة هذا المزود الكريم في طي مأساة عثمان، إذا انتهب مع ما انتهب في تلك المحنة ومنها: حديثه عن داود إذ خفف القرآن عليه فكان يقرؤه كله في وقت لا يسع قراءته كان - فيما زعم أبو هريرة يأمر بدابته فتسرح فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، فهل هذا إلا كقول القائل: كان يضع الدنيا علي سعتها في البيضة علي ضيقها؟
* * * ومنها: أحاديث تناول فيها الحق تبارك وتعالي فصوره في اشكال تعالي الله عز وجل عنها علوا كبيرا.
كحديثه في أن الله خلق آدم علي صورته، طوله ستون ذراعا في سبعة أذرع عرضا. وقد تطور فيه. فتارة رواه كما سمعت. وتارة بلفظ: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فان الله خلق آدم علي صورته. ومرة بلفظ: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فان الله خلق آدم علي صورته، ومرة رواه بلفظ: خلق آدم علي صورة الرحمان.
وهذا افتتان في خيال طريف في تصوير الله تعالي وآدم ضمنه أدبا بارعا وتعاليم إن ننسبها إلي الدين الاسلامي نجد فيها إغرابا يثير فينا الضحك والبكاء في آن واحد.
وحديثه في أن الله تعالي يأتي هذه الأمة يوم القيامة في الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتي يأتينا ربنا
(١١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، يوم القيامة (1)، القرآن الكريم (2)، الكرم، الكرامة (1)، الضحك (1)، البلل (1)

صفحه 011

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢
فإذا أتانا عرفنا فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم! فيقولون أنت ربنا فيتبعونه، في قصة طويلة مظلمة باردة ذات خيال شرود آبد يعرض الله في اشكال يتنكر في بعضها! ويغدو علي عباده! ويروح في ملابسات فيها النكتة وفيها الحوار وفيها المخادعة! وفيها الضحك من الله في غير عجب! علي نحو لا يقتصر الاصطدام فيه بالعقائد الاسلامية والمستقلات العقلية فحسب.
بل يصطدم إلي ذلك باللياقات الملكية إذا ماشينا - والعياذ بالله - فكرة التجسيم حاشا لله وتعالي الله وتقدست أسماؤه.
وحديثه في أن جهنم لا تمتلئ حتي يضع الله رجله فيها! في خرافة فيها افتخار النار بالمتكبرين واستكانة الجنة بدخول سقطة الناس إليها.
وحديثه في أن ربه - تعالي الله ربنا - ينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا يقول من يدعوني فاستجيب له.
إلي غير ذلك من الأحاديث التي كانت مصدرا لمذهب التجسيم في الاسلام كما ظهر في عصر التعقيد الفكري، فظهر بسببها أنواع من البدع والأضاليل.
* * * وله أحاديث عني فيها بالأنبياء عليهم السلام، فوصفهم بما تجب عصمتهم منه، وحسبك منها حديثه إذ وصف أهوال القيامة فصور الناس يفزعون إلي آدم ثم إلي نوح ثم إلي إبراهيم ثم إلي موسي ثم إلي عيسي عليهم السلام في لجلجة لم تعد عليهم بطائل لان هؤلاء الأنبياء " ع " حجبت - علي زعم أبي هريرة - شفاعتهم بما فرض لهم هذا الرجل من الذنوب التي غضب الله بها عليهم غضبا بكرا فذا ما غضب مثله قبله ولن يغضب مثله بعده وأخيرا كانت الشفاعة لرسول الله صلي الله عليه وآله.
كأن أبا هريرة لم يجد سبيلا إلي تفضيل النبي صلي الله عليه وآله إلا بالغض من سلفه أولي العزم عليهم السلام.
وحديثه المتضمن نسبة الشك إلي خليل الله إبراهيم عليه السلام إذ قال: رب
(١٢)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (1)، الأنبياء (ع) (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (2)، الضحك (1)، الإبداع، البدعة (1)

صفحه 012

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣
أرني كيف تحيي الموتي في كلام جعل رسول الله صلي الله عليه وآله أحق بالشك من إبراهيم وجعل يوسف أفضل من النبي بالصبر والأناة ولم يسلم فيه لوط من التفنيد إذ قال: أو آوي إلي ركن شديد.
وحديثه المشتمل علي نقض سليمان حكم أبيه! في أسطورة مثلت متداعيتين علي ولد قضي به داود للكبري فقال سليمان: ائتوني بالسكين أشقه بينهما.
فقالت الصغري: لا تفعل هو ابنها فقضي به للصغري والتناقض بين نبيين في حكم خاص من احكام الله تعالي لا يتفق ومباني العقائد الاسلامية الصحيحة وأطرف ما في هذه الأسطورة حلف أبي هريرة انه لم يكن سمع في حياته بالسكين إلا يومئذ وانهم ما كانوا يقولون إلا المدية.
وحديثه عن سليمان إذ قال: لأطوفن الليلة بمائة امرأة تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله فقال له الملك: قل إن شاء الله فلم يقل فأطاف بهن!
فلم تلد منهن إلا امرأة نصف انسان.
وحديثه في نملة قرصت موسي فامر بقرية النمل فأحرقت فأوحي الله إليه قرصتك نملة فأحرقت أمة من الأمم تسبح لله تعالي.
وحديثه عن رسول الله صلي الله عليه وآله انه كان يؤذي ويسب ويلعن ويجلد علي الغضب من لا يستحق ذلك فيكون ايذاؤه وجلده وسبه ولعنه كفارة لذنوب من يتعرض منه لهذا الشر.
ولو نسب هذا إلي فرعون لأساء إلي أخلاقه. علي أن ناسا لعنهم رسول الله صلي الله عليه وآله لا يستحقون المغفرة فهل يلزمنا أبو هريرة بحبهم واحترامهم ورفعهم كما ترفع البررة الصالحون؟ وما هي المقاييس الصحيحة بعد هذا المقياس الهريري الطريف؟
وحديثه في عروض الشيطان لرسول الله صلي الله عليه وآله ليقطع عليه صلاته فذعته أي خنقه - وهم أن يوثقه إلي سارية لينظر الناس إليه مكتوفا لكنه صلي الله عليه وآله
(١٣)
مفاتيح البحث: القتل، القتال في سبيل الله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، كتاب العقائد الإسلامية لمركز المصطفي (ص) (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الموت (1)

صفحه 013

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤
ذكر قول سليمان. رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. فخلي سبيله.
وحديثه في نوم النبي صلي الله عليه وآله عن صلاة الصبح.
إلي غير ذلك من أحاديثه التي فتحت الباب للقول بعدم عصمة الأنبياء وعريضهم للخطأ والزلل في رأي معوج لا يستقيم عليه معني النبوة في حقيقته وواقعه.
* * * وهنالك لون آخر في حديثه يريك التناقض بأجلي مظاهره فانظر إلي حديثي أبو سلمة قائلا له: يا أبا هريرة ألم تحدث انه لا عدوي؟ فأنكر حديثه الأول ورطن بالحبشية.
وانظر إلي حديثه عن طواف سليمان - علي زعمه - بنسائه تجده متعارضا متناقضة فتارة روي انهن مائة، وأخري روي انهن سبعون. ومرة روي انهن سبعون وأخري انهن ستون! وكل ذلك ثابت عنه في الصحاح.
وانظر إلي أحاديثه في هجرته تجدها صريحة بأنه انما هاجر مسكينا حافيا طاويا خادما يخدم هذا وهذه يشبع بطنه فمن أين له الغلام الذي حدث عنه في الشام؟ إذ قال (علي عهد معاوية): لما قدمت علي النبي صلي الله عليه وآله ابق غلام لي في الطريق، فبينما أنا عند رسول الله أبايعه إذ طلع الغلام فقال لي النبي: يا أبا هريرة هذا غلامك؟ فقلت: هو لوجه الله فاعتقته.
وأنظر إلي أحاديثه عن نفسه وهو في الصفة تجدها صريحة بأنه انما كان من مساكينها المعدمين وقد استوطنها طيلة عمر النبي صلي الله عليه وآله فكانت مثواه ليلا ونهارا إذ لم يكن له في المدينة عشيرة ولا منزل سواها ولم يكن عليه إلا نمرة يدب القمل عليها كان يربطها في عنقه فتبلغ ساقيه فيجمعها بيده لئلا تبدو عورته. وكان يصرعه الجوع فيخر مغشيا عليه بين المنبر والحجرة فمن أين له
(١٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (2)، الشام (1)، الصّلاة (1)

صفحه 014

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥
الدار التي ادعاها أواخر حياته؟ في حديث حدث به في الشام عن نفسه وعن أمه إذ أسلمت بدعاء النبي صلي الله عليه وآله لها وله - فبما زعم -.
وانظر إلي احتجاجه علي مستنكري حديثه تجده متعارضا متساقطا كما فصلناه في الأصل علي أنه في نفسه مما تنبو عنه الاسماع لسخافته وتفيه العقول لسقمه - كما بيناه ثمة - وقد جاء فيه: ان أبا هريرة بسط نمرته لرسول الله فطفق صلي الله عليه وآله يغرف العلم بيديه فيكيله في النمرة ثم يقول ضمه يا أبا هريرة فيضمه إلي صدره فيعصم بذلك من النسيان ويكون به احفظ الصحابة وأعلمهم بالسنة.
هذه حجته علي مستنكري حديثه سخره الله بها حجة لخوصمه عليه وبرهانا قاطعا علي صحة ما نسبوه إليه وشوارد أحاديثه التي كان يكيلها جزافا ويحدث بها متنافرة متنا كرة كثيرة إلي الغاية لكن هذا القدر كاف لما أردناه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وحسبك في أبي هريرة انه كان يحدث بما لم يره ولم يسمع ويدعي مع ذلك الرؤية والسماع كما ستسمعه في فصله الخاص به من الكتاب، واليك الآن نموذجا من ذلك تقيس عليه ما سواه.
قال أبو هريرة فيما صح عنه بالاجماع: دخلت علي رقية بنت رسول الله زوجة عثمان وبيدها مشط فقالت: خرج رسول الله صلي الله عليه وآله من عندي آنفا رجلت شعره الحديث.
ومن المعلوم اجماعا وقولا واحدا أن رقية انما ماتت سنة ثلاث بعد فتح بدر، وأبو هريرة انما أسلم سنة سبع بعد فتح خيبر فأين كان عن رقية ومشطها يا أولي الألباب؟.
* * * واليك نموذجا من حديثه الخارج علي قواعد العلم المشتقة من صلب الدين ألا وهو قوله: بعثنا رسول الله صلي الله عليه وآله في بعث فقال: أن وجدتم فلانا وفلانا
(١٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (5)، خيبر (1)، الشام (1)، الحج (1)، الصّلب (1)

صفحه 015

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦
فأحرقوهما بالنار (قال) ثم قال لنا حين أردنا الخروج: أني أمرتكم أن تحرقوهما وان النار لا يعذب بها إلا الله تعالي فان وجدتموهما فاقتلوهما أه.
وهذا من النسخ قبل حضور وقت العمل، وهو محال علي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله.
ورب حديث له خارج علي العقل كحديثه عن داود وقراءته القرآن بأجمعه في لحظة لا تسع اسراج الدابة كما سمعت.
وله أحاديث خيالية أوردنا منها ستة في ختام الأربعين من حديثه في الفصل 11 لتكون نموذجا لسائر ما كان من نوعها.
* * * أما ما تزلف به إلي بني أمية وأعوانهم أو إلي الرأي العام في تلك الأيام فكثير أوردنا منه طائفة في الفصل 5 والفصل 7 والفصل 9 وستجدها علي أنواعها مختلفة، فأمعن فيها متحررا متجردا تجده جائعا يريد أن يشبع من الحديث، ويريد أن يشبع خياله من الحياة كما يراها الرجل الجائع وهو - بعدئذ - يعترف انه موطئ الاقدام في عصر حقره وأجاعه، ثم قذفه إلي عصر أشبعه من أجل صناعة الأحاديث، أفيجوز أن نجعله بعد كل هذا حجة؟ نلقي إليه بازمة عقولنا وعقائدنا من غير نظر نختاره لهذه العقول والعقائد؟
فان صح هذا عقلا وشرعا فليمض أبو هريرة ومن إليه في حرمهم الذي بنته السياسة ووضعته بين التقاليد والمواريث.
وان صح عماية التقاليد والمواريث منشأ لفرقة، أو مثارا لخلاف فلتبق حتي يأذن الصبح، إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.
(١٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، بنو أمية (1)، القرآن الكريم (1)، الحج (1)

صفحه 016

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧
* بسم الله الرحمن الرحيم * * أبو هريرة * حدث عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأكثر، وروت عنه الصحاح الستة وسائر مسانيد الجمهور فأكثرت. فلم يسعنا إزاء هذه الكثرة المزدوجة إلا أن نبحث عن مصدرها، لاتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالا مباشرا. ولولا ذلك لتجاوزناها وتجاوزنا مصدرها إلي ما يغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه.
لكن آسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدين وأصوله فاحتج بها أهل المذاهب الأربعة ومتكلموهم من الأشاعرة وغيرهم في كثير من أحكام الله وشرائعه عز وجل ملقين إليها سلاح النظر والتفكير لذلك لم يكن بد من البحث عن هذا المكثر نفسه. وعن حديثه كما وكيفا لنكون علي بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله عز وجل.
(١٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، مدرسة الأشاعرة (1)

صفحه 017

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨
* اسمه ونسبه * كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا. لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والاسلام (1) وانما يعرف بكنيته. وينسب إلي دوس. وهي قبيلة يمانية تفرعت عن دوس ابن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن النضر بن الأزد بن الغوث.
أما أبوه: فقد قيل (2) ان اسمه عمير وانه ابن عامر بن عبد ذي الشري
* - بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وسلام علي عباده الذين اصطفي.
وبعد: فيقول أضعف المؤمنين عملا، وأقواهم بعفو الله أملا، عبد الحسين بن شرف الدين الموسوي العاملي: هذه تعليقة تضمن بيان مصادر الكتاب. ولا ندع شاردة عنه إلا ردتها إليه، فما أولي البحث والتدقيق بتتبعها، والله سبحانه هو المرجو أن ينفع بها وبأصلها ويجعلهما خالصين لوجهه الكريم إنه أرحم الراحمين.
(1) - نص علي هذا بعين لفظه أبو عمر بن عبد البر في ترجمة أبي هريرة من استيعابه ومن راجع ترجمته في معاجم التراجم كالاستيعاب والإصابة وأسد الغابة وطبقات ابن سعد وغيرها يجد غموض حسبه ونسبه محسوسا.
(2) - القائل بهذا محمد بن هشام بن السائب الكلبي فيما نقله عنه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته وقواه أبو أحمد الدمياطي فيما نقله عنه ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من اصابته.
(١٨)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (4)، كعب بن مالك (1)، الجهل (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، محمد بن هشام (1)

صفحه 018

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩
ابن طريف بن غياث بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.
وأمه أميمة ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد ابن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس (1).
وكني أبا هريرة بهرة صغيرة كان مغرما بها (2) ولعل من غرامه بها حدث عن رسول الله صلي الله عليه وآله: ان امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض (3) وردت عليه عائشة إذ بلغها حديثه هذا - كما ستسمعه إن شاء الله تعالي في محله من هذا الكتاب -.
(1) - هكذا ساق نسبها محمد بن سعد في ترجمة أبي هريرة: وهي في ص 52 وما بعدها من القسم الثاني من الجزء الرابع من طبقاته.
(2) - روي ابن قتيبة الدينوري (في ترجمة أبي هريرة ص 93 من كتابه المعارف) ان أبا هريرة كان يقول: وكنيت بابي هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها. وأخرج ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من الطبقات بالاسناد إليه قال كنت أرعي غنما وكانت لي هرة صغيرة فكنت إذا كان الليل وضعتها في شجرة فإذا أصبحت أخذتها فلعبت بها فكنوني أبا هريرة وكل من ترجم ذكر هذا أو نحوه واستمر في الاسلام علي غرامه بالهرة والعبث بها حتي رآه النبي صلي الله عليه وآله يحملها في كمه كما ذكره الفيروز آبادي في مادة الهرة من قاموسه المحيط.
(3) - أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق ص 149 من الجزء الثاني من صحيحه. وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث أبي هريرة ص 261 من الجزء الثاني من مسنده.
(١٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (8)، أحمد بن حنبل (1)، محمد بن سعد (1)

صفحه 019

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠
* نشأته وإسلامه وصحبته * نشأ في مسقط رأسه (اليمن) وشب ثمة حتي أناف علي الثلاثين (1) جاهليا لا يستضئ بنور بصيرة ولا يقدح بزناد فهم، صعلوكا قد أخمله الدهر ويتيما أزري به الفقر. يخدم هذا وذاك وتي وتلك مؤجرا نفسه بطعام بطنه (2) حافيا عاريا. راضيا بهذا الهوان، مطمئنا إليه كل الاطمئنان.
لكن لما أظهر الله أمر نبيه صلي الله عليه وآله في المدينة الطيبة بعد بدر وأحد والأحزاب وبعد اللتيا والتي. لم يكن لهذا البائس المسكين حينئذ مذهب عن باب رسول الله صلي الله عليه وآله فهاجر إليه بعد فتح خيبر فبايعه علي الاسلام وكان ذلك سنة سبع للهجرة باتفاق أهل الأخبار.
أما صحبته فقد صرح أبو هريرة - في حديث أخرجه البخاري (3) - بأنها انما كانت ثلاث سنين.
(1) - قال أبو هريرة من حديث تجده في ترجمته من الإصابة وغيرها قدمت ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت علي الثلاثين.
(2) - كان أبو هريرة يحدث عن نفسه فيقول كما في ترجمته من الطبقات والإصابة وحلية الأولياء وغيرها -: كنت أجيرا لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني أسوق بهم إذا ركبوا وأخدمهم إذا نزلوا. وله كلام في هذا المعني كثير سنورده في محله من الأصل.
(3) - في باب علامات النبوة في الاسلام ص 182 من الجزء الثاني من صحيحه. وهو موجود في ترجمة أبي هريرة من الإصابة والطبقات.
(٢٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (4)، خيبر (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)

صفحه 020

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١
* علي عهد النبي صلي الله عليه وآله * لما أسلم أبو هريرة انضوي باسلامه إلي مساكين الصفة (1) وهم - كما قال أبو الفداء في تاريخه المختصر: أناس فقراء لا منازل لهم ولا عشائر ينامون علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله في المسجد ويظلون فيه. وكانت صفة المسجد مثواهم فنسبوا إليها. وكان إذا تعشي رسول الله صلي الله عليه وآله يدعو منهم طائفة يتعشون معه، ويفرق منهم طائفة علي الصحابة ليعشوهم. قال: ومن مشاهيرهم أبو هريرة إلي آخر كلامه (2).
وكان أبو هريرة - كما نص عليه أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء (3) أشهر من سكن الصفة واستوطنها طول عمر النبي صلي الله عليه وآله ولم ينتقل عنها. وكان عريف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين إلي آخر كلامه.
وصف أبو هريرة نفسه فقال - كما في أول البيوع من صحيح البخاري:
وكنت مسكينا من مساكين الصفة، الحديث وهو طويل (4).
قال - كما في باب نوم الرجال في المسجد من كتاب الصلاة من صحيح
(١) - قال ابن الأثير في مادة صفف من النهاية: أهل الصفة هم فقراء المهاجرين ومن لم يكن له منزل يسكنه وكانوا يأوون إلي موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه.
(٢) - فراجعه في آخر حياة النبي عند ذكر أصحابه.
(٣) - ص ٣٧٦ من جزئها الأول حيث ترجم أبا هريرة.
(4) - فراجعه في الصفحة الأولي من الجزء الثاني من الصحيح.
(٢١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، أبو هريرة العجلي (5)، كتاب صحيح البخاري (1)، السجود (3)، الصّلاة (1)، إبن الأثير (1)

صفحه 021

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٢
البخاري (1): رأيت سبعين من أصحاب الصفة (2) ما منهم رجل عليه رداء وانما عليه أما ازار واما كساء ربطوه في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين.
ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن تري عورته اه.
وفي صحيح البخاري من حديث طويل (3) عن أبي هريرة قال فيه: وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلي الله عليه وآله بشبع بطنه.
وفيه أيضا من طريق ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة من حديث (4) قال فيه: وكنت ألزم رسول الله صلي الله عليه وآله علي ملئ البطن.
وحدث عن نفسه في مقام آخر فقال (5): كنت من أصحاب الصفة فظللت صائما فأمسيت وأنا أشتكي بطني فانطلقت لأقضي حاجتي فجئت وقد أوكل الطعام. وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام لأهل الصفة فقلت: إلي من أذهب؟ فقيل لي: إلي عمر بن الخطاب فاتيته وهو يسبح بعد الصلاة فانتظرته فلما انصرف دنوت منه: فقلت: أقرئني وما أريد إلا الطعام، قال: فأقرأني
(١) - ص ٦٠ من جزئه الأول.
(٢) - السبعون من أصحاب الصفة قد استشهدوا بأجمعهم يوم بئر معونة قبل إسلام أبي هريرة، وهذا الحديث نظير حديثه إذ قال: دخلت علي رقية بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وفي يدها مشط مع أن رقية قد ماتت قبل مجئ أبي هريرة إلي المدينة بزمان وكم له من نظير هذا كما ستسمعه في محله من الأصل.
(٣) - تجده في باب حفظ العلم من كتاب العلم ص ٢٤ من جزئه الأول وأخرجه أيضا غير واحد من حفظة الآثار كأبي نعيم في حليته.
(4) - هو الحديث الأول من كتاب البيوع في الصفحة الأولي من جزئه الثاني.
(5) - فيما أخرجه أبو نعيم في ترجمة أبي هريرة من الحلية ص 378 من جزئها الأول.
(٢٢)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، أبو هريرة العجلي (6)، كتاب صحيح البخاري (1)، الطعام (2)، الصّلاة (1)، الحافظ أبو نعيم (1)

صفحه 022

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٣
آيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني علي الباب فأبطأ، فقلت: ينزع ثيابه، ثم يأمر لي بطعام، فلم أر شيئا، فلما طال علي قمت فاستقبلني رسول الله صلي الله عليه وآله فانطلقت معه حتي أتي بيته فدعا جارية له سوداء (1) فقال:
آتينا بتلك القصعة. قال: فأتتنا بقصعة فيها وضر (2) من طعام أراه شعيرا قد اكل وبقي في جوانبها بعضه وهو يسير فأكلت حتي شبعت اه.
وكثيرا ما كان يصف نفسه فيقول (3): والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي علي الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر علي بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما علي طريقهم الذي يخرجون منه من المسجد - فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر عمر بي فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل. ثم مر بي أبو القاسم صلي الله عليه وآله فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي.
ثم قال: أبا هر قلت: لبيك يا رسول الله، قال: إلحق ومضي فتبعته فدخل فأذن لي فدخلت فوجدنا لبنا في قدح، فقال صلي الله عليه وآله: من أين هذا اللبن؟ قالوا أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر، قلت: لبيك، قال: إلحق إلي أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الاسلام لا يأوون إلي أهل ولا علي أحد، وكان صلي الله عليه وآله إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا. وإذا أتته هدية أشركهم فيها، قال فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟
كنت أنا أحق ان أصيب من هذا اللبن شربة أتقوي بها، فإذا جاؤوا أمرني أن
(١) - ما عهدنا ولا سمعنا ان في بيت رسول الله صلي الله عليه وآله جارية سوداء.
(٢) - في النهاية وضر الصحفة دسمها وأثر الطعام فيها.
(3) - كما في باب كيف كان يعيش النبي صلي الله عليه وآله وأصحابه من كتاب الرقاق ص 81 من الجزء الرابع من صحيح البخاري. وأخرجه أبو نعيم مختصرا في ترجمة أبي هريرة من حلية الأولياء.
(٢٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، سورة آل عمران (1)، الأكل (1)، السجود (1)، الطعام (2)، التصدّق (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، أبو هريرة العجلي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 023

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٤
أعطيهم، وما عسي ان يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله ورسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فاقبلوا فاستأذنوا فاذن لهم واخذوا مجالسهم فقال صلي الله عليه وآله يا أبا هريرة خذ فاعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتي يروي ثم يرد علي القدح فاعطيه الرجل فيشرب حتي يروي ثم يرده علي فاعطيه الآخر فيشرب حتي يروي، ولم أزل حتي انتهيت إلي النبي صلي الله عليه وآله وقد روي القوم كلهم فاخذ القدح وتبسم إلي فقال: أبا هر بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول الله قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت، قال: اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب، حتي قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال: فأرنيه. فأعطيته القدح فحمد الله وسمي وشرب الفضلة (1).
وفي صحيح البخاري (2) عن أبي هريرة قال: رأيتني واني لاخر فيما بين منبر رسول الله صلي الله عليه وآله إلي حجرة عائشة مغشيا علي فجئ الجائي فيضع رجله علي عنقي ويري اني مجنون وما بي من جنون ما بي إلا الجوع اه.
وكان ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب عليهما السلام كثير البر والاحسان والصدقة والعطف علي البائسين. فكان يطعم أبا هريرة من جوع فوالاه
(1) - هذا الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه وهو من أعلام النبوة - لو صح فما ندري لم لم يروه غير أبي هريرة؟ وهلا حدث بهذه الآية شركاء أبي هريرة في اللبن علي الأقل؟ وما ندري هل كان ثمة مقتض للتحدي والاعجاز؟ وموجب لخرق العادات؟ فان مثل هذه الآية لا تكون إلا عند الاقتضاء ونحن نؤمن بآيات الله تعالي ومعجزات رسله ومع ذلك فان الظاهر أن هذا الحديث مما نزلف به أبا هريرة إلي غوغاء الناس وعوامهم بعد وفاة كبراء الصحابة حيث لم يبق منهم من يخشاه.
(2) - راجع من جزئه الرابع ص 175 تجده في أواخر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
(٢٤)
مفاتيح البحث: أبو طالب عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (6)، كتاب صحيح البخاري (1)، الطعام (1)

صفحه 024

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٥
أبو هريرة وفضله - كما في ترجمة جعفر من الإصابة - علي الناس بعد النبي كافة.
وقد روي البخاري (1) بالاسناد إلي أبي هريرة قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة علي رسول الله صلي الله عليه وآله واني كنت ألزمه بشبع بطني حتي لا أكل الخمير ولا ألبس الحبير ولا يخدمني فلان وفلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وكنت استقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته الحديث (2).
وأخرج البغوي من طريق المقبري - كما في ترجمة جعفر من الإصابة - قال: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس إليهم ويخدمهم ويخدمونه ويحدثهم ويحدثونه فكان رسول الله صلي الله عليه وآله يكنيه أبا المساكين (3).
وأخرج الترمذي والنسائي الصحيح كما في ترجمة جعفر من الإصابة أيضا عن أبي هريرة قال: ما احتذي النعال ولا اركب المطايا ولا وطأ التراب بعد رسول الله صلي الله عليه وآله أفضل من جعفر بن أبي طالب (4).
(1) في ص 197 من الجزء الثاني من صحيحه في باب مناقب جعفر وأخرج نحوه أبو نعيم في ترجمة جعفر 117 من الجزء الأول من حليته.
(2) ونقل ابن عبد ربه الأندلسي - في فصل الجود مع الاقلال من الجزء الأول من عقده الفريد - عن أبي هريرة انه قال: تبعت جعفر بن أبي طالب ذات يوم وانا جائع فلما بلغ الباب التفت فرآني فقال لي: أدخل فدخلت ففكر حينا فما وجد في بيته شيئا إلا نحيا كان فيه سمن مرة، فأنزله من رف لهم، فشقه بين أيدينا، فجعلنا نلعق ما كان فيه من السمن والزيت وهو يقول:
ما كلف الله نفسا فوق طاقتها * ولا تجود يد إلا بما تجد (3) وهذا الحديث أخرجه أبو نعيم في ترجمة جعفر من حلية الأولياء ص 117 من جزئها الأول من طريق المقبري عن أبي هريرة أيضا.
(4) وهذا الحديث أورده ابن عبد البر في ترجمة جعفر من الاستيعاب
(٢٥)
مفاتيح البحث: جعفر بن أبي طالب عليهما السلام (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (6)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، الحافظ أبو نعيم (2)، الجود (1)

صفحه 025

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٦
وما زالت الصفة موطن أبي هريرة الذي يطمئن إليه ليلا ونهارا، لا يأوي إلي ما سواها حتي ارتحل النبي صلي الله عليه وآله من هذه الدار الفانية ولحق بالرفيق الاعلي وقبل ذلك لم يقم أبو هريرة بشئ يعود عليه بشبع بطنه سوي القعود في طريق المارة ينزع إليهم بجوعه. لا تخفزه مهمة. ولا يذكر في حرب ولا في سلم، بلي ذكروا أنه فر من الزحف يوم مؤتة (1).
وزعم أنه كان في البعث الذي بعثه رسول الله صلي الله عليه وآله مع علي ببراءة إلي مكة وأنه نادي يوم الحج الأكبر حتي صحل صوته، وله في ذلك حديثان متناقضان متساقطان كما ستقف عليه في محله إن شاء الله تعالي.
وزعم أن النبي صلي الله عليه وآله وكله بحفظ زكاة رمضان في حديث طويل (2) سنورده في الأباطيل.
4 - * علي عهد الخليفتين * ألممنا بأخبار الخليفتين، واستقرأنا ما كان علي عهدهما، فلم نجد لأبي هريرة ثمة أثرا يذكر، سوي ان عمر بعثه واليا علي البحرين سنة إحدي وعشرين (3). فلما كانت سنة ثلاث وعشرين وعزله وولي عثمان بن أبي العاص
(1) راجع ص 42 من الجزء الثالث من المستدرك تجد أبا هريرة يعير بذلك فلا يدري أي شئ يقول لمن عيره.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوكالة ص 29 من الجزء الثاني من صحيحه.
(3) حين مات الوالي عليها من قبل رسول الله صلي الله عليه وآله وأبي بكر وعمر وهو العلاء ابن الحضرمي.
(٢٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، مدينة مكة المكرمة (1)، أبو هريرة العجلي (3)، شهر رمضان المبارك (1)، عثمان بن أبي العاص (1)، الحج (1)، البعث، الإنبعاث (3)، الحرب (1)، الزكاة (1)، الموت (1)

صفحه 026

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٧
الثقفي (1)، ولم يكتف بعزله حتي استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم أنه سرقها من مال الله في قضية مستفيضة، وحسبك منها ما ذكره ابن عبد ربه المالكي (فيما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم من أوائل الجزء الأول من عقده الفريد) إذ قال - وقد ذكر عمر: ثم دعا أبا هريرة. فقال له: علمت اني استعملتك علي البحرين وأنت بلا نعلين. ثم بلغني انك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار. قال: كانت لنا أفراس تناجت وعطايا تلاحقت. قال:
حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا أفضل فأده قال: ليس ذلك. قال: بلا والله وأوجع ظهرك ثم قام إليه بالدرة فضربه حتي أدماه ثم قال: ائت بها، قال: احتسبها عند الله قال: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا، أجئت من أقصي حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين؟ ما رجعت (2) بك أمسية إلا لرعية الحمر.
قال ابن عبد ربه: وفي حديث أبي هريرة: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله؟ قال فقلت: ما أنا عدو الله وعدو كتابه ولكني عدو من عاداك وما سرقت مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ قال فقلت: خيل تناتجت، وعطايا تلاحقت، وسهام تتابعت قال: فقبضها مني فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين الحديث، وقد أورده ابن أبي الحديد إذ ألم بشئ من سيرة عمر في المجلد الثالث من شرح النهج (3)
(١) كما هو ثابت لدي أهل الأخبار ومصرح به في عدة حوادث تلك السنة من تاريخ ابن الأثير وغيره.
(٢) الرجع والرجيع العذرة والروث سميا رجيعا لأنهما رجعا من حالتهما الأولي بعد أن كانا طعاما وعلفا، وأميمة أم أبي هريرة، وكلمة الخليفة هذه من أفظع كلمات الشتم.
(٣) ص ١٠٤ طبع مصر.
(٢٧)
مفاتيح البحث: إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، أبو هريرة العجلي (3)، إبن الأثير (1)، العذرة (1)

صفحه 027

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٨
وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته الكبري (1) من طريق محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال لي عمر: يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله إلي آخر الحديث. وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من أصابته فحوره عطفا علي علي أبي هريرة تحويرا خالف فيه الحقيقة الثابتة باتفاق أهل العلم، وذهل عما يستلزمه ذلك التحرير من الطعن بمن ضرب ظهره فأدماه وأخذ ماله وعزله.
5.
* علي عهد عثمان * أخلص أبو هريرة لآل أبي العاص وسائر بني أمية علي عهد عثمان واتصل بمروان وتزلف إلي آل أبي معيط، فكان له بسبب ذلك شأن، ولا سيما بعد يوم الدار إذ حوصر عثمان فكان أبو هريرة معه. وبهذا نال نضارة بعد الذبول ونباهة بعد الخمول.
سنحت له في تلك الفتنة فرصة الانضواء إلي الدار فأسدي بها إلي آل أبي العاص وغيرهم من الأمويين يدا كان لها أثرها عندهم وعند أعوانهم ومقوية سلطانهم، فنفضوا عنه دثار الخمول وشادوا بذكره، علي أنه لم يخف عليهم كونه ما استسلم إلي الحصار ولا دخل الدار إلا بعد أن كف الخليفة أيدي أوليائه عن القتال وأمرهم بالسكينة. كما قال بعض معاصريه في رثائه!
فكف يديه ثم أغلق بابه * وأيقن أن الله ليس بغافل وقال لأهل الدار لا تقتلوهم * عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل وانما فعل ذلك احتياطا علي نفسه واحتفاظا بأصحابه. وكان أبو هريرة
(١) ص ٩٠ من قسمها الثاني من جزئها الرابع
(٢٨)
مفاتيح البحث: الدولة الأموية (1)، أبو هريرة العجلي (7)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، بنو أمية (1)، الطعن (1)، الضرب (1)، القتل (1)

صفحه 028

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٩
علي علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان. وهذا ما شجعه علي أن يكون في المحصورين.
ومهما يكن فقد أختلس الرجل هذه الفرصة فربحت صفقته وراجت سلعته، وأكب بعدها بنو أمية وأولياؤهم علي السماع منه. فلم يألوا جهدا في نشر حديثه، والاحتجاج به. وكان ينزل فيه علي ما يرغبون.
وكان مما حدثهم به عن رسول الله صلي الله عليه وآله إن لكل نبي خليلا من أمته وان خليلي عثمان (1).
وقال (2): سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: عثمان حبي تستحي منه الملائكة.
ورووا عنه مرفوعا: لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان (3).
ورووا عنه مرفوعا أيضا: أتاني جبرئيل فقال لي: إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم علي مثل صداق رقية الحديث (4).
(١) أهل العلم كافة متصافقون علي بطلان هذا الحديث، لكن أولياء أبي هريرة يحيلون الآفة به علي إسحاق بن نجيع الملطي أحد رجال سنده إلي أبي هريرة، وقد أورده الذهبي في ترجمة إسحاق من ميزان الاعتدال جازما ببطلانه (٢) فيما أخرجه ابن كثير عند ذكر فضائل عثمان في حوادث سنة ٣٥ ص ٢٠٣ من الجزء السابع من كتابه " البداية والنهاية " (3) هذا الحديث باطل بالاجماع، وأولياء أبي هريرة يحيلون الآفة فيه علي عثمان بن خالد بن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان أحد سلسلة سنده المتصلة بأبي هريرة، وقد أورده الذهبي في ترجمة عثمان بن خالد المذكور من ميزان الاعتدال وعده من منكراته.
(4) أخرجه ابن منده وقال: غريب تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني اه " قلت ": وقد نقل هذا الحديث ابن حجر العسقلاني في آخر ترجمة السيدة أم كلثوم عليها السلام من الجزء الرابع من الإصابة، وذكر انه غريب، وانه تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني فراجع
(٢٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، بنو أمية (1)، الخليفة عثمان بن عفان (1)، أبو هريرة العجلي (4)، كتاب البداية والنهاية (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، عبد الله بن الوليد (1)، محمد بن عثمان (1)، الباطل، الإبطال (1)

صفحه 029

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٠
وقال: دخلت علي رقية بنت رسول الله صلي الله عليه وآله امرأة عثمان وبيدها مشط فقالت: خرج رسول الله صلي الله عليه وآله من عندي آنفا رجلت شعره، فقال لي: كيف تجدين أبا عبد الله (عثمان)؟ قلت: بخير. قال أكرميه، فإنه من أشبه أصحابي بي خلقا (1).
وربما حرف الكلم عن مواضعه، كما فعل في الصحيح الثابت عن رسول الله صلي الله عليه وآله من قوله: ستكون بعدي فتنة واختلاف. قالوا فما تأمرنا عند ذلك يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه وآله - وقد أشار إلي علي -: عليكم بالأمير وأصحابه.
لكن أبا هريرة آثر التزلف إلي آل أبي العاص وآل معيط وآل أبي سفيان فروي لهم ان النبي صلي الله عليه وآله أشار في هذا الحديث إلي عثمان (2) وقد حفظوا له هذا الصنع. كما ستقف عليه في الفصل 8 من هذا الاملاء أن شاء الله تعالي.
- 6 - * علي عهد علي * خفت صوت أبي هريرة علي عهد أمير المؤمنين. واحتبي برد الخمول وكاد إن يرجع إلي سيرته الأولي. حيث كان هيان بن بيان وصلعمة بن قلعمة قعد
(١) سنورد هذا الحديث في أول الفصل ١٣ فراجعه ثمة واعجب (٢) ولذا أخرجه الحاكم عن أبي هريرة في فضائل عثمان أول ص ٩٩ من الجزء ٣ من المستدرك.
والحق يوجب ذكره في فضائل علي، نظير قول النبي صلي الله عليه وآله: تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه علي الحق، وأشار إلي علي، أخرجه الطبراني عن كعب بن عجرة، وهو الحديث ٢٦٣٥ من الجزء ٦ من كنز العمال، وقوله صلي الله عليه وآله - ستكون بعدي فتنة فالزموا فيها علي بن أبي طالب فإنه أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهو فاروق هذه الأمة الحديث، أخرجه أبو أحمد وابن مندة وغيرهما عن أبي ليلي الغفاري، ونقله في ترجمة أبي ليلي كل من ابن عبد البر في استيعابه وابن حجر في اصابته وغيرهما، وقوله صلي الله عليه وآله: يا عمار إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس في واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس إنه لن يدلك علي ردي ولن يخرجك من الهدي الحديث، أخرجه الديلمي عن كل من عمار وأبي أيوب وهو الحديث ٢٥٩ في آخر ص ١٥٥ من الجزء ٦ من كنز العمال وقوله صلي الله عليه وآله: يا أبا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا حق علي الله جهادهم الحديث أخرجه الطبراني في الكبير عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده وهو الحديث ٢٥٨٩ من الجزء ٦ من الكنز إلي كثير من أمثال هذه النصوص التي لا يسعنا الآن استقصاؤها، وحسبك قوله صلي الله عليه وآله: إن منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر، فقال أبو بكر انا هو؟
قال لا، قال عمر: انا هو؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل الحديث، أخرجه الحاكم في آخر ص 122 من الجزء 3 من المستدرك وصححه علي شرط الشيخين وأورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته علي شرطهما وأخرجه أحمد من الحديث أبي سعيد في ص 33 وص 82 من الجزء 3 من المسند ورواه الحافظ أبو نعيم في ترجمة علي ص 67 من الجزء الأول من حليته وأخرجه أبو يعلي في السنن وسعيد بن منصور في سننه وهو الحديث 2585 في ص 155 من الجزء 6 من الكنز، والأحاديث في وجوب قتال الناكثين والقاسطين والمارقين متظافرة، واخباره صلي الله عليه وآله بوقوع الفتن من بعده متواترة وهي من اعلام النبوة وكلها صريح بوجوب اتباع علي، فحديث أبي هريرة الذي أخرجه الحاكم من جملتها بلا ريب، ويؤيد ذلك أن النبي صلي الله عليه وآله لم يطلق الأمير علي غير علي أبدا، اما علي فقد نال منه هذا الوسام، وحسبك قوله صلي الله عليه وآله لانس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد الوصيين، الحديث، أخرجه الحافظ الأصفهاني في ترجمة علي من الجزء الأول من حلية الأولياء، وقد أمر صلي الله عليه وآله ان يسلموا علي علي بالامرة كما هو ثابت من طرق العترة الطاهرة، والمقام لا يسع التفصيل.
(٣٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، أبو هريرة العجلي (4)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (2)، يوم القيامة (1)، الطبراني (2)، محمد بن عبيد الله بن أبي رافع (1)، علي بن أبي طالب (1)، سعيد بن منصور (1)، القرآن الكريم (1)، القتل (1)، الصدق (1)، الوجوب (1)

صفحه 030

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣١
عن نصرة أمير المؤمنين فلم ينضو إلي لوائه، بل كان وجهه ونصيحته إلي أعدائه
(٣١)

صفحه 031

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٢
وقد أرسله معاوية مع النعمان بن بشير - وكانا عنده في الشام - إلي علي عليه السلام يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلي معاوية ليقيدهم بعثمان، وقد أراد معاوية بهذا أن يرجعا من عند علي إلي الشام وهما لمعاوية عاذران ولعلي لائمان، علما من معاوية أن عليا لا يدفع قتلة عثمان إليه، فأراد أن يكون النعمان وأبو هريرة شاهدين له عند أهل الشام بذلك، وان يظهرا للناس عذر معاوية في قتال علي.
فقال لهما ائتيا علي فانشدناه الله لما دفع إلينا قتلة عثمان، فإنه قد آواهم، ثم لا حرب بيننا وبينه، فان أبي فكونوا شهداء الله عليه، واقبلا علي الناس فأعلماهم بذلك. فأتينا عليا فدخلا عليه، فقال له أبو هريرة: يا أبا الحسن ان الله قد جعل لك في الاسلام فضلا وشرفا، فأنت ابن عم محمد رسول الله صلي الله عليه وآله وقد بعثنا إليك ابن عمك يسألك أمرا تسكن به هذه الحرب، ويصلح الله به ذات البين ان تدفع إليه قتلة ابن عمه عثمان فيقتلهم به ويجمع الله تعالي امرك وأمره ويصلح بينكم وتسلم هذه الأمة من الفتنة والفرقة، ثم تكلم النعمان بنحو من هذا فقال لهما: دعا الكلام في هذا، حدثني عنك يا نعمان، هل أنت أهدي قومك سبيلا؟ - يعني الأنصار - قال: لا. قال فكل قومك قد اتبعني الا شذاذ منهم ثلاثة أو أربعة أفتكون أنت من الشذاذ؟ قال النعمان: أصلحك الله انما جئت لأكون معك وألزمك، وقد كان معاوية سألني ان أؤدي هذا الكلام. ورجوت ان لي موقف اجتمع فيه معك. وطمعت ان يجري الله تعالي بينكما صلحا فإذا كان رأيك غير ذلك فانا ملازمك وكائن معك.
قال حفظة الآثار: أما أبو هريرة فلم يكلمه أمير المؤمنين فانصرف إلي الشام فأخبر معاوية بالخبر فأمره معاوية ان يعلم الناس ففعل ذلك وعمل أعمالا ترضي معاوية.
وأقام النعمان بعده عند علي ثم خرج فارا إلي الشام فأخبر أهلها بما لقي
(٣٢)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (3)، النعمان بن بشير (1)، الشام (5)، القتل (5)، الشهادة (1)، الأكل (1)، الحرب (2)

صفحه 032

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٣
إلي آخر ما كان من هذه الواقعة (1).
وحين جد الجد، وحمي وطيس الحرب، ورد علي أبي هريرة من الهول ما هزم فؤاده وزلزل اقدامه، وكان في أول تلك الفتنة لا يشك بأن العاقبة ستكون لعلي. فضرب الأرض بذقنه، قابعا في زوايا الخمول يثبط الناس عن نصرة أمير المؤمنين بما يحدثهم به سرا وكان مما قاله يومئذ: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به (2).
ولم يزل كذلك حتي خرجت الخوارج علي أمير المؤمنين واختلف الناس عليه في العراق واستفحل أمر معاوية باستيلائه علي مصر وقتله محمد بن أبي بكر وعبثه في بلاد أمير المؤمنين، وشنه الغارات عليها، وبعثه بسرا في ثلاثة آلاف إلي الحجاز واليمن عبثا في الأرض وفسادا، وتنكيلا بعباد الله وتقتيلا، وتحريفا لهم وتمزيقا، وانتهاكا لحرمات الله. وهتكا لإمائه وسبيا لذراري المؤمنين من عباده، وعبرة للناظرين، ومثلا وأحدوثة في الغابرين.
(1) وقد ذكرها إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات، ونقلها البحاثة المعتزلي في ص 213 من المجلد الأول من شرح نهج البلاغة فليراجعها من أراد التفصيل ليعرف سوء نوايا معاوية وسوء منقلب النعمان في هذه الواقعة وانما أعرض أمير المؤمنين عن أبي هريرة فلم يكلمه لكونه لم يره أهلا لتزلفه بدينه إلي معاوية، وعلم أمير المؤمنين ما أراده معاوية من المكائد إذ أرسلهما إليه يطلبان منه قتلة عثمان فلم يجبهما بشئ لا سلبا ولا إيجابا بل أعرض عن طلبهما، وتكلم مع النعمان في موضوع آخر وهذا من قوته في سياسته عليه السلام.
(2) أخرجه أحمد بن حنبل من حديث أبي هريرة في ص 282 من الجزء الثاني من مسنده. وهو من الأباطيل بدليل قوله تعالي: (فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله).
(٣٣)
مفاتيح البحث: دولة العراق (1)، كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي (2)، أبو هريرة العجلي (3)، محمد بن أبي بكر (1)، الخوارج (1)، القتل (2)، الحرب (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، إبراهيم بن هلال (1)، أحمد بن حنبل (1)

صفحه 033

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٤
وفي ختام هذه الفظائع أخذ البيعة لمعاوية من أهل الحجاز واليمن عامة (1) فعندها باح أبو هريرة بما في صدره، واستراح إلي بسر بن أرطاة بمكنون سره فوجد بسر منه اخلاصا لمعاوية، ونصحا في أخذ البيعة له من الناس. فولاه علي المدينة (2) حين أنصرف عنها وامر أهلها بطاعته ولم يزل بعدها يصلي بهم ويري لنفسه الولاية عليهم حتي جاءهم جارية بن قدامة السعدي من قبل أمير المؤمنين في الفي فارس وأبو هريرة يصلي في الناس، فهرب من وجهه، فقال جارية (3) لو وجدت أبا سنور لقتلته.
وبلغ جارية - وهو في الحجاز - استشهاد أمير المؤمنين في الكوفة فأخذ البيعة من أهل المدينة للامام السبط أبي محمد الحسن الزكي المجتبي عليه السلام ثم عاد إلي الكوفة فرجع أبو هريرة يصلي بالناس (4) واستفحل بعدها امره حيث انتهي الامر إلي معاوية.
- 7 - * علي عهد معاوية * نزل أبو هريرة أيام معاوية إلي جناب مريع، وانزل آماله منه منزل صدق
(1) من أراد الوقوف علي تفصيل هذه الفظائع والفجائع فعليه بص 116 حتي ص 121 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي علي أن كل من ارخ حوادث سنة الأربعين ذكرها كابن جرير وابن الأثير وغيرهما وهي من القضايا الثابتة من أفعال معاوية ثبوت وقعتي الحرة والطف من ولده يزيد.
(2) كما نص عليه إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات، ونقله ابن أبي الحديد في أواخر صفحة: 128 من المجلد الأول من شرح النهج.
(3) كما نص عليه ابن الأثير عند ذكر سرية إلي الحجاز واليمن سنة 40 فراجع ص 153 من الجزء الثالث من تاريخه الكامل.
(4) كما في الصفحة المتقدمة الذكر من كامل ابن الأثير.
(٣٤)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (4)، مدينة الكوفة (2)، جارية بن قدامة (1)، التصديق (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (1)، يوم عاشوراء (1)، كتاب الكامل لإبن الأثير (1)، كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي (1)، إبن الأثير (2)، إبراهيم بن هلال (1)

صفحه 034

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٥
لذلك نزل في كثير من الحديث علي رغائبه، فحدث الناس في فضل معاوية وغير، أحاديث عجيبة.
وقد كثر وضع الحديث في تلك الدولة حسبما اقتضته دعايتها، وأوجبته سياستها في نكاية الهاشميين، وكثرت الكذابة يومئذ علي رسول الله كما أنذر به صلي الله عليه وآله وتطوروا فيما اختلقوه من الحديث حسبما أوحي إليهم وكان أبو هريرة في الرعيل الأول من هؤلاء، فحدث الناس في الفضائل أحاديث منكرة، فمنها ما أخرجه ابن عساكر بطريقين ومحمد بن عائذ بطريق خامس ومحمد بن عبد السمرقندي بطريق سادس ومحمد بن مبارك الصوري بطريق سابع والخطيب البغدادي بطريق ثامن كلهم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول أن الله ائتمن علي وحيه ثلاثة أنا وجبرئيل ومعاوية؟!
ومنها: ما أخرجه الخطيب بالاسناد إلي أبي هريرة قال: ناول النبي صلي الله عليه وآله معاوية سهما فقال: خذ هذا السهم حتي تلقاني به في الجنة!
ومنها: ما أخرجه أبو العباس الوليد بن أحمد الزوزني في كتابه شجرة العقل - من طريقين إلي أبي هريرة قال! سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول أن لأبي بكر قبة من درة بيضاء لها أربعة أبواب تخترقها رياح الرحمة ظاهرها عفو الله وباطنها رضوان الله كلما اشتاق إلي الله انفتح له مصراع ينظر منه إلي الله عز وجل.
ومنها: ما أخرجه ابن حيان بالاسناد إلي أبي هريرة قال: لما قدم رسول الله صلي الله عليه وآله من الغار يريد المدينة أخذ أبو بكر بغرزه فقال: ألا أبشرك يا أبا بكر؟ ان الله تعالي يتجلي للخلائق يوم القيامة عامة ويتجلي لك خاصة!.
ومنها: ما أخرجه ابن حبان أيضا بالاسناد إلي أبي هريرة قال: بينا جبرئيل مع النبي صلي الله عليه وآله إذ مر بهما أبو بكر فقال جبرئيل: هذا أبو بكر الصديق قال رسول الله صلي الله عليه وآله أتعرفه يا جبرئيل؟! قال: نعم انه في السماء لأشهر منه
(٣٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، أبو هريرة العجلي (6)، يوم القيامة (1)، إبن عساكر (1)، الخطيب البغدادي (1)، محمد بن عايذ (1)، محمد بن عبد (1)

صفحه 035

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٦
في الأرض، وان الملائكة لتسميه حليم قريش وانه وزيرك في حياتك وخليفتك بعد مماتك.
ومنها: ما أخرجه الخطيب بالاسناد إلي أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله تباشرت الملائكة يوم ولد أبو بكر الصديق واطلع الله إلي جنة عدن فقال وعزتي وجلالي لا أدخلها إلا من أحب هذا المولود.
ومنها: ما أخرجه ابن عدي بالاسناد إلي أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: عرج بي إلي السماء فما مررت بسماء إلا وجدت مكتوبا فيها محمد رسول الله أبو بكر الصديق الحديث (1).
ومنها ما أخرجه أبو الفرج ابن الجوزي بالاسناد إلي أبي هريرة قال:
حدثني رسول الله صلي الله عليه وآله بان الجنة والنار تفاخرتا فقالت النار للجنة أنا أعظم منك قدرا، لان في الفراعنة والجبابرة والملوك وأبناؤهم، فأوحي الله إلي الجنة أن قولي: بل لي الفضل إذ زينني الله لأبي بكر.
ومنها ما أخرجه الخطيب بالاسناد إلي أبي هريرة قال: خرج النبي صلي الله عليه وآله متكئا علي علي بن أبي طالب فاستقبله أبو بكر وعمر فقال يا علي أتحب هذين الشيخين؟ قال: نعم، قال أحببهما تدخل الجنة!.
ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضا في تاريخ بغداد وابن شاهين في سننه من طريقين إلي أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: ان في السماء الدنيا ثمانين الف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانين الف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.
ومنها: ما أخرجه الخطيب بالاسناد إلي أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: ان لله تعالي في السماء سبعين الف ملك يلعنون من شتم أبا بكر وعمر.
(1) وأخرجه الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله المهري ص 445 من المجلد الخامس من تاريخ بغداد.
(٣٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (2)، أبو هريرة العجلي (6)، علي بن أبي طالب (1)، الفرج (1)، الصدق (2)، محمد بن عبد الله (1)

صفحه 036

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٧
وهذه الأحاديث كلها باطلة اجماعا وقولا واحدا صرح بذلك كل من أخرجها ممن ذكرناهم.
والسيوطي نظمها بأسانيدهما ومتونها في سلك الأحاديث الموضوعة من لآليه المصنوعة غير أنهم لم يجعلوا الآفة فيها من أبي هريرة نفسه وانما جعلوها ممن نقلها عنه عملا برأيهم في كل من رأي النبي صلي الله عليه وآله وروي عنه من المسلمين، وكذلك فعلوا في سائر ما صنعته يدا أبي هريرة مما ضاق به ذرعهم نحو قوله: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: هذا جبرئيل يخبرني عن الله ما أحب أبا بكر وعمر الا مؤمن تقي ولا أبغضهما إلا منافق شقي (1).
وقوله: قال رسول الله صلي الله عليه وآله خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق أمتي من نور عمر وعمر سراج أهل الجنة (2).
وقوله: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أبو بكر وعمر خير الأولين والآخرين (3).
وقوله: ان النبي صلي الله عليه وآله كان يقول: أصحابي كالنجوم من اقتدي بشئ
(1) ان هذا الحديث معدود في الأباطيل باجماع أهل العلم وقد ذكره الذهبي في ترجمة إبراهيم بن مالك الأنصاري من ميزان الاعتدال فابطله وخسرت صفقة من أراد ان يعارض الحق بالباطل.
(2) وهذا كسابقه باطل بالاجماع، وقد ذكره الذهبي في ترجمة احمد السمرقندي من الميزان. فراجعه تعلم أنه باطل مخالف لكتاب الله وخسر هنالك المبطلون الذين يريدون معارضة الحق الواضح بالباطل الفاضح.
(3) وهذا كسابقيه في البطلان. وقد ذكره الذهبي في ترجمة جيرون بن واقد الإفريقي فأرسل بطلانه ارسال المسلمات.
(٣٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، حديث أصحابي كالنجوم (1)، أبو هريرة العجلي (2)، جلال الدين السيوطي الشافعي (1)، الأحاديث الموضوعة (1)، البغض (1)، الباطل، الإبطال (3)

صفحه 037

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٨
منها أهتدي (1).
وقوله: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: انزل في الإنجيل نعتي ونعت أصحابي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كزرع أخرج شطأه الآية (2).
إلي آخر ما كان يسترسل به من هذه المختلقات، وله في صحيحي البخاري ومسلم أحاديث أفرغها علي هذا القالب. وحاكها علي هذا المنوال فراجعها في الفصل 11 من هذا الاملاء.
- 8 - * أيادي بني أمية عليه * تتمثل لك نعمهم عليه إذا أنعمت النظر في حاليه، حاله قبل دولتهم حيث كان ذليلا مهينا ينظر إلي القمل يدب علي نمرته (3) وحاله علي عهدهم حيث اخذوا بضبعيه واطلقوا عنه ربقة الخمول فكسوه الخز (4) والساج وجعلوه
(1) نقله الذهبي في ترجمة جعفر بن عبد الواحد القاضي من ميزانه ونص ثمة علي أنه من بلاياه.
(2) تجد هذا الحديث في ترجمة محمد بن موسي بن عطاء الدمياطي من ميزان الذهبي وتجد ثمة بطلانه لكن الجمهور يحيلون البلاء في أباطيل أبي هريرة علي الرواة عنه (3) هذا مأخوذ من قول أبي هريرة: فنزعت نمرة علي ظهري فبسطتها بيني وبينه صلي الله عليه وآله حتي كأني انظر إلي القمل يدب عليها الحديث أخرجه أبو نعيم في أحوال أبي هريرة ص 381 من الجزء الأول من حليته.
(4) اخرج ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته عن وهب بن كيسان وعن قتادة والمغيرة ان أبا هريرة كان يلبس الخز.
(٣٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، بنو أمية (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، أبو هريرة العجلي (5)، محمد بن موسي (1)، اللبس (1)

صفحه 038

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٩
يزر أزراره بالديباج (1) وألبسوه الكتان المشيق (2) وبنوا له القصر في العقيق (3) وطوقوه ببرهم، وناطوا نعمهم قلائد في عنقه وأذاعوا ذكره، ونوهوا باسمه، وولوه علي المدينة الطيبة مدينة النبي (4) وأنكحوه أيام ولايته عليها بسرة بنت غزوان بن جابر بن وهب المازنية أخت الأمير عتبة بن غزوان (5) وما كان ليحلم بذلك، ولا ليسنح في أمانيه، وقد كان يخدمها بطعام بطنه، ويكدح في خدمتها حافيا:
(1) هو الطيلسان الأخضر، وقيل الأسود، وقيل المقور ينسج كذلك، وفي الأساس لبسوا السيجان وهي الطيالسة المدورة الواسعة، وقد جاء في ترجمة أبي هريرة من طبقات ابن سعد عن سعيد قال: رأيت علي أبي هريرة ساجا مزرورا بديباج.
(2) اخرج البخاري في صفحة 175 من الجزء الرابع من صحيحه في أواخر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان.
(3) وفيه مات كما هو منصوص عليه في كل من إصابة ابن حجر ومعارف ابن قتيبة وطبقات ابن سعد أثناء ترجمتهم إياه.
(4) فيما أخرجه الإمام أحمد في ص 430 من الجزء الثاني من مسنده عن محمد ابن زياد وأخرجه ابن قتيبة في ترجمة أبي هريرة من معارفه عن أبي رافع. وأورده الإمام أبو جعفر الإسكافي كما في ص 359 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي طبع مصر.
(5) هو حليف بني عبد شمس الذي ولاه عمر (رض) في الفتوح فاختلط البصرة وكان أميرها، وفتح فتوحا وهو من مشاهير الصحابة والابطال مات علي عهد عمر، وإنما تزوج أبو هريرة أخته بعد موته بزمان، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني بسرة هذه في القسم الأول من الإصابة وذكر قصة أبي هريرة معها فقال: وكانت قد استأجرته في العهد النبوي ثم تزوجها بعد ذلك لما كان مروان يستخلفه في امرة المدينة علي عهد معاوية.
(٣٩)
مفاتيح البحث: المدينة المنورة (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، أبو هريرة العجلي (6)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، مدينة البصرة (1)، الموت (3)، الزوج، الزواج (1)، الوسعة (1)

صفحه 039

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٠
قال مضارب بن جزء (1): كنت أسير في الليل فإذا رجل يكبر فلحقته فإذا هو أبو هريرة، فقلت: ما هذا؟ قال: اشكر الله علي أن كنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني، فكنت إذا ركبوا سقت بهم، وإذا نزلوا خدمتهم والآن تزوجتها فأنا الآن اركب، فإذا نزلت خدمتني " قال " وكانت إذ اتيت علي نحو من مكانها قلت لها: لا أريم حتي تجعلي لي عصيدة (2).
وكان كثيرا ما يقول وهو أمير المدينة -: نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا، وكنت أجيرا لبسرة بن غزوان بطعام بطني، وعقبة رجلي قال: فكانت تكلفني ان اركب قائما، وأورد حافيا، فلما كان بعد ذلك زوجنيها الله فكلفتها ان تركب قائمة وان تورد حافية (4)!!
وصلي بالناس يوما فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما، بعد أن كان أجيرا لابنة غزوان علي شبع بطنه وحمولة رجله (5).
(1) فيما أخرجه أبو العباس السراج في تاريخه بسند صحيح ونقله العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من اصابته.
(2) أخرجه ابن خزيمة، ونقله ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من الإصابة.
(3) أخرجه ابن سعد في أوائل ترجمة أبي هريرة ص 53 من القسم الثاني من الجزء الرابع من الطبقات.
(4) أخرج ابن سعد هذا الحديث في أوائل الصفحة الآنفة الذكر.
(5) أخرجه أبو نعيم الأصفهاني في ترجمة أبي هريرة آخر ص 379 من الجزء الأول من حليته.
(٤٠)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (6)، الحافظ أبو نعيم (1)

صفحه 040

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤١
وقام مرة علي منبر رسول الله صلي الله عليه وآله وهو أمير المدينة فقال: الحمد لله الذي أطعمني الخمير، وألبسني الحرير، وزوجني بنت غزوان بعدما كنت أجيرا لها بطعام بطني، فأرحلتني فأرحلتها كما أرحلتني الحديث. (1).
* تطوره في شكر أياديهم * استعبد بنو أمية أبا هريرة ببرهم، فملكوا قيادة. واحتلوا سمعه وبصره وفؤاده، فإذا هو لسان دعايتهم في سياستهم، يتطور فيها علي ما تقتضيه أهواؤهم فتارة يفتئت الأحاديث في فضائلهم، كما سمعته في الفصل الخامس والفصل السابع (2) من هذا الاملاء.
وتارة يلفق أحاديث في فضائل الخليفتين نزولا علي رغائب معاوية وفئته الباغية. إذ كانت لهم مقاصد سياسية ضد الوصي وآل النبي لا تتسق لهم - فيما كانوا يظنون - إلا بالإشادة بتفضيل الخليفتين، فافتأت في ذلك أحاديث أوردنا بعضها في الفصل السابع من املائنا هذا.
وحسبك مما لم نورده ثمة حديثه في تأمير أبي بكر علي الحج سنة براءة - وهي سنة تسع للهجرة - وحديثه في أن عمر كان محدثا تكلمه الملائكة.
وقد اقتضت سياسة الأمويين في نكابة الهاشميين تثبيت هذين الحديثين وإذاعتهما بكل ما لمعاوية وأعوانه. ومقوية سلطانه من وسيلة أو حيلة، فبلغوا
(1) أخرجه أبو نعيم في أحوال أبي هريرة ص 384 من الجزء الأول من الحلية.
(2) الفصل الخامس يتعلق بأحواله علي عهد عثمان، والسابع يتعلق بأحواله علي عهد معاوية.
(٤١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الدولة الأموية (1)، أبو هريرة العجلي (2)، بنو أمية (1)، الحج (1)، الظنّ (1)، الوصية (1)، الحافظ أبو نعيم (1)

صفحه 041

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٢
في ذلك ما شاء حولهم وطولهم حتي أخرجتهما الصحاح، وستسمعهما في الفصل 11 حيث نوردهما ونبسط القول فيهما علي ما يوجبه العلم، وتقتضيه قواعده إن شاء الله تعالي.
وتارة يقتضب أحاديث ضد أمير المؤمنين جريا علي مقتضي تلك السياسة كقوله: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: لم تحبس الشمس أو ترد لاحد إلا ليوشع ابن نون ليالي سار إلي بيت المقدس اه (1) وقوله: قام رسول الله صلي الله عليه وآله حين أنزل الله عليه: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فقال: يا معشر قريش الحديث، بتره أبو هريرة فلم يعج علي نصه الصريح تحريفا للكلم عن مواضعه جريا علي مقتضيات السياسة الأموية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقوله: إن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: لا يقتسم ورثتي ما تركت. الحديث.
وقوله: قال رسول الله صلي الله عليه وآله لعمه أبي طالب: قل لا إله إلا الله الحديث وآخره فأنزل الله تعالي (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (2) إلي كثير من المختلقات التي أريد بها نكابة الوصي وأهل بيت النبي.
قال الإمام أبو جعفر الإسكافي (3): إن معاوية حمل قوما من الصحابة وقوما من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم علي ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا له ما أرضاه. منهم أبو هريرة وعمر بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير إلي آخر كلامه.
(1) أخرجه الخطيب في ترجمة أسود بن عامر ص 35 من المجلد السابع من تاريخ بغداد، وفي ترجمة سعيد بن عثمان الحناط ص 99 من المجلد التاسع عن أبي هريرة (2) سنفصل القول في هذه الأحاديث الثلاثة، حيث نوردها في الفصل 11 من هذا الاملاء فراجع.
(3) كما في صفحة 358 من المجلد الأول من شرح نهج البلاغة الحميدي.
(٤٢)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، الدولة الأموية (1)، أبو هريرة العجلي (2)، المغيرة بن شعبة (1)، الطعن (1)، الوصية (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1)، سعيد بن عثمان (1)

صفحه 042

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٣
وقال (1): لما تقدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلي مسجد الكوفة، فلما رأي كثرة من استقبله من الناس جثا علي ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا! وقال: يا أهل العراق أتزعمون اني اكذب علي الله ورسوله واحرق نفسي بالنار؟ والله سمعت رسول الله يقول: ان لكل نبي حرما وان المدينة حرمي فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " قال " واشهد بالله ان عليا أحدث فيها!! فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه امارة المدينة اه! (2).
وتارة يرتجل أحاديث يدافع بها عن منافقي بني أمية الذين لعنهم رسول الله صلي الله عليه وآله في كثير من مواقفه ليسجل عليهم بذلك خزيا يأمن به علي الدين من نفاقهم وعلي الأمة من عبثهم (وما ينطق عن الهوي ان هو إلا وحي يوحي).
لكن أبا هريرة تزلف إلي مروان ومعاوية وأوليائهما فأنشأ يقول:
سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: اللهم انما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعل ذلك كفارة له وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.
وقد عمل مروان وبنوه في تعداد أسانيده وتكثير طرقه أعمالا جبارة لم يألوا فيها جهدا، ولم يدخروا وسعا، حتي أخرجه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد.
(1) كما في ص 359 من المجلد المذكور من شرح النهج.
(2) وروي سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن قاسم عن عمر بن عبد الغفار ان أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس الناس إليه فجاءه شاب من الكوفة لعله الأصبغ بن نباتة فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقال: اللهم نعم قال: فأشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه ثم قام عنه وانصرف.
(٤٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، دولة العراق (2)، أبو هريرة العجلي (3)، يوم القيامة (1)، مدينة الكوفة (3)، بنو أمية (1)، الضرب (1)، الجماعة (1)، الأصبغ بن نباتة (1)، علي بن أبي طالب (1)، سفيان الثوري (1)

صفحه 043

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٤
ولمروان وبنيه في رفع مستوي أبي هريرة وتفضيله علي من سواه في الحفظ والضبط والاتقان والورع أعمال كان لها أثرها إلي يومنا هذا.
فمنها: أن مروان كان يزعم أنه أجلس كاتبه في مكان لا يراه فيه أحد، ثم دعا أبا هريرة فجعل يسأله عن أشياء وأكثر في سؤاله وأبو هريرة يحدثه في الجواب عن رسول الله وكاتب مروان - واسمه زعيزعة (1) - يكتب من حيث لا يشعر به أحد أبدا فكتب أحاديث جمة هم أمهله مروان حولا كاملا فسأله تلك المسائل كلها، فأجابه أبو هريرة تلك الأجوبة بألفاظها لم ينقص ولم يزد حتي أخرجها الحاكم في أحوال أبي هريرة من مستدركه (2).
ومنها: أن مروان لما أراد أن يجلب علي بني هاشم بخيله ورجله ليمنعهم من دفن الامام أبي محمد الحسن المجتبي - عند جده رسول الله صلي الله عليه وآله أوعز إلي أبي هريرة - من تدجيله - إن يعارضه ويغلظ له القول في ذلك علانية، تمويها علي العامة وسواد الناس بأن له منزلة الصديقين لا تأخذه في الله ورسوله سطوة ولا تمنعه عن الانتصار لهما قوة.
وحين قام أبو هريرة بهذه المعارضة، أظهر مروان الغضب منه، فكان بينهما صحب رياء، وغيظ تصنع، اشتد أبو هريرة فيهما احتجاجا علي مروان بمنزلته من رسول الله صلي الله عليه وآله (3) التي لم تكن لخاصة أصحابه وذويه وبوعيه عنه صلي الله عليه وآله وحفظه الذي فاق به السابقين الأولين كعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير
(1) وكنيته أبو زعبرة.
(2) 510 من جزئه الثالث.
(3) في حديث أخرجه ابن سعد من طريق الوليد بن رباح، ونقله ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من اصابته، وسنورده بألفاظه في فضائله من هذا الاملاء معلقين عليه مالا يسعنا اغفاله.
(٤٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (9)، بنو هاشم (1)، الغضب (1)، الدفن (1)

صفحه 044

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٥
وأمثالهم. واسترسل في خصائصه التي توجب له أسمي منازل المقربين، فانتهت الخصومة بينهما ببخوع مروان لمنزلة أبي هريرة في الاسلام، ومكانته في العلم بالسنن، يرائي الناس ببخوعه لفضل أبي هريرة ترويجا لسلعته التي كان مروان ومعاوية وبنوهما يحاربون بها الحسن والحسين وأباهما وبنيهما. وكانت من أنجح الدعايات في تلك السياسات (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).
- 10 - * كمية حديثه * أجمع أهل الحديث - كما في ترجمته من (الإصابة) (1) وغيرها - علي أنه أكثر الصحابة حديثا، وقد ضبط الجهابذة من الحفظة الاثبات حديثه، فكان خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين مسندا. وله في البخاري فقط أربعمائة وستة وأربعين حديثا (2).
وقد نظرنا في مجموع ما روي من الحديث عن الخلفاء الأربعة فوجدناه
(1) راجع السطر الأخير ص 240 من الجزء الرابع من الإصابة المطبوع في هامشها كتاب الاستيعاب.
(2) راجع من إرشاد الساري شرح أول حديث لأبي هريرة أخرجه البخاري في صحيحه وهو في باب أمور الايمان من كتاب الايمان ص 212 من الجزء الأول من الارشاد للشارح القسطلاني تجد النص ثمة علي أن أبا هريرة روي عن النبي صلي الله عليه وآله 5374 حديثا وان له في صحيح البخاري فقط أربعمائة وستة وأربعين حديثا وضبط ابن حزم أيضا مجموع ما حدث به أبو هريرة فكان كما سمعت 5374 مسندا فراجع ص 138 من الجزء الرابع من فصل ابن حزم أثناء كلامه في وجوه المفاضلة.
(٤٥)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (5)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 045

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٦
بالنسبة إلي حديث أبي هريرة وحدة أقل من السبعة والعشرين في المائة، لان جميع ما روي عن أبي بكر انما هو مائة واثنان وأربعون حديثا (1) وكل ما أسند إلي عمر انما هو خمسمائة وسبعة وثلاثين حديثا (2) وكل ما لعثمان مائة وستة وأربعين حديثا (3) وكلما رووه عن علي خمسمائة وستة وثمانين مسندا (4) فهذه الف وأربعمائة واحد عشر حديثا، فإذا نسبتها إلي حديث أبي هريرة وحده - وقد عرفت انه 5374 - تجد الامر كما قلناه.
فلينظر ناظر بعقله في أبي هريرة، وتأخره في اسلامه، وخموله في حسبه وأميته، وما إلي ذلك مما يوجب اقلاله. ثم لينظر إلي الخلفاء الأربعة وسبقهم واختصاصهم، وحضورهم تشريع الاحكام، وحسن بلائهم في اثنين وخمسين سنة، ثلاث وعشرين كانت بخدمة رسول الله صلي الله عليه وآله وتسعة وعشرين من بعده ساسوا فيها الأمة وسادوا الأمم، وفتح الله لهم ملك كسري وقيصر، فمدنوا المدن، ومصروا الأمصار، ونشروا دعوة الاسلام وصدعوا بأحكامه،
(1) ضبطها الجهابذة، فكانت بهذا العدد، وممن صرح بعدتها جلال الدين السيوطي في أحوال أبي بكر من كتابه (تاريخ الخلفاء) وقد أوردها ثمة بأجمعها في فصل أفرده لها. وضبطها أيضا العلامة النووي في التهذيب وابن حزم الظاهري في ص 137 من الجزء الرابع من الفصل في الملل والنحل فنص علي انها بهذا العدد، والذهبي صرح (في ترجمة إبراهيم بن سعيد الجوهري من ميزان الاعتدال): بأنه لا يصح لأبي بكر عشرون حديثا.
(2) قال السيوطي في أوائل ترجمة عمر من تاريخ الخلفاء: وروي له عن رسول الله صلي الله عليه وآله خمسمائة حديث وتسعة وثلاثين حديثا، وضبطها ابن حزم بهذا العدد في ص 138 من الجزء الرابع من فصله وقال: إنما يصح منها نحو خمسين (3) نص علي ذلك جلال الدين السيوطي في أوائل أحوال عثمان من تاريخ الخلفاء (4) كما نص عليه السيوطي في أوائل ترجمة علي من تاريخ الخلفاء وصرح به ابن حزم في 137 من الجزء الرابع من فصله.
(٤٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، يوم عرفة (1)، جلال الدين السيوطي الشافعي (4)، جلال الدين (1)

صفحه 046

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٧
وأذاعوا السنن، ينحدر عنهم السيل، ولا ير في إليهم الطير، فكيف يمكن والحال هذه أن يكون المأثور عن أبي هريرة وحده أضعاف المأثور عنهم جميعا أفتونا يا اولي الألباب؟!.
وليس أبو هريرة كعائشة وان أكثرت أيضا، فقد تزوجها رسول الله صلي الله عليه وآله قبل إسلام أبي هريرة بعشر سنين (1) فكانت في مهبط الوحي والتنزيل ومختلف جبرائيل وميكائيل أربعة عشر عاما، وماتت قبل موت أبي هريرة بيسير (2).
وشتان بين الصحبتين وبين الفطنتين، اما امر الصحبتين فمعلوم، واما الفطنتان فقد كان فهم عائشة يماري سمعها. وقلبها يسبق شعرا، وعن عروة ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة. وعن مسروق رأيت مشيخة من أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض.
علي انها اضطرت إلي نشر حديثها إذ بثت دعاتها في الأمصار، وقادت إلي البصرة ذلك العسكر الجرار. ومع هذا فان جميع ما روي عنها انما هو عشرة
(1) اخرج ابن عبد البر في أحوال عائشة من الاستيعاب عن ابن شهاب ان رسول الله صلي الله عليه وآله تزوج عائشة في شوال سنة عشر من النبوة قبل الهجرة بثلاث سنين وعرس بها في المدينة في شوال علي رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجرته إلي المدينة اه فيكون زواجها قبل إسلام أبي هريرة بعشر سنين، إذ لا ريب في أن اسلامه انما كان سنة سبع.
(2) توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة سبع وخمسين أو ثمان وخمسين قبيل وفاة أبي هريرة بيسير، وهو الذي صلي عليها بأمر الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان واليا علي المدينة من قبل عمه معاوية أرادا كرام أبي هريرة فامر بالصلاة عليها ودفنت بالبقيع.
(٤٧)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (7)، مدينة البصرة (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مقبرة بقيع الغرقد (1)، شهر رمضان المبارك (1)، شهر شوال المكرم (2)، الزوج، الزواج (2)، الكرم، الكرامة (1)، الوفاة (1)

صفحه 047

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٨
مسانيد ومائتا مسند (1) فحديثها كله أقل من نصف حديث أبي هريرة ولو ضممت حديثها وحديث أم سلمة مع بقائها إلي ما بعد وقعة الطف، وجمعت ذلك كله إلي حديث البقية من أمهات المؤمنين، وحديث سيدي شباب أهل الجنة وسيدة نساء العالمين وحديث الأربعة من خلفاء المسلمين ما كان كله إلا دون حديث أبي هريرة وحده! وهذا أمر مهول ألفت إليه أرباب العقول.
* * * علي أنه كان مع ذلك يزعم أن النبي صلي الله عليه وآله أفضي إليه بأحاديث لن يميط حجابها لاحد ولا ينالها منه متسقط (2) فهي دخلة ضميره ودفينة صدره وأبو هريرة حصين الصدر: بعيد غور الضمير! كما تعلمون: ولذا قال: حفظت عن رسول الله صلي الله عليه وآله وعاءين فأما أحدهما فبثثته، واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم (3).
وقال: لو أنبأتكم بكل ما أعلم لرماني الناس بالخزف، وقالوا: أبو هريرة مجنون.
وقال: لو حدثتكم بكل ما في جوفي لرميتموني بالبعر.
وقال: يقولون أكثرت يا أبا هريرة والذي نفسي بيده لو حدثتكم بكل
(١) فيما ضبطه ابن حزم الظاهري في ص ١٣٨ من الجزء الرابع من فصله وغير واحد من الحفظة وأهل الضبط، واما قول القائل:
حفظت أربعين الف حديث * ومن الذكر آية تنساها فليس علي حقيقته وانما هو كناية عن كثرة حفظها.
(٢) يقال، تسقطه عن سره، أي أحتال له حتي أباح به.
(٣) أخرجه البخاري في باب حفظ العلم من كتاب العلم ص ٢٤ من الجزء الأول من صحيحه.
(٤٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، يوم عاشوراء (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (3)

صفحه 048

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٤٩
شئ سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله لرميتموني بالقشع - يعني المزابل - ثم ما ناظرتموني (1).
وقال: حفظت من رسول الله صلي الله عليه وآله أحاديث ما حدثتكم بها ولو حدثتكم بحديث منها لرجمتموني بالأحجار (2).
قال: حفظت من رسول الله خمسة جرب فأخرجت منها جرابين ولو أخرجت الثالث لرجمتموني بالحجارة (3).
قلت: إن أبا هريرة لم يكن من رسول الله صلي الله عليه وآله ولي عهده، ولا خليفته من بعده، ليؤثره بأسراره، ويفضي إليه من العلوم ما لم يفض بها إلي أحد من خاصته.
وما الفائدة بافضاء تلك الاسرار إليه؟! وهو رجل ضعيف ذو مهانة تمنعه عن أن ينبس في شئ منها ببنت شفة. فإذا نبس رجم بالحجارة ورمي بالبعر وبالمزابل. وإذا حدث بشئ من تلك العلوم قطعوا منه البلعوم.
وهلا أفضي بها إلي الخلفاء من بعده، الغزاة الفاتحين الذين عنت لهم وجوه الأمم، وخضعت لأقوالهم رقاب العرب والعجم، وساقوا الناس إلي ما أرادوا بعصا واحدة، فإنهم أولي بما يدعيه أبو هريرة، إذ لو كانت عندهم تلك الاسرار لانتشرت انتشار الشمس في الأقطار، وحاشا رسول الله صلي الله عليه وآله أن يفعل عبثا
(1) هذه الأحاديث الثلاثة ذوات الخزف والبعر والقشع أخرجها بالاسناد إليه ابن سعد في ترجمته ص 57 من القسم الثاني من الجزء الرابع من الطبقات.
(2) أخرجه الحاكم في ترجمة أبي هريرة من المستدرك، فراجع ص 509 من جزئه الثالث وقد صححه، وكذلك فعل الذهبي في تلخيصه وما أعز نفس أبي هريرة عليه إذ يقول: لرجمتموني بالأحجار بالخزف بالبعر بالمزابل. وكذلك حين يحدث عن نفسه فيقول: يجئ الجائي فيضع رجله علي عنقي. وحين يحدث عن بطنه وقمله وسائر شؤونه.
(3) أخرجه أبو نعيم في أحوال أبي هريرة ص 381 من حليته.
(٤٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو هريرة العجلي (5)، الحافظ أبو نعيم (1)، العزّة (1)

صفحه 049

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٠
فيودعها حيث تضيع سدي لا ينتفع بها أحدا أبدا، ومن هو أبو هريرة؟!.
ليختص بهذه الحياة دون السابقين الأولين (والسابقون السابقون أولئك المقربون).
علي أن أبا هريرة كان كثيرا ما يقول: إن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب (1) فكيف يجتمع هذا القول منه مع قوله: حفظت عن رسول الله صلي الله عليه وآله وعاءين:
فاما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم. إلي آخر أقواله في هذا المعني الصريحة بأنه كان يكتم!؟.
ولنسأل أولي البحث عن الاسرار الإلهية التي أفضاها صلي الله عليه وآله إلي أبي هريرة فكان يكتمها خوفا علي حياته، أو اشفاقا علي كرامته، فهل كانت من سنخ الاسرار التي عهد بها رسول الله صلي الله عليه وآله إلي وليه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أمورا تتعلق بالخلافة وتختص بالخلفاء من بعده؟! أم كانت من سنخ أخر؟. فان كانت من السنخ الأول فلماذا كان منصرفا عنها كل الانصراف مخالفا لمقتضياتها كل الخلاف؟ وكان رأيه فيما هنالك رأي الجمهور، مسترسلا معهم في كل الأمور. وإن كانت النسخ الثاني فلا خوف عليه وان حدث بالطامات أو جاء بالمخزيات!.
ألم يحدث بنوم النبي عن صلاة الصبح؟ وعروض الشيطان له صلي الله عليه وآله وهو في الصلاة ليقطعها عليه؟!.
ألم يرو انه سهي فصلي الرباعية ثنائية! فقيل له: أنسيت أم قصرت الصلاة فقال: لم انس ولم نقصر؟.
ألم يخبر أنه كان صلي الله عليه وآله يؤذي ويسب ويلعن ويجلد علي الغضب من لا يستحق ذلك؟.
(1) أخرجه ابن سعد في ص 119 من القسم الثاني من الجزء الثاني من طبقاته عند ذكر أبي هريرة في باب أهل العلم والفتوي من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله.
(٥٠)
مفاتيح البحث: السهو في الصلاة (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (5)، الخوف (1)، الغضب (1)، الصّلاة (2)، صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)

صفحه 050

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥١
ألم يصم الأنبياء بما لا يجوزه عليهم شرع ولا عقل؟ حتي روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله انه قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم، وروي عن لوط ما يستلزم ضعف ثقته بالله تعالي.
ألم يتسور علي آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسي، وعيسي بما يجب تنزيههم عنه؟.
ألم ينسب إلي كليم الله ونجيبه موسي عليه السلام: انه لطم ملك الموت ففقأ عينه وانه اشتد يركض مرة وهو عريان فمر علي بني إسرائيل فنظروا إلي سوأته؟
ألم يحدث عن الله عز وجل بما لا يجوز عليه شرعا ولا عقلا؟ كقوله؟
لا تمتلئ جهنم حتي يضع الله رجله فيها؟ وكقوله في حديث أهل المحشر: فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك ثم يأتيهم في الصورة التي يعرفون! فيقولون: أنت ربنا؟ وكقوله: خلق آدم علي صورة الرحمن! وقوله: خلق الله آدم علي صورته طوله ستون ذراعا في سبعة أذرع عرضا؟
إلي كثير مما ستسمعه في الفصل الآتي من هذه الفظائع التي تقطع البلعوم فما باله يحدث بها مطمئنا كل الاطمئنان؟. بل ممتنا بها علي الأمة كل الامتنان وقد حدث بالخرافات، فلم يرجم يحجر، ولم يرم بقشع ولا بعر كما يعلمه من ألم بأحواله، ولكن منينا بقوم لا ينصفون، فانا لله وانا إليه راجعون.
* * * ومما نلفت إليه أولي النظر من كل بحاثة: ان أبا هريرة كان يقول (1):
(١) فيما حدث به وهب بن منبه عن أخيه همام عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري في باب كتابة العلم من كتاب العلم ص ٢٢ من الجزء الأول من صحيحه.
(٥١)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الموت (1)، الجواز (1)، وهب بن منبه (1)

صفحه 051

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٢
ما من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله أحدا أكثر حديثا عنه مني الا ما كان من عبد الله بن عمرو (بن العاص) فإنه كان يكتب ولا اكتب اه. يعترف أن عبد الله هذا كان أكثر منه حديثا عن رسول الله صلي الله عليه وآله كما تري، وقد بحثنا عن حديث عبد الله بن عمرو فوجدناه سبعمائة مسند لا يزيد علي هذا العدد شيئا (1).
فهو دون السبع من حديث أبي هريرة كما لا يخفي.
وقد أرتج علي العلماء الاعلام باب الاعتذار عن أبي هريرة في هذا التهافت، لكن ابن حجر القسطلاني والشيخ زكريا الأنصاري قد اعتذرا عند انتهائهما إلي هذا الحديث في شرحيهما (2) بأن عبد الله بن عمرو بن العاص سكن مصر، وكان الواردون إليها قليلا فقلت روايته، بخلاف أبي هريرة، فإنه استوطن المدينة وهي مقصد المسلمين من كل جهة، فكثرت روايته.
وأنت تعلم أن كلام أبي هريرة بظاهره، بل بصريحه يحبط هذا الاعتذار الا تراه يقول: ما من أصحاب النبي أحد أكثر حديثا عنه مني الا ما كان من عبد الله بن عمرو، فان معناه - كما في ارشاد الساري وفي تحفة الباري كليهما - ما أحد من أصحاب النبي حديثه أكثر من حديثي الا أحاديث حصلت من عبد الله فإنها أكثر من حديثي. وإذا كان الرجل يعترف بأن الأحاديث التي حصلت من عبد الله أكثر من حديثه فأي وجه لما اعتذر به الشارحان؟.
علي أن مقام عبد الله في مصر كان ادعي لكثرة روايته إذ كان له ثمة
(1) وقد ضبطه القسطلاني في شرح هذا الحديث من كتابه - ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ص 373 من جزئه الأول - فكان بهذا العدد.
(2) وهما ارشاد الساري القسطلاني وتحفة الباري لزكريا الأنصاري وقد طبعا معا في اثني عشر جزءا. ووضع بالهامش متن صحيح مسلم وشرحه النووي والعذر المذكور تجده في ص 373 من الجزء الأول.
(٥٢)
مفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، عبد الله بن عمرو بن العاص (1)، عبد الله بن عمرو (2)، عمرو بن العاص (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)

صفحه 052

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٣
المكانة العالية والمنزلة السامية. حيث لم يكن هناك سواه ممن تعرفهم الناس من الصحابة إلا نزر يسير، أو عابر سبيل، لذلك تبوأ مقام المرجع الوحيد في شرائع الاسلام وعلوم الكتاب والسنة. وشتان بين مقامه في مصر، ومقام أبي هريرة في المدينة، إذ كان لعبد الله في نفوس أهل مصر منزلة العالم المرشد الصدوق وعز ابن الحاكم الفاتح عنوة، أما أبو هريرة في المدينة، فقد كان كواحد من ألوف الصحابة وأبو هريرة لم يكن منهم، علي أنه كان متهما عندهم وكثيرا ما كانوا ينقمون عليه اكثاره علي رسول الله صلي الله عليه وآله فيقولون: ان أبا هريرة يكثر الحديث، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه (1) فمقامه في المدينة والحال هذه كان أدعي لقلة روايته. فمن الغريب أن يكون حديثه أكثر من حديث عبد الله، وخصوصا بعد اعترافه له. وبعد العلم بأن عبد الله عمر بعد أبي هريرة زمنا ليس بالقصير (2).
والحق ان أبا هريرة إنما اعترف لعبد الله في أوائل امره بعد رسول الله صلي الله عليه وآله حين لم يكن مفرطا هذا الافراط الفاحش، فإنه انما تفاقم افراطه، وطغي فيه علي عهد معاوية، حيث لا أبو بكر ولا عمر ولا علي. ولا غيرهم من شيوخ الصحابة الذين كان يخشاهم أبو هريرة كما أشرنا إليه وسنوضحه في محله من هذا الاملاء إن شاء الله تعالي.
(1) كان أبو هريرة يتذمر منهم ويشكوهم إلي الله فيما أخرجه البخاري عنه في آخر المزارعة من الجزء الثاني من صحيحه.
(2) لان أبا هريرة توفي - كما في آخر ترجمة من الإصابة - سنة سبع وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين. وقيل سنة تسع وخمسين، أما عبد الله به عمرو بن العاص فقد مات - كما في ترجمة من الإصابة - سنة خمسين وستين، وقيل سنة ثمان وستين وقيل سنة تسع وستين، وقيل - كما في ترجمة من كتاب القيسراني في رجال الصحيحين - مات سنة اثنين وتسعين، والله تعالي أعلم.
(٥٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، المهاجرون والأنصار (1)، أبو هريرة العجلي (9)، الشيخ الصدوق (1)، عمرو بن العاص (1)، الموت (2)

صفحه 053

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٤
* كيفية حديثه * الأذواق الفنية لا تسيغ كثيرا من أساليب أبي هريرة في حديثه والمقاييس العلمية عقلية ونقلية لا تقرها. وحسبك عنوانا لهذه الحقيقة أربعون حديثا صحت عنه. أتلوها الآن عليك لتمعن فيها وفيما علقناه عليها متحررا متجردا، ولك بعد ذلك رأيك: - * 1 - خلق الله آدم علي صورته * أخرج الشيخان البخاري ومسلم (1) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: خلق الله آدم علي صورته طوله ستون ذراعا، وزاد أحمد (2) من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا: في سبعة أذرع عرضا، قال: فلما خلقه قال اذهب فسلم علي أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك. قال: فذهب فقال: السلام عليكم. فقالوا السلام عليك ورحمة الله، قال: فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة علي صورة آدم وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتي الآن اه.
(1) راجع من البخاري الحديث الأول من كتاب الاستئذان في ص 57 من جزئه الرابع. ومن صحيح مسلم باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير من كتاب الجنة وصفة نعيمها ص 481 من جزئه الثاني. وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة في 315 من الجزء الثاني من مسنده من حديث طويل يشتمل علي أمور كثيرة.
(2) كما في آخر ص 90 من الجزء السابع من ارشاد الساري في باب خلق آدم وذريته من كتاب بدء الخلق.
(٥٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، الأكل (1)، كتاب صحيح مسلم (1)

صفحه 054

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٥
وهذا مما لا يجوز علي رسول الله صلي الله عليه وآله ولا علي غيره من الأنبياء ولا علي أوصيائهم عليهم السلام. ولعل أبا هريرة انما اخذه عن اليهود (1) بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره، فان مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الأصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود - العهد القديم - واليك نصها بعين لفظة قال: فخلق الله الانسان علي صورته، علي صورة الله خلقه ذكرا وأنثي خلقهم اه.
تقدس الله عن الصورة والكيفية والشبيه. وتعالي الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وربما تأولوا الحديث فارجعوا ضمير صورته إلي آدم نفسه لا إلي الله تبارك وتعالي فيكون المعني ان الله عز وعلا خلقه في الجنة علي صورته التي كان عليها بعد هبوطه منها إذ أنشأه تاما مستويا طوله ستون ذراعا وعرضه سبعة أذرع لم يتغير من حال إلي حال. ولم يتطور أطوارا مختلفة كذريته فلم يكن نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما كسيت لحما ثم جنينا ثم رضيعا ثم فطيما ثم مراهقا ثم رجلا حتي تم طوله وعرضه. بل خلقه دفعة واحدة علي صورته التي رآه عليها بنوه في الأرض.
هذا غاية ما يمكن أن يقوله أهل التنزيه في تأويل هذا الحديث لولا وروده عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: خلق آدم علي صورة الرحمن (2) ومجيؤه من
(1) وكان في كثير من حديثه عيالا علي اليهود، الا تراه يرسل قوله: ان سيحان وجيحان والفرات ونيل مصر كلها من الجنة، أخرج هذا عنه الخطيب في ترجمة محمد بن الحسين المطبخي في ص 235 من المجلد الثاني من تاريخ بغداد وهذا مأخوذ عن العهد القديم.
(2) هذا الحديث بهذا اللفظ مستفيض عن أبي هريرة وقد جعله القسطلاني قرينة علي أن الهاء من (صورته) في قول أبي هريرة: خلق الله آدم علي صورته انما هي لله تعالي لا لآدم فراجع ص 491 من الجزء العاشر من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري.
(٥٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، كعب الأحبار (1)، الجواز (1)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، نهر الفرات (1)، محمد بن الحسين (1)

صفحه 055

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٦
طريق الجمهور بسند آخر مرفوعا أيضا بلفظ: ان موسي " ع " ضرب الحجر لبني إسرائيل فتفجر وقال: اشربوا يا حمير فأوحي الله تعالي إليه عمدت إلي خلق خلقتهم علي صورتي فشبهتهم بالحمير الحديث. (1) وهذا ما أخرج الجمهور ولم يبق لمدافعتهم عن أبي هريرة بالتأويل الذي قلناه محلا، ولذا أسلموا بإعادة الضمير في صورته إلي الله تعالي متأولين تأولا آخر.
وحاصله ان المراد من قوله: خلق الله آدم علي صورته، وقوله: خلق آدم علي صورة الرحمن، وقوله في الحديث الأخير: خلقتهم علي صورتي: أنه تعالي خلق آدم وبنيه علي صفة الله. فان الله عز وجل حي سميع بصير متكلم عالم مريد كاره وكذلك آدم وبنوه.
وأنت تعلم أنهم وقعوا فيما فروا منه لان صفة الله عز وجل تنزهت عن التشبيه باجماع أهل التنزيه ولا سيما علي قولنا بأن صفاته عين ذاته، وهو الحق يحكم العقل والنقل كما هو مقرر في محله من أصولنا.
علي أن أبا هريرة قد تطور في هذا الحديث كما هي عادته فتارة رواه كما سمعت، وتارة رواه بلفظ: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فان الله خلق آدم علي صورته (2)، ومرة رواه بلفظ: إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فان الله خلق آدم علي صورته اه (3).
(١) أورده ابن قتيبة في ص ٢٨٠ من كتابه تأويل مختلف الحديث وجعله دليلا علي أن ضمير صورته في قوله: خلق الله آدم علي صورته راجع إلي الله لا إلي آدم.
(٢) أخرجه بهذه الألفاظ عن أبي هريرة بطرق إليه كثيرة غير واحد من حفظة الآثار، فراجع ص ٣٩٧ من الجزء الثاني من صحيح مسلم في باب النهي عن ضرب الوجه تجده بعين لفظه.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب المفرد ورواه احمد بالطرق الصحيحة عن أبي هريرة ص 434 من الجزء الثاني من مسنده.
(٥٦)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، أبو هريرة العجلي (3)، الضرب (2)، القتل (1)، كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، النهي (1)

صفحه 056

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٧
ولا يخفي انه قطع بهذا علي أوليائه خط الرجعة إلي كل من التأويلين فإنك تعلم أنه لا يصح ارجاع الضمير في صورته إلي آدم في كل من الروايتين بل لا بد من ارجاعه إلي الله عز وجل ليستقم الكلام، ويصح تعليل النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه (1) وتعلم أيضا ان خلق آدم حيا سميعا بصيرا متكلما عالما مريدا كارها لا يوجب اختصاص الوجه بالصون دون باقي الجوارح، فحمل تينك الروايتين علي واحد من ذينك التأويلين مما لا وجه له بل لا يكون للروايتين معني إلا إذا أريد بهما صون وجه الانسان، لكونه يشبه وجه الله. تعالي الله وتقدست ذاته وصفاته وأسماؤه.
ولذلك تحير المحققون من أهل التنزيه من الجمهور، وتوقفوا في معاني هذه الأحاديث كلها. وأحالوا العلم بالمراد منها إلي الله تعالي الذي أحاط بكل شئ علما، كما صرح به شارحوا الصحيحين عند انتهائهم إلي هذا الحديث من شروحهم فراجع (2).
* تنبيهان * (أحدهما): انه إذا كان طول آدم ستين ذراعا يجب مع تناسب أعضائه
(1) ليت أبا هريرة علل النهي عن ضرب الوجه بلطفه وجماله وجمعه للأعضاء النفيسة من السمع والبصر والأنف والفم والشفتين والأسنان والحاجبين والجبهة وغيرها فان أكثر الادراك انما يكون بها فقد يعطلها الضرب أو ينقصها وقد يشوه الوجه وتشويه الوجه فاحش لكونه بارزا لا يمكن ستره لكن أبا هريرة انما يؤثر التحريف من حيث يدري أولياؤه أو لا يدرون فانا لله وانا إليه راجعون.
(2) قال الامام النووي: وان من العلماء من يمسك عن تأويل هذه الأحاديث كلها ويقول: نؤمن بأنها حق وان ظاهرها غير مراد ولها معان تليق بها قال: وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم إلي آخر كلامه. فراجعه في شرح صحيح مسلم وهو مطبوع في هامش شرحي البخاري وما نقلناه عنه هنا موجود في ص 18 من الجزء 12 من الشرح في باب النهي عن ضرب الوجه، ونقل القسطلاني نحوه في ص 491 من الجزء العاشر من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري. ثم قال:
وهذا أسلم قلت: هذا بناء منهم علي صحة هذه الأحاديث وهيهات ذلك - وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون -.
(٥٧)
مفاتيح البحث: النهي (3)، أبو هريرة العجلي (2)، كتاب صحيح البخاري (1)، الضرب (2)، الإحتياط (1)

صفحه 057

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٨
أن يكون عرضه سبعة عشر ذراعا وسبع الذراع، وإذا كان عرضه سبعة أذرع يجب ان يكون طوله أربعة وعشرين ذراعا ونصف الذراع لان عرض الانسان مع استواء خلقه بقدر سبعي طوله فما بال أبي هريرة يقول طوله ستون ذراعا في سبعة أذرع عرضا؟ فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوها في تركيبه؟
كلا! بل قال الله تعالي وهو أصدق القائلين (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) (ثانيهما): ان تحية السلام انما شرعت في دين الاسلام، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله (1): ما حسدكم اليهود علي شئ كما حسدوكم علي السلام، فلولا اختصاصه بهذه الأمة ما اختصوهم بالحسد عليه فما بال أبي هريرة يقول في هذا الحديث: فلما خلق الله آدم قال اذهب فسلم علي أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك؟. وما أري أولي النظر في هذا الخبر!؟
وماذا يقولون في قول أبي هريرة: فلم يزل الخلق ينقص بعده حتي الآن؟!.
* 2 - رؤية الله يوم القيامة بالعين الباصرة في صورة مختلفة * أخرج الشيخان (2) بالاسناد إلي أبي هريرة قال: قال أناس: يا رسول الله
(1) فيما أخرجه ابن ماجة في صحيحه وصححه ابن خزيمة بالاسناد إلي عائشة مرفوعا ونقله القسطلاني في صفحة 492 من الجزء العاشر من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري أثناء شرح حديث أبي هريرة هذا.
(2) أما البخاري فأخرجه في آخر ص 92 من الجزء الرابع من صحيحه في باب الصراط جسر جهنم من كتاب الرقاق، وأخرجه أيضا في ص 100 من الجزء الأول من صحيحه في باب فضل السجود من كتاب الاذان - وأما مسلم فأخرجه - في ص 86 من الجزء الأول من صحيحه في باب اثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة وأخرجه أحمد في ص 275 من الجزء الثاني من مسنده.
(٥٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (5)، يوم القيامة (1)، البول (2)، كتاب صحيح البخاري (1)، إبن ماجة (1)، السجود (1)

صفحه 058

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٩
هل نري ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟
قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا: لا يا رسول الله، قال، فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك. يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت. وتبقي هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون! فيقول انا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك! هذا مكاننا حتي يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون! فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا فيتبعونه! ويضرب جسر جهنم (قال): قال رسول الله صلي الله عليه وآله: فأكون أول من يجيز (1) ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان أما رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلي قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنها لا يعلم قدر عظمتها إلا الله فتخطف الناس باعمالهم منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو حتي إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة إن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله علي النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود فيخرجونهم قد امتحشوا فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحية في حميل السيل، ويبقي رجل مقبل بوجهه علي النار، فيقول: يا ربي قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فاصرف وجهي عن النار فلا يزال يدعو الله، فيقول: لعلك إن أعطيتك ان تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا ربي قربني الجنة، فيقول: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا بن آدم ما أغدرك، فلا
(١) يجيز لغة في يجوز يقال: جاز وأجاز بمعني واحد، كذا قال في النهاية الأثيرية.
(٥٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم القيامة (2)، السجود (1)، الشهادة (1)، الجواز (1)

صفحه 059

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٠
يزال يدعوا فيقول: لعلي ان أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله من عهود ومواثيق ان لا يسأله غيره فيقربه إلي باب الجنة فإذا رأي ما فيها سكت ما شاء الله ان يسكت ثم يقول: ربي أدخلني الجنة فيقول له: أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا بن آدم ما أغدرك فيقول: يا ربي لا تجعلني أشقي خلقك فلا يزال يدعو حتي يضحك (الله)!؟
فإذا ضحك منه اذن له بالدخول فيها فإذا دخل قيل تمن من كذا فيتمني. ثم يقال له: تمن من كذا فيتمني حتي تنقطع به الأماني فيقول له هذا لك ومثله معه. الحديث.
وقد أخرجه مسلم بسند آخر (1) ومما جاء فيه عنده: ان الله عز وجل يأتي يوم القيامة هذه الأمة وفيها البر والفاجر وهو في أدني صورة من التي رأوه فيها فيقول لهم: انا ربكم، فيقولون نعوذ بالله منك! فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم فيكشف عن ساق! فلا يبقي من كان يسجد لله من تلقاه نفسه الا إذن الله له بالسجود ولا يبقي من يسجد اتقاء ورئاء الا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد ان يسجد خر علي قفاء ثم يرفعون رؤوسهم فيرون الله وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال: انا ربكم! فيقولون: أنت ربنا ثم يضرب الجسر علي جهنم الحديث، وهو وقد اختصره البخاري في تفسير سورة نون من صحيحه (2) ولفظه ثمة: سمعت النبي صلي الله عليه وآله يقول: يكشف ربنا عن ساقه! فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقي من يسجد في الدنيا رئاء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا اه.
وهذا حديث مهول ألفت إليه أرباب العقول فهل يجوز عندهم ان تكون
(١) في ص ٨٨ والتي بعدها من الجزء الأول من صحيحه في باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة من أواخر كتاب الايمان.
(٢) ص ١٣٨ من جزئه الثاني.
(٦٠)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، السجود (4)، الضرب (1)، السكوت (1)، الجواز (1)

صفحه 060

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦١
لله صور مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر؟ وهل يرون ان لله ساقا تكون آية له وعلامة عليه؟ وبأي شئ كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء؟ وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولا وثانيا وهل يجوز عليه الضحك؟ وأي وزن لهذا الكلام؟ وهل يشبه كلام رسول الله صلي الله عليه وآله؟ لا والذي بعثه بالحق (رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين).
* كلمة في الرؤية * أما رؤية الله عز وجل بالعين الباصرة فقد أجمع الجمهور علي امكانها في الدنيا الآخرة، وأجمعوا أيضا علي وقوعها في الآخرة، وان المؤمنين والمؤمنات سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، وان الكافرين والكافرات لا يرونه أبدا، وأكثر هؤلاء علي أن الرؤية لا تقع في الدنيا، وربما قال بعضهم بوقوعها أيضا، ثم إن المجسمة ماثلا أمامهم فينظرون إليه كما ينظر بعضهم إلي بعض لا يمارون فيه كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب علي ما يقتضيه حديث أبي هريرة وقد خالف هؤلاء حكم العقل والنقل، وخرقوا اجماع الأمة بأسرها، وخرجوا عليها. ومرقوا من الدين، وخالفوا ما علم منه بحكم الضرورة الاسلامية. فلا كلام لنا معهم.
وأما غيرهم من الجمهور وهم المنزهون من الأشعرية فقد قالوا بأن الرؤية قوة سيجعلها الله تعالي يوم القيامة بأبصار المؤمنين والمؤمنات خاصة لا تكون باتصال الأشعة، ولا بمقابلة المرئي ولا بتحيزه ولا بتكيفه، ولا، ولا فهي علي غير الرؤية المعهودة للناس، بل هي رؤية خاصة تقع من أبصار المؤمنين والمؤمنات علي الله عز وجل لا كيف فيها ولا جهة من الجهات الست.
(٦١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، يوم القيامة (2)، الضلال (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الضحك (1)، الجواز (1)

صفحه 061

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٢
وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصور متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر آخر لا تكون فيه خواص الابصار المعهودة في الحياة الدنيا علي وجه تكون فيه الرؤية البصيرة كالرؤية القلبية وهذا خروج عن محل النزاع في ظاهر الحال، ولعل النزاع بيننا وبينهم في الواقع ونفس الامر لفظي.
* 3 - لا تمتلئ النار حتي يضع الله تعالي رجله فيها * أخرج الشيخان من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال النبي صلي الله عليه وآله: تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أو ثرت بالمتكبرين والمتجبرين!. وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطتهم قال الله تبارك وتعالي للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي. ولكل واحدة منهما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتي يضع رجله فتقول قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلي بعض الحديث (1).
إن أبا هريرة كلما أزداد مثالة زاده الله رعالة (2) رأي أن جهنم أوسع من أن تمتلئ بالعصاة وان الله عز وجل أخبر بامتلائها إذ قال (فالحق والحق أقول لأملأن جهنم) فوقف أبو هريرة أمام هذين الامرين قفة الحائر يفكر في الجمع بينهما حتي انتهي به الفكر إلي حل المشكلة بادخال رجل الله في جهنم لان رجل الله تعالي - علي رأي أبي هريرة - لا بد أن تكون أفخم وأعظم من جهنم
(1) أخرجه البخاري في تفسير سورة ق ص 127 من الجزء الثالث من صحيحه وأخرجه مسلم في ص 482 من الجزء الثاني من صحيحه في باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء أخرجه من خمسة طرق عن أبي هريرة، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة آخر ص 314 من الجزء الثاني من مسنده.
(2) مثل يضرب لمن كان كلما أزداد رزقا زاده الله حمقا.
(٦٢)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (6)، سورة ق (1)، الضرب (1)

صفحه 062

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٣
مهما كانت جهنم متسعة الا كناف، ومهما كانت متباعدة الأطراف، وأبو هريرة كيس ثقف لقف، فلا غرو ان جمع بين المتناقضات، لكن فاته تدبر قوله تعالي إذ (قال فالحق (1) والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) ولو تدبر الآية لاعتقل لسانه وانصرف يتعثر بنمرته، فإنها نص في أن امتلاءها لا يكون الا منه، أي من جنسه وهم الشياطين وممن تبعه من الناس كافة.
وعلي كل: فان هذا الحديث محال ممتنع بحكم العقل والشرع، وهل يؤمن مسلم ينزه الله تعالي بأن لله رجلا؟. وهل يصدق عاقل بأنه يضعها في جهنم لتمتلئ بها؟! وما الحكمة بذلك؟! وأي وزن لهذا الكلام البارد!؟ وبأي لسان تتحاج النار والجنة؟ وباي حواسهما أدركتا ما أدركتاه وعرفتا من دخلهما وأي فضل للمتجبرين والمتكبرين لتفخر بهم النار وهم يومئذ في أسفل سافلين؟
وكيف تظن الجنة ان الفائزين بها من سقطة الناس وهم من الذين أنعم الله عليهم بين نبي وصديق وشهيد وصالح ما أظن الجنة والنار قد بلغ بهما الجهل والحمق والخرف إلي هذه الغاية؟.
* 4 - نزول ربه كل ليلة إلي سماء الدنيا تعالي الله * أخرج الشيخان من طريق ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة ابن عبد الرحمان عن أبي هريرة مرفوعا قال: ينزل ربنا كل ليلة إلي سماء الدنيا حين يبقي الثلث الأخير يقول: من يدعوني فأستجب له الحديث (2).
تعالي الله عن النزول والصعود والمجئ والذهاب والحركة والانتقال
(١) فالحق مبتدأ، خبره محذوف، تقديره: فالحق قسمي أو يميني لأملأن جهنم والحق أقول اعتراض بين المقسم به والمقسم عليه معناه: لا أقول إلا الحق.
(٢) أخرجه البخاري في باب الدعاء نصف الليل ص ٦٨ من الجزء الرابع من صحيحة في كتاب الدعوات، وأخرجه أيضا في آخر ص 136 من الجزء الأول من صحيحه في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل في كتاب الكسوف، وأخرجه مسلم في 283 من الجزء الأول من صحيحه في باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث أبي هريرة في ص 258 من الجزء الثاني من مسنده.
(٦٣)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (2)، عبد الرحمان (1)، الجهل (1)، أحمد بن حنبل (1)، الصّلاة (1)

صفحه 063

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٤
وسائر العوارض والحوادث، وقد كان هذا الحديث والثلاثة التي قبله مصدرا للتجسيم في الاسلام، كما ظهر في عصر التعقيد الفكري. وكان من الحنابلة بسببها أنواع من البدع والأضاليل، ولا سيما ابن تيمية الذي قام علي منبر الجامع الأموي في دمشق يوم الجمعة خطيبا، فقال أثناء أضاليله: ان الله ينزل إلي سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر يريهم نزول الله تعالي نزولا حقيقيا بكل ما للنزول من لوازم كالحركة والانتقال من العالي إلي السافل، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر عليه ما قال، فقامت العامة إلي هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضربا كثيرا فسقطت عمامته واحتملوه إلي قاضي الحنابلة يومئذ في دمشق واسمه عز الدين ابن مسلم، فأمر بسجنه، وعزره بعد ذلك، إلي آخر ما كان في هذه الواقعة (1).
* 5 - نقض سليمان حكم أبيه داود * أخرج الشيخان (2) بالاسناد إلي أبي هريرة مرفوعا قال: كانت امرأتان
(1) التي حضرها الرحالة ابن بطوطة بنفسه ورآها بعينه وسجلها في ص 57 من الجزء الأول من رحلته عند ذكره قضاة دمشق فراجع.
(2) أما البخاري فقد أخرجه في أول ص 166 من الجزء الثاني من صحيحه في باب قوله تعالي: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أواب) من كتاب بدء الخلق واما مسلم فأخرجه في ص 57 من الجزء الثاني من صحيحه في باب بيان اختلاف المجتهدين من كتاب الأقضية، وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث أبي هريرة في ص 322 من الجزء الثاني من مسنده.
(٦٤)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (2)، المذهب الحنبلي (2)، ابن تيمية (1)، دمشق (3)، الإبداع، البدعة (1)، أحمد بن حنبل (1)

صفحه 064

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٥
معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن أحداهما فقالت صاحبتها: انما ذهب بابنك وقالت الأخري: انما ذهب بابنك، فتحا كمتا إلي داود فقضي به للكبري فخرجتا علي سليمان بن داود عليه السلام فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغري لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضي به للصغري، قال أبو هريرة والله ان سمعت بالسكين الا يومئذ وما كنا نقول الا المدينة اه في هذا الحديث نظر من وجوه!
(أحدهما): ان داود عليه السلام خليفة الله في أرضه، ونبيه المرسل إلي عباده وقد أمر الله ان يحكم بين الناس بالحق فقال عز من قائل (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) وقد أثني عليه في الذكر الحكيم والفرقان العظيم فقال عز من قائل (واذكر عبدنا داود ذا الأيد انه أواب انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) إلي أن قال عز سلطانه (وان له عندنا لزلفي وحسن مآب) وقال عز وعلا (ولقد فضلنا بعض النبيين علي بعض وآتينا داود زبورا) فداود ممن فضله الله بزبوره فهو معصوم من الخطأ ولا سيما في القضاء والحكم بما انزل الله تعالي (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون) وولده سليمان وارث علمه وحكمه، وهو نبي معصوم أيضا فكيف يقض حكم أبيه وهو أعرف الناس بعصمته؟ ولو أن حاكما في هذه الأيام من قضاة الشرع جامعا لشرائط الحكومة الشرعية حكم بين اثنين ترافعا إليه لوجب علي سائر حكام الشرع اعتبار حكمه بدون توقف الا مع العلم بخطئه والخطأ هنا مأمون لوجوب عصمة الأنبياء، فلا يجوز علي سليمان وهو من أنبياء الله ان ينقض حكم أبيه الذي ارتضاه الله رسولا لعباده وحاكما بينهم لان نقضه رد علي الله تعالي وسوء أدب مع أبيه بل عقوق له.
(ثانيهما): ان هذا الحديث صريح يتناقض الحكمين الصادرين من هذين
(٦٥)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، سليمان بن داود (1)، الجواز (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)

صفحه 065

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٦
النبيين وذلك مما يوجب القطع بخطأ إحداهما لو كان الحديث صحيحا والخطأ ممتنع علي الأنبياء ولا سيما في مقام الحكم بما أنزل الله تعالي (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).
(ثالثهما): ظاهر هذا الحديث ان داود عليه السلام حكم بالولد للكبري بدون بينة ولا مستند غير أنها كبري وهذا لا يصدر إلا من جاهل بالموازين الشرعية بعيد عن قوانين المحاكمات تعالي الله وتنزهت أنبياؤه عن ذلك.
(رابعا): ان هذا الحديث صريح في أن سليمان انما حكم به للصغري بمجرد اشفاقها عليه من الشق بالسكين وهذا بمجرده لا يكون ميزانا لحكمه، ولا سيما بعد اقرارها به للكبري، وبعد حكم أبيه بذلك.
(خامسها): لا ينقضي والله عجبي ممن يسعه تصديق أبي هريرة في قوله:
والله ان سمعت بالسكين الا يومئذ وما كنا نقول الا المدية، وي أن السكين أكثر دورانا في كلام العرب من المدية بكثير! وما أظن أحدا منهم يجهل معني السكين بخلاف المدية، فان أكثر العامة لا يعرفونها وي كأن أبا هريرة لم يقرأ ولم يسمع قوله تعالي في سورة يوسف وهي مكية (وآتت كل واحدة منهن سكينا) (1).
وكأنه لم يرو عن رسول الله صلي الله عليه وآله قوله: من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين (2).
(1) سورة يوسف كلها نزلت في مكة إلا أربع آيات منها نزلت في المدينة ثلاث من أولها والرابعة: (لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين) وأبو هريرة إنما أسلم بعد نزولها بأكثر من سبع سنين وكانت محفوظة يرتلها المسلمون آناء الليل وأطراف النهار، وقد سمعهم يقرؤونها في صلواتهم وخلواتهم وفي كثير من أوقاتهم.
(2) بلي قد رواه وأخرجه عنه الإمام أحمد في ص 230 من الجزء الثاني من مسنده من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا.
(٦٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، سورة يوسف (2)، الجهل (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، محمد بن جعفر (1)

صفحه 066

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٧
* تنبيه * ظن أبو هريرة أن داود وسليمان (إذ يحكمان في الحرث) كانا متناقضين في الحكم فهان عليه تزوير تلك القصة الخيالية ولم يدر أنهما انما كانا علي الصواب وان حكم كل منهما وعلمه انما كان من لدن رب الأرباب.
ومجمل قضيتهما أن غنما أصابت في الليل حرثا وكان كرما قد بدت عناقيده (1) فأكلته فترافع صاحب الحرث وأصحاب الغنم إلي داود عليه السلام فكان بمقتضي شرعه الموحي إليه من الله تعالي أن يحكم بالغنم لصاحب الحرث لان قيمة الغنم كانت علي قدر النقصان في الحرث، فلما أراد أن يحكم بذلك نسخة الله تعالي علي لسان سليمان وكان شريكه في النبوة فأفهمه الله أن الحكم أصبح في مثل تلك الواقعة أن تدفع الغنم إلي أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأصوافها ويدفع الحرث إلي أرباب الغنم يقومون عليه حتي يعود كهيئته قبل عبث الغنم فيه ثم يترادان.
جعل الله في هذا الحكم انتفاع صاحب الحرث بالغنم بإزاء ما فاته من الانتفاع بحرثه من غير أن يزول ملك المالك عن الغنم وأوجب علي أصحاب الغنم أن يعملوا في الحرث حتي يزول الضرر والنقصان، فلما أفهم الله عز وجل سليمان ذلك رفعه إلي أبيه فعزم أبوه عليه ليحكمن بما أنزل الله عليه فحكم به.
هذا ملخص ما كان يومئذ بينهما لا تناقض فيه ولا اختلاف شأن كل حكمين عن الله تعالي نسخ ثانيهما الأول.
وأنا أتلو عليك من محكمات الفرقان ما يلمسك هذه الحقيقة قال تبارك وتعالي (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت (2) فيه غنم القوم وكنا
(1) فيما روي عن الامامين الباقرين الصادقين أبي جعفر وأبي عبد الله " ع " (2) النفش هو الانتشار في الليل.
(٦٧)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، الضرر (1)

صفحه 067

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٨
لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان (1) وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين) فأنظر إلي قوله عز اسمه وكلا آتينا حكما وعلما تجده نصا في أنهما كانا جميعا علي الصواب، وان حكم كل منهما وعلمه انما هو من لدن رب الأرباب.
لكن من رأي أبي هريرة ان أنبياء الله يجوز عليهم الحكم بمجرد الاجتهاد لذلك جوز عليهم الخطأ فيما يحكمون به كسائر المجتهدين.
(ما قدروا الله حق قدره) إذ جوزوا الاجتهاد والعمل بالظن علي مهابط وحي الله، ومختلف ملائكته، وجوزوا الخطأ عليهم حتي في القضاء الشرعي والحكم عن الله عز وجل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).
ولو ثابت إليهم أحلامهم لعلموا أن العمل بالاجتهاد واستفراغ الواسع محال علي الأنبياء لأنه لا يوصل غالبا إلا إلي الظن، والأنبياء لا يعولون عليه لتمكنهم من العلم بسبب الوحي، وانما يجوز ذلك لمجتهدي الأمة لأنه أقصي ما يتمكنون منه.
ولو جاز الاجتهاد علي الأنبياء لجاز لغيرهم من المجتهدين أن يعارضوهم فيما يصدعون به من أحكام الله وحينئذ لا تبقي للنبوة منزلتها، ولا للنبيين الشأو لا يلحقه لاحق ولا يطمع من غيرهم فيه طامع، وهل يجرأ مؤمن من المجتهدين أن يعارض النبي وينقض حكمه صلي الله عليه وآله كلا! انه الكفر بالاجماع.
علي أن القرآن العظيم والذكر الحكيم صريح بأن النبي صلي الله عليه وآله إنما يعمل بالوحي (وما ينطق عل الهوي إن هو إلا وحي يوحي) وهكذا سائر الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(1) أي ففهمنا هذه الحكومة سليمان فكانت ناسخة للحكومة التي كان الله من ذي قبل فهمها داود عليهما السلام.
(٦٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، القرآن الكريم (1)، الظنّ (1)، الصّلاة (1)، الجواز (3)

صفحه 068

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٦٩
* (6 - طواف سليمان بمائة امرأة في ليلة) * أخرج الشيخان بالاسناد إلي أبي هريرة مرفوعا قال: قال سليمان ابن داود لأطوفن الليلة بمائة امرأة! تلد كل امرأة غلاما! يقاتل في سبيل الله! فقال له الملك: قل إن شاء الله فلم يقل! فأطاف بهن! فلم تلد منهن إلا امرأة نصف انسان! (قال أبو هريرة): قال النبي صلي الله عليه وآله لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان أرجي لحاجته.
(قلت): وفي هذا أيضا نظر من وجوه: - (أحدهما): ان القوة البشرية لتضعف عن الطواف بهن في ليلة واحدة مهما كان الانسان قويا، فما ذكره أبو هريرة من طواف سليمان عليه السلام بهن مخالف لنواميس الطبيعة لا يمكن عادة وقوعه ابدا.
(ثانيهما): انه لا يجوز علي نبي الله تعالي سليمان عليه السلام أن يترك التعليق علي المشيئة، ولا سيما بعد تنبيه الملك إياه إلي ذلك. وما يمنعه من قول إن شاء الله؟ وهو من الدعاة إلي الله والأدلاء عليه، وانما يتركها الغافلون عن الله عز وجل، الجاهلون بأن الأمور كلها بيده. فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن، وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين إنهم عليهم السلام لفوق ما يظن المخرفون.
(ثالثهما): أن أبا هريرة قد اضطرب في عدة نساء سليمان، فتارة روي انهن مائة كما سمعت (1)، وتارة روي انهن تسعون (2)، وتارة روي انهن
(١) وقد أخرجه البخاري في باب قول الرجل: لأطوفن الليلة علي نسائي في آخر ص ١٧٦ من الجزء الثالث من صحيحه في الورقة الأخيرة من كتاب النكاح، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة ص 229 وص 270 من الجزء الثاني من مسنده.
(2) كما أخرجه البخاري عنه في ص 107 من الجزء الرابع من صحيحه في باب الاستثناء في الايمان من كتاب الايمان والنذور.
(٦٩)
مفاتيح البحث: القتل، القتال في سبيل الله (1)، النبي سليمان عليه السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (5)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، الظنّ (1)، الجواز (1)، النذر (1)

صفحه 069

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٠
سبعون (1)، وتارة روي أنهن ستون (2) وهذه الروايات كلها في صحيحي البخاري ومسلم ومسند أحمد فما أدري ما يقوله فيها المعتذرون عن هذا الرجل؟
أيقولون ان هذه الحادثة تكررت من سليمان مع زوجاته؟ وكن مرة مائة ومرة كن تسعين ومرة سبعين وأخري ستين! وفي كل مرة ينبهه الملك فلا يقول:
ما أظنهم يقولون بهذا ولو قالوا قد اتسع الخرق علي الراقع، لكان أولي بهم وفي المثل السائر، ليس لكذوب حافظة.
* (7 - لطم موسي عين ملك الموت) * أخرج الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلي أبي هريرة قال: جاء ملك الموت إلي موسي عليهما السلام فقال له: أجب ربك. قال فلطم موسي عين ملك الموت ففقأها: قال: فرجع الملك إلي الله تعالي فقال: أنك أرسلتني إلي عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني. قال فرد الله إليه عينه وقال ارجع إلي عبدي فقل:
الحياة تريد فان كنت تريد الحياة فضع يدك علي متن ثور: فما توارت بيدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة الحديث. (3).
(١) كما أخرجه البخاري بالاسناد إليه في ص ١٦٥ من الجزء الثاني من صحيحه في باب قوله تعالي (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أواب) من كتاب بدء الخلق (٢) كما أخرجه مسلم بالاسناد إليه في باب الاستثناء من كتاب الايمان - ص ٢٣ من الجزء الثاني من صحيحه، وأخرج مسلم أيضا في ذلك الباب نفسه حديثا من طريق آخر عن أبي هريرة انهن سبعون واخرج فيه من طريق ثالث انهن تسعون فراجع.
(٣) أوردناه بلفظ مسلم وقد أخرجه - عن أبي هريرة بطرق كثيرة - في باب فضائل موسي من كتاب الفضائل من صحيحه ص 309 من جزئه الثاني، وأخرجه البخاري في باب وفاة موسي من كتاب بدء الخلق بعد حديث الخضر بأقل من صفحتين من صحيحه فراجع ص 163 من جزئه الثاني وأخرجه أيضا في باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة من أبواب الجنائز من صحيحه فراجع ص 158 من جزئه الأول.
(٧٠)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، أبو هريرة العجلي (3)، الكذب، التكذيب (1)، الموت (2)، الخرق (1)، الوسعة (1)، كتاب الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي (1)، الوفاة (1)، الجنازة (1)

صفحه 070

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧١
وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في مسنده (1) وفيه: أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا: قال: فأتي موسي فلطمه ففقأ عينه الحديث، وأخرجه ابن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه (2) عن أبي هريرة ولفظه عنده: أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتي أتي موسي فلطمه ففقأ عينه وفي آخره ان ملك الموت جاء إلي الناس خفيا بعد موت موسي (3).
وأنت تري ما فيه مما لا يجوز علي الله تعالي، ولا علي أنبيائه. ولا علي ملائكته، أيليق بالحق تبارك وتعالي ان يصطفي من عباده من يبطش علي الغضب بطش الجبارين؟. ويوقع بأسه حتي في ملائكة الله المقربين ويعمل عمل المتمردين؟: ويكره الموت كراهة الجاهلين؟: وكيف يجوز ذلك علي موسي؟
وقد اختاره الله لرسالته، وائتمنه علي وحيه، وآثره بمناجاته، وجعله من سادة رسله، وكيف يكره الموت هذا الكره مع شرف مقامه؟ ورغبته في القرب من الله تعالي والفوز بلقائه؟ وما ذنب ملك الموت عليه السلام؟ وانما هو رسول الله إليه. وبما استحق الضرب والمثلة فيه بقلع عينه؟ وما جاء إلا عن الله وما قال له: سوي أجب ربك أيجوز علي أولي العزم من الرسل إهانة الكروبيين من الملائكة؟ وضربهم حين يبلغونهم رسالات الله وأوامره عز وجل؟. تعالي الله وتعالت أنبياؤه وملائكته عن ذلك علوا كبيرا.
ونحن لم يرئنا من أصحاب الرس، وفرعون موسي، وأبي جهل، وأمثالهم ولعناهم بكرة وأصيلا؟. أليس ذلك لأنهم آذوا رسل الله حين جاؤوهم بأوامره
(١) ص ٣١٥ من جزئه الثاني.
(2) وذلك حيث ذكره وفاة موسي في كتابه تاريخ الأمم والملوك.
(3) لو أن ملك الموت كان يأتي عيانا قبل وفاة موسي لطفحت به الاخبار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار فما بال المحدثين المؤرخين وأهل الاخبار من جميع الأمم أغفلوا هذا الخبر لو كان له اثر، وما بال القصاصين والمخرفين ما حام خيالهم حوله، فهل تركوا الامتياز به لأبي هريرة؟
(٧١)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (3)، الموت (6)، الجهل (1)، الجواز (2)، الكراهية، المكروه (1)، البول (2)، الوفاة (2)

صفحه 071

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٢
فكيف نجوز مثل فعلهم علي أنبياء الله وصفوته من عباده؟! حاشا لله ان هذا لبهتان عظيم.
ثم إن من المعلوم أن قوة البشر بأسرهم، بل قوة جميع الحيوانات منذ خلقها الله تعالي إلي يوم القيامة لا تثبت امام قوة ملك الموت فكيف - والحال هذه - تمكن موسي " ع " من الوقية فيه؟ وهلا دفعه الملك عن نفسه؟ مع قدرته علي ازهاق روحه، وكونه مأمورا عن الله تعالي بذلك.
ومتي كان للملك عين يجوز أن تفقأ؟!.
ولا تنس تضييع حق الملك وذهاب عينه. ولطمته هدرا، إذ لم يؤمر الملك من الله بأن يقتص من موسي صاحب التوراة التي كتب الله فيها (ان النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) (1) ولم يعاقب الله موسي علي فعله هذا بل أكرمه إذ خيره بسببه بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور.
وما أدري والله ما الحكمة في ذكره شعر الثور بالخصوص؟!.
أما وعزة الحق، وشرف الصدق، وعلوهما علي الباطل والإفك لقد حمل هذا الرجل أولياءه ما لا طاقة لهم به. وكلفهم بأحاديثه هذه بما لا تحتمله عقولهم ابدا ولا سيما قوله في هذا الحديث: إن ملك الموت قبل وفاة موسي كان يأتي الناس عيانا وانما جاءهم خفيا بعد موت موسي نعوذ بالله من سبات العقل وخطل القول والفعل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(1) إشارة إلي الآية 45 من سورة المائدة، وقد وجدنا في الفقرة 23 من الأصحاح 21 من اصحاحات الخروج، من التوراة الموجودة في أيدي اليهود والنصاري في هذه الأيام ما هذا لفظه: ان حصلت أذية تعطي نفسا بنفس وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل وكيا بكي وجرحا بجرح ورضا برض.
(٧٢)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، يوم القيامة (1)، الباطل، الإبطال (1)، القصاص (1)، الصدق (1)، الموت (3)، الجواز (1)، الوفاة (1)، سورة المائدة (1)

صفحه 072

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٣
* (8 - فرار الحجر بثياب موسي وعدو موسي خلفه ونظر بني إسرائيل إليه مكشوفا) * أخرج الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلي أبي هريرة قال: كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلي سوأة بعض، وكان موسي عليه السلام يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع ان يغتسل معنا إلا أنه آدر (أي ذو فتق) قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه علي حجر ففر الحجر بثوبه! فجمح موسي بأثره يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتي نظر بنو إسرائيل إلي سوأة موسي فقالوا: والله ما بموسي من بأس فقام الحجر بعد حتي نظر إليه فأخذ موسي ثوبه فطفق بالحجر ضربا؟ فوالله ان بالحجر ندبا (1) ستة أو سبعة الحديث (2).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن هذه الواقعة هي التي أشار الله إليها بقوله عز من قائل (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسي فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) اه.
وأنت تري ما في هذا الحديث من المحال الممتنع عقلا فإنه لا يجوز تشهير كليم الله " ع " بابداء سوأته علي رؤوس الاشهاد من قومه لان ذلك ينقصه ويسقط من مقامه، ولا سيما إذا رأوه يشتد عاريا ينادي الحجر وهو لا يسمع ولا يبصر: ثوبي حجر ثوبي حجر ثم يقف عليه وهو عاري أمام الناس فيضربه
(1) الندب بوزن جمل اثر الجراح إذا لم يرتفع عن الجلد.
(2) أوردناه بلفظ مسلم إذ أخرجه عن أبي هريرة بطرق كثيرة فراجع باب فضائل موسي ص 308 من الجزء الثاني من صحيحه وأخرجه البخاري في باب الذي هو بعد حديث الخضر من صحيحه ص 162 من جزئه الثاني وفي ص 42 من جزئه الأول في باب من اغتسل عريانا من كتاب الغسل، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة من طرق كثيرة فراجع ص 315 من الجزء الثاني من مسنده.
(٧٣)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، أبو هريرة العجلي (4)، المنع (1)، الغسل (4)، الجواز (1)

صفحه 073

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٤
والناس تنظر إليه مكشوف العورة كالمجنون!
وهذه الحركة لو صحت فإنما هي من فعل الله تعالي فكيف يغضب منها كليم الله فيعاقب الحجر عليها؟! وما هو إلا مقسور علي الحركة وأي أثر لعقوبة الحجر؟.
ثم إن هربه بثياب موسي عليه السلام لا يبيح له ابداء عورته، وهتك نفسه بذلك وقد كان في امكانه أن يبقي في مكانه حتي يؤتي بثيابه أو بساتر غيرها كما يفعله كل ذي لب إذا ابتلي بمثل هذه القصة.
علي أن هرب الحجر من المعجزات وخوارق العادات التي لا تكون الا في مقام التحدي كمقام انتقال الشجرة في مكة المعظمة لرسول الله صلي الله عليه وآله حين اقترح عليه المشركون ذلك فنقلها الله عز وجل من مكانها تصديقا لدعوته وتثبيتا لنبوته صلي الله عليه وآله ومن المعلوم أن مقام موسي عليه السلام وهو يغتسل لم يكن مقام تحد وتعجيز فلا تقع فيه المعجزات وخوارق العادات ولا سيما إذا ترتب عليها فضيحة نبي الله بابداء سوأته للملا من قومه علي وجه يستخف به كل من رآه وكل من سمع بخبره هذا واما براءته من الأدرة فليست من الأمور التي يباح في سبيلها هتكه وتشهيره ولا هي من المهمات التي تصدر بسببها الآيات إذ يمكن العلم ببراءته منها بسبب اطلاع نسائه عليه، واخبارهن بحقيقة حاله.
ولو فرض ابتلاؤه بالأدرة فأي بأس عليه بذلك؟. وقد أصيب شعيب عليه السلام ببصره وأيوب عليه السلام بجسمه وأنبياء الله كافة تمرضوا وماتوا، ولا يجب انتفاء مثل هذه العوارض عن أنبياء الله ورسله، ولا سيما إذا كانت مستورة عن الناس كالأدرة، نعم لا يجوز عليهم ما يوجب نقصا في مداركهم أو في مروءتهم أو يوجب نفرة الناس عنهم واستخفافهم بهم والأدرة ليست في شئ من ذلك.
علي أن القول بأن بني إسرائيل كانوا يظنون أن في موسي أدرة لم ينقل الا عن أبي هريرة.
(٧٤)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الظنّ (1)، الغسل (1)، الجواز (1)

صفحه 074

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٥
أما الواقعة التي أشار الله إليها بقوله عز من قائل (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسي فبرأه الله مما قالوا) فالمروي عن أمير المؤمنين " ع " وابن عباس أنها قضية اتهامهم إياه بقتل هارون. وهو الذي اختاره الجبائي وقيل هي قضية المومسة التي أغراها قارون بقذف موسي " ع " بنفسها فبرأه الله تعالي إذ أنطقها بالحق، وقيل آذوه من حيث نسبوه إلي السحر والكذب والجنون بعد ما رأوا الآيات.
واني لأعجب من الشيخين يخرجان هذا الحديث والذي قبله في فضائل موسي وما أدري أي فضلية بضرب ملائكة الله المقربين وفق ء عيونهم عند أرادتهم تنفيذ أوامر الله عز وجل؟ وأي منقبة بابداء العورة للناظرين وأي وزن لهذه السخافات؟ ان كليم الله ونجيبه ونبيه لأكبر من هذا، وحسبه ما صدع به الذكر الحكيم والفرقان العظيم، من خصائصه الحسني عليه السلام.
* (9 - فزع الناس يوم القيامة إلي آدم فنوح فإبراهيم فموسي فعيسي رجاء شفاعتهم فإذا هم في أمرهم مبلسون) * أخرج الشيخان بالاسناد إلي أبي هريرة حديثا (من أحاديثه الطويلة) مرفوعا جاء فيه ما هذا نصه: يجمع الله الناس الأولين منهم والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يتحملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلي ربكم؟. فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم " ع " فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلي ربك ألا تري إلي ما نحن فيه؟ ألا تري إلي ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله! ولن يغضب بعده مثله! وانه نهاني عن الشجرة
(٧٥)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، النبي آدم عليه السلام (1)، عبد الله بن عباس (1)، أبو هريرة العجلي (1)، يوم القيامة (1)، القتل (1)، الفزع (1)، النفاذ، التنفيذ (1)

صفحه 075

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٦
فعصيته نفسي نفسي!! اذهبوا إلي غيري إذهبوا إلي نوح (قال) فيأتون نوحا عليه السلام فيقولون: يا نوح انك أنت أول الرسل إلي أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلي ربك ألا تري إلي ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله! وانه قد كانت لي دعوة دعوتها علي قومي! نفسي نفسي نفسي!! اذهبوا إلي غيري اذهبوا إلي إبراهيم (قال): فيأتون إبراهيم عليه السلام فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه؟ فيقول لهم: ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله: ولن يغضب بعده مثله! واني قد كنت كذبت ثلاث كذبات! نفسي نفسي نفسي،،، اذهبوا إلي غيري اذهبوا إلي موسي عليه السلام (قال): فيأتون موسي فيقولون: يا موسي أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه علي الناس اشفع لنا إلي ربك أتري إلي ما نحن فيه؟ فيقول ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، واني قد قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي نفسي،،، اذهبوا إلي غيري اذهبوا إلي عيسي عليه السلام (قال): فيأتون عيسي فيقولون: يا عيسي أنت رسول الله وكلمته التي ألقاها إلي مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا إلي ربك ألا تري إلي ما نحن فيه؟ (قال): فيقول عيسي عليه السلام ان ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله! ولن يغضب بعده مثله، - ولم يذكر ذنبا - نفسي نفسي نفسي،،، اذهبوا إلي محمد، قال فيأتون محمدا صلي الله عليه وآله فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك من ذنبك ما تقدم وما تأخر اشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه؟ قال أبو هريرة قال رسول الله صلي الله عليه وآله:
فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه علي أحد قبلي ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب فيقال
(٧٦)
مفاتيح البحث: الإمام موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام (1)، النبي إبراهيم (ع) (1)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الكذب، التكذيب (1)

صفحه 076

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٧
يا محمد ادخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوي ذلك من الأبواب الحديث. (1).
وفيه من التسور علي مقام أولي العزم من أنبياء الله وأصفيائه ما تبرأ منه السنن وتتنزه عن خطله فان للسنن المقدسة (سنن نبينا صلي الله عليه وآله) في تعظيم الأنبياء غاية تملأ الصدور هيبة واجلالا وتعنوا لها الجباه بخوعا وقد ملأت مسامع الدهر بحمدهم ونظمت حاشيتي البر والبحر بمجدهم، فكل ما عرفته الأمم لهم من جلالة تخشع امامها العيون ومهابة تتطامن لديها المفارق وعظمة تتصاغر عندها الهمم وينخفض لها جناح الضعة فإنما هو من آثاره صلي الله عليه وآله ولولا فرقانه العظيم، وقرآنه الحكيم، وسنته المعصومة ما عرفهم ممن تأخر عنهم أحد إذ ليس (غير الكتاب والسنة) في أيدي الناس برهان قاطع ولا حجة بالغة، بل لا خبر مسند ولا رواية تليق بالعقول، فرسول الله صلي الله عليه وآله حفظ بسنته وكتاب ربه عز وجل خصائص الأنبياء وسننهم، وخلد مجدهم وحمدهم، ومثل اخلاصهم لله بالعبادة، واخلاصهم للعباد بالنصح والارشاد والإفادة، كما حفظ بهما تاريخ الأمم الماضية، والقرون الخالية، وتمم بهما مكارم الأخلاق، ومحامد الصفات والآداب، وشرع بهما عن الله تعالي تلك الأنظمة الحكيمة، والقوانين القويمة، شرائع تضمن للبشر كافة سعادة الدنيا والآخرة وجمع فيهما العلم والحكمة والسياسة وشرف المعاش والمعاد، وحفظ بهما لغة الضاد إلي يوم التناد.
(1) أوردناه بلفظ البخاري في صفحة 100 من الجزء الثالث من صحيحه في باب ذرية من حملنا مع نوح من تفسير سورة بني إسرائيل، وأخرجه مسلم في ص 97 من الجزء الأول من صحيحه في أواخر باب اثبات الشفاعة وهو في أواخر كتاب الايمان، وأخرجه احمد من حديث أبي هريرة بطرق إليه كثيرة في الجزء الثاني من مسنده.
(٧٧)
مفاتيح البحث: السنة النبوية الشريفة (1)، مكارم الأخلاق (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الحج (1)، الأكل (1)، أبو هريرة العجلي (1)

صفحه 077

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٨
فحديث أبي هريرة هذا - بهرائه وهذره (1) - أجنبي عن كلام رسول الله صلي الله عليه وآله مباين سننه كل المباينة. ومعاذ الله ان ينسب إلي أنبياء الله ما اشتمل عليه هذا الحديث الغث التفه (2) وحاشا آدم من المعصية بارتكاب المحرم الذي يوجب غضب الله، وانما كان منهيا عن الشجرة نهي تنبيه وارشاد، وتقدس نوح من الدعاء إلا علي أعداء الله تقربا إليه عز سلطانه؟ وتنزه إبراهيم عن الكذب وعن كل قول أو فعل يغضب الله عز وجل أو يخالف الحكمة ومعاذ الله أن يقتل موسي نفسا يغضب الله لقتلها وإنما يقتل من لا حرمة له عند الله تعالي ولا وزن له عند أولي الألباب، وتعالي الله عن أن يعاملهم إلا بالحسني كما قال عز من قائل (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) وأنبياء الله اجل من أن يتوهموا بربهم تبارك وتعالي انه قد غضب عليهم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ويمتنع علي رسول الله ان يذكرهم إلا بما هم أهله.
ثم كيف يتسني لأهل المحشر أن يشتوروا ويأتمروا؟ وهم بحيث: (تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حلمها وتري الناس سكاري وما هم بسكاري ولكن عذاب الله شديد)، (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).
وأني لهم بالوصول إلي الأنبياء في ذلك الموقف والأنبياء يومئذ علي الأعراف، وهل يصل أهل الأرض إلي السماء؟ وما الذي منعهم من التوسل توا برسول الله؟ فإنه صلي الله عليه وآله صاحب المقام المحمود والجاه العظيم والشفاعة المقبولة لا يجهله يومئذ أحد من الناس، ولو لم يرجعهم إليه آدم ولا نوح ولا إبراهيم ولا موسي؟ وهلا أراحوا أولئك المساكين بدلالتهم من أول الامر علي ولي الأمر في ذلك الحشر؟! أكانوا يجهلون مقامه المحمود في اليوم الموعود
(1) الهراء المنطق الفاسد لا نظام له، والهذر هو الاكثار من الخطأ والباطل (2) الذي لا طعم له.
(٧٨)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، الغني (1)، الرضاع (1)، المنع (1)، النهي (1)، القتل (2)

صفحه 078

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٧٩
أم كانوا يؤثرون عناء أولئك المؤمنين المستغيثين.
ولنا ان نسأل أبا هريرة عن هؤلاء المساكين أمن أمة محمد هم؟ أم من أمة غيره؟ فان كانوا من أمته فما الذي صرفهم عنه إلي غيره؟ وان كانوا من أمة غيره فمن الطبيعي له ان لا يحبط مساعيهم. ولا يخيب آمالهم فكيف اختص أمته بالشفاعة دونهم؟ ومع ما فطر عليه من الرحمة الواسعة ومع ما آتاه الله يومئذ من الشفاعة والوسيلة معاذ الله ان يخيبهم وهو أمل الراغب الراجي وامن الخائف اللاجئ يجيب لسان العافي بلسان نداه ويروي صدي اللهيف قبل رجع صداه صلي الله عليه وآله:
* (10 - شك الأنبياء والتنديد بلوط وتفضيل يوسف علي رسول الله صلي الله عليه وآله بصبره) * أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: ربي أرني كيف تحيي الموتي، قال: أولم تؤمن؟ قال: بلي ولكن ليطمئن قلبي، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلي ركن شديد ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لا جبت الداعي اه. وهذا الحديث (1) ممتنع من وجوه: - (إحداها): انه أثبت الشك لخليل الله إبراهيم عليه السلام، وقد قال الله عز من قائل (ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل) وقال جل سلطانه (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) والايقان اسمي مراتب العلم والموقن بالشئ لا يمكن ان يكون شاكا فيه، والعقل بمجرده
(1) أخرجه البخاري في ص 158 من الجزء الثاني من صحيحه في باب ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه من كتاب بدء الخلق، وأخرجه مسلم في ص 71 من الجزء الأول من صحيحه في باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة من كتاب الايمان. وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة في الجزء الثاني من مسنده.
(٧٩)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (3)، الموت (1)، الوسعة (1)

صفحه 079

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٠
يحيل وقوع الشك من الأنبياء عليهم السلام كافة، وهذا من الأمور المسلمة.
اما قوله تعالي (وإذ قال إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتي) فظاهر في أن إبراهيم " ع " انما سأل ربه عن كيفية الاحياء لا عن الاحياء نفسه، وهذا لا يتأتي الا إذا كان نفس الاحياء محققا معلوما لدي إبراهيم.
وبعبارة أوضح الاستفهام بكيف انما هو سؤال عن حال شئ موجود معلوم الوجود لدي السائل والمسؤول نحو: كيف زيد، يعني أصحيح هو مثلا أم مريض؟ وكيف فعل زيد أي احسانا فعل مثلا أم قبيحا؟ وكيف وقعت القضية أو كيف تقع يعني أعلي ما نريد مثلا أم علي خلاف ما نريد؟ وعلي هذا فقوله:
أرني كيف تحيي الموتي. انما هو طلب لان يريه كيفية ما قد علمه وتقرر لديه من أحياء الموتي.
لكن لما كان مثل هذا الطلب قد يكون ناشئا عن الشك في القدرة علي الاحياء، وربما يتوهم من يبلغه هذا الطلب ممن لا يعرف مقام إبراهيم انه " ع " قد شك في القدرة أراد الله تعالي بسبب ذلك أن يرفع هذا التوهم ببيان منشأ طلبه فقال له: أولم تؤمن؟ قال: بلي، أي: أنا مؤمن بالقدرة ولكني انما طلبت ذلك ليطمئن قلبي بسبب رؤية الكيفية التي تحيي بها الموتي بعد تفرق اجزائها في مضامين القبور وأوجار الطيور وبطون السباع، ومطارح المهالك من البر والبحر، وكأن قلبه عليه السلام قد ولع برؤية الكيفية فقال: ليطمئن قلبي، أي لتبرد غلة شوقه برؤيتها.
هذا هو المراد من الآية الكريمة، ومن نسب الشك إليه صلوات الله وسلامه عليه فقد ضل ضلالا مبينا.
(ثانيها) ان الظاهر من قوله: نحن أولي بالشك من إبراهيم ثبوت الشك لرسول الله صلي الله عليه وآله ولسائر الأنبياء، وانهم جميعا أولي به من إبراهيم.
ولو فرض عدم إرادة الأنبياء جميعا فإرادة رسول الله صلي الله عليه وآله مما لابد
(٨٠)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، الأنبياء (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الكرم، الكرامة (1)، الموت (4)، الصّلاة (1)، القبر (1)

صفحه 080

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨١
منها، والحديث نص صريح في أنه أولي بالشك (سبحانك هذا بهتان عظيم) قد انعقد الاجماع علي بطلانه، وتصافق العقل والنقل علي امتناعه.
وما ندري والله لم كان صلي الله عليه وآله أولي بالشك من إبراهيم " ع " مع ما آتاه الله مما لم يؤت إبراهيم وغيره من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين.
ووصية أمير المؤمنين عليه السلام انما كان الباب من مدينة علمه وانما هو منه بمنزلة هارون من موسي إلا أنه ليس بنبي، وقد قال " ع " لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا (1) فما الظن بسيد المرسلين، وخاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين.
(ثالثها): ان قوله: ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلي ركن شديد تنديد بلوط ورد عليه، وتهمة له بما لا يليق بمنزلة من الله عز وجل وحاشاه أن يكون قليل الثقة بالله وانما أراد أن يستفز عشيرته وذويه، ويستظهر بفصيلته التي تؤويه نصحا منه لله عز وجل في أمر عباده بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وحاشا رسول الله صلي الله عليه وآله ان يندد بلوط أو يفند قوله ومعاذ الله أن يظن به إلا ما هو أهله ولكنه صلي الله عليه وآله انذر بكثرة الكذابة عليه.
(رابعا): ان قوله: ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي ظاهر في تفصيل يوسف علي رسول الله صلي الله عليه وآله وهذا خلاف ما أجمعت عليه الأمة وتواترت به الصحاح الصريحة وثبت بحكم الضرورة بين المسلمين.
فان قلت: انما كان هذا من رسول الله صلي الله عليه وآله تواضعا ليوسف واعجابا بحزمه وصبره وحكمته في اثبات برائته حتي حصحص الحق قبل خروجه من السجن.
(1) هذه الكلمة مستفيضة عنه " ع " وقد أشار إليها البوصيري في همزيته إذ يقول:
ووزير ابن عمه في المعالي * ومن الأهل تسعد الوزراء لم يزده كشف الغطاء يقينا * بل هو الشمس ما عليه غطاء
(٨١)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، النبي إبراهيم (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، الظنّ (2)

صفحه 081

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٢
(قلنا) لا يجوز مثل هذا الكلام علي رسول الله صلي الله عليه وآله ولو كان علي سبيل التواضع، لاشتماله علي خبر غير مطابق للواقع، لأنه لو ابتلي بما ابتلي به يوسف لكان أصبر من يوسف وأولي منه بالحزم والحكمة، وبكل ما يتحصحص به الحق، وهيهات أن يجيب الداعي بمجرد أن يدعوه إلي الخروج فتفوته الحكمة التي آثرها يوسف إذ قال لرسول الملك حين أخلي سبيله: ارجع إلي ربك - أي صاحبك - فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن أن ربي بكيدهن عليم، قال - يعني الملك -: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه، قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين.
فما خرج من السجن حتي تجلت براءته كالشمس الضاحية ليس دونها سحاب ولئن اخذ يوسف بالحزم فلم يسرع بالخروج من السجن حتي تم له ما أراد، فان رسول الله صلي الله عليه وآله قد مثل الصبر والأناة والحلم والحزم والعزم والحكمة والعصمة في كل أفعاله وأقواله وهو الذي لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله علي أن يترك الامر ما تركه.
وكان الأولي أن يقول أبو هريرة في هذا المقام: ولو لبث رسول الله صلي الله عليه وآله في السجن أضعاف اضعاف ما لبث فيه يوسف ما توسل إلي خروجه منه بما توسل إليه يوسف إذ قال الذي ظن أنه ناج من صاحبي السجن - اذكرني عند ربك - أي صفني عند الملك بصفاتي وقص عليه قصتي لعله يرحمني ويتداركني من هذه الورطة (فأنساه الشيطان ذكر ربه) أي ان الشيطان أنسي الرجل أن يذكر يوسف لربه - أعني الملك - (فلبث في السجن بضع سنين) وكان نسيان الرجل ولبث يوسف في السجن بضع سنين انما كانا تنبيها له إلي أنه قد فعل غير الأولي إذ كان الأولي به أن لا يتوسل إلي رحمة الله بغير الله عز وجل كما هو المأثور عن رسول الله صلي الله عليه وآله وقد مني صلي الله عليه وآله بما هو أعظم محنة من سجن يوسف
(٨٢)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (1)، العزّة (1)، الصبر (1)، الظنّ (1)، الجواز (1)، التواضع (1)، البول (1)

صفحه 082

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٣
وابتلي بما هو أكثر ضررا وأكبر خطرا من كل ما قاساه آل يعقوب عليه السلام فما وهن ولا استكان ولا استعان إلا بالله وقد حوصر وجميع عشيرته في الشعب سنين، فكانوا في منتهي الضائقة وأوذي في نفسه وعشيرته والمؤمنين به بما لم يؤذ به نبي قبله واجلبوا عليه بما لديهم من حول وطول، فاتل ان شئت: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليقتلوك أو يثبتوك أو يخرجوك) واقرأ (ان لا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) وأمعن في قوله عز أسمه: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) وتدبر قوله عز سلطانه (إذ تصدعون ولا تلوون علي أحد والرسول يدعوكم في اخراكم فأثابكم غما بغم) وانعم النظر في قوله عن الأحزاب (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) وأوغل في البحث عن وقعة هوازن وحسبك منها (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته علي رسوله وعلي المؤمنين) إلي كثير من مواقفه الكريمة التي خاض فيها الأهوال فكان فيها أرسي من الجبال يتلقي شدائدها برحب صدره وثبات جنانه فتنزل منه في بال واسع وخلق وادع لم يتوسل في الخروج من عسر إلي يسر إلا بالله وحده ولم يتذرع إلي شئ مامن شؤونه إلا بالصبر والتوكل علي الله تعالي فأين من عزائمه في صبره وحلمه وحكمه عزائم يوسف ويعقوب؟ وإسحاق وإبراهيم وسائر النبيين والمرسلين صلي الله عليه وآله وعليهم أجمعين.
(٨٣)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)، الصبر (1)

صفحه 083

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٤
* (11 - جراد الذهب المتساقط علي أيوب وهو يغتسل ومعاتبة الله إياه علي ما حشاه منه في ثوبه) * أخرج الشيخان بطرق متعددة (1) عن أبي هريرة مرفوعا قال: بينما أيوب يغتسل عريانا فخر عليه (2) جراد من ذهب فجعل أيوب يحتثي في ثوبه فناداه ربه ألم أكن أغنيك عما تري؟ قال: بلي وعزتك ولكن لا غني بي عن بركتك.
(قلت): لا بركن إلي هذا الحديث إلا أغشي البصيرة، مظلم الحس، فان خلق الجراد من ذهب آية من الآيات، وخوارق العادات وسنة الله عز وجل في خلقه ان لا يخلق مثلها إلا عند الضرورة كما لو توقف ثبوت النبوة عليها فتأتي حينئذ برهانا علي النبوة ودليلا علي الرسالة وما كان الله ليخلقها عبثا وجزافا فتخر علي أيوب " ع " وهو منفرد بنفسه يغتسل عريانا كما يزعم أبو هريرة.
ولو خرت عليه فجعل يحتثي في ثوبه لكان ذلك في محله لأنها نعمة من الله خارقة لم يحتسبها فيقتضي شكرها بتعظيم شأنها وتلقيها بكل قبول ولا يحسن منه الاعراض عنها والاستخفاف بها، وقد اختصه الله فيها لان فيه من كفران النعمة ما يجب تنزيه الأنبياء عنه.
والأنبياء إذ اجمعوا المال فإنما يجمعونه لينفقوه في سبيل الله وابتغاء مرضاته وليستعينوا به علي مشاريعهم الاصلاحية والله عز وجل خبير بهم عليم بنواياهم فلا يعاتبهم علي جمعه ابدا.
(1) راجع من البخاري ص 42 من الجزء الأول من صحيحه قبل كتاب الحيض بأقل من صفحتين وص 60 من جزئه الثاني قبل حديث الخضر مع موسي بأقل من صفحتين.
(2) هكذا في صحيح البخاري والأصح إذ خر عليه.
(٨٤)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (2)، سبيل الله (1)، الغني (1)، الغسل (2)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 084

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٥
* (12 - التنديد بموسي إذ قرصته نملة فاحرق قريتها!!) * أخرج الشيخان بالاسناد إلي أبي هريرة مرفوعا قال: قرصت نملة نبيا من الأنبياء - هو موسي بن عمران فيما نص عليه الترمذي (1) - فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحي الله إليه ان قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله!؟ (2).
إن أبا هريرة مولع بالأنبياء عليهم السلام هائم بكل مصيبة غريبة تقذي بها الابصار وتصتك منها المسامع وان أنبياء الله لأعظم صبرا وأوسع صدرا، وأعلي قدرا، مما يحدث عنهم المخرفون.
وهذا وصي رسول الله صلي الله عليه وآله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول في خطبة له (3): والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت وان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفني ولذة لا تبقي.
وعلي عليه السلام ما كان نبيا وانما هو وصي وصديق وهذه حالة تمثل عصمة الأنبياء عما ينسبه الجاهلون إليهم، وما كان الله ليصطفي لرسالاته ويختص بمناجاته من لا يتنزه عن ذلك، تعالي الله وتعالت رسله عما يقوله المخرفون علوا كبيرا.
(١) كما نص القسطلاني في شرح هذا الحديث من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ص ٢٨٨ من جزئه السادس.
(٢) أخرجه البخاري في آخر ص ١١٤ من الجزء الثاني في أواخر كتاب الجهاد والسير من صحيحه، وأخرجه مسلم في باب النهي عن قتل النمل ص 267 من الجزء الثاني من صحيحه في كتاب قتل الحيات وغيرها وأخرجه أبو داود في الأدب وابن ماجة والنسائي في الصيد، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في مسنده.
(3) خطبها في تهويل الظلم وتبرئه منه وبيان صغر الدنيا في نظره والخطبة في نهج البلاغة أولها والله لئن أبيت علي حسبك السعدان مسهدا.
(٨٥)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الأنبياء (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (3)، موسي بن عمران (1)، الوسعة (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، إبن ماجة (1)، الظلم (1)، القتل (2)، النهي (1)، الصيد (1)

صفحه 085

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٦
وما أدري والله ماذا يقول مصححو هذا الحديث فيما فعله هذا النبي من تعذيب النمل بالنار؟ مع قول رسول الله صلي الله عليه وآله: لا يعذب بالنار إلا الله وقد أجمعوا علي أنه لا يجوز الاحراق بالنار للحيوان مطلقا إلا إذا أحرق انسان انسانا فمات بالاحراق فلوليه الاقتصاص باحراق الجاني وسواء في منع الاحراق بالنار النمل وغيره من سائر الحيوانات للحديث المشهور (لا يعذب بالنار إلا الله) (1).
وأخرج أبو داود باسناد صحيح علي شرط البخاري ومسلم عن ابن عباس ان النبي صلي الله عليه وآله نهي عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد.
* (13 - سهو النبي عن ركعتين) * أخرج الشيخان فيما جاء في السهو من صحيحيهما عن أبي هريرة قال صلي النبي إحدي صلاتي العشي وأكثر ظني العصر (2) ركعتين ثم سلم ثم قام إلي خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها (3) وفيهم أبو بكر وعمر فهابا ان يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي ذو اليدين (4) فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال: لم انس ولم تقصر! قال: بلي
(1) نقله النووي في شرح هذا الحديث ص 6 من الجزء 11 من شرح صحيح مسلم المطبوع في هامش شرح صحيح البخاري.
(2) ما أروع أبا هريرة! وأحوطه في حديثه، الا تراه كيف لم يجزم انها العصر ولم يعول علي ظنه!.
(3) ورع أبي هريرة في حديثه يتمثل للناظرين بذكر هذه الخشبة ووضع النبي يده عليها إذ لا دخل لهما في موضوع هذا الكلام ولا في حكمه وانما دعاه إلي ذكرها الاحتياط بنقل الوقائع بجميع حذافيرها؟.
(4) كذا في صحيح البخاري ولعل الصواب ذا اليدين.
(٨٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، سهو النبي صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، أبو هريرة العجلي (3)، القتل (1)، المنع (1)، الركوع، الركعة (2)، السجود (1)، الصّلاة (1)، الجواز (1)، السهو (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، كتاب صحيح البخاري (2)، الظنّ (1)

صفحه 086

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٧
نسيت! فصل ركعتين! ثم سلم ثم كبر! فسجد الحديث، (1). وفيه كيفية سجود السهو، وأنت تري ما فيه من الوجوه الحاكمة بامتناعه.
أحدها: ان مثل هذا السهو الفاحش لا يكون ممن فرغ للصلاة شيئا من قلبه، أو أقبل عليها بشئ من لبه، وانما يكون من الساهين عن صلاتهم، اللاهين عن مناجاتهم، وحاشا أنبياء الله من أحوال الغافلين، وتقدسوا عن أقوال الجاهلين، فان أنبياء الله عز وجل ولا سيما سيدهم وخاتمهم أفضل مما يظنون علي أنه لم يبلغنا مثل هذا السهو عن أحد ولا أظن وقوعه الا ممن يمثل حال القائل:
أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها * اثنتين صليت الضحي أم ثمانيا؟
وأما سيد النبيين. وتقلبه في الساجدين، ان مثل هذا السهو لو صدر مني لاستولي علي الحياء واخذني الخجل واستخف المؤمنون بي وبعبادتي ومثل هذا لا يجوز علي أنبياء الله ابدا.
الثاني ان الحديث قد اشتمل علي أن النبي صلي الله عليه وآله قال لم أنس ولم تقصر فكيف يمكن أن يكون قد نسي بعد هذا؟ ولو فرضنا عدم وجوب عصمته عن مثل هذا السهو. فان عصمته عن المكابرة والتسرع بالأقوال المخالفة للواقع مما لا بد منه عند جميع المسلمين.
الثالث: ان أبا هريرة قد أضطرب في هذا الحديث، وتعارضت أقواله
(1) نقلناه بلفظ البخاري في باب من يكبر في سجدتي السهو، وأخرجه أيضا في كل من البابين المذكورين قبله بلا فصل فراجع أبواب ما جاء في السهو ص 145 من الجزء الأول من صحيحه وأخرجه أيضا في مواضع أخر كثيرة يعرفها المتتبعون، اما مسلم فقد أخرجه في باب السهو في الصلاة والسجود له بطرق عديدة فراجع ص 215 من الجزء الأول من صحيحه، وأخرجه أحمد في آخر ص 234 من الجزء الثاني من مسنده وفي مواضع اخر كثيرة.
(٨٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الركوع، الركعة (1)، الصّلاة (2)، الجواز (1)، السهو (8)، الوجوب (1)، السجود (2)

صفحه 087

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٨
فتارة يقول: صلي بنا إحدي صلاتي العشي اما الظهر واما العصر - علي سبيل الشك - وأخري يقول: صلي بنا صلاة العصر - علي سبيل القطع بأنها الظهر - وهذه الروايات كلها ثابتة في صحيحي البخاري ومسلم كليهما، وقد ارتبك فيها شارحو الصحيحين ارتباكا دعاهم إلي التعسف والتكلف كما تكلفوا وتعسفوا في الرد علي الزهري إذ جزم بان ذا اليدين وذا الشمالين واحد لا اثنان، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا (تحفة المحدثين).
الرابع: ان ما اشتمل هذا الحديث عليه من قيام النبي صلي الله عليه وآله عن مصلاه ووضع يده علي الخشبة وخروج سرعان الناس من المسجد وقولهم أقصرت الصلاة؟. وقول ذي اليدين أنسيت أم قصرت؟. وقول النبي صلي الله عليه وآله لم أنس ولم تقصر. فقال له: قد نسيت، وقول النبي لأصحابه: أحق ما يقول قالوا:
بلي نعم وغير ذلك مما نقله أبو هريرة (1) لمما يمحو صورة الصلاة بتاتا، والمعلوم من الشريعة المقدسة يقينا بطلان الصلاة بكل ماح لصورتها فلا يمكن بعد هذا بناؤه صلي الله عليه وآله علي الركعتين الأوليتين لأنه يناقض الحكم المقطوع بثبوته عنه صلي الله عليه وآله فتأمل.
الخامس: أن ذا اليدين المذكور في الحديث انما هو ذو الشمالين (2) ابن عبد عمرو حليف بني زهرة، وقد استشهد في بدر، نص علي ذلك امام بني زهرة واعرف الناس بحلفائهم محمد بن مسلم الزهري كما في الاستيعاب والإصابة وشروح الصحيحين كافة وهذا هو الذي صرح به الثوري في أصح الروايتين عنه وأبو حنيفة حين تركوا العمل بهذا الحديث، وأفتوا بخلاف مفاده - كما في
(1) فان من جملة ما نقله في رواية أخري أنه صلي الله عليه وآله دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس.
(2) اسمه عمير، ويقال، عمرو كذا في الإصابة.
(٨٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (1)، ذو الشمالين (1)، محمد بن مسلم (1)، الباطل، الإبطال (1)، السجود (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (3)، العصر (بعد الظهر) (2)، الركوع، الركعة (1)

صفحه 088

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٨٩
أواخر باب السهو والسجود له من شرح النووي لصحيح مسلم (1) - وحسبك حديث النسائي - مما يدل علي أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد - واليك لفظه:
قال (2) فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو: أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله: ما يقول ذو اليدين فصرح بان ذا الشمالين هو ذو اليدين، ومثله بل أصرح منه ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة (3) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن سليمان ابن أبي خيثمة كليهما عن أبي هريرة، قال: صلي رسول الله صلي الله عليه وآله الظهر أو العصر فسلم في ركعتين، فقال له ذو الشمالين بن عبد عمرو (قال): وكان حليفا لبني زهرة أخففت الصلاة أم نسيت؟. فقال النبي صلي الله عليه وآله ما يقول ذو اليدين؟ قالوا صدق، الحديث.
وأخرج أبو موسي من طريق حعفر المستغفري كما في ترجمة عبد عمرو ابن نضلة من الإصابة بالاسناد إلي محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن كل من سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال:
سلم رسول الله صلي الله عليه وآله في الركعتين فقام عبد عمرو (4) ابن نضلة رجل من خزاعة حليف لبني زهرة فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟. الحديث، وفيه قول النبي صلي الله عليه وآله: أصدق ذو الشمالين؟.
فهذه الأحاديث كلها صريحة في أن ذا اليدين المذكور في حديث أبي هريرة انما هو ذو الشمالين ابن عبد عمرو حليف بني زهرة، ولا ريب في أن ذا الشمالين المذكور قتل يوم بدر قبل ان يسلم أبو هريرة بأكثر من خمس سنين، وان
(1) في ص 235 من الجزء الرابع من الشرح وهو مطبوع في هامش ارشاد القسطلاني وتحفة زكريا الأنصاري.
(2) كما في ص 267 من الجزء الثالث من ارشاد القسطلاني.
(3) كما في ص 271 وفي ص 284 من الجزء 2 من المسند.
(4) كذا في الإصابة وقد عرفت انه قد قال: ان اسم ذي الشمالين عبد عمرو.
(٨٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو هريرة العجلي (5)، كتاب صحيح مسلم (1)، سعيد بن المسيب (1)، عبيد الله بن عبد الله (1)، ذو الشمالين (4)، التصديق (1)، القتل (1)، الركوع، الركعة (2)، السجود (1)، الصّلاة (3)، السهو (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، يوم عرفة (1)

صفحه 089

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٠
قاتله أسامة الجشعي، نص علي ذلك ابن عبد البر وسائل أهل الأخبار فكيف يمكن أن يجتمع مع أبي هريرة في الصلاة خلف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يا أولي الألباب؟.
وقد اعتذر بعضهم بأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي صلي الله عليه وآله أو من صحابي آخر، وعلي هذا لا يكون موت ذي اليدين قبل اسلام أبي هريرة مانعا من رواية أبي هريرة لهذا الحديث.
لكن هذا الاعتذار غلط محض، لان دعوي الحضور من أبي هريرة محفوظة ثابتة برواية الثقات الحفظة الاثبات، وحسبك في اثباتها ما أخرجه البخاري فيما جاء في السهو من صحيحه (1) عن آدم بن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: صلي بنا النبي صلي الله عليه وآله الظهر أو العصر وساق حديث ذي اليدين.
وأخرج مسلم في باب السهو في الصلاة والسجود له من صحيحه (2) عن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلي بنا رسول الله صلي الله عليه وآله إحدي صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر وساق الحديث.
وقد ارتبك الامام الطحاوي في هذه الأحاديث لبنائه علي صحتها مع جزمه بما جزم به الامام الزهري من أن ذا اليدين انما هو ذو الشمالين حليف بني زهرة المستشهد في بدر قبل اسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين، فلا يمكن اجتماعهما في الصلاة أبدا، لذلك اضطر إلي التأويل فحمل - كما في ص 266 من الجزء الثالث من ارشاد الساري في شرح البخاري للقسطلاني - قول أبي هريرة
(١) راجع الباب الثالث من أبواب ما جاء في السهو وهو باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول ص ١٤٥ من جزئه الأول.
(٢) ص ٢١٥ من جزئه الأول.
(٩٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو هريرة العجلي (8)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، سعد بن إبراهيم (1)، ذو الشمالين (1)، القتل (1)، السجود (2)، الصّلاة (4)، السهو (3)، العصر (بعد الظهر) (2)

صفحه 090

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩١
في هذه الأحاديث: صلي بنا علي المجاز وأن المراد صلي بالمسلمين.
والجواب أنه قد ثبت عن أبي هريرة النص الصريح بحضوره علي وجه لا يقبل التأويل ابدا. وحسبك ما أخرجه مسلم في باب السهو في الصلاة والسجود له من صحيحه (1) عن أبي هريرة قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلي الله عليه وآله صلاة الظهر سلم في الركعتين وساق الحديث، فهل يتأتي التجوز فيه؟.
كلا! بل منينا بقوم لا يتأملون؟ فانا لله وإنا إليه راجعون.
* (14 - كان النبي يؤذي ويجلد ويسب ويلعن من لا يستحق!) * أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا: اللهم انما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر واني قد اتخذت عندك عهدا لم تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك. الحديث (2).
وفيه ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسائر الأنبياء لا يجوز عليهم أن يؤذوا أو يجلدوا أو يسبوا أو يلعنوا من لا يستحق، سواء أكان ذلك في حال الرضا أم في حال الغضب، بل لا يمكن ان يغضبوا بغير حق، وتعالي الله عن ارسال رسل يستفزهم الغضب إلي جلد من لا يستحق أو لعنه أو سبه أو أذيته.
وتنزهت أنبياء الله عن كل قول أو فعل ينافي عصمتهم، وتقدسوا عن كل ما لا يليق بالحكماء.
(١) ص ٢١٦ من جزئه الأول.
(٢) أخرجه مسلم في ص ٣٩٢ والتي قبلها من الجزء الثاني من صحيحه في باب من لعنه النبي وليس هو اهلا لذلك من كتب البر والصلة والآداب وطرقة ثمة إلي أبي هريرة ثمانية، وأخرجه البخاري أيضا في صفحة ٧١ من الجزء الرابع من صحيحه في باب قول النبي من آذيته فاجعل ذلك له قربة إليك من كتاب الدعوات، وأخرجه أحمد في 243 من الجزء الثاني من مسنده.
(٩١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، الغضب (2)، الصّلاة (1)، الجواز (1)، السهو (1)، الركوع، الركعة (1)

صفحه 091

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٢
وقد علم البر والفاجر والمؤمن والكافر ان ايذاء من لا يستحق من المؤمنين أو جلدهم أو سبهم أو لعنهم علي الغضب ظلم قبيح وفسق صريح، يربأ عنه عدول المؤمنين، فكيف يجوز علي سيد النبيين، وخاتم المرسلين؟ وقد قال صلي الله عليه وآله (1): سباب المسلم فسوق، وعن أبي هريرة (2) قال قيل يا رسول الله ادع علي المشركين، قال: إني لم أبعث أمانا وانما بعثت رحمة، هذه حاله مع المشركين فكيف به مع من لا يستحق من المؤمنين؟. وقد قال صلي الله عليه وآله (3):
لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة، وعن عبد الله بن عمرو (4) لم يكن رسول الله فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: ان خياركم أحاسنكم أخلاقا وعن أنس (5) قال: لم يكن رسول الله فاحشا ولا لعانا ولا سبابا، وقال أبو ذر (6) لأخيه حين بلغه مبعث النبي صلي الله عليه وآله إركب إلي هذا الوادي فاسمع من قوله، فرجع فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وعن عبد الله بن عمر وقال كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا:
اتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله يتكلم في الرضا والغضب فأمسكت عن الكتاب، وذكرت ذلك لرسول الله صلي الله عليه وآله فأومأ بأصابعه إلي فيه وقال اكتب
(1) من حديث أخرجه البخاري ص 39 من الجزء الرابع من صحيحه في باب ما ينهي عنه من السباب واللعن من كتاب الآداب.
(2) فيما أخرجه مسلم في ص 393 من الجزء الثاني من صحيحه في باب النهي عن لعن الدواب وغيرها.
(3) فيما أخرجه مسلم في الصفحة المذكورة أعني ص 393 من جزء 2.
(4) فيما أخرجه البخاري في ص 38 من الجزء الرابع من صحيحه في باب ما حسن الخلق.
(5) فيما أخرجه البخاري في ص 39 من الجزء الرابع من صحيحه في باب ما ينهي عنه من السباب واللعن.
(6) كما في ص 38 من الجزء الرابع من صحيح البخاري.
(٩٢)
مفاتيح البحث: مكارم الأخلاق (1)، مبعث النبي صلي الله عليه وآله (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، يوم القيامة (1)، عبد الله بن عمرو (1)، عبد الله بن عمر (1)، الشهادة (1)، الغضب (2)، السب (1)، الجواز (1)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 092

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٣
فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق اه. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله أكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت في الرضا والغضب؟ قال: نعم فاني لا أقول في ذلك كله إلا حقا اه (1).
وسئلت عائشة عن خلق النبي صلي الله عليه وآله فقالت: هل قرأت القرآن قال: نعم قالت: خلقه القرآن قلت: يا لها كلمة تدل علي بلاغتها ومعرفتها بكنه أخلاقه صلي الله عليه وآله ولا غرو فقد رأته صلي الله عليه وآله والقرآن نصب عينه يهتدي بهديه، ويستضئ بنور علمه، متعبدا بأوامره وزواجره، متأدبا بآدابه، مطبوعا علي حكمته، يتبع أثره، ويقتفي سوره، فاقرأ خلقه - ان شئت - في قوله تعالي (2) (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا * والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون (3) والكاظمين الغيظ العافين عن الناس والله يحب المحسنين (4) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (5) خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين (6) ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (7) وقولوا للناس حسنا (8) واجتنبوا قول الزور (9) ولا تعتدوا ان الله لا يحب
(١) أخرج هذين الحديثين كليهما ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله فراجع من مختصره باب الرخصة في كتاب العلم ص ٣٦.
(2) هي الآية 58 من سورة الأحزاب.
(3) هي الآية 38 من سورة الشوري.
(4) هي الآية 135 من آل عمران.
(5) هي الآية 64 من سورة الفرقان.
(6) هي الآية 199 من الأعراف.
(7) هي الآية 34 من فصلت.
(8) هي الآية 83 من البقرة.
(9) هي الآية 30 من الحج.
(٩٣)
مفاتيح البحث: الامر بالمعروف (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة الكاظمين (1)، القرآن الكريم (3)، الغضب (2)، كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1)، سورة الأحزاب (1)، سورة الشوري (1)، سورة الفرقان (1)، الحج (1)

صفحه 093

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٤
المعتدين (1) وما لنا ان لا نتوكل علي الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن علي ما آذيتمونا وعلي الله فليتوكل المتوكلون (2) ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا اذي كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور (3) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (4) فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل علي الله (5)).
هذا خلق رسول الله صلي الله عليه وآله وهذه حاله مع المؤمنين وغيرهم وهو القائل (6) الرجل من ملك نفسه عند الغضب، وقال صلي الله عليه وآله (7) من يحرم الرفق يحرم الخير وقال صلي الله عليه وآله (8) الرفق لا يكون في شئ إلا زانه، ولا ينزع من شئ إلا شانه وقال صلي الله عليه وآله (9): ان الله رفيق يحب الرفق ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف وما لا يعطي علي ما سواه، وقال صلي الله عليه وآله (10): المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، وحسبك قوله تعالي وهو أصدق القائلين: (وإنك لعلي خلق عظيم) فكيف يجوز عليه - بعد هذا - ان يلعن أو يسب أو يجلد أو يؤذي علي
(1) هي الآية 37 من المائدة.
(2) هي الآية 12 من إبراهيم.
(3) هي الآية 186 من آل عمران.
(4) هي الآية 215 من الشعراء.
(5) هي الآية 159 من آل عمران.
(6) فيما أخرجه مسلم في ص 396 من الجزء الثاني من صحيحه.
(7) فيما أخرجه مسلم في ص 390 من الجزء الثاني من صحيحه.
(8) فيما أخرجه مسلم في الصفحة المذكورة.
(9) فيما أخرجه مسلم في الصفحة الآنفة الذكر أعني ص 390 من الجزء الثاني من صحيحه.
(10) فيما أخرجه البخاري في الصفحة السادسة من الجزء الأول من صحيحه.
(٩٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الغضب (1)، الجواز (1)

صفحه 094

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٥
مجرد الغضب نعوذ بالله وبه نستجير؟! ما قدروا الله حق قدره فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون.
انما وضع هذا الحديث علي عهد معاوية تزلفا إليه، وتقربا إلي آل أبي العاص، وسائر بني أمية وتداركا لما ثبت عن النبي صلي الله عليه وآله: من لعن جماعة من منافقيهم وفراعنتهم إذ كانوا يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا فسجل عليهم رسول الله صلي الله عليه وآله بلعنه إياهم في كثير من مواقفه المشهودة خزيا مؤبدا، ليعلم الناس أنهم ليسوا من الله ورسوله في شئ، فيأمن علي الدين من نفاقهم، وعلي الأمة من عبثهم، وما كان ذلك منه إلا نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين من بعده ولعامتهم.
وقد كان صلي الله عليه وآله رأي في منامه كأن بني الحكم ابن أبي العاص ينزون علي منبره كما تنزو القردة فيردون الناس علي أعقابهم القهقري، فما رؤي بعدها مستجمعا ضاحكا حتي توفي (1) وقد انزل الله تعالي في ذلك عليه قرآنا يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا وكفرا (2) والشجرة الملعونة في القرآن هي الأسرة الأموية اخبره الله تعالي بتغلبهم علي مقامه وقتلهم ذريته، وعبثهم في أمته فلم ير بعدها ضاحكا حتي لحق بالرفيق الاعلي، وهذا من اعلام النبوة وآيات الاسلام والصحاح فيه متواترة ولا سيما من طريق العترة الطاهرة.
أعلن رسول الله صلي الله عليه وآله أمر هؤلاء المتغلبين ليهلك من هلك عن بينة ويحيي
(١) أخرجه الحاكم في ص ٤٨٠ من الجزء الرابع من مستدركه في كتاب الفتن والملاحم وصححه علي شرط الشيخين واعترف الذهبي بصحته في تلخيص المستدرك علي تعنته.
(2) هي الآية 6 من الاسراء.
(٩٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، الدولة الأموية (1)، الشجرة الملعونة في القرآن الكريم (2)، بنو أمية (1)، سبيل الله (1)، الغضب (1)، الهلاك (1)

صفحه 095

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٦
من حي عن بينة وما علي الرسول إلا البلاغ المبين.
وحسبك من اعلانه أن الحكم بن أبي العاص استأذن عليه مرة فعرف صلي الله عليه وآله صوته وكلامه فقال (1): إئذنوا له عليه لعنة الله وعلي من يخرج من صلبه إلا المؤمنون منهم (2) وقليل ما هم يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق.
وقال صلي الله عليه وآله (3): إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا، ودين الله دغلا.
وقال صلي الله عليه وآله مرة أخري (4): إذا بلغ بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نخلا، وكتاب الله دغلا.
وكان لا يولد لاحد مولود إلا أتي به النبي صلي الله عليه وآله فدعا له فدخل عليه مروان بن الحكم، فقال صلي الله عليه وآله (5) هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون.
(١) فيما أخرجه الحاكم وصححه في صفحة ٤٨١ من الجزء الرابع من مستدركه في كتاب الفتن والملاحم.
(2) هذا المؤمن المسكين لم يبق له في عرف أبي هريرة حظ من القريب لله ولا نصيب من الرحمة حيث استثناه النبي " ص " من هذه اللعنة فأولياء أبي هريرة يؤثرون عدم استثنائه كما يتمنون ان يلعنهم رسول الله ويلعن آباءهم ليكون ذلك كفارة لهم وقربة.
(3) أخرجه الحاكم بالاسناد إلي كل من أبي ذر وأمير المؤمنين علي وأبي سعيد الخدري وصححه في ص 480 من الجزء الرابع من المستدرك وصححه الذهبي في تلخيصه أيضا.
(4) أخرجه الحاكم في ص 479 من الجزء الرابع من صحيحه المستدرك باسناده إلي أبي ذر من طريقين.
(5) فيما أخرجه الحاكم وصححه في صفحة 479 من الجزء الرابع من مستدركه
(٩٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مروان بن الحكم (1)، الحكم بن أبي العاص (1)، بنو أمية (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، كتاب الفتن والملاحم لابن كثير الشافعي (1)، أبو هريرة العجلي (2)

صفحه 096

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٧
وعن عائشة من حديث (1) قالت فيه: ولكن رسول الله صلي الله عليه وآله لعن أبا مروان ومروان في صلبه - قالت -: فمروان قصص من لعنة الله.
وعن الشعبي عن عبد الله بن الزبير قال (2): أن رسول الله صلي الله عليه وآله لعن الحكم وولده.
والصحاح في هذا ونحوه متواترة، وحسبك منها ما أخرجه الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من صحيحه المستدرك، إذ أخرج منها ما فيه بلاغ لأولي الألباب، وختم الباب بقوله (3): ليعلم طالب العلم أن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روي وان أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم - قال -: ولم يسعي فيما بيني وبين الله ان أخلي الكتاب من ذكرهم اه.
(قلت): وهذا القدر كاف لاثبات ما قلناه من أنهم انما اختلقوا هذا الحديث وأمثاله تداركا لتلك اللعنات، ومما يوجب الأسف أن العامة آثرت أولئك اللعناء المنافقين علي نبيها صلي الله عليه وآله من حيث لا تشعر إذ صححوا هذه الخرافة صوتا للملعونين، ولم يأبهوا بما يلزم ذلك من اللوازم التي لا تليق برسول الله صلي الله عليه وآله.
وما كان للأمة أن تحتفظ بكرامة من لعنهم نبيها لنفاقهم، ونفاهم افسادهم فتضيع علي أنفسها المصلحة التي توخاها صلي الله عليه وآله لها في لعنهم واقصائهم،
(1) أخرجه الحاكم وصححه علي شرط الشيخين في ص 481 من الجزء الرابع من مستدركه.
(2) أخرجه الحاكم وصححه في آخر صفحة 481 من الجزء الرابع من المستدرك (3) في أول صفحة 480 من الجزء الرابع من مستدركه ولا يخفي ما في كلامه من الدلالة علي تخوفه من العامة وجمهور المسلمين أن ينكروا عليه إخراج هذه الصحاح فاعتذر إليهم بأنه لم يسعه أن يخلي كتابه منها وجعل الله شهيدا فيما بينه وبينهم علي ذلك وهنا عرفت معني قول القائل: ما المسلمون بأمة محمد * كلا ولكن أمة لعدوه
(٩٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، كتاب الفتن والملاحم لابن كثير الشافعي (1)، عبد الله بن الزبير (1)، النفاق (1)، يوم عرفة (1)

صفحه 097

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٨
وهم الذين دحرجوا الدباب ليلة العقبة لينفروا برسول الله فيطرحوه، وكان إذ ذاك قافلا من غزوة تبوك في حديث ثابت مستفيض (1) وهو طويل، وقد جاء في آخر فلعنهم رسول الله صلي الله عليه وآله يومئذ.
والعجب من المسلم ينتصر لهم وقد جرعوا النبي صلي الله عليه وآله كل غصة وقعدوا له في كل مرصد، ووثبوا عليه وعلي أهل بيته من بعده كل وثبة (2) وما لعنهم
(1) وقد أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي الطفيل عامر بن وائلة في أواخر الجزء الخامس من مسنده.
(2) ذكر الزبير بن بكار قضية كانت في الشام بين إمام الأمة وسيد شباب أهل الجنة أبي محمد الحسن السبط وخصومه وهم معاوية وأخوه عتبة وابن العاص وابن عقبة وابن شعبة، وقد احتدم فيها الجدال فكان من جملة ما قاله الحسن يومئذ:
وأنتم تعلمون ان رسول الله صلي الله عليه وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها واسترسل في ذكرها موطنا موطنا ثم تكلم مع ابن العاص، فكان مما قاله يومئذ له:
أنك لتعلم وكل هؤلاء يعلمون أنك هجوت رسول الله صلي الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر فقال صلي الله عليه وآله: اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي اللهم العنه بكل حرف الف لعنة فعليك إذن من الله مالا يحصي من اللعن، والقضية طويلة فراجعها في ص 101 إلي ص 104 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي. وأوردها الطبرسي في احتجاجه ص 104 من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي. وأوردها الطبرسي في احتجاجه المجلسي في بحاره، وغير واحد من الخاصة والعامة، واخرج مسلم في آخر باب من لعنة النبي وليس أهلا لذلك ص 393 من الجزء الثاني من صحيحه - بالاسناد إلي ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وآله أمره أن يدعو له معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل، ثم قال لي: إذهب فادع لي معاوية، قال فجئت فقلت هو يأكل، فقال صلي الله عليه وآله لا أشبع الله بطنه (قلت): وجاء في بعض طرقنا إلي ابن عباس في هذا الحديث ان رسول الله صلي الله عليه وآله لعن معاوية يومئذ. ويدلك علي لعنه يومئذ ان مسلما أورد هذا الحديث في باب من لعنه النبي في صحيحه كما سمعت لكنهم يحرفون الكلم عن مواضعه احتفاظا منهم بكرامة هؤلاء المنافقين.
(٩٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، معركة تبوك (1)، عبد الله بن عباس (2)، العلامة المجلسي (1)، الزبير بن بكار (1)، الشام (1)، الجدال (1)، النفاق (1)، الأكل (2)

صفحه 098

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٩٩
إلا ليطردهم الله من رحمته، ويجتنبهم المؤمنون من أمته جزاء وفاقا، لا ليقربهم إلي الله زلفي كما يخرفون.
* (15 - عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة) * أخرج الشيخان بالاسناد إلي أبي هريرة قال: صلي رسول الله صلاة فقال صلي الله عليه وآله: ان الشيطان عرض لي فشد علي يقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته - أي فخنقته - ولقد هممت ان أوثقه إلي سارية حتي تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان عليه السلام: ربي هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي الحديث. (1).
وفيه ان أنبياء الله وخيرته من خلقه صلوات الله وسلامه عليهم يجب أن يكونوا في نجوة (2) من هذا وفي منتزح عنه (3) فإنه ينافي عصمتهم، ويضع من قدرهم، ومعاذ الله يشدد الشيطان عليهم، أو يعرض لهم، أو تسول له نفسه الطمع فيهم، وقد قال الله عز وجل له " ان عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ".
وعلم المسلمون علي اختلافهم في المذاهب والمشارب أن الشيطان قد عقر (4) بمولد رسول الله " ص " ودهش بمبعثه، وبرق بهجرته وخرق (5)
(1) أخرجه البخاري في ص 143 من الجزء الأول من صحيحه في باب ما يجوز من العمل في الصلاة، وأخرجه مسلم في ص 204 من الجزء الأول من صحيحه في باب جواز لعن الشيطان في الصلاة، وأخرجه احمد في ص 298 من حديث أبي هريرة في الجزء الثاني من مسنده.
(2) النجوة في الأصل ما ارتفع من الأرض جمعه نجاه، تقول: انك من الامر بنجوة إذا كنت بعيدا منه بريئا سالما.
(3) مأخوذ من انتزح بمعني ابتعد.
(4) بفتح العين وكسر القاف أي فاجأه الروع فدهش فلم يقدر ان يتقدم أو يتأخر.
(5) اي بهت شاخصا ببصره.
(٩٩)
مفاتيح البحث: النبي سليمان عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الصّلاة (5)، الجواز (2)

صفحه 099

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٠
بظهوره، ونصرته، وانماث كالملح في الماء يهديه وقوانينه ونظمه. وطار شعاعا من صلاته، وذهب لماءا بما أودعه الله فيها من الحكم والاسرار فإذا هي تنهي عن الفحشاء والمنكر.
وكان " ص " إذا قام إلي الصلاة تخلي بنفسه المطمئنة. وتجرد بروحه الروحية عن كل شئ سوي الله وحده يتمحض اقبالا علي الله، وعبودية خالصة لوحدانية عز سلطانه، فإذا أحرم لها بالتكبير تعوذ بالله قبل الشروع في القراءة عملا بقوله تعالي " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ".
ومن البديهي أنه إذا استعاذ بالله يعوذه، والشيطان لا يجهل هذه الحقيقة وإن جهلها المخرفون.
وقد روي أبو هريرة (1) ان الشيطان إذا سمع الاذان للصلاة من أي مسلم كان أدبر هاربا وولي فرقا، وله ضراط هلع وجزع، فكيف يجرأ علي رسول الله " ص " فيتسور علي مقامه الرفيع، وهو في ذلك الحرم المنبع، بين يدي الله، عائذا بعزته، لائذا بعصمته، منقطعا إليه عن كل شئ، هيهات هيهات " أنه ليس له سلطان علي الذين آمنوا وعلي ربهم يتوكلون انما سلطانه علي الذين يتولونه وهم به مشركون ".
فان قلت: ما تقولون في الآية 37 من حم السجدة وهي قوله عز من قائل " وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه هو السميع العليم ".
قلنا: ان الله جلت آلاؤه أدب حبيبه محمدا بآداب اختصه بها ففضله علي العالمين حتي لم يبق نبي مرسل، ولا ملك مقرب، ولا شيطان مريد، ولا خلق فيما بين ذلك شهيد، الا بخع لآدابه، وخشع لأخلاقه، فما من أمر في الذكر
(1) فيما أخرجه البخاري في أول كتاب الاذان ص 78 من الجزء الأول من صحيحه، وأخرجه مسلم في باب فضل الاذان وهرب الشيطان منه ص 153 من الجزء الأول من صحيحه.
(١٠٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، القرآن الكريم (1)، الشهادة (1)، السجود (1)، الجهل (1)، الصّلاة (2)

صفحه 100

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠١
الحكيم الا ائتمر به، وما ن زجر في القرآن العظيم الا انزجر به، وما من حكمة الا اخذ بها، كان القرآن نصب عينيه، يقتفي أثره، ويتبع سوره، وهذه الآية مما جاء في سياق آدابه وأخلاقه، فانظر إلي ما قبلها من الآيات البينات تجد الحكمة، وفصل الخطاب، فان ما قبلها بلا فصل (ادفع بالتي هي أحسن فذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم).
هذه هي الغاية في الأخلاق طبع الله عليها عبده، وخاتم رسله، فكان صلي الله عليه وآله يمثلها في هديه منذ قال في مبدأ أمره (ودم جبهته يسيل علي وجهه ولحيته) اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون إلي أن نادي مناديه يوم الفتح وكان في منتهي عمره من خل دار أبي سفيان فهو آمن.
أرهف الله عزائمه، وشحذ هممه للاخذ بهذه التعاليم وحمله علي هذه الأخلاق بكل أسلوب يأخذ إليها بالأعناق، ألا تراه جل وعلا كيف لم يكتف ببعثه عليها حتي شوقه إليها، وبلغ الغاية في تحظيضه عليها، فقال وهو أصدق القائلين: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ثم لم يقف علي هذا الحد في ارهاف عزيمته حتي حذره مما طبع البشر عليه من فورة تكون في النفس، ونزغة - أي نخسة - تكون في القلب عند هجوم الأذي، اممض من العدو الملح، وسمي تلك النخسة البشرية نزغا من الشيطان علي سبيل المجاز تنفيرا منها وتنزيها عنها فقال (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) أي وإما ينخسنك من الغضب الذي طبع عليه البشر نخس يشبه نزغ الشيطان في تضييق الصدر وتوهين عري الصبر (فاستعذ بالله) ونظير هذه الآية قوله عز من قائل - في سورة الأعراف - (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه سميع عليم) فان الله عز وجل أراد صيانة حبيبه عن مقابلة الجاهلين الذين قامت عليهم
(١٠١)
مفاتيح البحث: سورة الأعراف (1)، القرآن الكريم (2)، الغضب (1)، الصبر (3)

صفحه 101

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٢
الحجة فجحدوها وتمادوا بالكفر عنادا لله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله فأمره بالاعراض عنهم، ولمزيد عنايته في تهذيبه وتفضيله علي البشر حذره بما طبع البشر عليه من التأثر القلبي، والتزفر النفسي عند هجوم الجاهلين بسفههم وبذاتهم، وسمي ذلك التأثر الطبيعي نزغا من الشيطان علي سبيل التجوز تنزيها لنبيه عنه، وتنفيرا له منه إذ كان صلي الله عليه وآله لا ينفر من شئ نفوره من الشيطان، ومما يشبه عمله فقال عز من قائل: (واما ينزغنك من الشيطان نزغ) يوهن صبرك عن احتمال سفه الجاهلين ويدعوك إلي إظهار الغضب منهم (فاستعذ بالله).
فأين هذا المعني عما جاء في حديث أبي هريرة من شد الشيطان علي رسول الله صلي الله عليه وآله ليقطع عليه صلاته؟ الامر الذي لا يجوز بحكم العقل والنقل.
(فان قلت): ما تقول في الآية 52 من سورة الحج (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمني القي الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد، وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك) الآية.
(قلنا): ان من المعلوم بحكم الضرورة من دين الاسلام ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسائر الرسل والأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم أن يتمنوا مالا يرضي الله به وحاشاهم ان يتمنوا من الأمور كلها إلا ما كان لله فيه رضا ولعباده صلاح.
وقد كان صلي الله عليه وآله يتمني لأهل الأرض كافة ولكل واحد منهم أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدي ولا سيما الأقرب إليه منهم فالأقرب والشيطان كان يلقي في هذه الأمنية (1) بغروره وحيله ما يشوهها في نظر من كان كأبي لهب وأبي جهل ممن استحوذ عليهم بفتنته فصدهم عما تمناه الرسول لهم من خير الدنيا والآخرة حتي أغراهم بقتاله واستئصاله.
(1) الأمنية ما يتمني والجمع أمان وأماني.
(١٠٢)
مفاتيح البحث: الأنبياء (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (1)، سورة الحج (1)، الظلم (1)، الجهل (1)، المرض (1)، الغضب (1)، الجواز (2)

صفحه 102

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٣
وكان " ص " يتمني لمن دخل في الاسلام كافة ولكل واحد منهم أن يخلصوا لله تعالي ولكتابه ولرسوله ولسائر عباده اخلاصا تستوي فيه ظواهرهم وبواطنهم وعلانياتهم وسرائرهم لكن الشيطان كان يلقي في هذه الأمينة المبرورة من تسويله وتضليله ما يقتضي تشويش كثير من الناس ويوجب نفاقهم وكان " ص " يتمني لكل فرد من أمته ان ينهج منهاجه القويم، وصراطه المستقيم، لا يحيد قيد شعرة فما دونها عن سنته المقدسة وكانت قصاري أمانيه أن تتفق الأمة علي هديه وتكون بأجمعها نصب أمره ونهيه فلا يختلف منها اثنان لكن الشيطان ألقي في هذه الأمنية المشكورة من وسوسته في صدور كثير من الناس ما خدعهم عن السنن فتفرقت بهم السبل وكانوا طرائق قددا، وهكذا كان الغرور الرجيم يرصد ما يتمناه الرسول من خير عام أو خاص فيلقي فيه من التشويه في نظر المغترين بزخارفه ما يصرفهم عنه.
والمنخدعون بأباطيل الشيطان وأضاليله كثيرون، قد أعد لهم خيله ورجله، ونصب لهم حبائله وأشراكه، ووقف لهم علي ساق يريهم الحق بغروره باطلا، والباطل بزخارفه حقا، لا يألوا جهدا في تشويه ما يتمناه الرسول لهم، ولا يدخر وسعا في صدهم عنه بكل حيلة.
وهذا ما أقض مضجع رسول الله صلي الله عليه وآله اشفاقا علي الناس من هذا الوسواس الخناس، وفرقا من أضاليله وأباطيله أن تظهر علي الحق المبين فكان صلي الله عليه وآله بسبب ذلك مستوجبا للتعزة من الله عز وجل فعزاه وخفض عليه بهذه الآية (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي (1) إلا إذا تمني) مثل ما تمنيت من الخير خاضا أو عاما (ألقي الشيطان في أمنيته) ما ألقاه في
(1) من، الأولي لابتداء الغاية، ومن، الثانية زائدة لتأكيد النفي وهذه الآية دالة بظاهرها علي التغاير بين الرسول والنبي، والتحقيق في هذا موكول إلي مظانه.
(١٠٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الباطل، الإبطال (1)

صفحه 103

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٤
أمنيتك من التشويه بالتمويه علي كثير من الناس فصدهم عنها بغروره وفتنته فان الرسل والأنبياء كانوا بأجمعهم يتمنون لأهل الأرض عامة أن يكونوا علي هدي من ربهم، وكانوا بأسرهم يتمنون لمن آمنوا بهم أن يخلصوا لله اخلاصا حقيقيا لا تشوبه شائبة، وكانت قصاري أمانيهم أن تتفق أممهم علي هديهم فلا يختلف في ذلك منهم اثنان، لكن الشيطان كان يلقي في هذه الأماني الشريفة من وسوسته ما يخدعهم عنها فلم تتحقق أمانيهم إلا قليلا حتي افترقت أمة موسي إحدي وسبعين فرقة، وافترقت أمة عيسي اثنين وسبعين فرقة، وهكذا أمم الأنبياء كافة لم تتحقق فيهم أماني رسلهم بسبب ما يلقيه الشيطان فيها من التشويه بالتمويه، فلا يكبرن عليك (يا محمد) ما منيت به في أمانيك المقدسة حيث لم تتحقق في كثير من الأوقات بسبب ما يلقيه الشيطان فيها من التشويه الموجب لصرف كثير من الناس عنها ولك أسوة حسنة في هذا بجميع من كان قبلك من الرسل والأنبياء فإنك وإياهم في هذا الامر شرع سواء، سنة من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا.
وحيث كان صلي الله عليه وآله مشفقا من أباطيل الشيطان أن تظهر علي الحق أمنه عز وجل من هذه الناحية إذ قال: (فينسخ الله) أي فيزيل الله (ما يلقي الشيطان) في أمانيك وأماني الرسل والأنبياء من تشويهها بتمويهه الذي لا يثبت أمام الحق الساطع والبرهان القاطع ابدا ثم بشره بظهور الحق الذي جاء به عن ربه. وجاءت به الرسل والأنبياء من قبله وبقائه محكما فقال وقوله الحق ووعده الصدق (ثم يحكم الله آياته) أي يتقنها كما قال في مقام آخر (ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون).
وأولوا الألباب يعلمون ان ليس المراد من النسخ والاحكام هنا معناها المصطلح عليه في عرف المفسرين، وإنما المراد من النسخ والاحكام في هذه الآية معناها اللغوي، فالنسخ بمعني الإزالة والاحكام بمعني الاتقان
(١٠٤)

صفحه 104

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٥
وهذه الآية في نسخها وإحكامها ليست إلا كقوله تعالي: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).
ثم لمزيد عنايته عز وعلا بنبيه ألفته إلي ما يوجب له مزيد الطمأنينة بفوز الأنبياء وخزي الشيطان فقال (والله عليم حكيم) وسع كل شئ علما وحكمة يعلم اخلاص الرسل والأنبياء في أمانيهم فيمدهم بروح القدس من عنده ويبوئهم مبوأ صدق من كرامته ويعلم عداوة الشيطان لله ولرسوله ولعباده بما يلقيه من التشويه في أماني الرسل والأنبياء فيخزيه بخبث سريرته ولؤم علانيته علي ما تقتضيه الحكمة من كرامة من يستحق الكرامة وخزي من يستحق الخزي فان الحكمة وضع الأمور مواضعها.
وشاءت حكمته تعالي ان يميز الخبيث من الطيب من عباده فابتلاهم بالغرور الرجيم يلقي التشويه في أماني الرسل والأنبياء (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة) اي اختبارا وتمحيصا (الذين في قلوبهم مرض) من النفاق (والقاسية قلوبهم) لا تلين لذكر الله وما نزل من الحق إذ ران عليها ما سول الشيطان لهم من الكفر فحجبها عن نور الايمان والهدي (وان الظالمين) من المنافقين والكفار (لفي شقاق بعيد) أي في عداوة لله ولرسوله لا أجل لها قد أعمت عن الحق أبصارهم وأصمت أسماعهم ورانت علي قلوبهم، ونعقوا بسببها مع كل ناعق من الشيطان (وليعلم الذين أوتوا العلم) بوحدانية الله وحكمته وبعثة الرسل والأنبياء (انه الحق من ربك ليؤمنوا به) غير آبهين بالشيطان ولا بشئ من تهويله وتضليله.
وبالجملة: فان الله سبحانه شاءت حكمته ان يميز الخبيث من الطيب فامتحن الناس بما قلناه فازداد الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم مرضا وقسوة وازداد المؤمنين ايمانا ويقينا، فقوله عز وجل: ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة إلي أن قال: وليعلم الذين أوتوا العلم، جاري مجري قوله تعالي: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله
(١٠٥)
مفاتيح البحث: التصديق (1)، الظلم (1)، الضرب (1)، الكرم، الكرامة (1)، النفاق (1)، المرض (2)

صفحه 105

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٦
الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين * (1) وقوله تعالي: ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب (2) وقوله عز اسمه وليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين (3).
ولا غرو فان الله عز وجل ان يمتحن عباده من صنوف المحن وأنواع الفتن له الحجة في الثواب والعقاب كما هو مبرهن عليه في محله من كتب الأصحاب فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين (4) ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة (5).
ولنرجع إلي أصل الآية: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمني ألقي الشيطان في أمنيته، فإنه لا يراد بها ان الشيطان يلقي في نفس الرسول أو النبي شيئا (والعياذ بالله) ليشكل الامر فنحتاج إلي تخريج الآية علي خلاف ظاهرها وإنما المراد ما نصت الآية عليه من أن الشيطان يلقي في الأمنية نفسها اي يلقي فيما يتمناه الرسول أو النبي - من الخير والسعادة شيئا من التشويه في نظر رعاع الشيطان والناعقين معه ليصدهم بسبب ذلك عما تمناه الرسول لهم ويحول بين الأمنية وتحققها في الخارج فتكون الآية الحكيمة علي حد قول القائل:
ما كل ما يتمني المرء يدركه.
هذا هو المراد من الآية قطعا وهو المتبادر منها إلي الأذهان وان لم يذكره - فيما اعلمه - أحد من المفسرين أو غيرهم، والعجب من غفلتهم عنه علي وضوحه وكونه هو اللائق بالذكر الحكيم والنبي العظيم، وسائر الرسل والأنبياء
(1) في أول سورة العنكبوت.
(2) الآية 179 من سورة آل عمران.
(3) الآية 141 من سورة آل عمران.
(4) الآية 149 من سورة الأنعام.
(5) الآية 42 من سورة الأنفال.
(١٠٦)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)، سورة الأنفال (1)، سورة آل عمران (2)، سورة الأنعام (1)، سورة العنكبوت (1)

صفحه 106

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٧
عليهم السلام فلا يجوز حمل الآية علي ما سواه أبدا (1).
أما حديث الغرانقة فإنه من مختلقات الزنادقة كما أوضحناه علي سبيل التفصيل في رسالة أفردناها لهذا الحديث ولكل ما كان حوله متنا وسندا أسميناها خرافة الزنادقة أو سخافة الغرانقة (2) والله المسؤول ان يوفقنا لنشرها فإنها في بابها مما لا نظير له، والحمد لله علي هدايته وعظيم عنايته.
ولنرجع إلي ما كنا فيه من حديث أبي هريرة إذ قال: صلي رسول الله صلاة فقال: ان الشيطان عرض لي فشد علي يقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته وقد هممت أن أوثقه إلي سارية حتي تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان: رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي الحديث.
فليسمح لي الشيخان وغيرهما ممن يعتبرون حديث أبي هريرة لأسألهم هل الشيطان جسم يشد وثاقه ويربط بالسارية حتي يصبح وتراه الناس بأعينها أسيرا مكبلا؟ ما أظن أن أحدا يقول بأن الشيطان ذو جسم كثيف يقع عليه ذلك.
ولعل الذي جرأ أبا هريرة علي هذا الحديث قصور مداركه عن معاني الذكر الحكيم والفرقان العظيم، فظن أن بعض آياته تثبت وقوع مثل ذلك إذ قال الله عز وجل فيما اقص من خبر سليمان: فسخروا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشيطان كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين بالأصفاد.
(١) نشرنا هذا التفسير في المجلد الحادي والثلاثين من مجلة العرفان ص ١١٣ وما بعدها.
(٢) كنا أولا تصدينا في هذا المقام لحديث الغرانيق فلم نبق مما يتعلق به شيئا إلا فصلناه تفصيلا حتي أفضت بنا التفاصيل إلي الخروج عن موضوع الكتاب لذلك آثرت ان أسلخ منه ما يتعلق بسخافة الغرانقة فأخرجته كتابا غزير المادة جم الفوائد داني القطوف.
(١٠٧)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (3)، الصّلاة (1)، الجواز (1)

صفحه 107

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٨
فظن الرجل انهم كانوا كسائر المقربين بالأصفاد من البشر ولم يدر أنهم كانوا مقرنين في عالمهم الشيطان بأصفاد تتفق مع طبائعهم الشيطانية تمنعهم عما يحاولونه من العبث والفساد من حيث لا يراهم من الآدميين أحد أبدا.
ذكر أبو هريرة في هذا الحديث: ان النبي صلي الله عليه وآله إنما أطلق سراح الشيطان كراهة أن يكون له ملك سليمان، ولولا ذلك لأوثقه إلي سارية حتي تصبحوا فينظروا إليه.
وقد أشتبه أبو هريرة قان الله عز سلطانه وهب لسليمان ملكا سخر له به الريح غدوها شهر ورواحها شهر، وأسال له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمره يذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات فوهب له بهذا ملكا لم يهبه لرسول الله في ظاهر الحال فلو أوثق صلي الله عليه وآله شيطان أبي هريرة لا يكون بمجرد ذلك مساويا في الملك لسليمان إذ تبقي الميزة لملك سليمان بتسخير الريح وإسالة عين القطر وعمل الجن والشياطين من كل بناء وغواص، فالتعليل الذي ذكره أبو هريرة عليل وحديثه من الأباطيل وحاشا رسول الله ان يحير الحواس، ويدهش مشاعر الناس وهو صلي الله عليه وآله الذي نص علي اختصاص العقل بالخطاب وحاكم إليه الخطأ والصواب فجعل صحة الدليل آية الحق وأمرنا أن لا نسير إلا علي ضوئه (أفمن يمشي مكبا علي وجهه أهدي أمن يمشي سويا علي صراط مستقيم؟).
* (16 - نوم النبي عن صلاة الصبح!) * أخرج الشيخان بالاسناد إلي أبي هريرة واللفظ لمسلم (1) قال: عرسنا مع نبي الله فلم نستيقظ حتي طلعت الشمس، فقال النبي صلي الله عليه وآله ليأخذ كل رجل
(1) في باب قضاء الصلاة الفائتة ص 254 من الجزء الأول ن صحيحه.
(١٠٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (5)، الصّلاة (2)

صفحه 108

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٩
منكم برأس راحلته فان هذا منزل حضره الشيطان، قال أبو هريرة: ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلي صلاة الغداة.
وهذا الحديث يبرأ منه هدي رسول الله صلي الله عليه وآله فان الله عز وجل يقول:
(يا أيها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) إلي أن قال وهو أصدق القائلين (ان ربك يعلم أنك تقوم أدني من ثلثي الليل ونصفه) ويقول مخاطبا له في مقام آخر: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلي غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا (1) ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا) أي ومن الليل فصل بالقرآن زيادة لك علي الفرائض الخمس التي أوجبتها الآية الأولي، وبينت أوقاتها وذلك أن الفرائض الخمس واجبة علي جميع المكلفين، اما صلاة الليل فإنما كانت فريضة عليه صلي الله عليه وآله خاصة لم تكتب علي غيره، وقال مخاطبا له في مقام ثالث (وتوكل علي العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين) أي يراك إذ تقوم لعبادته في الليل حين لا يطلع عليك أحد، ويري تصرفك في المصلين بالقيام والقعود والركوع والسجود والذكر والقراءة والدعاء والابتهال إذا صليت في جماعة، وقال مخاطبا له في مقام رابع (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وادبار السجود).
وكان صلي الله عليه وآله يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتي لا يغلبه النوم (2)
(١) إن الله سبحانه جعل في هه الآية من دلوك الشمس الذي هو الزوال إلي غسق الليل وقتا للصلوات الأربع الظهر والعصر والمغرب والعشاء فالظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال إلي المغرب، إلا ان الظهر قبل العصر، والمغرب والعشاء اشتركا في الوقت من المغرب إلي الغسق، الا ان المغرب قبل العشاء، وأفرد الله صلاة الفجر بالذكر في قوله: وقرآن الفجر، ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس وبيان أوقاتها علي ما هو المعروف من مذهبنا الامامي.
(2) كذا في تفسير آية طه من مجمع البيان نقلا عن قتادة
(١٠٩)
مفاتيح البحث: صلاة الليل (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، القرآن الكريم (2)، السجود (2)، العزّة (1)، الصّلاة (5)، الخمس (3)، النوم (1)، كتاب مجمع البيان للطبرسي (1)، الوجوب (1)، العصر (بعد الظهر) (1)

صفحه 109

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٠
فيظل عائما وقاعدا وراكعا وساجدا حتي اسمغدت - أي تورمت قدماه (1) - فقال له جبرائيل عن الله عز وجل، ابق علي نفسك فان لها عليك حقا وأوحي إليه: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي إلا تذكرة لمن يخشي، والشقاء هو الاستمرار فيما يشق علي النفس نقيض السعادة. والمعني ما أنزلنا عليك القرآن لتستمر فيما يشق عليك فتهلك نفسك بالعبادة وتحملها المشقة والفادحة، وانما أنزلنا عليك القرآن تذكرة لمن يخشي، فرفقا بنفسك.
وقد عقد البخاري في صحيحه بابا لتهجده في الليل وبابا لطول سجوده في صلاة الليل. وبابا لطول قيامه فيها، وبابا لقيامه حتي تورمت ساقاه وتفطرت قدماه.
هذا دأبه في قيام الليل، فما ظنك به في إقامة الفرائض الخمس وهي أحد الأركان التي بني الاسلام عليها أيجوز عليه أن ينام عنها؟! معاذ الله وحاشا لله وهو الذي أهاب بأهل الأرض يتلو عليهم عن ربهم جل وعلا (حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي وقوموا لله قانتين) ونادي في الناس (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) إلي أن قال في وصفهم (والذين هم علي صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) وصاح في بني آدم (فأقيموا الصلاة أن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا) وأذن فاسمع العالم (قد أفلح من تزكي وذكر اسم ربه فصلي).
والقرآن الحكيم مشحون بمثل هذه الآيات البينات التي كان رسول الله صلي الله عليه وآله يحوط الناس بحكمتها وموعظتها الحسنة، وكم وخز الساهين عن عبادة ربهم بقوله: (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون) وفضح المنافقين بما أوحي الله إليه من صفاتهم بقوله تعالي (ولا يأتون الصلاة
(1) تجد الرواية في تورم قدميه في تفسير آية طه من الكشاف وعقد البخاري بابا لقيام النبي حتي تفطر قدماه وتورم ساقاه في ص 135 من الجزء الأول من صحيحه
(١١٠)
مفاتيح البحث: صلاة الليل (1)، القرآن الكريم (4)، السجود (1)، النفاق (1)، الصّلاة (5)، الخمس (1)

صفحه 110

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١١
إلا وهم كسالي ولا ينفقون إلا وهم كارهون) وندد برجل نام عن صلاة الليل حتي أصبح فقال صلي الله عليه وآله (1): بال الشيطان في أذنه.
يا لها كناية عن سوء حال من يستمر في عادته علي النوم عن صلاة الليل وما أبلغها من رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين.
كلمة تقض مضاجع المؤمنين وتقلقهم فلا ينامون بعدها عن نافلة الليل لو أنصفوا أنفسهم وقد علم البر والفاجر وشهد المسلم والكافر بأن محمدا صلي الله عليه وآله كان أول المبادرين إلي العمل بتعاليمه وأعظم المتعبدين بها المستقيمين المستمرين عليها وأنه كان يهذب أمته بافعاله، ويحملهم بها علي البخوع لتعاليمه أكثر مما يهذبهم بأقواله وما كان وهو سيد الحكماء ليندد بمن نام عن صلاة الليل هذا التنديد ثم ينام هو بمنظر من أصحابه عن صلاة الصبح، سبحانك هذا بهتان عظيم وقد روي أبو هريرة نفسه (2) ان رسول الله صلي الله عليه وآله قال: يعقد الشيطان علي قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد فان استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فان توضأ انحلت عقدة فان صلي انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلانا.
وهذا الحديث فيه من الكناية البليغة ما في الحديث السابق وهما يمثلان نصح النبي صلي الله عليه وآله لامته في تحذيرها من الشيطان وتنشيطها إلي عبادة الرحمن ولئن صدق فيه أبو هريرة في هذا الحديث فقد كذب في نوم النبي عن صلاة الصبح
(1) فيما أخرجه البخاري في باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في اذنه من كتاب الصلاة ص 136 من الجزء الأول من صحيحه.
(2) فيما أخرجه البخاري في باب عقد الشيطان علي قافية الرأس إذا لم يصل بالليل ص 136 من الجزء الأول من صحيحه، والعجب من البخاري يثبت في صحيحه هذا الحديث عن أبي هريرة ويثبت عنه أيضا نوم النبي عن الفريضة فاعتبروا يا اولي الألباب، وأخرجه أحمد عن أبي هريرة في ص 153 من الجزء 2 من مسنده.
(١١١)
مفاتيح البحث: صلاة الليل (3)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (4)، الكذب، التكذيب (1)، التصديق (1)، العقد (1)، الكرم، الكرامة (1)، الصّلاة (3)، البول (2)، النوم (5)

صفحه 111

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٢
وروي أبو هريرة أيضا عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال (1): ليس صلاة أثقل علي المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيها لأثرها ولو حبوا لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلا يؤم الناس ثم آخذ شعلا من نار فأحرق علي من لا يخرج إلي الصلاة بعد اه.
أتراه صلي الله عليه وآله يحض الناس علي الصلاة هذا الحض، ويهتم بصلاة الفجر هذا الاهتمام، ويهدد بالتحريق علي من لا يخرج إليها ثم ينام عنها، حاشا لله ومعاذ الله أن يكون كذلك.
ورحم الله عبد الله بن رواحة الصحابي الشهيد إذ يقول (2): وفينا رسول الله يتلو كتابه * إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدي بعد العمي فقلوبنا * به موقنات ان ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه * إذا استثقلت بالعابدين المضاجع نرجع إلي الحديث وما بقي من قرائن بطلانه وهي أمور:
(أحدها): أنهم ذكروا في خصائص النبي صلي الله عليه وآله انه كان لا ينام قلبه إذا نامت عيناه، وصحاحهم صريحة بذلك (3).
وهذا من أعلام النبوة، وآيات الاسلام، فلا يمكن والحال هذه ان تفوته صلاة الصبح بنومه عنها، إذ لو نامت عيناه فقلبه في مأمن من الغفلة. ولا سيما عن ربه، لا تأخذه عن واجباته سنة ولا نوم، وقد صلي مرة صلاة الليل فنام قبل ان يوتر فقالت له إحدي زوجاته يا رسول الله تنام قبل ان توتر؟
(1) فيما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة في ص 73 من الجزء الأول من صحيحه في باب فضل العشاء من كتاب الصلاة.
(2) فيما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ص 138 من الجزء الأول من صحيحه (3) وقد أفرد البخاري في صحيحه لهذه الخصيصة بابا علي حده فراجع من 179 من جزئه الثاني.
(١١٢)
مفاتيح البحث: صلاة الليل (1)، صلاة الفجر (الصبح) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (3)، عبد الله بن رواحة (1)، الغفلة (1)، النفاق (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (4)، الأذان (1)

صفحه 112

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٣
فقال لها (1) تنام عيني ولا ينام قلبي. أراد صلي الله عليه وآله أنه في مأمن من فوات الوتر بسبب ولوعه فيها، ويقضة قلبه تجاهها فهو هاجع في عينه، يقظان في قلبه، منتبه إلي وتره، وإذا كانت هذه حاله في نومه قبل صلاة الوتر فما ظنك به إذا نام قبل صلاة الصبح.
(ثانيها) ان أبا هريرة صرح كما في صحيح مسلم (2) بأن هذه الواقعة قد أنفقت لرسول الله صلي الله عليه وآله وهو قافل من غزوة خيبر فكيف يدعي أبو هريرة حضوره فيها؟ وأين كان أبو هريرة عن غزوة خيبر؟ وانما أسلم بعد خروج النبي صلي الله عليه وآله إليها باتفاق أهل العلم، واجماع أهل الأخبار (3).
(ثالثها) ان أبا هريرة يقول في هذا الحديث: ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فان هذا منزل حضره الشيطان قال: ففعلنا.
وقد علمت ما أسلفناه ان الشيطان لا يدنوا من النبي ابدا. وعلم الناس كافة
(1) كما في باب كان النبي صلي الله عليه وآله تنام عينه ولا ينام قلبه ص 179 من الجزء الثاني من صحيح البخاري، وأخرجه أحمد في ص 251 من حديث أبي هريرة في الجزء 2 من مسنده.
(2) راجع ص 254 من جزئه الأول في باب قضاء الصلاة.
(3) نعم كان أبو هريرة في أواخر حياته يقول: قدمت المدينة في نفر من قومي لنسلم وقد خرج رسول الله صلي الله عليه وآله إلي خيبر واستخلف علي المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فصلينا خلفه صلاة الصبح فلما فرغنا من صلاتنا زودنا سباع شيئا حتي قدمنا علي رسول الله صلي الله عليه وآله وقد افتتح خيبر فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم وهذا الحديث مما انفرد به أبو هريرة فلم يثبت عن غيره، ولكن الجمهور أخذوا به اعتمادا علي أبي هريرة كما هي طريقتهم فأرسلوا حضوره خيبر ارسال المسلمات ولا دليل في الحقيقة لهم علي ذلك والحق ما هو المأثور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من أن قدومه إلي المدينة واسلامه انما كانا وقت رجوع النبي صلي الله عليه وآله من خيبر.
(١١٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (6)، أبو هريرة العجلي (8)، معركة خيبر (2)، كتاب صحيح مسلم (1)، النوم (1)، الصّلاة (4)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، خيبر (4)

صفحه 113

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٤
ان أبا هريرة كان في تلك الأوقات لا يملك شبع بطنه فمن أين له الراحة ليأخذ رأسها كما زعم إذ قال: ففعلنا؟.
(رابعا) أنه قال في هذا الحديث. ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم صلي صلاة الغداة.
أما صلاة الغداة فإنها قضاء عما فات لكن السجدتين لم نعرف لهما وجها ولا محلا من الاعراب! والفاضل النووي ظفر عنهما في شرحه.
(خامسا) ان من عادة الجيش وقواده ان يكون لهم حرس يقوم عليهم إذا ناموا، ولا سيما إذا كان فيهم الملك أو نحوه وكان له من الأعداء الألداء الموتورين من لا تؤمن معرتهم، وكان في جيشه من المنافقين من يتربص به الدوائر، ويقلب له الأمور، ويعضون الأنامل من الغيظ وقد مردوا علي النفاق، فرسول الله " ص " لا يخالف عادة القواد والامراء في المحافظة علي نفسه وعلي جيشه، ولا ينام بأصحابه في تلك الفلاة المحاطة بذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب من أعدائه الذين وترهم وسفك دماءهم الا والحرس قائم بوظيفته من مراقبة العدو الخارجي والمنافق الداخلي، وحاشا رسول الله " ص " أن يغفل عن هذه المهمة وهو سيد الحكماء قبل ان يكون سيد الأنبياء فهل نام الحرس أيضا كما نام المؤذنون؟ كلا! بل انذر " ص " بكثرة الكذابة عليه.
(سادسها) ان النبي صلي الله عليه وآله كان يومئذ في جيش مؤلف من الف وستمائة رجل فيهم فارس، فالعادة تأتي أن يناموا بأجمعهم فلا ينتبه أحد منهم أصلا وعلي فرض عدم انتباههم من أنفسهم فلا بد بحكم العادة المألوفة ان ينتبهوا بصهيل مائتي فرس وضربها الأرض بحوافرها في طلب علفها عند حضور وقته من الصبح فما هذا السبات العميق الشامل لجميع من كان ثمة من انسان وحيوان؟ ولعل هذا من خواري أبي هريرة!.
(١١٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (2)، النفاق (1)، الصّلاة (2)، النوم (2)

صفحه 114

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٥
* (17 - بقرة وذئب يتكلمان بلسان عربي مبين) * أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: صلي رسول الله صلي الله عليه وآله صلاة الصبح ثم اقبل علي الناس، فقال بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت انا لم نخلق لهذا انما خلقنا للحرث! فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلم! قال صلي الله عليه وآله فاني أؤمن بهذا انا وأبو بكر وعمر! وما هما ثم وبينا رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلبها حتي استنقذها منه، فقال له الذئب:
استنقذتها مني! فمن لها يوم السبع؟! يوم لا راعي لها غيري! فقال الناس:
سبحان الله ذئب يتكلم! قال صلي الله عليه وآله فاني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر:
وما هما ثم اه (1).
ان أبا هريرة نزوع إلي الغرائب تواق إلي العجائب قد استخفته إلي خوارق العادات نزية من الشوق والهيام (2) فتراه طروبا إلي التحدث بما هو فوق النواميس الطبيعية، كفرار الحجر بثياب موسي، وكضرب موسي ملك الموت حتي فقأ عينه، ونزول جراد الذهب علي أيوب، وأمثال ذلك من المستحيلات عادة.
وها هو الآن يحدث بأن بقرة وذئبا يتكلمان بلسان عربي مبين فيفصحان عن عقل وعلم وحكمة، الامر الذي لم يقع أصلا، ولا هو واقع قطعا، ولن
(1) أي وما هما بحاضرين هناك وهذا الحديث تجده في ص 171 من الجزء الثاني من صحيح البخاري وأورده أيضا في 190 من الجزء نفسه في فضل أبي بكر، وأخرجه مسلم من عدة طرق عن أبي هريرة في ص 316 والتي بعدها من الجزء الثاني من صحيحه في فضائل أبي بكر، وأخرجه أحمد في أول ص 246 من الجزء الثاني من مسنده من حديث أبي هريرة.
(2) النزية من الشوق والهيام ما فاجأ الانسان منهما.
(١١٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 115

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٦
يقع ابدا، وسنة الله في خلقه نحيل وقوعه إلا في مقام التحدي والتعجيز حيث يكون آية للنبوة، وبرهانا علي الاتصال بالله عز سلطانه، ومقام الرجل حيث ساق بقرته إلي حقل فركبها في الطريق لم يكن مقام تحدي واعجاز لتصدر فيه الآيات وخوارق العادات. وكذلك مقام راعي الغنم حين عدا الذئب عليه فلا سبيل إلي القول بامكان صحة هذا الحديث عقلا فان المعجزات وخوارق العادات لا تقع عبثا باجماع العقلاء.
وما أغني أبا بكر وعمر عن هذه الفضيلة. وليتهما سمعا أبا هريرة يحدث بها ولو فعل علي عهدهما لا عذر إلي الله تعالي فيه، ولكنه تذرع بهما إلي اشباع شهرة الاغراب والتخريف في نفسه، ومشي ظلهما إلي ذلك، وهو يعلم أن مكذبيه يمني بسخط الرأي العام، ويرمي بالخروج علي الخليفتين.
* (18 - تأمير أبي بكر علي الحج سنة تسع ونداء أبي هريرة ببراءة سنتئذ أخرج الشيخان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: ان أبا هريرة أخبره ان أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلي الله عليه وآله قبل حجة الوداع بسنة يوم النحر في رهط يؤذنون في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (1).
وأخرج البخاري عن حميد عن أبي هريرة أيضا قال: بعثني أبو بكر الصديق في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمني ان لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان (قال): ثم أردف النبي صلي الله عليه وآله بعلي
(1) هذا لفظ الحديث في ص 192 من الجزء الأول من صحيح البخاري في باب لا يطوف بالبيت عريان من كتاب الحج، وأخرجه مسلم في ص 517 من الجزء الأول من صحيحه في باب لا يحج بالبيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
(١١٦)
مفاتيح البحث: الطواف عرياناً بالبيت (4)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (4)، عبد الرحمن بن عوف (1)، الحج (5)، الصدق (1)، البعث، الإنبعاث (1)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 116

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٧
فأمره ان يؤذن ببراءة فأذن معنا علي في أهل مني يوم النحر الحديث (1).
لا عجب من سياسة الشام إذا فرضت هذا الباطل علي أبي هريرة وحميد ولا عجب منهما إذا تطوعا لها فتواطأ عليه.
فان أبا هريرة إنما أتي الشام متجرا بما يروج فيها من سلعته والدنيا يومئذ متسقة مستوسقة لسطان بني أمية والدعايات ضد الوصي وآل النبي أربح تجارات الدجالين في ذلك العهد.
وحميد كان ممن صنعوا علي عين معاوية لحمل أمثال هذا الحديث والرثاء بالعبادة والتقشف، وللولوع بالسماع من أعداء علي (2) وكان بني أمية ألدهم خصومة وأشدهم لهجة، وقد وشجت به عروقهم وولدته العبشميات من أمهاتهم، فان أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس فهي أخت الوليد بن عقبة لأبيه وأمه، وأم أمه أم عثمان بن عفان (3) واسمها أروي بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس " شنشنة نعرفها " علي أن أباه عبد الرحمن كان منحرفا عن علي وقد آثر يوم الشوري عثمان لصهره (4) مع هن وهن، فلا غرو ان تواطأ أبو هريرة وحميد علي هذا الباطل في تلك الظروف فأذاعته الدعايات الجبارة حتي استطار.
(1) أخرجه البخاري بهذا اللفظ في ص 90 من الجزء 3 من صحيحه في تفسيره سورة براءة.
(2) سمع معاوية، وحديثه عنه في صحيح البخاري وسمع النعمان ابن بشير وحديثه عنه في صحيح مسلم وله عن المغيرة بن شعبة وابن الزبير ومروان وغيرهم من أمثالهم.
(3) فعثمان أخو أمه لأمها أروي فقط، وأم أروي هذه البيضاء وتكني أم حكيم وهي بنت عبد المطلب بن هاشم وبهذا كان يقال لعثمان انه ابن أخت الهاشميين.
(4) كان عبد الرحمن بن عوف زوج أم كلثوم بنت عقبة وهي أخت عثمان لامه وأخت الوليد لأبيه وأمه كما بيناه في الأصل.
(١١٧)
مفاتيح البحث: الخليفة عثمان بن عفان (1)، أبو هريرة العجلي (3)، الوليد بن عقبة (1)، بنو أمية (2)، الشام (2)، الباطل، الإبطال (1)، الوصية (1)، تزويج أم كلثوم من عمر (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، عبد الرحمن بن عوف (1)، المغيرة بن شعبة (1)

صفحه 117

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٨
ومما نحتج به علي بطلانه ان أبا هريرة (قبل ان يتصل بأسباب بني أمية) كان يقول (1): كنت في البعث الذين بعثهم رسول الله صلي الله عليه وآله مع علي ببراءة فقال له ولده المحرر: فيم كنتم تنادون؟ قال: كنا نقول: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلي الله عليه وآله عهد فأجله إلي أربعة أشهر (2) فناديت حتي صحل صوتي اه هذا حديثه الثابت منه من طريق الثقات الاثبات لم يذكر فيه أبا بكر بالمرة، وإنما نص فيه علي أن البعث الذين بعثهم رسول الله صلي الله عليه وآله تلك السنة إلي مكة - وهم الحجاج - إنما بعثهم مع علي - وفي ركابه - وهذه هي الامرة التي أسندها أبو هريرة في ذلك الحديث إلي أبي بكر.
وإذا كان مبعوثا مع علي بأمر النبي صلي الله عليه وآله كما يزعم في هذا الحديث، فما معني قوله في ذلك الحديث، بعثني أبو بكر الصديق في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر؟! وما الوجه في قوله: ثم أردف النبي بعلي فأذن معنا؟ وهل هذا إلا تهافت (3)؟! يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا ان يتم نوره.
(1) فيما أخرجه الحاكم وصححه في تفسير سورة براءة من مستدركه ص 131 من جزئه الثاني، وأورده الذهبي في التلخيص مصرحا بصحته أيضا، وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة ص 299 من الجزء الثاني من مسنده ولفظه عنده: كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلي الله عليه وآله إلي أهل مكة ببراءة.
(2) أنكر العلماء قوله فأجله إلي أربعة أشهر لان الذي كان في خطبة أمير المؤمنين يومئذ ومن كان له عهد من المشركين فأجله إلي أمده بالغا ما بلغ ومن ليس له أمد فأجله إلي أربعة أشهر والظاهر أن أبا هريرة لم يكن ممن حضر الموسم ليعي الاذان بكهنه وحقيقة ولا عجب فإنه كثيرا ما يدعي الحضور في وقائع لم يحضرها فينقلها علي غير وجهها كما ستسمعه في الفصل 13 من الأصل.
(3) التهافت بين الحديثين واضح من حيث تعيين الأمير ومن حيث تعيين الباعث لأبي هريرة وغيره من المؤذنين ومن حيث مكان بعثهم هل كان من المدينة أم من مكة؟ ومن حيث زمان البعث هل كان يوم النحر أو قبله؟ كما لا يخفي علي من تدبر الحديثين.
(١١٨)
مفاتيح البحث: الطواف عرياناً بالبيت (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، مدينة مكة المكرمة (3)، أبو هريرة العجلي (5)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، بنو أمية (1)، البعث، الإنبعاث (4)، الصدق (1)، الحج (1)

صفحه 118

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١١٩
واني بعون الله تعالي ممحص لك الحقيقة في هذه العجالة مجلوة في مباحث:
(المبحث الأول): في بيان الواقع من هذه المهمة علي سبيل الاختصار.
ومجمل القول هنا انه لما نزلت (براءة) علي رسول الله صلي الله عليه وآله بعث بها أبا بكر ليتلوها يوم الحج الأكبر علي رؤوس الاشهاد إذانا ببراءة الله ورسوله من المشركين، ونبذا لعهودهم، ومنعا لهم عن مكة، واعلانا لتحريم الجنة عليهم، وان لا يطوف بالبيت عريان.
فلما سار غير بعيد أوحي الله إلي نبيه أن لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فاستدعي عليا وأمره بلحاق أبي بكر وأخذ براءة منه والمضي بها إلي مكة لأداء المهمة عن الله ورسوله وعهد إليه بالولاية العامة علي الموسم (1) وأمره بأن يخبر أبا بكر بين أن يسير مع ركابه أو يرجع إلي المدينة، فركب علي ناقة رسول الله صلي الله عليه وآله العضباء ولحق أبا بكر فقال له فيم جئت يا أبا الحسن؟ قال أمرني رسول الله أن آخذ منك الآيات فانبذ بها عهد المشركين (2) ولك الخيار
(1) قال الإمام الطبرسي عند ذكر القصة ص 3 من المجلد 3 من مجمع البيان طبع صيدا: وروي أصحابنا ان النبي صلي الله عليه وآله ولاه (يعني عليا) علي الموسم، وانه حين اخذ براءة من أبي بكر رجع أبو بكر - أي إلي المدينة -.
(2) فان قلت: كيف يدفع النبي براءة لأبي بكر لينبذ بها عهد المشركين أيام الموسم ثم يعزله قبل وقت الموسم؟ أليس هذا من النسخ قبل حضور وقت العمل؟
وهو محال علي الله ورسوله. قلنا: كلا! بل تبين لنا من امره إياه بالذهاب وارجاعه إياه من الطريق قبل حضور الموسم، انه انما كان في الواقع ونفس الامر مكلفا بالمسير نحو مكة ليرجعه من الطريق ويرسل عليا مكانه، فيظهر بذلك من تفضيل علي " ع " ما لا يظهر بارسال علي من أول الامر، الا تري ان الله عز وجل كان في ظاهر الحال قد امر خليله إبراهيم يذبح ولده عليهما السلام ثم لما هم بذلك وتله للجبين أوحي الله إليه: ان قد صدقت الرؤيا يا إبراهيم، فظهر انه لم يكن في الواقع ونفس الامر مأمورا بذبح ولده، وانه انما كان مأمورا بمقدمات الذبح، ليظهر من فضل وفضل ولده الذبيح ما كان يجهله الناس ولم يكن هذا من النسخ في شئ.
الغاية التي ذكرناها بعث رسول الله يوم خيبر أبا بكر أولا فرجع فبعث عمر فرجع، فقال صلي الله عليه وآله: اما والله لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله علي يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأعطاها عليا فكان الفتح علي يديه، وظهر من فضله ما لا يظهر لو بعثه من أول الامر، ولهذه القضايا نظائر يعرفها المتتبعون.
(١١٩)
مفاتيح البحث: الطواف عرياناً بالبيت (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، مدينة مكة المكرمة (3)، الحج (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، كتاب مجمع البيان للطبرسي (1)، خيبر (1)، الذبح (2)، البعث، الإنبعاث (1)

صفحه 119

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٠
في الذهاب معي أو الرجوع إليه، قال بل أرجع إليه، فمضي علي بمن معه من حجاج المدينة وما حولها إلي مكة، ورجع أبو بكر إلي المدينة فقال يا رسول الله أهلتني لأمر طالت الأعناق إلي فيه فلما توجهت له رددتني عنه مالي؟
أنزل في قرآن؟ قال صلي الله عليه وآله: لا ولكن الأمين جبرئيل عليه السلام هبط إلي عن الله عز وجل بأنه: لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك وعلي مني ولا يؤدي عني إلا علي اه. والاخبار في هذا المعني متواترة من طريق العترة الطاهرة (1).
(البحث الثاني): في يسير مما جاء من طريق الجمهور مؤيدا لما ذكرناه وحسبك نص أبي بكر الصحيح حجة بالغة، قال: ان النبي صلي الله عليه وآله بعثني ببراءة لأهل مكة لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله إلي مدته والله برئ من المشركين ورسوله " قال " فسرت بها ثلاثا ثم قال:
رسول الله " ص " لعلي: الحق أبا بكر فرده علي وبلغها أنت (قال) ففعل علي ذلك ورجعت إلي المدينة فلما قدمت علي النبي صلي الله عليه وآله بكيت إليه وقلت يا رسول الله
(1) فراجع منها ما أخرجه الثقة الثبت الحجة علي بن إبراهيم في تفسير سورة التوبة من تفسيره الشهير، وما أرسله شيخنا المفيد ارسال المسلمات في ارشاده.
(١٢٠)
مفاتيح البحث: الطواف عرياناً بالبيت (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، مدينة مكة المكرمة (2)، الحج (2)، علي بن إبراهيم (1)

صفحه 120

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢١
حدث في شئ؟ قال ما حدث فيك الأخير ولكني أمرت أن لا يبلغها الا انا أو رجل مني، هذا حديث أبي بكر بلفظه " 1 " فهل تري بكاءه واشفاقه يجتمعان مع تأميره؟ كلا! وانما يكونان بتنحيته.
ومثله حديث علي إذ قال (2): لما نزلت عشر آيات من سورة براءة دعا النبي صلي الله عليه وآله أبا بكر فبعثه بها ليقرأها علي أهل مكة، ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر فحيثما لحقته خذ الكتاب منه فاذهب به إلي أهل مكة فاقرأه عليهم فلحقته فأخذت الكتاب منه فرجع إلي النبي صلي الله عليه وآله فقال يا رسول الله نزل في شئ؟ قال: لا ولكن جبرائيل جاءني فقال لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك اه.
وحدث عليه السلام في مقام آخر فقال (3): ان رسول الله صلي الله عليه وآله بعث ببراءة إلي أهل مكة مع أبي بكر ثم اتبعه بي فقال لي: خذ الكتاب منه فامض به إلي أهل مكة قال: فلحقت أبا بكر فأخذت الكتاب منه فانصرف إلي المدينة وهو كئيب فقال: يا رسول الله أنزل في شئ؟ قال: لا إلا اني أمرت ان أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي.
ونحوه حديث ابن عباس وقد احتج يوما علي خصوم أمير المؤمنين عليه السلام فأفاض في خصائصه وموجبات تفضيله علي الأمة بعد نبيها صلي الله عليه وآله فقال: من حديث طويل (4): ثم بعث رسول الله أبا بكر بسورة التوبة فبعث عليا خلفه
(1) أخرجه الإمام أحمد في الصفحة الثانية من الجزء الأول من مسنده من طريق وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق.
(2) فيما أخرجه الإمام أحمد في ص 151 من الجزء الأول من مسنده.
(3) فيما أخرجه النسائي في ص 20 من خصائصه العلوية، والإمام أحمد من حديث علي من مسنده، ورواه غير واحد من اثبات الخاصة والعامة.
(4) أخرجه الحاكم في ص 32 من الجزء الثالث من المستدرك في فضائل علي وصحيحه. واعترف الذهبي بصحته إذ أورده في تلخيص المستدرك، وأخرجه النسائي في ص 6 من الخصائص العلوية. والإمام أحمد أخرجه من حديث ابن عباس في ص 331 من الجزء الأول من مسنده.
(١٢١)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، عبد الله بن عباس (2)، مدينة مكة المكرمة (4)، سورة البراءة (1)

صفحه 121

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٢
فأخذه منه وقال صلي الله عليه وآله: لا يذهب بها الا رجل هو مني وأنا منه الحديث فبخع لابن عباس بهذا حسدة علي ولو كان أبو بكر أميرا في ذلك الموسم ما بخعوا ولا ارعووا ولكن رأوا الحجة قاطعة فاستكانوا لها.
وكم لحبر الأمة وذي حجتها البالغة ومقولها الصارم وابن عم نبيها - عبد الله ابن العباس - من أمثال هذا.
قال مرة: اني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة إذ قال لي: يا ابن عباس ما أري صاحبك الا مظلوما قال: فقلت في نفسي والله لا يسبقني بها، فقلت له يا أمير المؤمنين: فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي ومضي يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته، قال: يا ابن عباس ما أظنهم منعهم عنه الا أنهم استصغروه، فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك فأعرض عني وأسرع. الحديث، (1).
(1) رواه الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ابن العوام في تاريخه (الموفقيات) الذي ألفه للموفق بالله ابن المتوكل الخليفة العباسي وان من سر الله الذي لا يخفي ونوره الذي لا يطفأ أن يروي الزبير بن بكار مثل هذه الرواية في كتابه الذي الفه لابن المتوكل فان ابن بكار ممن عرف العداوة لعلي وأهل البيت وهو الذي استخلفه رجل من الطالبيين بين القبر والمنبر الشريفين فحلف كاذبا فرماه الله بالبرص وكان ينال من العلويين ومن جدهم علي. فأجمعوا علي قتله فهرب منهم إلي عمه مصعب بن عبد الله بن مصعب فسأله ان يكلم المعتصم في تأمينه فلم يجد عنده ما أراد إذ لم يكن عمه علي رأيه في مكاشفة العلويين ذكر ذلك ابن الأثير في سيرة المعتصم من تاريخه الكامل. اما أبوه بكار فقد كان من المكاشفين للرضا في النصب والعداوة فدعا عليه الرضا فسقط من قصره فاندق عنقه، وأما جده عبد الله ابن مصعب فهو الذي أفتي هارون الرشيد بقتل يحيي بن عبد الله بن الحسن، فقال:
اقتله يا أمير المؤمنين وفي عنقي دمه، فقال الرشيد: ان عنده صكا مني أعطيته فيه الأمان، فقال عبد الله بن مصعب: لا أمان له يا أمير المؤمنين وعمد إلي يحيي فانتزع الصك منه قهرا ومزقه بيده عداوة ورثوها عن جدهم، ورثها عدو عن عدو عن عدو من عبد الله بن الزبير حتي انتهت إلي الزبير بن بكار، وبها نال الحظوة عند المتوكل فاختاره لتأديب ولده الموفق. وامر له بعشرة آلاف درهم وعشرة تخوت من الثياب وعشرة بغال يحمل عليها رحله إلي سامراء فأدب ولده الموفق والف له الموفقيات وهو من الكتب الممتازة الممتعة ننقل عنه كثيرا في املائنا هذا وفي غيره
(١٢٢)
مفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (3)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، الظلم (1)، المنع (1)، عبد الله بن الحسن (ع) (1)، مدينة سامراء المقدسة (1)، إبن الأثير (1)، عبد الله بن الزبير (2)، بكار بن عبد الله (1)، عبد الله بن مصعب (2)، الزبير بن بكار (2)، هارون الرشيد (1)، القتل (1)، القبر (1)

صفحه 122

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٣
فلله أبوه كيف استظهر علي الخليفة بهذه الحجة البالغة فأخذه من بين يديه ومن خلفه ومن جميع نواحيه حتي لم يبق في وسعه أن يثبت فأعرض وأسرع ولو أن صاحبه كان هو الأمير في ذلك الموسم - كما يزعم أبو هريرة - ما لاذ إلي الاسراع بل كانت له الحجة علي ابن عباس وعمر كان مع أبي بكر إذ توجه ببراءة وإذ رجع من الطريق فهو من اعرف الناس بحقائق تلك الأحوال.
وسئل الحسن البصري عن علي عليه السلام فقال: ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع: ائتمانه علي براءة، وما قاله له رسول الله صلي الله عليه وآله في غزوة تبوك فلو كان يفوته شئ غير النبوة لاستثناه، وقول النبي صلي الله عليه وآله الثقلان كتاب الله وعترتي وأنه لم يؤمر عليه أمير قط، وقد أمرت الامراء علي غيره، هذا كلامه بعين لفظه (1).
وأنت تعلم اخلاصه لأبي بكر وحرصه علي بيان فضله، فلو كان أبو بكر هو الأمير علي الحج عام براءة دون علي ما كتم امارته، ولا بخسه حقه، ولا شهد لعلي بأنه لم يؤمر عليه أحد قط، ولا عرض بأبي بكر إذ يقول وقد أمرت الامراء علي غيره، ومن تدبر كلامه هذا علم أنه يقدر الائتمان علي براءة حق قدره، وانه يراه خصيصة مقصورة علي علي ليس لها كفؤ سواه.
(1) فراجعه في ص 369 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي نقلا عن الوافدي.
(١٢٣)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، عبد الله بن عباس (1)، أبو هريرة العجلي (1)، معركة تبوك (1)، الحسن البصري (1)، الحج (1)

صفحه 123

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٤
وكان الصحابة إذا أشادوا بذكر علي في المدينة الطيبة علي عهد الخليفتين يحدثون بهذه الخصيصة من مناقبه فلا يناقشهم فيها أحد.
هذا سعد يقول (1): بعث رسول الله صلي الله عليه وآله أبا بكر ببراءة حتي إذا كان بعض الطريق ارسل عليا فأخذها منه ثم سار بها فوجد أبو بكر في نفسه، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله لا يؤدي عني إلا انا أو رجل مني اه.
وهذا أنس يقول (2): بعث النبي صلي الله عليه وآله براءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال لا ينبغي ان يبلغ هذا إلا رجل من أهلي فدعا عليا فأعطاه إياها.
وهذا عبد الله بن عمر يسأله جميع بن عمير الليثي عن علي فينتهره ابن عمر ثم يقول له (3): الا أحدثك عن علي هذا بيت رسول الله في المسجد وهذا بيت علي ان رسول الله بعث أبا بكر وعمر (4) ببراءة إلي أهل مكة فانطلقا فإذا هما براكب فقالا من هذا؟ قال: أنا علي يا أبا بكر هات الكتاب الذي معك قال مالي؟ قال والله ما علمت إلا خيرا مأخذ علي الكتاب فذهب به ورجع أبو بكر وعمر إلي المدينة فقالا: مالنا يا رسول الله؟ قال: ما لكما إلا خير ولكن قيل لي انه لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك.
والسنن المأثورة في هذا متضافرة وكلها صريح برجوع أبي بكر إلي
(1) فيما أخرجه النسائي في ص 20 من الخصائص العلوية عند ذكر توجيه براءة مع علي. ورواه الإمام أحمد في مسنده.
(2) فيما أخرجه النسائي ص 20 من الخصائص العلوية والإمام أحمد من حديث أنس ص 216 من الجزء الثالث من مسنده.
(3) فيما أخرجه الحاكم في ص 51 من الجزء 3 من المستدرك.
(4) انما كان عمر يومئذ تابعا لأبي بكر وكان ممن خرج معه من الصحابة وكانوا ثلاثمائة فيهم عبد الرحمن بن عوف، وكان عمر أخصهم بأبي بكر ولذا رجع معه إلي المدينة دونهم، وقد انضروا - بعد رجوع أبي بكر - إلي لواء علي وسار بهم إلي مكة مهيمنا عليهم وشهد الجميع رجوع أبي بكر إلي المدينة وفي نفسه من ذلك شئ
(١٢٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، مدينة مكة المكرمة (2)، عبد الله بن عمر (1)، جميع بن عمير (1)، السجود (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، عبد الرحمن بن عوف (1)

صفحه 124

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٥
المدينة كئيبا مشفقا من نزول الوحي فيه وهذا ما لا يجتمع مع تأميره في ذلك الموسم ابدا، لكن الدعاية ضد الوصي كانت في منتهي القوة فكان لها اثرها في فجر الاسلام.
(المبحث الثالث): فيما ترتب من الآثار الشريفة علي نبذ عهد المشركين وما كان لأمير المؤمنين بسبب قيامه بهذه المهمة من علو المقام عند العرب كافة وما بوأه الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله من المجد والعلاء باختيارهما إياه لهذه المهمة ولا سيما بعد ارجاع أبي بكر عنها، إلي خصائص أخر تتصل بذلك وتوجب كونه أفضل الأمة وأولاها برسول الله صلي الله عليه وآله حيا وميتا.
كان ينبذ النبي صلي الله عليه وآله عهد المشركين ومنعه إياهم عن الحج وعن مكة واعلانه تحريم الجنة عليهم وأذانه بالبراءة منهم، كمال الدين وصلاح امر المسلمين وقوة الحق وأهله ووهن الباطل وأهله.
أدرك المسلمون به منتهي العزة ونالوا به غاية المجد فهدأت فورة الشرك وذلت نواصي المشركين فكان الدين كله لله عز سلطانه.
وقد شاء الله سبحانه أن يجري ذلك كله علي يد عبده ووصي نبيه علي بن أبي طالب تنويها باسمه، وتنبيها إلي فضله، واعلاء لذكره، واعلانا لعظيم قدره، وتمهيدا للعهد بالخلافة إليه، ومقدمة للنص في العام المقبل عليه (1) فنشر صلي الله عليه وآله ذكره (بارساله إياه لأداء هذه المهمة عنه) انتشار الصبح وأطار صيته في العرب استطارة البرق، وذلك أن نبذ العهد كان مختصا عندهم بالزعيم الذي عقده ولا يتجاوزه إلا إلي من كان يمثله في زعامته ويخلفه في مكانته، ويأمن وهنه، ولا يخشي سقطته، ولا يرتاب في احكامه ولا يعتر به شك في نقضه وإبرامه.
(1) إذ كان نبذ العهد سنة تسع وكان النص عليه سنة عشر والنبي صلي الله عليه وآله قافل من حجة الوداع.
(١٢٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، مدينة مكة المكرمة (1)، الحج (1)، الباطل، الإبطال (1)، الوصية (1)، حجة الوداع (1)

صفحه 125

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٦
يرشدك إلي هذا كله قول رسول الله صلي الله عليه وآله لعلي حين بعثه ليأخذ براءة من أبي بكر ويذهب بها هو إلي مكة: لابد أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت قال علي: فان كان ولا بد فسأذهب بها أنا، قال رسول الله صلي الله عليه وآله: فأنطلق فان الله يثبت لسانك، ويهدي قلبك، الحديث (1).
وأنت تعلم أن المهمة التي لا يقوم بها إلا النبي صلي الله عليه وآله أو من كان جاريا مجري نفسه لهي الغاية القصوي في المهمات لا يتعلق بها درك قد أحرز بها علي نصب السبق واستولي علي الأمد فأني يسبقه سابق أو يلحقه لاحق أو يطمع في ادراكه طامع.
ومن أنعم النظر في ارجاع أبي بكر عن المهمة وارسال علي فيها ظهرت له الحقيقة بأجلي مظاهرها.
ويجدر بنا أن نمعن في قول النبي صلي الله عليه وآله إذ بين السبب فقال (2) جائني جبرائيل فقال: لن يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك لمكانه " لن " من النفي مؤكدا ومؤيدا ومكانة المفعول المحذوف من العموم أعني مفعول الفعل المنفي بلن، إذ تقدير الحديث: لي يؤدي عنك شيئا من الأشياء الا أنت أو رجل منك ولولا قصد العموم ما حذف المفعول.
" فان قلت ": مورد هذا الحديث يفرض علينا تخصيصه به، فيكون معناه ان يؤدي عنك هذه المهمة الا أنت أو رجل منك فلا عموم هنا.
" قلنا ": ان المورد لا يخصص الوارد، علن ان الحديث ليس بالوحيد في بابه، فان في الصحاح من نظائره نصوصا تعنو لها الجباه بخوعا لم ترد في مورد خاص لتختص به، بل جاءت عامة لفظا وموردا.
(1) أخرجه احمد في ص 150 من الجزء الأول من مسنده وهو من الأحاديث الصحيحة المستفيضة من طريق الفريقين.
(2) فيما استفاض عنه من حديث علي وقد مر عليك في المبحث الثاني.
(١٢٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، مدينة مكة المكرمة (1)، البعث، الإنبعاث (1)، السب (1)

صفحه 126

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٧
وحسبك منها عهده يوم عرفة من حجة الوداع وقد أهاب بأهل الموقف يدلهم علي مفزعهم في أداء رسالته وهو إذ ذاك علي ناقته يناديهم بأعلي صوته فأشخص أبصارهم وأسماعهم وافئدتهم إليه فإذا به يقول: علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني الا أنا أو علي (1).
يا له عهدا ما أخفه علي اللسان وما أثقله في الميزان جعل لعلي من صلاحية الأداء عنه " ص " عين الصلاحية الثابتة للنبي في الأداء عن نفسه فأشركه في أمره وأئتمنه علي سره كما كان هارون من موسي الا ان عليا لم يكن بنبي وانما هو وزير ووصي يطبع علي غرار نبيه ويبين عنه للناس ما اختلفوا فيه.
وتلك ذروة ما جعل الله تعالي ورسوله لغير علي أن يتبوأها أبدا " فأرجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " وقد رفع رسول الله عليا إلي مستوي هو أعلي من مستوي الأمة إذ مزج لحمه بلحمه ودمه بدمه وسمعه وبصره وفؤاده وروحه بسمعه وبصره وفؤاده وروحه فقال: علي مني وأنا من علي ثم لم يكتف حتي قال:
ولا يؤدي عني الا انا أو علي فجمع فأوعي وعم فاستقصي ولا غرو فان الله تعالي يقول وهو أصدق القائلين " ولقد اخترناهم علي علم علي العالمين وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ".
(١) أخرجه ابن ماجة في فضائل الصحابة ص ٩٢ من الجزء الأول من سننه ورواه الترمذي والنسائي في صحيحيهما وهو الحديث 2531 في ص 153 من الجزء السادس من كنز العمال. وأخرجه الإمام أحمد من حديث حبشي بن جنادة ص 164 من الجزء الرابع من مسنده بطرق متعددة كلها صحيحة وحسبك انه أخرجه عن يحيي ابن آدم عن إسرائيل ابن يونس عن جده أبي إسحاق السبيعي عن حبشي عن رسول الله (ص) وكل هؤلاء حجج عند الشيخين وغيرهما، ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد علم أنه إنما صدر في حجة الوداع التي ما لبث النبي صلي الله عليه وآله بعدها في هذه الدار الفانية إلا قليلا.
(١٢٧)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، حجة الوداع (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، إسحاق السبيعي (1)، حبشي بن جنادة (1)، إبن ماجة (1)

صفحه 127

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٨
فأين أولوا النظر يمعنون في هذا العهد ليعلموا أنه - علي اختصاره - لا يقل وزنا عن نصوص يوم الغدير فان الأداء عن رسول الله صلي الله عليه وآله المختص به وبعلي المنفي في هذا الحديث عمن سواهما انما هو الأداء التشريعي الكاشف عن حكم الله في الواقع ونفس الامر المعصوم عن الخطأ عصمة القرآن عنه فيكون بمجرده حجة قاطعة يجب علي الأمة التعبد به كما يجب عليهم التعبد بأحكام القرآن العظيم والذكر الحكيم.
يدلك علي أن هذا هو المراد اجماع الأمة علي إباحة الأداء عن النبي صلي الله عليه وآله - علي غير هذا الوجه - لكل عالم بقوله سماعا منه أو استنباطا صحيحا من سنته فان الصحابة كانوا يؤدون عنه ما سمعوه من أقواله وما رأوه من أفعاله وكان المجتهدون بعدهم يؤدون عنه ما استنبطوا من الأدلة الشرعية فلو لم يحمل الحديث علي ما قلناه لم يبق له معني يصح حمله عليه.
ويؤيد هذا قول رسول الله صلي الله عليه وآله: علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان (1) وقوله صلي الله عليه وآله: رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار (2) إلي كثير من أمثال هذه النصوص التي ترمي إلي عصمته، (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين).
(المبحث الرابع): فيما كان من أعداء علي من المكر به، والبغي عليه وما كان من دجاجيلهم في صرف خصائصه عنه، وما تزلف به أبو هريرة إليهم من تحريف هذا الحديث.
إن أعداء علي من المنافقين، وحسدة فضله ومنافسيه من الناكثين والقاسطين، والمارقين، ولا سيما أهل الحول والطول منهم كمعاوية وأعوانه
(1) أخرجه الحاكم وصححه علي شرط الشيخين في ص 124 من الجزء الثالث من مستدركه وأورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته.
(2) أخرجه الحاكم في الصفحة نفسها علي شرط مسلم.
(١٢٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (1)، القرآن الكريم (4)، النفاق (1)

صفحه 128

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٢٩
فسخروا دجاجيلهم في تشويهها ومسخها ومعارضتها بما استطاعوا أو ان الدجاجيل تزلفوا إليهم بذلك ولا ذنب لعلي. ولا عذر لهم إلا ما اختصه الله تعالي من فضله إذ بلغ بسوابقه - في ايمانه وجهاده - منزلة عند الله ورسوله تقاصرت لم يطيقوا الخصائص العليا التي كانت لعلي. فلم يصبروا عن تحويرها وتحريفها عنها الاقران ونال (بعلمه وعمله مخلصا لله ولرسوله وللأمة) غاية تطاولت إليها أعناق الأماني وشاؤوا تقطعت دونه المطامع.
فدبت بذلك له عقارب الحسد في قلوب المنافقين (1).
وسادت في منافسيه آكلة الأكباد (2) فكشفوا لمناصبته وجوههم وقعدوا له في كل مرصد مرهفين للمكر به كل حيلة ناصبين للبغي عليه كل أحبولة (والحاسد مغتاظ علي من لا ذنب له) (3).
تطوروا في كيده أطوارا مختلفة، نزعوا أيديهم من يده، قطعوا رحمه سلبوه سلطان ابن أمه (4) هجروا السبب الذي أمروا بمودته، نقلوا البناء عن رص أساسه فبنوه في غير موضعه (5) تصغيرا منهم لعظيم منزلته واجماعا علي
(1) ان لبطل الاسلام بكل ما للبطولة من معان شريفة محمد بن أمير المؤمنين المعروف بابن الحنفية كلاما في هذا المعني يفرغ به الحقيقة لا ريب فيها فدع به ابن الزبير أيام إمارته في الحجاز فبخعه ما أولي أهل البحث بالوقوف عليه ص 350 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
(2) تورية لطيفة.
(3) هذا مثل معروف.
(4) قال عليه السلام في كتاب كتبه إلي أخيه عقيل: فجزت قريشا عني الجوازي فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي.
(5) هذا مقتبس من الخطبة 146 من ص 48 والتي بعدها من الجزء الثاني من نهج البلاغة.
(١٢٩)
مفاتيح البحث: النفاق (1)، السب (1)، كتاب نهج البلاغة (1)، محمد بن أمير المؤمنين (1)

صفحه 129

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٠
منازعته أمرا أهوله (1).
ثم كان من الناكثين والفاسقين والمارقين ما ملا الأجواء، وطبق الأرض والسماء وما اكشفوا حتي: - لعنوا أمير المؤمنين * كمثل اعلان الإقامة وليتهم لم يتناولوا السنن المقدسة بتمزيق ما جاء منها في تفضيله حيث حكموا - بغير دليل - علي صحيحها بالوضع، وعلي صريحها بالتأويل، وعلي رواتها بالرفض. وعلي اثباتها بالتضعيف، فشوهوا كثيرا من خصائصها الحسني، ومسخوا كثيرا من أمثالها العليا. وحرفوا كثيرا منها عن مواضعه وصرفوا الكثير منها إلي غير أهله كما فصلناه في كتابنا " تحفة المحدثين " وكما يمثله أبو هريرة في حديثه هذا إذ يقول بعثني أبو بكر إذ يقول: بعثني أبو بكر في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلي الله عليه وآله قبل حجة الوداع بسنة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمني، أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ثم أردف رسول الله بعلي بن أبي طالب فأذن معنا يوم النحر الحديث.
كان لم يكن لعلي بن أبي طالب في ذلك الموسم سوي انه اذن في معية أبي هريرة، ولا عجب من أبي هريرة في هذه الجرأة فإنه كان بفتئت الأحاديث فيقتها ويرتجلها (2) مزخرفة مزوقة علي ريق لم يبلعه ونفس لم يقطعه فيخرجها لرعاع الناس بالوشي الذي يحبه السواد الأعظم من العامة وتقتضيه السياسة الغاشمة وتوجيه دعايتها الكاذبة.
ألا تراه كيف حرف الحديث عن موضعه، وصرف الفضل فيه عن أهله متقربا فيما حرف إلي أولياء الأمور، ومتحببا فيما صحف إلي سواد الجمهور
(1) هذا مقتبس من الخطبة 167 من النهج أيضا.
(2) يفتئتها بمعني يبتدعها، ويقتها بمعني يزورها ويحسنها، ويرتجلها بمعني يختلقها لساعته.
(١٣٠)
مفاتيح البحث: الطواف عرياناً بالبيت (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (3)، علي بن أبي طالب (2)، حجة الوداع (1)، الحج (1)

صفحه 130

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣١
اختلق لهم ما يروقهم من تأمير أبي بكر الصديق.
وما أدراك ما فعل؟ انه أخرس بذلك ألسنة الثقات الاثبات عن معارضته، وألجم أفواههم ان تنبس في بيان الحقيقة ببنت شفة خوفا من تألب العامة ورعاع الناس. واشفاقا من نكال أولي الامر ووبالهم يومئذ؟ وما ادراك ما يومئذ؟!.
أراد أبو هريرة بحديثه هذا أن يجتاح المقام المحمود الذي رفع الله ورسوله يومئذ سمكة مقام أمير المؤمنين في ذلك الموسم إذ كان يرمي إلي أمرين.
(أحدهما) ان المهمة التي جاء بها علي انما كان أمرها بيد أبي بكر الصديق بسبب امارته علي الحج وولايته العامة تلك السنة علي الموسم وان أبا بكر لم يكتف بعلي في أداء المهمة حتي بعث أبا هريرة في رهط من أمثاله الأقوياء الأشداء! اهتماما بأدائها.
(ثانيهما) أنه لم يكن لعلي في تلك المهمة! أكثر مما كان لأبي هريرة وسائر الرهط الذين بعثهم أبو بكر لأنهم قاموا بأدائها كما قام علي معهم بذلك.
وحسبك في تزييف هذا ان الله تعالي لم ير أبا بكر نفسه أهلا لأداء هذه المهمة فارجعه عنها وأوكلها إلي أحد كفئيها اللذين لا ثالث لهما إذ لم يكن لها ثمة سوي النبي والوصي كما سمعت النص عليه إذ قال صلي الله عليه وآله: لابد ان اذهب بها أنا أو تذهب بها أنت قال علي فان كان ولابد فأذهب بها أنا.
وقد روت الأمة أحاديث صحيحة صريحة في ذلك لا تزال تدوي فتملأ الخافقين.
علي أن أبا هريرة كان قبل ان يتسخر لدعاية بني أمية يحدث عن هذه المهمة فلا يؤمر أبا بكر ولا يأتي علي ذكره، وكان يضيف نفسه وسائر البعث إلي علي، فيزعم انه انما كان في البعث الذي كان في ركابه عليه السلام، وقد مر عليك حديثه في هذا فراجع.
(١٣١)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (4)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، بنو أمية (1)، الحج (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الصدق (1)

صفحه 131

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٢
والنفس لا تطمئن شهد الله بكلا حديثيه ولا بكونه ممن نادي يوم النحر ولا بكونه ممن حضر الموسم، ولا بشئ مما يرويه مطلقا والله علي ما أقول وكيل (المبحث الخامس): في الإشارة إلي ما جنته الدعاية السياسية علي الآثار النبوية وما اختلقته دجاجيلها تزلفا إليها وما روقوه ليشتروا به ثمنا قليلا وما افتأتوه من الأسانيد تثبيتا لحديث حميد عن أبي هريرة.
كان وضع الحديث علي عهد معاوية حرفة منمقة يتجر بها كل متزلف إلي تلك الدولة وعمالها، وكان لأولئك المتزلفين المتجرين لباقة في تزويق تجارتهم وترويجها لا يشعر بها (علي عهدهم) الا أولوا البصائر النافذة، والأحلام الراسخة - وقليل ما هم - وكان من ورائهم من يرفع ذكرهم من الخاصة ويروج حديثهم من حفظة السنن المستأجرين، وحملة العلم المتزلفين ومن المرائين بالعبادة والتقشف كحميد بن عبد الرحمان ومحمد بن كعب القرظي وأمثالهما، ومن زعماء القبائل في الحواضر، وشيوخ العشائر في البوادي، وكان هؤلاء كلهم إذا سمعوا ما يحدث به أولئك الدجالون روجوه عند العامة، وأذاعوه في رعاع الناس (من مسلمي الفتوحات بعد النبي) وخطبوا به علي المنابر، واتخذوه حجة، واعتدوه أصلا من الأصول المتبعة، وكان الثقات الاثبات من سدنة الآثار النبوية لا يسعهم في ذلك العهد الا السكوت عن معارضة أولئك المتزلفين المؤيدين برعاية اولي الامر وعناية أهل الحول الطول، فكان المساكين إذا سئلوا عما يحدث به أولئك الدجالون يخافون - من مبادهة العامة بغيرها عندهم - ان تقع فتنة عمياء بكماء صماء، ولا سيما إذا كان الحديث موضوعا في فضل الصديق والفاروق، فكانوا يضطرون في الجواب إلي اللواذ بالمعاريض من القول خوفا من تألب أولئك المتزلفين ومروجيهم من الخاصة، وتألب من ينعق معهم من العامة ورعاع الناس، فضاعت بذلك حقائق، وحفظت أباطيل وكان هذا الباطل - أعني حديث حميد عن أبي هريرة - أوفرها حظا من كل
(١٣٢)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (2)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، عبد الرحمان (1)، محمد بن كعب (1)، الباطل، الإبطال (1)، الشهادة (1)، الحج (1)

صفحه 132

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٣
عدو لأهل البيت، اختلفوا في سبيل تأييده أحاديث ترادفه في معناه فركبوها علي أسانيد رفعوا أحدها إلي علي نفسه، ورفعوا الثاني إلي ابن عمه وخريج حوزته عبد الله بن العباس، والثالث إلي وليه وخصيصه جابر بن عبد الله الأنصاري، والرابع إلي حفيده ووارث علمه الامام أبي جعفر الباقر، وهذه مكيدة اعتادها خصوم علي فاستمرت عليها سيرتهم في مكابرة أهل البيت، ونكابة أوليائهم من حيث لا تشعر عامة الناس، وجاء بعدهم قوم ممن جمعوا الاخبار علي علاتها فاغتروا بهم، فأثبتوها فيما جمعوه وهم غافلون.
والآفة فيما أسندوه من هذا الباطل إلي علي أبو زرعة وهب بن راشد، وكان مفرطا في النصب، أخذ عداوة بني هاشم وبغض علي بالخصوص عن شيخه أبي يزيد يونس بن يزيد بن النجاد الابلي مولي معاوية بن أبي سفيان (1) وآفة ما أسندوه إلي ابن عباس أبو القاسم مقسم بن مجزاة كان لا يكتم عداوة أمير المؤمنين، وقد اغتر الحاكم به لظنه أنه من رجال البخاري فأخرج في ص 51 من الجزء 30 من مستدركه ما لفقه هذا النصب (من امرأة أبي بكر) عن ابن عباس مع أن مقسما أحد الضعفاء الذين نص البخاري علي ضعفهم في كتابه الذي أفرده لهم، وقد ترجمه الذهبي في الميزان فنقل تضعيفه عن البخاري وعن ابن حزم " وترجمه ابن سعد في ص 346 من الجزء 5 من طبقاته فقال:
وكان كثير الحديث ضعيفا.
(قلت): ولضعفه أعرض عنه الشيخان " فلم يرويا له شيئا نعم روي
(1) ذكر أبو نصر الكلاباذي وأبو بكر الأصبهاني وأبو الفضل الشيباني المعروف بابن القيسراني كلهم يونس بن يزيد هذا في كتبهم التي ترجموا فيها رجال الأسانيد فنصوا جميعا علي أنه من موالي معاوية بن أبي سفيان فراجع ص 485 من كتاب ابن القيسراني، وهذا الأموي السفياني يونس الابلي هو الذي روي موت أبي طالب علي الكفر فيما أخرجه مسلم عنه في ص 30 من الجزء الأول من صحيحه وهو شيخ أبي زرعة وهب ومربيه تستفيد ذلك من ترجمة وهب بن راشد في ميزان الذهبي
(١٣٣)
مفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (3)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (2)، جابر بن عبد الله (1)، بنو هاشم (1)، الباطل، الإبطال (1)، الغفلة (1)

صفحه 133

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٤
البخاري عن عبد الكريم بن مالك الجزري أنه سمع مقسما يقول: قال ابن عباس لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والارجون إلي بدر.
وقد أورد البخاري هذا التفسير عن ابن عباس بواسطة مقسم في موضعين من صحيحه أحدهما في غزوة بدر (1) والثاني في تفسير سورة النساء (2) ولم يرو عن مقسم في جميع صحيحه سوي هذا التفسير، وانما رواه عنه مع جزمه بضعفه لاجماع الأمة علي التسامح في أمثال هذا التفسير إذ لم يشتمل علي حكم شرعي، علي أنه لم يرفع إلي رسول الله صلي الله عليه وآله ليكون من السنن التي اشترط صحتها كما لا يخفي.
وآفة ما رفعوه إلي جابر بن عبد الله الأنصاري أبو صالح إسحاق بن نجيح الملطي، فإنه رجل سوء خبيث مفرط في الكذب، جرئ علي وضع الحديث ساقط باجماع أهل الجرح والتعديل، وقد ترجمه الذهبي في ميزانه، فأورد ما قاله الأئمة في خبثه وكذبه ودجلة.
وآفة ما أسندوه من هذا الباطل إلي الامام أبي جعفر الباقر " ع " محمد بن إسحاق، إذ أوردوه في سيرته التي شحتها بأباطيل ما انزل الله بها من سلطان.
وعلي كل: فالامر سهل في هذه الأضاليل، لانحطاطها بانحطاط طرقها عن درجة الاعتبار، ولركة متونها ومناقضتها للصحيح الثابت عمن أسندت إليهم، بل لمناقضتها لما أوردناه في المبحث الثاني من حديث أبي بكر وعلي وابن عباس وابن عمر وسعد وأنس ولا تتفق مع سيرة النبي في بعوثه صلي الله عليه وآله فإنه ما أمر علي علي أحدا مدة حياته بل كانت له الامرة، وكان حامل لوائه في كل زحف بخلاف غيره، فان أبا بكر وعمر ومن دونهما كانوا - حين لحق النبي (ص) بالرفيق الاعلي - في بعث أسامة باجماع أهل الأخبار، وكانا في غزوة
(١) في الصفحة الثانية من الجزء الثالث من الصحيح.
(٢) ص ٨١ من الجزء نفسه.
(١٣٤)
مفاتيح البحث: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، عبد الله بن عباس (2)، معركة بدر (1)، جابر بن عبد الله (1)، إسحاق بن نجيح (1)، سورة النساء (1)، عبد الكريم (1)، الكذب، التكذيب (1)، الباطل، الإبطال (1)

صفحه 134

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٥
ذات السلاسل في بعث عمرو بن العاص بالاتفاق، ولهما قضية في تلك الغزوة مع أميرها ابن العاص (1).
اما علي فلم يكن طيلة حياة النبي تابعا لغيره صلي الله عليه وآله الا تري أنه لم يرسله في جيش أسامة، ولا في جيش ابن العاص، ولا في جيش أبي بكر وعمر حين بعثهما إلي خيبر فلما رجعا وبعث عليا كانا كلاهما تحت لوائه حتي فتح الله عليه، ولما بعث خالد بن الوليد إلي اليمن بجيش وبعث عليا إليها بجيش آخر عهد إليهما بأنه إذا التقيتما فعلي علي الجيشين وان افترقتما فكل منكما علي جيشه الحديث (2) وقد قال ابن عباس: ان لعلي أربع خصال ليست لاحد هو أول عربي وعجمي صلي لله تعالي مع رسوله صلي الله عليه وآله وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف الحديث (3).
وقد مر عليك آنفا قول الحسن البصري ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع ائتمانه علي براءة وما قال له رسول الله في غزوة تبوك إلي أن قال وانه لم يؤمر عليه أمير قط وقد أمرت الامراء علي غيره، وهذا القدر كاف لما أردناه في هذه العجالة، والحمد لله علي الهداية والتوفيق.
* (19 - الملائكة تكلم عمر) * أخرج البخاري (4) عن أبي هريرة مرفوعا: لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فان يكن من أمتي منهم
(1) أخرجها الحاكم وصححها في ص 43 من الجزء الثالث من المستدرك وأوردها الذهبي فصححها أيضا في تلخيصه.
(2) أخرجه الإمام أحمد في ص 356 من الجزء الخامس من مسنده.
(3) أخرجه الحاكم في ص 111 من الجزء الثالث من مستدركه.
(4) في باب (مناقب عمر) في أول ص 194 من الجزء الثاني من صحيحه.
(١٣٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، عبد الله بن عباس (1)، أبو هريرة العجلي (1)، معركة تبوك (1)، خالد بن الوليد (1)، خيبر (1)، عمرو بن العاص (1)، الحسن البصري (1)، الأكل (1)

صفحه 135

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٦
أحد فعمر اه (1).
وأخرج البخاري (2) عن أبي هريرة مرفوعا أيضا قال: انه قد كان فيما مضي قبلكم من الأمم محدثون وانه ان كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب اه.
حديث مفتري صاغه أبو هريرة من زخرف القول - بعد وفاة عمر بأعوام - فجاء مزوقا منمقا علي ما تقتضيه سياسة الخاصة يومئذ مما تصفق له العامة طربا، فقد كان للخاصة من ساسة البغي الأموي مآرب ضد الوصي وآل النبي لا تتم علي زعمهم إلا برفع أبي بكر وعمر إلي مستوي الأنبياء والمعصومين وكان غوغاء الأمة وسوادها مندفعين إلي ذلك كل الاندفاع بما فتح الله علي المسلمين في أيام الخليفتين، فكان أبو هريرة يتزلف بهذا الحديث وأمثاله إلي كل من سائس الأمة ومسوسها، وبهذا نال الحظوة من الخاصة والمنزلة في نفوس العامة، ولو حدث بهذه الأحاديث علي عهد عمر لاخذت درة الخليفة من ظهره مأخذها، لكن خلا له الجو علي عهد معاوية فجاء بمرماة الاخبار.
وقد علم أولوا الألباب أن من كان من الأمم الماضية مكلما أو محدثا علي سبيل الحقيقة أو علي سبيل المجاز فإنما هم المعصومون كانوا جميعا بين نبي ووصي
(١) قال القسطلاني في تفسير هذا الحديث من كتابه ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ص ٣٤٩ من جزئه السابع ما هذا لفظه: يكلمون بفتح اللام المشددة تكلمهم الملائكة (قال): وليس قوله: فان يكن. للترديد بل للتأكيد كقولك: ان يكن لي صديق ففلان، إذ المراد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء (قال) وإذا ثبت ان هذا وجد في غير هذه الأمة المفضولة فوجوده في هذه الأمة الفاضلة أحري اه.
(٢) في ص ١٧١ من الجزء الثاني من صحيحه بعد حديث أقرع وأبرص وأعمي بمقدار صفحة من كتاب بدء الخلق وهو موجود في باب مناقب عمر من البخاري أيضا، وأخرجه النسائي في المناقب.
(١٣٦)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (3)، الوصية (1)، الوفاة (1)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 136

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٧
نبي فالنبي تحدثه الملائكة وتكلمه علي سبيل الحقيقة. والوصي يلهمه الله الحق فيتجلي له كفلق الصبح لا يختلج فيه ريب حتي كأن ملكا حدثه به عن الله عز وجل ولا محدث ولا مكلم في الحقيقة وإنا هو ما يلقيه الله تعالي في روعه من الصواب ولا كلام في أن عم رقد توغل الدرجات الرفيعة في الاسلام. وبلغ الاقدار الخطيرة في هذه الأمة. لكنه لم يكن بنبي ولا بوصي ولا بمعصوم اجماعا وقولا واحدا، فلا تكلمه الملائكة علي سبيل الحقيقة، ولا تحدثه علي سبيل المجاز، وإنما تحدث من كان في هذه الأمة بمنزلة هارون أو كان في أقل المراتب كيوشع أو شمعون.
علي أن بوادر عمر - علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وبعده - لا تجتمع مع كونه محدثا مطلقا.
* (20 - تركة النبي صدقة) * أخرج الشيخان (1) بالاسناد إلي أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال:
لا يقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي، فهو صدقة!.
هذا مضمون الحديث الذي أنفرد أبو بكر بروايته عن رسول الله صلي الله عليه وآله محتجا علي عدم توريث الزهراء، أخرجه الشيخان وغيرهما بالاسناد إلي عائشة إذ قالت (2) ان فاطمة بنت النبي أرسلت إلي أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله عليه وآله فقال أبو بكر: ان رسول الله قال: لا نورث ما تركنا
(١) راجع من صحيح البخاري ص ١٢٥ من جزئه الثاني في باب نفقة نساء النبي بعد وفاته من كتاب الجهاد، وراجع من صحيح مسلم ص ٧٤ من جزئه الثاني في آخر باب قول النبي: لا نورث ما تركناه فهو صدقة.
(٢) كما في ص ٣٧ والتي بعدها من الجزء الثالث من صحيح البخاري أثناء غزوة خيبر وص ٧٢ من الجزء الثاني من صحيح مسلم في باب قول النبي لا نورث ما تركناه فهو صدقة من كتاب الجهاد والسير وص 6 من الجزء الأول من مسند أحمد.
(١٣٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو هريرة العجلي (1)، التصدّق (4)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب صحيح البخاري (2)، كتاب صحيح مسلم (2)، خيبر (1)

صفحه 137

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٨
صدقة (1) قالت عائشة: فأبي أبو بكر أن يدفع منه شيئا فوجدت فاطمة علي أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتي توفيت وعاشت بعد النبي صلي الله عليه وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا (بوصية منها) (2) ولم يؤذن بها أبا بكر الحديث وتراه صريحا بوجدها وغضبها وهجرها حتي توفيت عليها السلام.
نعم غضبت علي إثارة (3) واستقلت غضبا (4) فلائت خمارها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة في حفدتها ونساءها قومها، تطأ ذيولها ما تخزم مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه وآله حتي دخلت علي أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة (5) ثم أتت أءنة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس فأمهلتهم حتي سكن نشيجهم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله عز وجل ثم انحدرت في خطبتها:
(1) هذا الحديث ردته الزهراء والأئمة من بنيها وهو مع ذلك لا يصلح لان يكون حجة عليها، إما ان يكون له لفظ صدقة مرفوعا علي الاخبار به عن ما الموصولة في قوله: ما تركناه، ولا سبيل إلي اثبات مجيئه مرفوعا. ولعل ما الموصولة في محل نصب علي المفعولية بتركنا وصدقة حال من. ما فان الأموال التي تركها كان منها ما هو ملكه ومنها ما هو صدقة يضعها في مواضعها فلعله خشي صلي الله عليه وآله ان يتوهم متوهم بأن الأنبياء يورثون كل ما كان في قبضتهم سواء أكان ملكهم أم كان صدقة فقال:
نحن لا نورث ما تركناه صدقة، ليعلم ان حالهم في هذه المسألة حال الناس.
(2) كما اعترف به شارحوا البخاري فراجع ص 157 من المجلد الثامن من كل من ارشاد الساري وتحفة الباري إذ ينتهيان فيهما إلي هذا الحديث.
(3) انما يقولون: غضب فلان علي أثارة - بالفتح - إذا كان غضبه مسبوقا بغضب كغضب الزهراء لإرثها مسبوقا بغضبها لكشف بيتها.
(4) انما يقولون: استقل غضبا، إذا أشخصه فرط الغضب كما اشخص الزهراء من بيتها حتي دخلت علي الخليفة محتجة.
(5) الملاءة: الأزرار والربطة ذات لفقين.
(١٣٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، المهاجرون والأنصار (1)، الزوج، الزواج (1)، التصدّق (5)، الوصية (1)، الحج (1)، الغضب (1)

صفحه 138

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٣٩
تعظ القوم في أتم خطاب * حكت المصطفي به وحكاها فخشعت الابصار. وبخعت النفوس، ولولا السياسة ضاربة يومئذ بحرانها لردت شوارد الأهواء، وقادت حرون الشهوات، لكنها السياسة توغل في غاياتها لا تلوي علي شئ.
ومن وقف علي خطبتها في ذلك اليوم (1) عرف ما كان بينها وبين القوم (2) حيث أقامت علي ارثها آيات محكمات هن (من) أم الكتاب حججا
(١) السلف من بني علي وفاطمة يروي خطبتها في ذلك اليوم لمن بعده ومن بعده رواها لمن بعده، حتي انتهت إلينا يدا عن يد، فنحن الفاطميين نرويها عن آبائنا وآباؤنا يروونها عن آبائهم، وهكذا كانت الحال في جميع الأجيال إلي زمن الأئمة من أبناء علي وفاطمة ودونكموها في كتاب احتجاج الطبرسي وفي بحار الأنوار وقد أخرجها من اثبات الجمهور واعلامهم أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك بطرق وأسانيد ينتهي بعضها إلي السيدة زينب بنت علي وفاطمة وبعضها إلي الامام أبي جعفر محمد الباقر، وبعضها إلي عبد الله بن الحسن بن الحسن يرفعونها جميعا إلي الزهراء كما في ص ٨٧ من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي، وأخرجها أيضا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني بالاسناد إلي عروة ابن الزبير عن عائشة ترفعها إلي الزهراء كما في ص ٩٣ من المجلد الرابع من شرح النهج وأخرجها المرزباني أيضا كما في ص ٩٤ من المجلد المذكور بالاسناد إلي أبي الحسين زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده يبلغ بها فاطمة عليها السلام، ونقل ثمة عن زيد انه قال رأيت مشائخ آل أبي طالب يرونها عن آبائهم ويعلمونها أولادهم.
(٢) ومما كان بينها وبينهم ان قالت لأبي بكر حين منعها ارثها: لئن مت اليوم يا أبا بكر من يرثك؟ قال ولدي وأهلي، قالت: فلم ورثت أنت رسول الله دون ولده وأهله؟ قال: ما فعلت يا بنت رسول الله، قالت: بلي عمدت إلي فدك وكانت صافية لرسول الله فأخذتها منها وعمدت إلي ما انزل الله من السماء فرفعته عنا الحديث أخرجه أبو بكر بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك (كما في ص ٨٧ من المجلد الرابع من شرح النهج) بسنده إلي مولي أم هاني، وأخرجه الجوهري في كتابه المذكور (كما في ص ٨٢ من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد إلي أبي سلمة ان فاطمة لما طلبت ارثها قال أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: ان النبي لا يورث ولكني أعول من كان النبي يعوله وأنفق علي من كان النبي ينفق عليه، فقالت يا أبا بكر أيرثك بناتك؟ ولا يرث رسول الله بناته؟ فقال: هو ذاك، وأخرج الإمام أحمد بالاسناد إلي أبي سلمة نحوه فراجع ص ١٠ من الجزء الأول من مسنده حيث أورد حديث أبي بكر، واخرج الجوهري في كتاب السقيفة وفدك أيضا (كما في ص ٨١ من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد إلي أم هاني بنت أبي طالب:
ان فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت؟ قال: ولدي وأهلي، قالت: فما لك ترث رسول الله دوننا؟ قال: يا بنت رسول الله ما ورث أبوك شيئا. قالت: بلي سهم الله الذي جعله لنا وصار فيأنا وهو الآن في يدك، فقال لها: سمعت رسول الله يقول انما هي طعمة أطعمناها الله فإذا مت كانت بين المسلمين، وعن أبي الطفيل فيما أخرجه الجوهري مثله، والاخبار في هذا متواترة ولا سيما من طريق العترة الطاهرة وحسبك خطبتها العصماء التي أشرنا إليها في الأصل ولها خطبة أخري تتعلق بالخلافة أخرجها الجوهري في كتاب السقيفة وفدك (كما في ص ٨٧ من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد إلي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين قالت: لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله الوجع وثقلت في علتها اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ قالت أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن، الخطبة. وهي من أبلغ المأثور عن أهل البيت عليهم السلام وقد أخرجها أيضا الإمام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر في ص ٢٣ من كتابه بلاغات النساء بالاسناد إلي الزهراء وأصحابنا يروونها بالاسناد إلي سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي عن الزهراء، وقد أوردها المجلسي في البحار والطبرسي في الاحتجاج.
(١٣٩)
مفاتيح البحث: الشهوة، الإشتهاء (1)، الإقامة (1)، أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (1)، عبد الله بن الحسن (ع) (2)، كتاب الإحتجاج للطبرسي (1)، العلامة المجلسي (1)، أحمد بن عبد العزيز الجوهري (1)، أم هاني بنت أبي طالب (1)، كتاب بحار الأنوار (1)، علي بن الحسين بن علي (1)، محمد بن عمران المرزباني (1)، فاطمة بنت الحسين (1)، أبو عبد الله (1)، سويد بن غفلة (1)، عبد العزيز (1)، السقيفة (4)، الطهارة (1)

صفحه 139

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٠
لا ترد ولا تكابر.
فكان مما أدلت به يومئذ أن قالت: أعلي عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول (وورث سليمان داود) وقال فيما اقتص من خير
(١٤٠)

صفحه 140

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤١
زكريا (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا) وقال (وأولوا الأرحام بعضهم أولي بعض وفي كتاب الله) وقال: (يوصيكم الله الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وقال: (كتب عليكم - إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا - الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا علي المتقين).
ثم قالت: أخصكم الله بآية أخرج بها أبي؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! أم تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان؟
الخطبة..
فانظر كيف احتجت أولا علي توريث الأنبياء بآيتي داود وزكريا الصريحتين بتوريثهما ولعمري انها عليها السلام اعلم بمفاد القرآن ممن جاؤوا متأخرين عن تنزيله فصرفوا الإرث‌ها هنا إلي وراثة الحكمة والنبوة دون الأموال تقديما للمجاز علي الحقيقة بلا قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي المتبادر منه بمجرد الاطلاق وهذا مما لا يجوز، ولو صح هذا التكلف لعارضها به أبو بكر يومئذ أو غيره ممن كان في ذلك الحشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم (1) علي أن هناك قرائن تعين وراثة الأموال كما أفاده سيدنا علم الهدي
(١) لكنهم لم يعارضوها يومئذ به ولا بشئ سوي المصادرة إذا حابها أبو بكر بقوله: يا ابنة رسول الله والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله أبيك (ص) ولوددت ان السماء وقعت علي الأرض يوم مات أبوك صلي الله عليه وآله والله لان تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري أترينني اعطي الأبيض والأحمر حقه وأظلمك حقك؟ وأنت بنت رسول الله وان هذا المال لم يكن للنبي وانما كان مالا من أموال المسلمين يحمل به النبي الرجال وينفقه في سبيل الله فلما توفي وليته كما كان يليه. قالت والله لا كلمتك ابدا. فلما حضرتها الوفاة أوصت ان لا يصلي عليها. الحديث أخرجه أبو بكر الجوهري بهذه الألفاظ في كتاب السقيفة وفدك (كما في ص 80 من المجلد الرابع من شرح النهج) وتراه ما عارضها فيما فهمته من التوريث في آيتي داود وزكريا وإنما عارضها بدعواه ان هذا المال لم يكن للنبي فلم تقنع منه إذ هي اعلم بشؤون أبيها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(١٤١)
مفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (1)، القرآن الكريم (2)، الموت (2)، الوصية (1)، الجواز (1)، سبيل الله (1)، السقيفة (1)

صفحه 141

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٢
في كتابه الشافي (1).
واحتجت ثانيا علي استحقاقها الإرث من أبيها صلي الله عليه وآله بعموم آيات المواريث وعموم آية الوصية منكرة عليهم تخصيص تلك العمومات بلا مخصص شرعي من كتاب أو سنة، وما أشد انكارها علي وجود المخصص في الكتاب إذ قالت: أخصكم الله بآية أخرج بها أبي ثم قالت. أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فنفت بهذا الاستفهام التوبيخي وجود المخصص في البينة بل نفت وجوده مطلقا، إذ لو كان ثمة مخصص لبينه لها النبي والوصي ويستحيل عليهما الجهل به لو كان في الواقع موجودا ولا يجوز عليهما أن يهملا تبيينه لها لما في ذلك من التفريط في البلاغ والتسويف في الانذار والكتمان للحق والاغراء بالجهل والتعريض لطلب الباطل والتغرير بكرامتها والتهاون في صوتها عن المجادلة والمجابهة والبغضاء والعداوة بغير حق وكل ذلك محال ممتنع علي الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام.
(1) حيث اعتبر (أعلي الله مقامه) خوف زكريا من الموالي قرينة علي أنه انما أراد وراثة الأموال لان الموالي كانوا ورثته إذ لم يكن له ولد وكانوا من سفهاء الفسقة فلا يمكن ان يكونوا أنبياء ولا حكماء ليخاف ان يرثوا مكانته من العلم والحكم والنبوة وإنما كان يخشي أن يرثوا أمواله فيصرفوها في عيشهم وفسادهم فسأل ربه ان يهب له ولدا ليكون أحق بوراثة أمواله منهم - واعتبر أيضا (قدس الله سره) شرط زكريا علي ربه أن يجعل وارثه رضيا قرينة أخري علي إرادة ارث المال إذ لو أراد ارث النبوة لكان هذا الشرط لغوا وجهلا وكان جاريا فيه مجري من يقول اللهم أبعث لنا نبيا صادقا غير كاف.
(١٤٢)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)، الباطل، الإبطال (1)، الجهل (1)، الوصية (1)، الجواز (1)، الخوف (1)

صفحه 142

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٣
الآباء الرحيمة اشفاقهم علي أبنائهم البررة يؤويها إلي الوارف من ظلال رحمته ويفديها بنفسه (1) مسترسلا إليها بأنسه، وكان يحرص بكل ما لديه علي تأديبها وتهذيبها وتعليمها وتكريمها حتي بلغ في ذلك كل غاية يزفها المعرفة بالله والعلم بشرائعه زقا لا يألوا في ذلك جهدا ولا يدخر وسعا حتي عرج بهما إلي أوج كل فضل، ومستوي كل مكرمة فهل يمكن أن يكتم عليها أمرا يرجع إلي تكليفها الشرعي؟ حاشا لله وكيف يمكن أن يعرضها (بسبب الكتان) لكل ما أصابها من بعده في سبيل الميراث بل يعرض الأمة للفتنة التي ترتبت علي منع أرثها؟.
وما بال بعلها خليل النبوة، والمخصوص بالاخوة، يجهل حديث: نحن لا نورث (مع ما آتاه الله من العلم، والحكم، والسبق، والصهر، والقرابة والكرامة، والمنزلة، والخصيصة، والولاية، والوصاية، والنجوي) وما بال رسول الله (ص) يكتم ذلك عنه، وهو حافظ سره، وكاشف ضره، وباب مدينة علمه، وباب دار حكمته، واقضي أمته، وباب حطتها، وسفينة نجاتها وأمانها من الاختلاف؟. وما بال أبي الفضل العباس وهو صنو أبيه، وبقية السلف من أهليه، لم يسمع بذلك الحديث؟ وما بال الهاشميين كافة وهم عيبته وبيضته التي تفقأت عنه لم يبلغهم الحديث حتي فوجئوا به بعد النبي صلي الله عليه وآله؟.
وما بال أمهات المؤمنين يجهلنه فيرسلن عثمان يسأل لهن ميراثهن من رسول الله صلي الله عليه وآله؟ (2) وكيف يجوز علي رسول الله صلي الله عليه وآله أن يبين هذا الحكم لغير الوارث
(١) ذكرها صلي الله عليه وآله مرة فقال: فداؤها أبوها فداؤها أبوها فداؤها أبوها (ثلاث مرات) في حديث أخرجه الإمام أحمد بن حنبل ونقله عنه وعن غيره ابن حجر في الامر الثاني من الأمور التي ذكرها في خاتمة الآية الرابعة عشر من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من صواعقه ص ١٠٩.
(٢) فيما أخرجه أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة وفدك كما في ص 83 من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي.
(١٤٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، المنع (1)، الجهل (1)، الوراثة، التراث، الإرث (1)، الجواز (1)، البول (4)، أحمد بن حنبل (1)، السقيفة (1)

صفحه 143

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٤
ويدع بيانه للوارث؟ ما هكذا كانت سيرته صلي الله عليه وآله إذ يصدع بالأحكام فيبلغها عن الله عز وجل ولا هذا هو المعروف عنه في انذار عشيرته الأقربين، ولا مشبه لما كان يعاملهم به من جميل الرعاية وجليل العناية.
بقي للطاهرة البتول كلمة استفزت بها حمية القوم، واستثارت حفائظهم بلغت بها أبعد الغايات، ألا وهي قولها: أم تقولون أهل ملتين لا تتوارثان تريد بهذا ان عمومات المواريث لا تتخصص بمثل ما زعمتم وإنما تتخصص بمثل قوله صلي الله عليه وآله لا توارث بين أهل ملتين واذن فهل تقولون (إذ تمنعوني الإرث من أبي): اني لست علي ملته فتكونون (لو أثبتم خروجي من الملة) علي حجة شرعية فيما تفعلون؟ فانا لله وإنا إليه راجعون.
وبالجملة: أخفقت الزهراء يومئذ في طلبها بسبب هذا الحديث وقد انفرد الخليفة به فلم يروه علي عهده أحد سواه، وربما قيل بأنه قد رواه معه مالك بن أوس بن الحدثان (1).
نعم ذكروا أنه ترفع علي والعباس إلي عمر أيام خلافته وكان عنده حينئذ عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد فقال لهم (2) هل تعلمون ان رسول الله صلي الله عليه وآله قال: لا نورث ما تركنا صدقة، فاضطر الرهط إلي التصديق، ولم يسعهم في تلك الظروف سوي الاذعان للخليفتين.
اما أبو هريرة لم يكن تلك الأيام في عيرها ولا نفيرها، ولا كان ممن يصغي إليهم أو يؤبه بهم وكان متهما في لهجته ولا يجرأ مع وجود أولئك الاعلام علي الحديث، ولا يري في نفسه أهلية الانضواء إلي من ينتصر الخليفة بروايته
(١) فيما نص عليه جماعة من الاثبات فراجع صفحة ٩١ من المجلد الرابع من شرح النهج.
(٢) فيما أخرجه البخاري ص ١٢٤ من الجزء الثاني من صحيحه في باب فرض الخمس.
(١٤٤)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، الوراثة، التراث، الإرث (2)، التصدّق (1)، الخمس (1)

صفحه 144

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٥
لذلك لم ينبس في هذا الموضوع يومئذ ببنت شفة حتي ذهب معظم الصحابة وفتحت الأمصار كالشام ومصر وإفريقيا والعراق وفارس والهند وغيرها، واسلم أهلوها جميعا، فدخل المسلمون في دور جديد قد نوه بنو أمية فيه باسم أبي هريرة، وأشادوا بذكره، فأطلقوا عنه ربقة الخمول، وكسوه نضرة بعد الذبول، فتسني له حينئذ أن يقول ما شاء أن يقول، فكان يحدث العامة وسواد الناس بما يستوجب حبهم إياه وعطفهم عليه، فكان هذا الحديث مما تزلف به إلي ساسة الأمة وسوقتها، لما فيه من تأييد الخليفة المحبوب، تأييده لدي الرأي العام وجمهور المسلمين.
* (21 - أبو طالب أبي الشهادتين) * قال أبو هريرة: قال رسول الله صلي الله عليه وآله لعمه أبي طالب: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله علي ذلك الجزع لأقررت بها عينيك، فأنزل الله تعالي (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) اه.
وقال في مقام آخر: قال رسول الله صلي الله عليه وآله لعمه عند الموت: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة فأبي، قال: فأنزل الله تعالي الحديث (1).
ان أبا طالب رضوان الله وبركاته ورحمته عليه قضي في مكة سنة عشر للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بل قضي سنة تسع، وقيل سنة ثمان قبل قدوم أبي هريرة إلي الحجاز تعشر سنين في أقل ما يفرض فأين كان أبو هريرة عن النبي وعمه صلي الله عليه وآله؟ وهما يتبادلان الكلام الذي أرسله عنهما كأنه رآهما بعينيه وسمع كلامهما بأذنيه؟ نعوذ بالله ممن لم يكن لدينه ولا لعقله علي لسانه رقيب
(1) أخرجه والذي قبله مسلم في ص 31 من الجزء الأول من صحيحه من طريقين عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة.
(١٤٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، دولة العراق (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، أبو هريرة العجلي (5)، يوم القيامة (2)، بنو أمية (1)، الشام (1)، الهند (1)، الموت (1)، الشهادة (1)

صفحه 145

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٦
إن هذا الحديث مما ارتجله المبطلون تزلفا لأعداء آل أبي طالب، وعملت الدولة الأموية في نشر أعمالها، وقد كفانا السلف الصالح من أعلامنا مؤنة الاهتمام بتزييفه وتلك مؤلفاتهم تثبت إيمانه بأدلة لا تجحد، وحجج لا تكابر نحيل عليها من أراد الوقوف علي الحقيقة (1) من شأن عم رسول الله ومربيه وكافله وحاميه المنادي:
(١) حسبك منها كتاب الحجة علي الذاهب إلي تكفير أبي طالب لمؤلفه الامام شمس الدين أبي علي فخار بن الشريف معد الموسوي وهذا الكتاب طبع في المطبعة العلوية في النجف الأشرف سنة 1351 وعليه تعليقة شريفة للشريف العلامة البحاثة السيد الصادق الحسني الطبطبائي النجفي تصدي في آخرها لذكر المؤلفات في هذا الموضوع ومؤلفيها، فكان مما ذكره كتاب ولدي الأكبر أبي عبد الرؤوف عافاه الله وشافاه، قال الطبطبائي: وشيخ الأبطح أبو طالب للعلامة السيد محمد علي آل شرف الدين الموسوي العاملي دام علاه طبع في بغداد سنة 1349 قال وهذا الكتاب خير كتاب الف في هذا الموضوع حلل فيه نفسية شيخ الأبطح وبين ماله من الفضل وكبير القدر في جميع أدوار حياته ويحق ظهر للوجود وحيدا في بابه تأريخيا فلسفيا علميا جيد التبويب والترتيب مفرغا في قالب بديع متين، وأسلوب جذاب، وألفاظ قوية بليغة أثبت ايمان أبي طالب " ع " واسلامه بأدلة قطعت الخصام وبراهين سطعت فأماطت عن وجه الحقيقة ستر الظلام ولذا لم يمض خمسة أشهر من تاريخ طبعة ترجمة في لكنهور (إحدي حواضر الهند الكبري) العالم الفاضل السيد ظفر مهدي إلي اللغة الهندية (الأوردية) ونشر بتلك اللغة أيضا (أولا) في الجزء 8 و 9 و 10 من المجلد الخامس من مجلة سهيل بمن طبعه ثانيا مستقلا. وتقديرا لجهود مؤلفه الجليل اتيت بكلمتي هذه كما قدر جهوده قبلي جمهور من الأماثل فقد اطلعت علي الكتب التي جاءت للمؤلف من الأقطار في اطراء كتابه وهي كثيرة وفيها التفاريظ القيمة من العلماء الاعلام ومن ملوك الاسلام (فمنهم) من آتاه الله من فضله العلم والملك وجمع له بين السلطتين الدينية والزمنية عاهل اليمن الامام يحيي خلد الله ملكه. وأما تقاريظ الصحف في العراق وسوريا ومصر، فقد كانت حافلة بالشكر والثناء والمدح والاطراء كثر الله في رجال العلم والعمل أمثال السيد المؤلف ولا حرم العالم الاسلامي من ثمرات جهوده وجزاه عن جده أبي طالب وعن الحقيقة خير جزاء المحسنين.
(١٤٦)
مفاتيح البحث: الدولة الأموية (1)، إيمان أبي طالب عليه السلام (1)، كتاب الحجة علي الذاهب إلي تكفير أبي طالب للسيد فخار بن معد (1)، دولة العراق (1)، مدينة النجف الأشرف (1)، مدينة بغداد (1)، الهند (1)، الصدق (1)

صفحه 146

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٧
يا شاهد الله علي فاشهد * أني علي دين النبي أحمد (1) ذي الأيادي التي هي من المسلمين طوق الهوادي، شيخ الأباطح وبيضة البلد: - لولاه ما شد أزر المسلمين ولا * عين الحنيفة سالت في مجاريها آوي وحامي وساوي قيد طاقته * عن خير حاضرها طرا وباديها ما كان ذاك الحفاظ المرأطة * أرحام وضرب عروق فار غاليها بل للاله كما فاهت روائعه * العصماء في كل شطر من قوافيها ضاقت بما رحبت أم القري برسول * الله من بعده وأسود ضاحيها فانصاع يدعو له بالخير مبتهلا * بدعوة ليس بالمجبوه داعيها لو لم تكن نفس عم المصطفي طهرت * ما فاه فوه بما فيه ينجيها عاما قضي عمه فيه وزوجته * قضاه بالحزن يبكيه ويبكيها أعظم بايمان مكي المصطفي سنة * أيامها البيض أدجي من لياليها من صلبه انبثت الأنوار قاطبة * فالمرتضي بدؤها والذخر تاليها (2) * (22 - الانذار يوم الدار) * أخرج الشيخان عن أبي هريرة (3) قال: قام رسول الله صلي الله عليه وآله حين
(1) ولأبي طالب اشعار كثيرة سائرة تثبت ايمانه.
(2) هذه الأبيات من القصيدة العلوية العصماء ذات البروج لناظم عقودها سلطان العلماء وأمير الشعراء الشيخ عبد الحسين الصادق العاملي قدس سره.
(3) راجع من صحيح البخاري ص 86 من جزئه الثاني في باب هل يدخل النساء الولد في الأقارب من كتاب الوصايا حيث أخرجه ثمة من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم من طريق عبد الملك بن عمير ومن طريق الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة، وله طرق أخر عن أبي هريرة في مسند أحمد وغيره.
(١٤٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، الشهادة (1)، الطهارة (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، سعيد بن المسيب (1)، سلطان العلماء (1)، الصدق (1)

صفحه 147

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٨
أنزل الله عليه (وأنذر عشيرتك الأقربين) فقال: يا معشر قريش لا أغني عنكم من الله شيئا. يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا.
(قلت): هذه الآية إنما نزلت في مبدأ البعثة قبل ظهور الاسلام بمكة حيث كان أبو هريرة في اليمن، وإنما كان قدومه إلي الحجاز، واسلامه بعد نزولها بعشرين سنة تقريبا، وقد بتر أبو هريرة هذا الحديث وحرفه عن مواضعه جريا علي مقتضيات السياسة السفيانية وموجبات دعايتها ضد الوصي وسائر آل النبي فإنه " ص " جمع عشريته الأقربين يوم نزول الآية وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس رضي الله عنهم، وأبو لهب تبت يداه. فدعاهم إلي الله عز وجل وكان مما قاله يومئذ لهم: فأيكم يوازرني علي أمري هذا علي أن يكون أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي؟ فقال علي وهو إذ ذاك أصغرهم: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ رسول الله " ص " حينئذ برقبته فقال: ان هذا أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الحديث (1)
(١) هذا الحديث من صحاح السنن كما بيناه في أول المبحث الثاني من المراجعات حيث فصلنا من أخرجه من أصحاب السنن والمسانيد وأرباب السير والتواريخ من المسلمين وغيرهم فلا مندوحة لكل بحاثة عن (المراجعات) فان ثمة ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.
(١٤٨)
مفاتيح البحث: أبو الفضل العباس بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام (1)، حديث الدار (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، أبو هريرة العجلي (2)، فاطمة بنت محمد (1)، البعث، الإنبعاث (1)، الوصية (1)

صفحه 148

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٤٩
* (23 - لعب الحبشة في المسجد عند النبي صلي الله عليه وآله) * أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: بينا الحبشة يلعبون في المسجد عند النبي " ص " بحرابهم دخل عمر فأهوي إلي الحصي فحصبهم بها فقال النبي صلي الله عليه وآله دعهم يا عمر الحديث (1).
" قلت ": ان رسول الله " ص " أبعد عن اللعب، وأرفع عن العبث وأعرف بحرمات الله ورسوله من أن يوسع للجهال مجالا إلي اللهو في المسجد بمحضر منه، وان أوقاته الشريفة المفعمة بالمهمات الأخروية والدنيوية لا تتسع للهو منها شئ، وحاشا لله أن يشتغل مسجده الشريف بعبث أو لهو أو لغو " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ".
* (24 - النسخ قبل حضور وقت العمل) * أخرج البخاري (2) عن أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله في بعث فقال صلي الله عليه وآله: إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار (قال): ثم قال رسول الله صلي الله عليه وآله لنا حين أردنا الخروج أني أمرتكم ان تحرقوا فلانا وفلانا وان النار لا يعذب بها إلا الله تعالي فان وجدتموهما فاقتلوهما اه.
(قلت): هذا الحديث باطل، لاشتماله علي النسخ قبل حضور وقت العمل وذلك محال علي الله تعالي وعلي رسوله صلي الله عليه وآله كما هو مقرر في محله فان رسول الله حين قال: أحرقوا فلانا وفلانا فإنما قال ذلك عن الله عز وجل وما
(١) في باب اللهو بالحراب ص ١٢٠ من الجزء الثاني من صحيحه في كتاب الجهاد والسير.
(٢) في باب لا يعذب بعذاب الله ص ١١٤ من الجزء الثاني من صحيحه في كتاب الجهاد والسير.
(١٤٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، أبو هريرة العجلي (2)، السجود (3)

صفحه 149

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٠
ينطق عن الهوي أن هو إلا وحي يوحي فكيف يمكن نسخ هذا القول قبل حضور وقت العمل به أليس نسخه والحال هذه مستلزما للجهل؟ تعالي الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
* (25 - ايقاع الفعل في وقت لا يسعه) * أخرج البخاري عن أبي هريرة يرفعه قال: خفف علي داود القرآن فكان يأمر بدابته فتسرح فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، الحديث (1).
(قلت): هذا محال من وجهين: - أحدهما: ان القرآن انما انزل علي خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلي الله عليه وآله وقبله لم يكن. فكيف يقرؤه داود عليه السلام.
أجابوا بأن المراد بالقرآن هنا إنما هو الزبور والتوراة وانه إنما سماه قرآنا لوقوع المعجزة بهما كوقوعهما بالقرآن فيكون المراد به مصدر القراءة لا القرآن المنزل علي محمد صلي الله عليه وآله (2).
قلت: في هذا الجواب نظر، إذ حملوا فيه كلام أبي هريرة علي ما لم يقصده والله أعلم.
ثانيهما: ان مدة اسراج الدابة لتضيق عن قراءة القرآن، سواء أريد به المنزل علي رسول الله صلي الله عليه وآله أم أريد به الزبور والتوراة، ومن المقرر بحكم الضرورة العقلية امتناع وقوع الفعل في وقت لا يسعه، وهذا مما لا سبيل إلي التشكيك فيه أبدا.
(١) راجعه في باب قوله تعالي: (وآتينا داود زبورا) ص ١٠١ من الجزء الثالث من صحيحه في كتاب تفسير القرآن، وتجده أيضا في أحاديث الأنبياء " ع " ص 164 من الجزء الثاني من صحيحه في كتاب بدء الخلق.
(2) تجد هذا الجواب في أول ص 500 من الجزء الثامن من ارشاد الساري عند انتهائه إلي هذا الحديث من شرح صحيح البخاري.
(١٥٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (2)، القرآن الكريم (7)، الجهل (1)، الأنبياء (ع) (1)، كتاب تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني (1)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 150

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥١
واذن لا يؤبه بما ذكره العلامة القسطلاني في هذا المقام من ارشاد ساري إذ قال (1) وقد دل هذا الحديث علي أن الله تعالي يطوي الزمان لمن شاء من عباده كما يطوي المكان لهم (قال): قال النووي إن بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعا بالنهار. ولقد رأيت أبا الطاهر بالقدس الشريف سنة سبع وثمان مائة وسمعت عنه إذ ذاك أنه كان يقرأ فيهما أكثر من عشر ختمات بل قال لي شيخ الاسلام البرهان بن أبي شريف أدام الله النفع بعلومه عنه أنه كان يقرأ خمس عشرة ختمة في اليوم والليلة (قال): وهذا باب لا سبيل إلي إدراكه إلا بالفيض الرباني انتهي بلفظه.
(قلت): بل لا سبيل إلي امكانه إلا إذا أمكن وضع الدنيا علي سعتها في البيضة علي ضيقها.
وأولوا الألباب يعلمون ان طي الزمان وطي المكان كليهما مما لا حقيقة له، ولو فرض وقوعهما فلا وجه لطي الزمان إذ بطيه يزداد الاشكال.
نعم لو قال بطي الكلام في هذا المقام لكان أنسب لمراده وان كان باطلا.
ولا يمكن أن يكون ما نقله في هذا الحديث عن داود معجزة له عليه السلام لان معجزات الأنبياء خوارق للعادة وهذا خارق للعقل كما لا يخفي.
* (26 - أمة مسخت فأرا) * أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا (1) قال: أمة من بني
(١) في ص ١٨٢ من جزئه السابع حيث تكلم في شرح هذا الحديث فراجع وحين تكلم في شرحه أيضا في ص ٥٠٠ من الجزء الثامن أعاد هذه القصص وزاد ان رجلا من اليمن ختم القرآن في شوط واحد من أشواط الطواف أو في أسبوع فتأمل واعجب.
(1) في ص 149 من الجزء الثاني من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، وفي باب الفأر وأنه مسخ ص 536 من الجزء الثاني من صحيح مسلم.
(١٥١)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، القرآن الكريم (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)

صفحه 151

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٢
لا تدري ما فعلت وإني لا أراها الا الفأر إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب وإذا وع لها ألبان الشاة شربت (1) الحديث.
(قلت): هذا من السخافة بمثابة تربا عنها الأمة الوكعاء إلا أن تكون مدخولة العقل، لكن الشيخين يلبسان هذا المخرف علي عثيثته (2) ويحتجان به علي سخافته ولو أن هذا لا يعود علي الاسلام بوصمة لقدناه حبله لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة علمية وعملية. فان هذه الخرافات من أعظم ما مني به الاسلام من الآفات فانا لله وانا إليه راجعون.
* (27 - المكروه عليه فاعتذر بسماعه من الفضل) * أخرج مسلم من طريق عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر قال: سمعت أبا هريرة يقص في قصصه (3): من أدركه الفجر جنبا فلا يصم، قال: فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحرث لأبيه (4) فأنكر ذلك فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتي دخلنا علي عائشة وأم سلمة فسألها عبد الرحمن عن ذلك قال: فكلتاهما قالت: كان النبي صلي الله عليه وآله يصبح جنبا من غير حلم (5) ثم
(1) أين أولوا الألباب ينظرون إلي هذا التخريف في أصل الدعوي وفي دليلها وقد لا يخفز أن الدليل أظهر في السخافة من جهات شتي.
(2) أي فساد عقله.
(3) لا يخفي ازدراؤه بأبي هريرة إذ جعله قصاصا، والقصاص في اللغة ما يقرأ القصص في مجتمعات الناس ليأخذهم منهم الجزاء عليها وأكثر القصاصين مخرفون.
(4) هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح ومعناه ذكره أبو بكر لأبيه عبد الرحمن فقوله لأبيه بدل من عبد الرحمن لإعادة حرف الجر.
(5) ان رسول الله صلي الله عليه وآله أجل وأفضل وأكمل مما يظنون وحاشاه أن يصبح جنبا ولا سيما في أيام الصوم والأنبياء لا يجوز عليهم الاحتلام لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه.
(١٥٢)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الكراهية، المكروه (1)، الظنّ (1)، الصيام، الصوم (1)، الجواز (1)، الإحتلام (1)، القصاص (1)

صفحه 152

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٣
يصوم قال فانطلقنا حتي دخلنا علي مروان وهو والي المدينة من قبل معاوية فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال مروان: عزمت عليك الا ما ذهبت إلي أبي فقال أبو هريرة أهما قالتا لك؟ قال: نعم، قال هما اعلم، ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلي الفضل بن العباس فقال: سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي صلي الله عليه وآله قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول الحديث (2).
قلت: من المعلوم أن الفضل بن العباس قد توفي علي عهد أبي بكر (3) وهذه القضية انما كانت علي عهد معاوية (4) وبهذا تسني لأبي هريرة أن يقول سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من رسول الله صلي الله عليه وآله ولو كان الفضل حيا ما اجترأ عليه.
* (28 - حديثان متناقضان) * أخرج البخاري (5) من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا لا
(1) أراد مروان بهذا النصح لأبي هريرة اشفاقا عليه من الفضيحة إذا لم يتدارك خطأه قبل أن يتسع الفتق.
(2) تجده في باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو بجنب صفحة 412 من الجزء الأول من صحيح مسلم في كتاب الصوم فراجع.
(3) هذا هو الصحيح، وقيل مات علي عهد عمر وعلي كل فقد مات قبل هذه الواقعة باجماع أهل الأخبار فراجع ترجمة في الاستيعاب والإصابة وأسد الغاية وطبقات ابن سعد وغيرها.
(4) حيث كان مروان واليا علي المدينة من قبل معاوية كما سمعت النص عليه في هذا الحديث.
(5) في الهامة ص 15 من الجزء الرابع من صحيحه في أواخر كتاب الطب، وأخرجه مسلم أيضا في باب لا عدوي ولا طيرة في ص 258 والتي بعدها من الجزء الثاني من صحيحه.
(١٥٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (6)، الفضل بن العباس (2)، الصيام، الصوم (3)، كتاب صحيح مسلم (1)، الموت (2)

صفحه 153

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٤
عدوي ولا صفر (1) ولا هامة (2) قال فقال اعرابي يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله فمن اعدي الأول؟.
أورد البخاري هذا الحديث ثم روي بعده بلا فصل عن أبي سلمة أنه سمع أبا هريرة فيما بعد يحدث فيقول قال النبي صلي الله عليه وآله لا يوردن ممرض علي مصح فقال أبو سملة يا أبا هريرة ألم تحدث أنه لا عدوي قال فأنكر حديثه الأول (3) ورطن بالحبشة (4).
" قلت ": هذا شأن من لا تتساير خيلاه (5) وكفي بذا بلاغا للناس (ولينذروا به - وليذكر أولوا الألباب).
* (29 - مولودان يتكلمان بالمغيبات) * أخرج الشيخان (6) عن أبي هريرة مرفوعا من حديث قال فيه: وكان
(1) لعله نفي لما يتوهم من حصول الدواهي في شهر صفر أو في آخر أربعاء منه.
(2) الهامة: بتخفيف الميم علي الأفصح طائر كان أهل الجاهلية يزعمون أن روح الميت وقيل عظامه تنقلب هامة، فأبطل الاسلام هذه الخرافة، وقد يقال ان الهامة هنا هي البومة يتشاءمون بها، فأبطل هذا التشاؤم.
(3) قد اتسع الخرق (بانكاره) علي الواقع إذ لا محل بعده لتأويل الحديثين بحملهما علي وجه يرتفع به تناقضهما كما لا يخفي.
(4) إنما رطن بالحبشة حيث ارتجت عليه العربية فأخذ من جميع نواحيه فلم يجد سبيلا إلا الرطانة.
(5) أي لا تسير في طريق واحد والمراد انه لا يوثق بأقواله لتناقضها.
(6) راجع باب، واذكر في الكتاب مريم ص 167 من الجزء الثاني من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وأخرجه أيضا في ص 49 من الجزء الثاني وفي ص 143 من الجزء الأول، اما مسلم فأخرجه في ص 377 من الجزء الثاني من صحيحه في باب تقديم بر الوالدين علي التطوع بالصلاة وغيرها من كتاب البر والصلة والآداب
(١٥٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (3)، البول (1)، الإحسان والبرَ الي الوالدين (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، شهر صفر الظفر (1)، الجهل (1)، الخرق (1)، الموت (1)، الوسعة (1)

صفحه 154

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٥
في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي فجاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي؟ فقالت أمه اللهم لا تمته حتي تريه وجوه المومسات " قال وكان جريج في صومعته " فتعرضت له امرأة فأبي فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ! (1) وصلي ثم اتي الغلام فقال من أبوك يا غلام؟ فقال " الغلام ان أبي لهو " الراعي! قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين " قال أبو هريرة " وكانت امرأة ترضع ابنها لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شاة. فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها واقبل علي الراكب فقال:
اللهم لا تجعلني مثله! ثم اقبل علي ثديها يمصه قال " أبو هريرة " كأني انظر إلي النبي " ص " يمص إصبعه! ثم مرت أم الغلام بأمة فقالت اللهم لا نجعل ابني مثل هذه فترك الغلام ثدي أمه فقال اللهم اجعلني مثلها! فقالت له أمه لم ذاك؟ فقال لها: الراكب جبار من الجبار من الجبابرة وهذه الأمة يقول لها الناس سرقت زينب ولم تفعل اه.
" قلت ": لم يكن جريج من الأنبياء، وكذلك هذان الطفلان، فلا يمكن أن تصدر علي أيديهم خوارق العادات، فان الخوارق انما تكون من النبيين في مقام تعجيز البشر اثباتا لنبوتهم كما هو مقرر في محله وكلام هذين المولودين واخبارهما بالمغيبات مما تأباه فطرة اله " التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".
* (30 - توكيله بحفظ زكاة الفطرة ومجئ الشيطان في ثلاث ليالي ليسرق منها) * أخرج البخاري بسنده (2) إلي أبي هريرة قال: وكلمني رسول الله صلي الله عليه وآله
(1) كأن أبا هريرة لم يعلم أن الوضوء لم يكن مشروعا قبل الاسلام.
(2) في الصفحة الثانية من كتاب الوكالة وهي ص 29 من الجزء الثاني من صحيحه
(١٥٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (3)، الرضاع (1)، الصّلاة (2)، الزكاة (1)، الوضوء (1)

صفحه 155

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٦
بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك إلي رسول الله قال أني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي " ص " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ فقلت:
يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال " ص " اما انه قد كذبك وسيعود قال فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلي رسول الله قال: دعني فاني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته! فخليت سبيله! قال " ص " اما أنه قد كذبك وسيعود، قال: فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلي رسول الله قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها إذا آويت إلي فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتي تصبح! فخليت سبيله فلما أصبحت قال لي رسول الله ما فعل أسيرك البارحة؟ فحكيت له القصة فقال أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟
قلت لا قال " ص ": ذلك الشيطان! اه.
" أقول ": هذه خرافة لا يصغي إليها من رك عقله، وطفئت شعلة ذهنه، تدهور أبو هريرة بها في مهواة سحيقة فان رحمة هذا السارق فرع تصديقه وفي تصديقه تكذيب لقول رسول الله صلي الله عليه وآله: أما انه قد كذبك، يكرر ذلك ثلاث مرات.
وكبا أبو هريرة في هذا الحديث ليديه وفمه من جهة أخري: إذ حلف بالله ليرفعنه إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فحنث ولم يرفعه بل خلي عنه ورحمه أولا وثانيا وثالثا. فهل كان الحنث بالايمان علي رأي أبي هريرة مباحا؟.
وهناك سقطة ثالثة وعثرة لا تقال إذ لم يكن أبو هريرة وكيلا بالعطاء
(١٥٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (7)، شهر رمضان المبارك (1)، الطعام (3)، الزكاة (1)، السرقة (1)

صفحه 156

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٧
وانما كان - فيما زعم - وكيلا بحفظ الزكاة (1) فكيف ترك هذا السارق يأخذ منها؟! وهل يجوز للوكيل بحفظ الشئ أن يتسامح في حفظه أولا وثانيا وثالثا؟
وهل هذا التسامح من الأمانة في شئ؟!.
وما أغرب ما يحدثنا به أبو هريرة عن شياطينه - وكل ما انفرد به أبو هريرة غريب - تارة يزعم أنهم يسرقون الطعام لعيالهم وأخري ان لهم ضراطا إذا سمعوا الاذان، وثالثة أنهم يربطون بسارية المسجد فتراهم الناس موثوقين، إلي غير ذلك من القصص التي يربأ أولو العقول الوافرة، والأذهان النيرة عن سماعها، نعوذ بالله من سبات العقل، وضعف التمييز.
* (31 - اسلام أمه بدعاء النبي، ودعاؤه صلي الله عليه وآله بأن يجيبهما إلي المؤمنين ويجيب المؤمنين إليهما) أخرج مسلم (2) بسنده إلي أبي هريرة قال: كنت ادعو أمي إلي الاسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلي الله عليه وآله ما أكره فأتيت رسول الله وانا باكي قلت يا رسول الله أسمعتني أمي فيك ما أكره فادع الله أن يهديها
(1) كما هو صريح قوله في أول هذا الحديث: وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان. وقد صرح الزركشي وغيره ان أبا هريرة لم يكن وكيلا بالعطاء بل بالحفظ خاصة فراجع صفحة 231 من الجزء الخامس من ارشاد الساري للقسطلاني أثناء شرحه لهذا الحديث.
(2) في باب فضائل أبي هريرة ص 357 من الجزء الثاني من صحيحه، وأخرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة في آخر ص 319 من الجزء الثاني من مسنده، وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة ص 54 من القسم الثاني من الجزء الرابع من طبقاته، ونقله ابن حجر العسقلاني في ترجمة أميمة بنت صفيح من اصابته عن مسلم ونقله في ترجمة أبي هريرة من الإصابة أيضا عن أحمد بن حنبل والحديث موجود في الجمع بين الصحيحين والجمع بين الصحاح الستة.
(١٥٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (7)، الطعام (1)، الزكاة (1)، السجود (1)، الأمانة، الإئتمان (1)، الجواز (1)، السرقة (1)، الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)، شهر رمضان المبارك (1)، أحمد بن حنبل (1)

صفحه 157

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٨
فقال صلي الله عليه وآله اللهم اهد أم أبي هريرة فخرجت مستبشرا فلما بلغت الباب فإذا هو مجاف (1) فسمعت أمي وطئ قدمي فقالت: مالك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال فرجعت إلي رسول الله وأنا أبكي من الفرح فقلت يا رسول الله ابشر قد استجاب الله دعوتك فهدي أم أبي هريرة فحمد الله وأثني عليه وقال خيرا قال قلت يا رسول الله ادع الله ان يحببني انا وأمي إلي عباده المؤمنين ويحببهم إلينا قال:
فقال رسول الله اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلي عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني الا أحبني اه.
(قلت): في هذا الحديث نظر من وجوه: أحدهما: أنه لم يروه عن رسول الله صلي الله عليه وآله سوي أبي هريرة فهو اذن معطوف علي سائر ما انفرد به.
ثانيهما: أنه إذا كانت أمه علي الحال التي ذكرها من الاصرار علي الشرك والامعان في الكفر تأبي الاسلام وتنال من رسول الله صلي الله عليه وآله إذا دعيت إليه فبأي أمل هجرت النبي ومحل نصرته صلي الله عليه وآله؟ وهلا بقيت وحالها هذه - في أوطانها عاكفة في أوثانها؟ أسوة بأهل اليمن في ذلك الزمن فماذا يقول أولياء أبي هريرة في الجواب عن هذا؟ وليخبروني هل لديهم عن أم أبي هريرة شئ يسند إلي غير أبي هريرة من هجرتها واسلامها وسائر شؤونها فان كان لديهم شئ من ذلك فليرشدونا إليه فاني كما يشهد الله لم أجد فيمن كانت له صحبة أحدا ذكر أم أبي هريرة بشئ ما سوي الخليفة الثاني حين عزل أبا هريرة عن البحرين فقال له ما رجعت بك أميمة الا لرعية الحمر وهذا يدل علي أكثر من معرفة اسمها
(1) مأخوذ من أجاف الباب اي ردها.
(١٥٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (9)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، الشهادة (1)، الوطئ (1)

صفحه 158

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٥٩
اما أصحاب المعاجم والتراجم فقد يذكرونها معتمدين فيما ينقلونه من أحوالها علي أبي هريرة لاغير كما لا يخفي.
ثالثها: أن أبا هريرة كان من أشد مساكين الصفة فاقة وفقرا يلتمس في الطريق صدقة تمسك رمقه كما مر عليك في أحواله علي عهد النبوة وقد سمعت ثمة قوله رأيتني واني لاخر فيما بين منبر رسول الله إلي حجرة عائشة مغشيا علي فيجئ الجائي فيضع رجله علي عنقي ويري اني مجنون وما بي من جنون ما بي الا الجوع. وسمعت اعترافه بأنه وسائر أهل الصفة كانوا ضيوف الاسلام لا يأوون إلي أحد ولا علي أحد إذ لم تكن لهم منازل يأوون إليها فكانوا ينامون في المسجد مثواهم ليلا ونهارا وأبو هريرة كان أشهر من سكن الصفة واستوطنها طول عمر النبي ولم ينقل عنها حتي مضي صلي الله عليه وآله لسبيله كما سمعت مفصلا بل كان عريف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين، فمن أين له البيت الذي ذكره في حديثه هذا يا أولي الألباب؟.
رابعها: لو صح ما قاله أبو هريرة في هذا الحديث لكان من أعلام النبوة وآيات الاسلام وأدلة أهل الحق حيث استجاب الله دعاء النبي صلي الله عليه وآله علي سبيل الفور فهدي الله به أم أبي هريرة وقلب حقيقتها فإنها بينا كانت تمعن في الكفر وتسترسل في الضلال إذا هي من المؤمنات القانتات المؤدبات بالآداب الشرعية (1) واعلام النبوة كلها متواترة يحدث بها كبار الصحابة وصغارهم فما بالهم يعرضون عن هذه الآية فلم يروها منهم سوي أبي هريرة لو كانت صحيحة.
خامسها: لو صح ما زعمه أبو هريرة من دعاء النبي له ولأمه بأن يحببهما إلي المؤمنين ويحبب المؤمنين إليهما لأحبه أهل بيت النبوة وموضع الرسالة فإنهم سادة مؤمنين وقادة أهل الملة والدين فما بال أئمتهم الاثني عشر وسائر علمائهم
(1) يدلك علي آدابها ما سمعته من غسلها ولبسها درعها قبل فتح الباب وعجلتها عن خمارها.
(١٥٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (7)، السجود (1)، الضلال (1)، البول (1)، التصدّق (1)، الغسل (1)

صفحه 159

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٠
يرذلونه ويسقطون حديثه؟ ولا يأبهون بشئ مما انفرد به حتي قال أمير المؤمنين عليه السلام (1): ألا إن أكذب الناس أو قال: أكذب الاحياء علي رسول الله صلي الله عليه وآله لأبو هريرة الدوسي.
ولو كان أبو هريرة في حب أمير المؤمنين إياه وحبه إياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين (2): يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله الخ. فكيف يكون عدو الله وعدو كتابه محبا للمؤمنين كافة ومحبوبا منهم جميعا؟ وقد ضربه عمر علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله بين ثدييه (3) ضربة خر بها لاسته، وضربه بالدرة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله حتي أدمي ظهره وانتزع منه عشرة آلاف سرقها من مال المسلمين فأرجعها إلي بيت المال، وضربه مرة ثالثة حين قال له (4): أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا علي رسول الله صلي الله عليه وآله وقال له مرة متغيظا: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض دوس أو بأرض القردة (5).
وهناك نوادر كانت بينه وبين كل من عبد الله بن عباس وعائشة وغيرهما لا تجتمع مع تبادل المحبة بينه وبينهم أبدا.
نعم كانت المحبة متبادلة في آخر أمره بينه وبين آل أبي العاص وآل أبي معيط وآل أبي سفيان، حببه إليهم حديثه إذ وجدوا فيه ضالتهم المنشودة
(1) في هذا المعني أخبار متواترة عن أئمة العترة الطاهرة وقد أرسل هذه الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام بالخصوص امام المعتزلة أبو جعفر الإسكافي كما في ص 360 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
(2) مر عليك حديث عزله في أحوال أبي هريرة علي عهد الخليفتين.
(3) فيما أخرجه مسلم في ص 34 من الجزء الأول من صحيحه.
(4) كما في ص 360 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
(5) أخرجه ابن عساكر من حديث السائب بن يزيد وهو الحديث 4857 في ص 239 من الجزء الخامس من كنز العمال.
(١٦٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، عبد الله بن عباس (1)، أبو هريرة العجلي (4)، الكذب، التكذيب (2)، الضرب (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، مدرسة المعتزلة (1)، إبن عساكر (1)، السائب بن يزيد (1)

صفحه 160

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦١
لدعايتهم الكاذبة وحببهم إليه سوابغ نعمهم عليه إذ أنعشوه بعد الخمول وأنالوه النضرة بعد الذبول، كان مروان بن الحكم يستخلفه علي المدينة (1) كلما غاب عنها، وهو الذي زوجه بسرة بنت غزوان (2) وما كان ليرمقها بطرفه لولا آل أبي العاص وآل أبي سفيان، ولما مرض مرض الموت كان مروان يبره ويصله وكان مشفقا عليه فان يدعو له بالشفاء حين يعوده وقد عاده في آخر أيام حياته فلما انصرف عنه أدركه إنسان فقال له (3): قضي أبو هريرة، وحين حمل نعشه كان مروان أمام الجنازة (4) وكان أبناء عثمان يحملون النعش حتي بلغوا به البقيع فصلي عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ونعاه إلي عمه معاوية فأمره أن يدفع إلي ورثته عشرة آلاف وان يحسن جوارهم، وهذه صورة تريك عطفهم عليه، ومزيد إحسانهم إليه، وتلمسك انقطاعه إليهم وعكوفه عليهم فهل كنوا في اصطلاح أبي هريرة هم المؤمنين؟ الذين حببهم الله إليه. وحببه إليهم؟.
* (32 - غلام أبي هريرة في هجرته!!) * أخرج البخاري (5) بسنده إلي أبي هريرة. قال: لما قدمت علي النبي صلي الله عليه وآله قلت في الطريق:
يا ليلة من طولها وعنائها * علي أنها من دارة الكفر نجت قال: وابق غلام لي في الطريق فلما قدمت علي النبي صلي الله عليه وآله فبايعته فبينما
(1) كما أخرجه في ترجمة أبي هريرة كل من ابن سعد في طبقاته وابن قتيبة في معارفه، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده كما بيناه إذ ذكرنا أيادي بني أمية عليه.
(2) نعرف ذلك من ترجمة بسرة في إصابة ابن حجر.
(3) فيما أخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته.
(4) كما أخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من الطبقات.
(5) في قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي ص 55 من الجزء الثالث من صحيحه وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته.
(١٦١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مقبرة بقيع الغرقد (1)، أبو هريرة العجلي (8)، مروان بن الحكم (1)، الموت (1)، المرض (2)، الصّلاة (1)، الجنازة (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (1)، بنو أمية (1)

صفحه 161

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٢
أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي: يا أبا هريرة هذا غلامك قلت هو لوجه الله فاعتقته اه.
ان أبا هريرة ليحير الحواس، ويدهش مشاعر الناس، بينما يقول نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا، وكنت أجيرا لفلان وفلانة بطعام بطني أسوق بهم إذا ركبوا وأخدمهم إذا نزلوا، إذا هو يدعي انه يوم هجرته كان يملك غلاما فاعتقه لوجه الله، والظاهر أنه انما حدث بهذا في أواخر حياته حين كان مغمورا بنعمة مروان وآل أبي سفيان، فنسي حاله يوم الهجرة وقبلها وبعدها، حيث كان طاويا خاويا كاسفا خاسفا تئط أمعاؤه وتنق أحشاؤه، مطروحا علي الطريق يعتمد علي كبده من الجوع، ملتمسا صدقة من المارة تمسك رمقه، كما أفصح عنه إذ قال: والله الذي لا إله الا هو ان كنت لأعتمد علي كبدي من الجوع وان كنت لأشد الحجر علي بطني من الجوع - الحديث - وقد مر عليك وفيه قعوده علي الطريق يلتمس الصدقة، وقد قال في حديث آخر: رأيتني وأني لاخر فيما بين منبر رسول الله إلي حجرة عائشة مغشيا علي، فيجئ الجائي فيضع رجله علي عنقي ويري أني مجنون وما بي من جنون ما بي الا الجوع إلي كثير من كلماته الصريحة بأنه كان ممن لا يمضه الهوان، ولا يؤلمه الامتهان، وان غاية ما يرجوه شبعة من طعام فمن أين له الغلام؟ وحاله أن طلع؟ لأحرجنا مقامه إذ لم تكن له صلي الله عليه وآله معرفة به سابقة، ولعل لأبي هريرة جلالة تستوجب الوحي إلي النهي في شأنه وشأن غلامه؟.
* (33 - قصة خيالية ترمي إلي حسن عواقب الصدقة) * أخرج مسلم عن أبي هريرة مرفوعا، قال بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان فتنحي ذلك السحاب فأفرغ ماءه كله
(١٦٢)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (4)، النهي (1)، الطعام (1)، التصدّق (3)

صفحه 162

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٣
في تلك الحديقة وإذا رجل قائم في الحديقة يحول الماء بمسحاته، فقال له:
يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمعه في الصحابة فقال له: لم تسألني عن اسمي، قال: اني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول له: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال: أما إذا قلت هذا فاني انظر إلي ما يخرج منها فأتصدق بثلثه. الحديث (1).
وهذا مما تحكم العادة بامتناع وقوعه وتأباه نواميس الفطرة التي فطرت الأكوان عليها، لكن أبا هريرة افتأته كرواية خيالية ترمي إلي حسن عواقب الصدقة، وتقوله علي رسول الله صلي الله عليه وآله كما هي عادته في قصصه الخيالية وغيرها فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* (34 - خيالية أخري ترمي إلي حسن عواقب الوفاء بالشرط) * أخرج البخاري عن أبي هريرة مرفوعا: أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم فقال: كفي بالله شهيدا، قال، فأتني بالكفيل: قال: كفي بالله كفيلا، قال:
صدقت. فدفعها إليه إلي أجل مسمي فخرج في البحر فقضي حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلي صاحبه، ثم زجج موضعها ثم أتي بها إلي البحر، فقال: اللهم انك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفي بالله كفيلا فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت كفي بالله شهيدا فرضي بك، واني اجهد أن أجهد مركبا ابعث إليه الذي له فلم أقدر واني استودعكها فرمي بها في البحر حتي ولجت فيه، ثم انصرف فخرج الرجل الذي
(1) أخرجه مسلم في باب الصداقة في المساكين ص 533 من الجزء الثاني من صحيحه
(١٦٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، البعث، الإنبعاث (1)

صفحه 163

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٤
كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة - الحديث (1) - وهو في البعد إلي حد السقوط عن درجة الاعتبار.
علي أن القاء ألف دينار في البحر مما لا يبيحه شرع ولا عقل ولا يستوجب براءة ذمة المدين لو لم يصل المال إليه والعقلاء يعدون هذا العمل منه سفها أو جنونا يستوجبان التحجير عليه، ولو فرض وقوع هذا الامر في بني إسرائيل أو غيرهم فرسول الله صلي الله عليه وآله لا يحدث به حتي يعلق عليه كلمة تستوجب عدم العمل به مقتضاه، إذ لو حدث به من غير تعليق عليه - كما في الحديث - لأغري به المؤمنين من أمته وذلك محال عليه صلي الله عليه وآله لكن أبا هريرة صاغه كما تصاغ الروايات الخيالية، ومرماه الارتباط بالشرط، والوفاء بالعقد، ثم تقوله علي رسول الله صلي الله عليه وآله ترويجا لبضاعته.
* (35 - خيالية ثالثة ترمي إلي عواقب شكر النعم وعواقب كفرها) * أخرج البخاري (2) عن أبي هريرة مرفوعا قال: ان ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمي بدا لله عز وجل ان يبتليهم (3) فبعث إليهم ملكا
(1) أخرجه البخاري بهذه الألفاظ في باب الكفالة في القرض والديون ص 26 من الجزء الثاني من صحيحه وأخرجه أيضا بألفاظ اخر في الاستقراض واللقطة والاستئذان والشروط والبيع والزكاة فراجع.
(2) في ص 170 من الجزء الثاني من صحيحه في باب ما ذكر عن بني إسرائيل في كتاب بدء الخلق.
(3) بدا بفتح الباء الموحدة وفتح الدال المهملة المخففة بعدها الف مقلوبة عن واو بغير همز بمعني سبق في علم الله الأزلي ولم يكن ظاهرا للناس فأراد الله عز وجل اظهاره وهذا هو البداء الذي تقول به الشيعة الإمامية وخطأ من رماهم بالدواهي، والحمد لله إذ وجدنا في حديث أبي هريرة دليلا عليه فان خصومنا لا يقنعهم حديث العترة الطاهرة.
(١٦٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (3)، شيعة أهل البيت عليهم السلام (1)

صفحه 164

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٥
فأتي الأبرص فقال: أي شئ أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب عنه فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل، فأعطي ناقة عشراء فقال: يبارك لك فيها.
وأتي الأقرع فقال: اي شئ أحب إليك؟ قال: شعر حسن وقد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب وأعطي شعرا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟
قال: البقر فأعطاه بقرة حاملا وقال يبارك لك فيها.
وأتي الأعمي فقال: اي شئ أحب إليك؟ قال: يرد الله إلي بصري قال: فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطاه الله شاة والدا فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من إبل ولهذا واد من بقر ولهذا واد من الغنم.
ثم انه أتي الأبرص في صورته وهيئته - التي كان الأبرص أولا عليها - فقال له: رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري، فقال له: ان الحقوق كثيرة، فقال له كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا؟ فأعطاك الله. فقال: ورثت هذا كابرا عن كابر، فقال:
ان كنت كاذبا فصيرك الله إلي ما كنت.
واتي الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا، فرد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: ان كنت كاذبا فصيرك الله إلي ما كنت.
واتي الأعمي في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل تقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم الا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: كنت أعمي فرد الله بصري وفقيرا فأغناني فخذ ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشئ اخذته لله فقال أمسك مالك فإنما ابتليتهم فقد رضي الله عنك وسخط علي صاحبيك.
(١٦٥)

صفحه 165

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٦
(قلت): هذا الحديث من منسوجات أبي هريرة وقد رقشه ووشاه فكان كأحدث رواية خيالية يمثلها المزخرفون علي مسارحهم في عصرنا الحاضر يرمي بها إلي عاقبتي شكر النعمة والكفر بها.
* (36 - خيالية رابعة ترمي إلي سوء عاقبة الظلم) * أخرج الشيخان بسندهما إلي أبي هريرة (1) مرفوعا قال: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض اه.
وهذا الحديث مما أنكرته عائشة علي أبي هريرة فكان مما قالت له إذ بلغها:
إن المؤمن أكرم علي الله من أن يعذبه في هرة فإذا حدثت عن رسول الله فانظر كيف تحدث (2).
(قلت): وهذا من رواياته الخيالية يرمي فيه إلي سوء عواقب الظلم والعدوان.
* (37 - خيالية خامسة ترمي إلي حسن عواقب الرحمة) * أخرج البخاري عن أبي هريرة (3) يرفعه قال: غفر لامرأة مومسة مرت بكلب علي رأس ركي يلهث (قال) وكاد يقتله العطش فنزعت خفها وأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فشرب فغفر لها بذلك.
(1) راجع ص 149 من الجزء الثاني من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وأول ص 445 من الجزء الثاني من صحيح مسلم في باب سعة رحمة الله من كتاب التوبة تجد الحديث.
(2) هذا الرد مشهور عن عائشة وقد رواه عنها شارحوا صحيح البخاري ومسلم عند انتهائهم إلي هذا الحديث في شهورتهم فراجع ص 84 من المجلد السابع من ارشاد الساري.
(3) في ص 150 من الجزء الثاني من صحيحه وأخرجه أيضا في مواضع اخر.
(١٦٦)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (4)، الكرم، الكرامة (1)، الظلم (1)، القتل (1)، كتاب صحيح البخاري (2)، كتاب صحيح مسلم (1)، الوسعة (1)

صفحه 166

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٧
وأخرج البخاري عن أبي هريرة يرفعه قال: بينما رجل يمشي في طريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثري من العطش! قال فنزل الرجل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقي الكلب فشكر الله له وغفر له بذلك - الحديث (1) -.
وقد تعلم أن هذا الحديث والذي قبله إنما هما من مخيلة أبي هريرة يمثل بينما حسن عواقب العطف والحنان ويحض بهما علي البر والاحسان.
* (39 - مسرف كافر غفر له) * أخرج مسلم عن معمر قال: قال لي الزهري: ألا أحدثك بحديثين عجيبين (2)؟! اخبرني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي قال:
أسرف رجل علي نفسه فلما حضره الموت أوصي بنيه فقال: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر فوالله لئن قدر علي ربي (3) ليعذبني عذابا ما عذب به أحدا ففعلوا ذلك به فقال الله للأرض أدي ما اخذت فإذا هو قائم فقال له: ما حملك علي ما صنعت؟ فقال: مخافتك يا رب فغفر له بذلك، قال الزهري: وحدثني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها
(1) تجده في باب رحمة الناس بالبهائم ص 36 من الجزء الرابع من كتاب الأدب وفي باب فضل سقي الماء ص 35 من الجزء الثاني من صحيحه في كتاب المساقاة فراجع.
(2) يحق للزهري أن يعجب من هذين الحديثين وأولوا الألباب كلهم يعجبون منهما (3) تأمل كلمته هذه تجدها صريحة بأنه كان لا يؤمن بان ربه قادر علي بعثه بعد انجاز وصيته فهو كافر بذلك.
(١٦٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، التمسّك (1)، الموت (1)، الخوف (1)، الوصية (1)، البعث، الإنبعاث (1)

صفحه 167

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٨
ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض - الحديث - (1).
(قلت): أما المرأة ذات الهرة فان كانت مؤمنة كانت كما قالت عائشة.
أكرم علي الله من يعذبها في النار بهرة، وان كانت كافرة فإنما تعذب بكفرها.
وأما ذلك المسرف فإنه - علي ما يقتضيه الحديث - لم يكن أهلا للمغفرة إذ لم يكتف بتمرده علي الله تعالي طيلة حياته وتجاوزه الحد في موبقاته حتي مات مصرا علي تمرده يائسا من روح الله فارا من سلطانه إلي حيث لا تناله - علي زعمه - قدرة الله عز سلطانه التي أحاطت بكل سئ ولذلك أوصي تلك الوصية البربرية فهو كافر بيأسه من رحمة الله وانكاره لقدرة الله عز وجل والكافر لا يستحق المغفرة، ولا هو لها باهل اجماعا وقولا واحدا.
عن أن أسلوب هذا الحديث انما هو أسلوب حكاية خيالية ترمي إلي عدم اليأس من رحمة الله ولو مع الاسراف وإلي عدم الامن من عذاب الله ولو مع الايمان، وهاتان الحقيقتان في غي عن روايات أبي هريرة وخيالاته لثبوتهما بنص الذكر الحكيم والفرقان العظيم (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) فالسنن المقدسة تبرأ أبوار أساليبها من هذا الحديث وأسلوبه كما لا يخفي.
وأيضا لو فرض وقوع تلك الوصية من ذلك المسرف وفرض انها بمجردها كانت سببا لمغفرة ذنوبه فرسول الله صلي الله عليه وآله لا يمكن أن يحدث بها حتي يعلق عليها كملة تحضرها إذ لو حدث بها من غير تعليق - كما نقله أبو هريرة - لأغري بها المسرفين من أمته وهذا محال كما لا يخفي.
(1) تجده في ص 444 من الجزء الثاني من صحيح مسلم في باب سعة رحمة الله وانها سبقت غضبه من كتاب التوبة.
(١٦٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الإسراف (1)، الوصية (3)، كتاب صحيح مسلم (1)، الوسعة (1)

صفحه 168

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦٩
* (40 - مذنب يتوب إلي الله ثم يؤوب إلي ذنوبه يكرر ذلك فيقول الله له: إعمل ما شئت فقد غفرت لك) * قال أبو هريرة: أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي فقال الله تبارك وتعالي: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قال: ثم عاد فأذنب، فقال: اي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالي:
عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال اي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالي: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك! الحديث (1).
(قلت): وهذا كسابقه معنا ومرمي وأسلوبا نسجته يدا أبي هريرة من غزل مخيلته كحكاية العجائز والقصاصين يرمي به إلي سعة مغفرة الله عز وجل وسعة مغفرة الله ورحمته في غني عن الروايات الخيالية لثبوتها بحكم العقل والنقل كتابا وسنة ولاجماع الأمة عليها بل اجماع أهل الأديان كافة بل هي من ضروريات الاسلام وغيره من سائر الأديان.
وأنت تعلم أن ليس بين الله عز وجل وبين أحد من خلقه هوادة في حمي حرمه علي العالمين، ألا تراه كيف يقول عز من قائل: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وما منكم من أحد عنه حاجزين) فكيف يمكن بعدها ان يحابي هذا المذنب الراجع عن توبته مرارا فيقول له: اعمل ما شئت فقد غفرت لك، وبأي شئ استحق هذا الضعيف في ذات الله ان ينال هذه الهوادة التي ما نالها الصديقون والأنبياء والمرسلون.
(1) أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا في باب قبول التوبة من الذنب وان تكررت الذنوب والتوبة ص 445 من الجزء الثاني من صحيحه في كتاب التوبة.
(١٦٩)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (3)، الوسعة (1)، الغني (1)

صفحه 169

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٠
وكم لأبي هريرة من هذه القصص الخيالية يحدث بها الطغاة تهوينا لجرائمهم وتعزية لهم عن موبقاتهم كقوله سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: حضر ملك الموت رجلا يموت فلم يجد فيه خيرا وشق عن قلبه فلم يجد فيه شيئا ثم فك عن لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا بفكه بقول لا إله إلا الله فغفر الله له - الحديث (1) -.
ومن سخافات هذا الرجل قوله: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف فلما قام رسول الله صلي الله عليه وآله في مصلاه ذكر انه جنب الحديث (2).
نبرأ إلي الله منه وممن يجيزه علي رسول الله صلي الله عليه وآله الذي كان في جميع أوقاته علي طهور وكان الوضوء علي الوضوء عنده نورا علي نور وأنبياء الله كافة منزهون عن مضمونه معصومون عما هو دونه مما لا يليق بالصديقين وصالحي المؤمنين.
ومنها: حديثه (3) في النهي عن تفضيل النبي علي موسي وحديثه (4) في أن من قال إن رسول الله خير من يونس بن متي فقد كذب.
وقد أجمعت الأمة علي تفضيله، وثبت ذلك بالنصوص الصريحة الصحيحة وقامت عليه الضرورة من دين الاسلام.
(١) أخرجه الخطيب في ترجمة سعد بن عبد الحميد ص ١٢٥ من المجلد ٩ من تاريخ بغداد.
(٢) أخرجه البخاري في باب إذا ذكر في المسجد انه جنب يخرج ولا يتيمم ص ٤١ من الجزء الأول من صحيحه.
(٣) الذي أخرجه البخاري في الخصومات ص ٤٠ من الجزء الثاني من صحيحه.
(٤) الذي أخرجه البخاري في باب قوله تعالي: (انا أوحينا إليك أوحينا إلي نوح) إلي قوله تعالي (ويونس وهارون وسليمان في ص ٨٢ من الجزء الثاني من صحيحه في كتاب تفسير القرآن.
(١٧٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (1)، الكذب، التكذيب (1)، الموت (1)، النهي (1)، الصّلاة (1)، الوضوء (2)، الجنابة (2)، كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1)، كتاب تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني (1)، عبد الحميد (1)، السجود (1)

صفحه 170

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧١
وحديثه (1) بأنه لن يدخل أحدا عمله الجنة " قال " قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا؟.
يضرب بهذا الحديث عرض الحائط لمخالفته كتاب الله عز وجل في كثير من آياته، وحسبك منها: " ان هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ".
وحديثه (2) في أنه ما بعث نبي الا ورعي الغنم وهذا في البعد إلي حد السقوط.
ومثله حديثه (3) في أن إبراهيم عليه السلام قد اختتن بالقدوم (4) بعد ثمانين سنة من عمره.
وحديثه (5) في أن عيسي بن مريم عليه السلام رأي رجلا يسرق فقال له:
أسرقت؟ فقال: كلا؟ والذي لا اله إلا هو، فصدقته وكذب عينيه.
وحديثه: إذ خلق الله آدم فمسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلي يوم القيامة أمثال الذر ثم جعل بين عيني كل انسان منهم وبيضا " أي بريقا " من نور ثم عرضهم علي آدم فقال آدم من هؤلاء يا رب؟ قال: ذريتك فرأي آدم رجلا منهم أعجبه وبيض ما بين عينيه فقال يا رب من هذا؟ قال هذا ابنك داود، قال آدم: كم جعلت له من العمر؟ قال ستين سنة، قال: يا رب
(1) الذي أخرجه البخاري في باب تمني المريض الموت من آخر كتاب المرضي ص 6 من الجزء الرابع من صحيحه.
(2) الذي أخرجه البخاري في كتاب الإجارة ص 22 من الجزء الثاني من صحيحه (3) الذي أخرجه البخاري في باب الختان ص 65 من الجزء الرابع من صحيحه في أواخر كتاب الاستئذان.
(4) ولعل هذا القدوم كان علي رأي أبي هريرة مما ورثه إبراهيم عن نوح وانه مما استعمله نوح في صنع فلكه.
(5) الذي أخرجه البخاري في باب. واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت ص 168 من الجزء الثاني من صحيحه.
(١٧١)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)، النبي عيسي بن مريم عليهما السلام (1)، يوم القيامة (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الموت (1)، المرض (1)

صفحه 171

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٢
زده من عمري أربعين سنة حتي يكون عمره مائة سنة، فقال الله عز وجل اذن يكتب ويختم فلا يدل فلما انقضي عمر آدم جاءه ملك الموت لقبض روحه قال آدم: أو لم يبق من عمري أربعون سنة قال له ملك الموت أو لم تجعلها لابنك داود؟ قال: فجحد فجحدت ذريته! - الحديث - (1).
ومثله حديثه (2) عن آدم وموسي حيث مثلهما يتحاجان علي كيفية تدل علي أنهما كانا من القدرية الجبرية، وقد ظهر فيها آدم علي موسي فحجه إلي كثير مما لا يليق بالأنبياء، ويجب تنزيههم عنه.
وما أكثر حديثه في خوارق النواميس الطبيعية، وحسبك منها (مضافا إلي ما سمعته آنفا) حديثان نجعلهما خاتمة هذا الفصل.
(أحدهما): حديثه إذ كان: فيما زعم - مع العلاء بن الحضرمي لم بعث في أربعة آلاف إلي البحرين فانطلقوا حتي اتوا علي خليج من البحر ما خاضه قبلهم أحد ولا يخوضه بعدهم أحد!.
(قال أبو هريرة): أخذ العلاء بعنان فرسه فسار علي وجه الماء وسار الجيش وراءه قال: فوالله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر؟ الحديث (3).
(1) أخرجه الحاكم وصححه في ص 325 من الجزء الثاني من المستدرك في كتاب التفسير في شرح، وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأورده الذهبي وصححه في تلخيص المستدرك.
(2) الذي أخرجه البخاري في باب وفاة موسي ص 163 من الجزء الثاني من صحيحه في كتاب بدء الخلق.
(3) رواه الشيخ الامام العلامة أبو بكر بن محمد الوليد الفهري الطرطوشي المعروف بابن أبي وندة المتوفي سنة اثنتين وخمسمائة في الإسكندرية في كتابه الذي أفرده الدعاء ونقله عنه الشيخ كمال الدين الدميري في مادة البعوض من كتابه حياة الحيوان وأشار إلي هذه القصة صاحبا الاستيعاب والإصابة في ترجمة العلاء وقالا انها مشهورة.
(١٧٢)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، العلاء بن الحضرمي (1)، الموت (2)، الحج (1)، البلل (1)، أبو بكر بن محمد (1)، الدميري (1)، الوفاة (1)

صفحه 172

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٣
وهذا لو كان حقا لرواه كل واحد من ذلك الجيش المؤلف من أربعة آلاف صحابي فكان في طليعة الأحاديث المتواترة فما باله لا يسند إلا إلي أبي هريرة يا أولي الألباب؟.
(ثانيهما): حديث المزود إذ قال: أصبت بثلاث مصيبات في الاسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلي الله عليه وآله وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله في سفر فقال:
يا أبا هريرة أمعك شئ؟ قال قلت تمر في مزود، قال جئ به، فأخرجت تمرا فأتيته به، قال: فمسه ودعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتي شبعوا ثم كذلك حتي اكل الجيش كله وبقي من تمر معي في المزود فقال: يا أبا هريرة إذا أردت ان تأخذ منه شيئا فادخل يدك فيه ولا تكفه قال: فأكلت منه حياة النبي وأكلت منه حياة أبي بكر كلها وأكلت منه حياة عمر كلها وأكلت منها حياة عثمان كلها؟؟ فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق!!.
(قلت): لا ريب في أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان يطعم الجم الغفير من الزاد اليسير في كثير من أيامه المباركة، وذلك من اعلام نبوته وآيات رسالته، لكن هذا الحديث بالخصوص مما صنعته يدا أبي هريرة مدلا علي السواد من أحزاب بني أمية والغوغاء من أشياعهم العاكفين علي قميص عثمان وأصابع زوجته بالبكاء والعويل ليستنهض معروفهم، ويجتدي برهم، وهذا من أساليبه المدهشة في تزلفه إلي بني أمية وامتياح فضلهم.
ومما يدلك علي وضعه ان أبا هريرة كان يتلون فيه تلون الحرباء ويتطور في نقله علي أنحاء كما يعلمه متتبعو طرق المزود في مسانيد السنة وكتبها (1).
(١) حديث المزود وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل من طريقين، وأبو بكر البيهقي من طريقين آخرين، وأخرجه غيرهما من طرق اخر فليراجعها من أراد الوقوف علي ما فيها من التهافت والتناقض الحاكمين بسقوطها، وقد أورد ابن كثير جملة منها في ص ١١٦ من الجزء السادس من البداية والنهاية.
(١٧٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (5)، بنو أمية (2)، الزوجة (1)، القتل (2)، الأكل (1)، الطعام (1)، كتاب البداية والنهاية (1)، أحمد بن حنبل (1)

صفحه 173

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٤
ولأبي هريرة كيس وسع هذا المزود وغيره كان عيبة علمه يتناول منه ما يشاء متي شاء وكيف شاء وربما سئل عما يحدث فيقال له أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه وآله فيقول: لا هذا من كيس أبي هريرة (1).
وعجائب أبي هريرة يضيق عنها املاؤنا هذا وحسبنا منها ما أوردناه حجة علي ما أردناه والحمد لله.
- 12 - * مسنده في حكم المرسل * كان من دأب أبي هريرة في حديثه عن رسول الله صلي الله عليه وآله أن يسند إليه ما بلغه عنه بالواسطة لا يقيم عليها قرينة كما يسند إليه ما سمعه منه مشافهة لا يفرق بين هذا وذاك في شئ ما، وهذا ما جعل حديثه كله في حكم المرسل لا يصلح حجة ولا يقوم دليلا.
وإن كنت في ريب مما قلناه في دأبه فاني أحيلك علي قوله: قال رسول الله صلي الله عليه وآله لعمه أبي طالب: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة قال: لولا أن تعيرني في قريش الحديث (2).
وقد علم الناس ان أبا طالب " ع " إنما توفي قبل قدوم أبي هريرة إلي الحجاز
(1) هذا نصه من حديث أخرجه عنه البخاري في أول كتاب النفقات ص 189 من الجزء الثالث من صحيحه.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الايمان ص 31 من الجزء الأول من صحيحه، وقد أوردناه وعلقنا عليه في الفصل السابق من هذا الاملاء.
(١٧٤)
مفاتيح البحث: أبو طالب عليه السلام (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (6)، يوم القيامة (1)، الشهادة (1)

صفحه 174

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٥
بعشر سنين في أقل الروايات، فأين كان عن النبي وعمه " ع " وهما يتبادلان الكلام الذي أسنده إليهما كأنه رآهما بعينيه وسمعهما بأذنيه؟!.
وقال: قام رسول الله حين انزل الله عليه، " وأنذر عشيرتك الأقربين " فقال يا معشر قريش لا اغني عنكم من الله شيئا الحديث (1).
وأولو العلم بأسرهم مجمعون علي أن هذه الآية انما نزلت في مبدأ الدعوة الاسلامية قبل ظهورها في مكة، وأبو هريرة إذ ذاك في اليمن جاهليا وانما اتي الحجاز بعد نزول هذه الآية بنحو عشرين سنة، فين كان عند نزولها ليقول:
قام رسول الله حين نزلت فقال: يا معشر قريش إلي آخر حديثه الذي أسنده إلي النبي، كأنه رآه قائما بعينيه، وسمعه ينذر عشيرته بأذنيه؟!.
وقال: كان النبي يدعو في القنوت فيقول: اللهم انج سلمة بن هشام، اللهم انج الوليد بن الوليد، اللهم انج عياش بن أبي ربيعة، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين " الذين حبسهم المشركون عن الهجرة في حديث صحيح (2) ".
ومن المعلوم بحكم الضرورة من اخبار السلف انه انما حبس هؤلاء عن الهجرة فقنت رسول الله " ص " بالدعاء لهم قبل اسلام أبي هريرة بنحو سبع سنين، فأين كان عن رسول الله " ص " ليسند هذا الحديث إليه كأنه رآه بعينيه قانتا وسمعه بأذنيه داعيا؟!.
قال: وقال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، الحديث (3).
(1) أخرجه البخاري في ص 86 من الجزء الثاني من صحيحه ومسلم واحمد، وقد أوردناه وعلقنا عليه في الفصل السابق من الأصل.
(2) أخرجه البخاري في باب الدعاء علي المشركين بالهزيمة والزلزلة ص 105 من الجزء الثاني من صحيحه.
(3) أخرجه مسلم في باب قوله تعالي: ان الانسان ليطغي ص 467 من الجزء الثاني من صحيحه.
(١٧٥)
مفاتيح البحث: حديث الدار (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، مدينة مكة المكرمة (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الوليد بن الوليد (1)، الجهل (1)، القنوت (1)، الزلزلة (1)

صفحه 175

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٦
فان كان هذا القول واقعا من أبي جهل فإنه انما يكون قبل اسلام أبي هريرة وقبل قدومه من اليمن بنحو عشرين سنة فأين كان عن أبي جهل ليسنده إليه كأنه سمعه بأذنيه؟!.
وأين كان عن وقعة الرجيع وعن أميرها عاصم بن ثابت الأنصاري المستشهد فيها ليحدث عنها وعنه حديث المشاهد لهما؟ (1) وقد كانت تلك الوقعة في صفر سنة أربع للهجرة قبل اسلامه بثلاث سنين تقريبا.
ومن وقف علي سيرة أبي هريرة المستمرة في حديثه علم أن دأبه ما قلناه وحسبك هذا القدر دليلا علي ما ادعيناه.
وقد انتبه إليه أحمد أمين المصري البحاثة المعاصر إذ قال في كلام له (2) حول أبي هريرة: ويظهر انه لم يكن يقتصر علي ما سمعه من رسول الله صلي الله عليه وآله بل يحدث عن رسول الله بما اخبره به غيره.
(قلت): وأعترف بهذا أبو هريرة نفسه إذ حدث عن رسول الله صلي الله عليه وآله بأن من أدركه الفجر جنبا فلا يصم، فلما أنكرت عائشة وأم سلمة عليه ذلك جعل الجناح فيه علي الفضل بن العباس (وكان الفضل يومئذ ميتا (3) فقال
(١) حديثه عنهما ثابت في الصحاح فراجعه في كتاب الجهاد السير ص 117 من الجزء الثاني من صحيح البخاري.
(2) تجده في ص 262 والتي بعدها من كتاب (فجر الاسلام) في الفصل الثاني من الباب السادس.
(3) فان هذه القضية كانت ومروان بن الحكم أمير علي المدينة في عهد معاوية - كما جاء في حديث البخاري عنها في باب الصائم يصبح جنبا ص 225 من الجزء الأول من صحيحه وبه صرح شارحوا الصحيح كالقسطلاني وغيره - وقد استشهد الفضل يوم أجنادين في خلافة أبي بكر وقيل بل يوم مرج الصفر سنة 13، وقيل يوم اليرموك سنة 15 في خلافة عمر، وقيل مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة ولم يبق حيا إلي سنة العشرين اجماعا وقولا واحدا.
(١٧٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، الفضل بن العباس (1)، عاصم بن ثابت (1)، الشهادة (2)، الجهل (2)، كتاب صحيح البخاري (1)، مروان بن الحكم (1)، خلافة أبي بكر بن أبي قحافة (1)، الشام (1)، الموت (1)

صفحه 176

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٧
سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي وهذا " سواء كان حقا أم باطلا " اعتراف منه صريح بأنه كان يسند إلي النبي صلي الله عليه وآله ما لا يسمعه منه كما تري.
(فان قلت) أي مانع للعدل ان يسند إلي النبي الحديث يسمعه من غيره مرفوعا إليه صلي الله عليه وآله.
" قلنا " لا مانع من ذلك غير أن الحديث في هذا لافرض لا يكون حجة ولا يوصف بالصحة " وان رواه العدل " وانما يكون مرسلا حتي تعزف الواسطة وتحرز عدالتها.
وبعبارة أخري عدالة الراوي شرط في صحة حديثه، فلا بد من احرازها ولا يمكن ذلك في الواسطة المجهولة.
ومجمل القول في هذا الفصل أن في حديث أبي هريرة مراسيل كثيرة لا يمكن الاحتجاج بها، وقد اشتبهت بمسانيده، إذ لم يفرق بينهما في شئ وهذا ما أوجب سقوط الجميع عملا بالقاعدة المقررة في الشبهات المحصورة.
- 13 - * دعواه الحضور في وقائع لم يحضرها * وقد اضطرنا هذا الرجل إلي الريب فيه بدعواه الحضور في وقائع لم يحضرها قطعا.
وحسبك منها قوله: دخلت علي رقية بنت رسول الله صلي الله عليه وآله امرأة عثمان وبيدها مشط، فقالت: خرج رسول الله من عندي آنفا جلت شعره فقال لي: كيف تجدين أبا عبد الله؟ - يعني عثمان - قلت بخير قال: أكرميه فإنه من أشبه أصحابي بي خلقا، أخرجه الحاكم (1) ثم قال: هذا حديث صحيح
(1) في أحوال رقية ص 48 من الجزء الرابع من المستدرك.
(١٧٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (1)

صفحه 177

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٨
الاسناد واهي المتن فان رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر وأبو هريرة انما أسلم بعد فتح خيبر.
" قلت ": وأورده الذهبي في تلخيص المستدرك ثم قال: صحيح منكر المتن فان رقية ماتت وقت بدر وأبو هريرة أسلم وقت خيبر.
وقال في سهو النبي: صلي بنا النبي " ص " الظهر أو العصر فسلم في ركعتين فقال له ذو اليدين: أنقصت الصلاة أم نسيت؟ الحديث.
وذو اليدين هذا استشهد ببدر قبل ان يسلم أبو هريرة بزمان كما بينا في الفصل 11 من هذا الاملاء (1).
وكم كان يتبجح فيقول: افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة انما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط الحديث (2).
مع أنه لم يحضر الفتح إجماعا وقولا واحدا، وإنما جاء بعد الفتح ولذا ارتبك شارحوا الصحيحين عند انتهائهم إلي قوله: افتتحنا خيبر، فحملوا كلمته هذه علي التجوز وان المراد جنسه من المسلمين (3).
وكم كان يحدث فيقول: شهدنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله خيبر فقال لرجل معه ممن يدعي الاسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتي كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس ان يرتاب فوجد الرجل ألم
(1) فراجع منه الحديث 13.
(2) أخرجه البخاري في باب غزوة خيبر ص 37 من الجزء الثالث من صحيحه (3) راجع ص 154 من المجلد الثامن من شرحي البخاري والمطبوعين معا في اثني عشر مجلدا وهما ارشاد الساري للقسطلاني وتحفة الباري للأنصاري تجد التأويل المذكور مع التصريح بأن أبا هريرة لم يحضر فتح خيبر، وكذلك فعل السندي فيما علقه علي هذا الحديث من تعليقته المطبوعة في هامش الصحيح.
(١٧٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، سهو النبي صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (3)، خيبر (6)، الشهادة (1)، القتل (2)، الصّلاة (1)، السهو (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، معركة خيبر (1)

صفحه 178

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٩
الجراحة فأهوي بيده إلي كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه الحديث (1).
(قلت): هذا محل النظر من وجهين: أحدهما دعواه انه شهد الوقعة مع رسول الله صلي الله عليه وآله وقد عرفت انه لم يشهدها، ولذلك ارتبك شارحوا هذا الحديث فقالوا: أما قول أبي هريرة شهدنا مع رسول الله خيبر فمحمول علي المجاز والمراد جنسه من المسلمين لان الثابت انه انما جاء بعد أن فتحت خيبر انتهي بلفظ الشارح القسطلاني (2).
ثانيهما: ان الرجل الذي قتل نفسه انما هو قزمان بن الحرث حليف ظفر المنافق. كان يقاتل علي الأحساب، وقضيته التي ذكرها أبو هريرة في حديثه هذا معروفة (3) وقد قتل بأحد قبل اسلام أبي هريرة بدهر لكن أبا هريرة قد رأب في أمره فخلط الحابل بالنابل.
(١) أخرجه البخاري في باب غزوة خيبر ص ٣٤ من الجزء الثالث من صحيحه وفي باب ان الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر من كتاب الجهاد والسير ص ١٢٠ من الجزء الثاني من الصحيح.
(٢) في باب ان الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر ص ٣٢٢ من الجزء السادس من ارشاد الساري.
(٣) وقد ذكرها الواقدي وابن إسحاق وغيرهما وترجمة ابن حجر في الإصابة وكثير من أصحاب المعاجم والتراجم، وقزمان هذا هو الذي كان في أحد لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه حتي قيل لرسول الله صلي الله عليه وآله يومئذ ما أجزأ عنا أحد كما أجزأ فلان، فقال النبي: اما انه من أهل النار، فجرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبا به بين ثديه ثم تحامل عليه فقتل نفسه الحديث، أخرجه البخاري بالاسناد إلي سهل بن سعد في باب: لا يقول فلان شهيد، من كتاب الجهاد والسير ص 101 من الجزء الثاني من صحيحه.
(١٧٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (4)، يوم عرفة (1)، خيبر (2)، الشهادة (2)، القتل (3)، معركة خيبر (1)، سهل بن سعد (1)، الموت (1)، الضرب (1)

صفحه 179

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٠
وقد قال: رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم عليه رداء، الحديث (1).
(قلت): استشهد هؤلاء السبعون بأجمعهم يوم بئر معونة فحزن النبي صلي الله عليه وآله عليهم وقنت شهرا يدعو في الصلاة علي قاتليهم وكانت هذه الوقعة في صفر سنة أربع من الهجرة قبل اسلام أبي هريرة وقبل قدومه من اليمن فكيف يدعي رؤيتهم؟ وقال القسطلاني (2): ان السبعين الذين رآهم أبو هريرة غير أولئك السبعين والله تعالي أعلم.
وبالجملة: علمنا من تعقب أبي هريرة واستقراء حديثه انه كان كثيرا ما يحدث عن النبي صلي الله عليه وآله بما لم يسمعه منه. وكثيرا ما يحدث عن الوقائع التي لم يحضرها، وربما ادعي حضورها وربما سمع شيئا من كعب الأحبار أو غيره فراقه فحدث به عن رسول الله صلي الله عليه وآله كما فعل في حديث " خلق الله آدم علي صورته طوله ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع " (3) وهذا ما يضطر المؤمن إلي اتقاء حديث هذا الرجل.
والعجب من أصحاب الصحاح يشحنون به مسانيدهم لا يلتفتون إلي لوازمه الباطلة ولا يأبهون بما يكتنفه من دلائل الوضع والاختلاق، ومن تتبع حديث الصحيحين عجب من بساطة الشيخين، واليك مثلا يلمسك هذه الحقيقة:
أخرج مسلم في باب فضائل أبي سفيان من طريق عكرمة بن عمار العجلي اليماني: ان المسلمين كانوا لا ينظرون إلي أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي
(1) أخرجه البخاري في ص 60 من الجزء الثاني من صحيحه وقد أوردناه في أحوال أبي هريرة علي عهد النبي صلي الله عليه وآله من هذا الاملاء.
(2) في شرح هذا الحديث صفحة 220 من الجزء الثاني من ارشاد الساري.
(3) وقد فصلنا القول فيما يتعلق بهذا الحديث إذ أوردناه أول الفصل 11 من هذا الاملاء.
(١٨٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (4)، كعب الأحبار (1)، الشهادة (1)، الصّلاة (1)

صفحه 180

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨١
صلي الله عليه وآله: يا نبي الله ثلاث أعطيهن، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: تأمرني ان أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم، الحديث (1).
اقتصر عليه مسلم في باب فضائل أبي سفيان إذ لم يجد والحمد لله سواه وهو باطل بالاجماع، لان أبا سفيان انما دخل في عداد المسلمين يوم فتح مكة اجماعا وقولا واحدا، وقبل الفتح كان عدو لله ولرسوله ومحاربا لها.
اما بنته أم حبيبة واسمها رملة فقد أسلمت قبل الهجرة وحسن اسلامها فكانت ممن هاجر إلي الحبشة هربا من أبيها وقومها، وقد تزوجها رسول الله صلي الله عليه وآله وأبوها ممعن في الكفر مسترسل في محاربته للنبي فلما بلغه ان النبي قد تزوجها قال: ذلك الفحل لا يقدع أنفه، وقدم بعد ذلك علي المدينة يريد أن يزيد في الهدنة فدخل علي بنته أم حبيبة فلما أراد الجلوس علي فراشها طوته دونه فقال لها: رغبت به عني فقالت: نعم هذا فراش رسول الله صلي الله عليه وآله وأنت امرؤ نجس مشرك، نص علي هذا كله اعلام الأمة واثباتها وهو مما لا ريب فيه، ومن راجع كتب السير والاخبار ووقف علي أحوال حبيبة في كتب المعاجم والتراجم علي التفصيل.
(1) تقف عليه في ص 361 من الجزء الثاني من صحيحه وهو من الأباطيل التي وضعها عكرمة اليماني، وقد جرم بذلك ابن حزم كما نقله عنه النووي حيث اتي علي هذا الحديث في شرح صحيح مسلم فراجع، وقال الذهبي في آخر ترجمة عكرمة بن عمار من ميزان الاعتدال ما هذا نصه: وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلا منكرا عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان وثلاثة أحاديث أخر بالاسناد اه.
(قلت): ومن منكرات عكرمة هذا ما رواه عن أياس عن أبيه سلة ان رسول الله صلي الله عليه وآله قال: أبو بكر خير الناس الحديث، رواه ابن عدي في كتابه الكامل وهو كما قال الذهبي في أول ميزانه أكمل الكتب واجلها في معرفة الضعفاء
(١٨١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب صحيح مسلم (2)

صفحه 181

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٢
وحسبك ما أورده النووي عند بلوغه إلي هذا الحديث في شرحه لصحيح مسلم (1) والحمد لله علي الهداية للصواب، والشكر له إذ جعلنا من أولي الألباب صلي الله عليه وآله.
- 14 - * انكار السلف عليه * أنكر الناس علي أبي هريرة واستفظوا حديثه علي عهده إذ أفرط في كثار وانفرد بأسلوب خاص يوجب الشك فيه فلهذا وذاك كاشفه الناس وأنكروا عليه من حيث كمية حديثه ومن حيث كيفيته.
يدلك علي هذا قوله متألما متظلما: يقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل حديثه؟.
فيصرح بأن كمية حديثه وكيفيته كانتا كلتاهما مدار الانكار وقد تهددهم بالله وبالدار الآخرة علي ذلك إذ قال: والله الموعد متفجعا متوجعا منهم حتي زعم أنه لولا تكليفه الشرعي ما حدثهم بشئ لسوء ظنهم به فقال في آخر الحديث: والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئا ابدا، ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الحديث (2) وهو كما تري صحيح بما قلناه.
(1) شرح النووي مطبوع في هامش شرحي صحيح البخاري وهما ارشاد الساري وتحفة الباري، وما أحلناك هنا عليه من شرح النووي موجود في آخر ص 360 وما بعدها من المجلد الحادي عشر فراجعه لتكون علي بصيرة واعجب من ابن الصلاح وهذياته.
(2) أخرجه البخاري في أول المزارعة وآخر البيوع من صحيحه وأخرجه مسلم في الصحيح أيضا وسنذكره في الفصل الآتي فنتوسع فيما نعلقه عليه مما يقتضيه المقام إن شاء الله تعالي فراجع.
(١٨٢)
مفاتيح البحث: المهاجرون والأنصار (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الشكر (1)، كتاب صحيح مسلم (1)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 182

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٣
وأصرح منه ما حدث به أبو رزين إذ قال (1).: خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده علي جبهته فقال: الا انكم تحدثون اني اكذب علي رسول الله لتهتدوا وأضل الحديث.
ولما اتي العراق مع معاوية عام الجماعة ورأي كثرة مستقبليه من الناس جثا علي ركبتيه في مسجد الكوفة وجعل يضرب صلعته مرارا يلفت الناس بذلك إليه وحين اجتمعوا عليه أهاب بهم: يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب علي الله وعلي رسوله فاحرق نفسي بالنار إلي آخر ما استرسل فيه يومئذ من التحامل علي الوصي تزلفا إلي أعدائه في كلام باطل (2).
وحسبك ان في مكذبيه عظماء الصحابة، قال المعاصر البحاثة أحمد أمين المصري من كلام له (3) حول أبي هريرة: وقد أكثر بعض الصحابة من نقده علي الاكثار من الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله وشكوا فيه كما يدل علي ذلك ما روي مسلم في صحيحه. ثم أورد حديثين أخرجهما مسلم صريحين في نقده والشك فيه.
وقال الفاضل المعاصر مصطفي صادق الرافعي المصري من كلام له في هذا الموضوع: وكان أكثر الصحابة رواية أبو هريرة (قال): وقد صحب ثلاث سنين ولهذا كان عمر وعثمان وعلي وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه وهو أول
(1) فيما أخرجه مسلم في كتاب اللباس ص 217 من الجزء الثاني من صحيحه فراجع منه باب إذا انتعل أحدكم فيبدأ باليمين.
(2) نقله عنه الإمام أبو جعفر الإسكافي من طريق الأعمش كما في ص 359 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي طبع مصر.
(3) في الفصل الثاني من الباب السادس ص 262 والتي بعدها من كتابه (فجر الاسلام).
(١٨٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، مسجد، جامع الكوفة (1)، دولة العراق (2)، أبو هريرة العجلي (3)، كتاب صحيح مسلم (1)، الكذب، التكذيب (1)، الضرب (1)، الجماعة (1)، الوصية (1)، اللبس (1)

صفحه 183

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٤
رواية انهم في الاسلام وكانت عائشة أشدهم انكارا عليه إلي آخر كلامه (1).
وقال النظام (2): أكذب أبا هريرة والرد علي النظام لم يستطع إلا الاعتراف بما نقله النظام في هذا المقام، واليك رده بعين لفظه:
قال (3): وأما طعن النظام علي أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له فان أبا هريرة صحب رسول الله صلي الله عليه وآله نحوا من ثلاث سنين وقد أكثر الرواية عنه فلما اتي من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة الصحابة والسابقين الأولين إليه أهموه وأنكروا عليه (4) وقالوا كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ قال: وكانت عائشة أشدهم انكارا عليه لتطاول الأيام بها وبه وكان عمر أيضا شديدا علي من أكثر الرواية أو أتي بخبر في الحكم لا شاهد له عليه إلي آخر كلامه الذي اجراه الحق علي لسانه فكان (بالرغم عنه) مصدقا للنظام فيما نقله عن أولئك الاعلام ولا غرو فالحق ينطق منصفا وعنيدا.
اما ما زعمه ابن قتيبة (5) " من امساك الصحابة عن أبي هريرة لما أخبرهم
(١) فراجعه في مبحث الرواية بعد الاسلام ص ٢٨٢ من الجزء الأول من كتابه (آداب العرب).
(٢) فيما نقله عنه ابن قتيبة في ص ٢٧ من كتابه (تأويل مختلف الحديث) حيث ذكر أقاويل النظام في الصحابة.
(٣) في ص ٤٨ من كتابه - تأويل مختلف الحديث -.
(٤) أراد ابن قتيبة ان يرد علي النظام فأيد قوله ولم يقتصر علي ذكر عمر وعثمان وعلي وعائشة في مكذبي أبي هريرة حتي أضاف إليهم بقية السابقين الأولين، فان الواو في اتهموه وأنكروا عليه فراجع إليهم جميعا كما تري.
(٥) في ص ٥٠ من كتابه - تأويل مختلف الحديث -.
(١٨٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (5)، الكذب، التكذيب (1)، الشهادة (1)، كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (3)

صفحه 184

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٥
بمنزلته الخاصة من رسول الله، فجزاف لا يصغي إليه، فان عظماء الصحابة يعرفون منزلته بكنهها فلا حاجة بهم إلي من يعرفهم بها فلو كانت له في نفوسهم منزلة الصادقين ما كذبوه ولا اتهموه، وقد مر عليك حديثه (1) إذ يخر بين المنبر والحجرة مغشيا عليه " في العهد النبوي " فيجئ الجائي فيضع رجله علي عنقه بري انه مجنون، وهذا ما لا يجتمع مع احترامه فضلا عن سمو مقامه.
وبالجملة: فان انكار الاجلاء " من الصحابة والتابعيين " عليهم واتهامهم إياه مما لا ريب فيه ما تورع منهم عن ذلك أحد حتي مضوا لسبيلهم وانما تورع الجمهور ممن جاء بعدهم إذ قرروا القول بعدالة الصحابة أجمعين أكتعين إصبعين، ومنعوا من النظر في شؤونهم، وجعلوا ذلك من الأصول المتتبعة وجوبا، فاعتقلوا العقول بهذا، وسلموا العيون، وجعلوا علي القلوب أكنة وعلي الاسماع وقرا فإذا هم (صم بكم عمي فهم لا يرجعون).
حاشا أئمة أهل البيت عليهم السلام فإنهم أنزلوا الصحابة حيث انزل الصحابة أنفسهم (2) فرأيهم في أبي هريرة لم يعد رأي علي وعمر وعثمان وعائشة وتبعهم في هذا شيعتهم كافة القدماء منهم والمتأخرون من عهد أمير المؤمنين إلي يومنا هذا
(1) في أوائل هذا الاملاء.
(2) قال الفاضل المعاصر احمد امين في ص 259 من (فجر الاسلام) ويظهر ان الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضا موضع النقد وينزلون بعضا منزلة اسمي من بعض، فقد كان منهم إذا روي له حديث طلب من المحدث برهانا، بل روي ما هو أكثر من ذلك، فقد روي أن أبا هريرة روي حديثا فلم يأخذ ابن عباس بخبره ورد عليه وحدث بحديث فلم تأخذ به عائشة وردت عليه، وروت فاطمة بنت قيس حديثا يتعلق بزوجها فرده عمر قائلا: لا تترك كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا تدري أصدقت أم كذبت حفظت أم نسيت وردته عائشة أيضا فقالت لفاطمة الا تتقين الله - قال -: ومثل هذا كثير.
(١٨٥)
مفاتيح البحث: أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الكذب، التكذيب (1)

صفحه 185

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٦
ولعل جل المعتزلة علي هذا الرأي. قال الإمام أبو جعفر الإسكافي (1) ما هذا نصه: وأبو هريرة مدخول (2) عند شيوخنا غير مرضي الرواية، " قال " ضربه عمر بالدرة، وقال: قد أكثرت من الرواية ولحر بك أن تكون كاذبا علي رسول الله صلي الله عليه وآله، " قال ": وروي سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار (قال) وروي أبو أسامة عن الأعمش قال: كان إبراهيم صحيح الحديث فكنت إذا سمعت الحديث اتيته فعرضته عليه فأتيته يوما بأحاديث من أحاديث أبي صالح عن أبي هريرة فقال: دعني من أبي هريرة أنهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه " قال ": وقد روي عن علي أنه قال: ان اكذب الناس أو قال اكذب الاحياء علي رسول الله " ص " لأبو هريرة الدوسي " قال ": وروي أبو يوسف أنه قال قلت لأبي حنيفة يجئ الخبر عن رسول الله " ص " يخالف قياسنا فما نصنع به؟ قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي، فقلت: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال: ناهيك بهما، قلت: وعلي وعثمان، قال:
كذلك فلما رآني أعد الصحابة قال: والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك.
(قلت): وقد علمنا أن الامام أبا حنيفة وأصحابه كانوا يتركون حديث أبي هريرة إذا عارض قياسهم كما فعلوا في حديثه عن المصراة) وهي البقرة أو الشاة أو الناقة يجمع اللبن في ضرعها ويحبس أياما لا تحلب فيها لايهام المشتري انها غزيرة اللبن) إذ روي أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: لا تصروا الإبل والغنم من ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين من بعد أن يحلبها. فان رضيها أمسكها وان سخطها ردها وصاعا من تمر فلم يأبهوا بحديثه هذا وقالوا: أبو هريرة غير
(1) كما في ص 360 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
(2) اي كان في عقله دخل.
(١٨٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو هريرة العجلي (8)، كتاب الثقات لابن حبان (1)، مدرسة المعتزلة (1)، سفيان الثوري (1)، أنس بن مالك (1)

صفحه 186

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٧
فقيه وحديثه هذا مخالف للأقيسة بأسرها فان حلب اللبن من التعدي، وضمان التعدي يكون بالمثل أو القيمة، والصاع من التمر ليس واحدا منهما، إلي آخر كلامهم (1).
وعلمنا أيضا ان رأي أبي حنيفة وأصحابه كافة بطلان الصلاة بالكلام مطلقا ولو عن نسيان أو جهل أو ظن المصلي بأنه خرج من الصلاة، والفقه الحنفي صريح بهذا الرأي وعليه سفيان الثوري في أصح الروايتين عنه وهذا مما يدل علي أن لا قيمة عندهم لحديث أبي هريرة، إذ حدث بأن النبي صلي الله عليه وآله سها فسلم في الرباعية عن ركعتين ثم قالم من مصلاه ودخل حجرته ثم رجع فقيل له، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: لم تقصر ولم أنس، فقالوا: بلي صليت بنا ركعتين. وبعد حوار كان بينه وبينهم أيقن مما يقولون فبني علي الركعتين وأتم الصلاة ثم سجد للسهو (2) وبهذا اخذ مالك والشافعي واحمد والأوزاعي وغيرهم فأفتوا بأن كلام الناسي للصلاة والذي يظن أنه ليس فيها لا يبطلها لكن أبا حنيفة حيث لم يأبه بحديث أبي هريرة أفتي بالبطلان (3) ولنختم الفصل بنوادر كانت بين أبي هريرة وبعض الصحابة تلمسك منزلته في نفوسهم.
" فمنها ": ما ذكره أبو هريرة إذ قال: لما بلغ عمر حديثي استدعاني فقال لي: أكنت معنا يوم كنا في بيت فلان؟ فقلت: نعم وان رسول الله " ص " قال
(1) راجعه في مظانه من فقه الحنفية، وقد نقله عنهم الفاضل احمد امين في آخر ص 263 والتي بعدها من كتابه فجر الاسلام.
(2) وقد مر حديثه هذا في فصل 11 فراجعه وأمعن فيما علقناه عليه.
(3) وقد نقل النووي في شرح صحيح مسلم بطلان الصلاة في هذا العرض عن أبي حنيفة وأصحابه وعن الثوري في أصح الروايتين عنه ونقل عدم البطلان عمن سواهم عملا بحديث أبي هريرة هذا فراجع شرح الحديث في آخر ص 234 والتي بعدها من الجزء الرابع من شرح النووي المطبوع في هامش شرحي البخاري.
(١٨٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (5)، سفيان الثوري (1)، الباطل، الإبطال (4)، الركوع، الركعة (2)، الجهل (1)، الصّلاة (6)، الظنّ (2)، النسيان (1)، التمر (1)، كتاب صحيح مسلم (1)

صفحه 187

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٨
يومئذ: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار الحديث (1).
وهذا من الأدلة علي أنه لم يكن ممن يحدث بحضرة عمر ولا ممن كان عمر يراهم أو يسمعهم يحدثون، وإنما بلغه حديثه من أفواه الناس فاتهمه به لغرابته فاستدعاه لينذره بالنار إذا كذب.
(ومنها): انه زجره مرة فقال له (2): لتتركن الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله أو لألحقنك بأرض دوس أو بأرض القردة.
(ومنها): انه غضب عليه باكثاره علي رسول الله (ص) فضربه بالدرة ردعا له وهو يوبخه بقوله (3): أكثرت يا أبا هريرة وأحر بك ان تكون كاذبا علي رسول الله صلي الله عليه وآله.
(ومنها): انه عزله عن البحرين بعد أن ضربه فأدمي ظهره وانتزع منه عشرة آلاف لبيت المال ووبخه بكلام فظيع كما فصلنا آنفا (4).
(ومنها): انه ضربه علي عهد النبي صلي الله عليه وآله ضربه خر بها لاسته (5).
(ومنها): ان عليا لما بلغه حديث أبي هريرة قال (6): ألا ان اكذب الناس أو قال: اكذب الاحياء علي رسول الله صلي الله عليه وآله أبو هريرة الدوسي.
(ومنها): أنه بلغ عليا إن أبا هريرة يبتدئ بميامينه فقال (7) لأخالفن أبا هريرة.
(١) أخرجه مسدد في مسنده من طريق خالد بن يحيي عن أبيه عن أبي هريرة ونقله ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من الإصابة.
(٢) فيما أخرجه ابن عساكر وهو الحديث ٤٨٨٥ في ص ٢٣٩ من الجزء الخامس من كنز العمال وتراه صريحا في امره بترك الحديث بالمرة.
(٣) فيما رواه الامام الإسكافي وقد مر عليك قريبا.
(٤) فراجع أحواله علي عهد الخليفتين.
(٥) فيما أخرجه مسلم في ص ٣٤ من الجزء الأول من صحيحه.
(٦) فيما رواه أبو جعفر الإسكافي وقد مر عليك قريبا.
(٧) العمدة في هذه الرواية علي ابن قتيبة في ص ٢٧ من تأويل مختلف الحديث.
(١٨٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (5)، أبو هريرة العجلي (7)، الكذب، التكذيب (2)، الضرب (3)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (1)، إبن عساكر (1)، خالد بن يحيي (1)

صفحه 188

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٩
(ومنها): ان أبا هريرة كان يقول: حدثني خليلي: ورأيت خليلي وقال لي خليلي رسول الله، فبلغ عليا ذلك فقال له: متي كان النبي خليلك يا أبا هريرة؟ ينكر عليه قوله هذا، إذ كان سئ الرأي فيه (1) وعلي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتي يردا الحوض علي رسول الله صلي الله عليه وآله (2)، وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيف دار (3).
" منها ": ان عائشة دعت أبا هريرة إذ بلغها حديثه فقالت له: ما هذه الأحاديث التي تبلغنا انك تحدث بها عن النبي صلي الله عليه وآله هل سمعت إلا ما سمعناه؟
ورأيت إلا ما رأيناه؟ قال: يا أماه انه كان يشغلك عن رسول الله المرآة والمكحلة الحديث (4).
" ومنها ": انه روي أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة. فكذبته عائشة وقالت: رأيت رسول الله يصلي وسط السرير وأنا علي السرير معترضة بينه وبين القبلة " ومنها ": انه روي حديثا في النهي عن المشي بالخف الواحد فبلغ عائشة ذلك فمشت بخف واحد وقالت لأخالفن أبا هريرة.
" ومنها ": انه روي من أصبح جنبا فلا صيام له، فردت عليه عائشة وحفصة وكذبتا حديثه فاعترف أبو هريرة لهما ورجع عن قوله معتذرا بأنه
(١) قاله ابن قتيبة في ص ٥٢ من تأويل مختلف الحديث.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك والطبري في الأوسط عن أم سلمة مرفوعا وهو الحديث 2529 في ص 153 من الجزء السادس من كنز العمال.
(3) عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلي الله عليه وآله: الحق مع ذا الحق مع ذا يشير إلي علي، أخرجه أبو يعلي في مسنده وسعيد بن منصور في سننه، وهو الحديث 2637 في 157 من الجزء السادس من الكنز.
(4) أخرجه وصححه الحاكم في ص 509 من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك وصحيحه الذهبي إذ أورده في تلخيص المستدرك، وعائشة لم تقبل عذره بدليل انها ما أمسكت عنه حتي ماتت.
(١٨٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (5)، القرآن الكريم (2)، النهي (1)، الصّلاة (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (1)، أبو سعيد الخدري (1)، سعيد بن منصور (1)

صفحه 189

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٠
لم يكن سمع ذلك من رسول الله وإنما سمعه من الفضل بن العباس وكن الفضل " حين أعتذر بهذا " ميتا (1).
" ومنها ": أن رجلين دخلا علي عائشة فقالا: ان أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: إنما الطيرة في المرأة والدابة فطارت عائشة شغفا ثم قالت: كذب والذي أنزل القرآن علي أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله صلي الله عليه وآله؟ الحديث (2).
(ومنها): انه جلس مرة إلي جنب حجرة عائشة يحدث عن النبي صلي الله عليه وآله وهي مشغولة في سبحتها فقالت بعد فراغها: ألا يعجبك أبو هريرة يجلس إلي جنب حجرتي يحدث عن النبي يسمعني ذلك؟ وكنت أسبح فقام قبل ان أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه الحديث (3).
(ومنها): انه روي عن النبي صلي الله عليه وآله انه قال: متي استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الاناء فان أحدكم لا يدري أين باتت يده؟
فأنكرت عائشة عليه (4) فلم تأخذ به وقالت: كيف نصنع بالمهراس (5).
(١) تجد حديث الكلب والمرأة والحمار وحديث المشي في الخف الواحد وحديث من أصبح جنبا في ص ٢٧ والتي بعدها من تأويل مختلف الحديث والصواب ان اللتين ردتا حديثه فيمن أصبح جنبا انما هما عائشة وأم سلمة كما نقلناه في الحديث ٢٧ عن صحيح البخاري.
(٢) أورده ابن قتيبة في صفحة ١٢٦ والتي بعدها من " تأويل مختلف الحديث " (3) أخرجه مسلم في ص 358 وفي ص 538 من الجزء الثاني من صحيحه في فضائل أبي هريرة وفي التثبت في الحديث.
(4) نقل ذلك أحمد أمين ص 259 من فجر الاسلام، والانصاف ان انكار عائشة في هذا علي أبي هريرة إنما يكون متجها لعدم وثاقته، اما نقضها عليه بالمهراس فغير متجه كما لا يخفي.
(5) المهراس: حجر منقور ضخم لا يقله الرجال ولا يحركونه لثقله يملأونه ماء ويتطهرون منه.
(١٩٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو هريرة العجلي (4)، الفضل بن العباس (1)، القرآن الكريم (1)، الكذب، التكذيب (1)، الإناء، الأواني (1)، الجنابة (1)، السيدة أم سلمة بن الحارث زوجة الرسول صلي الله عليه وآله (1)، كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (2)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 190

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩١
" ومنها ": ان أبا هريرة روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أن من حمل جنازة فليتوضأ، فلم يأخذ ابن عباس بخبره ورده صريحا قال: لا يلزمنا الوضوء في حمل عيدان يابسة (1).
" ومنها ": ان ابن عمر كان يروي ان رسول الله صلي الله عليه وآله أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر: ان أبا هريرة يقول:
أو كلب زرع، فلم يأبه بذلك ابن عمر وقال في رده: ان لأبي هريرة زرعا يتهمه بزيادة كلب الزرع في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله احتفاظا بكلبه واحتياطا علي زرعه والحديث في صحيح مسلم (2).
ومثله ما في صحيح مسلم أيضا (3) عن أبي هريرة مرفوعا: من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من اجره كل يوم قيراط، فذكر لابن عمر قول أبي هريرة هذا فقال: يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع - يتهمه بزيادة كلب زرع ايثارا لمصلحته - وقد اتهمه بهذا أيضا سالم بن عبد الله ابن عمر في حديث أخرجه مسلم أيضا (4).
" ومنها ": ان ابن عمر لم يصدق أبا هريرة في حديثه في القنفذ وبقي شاكا فيه.
" ومنها ": ان ابن عمر سمعه يحدث بأن من اتبع جنازة فله قيراط من الاجر فقال أكثر علينا أبو هريرة ولم يصدقه حتي بعث إلي عائشة يسألها عن
(1) رواه جماعة من الاثبات ونقله الأستاذ احمد أمين في ص 259 من فجره.
(2) راجعه في صفحة 625 من الجزء الأول من صحيحه في باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخها.
(3) راجعه في صفحة 627 من الجزء الأول من صحيحه في باب تحريم اقتناء الكلاب إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك.
(4) في صفحة 626 من الجزء الأول من صحيحه.
(١٩١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، عبد الله بن عباس (1)، أبو هريرة العجلي (8)، كتاب صحيح مسلم (2)، سالم بن عبد الله (1)، القتل (1)، الوضوء (1)، الصيد (2)

صفحه 191

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٢
ذلك فروته له فصدق حينئذ والحديث في هذا ثابت (1).
وكذلك فعل عامر بن شريح بن هاني إذ سمع أبا هريرة يحدث بأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فلم يصدق أبا هريرة بذلك حتي سأل عائشة فروته له وأفهمته المراد منه، والحديث في ذلك ثابت أيضا (2).
ولو أردنا استقصاء الموارد التي رد فيها السلف حديث أبي هريرة وأنكروا فيها عليه ابطال بنا الكلام، وهذا القدر كاف لما أردناه والحمد لله.
وناهيك تكذيب كل من عمر وعثمان وعلي وعائشة له، وقد تقرر بالاجماع تقديم الجرح علي التعديل في مقام التعارض علي أنه لا تعارض هنا قطعا فان العاطفة بمجردها لا تعارض تكذيب من كذبه من الأئمة.
أما أصالة العدالة في الصحابة فلا دليل عليها والصحابة لا يعرفونها ولو فرض صحتها فإنما يعمل علي مقتضاها في مجهول الحال لا فيمن يكذبه عمر وعثمان وعلي وعائشة ولا فيمن قامت علي جرحه أدلة الوجدان فإذا نحن من جرحه علي يقين جازم.
* (سبوح لها منها عليها شواهد) * ونحن الامامية لنا في الصحابة رأي هو أوسط الآراء عقدنا لبيانه في أجوبة موسي جار الله فصلا مخصوصا (3) وعقدنا لتأييده فصلا آخر (4)
(1) أخرجه مسلم في باب فضل الصلاة علي الجنائز واتباعها ص 349 والتي بعدها من الجزء الأول من صحيحه، واخرج الحاكم في ص 510 من الجزء الثالث من المستدرك نحوه.
(2) أخرجه مسلم ص 422 في باب: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه من الجزء الثاني من صحيحه.
(3) تجده في ص 11 وما بعدها إلي منتهي ص 15 من الأجوبة.
(4) تجده في ص 23 وما بعدها إلي ص 27 من الأجوبة أيضا.
(١٩٢)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (3)، شريح بن هاني (1)، الجهل (1)، الصّلاة (1)، الجنازة (1)

صفحه 192

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٣
فليراجعها من أراد التحقيق من أولي الألباب والحمد لله علي الهداية للصواب.
- 15 - * احتجاجه علي متهميه * كان يقول أبو هريرة يحتج علي مكذبيه ومتهميه فيقول (1): يقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث! والله الموعود! ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه؟ وان اخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق وان اخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم! وكنت امرءا مسكينا الزم رسول الله علي ملء بطني فأحضر حين يغيبون! وأعي حين ينسون!.
وقال النبي صلي الله عليه وآله يوما: لن يبسط أحد منكم ثوبه حتي أفضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلي صدره فينسي من مقالتي ثم جمعتها إلي صدري فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك شيئا إلي يومي هذا والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئا ابدا: ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي، إلي قوله، وأنا التواب الرحيم.
(قلت): ان أبا هريرة كلما ازداد مثالة زاده الله رعالة (2) يريد ان يقنع المنكرين عليه في كمية أحاديثه وكيفيتها فجاءهم بهذا الحديث تزكية لنفسه
(1) فيما أخرجه في البخاري في آخر المزارعة ص 34 من الجزء الثاني من صحيحه وأخرجه في البيوع وفي غير موضع من الصحيح وكذلك مسلم في عدة مواضع من صحيحه واحمد في مواضع من الجزء الثاني من مسنده وجميع أصحاب السنن والمسانيد أخرجوه من حديث أبي هريرة بطرق إليه كثيرة وألفاظ مختلفة.
(2) أي كلما ازداد رزقا زاده الله حمقا.
(١٩٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، المهاجرون والأنصار (1)، أبو هريرة العجلي (4)، البعث، الإنبعاث (1)

صفحه 193

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٤
واحتجاجا عليهم فإذا حجته جفاء أو ثأطة مدت بماء (1) كأن الله عز وجل صخره بهذا الحديث حجة للمنكرين عليه ودليلا علي صحة ما نسبوه الله فاني " وشرف الصدق " وعلو مقام الصادقين " ما رأبت في كل ما صنعته أيدي المخرفين أبرد من هذا الحديث ولا أبعد منه عن الصدق وما كنت لألم به ولا لأعرج عليه لولا أن الشيخين وأمثالهما قد نظموه في سلك الصحاح بكل ارتياح وانما فعلوا ذلك تعبدا برأيهم في كل صحابي وقد خالفوا في ذلك الأدلة عقلية ونقلية وخالفوا السلف الصالح من أولي الا باب كما أوضحناه في كتابنا - تحفة المحدثين - ولنا علي بطلان هذا الحديث وجوه: - (الأول): زعم أن المهاجرين كان يشغلهم عن النبي صلي الله عليه وآله الصفق بالأسواق (2) والأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم (3) فساق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كافة بعصا واحدة لقد هزلت - وحن قدح ليس منها - وأي قيمة للقول بأن جميع المهاجرين كان يلهيهم الصفق بالأسواق؟ بعد قوله عز من قال (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.) الآية وهل لمعارض كتاب الله إلا الضرب بعرض الجدار؟ ومن هو أبو هريرة؟
ليحضر حين يغيب الخصيصون برسول الله صلي الله عليه وآله ويحفظ حين ينسون يقول هذا القول بملء فيه غير متئد ولا خجل ولا وجل إذ قاله علي عهد معاوية حيث لا عمر ولا عثمان ولا علي ولا طلحة ولا الزبير ولا سلمان ولا عمار ولا المقداد ولا أبو ذر ولا أمثالهم كبرت كلمة تخرج من فيه ما أبعدها عن الصدق وقد علم
(1) الجفاء هنا ما نفاه الباطل، والشأطة الحمأة كلما ازدادت ماء قل تماسكها.
(2) الصفق: كناية عن التبايع إذ كان البايعان يتصافقان بالأكف، وكان عمر يقول عما جهله من السنن ألهاني عنه الصفق بالأسواق، أي الخروج إلي التجارة أخرجه في صفحة 4 من الجزء الثاني من صحيحه في باب الخروج بالتجارة.
(3) أي إدارة حدائقهم إذ كانوا أهل نخيل.
(١٩٤)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، المهاجرون والأنصار (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الباطل، الإبطال (2)، الصدق (3)، الحج (1)، التجارة (1)، البيع (1)، الجهل (1)

صفحه 194

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٥
الناس موضع علي من رسول الله صلي الله عليه وآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعه في حجره وهو ولد يضمه إلي صدره ويكنفه إلي فراشه ويمسه جسده ويشمه عرفه وكان يمضغ الشئ ثم يلقمه إناه وما وجد له كذبة في قول ولا خلطة في عمل ولقد قرن الله به صلي الله عليه وآله من لدن ان كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طرق المكارم ومحاسن أخلاق العالم فكان علي يتبع رسول الله اتباع الفصيل أثر أمه يرفع له في كل يوم من أخلاقه علما ويأمره بالاقتداء به ولقد كان معه (وهو الصديقة الكبري خديجة أم المؤمنين) بحراء فيري نور الوحي والرسالة ويشم ريح النبوة وكان بعد ذلك باب مدينته وأقضي أمته، وعيبه سره وولي أمره، ووارث حكمه، وفارج همه، وصاحب الاذن الواعية - ومن عنده علم الكتاب - فهل يمكن ان ينسي من سننه ما حفظه أبو هريرة أو يكتم منها ما بينه أبو هريرة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
علي أنه لم يكن من المهاجرين من يصفق في الأسواق إلا القليل، وحسبك أبو ذر والمقداد وعمار ورفقاء أبي هريرة في الصفة وهم سبعون كانوا كما وصفهم أبو هريرة ما منهم رجل عليه رداء وإنما عليه إما ازار وإما كساء قد ربطوه في أعناقهم إلي آخر كلامه في وصفهم (1) فما بالهم لم يحدثوا بمثل أحاديثه، ولم يكثروا كما أكثر بل لم يكن المجموع من حديثهم كافة إلا دون حديثه خاصة.
وكذا الأنصار لم يكونوا بأجمعهم من أهل الأموال والاشغال كما زعم وحسبك " ممن لا مال له مهم " سلمان الفارسي الذي قال رسول الله صلي الله عليه وآله فيه:
سلمان منا أهل البيت، وقال: - كما في ترجمة سلمان من الاستيعاب - لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان، وقالت عائشة - كما في ترجمته من الاستيعاب أيضا - كان لسمان مجلس من رسول الله ينفرد به في الليل حتي كاد يغلبنا علي رسول الله صلي الله عليه وآله وفي الاستيعاب أيضا قال علي: أن سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم علم
(1) فراجعه في أحواله علي عهد النبي صلي الله عليه وآله من هذا الاملاء.
(١٩٥)
مفاتيح البحث: أمهات المؤمنين، ازواج النبي (ص) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (4)، يوم عرفة (1)، سلمان المحمدي (الفارسي) رضوان الله عليه (2)

صفحه 195

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٦
علم الأول والآخر بحر علم لا ينزف، وقال كعب الأحبار - كما في الاستيعاب وغيره -: سلمان حشي علما وحكمة إلي آخر ما هو مأثور عنه من أمثال هذه الخصائص، وقد علم الناس ان أبا أيوب الأنصاري لم يكن له من العيش إلا بلغة لا تشغله عن علم ولا عن عمل، وكذلك أبو سعيد الخدري وأبو فضالة الأنصاري وغيرهم من نظائرهم من علماء الأنصار وعظمائهم رضي الله تعالي عنهم.
علي أن سيد الحكماء وخاتم الأنبياء صلي الله عليه وآله لم تكن أوقاته فوضي وإنما كانت في الليل والنهار مرتبة للمهمات علي ما تقتضيه الحكمة في تلك الأوقات، وقد خصص منها لالقاء العلم وقتا لا يعارض أوقات الصفق في الأسواق ولا أوقات العمل في الأموال، وكان المهاجرون والأنصار لا يغيبون في ذلك الوقت ابدا وهم أحرص علي العلم مما يخرفه المخرفون.
(الثاني): لو صح ما زعمه أبو هريرة (من قول النبي صلي الله عليه وآله لأصحابه: ان يبط أحد منكم ثوبه حتي أفضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلي صدره فينسي من مقالتي شيئا ابدا) لتسابقوا إليه، واجتمعوا بقضهم وقضيضهم عليه، فإنه الفضل لا يبلغه الطالب بشد الرحال، والعلم لا يناله ببذل الأموال، وما الذي ثبطهم عن نيله؟ ومنعهم عن بسط أثوابهم في سبيله؟ وكيف زهدوا في هذه الغنيمة وضيعوا علي أنفسهم تلك الفوائد العظيمة؟ أتري انهم كانوا بهذه المثابة من الزهد في العلم والرغبة عما يدعوهم الرسول إليه؟ كلا! ما هكذا الظن بهم ولا هذا بمشبه لما كانوا عليه من التعبد بأوامره، والمبادرة إلي ما يدعوهم إليه.
(الثالث): لو صح ما زعمه أبو هريرة لعظم ندم الصحابة، وأسفهم علي ما ضيعوه من ذلك الفضل الكبير، والعلم الغزير، ولتواتر لهفهم علي ما أهملوه من بسط أثوابهم لرسول الله حين انه لا كلفة فيه ولا مشقة عليهم، ولندد بعضهم ببعض، وتلاوموا علي تركهم ذلك بسوء اختيارهم ولتواترت منهم
(١٩٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، المهاجرون والأنصار (1)، أبو أيوب الأنصاري (1)، أبو هريرة العجلي (2)، أبو سعيد الخدري (1)، كعب الأحبار (1)، الظنّ (1)، الزهد (1)

صفحه 196

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٧
الغبطة لأبي هريرة بالفوز به دونهم علي حين انهم لم يكن عليه إلا ثوب واحد وما منهم من أحد إلا وعليه ثوبان أو أكثر فلما لم يكن شئ من ذلك علمنا أن هذا من كيس أبي هريرة.
(الرابع): لو كان الامر كما قصه أبو هريرة لحدث به غيره ممن دعاهم النبي صلي الله عليه وآله يومئذ إلي بسط أثوابهم، بل لو كان لعده الصحابة والتابعون من اعلام النبوة، وآيات الاسلام وأدلة الدين، ولتواترت به الاخبار، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار. فلما لم نجده إلا في حديث أبي هريرة عطفناه علي واهياته.
(الخامس): انه قد تناقض كلام أبي هريرة في هذه القصة، فتارة حدث بها كما سمعت إذ قال - فما رواه الأعرج عنه - (1): أن النبي صلي الله عليه وآله قال يوما لأصحابه لن يبسط أحد منكم ثوبه حتي أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلي صدره فينسي من مقالتي شيئا ابدا (قال): فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها حتي قضي النبي صلي الله عليه وآله مقالته ثم جمعتها إلي صدري فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك شيئا إلي يومي هذا اه بلفظه.
وتارة حدث بها فقال - فيما رواه عنه المقبري - (2): قلت يا رسول الله
(١) الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وحديثه هذا عن أبي هريرة موجود في آخر المزارعة ص ٣٤ من الجزء الثاني من صحيح البخاري، وموجود في فضائل أبي هريرة ص ٣٥٧ من الجزء الثاني من صحيح مسلم واخرج البخاري نحوه في أول البيوع في الصفحة الأولي من الجزء الثاني من صحيحه بالاسناد إلي سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ولفظه: ان رسول الله قال في حديث حدثه انه: لن يبسط أحد ثوبه حتي أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه الا وعي ما أقول فبسطت نمرة علي حتي قضي مقالته جمعتها إلي صدري فما نسيت من مقالته تلك من شئ.
(٢) هو سعيد بن أبي سعيد وحديثه هذا عن أبي هريرة موجود في ص ٢٤ من الجزء الأول من صحيح البخاري في باب: حفظ العلم من كتاب العلم.
(١٩٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (9)، البعث، الإنبعاث (1)، كتاب صحيح البخاري (2)، كتاب صحيح مسلم (1)، سعيد بن المسيب (1)

صفحه 197

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٨
اني اسمع منك حديثا أنساه قال صلي الله عليه وآله: ابسط رداءك فغرف بيديه (1) ثم قال ضمه! فضممته فما نسيت شيئا بعده اه بنصه.
وأنت تري ان القصة علي مقتضي الحديث الأول - حديث الأعرج - انها كانت بين رسول الله صلي الله عليه وآله وأصحابه والمبتدئ فيها إنما كان رسول الله إذ دعاهم إلي بسط أثوابهم اشفاقا عليهم من النسيان وانها علي مقتضي الحديث الثاني - حديث المقبري - انما كانت بين أبي هريرة خاصة ورسول الله والمبتدئ فيها إنما هو أبو هريرة حيث شكا نسيانه إلي رسول الله صلي الله عليه وآله.
وأيضا فان الحديث الأول - حديث الأعرج - يقتضي تخصيص عدم النسيان بتلك المقالة فقط (2) لقوله فيه: ما نسيت من مقالته تلك شيئا والحديث الثاني - حديث المقبري - يقتضي العموم في عدم النسيان لكل شئ من الأشياء حديثا كان أم غيره مطلقا لقوله فيه ما نسيت شيئا بعده، فان النكرة في سياق النفي حقيقة في العموم، وقد ارتبك هنا شارحوا البخاري واتجت عليهم أبواب الاعتذار عنه حتي قرر ابن حجر في فتح الباري وقوع هذه القضية مرتين (3)
(١) قال القسطلاني في شرح هذه الكلمة: فغرف بيديه من فيض فضل الله فجعل الحفظ كالشئ الذي يغرف منه ورمي به في ردائه إلي آخر لامه فراجعه في ص ٣٧٩ من الجزء الأول من ارشاد الساري في شرح هذا الحديث من صحيح البخاري.
(٢) وقع في جامع الترمذي وحلية أبي نعيم التصريح بهذه المقالة وانها كانت ما هذا لفظه: ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين مما فرض الله تعالي عليه فيتعلمهن أو يعلمهن الا دخل الجنة.
(٣) قال القسطلاني في شرح هذه الأحاديث في باب حفظ العلم من كتاب العلم ص ٣٨٠ من الجزء الأول من ارشاد الساري ما هذا لفظه: ويحتمل أن يكون وقعت له - أي لأبي هريرة مع النبي - قضيتان فالتي رواها الزهري عن الأعرج مختصة بتلك المقالة، والتي رواها المقبري عامة قال: هكذا قرره في فتح الباري، قال: وهذا من المعجزات الظاهرات حيث رفع صلي الله عليه وآله عن أبي هريرة النسيان الذي هو من لوازم الانسان حتي قيل أنه مشتق منه، وحصول هذا في بسط الرداء الذي ليس للعقل فيه مجال
(١٩٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (4)، كتاب فتح الباري (2)، الحافظ أبو نعيم (1)، كتاب صحيح البخاري (1)

صفحه 198

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩٩
مرة كان النسيان فيها مختصا بتلك المقالة، وأخري كان عدم النسيان فيها عاما لكل شئ من الأشياء سواء أكان حديثا أم كان غيره مطلقا وهذا كما تري (1).
علي أن مسلما أخرجه (2) من طريق يونس عن ابن المسيب علي وجه ثالث إذ قال فيه أبو هريرة: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به صلي الله عليه وآله وهذا يقتضي كون عدم النسيان أعم مما اقتضاه حديث الأعرج وأخص مما اقتضاه حديث المقبري (3).
ونحو حديث ابن سعد (4) بسنده إلي عمر بن مرداس بن عبد الرحمن الجندي عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله ابسط ثوبك فبسطته فحدثني النهار ثم ضممت ثوبي إلي بطني فما نسيت شيئا مما حدثني اه لكن قوله فيه:
فحدثني النهار، لا يوجد في هذا الحديث إلا من هذا الطريق طريق الجندي
(1) فان مثل هذا لو صدر مرة واحدة فضلا عن مرتين أو أكثر لتواتر الخبر به فاستطار استطارة البرق فما بال الصحابة أغفلوه فلم يروه منهم أحد غير أبي هريرة.
(3) أما كونه أعم من حديث الأعرج فواضح لاختصاص عدم النسيان في حديث الأعرج بتلك المقالة فقط، واما كونه أخص مما اقتضاه حديث المقبري فلان حديث المقبري يقتضي تعميم عدم النسيان لكل شئ من حديث وغيره، وهذا الحديث - أعني حديث يونس عن الزهري عند مسلم - يقتضي تخصيص عدم النسيان بجميع الأحاديث التي سمعها من النبي دون غيرها من سائر الأشياء، وقد نص القسطلاني في ص 380 من الجزء الأول من ارشاد الساري علي أن مسلما رواه علي وجه ثالث فراجع.
(4) في صفحة 56 من القسم الثاني من الجزء الرابع من طبقاته حيث ترجم أبا هريرة.
(١٩٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، عمر بن مرداس (1)، البول (1)

صفحه 199

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٠
فقط وبه كان مخالفا لكل ما جاء في هذا الموضوع من سائر الطرق إلي أبي هريرة.
وقد أخرجه أبو يعلي من طريق أبي سلمة علي وجه خاص يخالف سائر الوجوه في سائر الطرق، إذ روي أن أبا هريرة جاء يعود النبي في شكواه فسلم عليه وهو قائم والنبي صلي الله عليه وآله متساند إلي صدر علي ويد علي علي صدر النبي يضمه إليه والنبي باسط رجليه فقال صلي الله عليه وآله: أدن يا أبا هريرة فدنا، ثم قال له اجلس فجلس فقال له: ادن مني طرف ثوبك فمد أبو هريرة ثوبه ففتحه وأدناه من النبي صلي الله عليه وآله فقال له النبي أوصيك يا أبا هريرة بخصال لا تدعهن ما بقيت، قال أوصني ما شئت فقال له: عليك بالغسل يوم الجمعة والبكور إليها ولا تلغ ولا تله وأوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر فإنه صوم الدهر وأوصيك بركعتي الفجر لا تدعها وان صليت الليل كله فان فيهما الرغائب قالها ثلاثا ثم قال ضم إليك ثوبك فضم ثوبه إلي صدره الحديث (1).
وأخرج أبو يعلي - كما في ترجمة أبي هريرة من الإصابة - من طريق الوليد ابن جميع عن أبي هريرة قال: شكوت إلي رسول الله صلي الله عليه وآله سوء الحفظ فقال:
افتح كساءك ففتحته ثم قال: ضمه إلي صدرك فضممته فما نسيت حديثا بعد.
وأخرج أبو يعلي - كما في الإصابة أيضا - من طريق يونس بن عبيد عن الحسن الطبري عن أبي هريرة ان رسول الله صلي الله عليه وآله قال: من يأخذ مني كلمة أو كلمتين أو ثلاثا فيصرهن في ثوبه فيتعلمهن ويعلمهن قال: فنشرت ثوبي بين يديه وهو يحدث ثم ضممته فأرجو ان لا أكون نسيت حديثا مما قاله اه.
(قلت): وأخرج أحمد - كما في الإصابة أيضا - من طريق المبارك بن
(1) هذا الحديث وسائر الأحاديث التي بعده موجودة بأسرها في ترجمة أبي هريرة من الإصابة فراجع.
(٢٠٠)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (4)، أبو هريرة العجلي (8)، الصيام، الصوم (1)

صفحه 200

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠١
فضالة عن الحسن نحوه.
وأخرج أبو نعيم (1) من طريق عبد الله بن أبي يحيي عن سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة ان رسول الله صلي الله عليه وآله قال يا أبا هريرة: ألا تسألني عن هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت أسألك أن تعلمني مما علمك الله، قال:
فنزعت نمرة علي ظهري فبسطتها بيني وبينه حتي كأني انظر إلي القمل يدب عليها فحدثني حتي استوعبت حديثه قال: اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني اه.
ومن ألم بهذا الحديث من جميع الطرق وجده مختلف الألفاظ والمعاني باختلاف طرقه لا تتجاري معانيه ولا ألفاظه إلي غاية، ولا تتساير في حلبة يصدم كل منها الآخر فإذا هو زاهق والحمد لله رب العالمين.
(السادس): انه قال: فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها، فيقتضي علي الظاهر أن تبدوا سوأته، لكن القسطلاني وزكريا الأنصاري تأولا كلامه إذ بلغا إليه في آخر المزارعة من شرحيهما فحملاه علي أنه بسط بعض النمرة لئلا تنكشف عورته.
(السابع): ان هذه الحكاية في ذاتها تشبه قصص المخرفين، ولا تكاد تمتاز عن خلط الدجالين، وحاشا لله ان تمتزج بمعجزات الرسول أو يصدق بنسبتها إليه أصحاب العقول فان معجزاته صلي الله عليه وآله بهرت إلي النهي بأنوار حقيقتها وقهرت جبابرة الأرض بحسن أسلوبها واعتدال طريقتها فظلت أعناقهم لها خاضعين.
ضرب بيده صلي الله عليه وآله علي صدر علي لما بعثه قاضيا إلي اليمن فقال (2) اللهم
(1) في ص 381 في ترجمة أبي هريرة من حلية الأولياء فراجع.
(2) كما في ترجمة علي من الاستيعاب وغيره، وأخرجه أصحاب المسانيد بطرقهم وأسانيدهم.
(٢٠١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، الحافظ أبو نعيم (1)، أبو هريرة العجلي (3)، النهي (1)، البعث، الإنبعاث (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)

صفحه 201

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٢
أهد قلبه وسدد لسانه قال علي " ع ": فوالله ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين.
ولما انزل الله عز سلطانه (وتعيها اذن واعية) قال صلي الله عليه وآله (1) مخاطبا لعلي: سألت الله ان يجعلها اذنك، قال علي: فما نسيت شيئا بعدها وما كان لي ان انسي.
وقال صلي الله عليه وآله يوم خيبر حين اخذ الراية علي عليه السلام: اللهم اكفه الحر والبرد قال علي: (2) فما آذاني بعدها حر ولا برد، وكان بعد ذلك يخرج في الشتاء في ازار ورداء وثوبين خفيفين، وفي الصيف يخرج في القباء المحشو والثوب الثقيل اظهارا لمعجزة رسول الله صلي الله عليه وآله والفاتا إليها علي الدوام.
ولما شكا جابر إليه صلي الله عليه وآله دينا كان علي أبيه انطلق معه إلي بيدر تمره فمشي حوله ودعا بالبركة فيه ثم جلس عليه وحضر الغرماء فآواهم الذي لهم وبقي لجابر وذويه مثل ما كانوا يستغلون، وهكذا كان (ص) إذا أراد بأحد خيرا دعا له، وإذا أراد به غير ذلك دعا عليه كما فعل بمعاوية إذ قال صلي الله عليه وآله: لا أشبع الله له بطنا، وكما فعل مع الحكم بن أبي العاص وما عهدناه صلي الله عليه وآله يفعل شيئا يشبه الذي حكاه أبو هريرة حاشا حكمته التي تستصبح بها البصائر الضالة، وتنكشف بها معالم الهدي، فتحل عقد الاشكال وتمزق ظلمات الغي والضلال.
(1) هذا مذكور في كشاف الزمخشري، وفي تفسير الثعلبي، والرازي وغيرهما فراجع.
(2) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، وابن أبي شيبة البزار وابن جرير، وصححه كما في صفحة 44 من الجزء الخامس من منتخب كنز العمال المطبوع في هامش مسند أحمد.
(٢٠٢)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (1)، الحكم بن أبي العاص (1)، خيبر (1)، كتاب تفسير الكشاف للزمخشري (1)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، كتاب كنز العمال للمتقي الهندي (1)، كتاب تفسير الثعلبي للثعلبي (1)

صفحه 202

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٣
- 16 - * نظرة في فضائله * تتبعنا الأسانيد فيما يرسله الناس في فضائل أبي هريرة، فلم نجد لها مصدرا في الأغلب سواه، واليك مثلا يلمسك هذه الحقيقة.
قال صاحب الاستيعاب في أحواله: أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلي الله عليه وآله ثم لزمه وواظب عليه رغبة في العلم، راضيا بشبع بطنه، فكانت يده في يد رسول الله، وكان يدور معه في حيث الدار، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله، كان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرون والأنصار لاشتغال المهاجرين بالتجارة، والأنصار بحوائجهم، وقد شهد له رسول الله صلي الله عليه وآله بأنه حريص علي العلم والحديث، وقال له يا رسول الله أني سمعت منك حديثا كثيرا وأنا أخشي ان أنسي: فقال (ض) ابسط رداءك، قال: فبسطته فغرف فيه! ثم قال: ضمه، فضممته فما نسيت شيئا بعد! اه.
(قلت): هذه الفضائل ونحوها ليست إلا مضامين أحاديث كان أبو هريرة يحدث بها عن نفسه، ولم نجد لها مستندا سواه، وهكذا سائر خصائصه انما أخذت عنه كما يعلمه المتتبعون.
ولنوضح هذه الجملة فنقول: أما اسلامه عام خيبر فمسلم، لثبوته من حديث غيره.
وأما كونه شهدها مع رسول الله صلي الله عليه وآله فلم يرو إلا عنه، وأهل العلم يتأولون دعواه الحضور كما أوضحناه سابقا.
وأما لزومه لرسول الله ومواظبته عليه، رغبة في العلم، ورضا بشبع بطنه وان يده كانت في يده يدور معه حيث دار، فأمور كان أبو هريرة يدعيها،
(٢٠٣)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، المهاجرون والأنصار (1)، أبو هريرة العجلي (3)، خيبر (2)، الشهادة (1)

صفحه 203

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٤
فالعهدة فيها عليه. إذ قال (1): قدمت المدينة ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت علي الثلاثين، فأقمت معه حتي مات، وأدور معه في بيوت نسائه! (2) وأخدمه وأغزو معه وأحج؟ (3) وكنت أعلم الناس بحديثه؟ وقد والله سبقني قوم بصحبته فكانوا يعرفون لزومي له فيسألونني عنه حديثه: منهم عمر: وعثمان: وعلي: وطلحة: والبير: إلي آخر كلامه، (قلت): لعل أولي الألباب يعجبون من جرأة أبي هريرة علي التحديث بمثل هذا، لمخالفته الواقع، وبعده عن الصدق، لكن من عرف الحقيقة علم أنه ما كان ليحدث به علي عهد الشيوخ والعلماء والعظماء منهم، وانما اجترأ علي التحديث به وبأمثاله بعد الموت أكثر الصحابة وفتح الشام والعراق ومصر وإفريقيا وفارس وغيرها من الأمصار، حيث قلت الصحابة وكثر مسلموا الفتوحات الذين لا إلمام لهم بشئ مما كان علي عهد النبوة فكأنه حينئذ وسائر الكذابة وجدوا أنفسهم في عالم آخر لا يعرف شيئا مما كان في الصدر الأول، ورأوا عالمهم الجديد يصدقهم ويتعبد بما سمعه منهم لكونهم في نظره من البقية الباقية من أصحاب رسول الله الامناء علي سننه والموكول إليهم تبليغا، وكانت السلطة الأموية بذلت في تأييدهم جهدها فتسني لهم بهذه الأسباب كلها ان يحدثوا بما حدثوا به من الواهيات والمنكرات، وبما لا يجوز شرعا، وبما لا يمكن عقلا، وبكل سخافة وبكل باطل حسبما اقتضته أغراضهم أو أوجبتهم دعاية الظالمين الذين اتخذوا دين الله
(1) فيما أخرجه ابن سعد بالاسناد إلي أبي هريرة كما في ترجمته من الإصابة.
(2) ان من عرف النبي " ص " وأنفته من دخول الرجال علي نسائه لا يمكن ان يصدق بهذا ابدا.
(3) قوله: وأحج، ظاهر في استمراره علي الحج معه " ص " مرة بعد أخري وهذا عار عن الحقيقة فان رسول الله ما حج بعد الهجرة سوي حجة الوداع ولو قال حججت معه لكان ممكن الوقوع.
(٢٠٤)
مفاتيح البحث: الدولة الأموية (1)، دولة العراق (1)، أبو هريرة العجلي (2)، الشام (1)، الظلم (1)، الصدق (1)، الموت (2)، الجواز (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، حجة الوداع (1)، الحج (2)

صفحه 204

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٥
دغلا، وعباد الله خولا، ومال الله دولا، وكانت هذه الكذابة قد اتصلت بأسباب أولئك الغاشمين فتوسلت إليهم بالطامات فأرضعوها اخلاف برهم، وأولوها فوق ذلك انهم انفقوا في تأييد قواهم الجبارة إذ كانت (ولا سيما علي عهد معاوية) أداة من أدواتهم بل كانت لسان دعايتهم، وعين تجسسهم (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله).
وأني وأيم الله لا ينقضي عجبي من البخاري ومسلم وأحمد وأمثالهم ممن يرجعون إلي عقل أصيل ورأي جميع ثم ينقادون انقياد الأكمة الأبله إلي ما يشاء أبو هريرة وأمثاله، فهل في امكانهم ان يعلموا متي سأله علي وعمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم من أهل السوابق؟ وهل كان سؤالهم إياه في اليقظة أو في النوم أو في عالم الخيال؟ وأي حديث سألوه عنه؟ ومن روي هذا عنهم غير أبي هريرة؟ وأي رجل من أهل المعاجم والتراجم أو من غيرهم عد واحدا من هؤلاء في زمرة من روي عن أبي هريرة؟ ولو حديثا واحدا (1) ومتي كان هؤلاء يأبهون بحديثه؟ فانا ما عهدناه يحدث في مجالسهم وما كان ليجرأ علي الحديث بحضورهم، وكانوا يرذلونه ويكذبونه كما سمعته مفصلا. ولنرجع الآن إلي ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة أبي هريرة فنقول:
وأما قوله: وكان من أحفظ أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله فإنه مأخوذ من قول أبي هريرة في الحديث السابق وكنت اعلم الناس بحديثه.
وأما قوله: كان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار، فإنه مأخوذ من حديثه الذي ذكره فيه بسط النمرة، وقد بيناه سابقا وعلقنا عليه ما نلفت
(1) قد أحصي الحاكم في ترجمة أبي هريرة من روي عنه من الصحابة فكانوا ثمانية وعشرين رجلا ليس فيهم علي ولا عمر ولا عثمان ولا طلحة ولا الزبير أما غيرهم من الصحابة فإنما رووا عنه أمورا تتعلق بالجنة والنار أو بالأخلاق والحض علي العلم دون الأحكام التكليفية.
(٢٠٥)
مفاتيح البحث: صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، المهاجرون والأنصار (1)، أبو هريرة العجلي (6)، النوم (1)

صفحه 205

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٦
وأما قوله: بأنه قد شهد له رسول الله صلي الله عليه وآله بأنه حريص علي العلم والحديث فإنما هو مأخوذ من قول أبي هريرة: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال صلي الله عليه وآله: لقد ظننت ان لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولي منك لما رأيت من حرصك علي الحديث (1).
ومن خصائصه التي تداولتها أقلام مترجميه المزود الذي اكل منه أكثر من مائتي وسق تمرا! وغلامه الآبق الذي أعتقه لوجه الله! وحفظه وعاءين من العلم بث أحدهما وكتم الآخر؟ ودعا رسول الله صلي الله عليه وآله له ولأمه! ومشيه علي وجه الماء حتي عبر خليجا من البحر فما ابتل! له قدم إلي غير ذلك من المضحكات المبكيات في آن واحد فانا لله وإنا إليه راجعون.
- 17 - * نوادره * أخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة (2) عن محمد بن زياد قال:
كان مروان - أيام ولايته علي المدينة في خلافة معاوية - يستخلف أبا هريرة علي المدينة فيضرب برجليه فيقول: خلوا الطريق خلوا الطريق قد جاء الأمير قد جاء الأمير - يعني نفسه.
وأخرج ابن قتيبة الدينوري في ترجمة أبي هريرة من معارفه (3) عن
(١) أخرجه البخاري في الصحيح من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة ونقله ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من الإصابة وكان أبو هريرة يقول (كما في ترجمته من الإصابة) صحبت رسول الله ثلاث سنين لم يكن أحد أحرص علي أن يعي الحديث عنه مني.
(٢) ص ٣٤ من الجزء الثاني من مسنده.
(3) في ص 94 منها.
(٢٠٦)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، أبو هريرة العجلي (7)، محمد بن زياد (1)، الشهادة (1)، الأكل (1)، البلل (1)

صفحه 206

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٧
أبي رافع قال: كان مروان يستخلف أبا هريرة علي المدينة فيركب حمارا قد شد عليه برذعة وفي رأسه خلبة من ليف فيسير فيلقي الرجل فيقول: الطريق! قد جاء الأمير! (قال): وربما أتي الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب فلا يشعرون بشئ حتي يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه! الحديث (1).
واخرج أبو نعيم (2) بسنده إلي ثعلبة بن أبي ملك القرظي قال: اقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال:
أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك، فقلت له: يكفي هذا. فقال: أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه؟ اه.
واخرج أبو نعيم أيضا (3) من طريق أحمد بن حنبل عن عثمان الشحام عن فرقد السبخي، قال: كان أبو هريرة يطوف بالبيت (أعزه الله تعالي) وهو يقول: ويل لي بطني إذا أشبعته كظني، وان أجعته سبني.
وعن ربيع الأبرار للزمخشري قال: كان أبو هريرة يقول: اللهم ارزقني ضرسا طحونا ومعدة هضوما (4) ودبرا نثورا.
وعن ربيع الأبرار أيضا (5) قال: وكان يعجبه - يعني أبا هريرة - المضيرة جدا فيأكله مع معاوية وإذا حضرت الصلاة صلي خلف علي فإذا قيل له قال: مضيرة معاوية أدسم والصلاة خلف علي أفضل، فكان يقال له شيخ
(1) أخرجه أيضا ابن سعد بأسانيد متعددة في ترجمة أبي هريرة آخر ص 60 من القسم الثاني من الجزء الرابع من الطبقات.
(2) في أحوال أبي هريرة صفحة 382 من الجزء الأول من حلية الأولياء.
(3) في أحوال أبي هريرة من كتابه حلية الأولياء ص 382 من جزئه الأول.
(4) بزنة فعول، يستوي فيها المؤنث والمذكر كرغوث، نقله عن ربيع الأبرار جماعة من الاثبات كالشيخ القمي في أحوال أبي هريرة من كتاب الكني والألقاب.
(5) كما في أحوال أبي هريرة من الكني والألقاب للمعاصر القمي
(٢٠٧)
مفاتيح البحث: الحافظ أبو نعيم (2)، أبو هريرة العجلي (10)، الزمخشري (1)، أحمد بن حنبل (1)، الطواف، الطوف، الطائفة (1)، الصّلاة (2)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (2)

صفحه 207

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٨
وعن أبي عثمان النهدي ان أبا هريرة كان في سفر فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي، فقال: أني صائم فلما كادوا يفرغون جاء فجعل يأكل الطعام فنظر القوم إلي رسولهم فقال: ما تنظرون؟ قد والله أخبرني أنه صائم: فقال أبو هريرة صدق اني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: صوم رمضان وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر فانا مفطر في تخفيف الله صائم في تضعيف الله، أخرجه أبو نعيم (2).
واخرج البخاري (3) عن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان فتمخط بهما فقال: بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتان لقد رأيتني وأني لاخر فيما بين منبر رسول الله صلي الله عليه وآله إلي حجرة عائشة مغشيا علي فجئ الجائي فيضع رجله علي عنقي ويري اني مجنون وما بي من جنون ما بي الا الجوع.
ومن نوادره انه كان يلعب السدر قال ابن الأثير في مادة السدر من نهايته
(١) المضيرة هي مريقة تطبخ باللبن المضير اي الحامض، ويظهر من هذه الحكاية وغيرها انه كان ممن حضر وقعة صفين، وانه كان يصانع الفئتين شأن المتلون ذي الوجهين واللسانين يريد بهذا ان لا يقطع علي نفسه خط الرجعة إلي الفئة المنتصرة وقد رأينا بين سوريا والعراق علي مقربة من صفين مقاما مشادا يدعي مقام أبي هريرة وحدثني غير واحد ان أبا هريرة كان في بعض أيام صفين يصلي في جماعة علي ويأكل في جماعة معاوية فإذا حمي الوطيس لحق الجبل فإذا سئل قال: علي اعلم ومعاوية أدسم والجبل أسلم.
(٢) في أواخر ترجمة أبي هريرة ص ٣٨٥ من الجزء الأول من الحلية.
(٣) ص ١٥٧ من الجزء الرابع من صحيحه في أواخر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وأخرجه أبو نعيم في ص 379 من الجزء الأول من حليته.
(٢٠٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، الحافظ أبو نعيم (2)، أبو هريرة العجلي (7)، شهر رمضان المبارك (1)، إبن الأثير (1)، التصديق (1)، الطعام (1)، الصيام، الصوم (2)، الصّلاة (2)، دولة العراق (1)

صفحه 208

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٠٩
ما هذا لفظه: وفي حديث بعضهم قال: رأيت أبا هريرة يلعب الدر، ثم قال: السدر لعبة مقامر بها - وتكسر سينها وتضم وهي فارسية معربة عن ثلاثة أبواب (1) اه.
وفي هذه المادة من لسان العرب عين ما في النهاية وزاد عليه فقال ومنه حديث يحيي بن أبي كثير: السدر هي الشيطانة الصغري (قال) يعني انها من أمر الشيطان انتهي بلفظه (2).
وذكر الدميري في مادة عقرب من حياة الحيوان لعب الشطرنج فقال:
وروي الصعلوكي تجويزه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأبي البسر وأبي هريرة ثم قال: والمروي عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب الفقه، قال: وروي الآجري عن أبي هريرة انه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بالأزلام الشطرنج والنرد فلا تسلموا عليهم (3).
(1) قوله: معربة عن ثلاثة أبواب، اي ان أصلها في لغة الفرس " سه در " ومعناها عندهم ثلاثة أبواب، فاستعملها العرب وتصرفوا فيها فقالوا: سدرة.
(2) فراجعه في ص 30 ج 6 مادة س در.
(3) لكن الدميري ضعف اسناد هذا الحديث وكذب الصولي فيما نقله عن الإمام زين العابدين من القول بإباحة الشطرنج فان أئمة أهل البيت كافة يحرمونه وكذلك مالك واحمد وأبو حنيفة.
(٢٠٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، كتاب حياة الحيوان للدميري (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)، أبو هريرة العجلي (4)، الدميري (2)، النرد (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)

صفحه 209

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٠
* وفاته وعقبه * كانت وفاته في قصره بالعقيق (1) فحمل إلي المدينة فكان ولد عثمان بن عفان يحملون سريره حتي بلغوا به البقيع حفظا بما كان من رأيه في أبيهم (2) وصلي عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان يومئذ أميرا علي المدينة وكان مروان معزولا (3) وانما صلي عليه الوليد تكريما له تقدم للصلاة عليه بعد أن صلي بالناس فريضة العصر وفي القوم ابن عمر وأبو سعيد الخدري واضرابهما (4).
وكتب الوليد إلي عمه معاوية ينعي إليه أبا هريرة فكتب إليه معاوية (5) انظر من ترك وادفع إلي ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم وافعل إليهم معروفا فإنه ممن نصر عثمان وكان معه في الدار.
(1) نص علي ذلك ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من الإصابة ونقل موته بالعقيق ابن عبد البر إذ ترجمه في الاستيعاب، وأخرجه الحاكم في ترجمة من المستدرك وأرسله أهل الأخبار.
(2) أخرج ذلك ابن سعد في ص 63 من القسم الثاني من الجزء الرابع من الطبقات في ترجمة أبي هريرة ورواه أهل الأخبار.
(3) نص علي ذلك الاستيعاب والإصابة والطبقات والمستدرك في ترجمة أبي هريرة.
(4) نص علي ذلك كل من ذكرناهم ممن ترجموا أبا هريرة.
(5) كما في ترجمة أبي هريرة من مستدرك الحاكم وطبقات ابن سعد وإصابة ابن حجر وغيرها من كتب الاخبار.
(٢١٠)
مفاتيح البحث: مقبرة بقيع الغرقد (1)، أبو هريرة العجلي (6)، أبو سعيد الخدري (1)، العصر (بعد الظهر) (1)، كتاب المستدرك علي الصحيحين للحاكم النيسابوري (1)

صفحه 210

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١١
وكانت وفاته سنة سبع وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
أما عقبة فإنما نعرف منه ولده المحرر ابن أبي هريرة وبنته التي كان يقول لها: قولي أبي أبي ان يحليني الذهب يخشي علي حر اللهب. ونعرف لمحرر ولدا اسمه نعيم وهو الذي روي عن جده أبي هريرة انه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتي يسبح به (1).
وروي عنه أيضا: ان رجلا سأل النبي صلي الله عليه وآله بما تأمروني ان اتجر قال صلي الله عليه وآله: عليك بالبز فان صاحب البز يعجبه ان يكون الناس بخير وفي جدة.
اما المحرر فقد ترجمه ابن سعد في طبقاته (2) وذكر سلسلة نسبه المتصلة بدوس، وانه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز، وأنه كان قليل الرواية (3).
(١) وقد جاء في ص ٣٨٠ من الجزء الأول من حلية الأولياء ذكر بنت أبي هريرة التي كان لا يلبسها الذهب وفي ص ٣٨٣ ذكر نعيم بن المحرر بن أبي هريرة الذي روي عن جده التسبيح بالخيط.
(٢) ص ١٨٨ من جزئها الخامس.
(3) ان لأبي هريرة في إمارة الحج سنة تسع للهجرة حديثين متناقضين يروي عنه أحدهما ولده المحرر والثاني يرويه حميد الحديثان في الصحاح وقد أوردناهما فيما سبق من الأصل وبسطنا القول فيهما فراجع الحديث 18 من الفصل 11.
(٢١١)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (4)، عمر بن عبد العزيز (1)، كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (1)، الحج (1)

صفحه 211

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٢
* خاتمة الكتاب * ولنختم إملاءنا هذا بكلمتين لرسول الله صلي الله عليه وآله تتعلقان بابي هريرة ضربهما النبي صلي الله عليه وآله علي غرار فذ من أغرته الحكيمة في التدليل علي زيغ الزائغين والتحذير منهم.
الكلمة الأولي يشترك فيها أبو هريرة والرحال بن عنفوه والفرات ابن حيان، وذلك انهم خرجوا ذات يوم من مجلسه الشريف، فقال صلي الله عليه وآله مشيرا إليهم (1): لضرس أحدكم في النار أعظم من أحد، وان معه لقفا غادر اه فكان أبو هريرة والفرات يقولان بعدها (2) فما أمنا بعد هذا حتي ارتد الرحال وقتل مع مسيلمة الكذاب.
(قلت): كأنهما كانا يحاولان تأويل الحديث فيجعلان المراد منه واحدا منهم بعينه وهو الرحال بقرينة التحاقه بعد النبي صلي الله عليه وآله بمسيلمة وقتله مرتدا.
وهذا تضليل عن الحقيقة المتبادرة من الحديث عند اطلاقه، فإنه علي حد قوله تعالي، (يود أحدكم ان تكون له جنة) (يود أحدهم لو يعمر الف سنة) (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا) (وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسودا وهو كظيم) إلي كثير من أمثال ذلك في الكتاب والسنة، وكلام
(1) فيما أخرجه سيف بن عمر في الفتوح من طريق أحمد بن فرات بن حيان ونقله في ترجمة فرات صاحبا الاستيعاب والإصابة وغير واحد.
(2) فيما نقله عنهما صاحبا الاستيعاب والإصابة في ترجمة الفرات ورواه غير واحد من حفظة الآثار.
(٢١٢)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (3)، نهر الفرات (3)، مسيلمة الكذاب (1)، الضرب (1)، القتل (2)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)

صفحه 212

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٣
العرب تقول في المدح: كف أحدهم تمرطر ذهبا، وقلب أحدهم يفيض حنانا، وفي الذم: وجه أحدهم عنوان الوقاحة، وقلب أحدهم أنسي من الصلد، فلا ترتد واحدا منهم بعينه وانما تريد الجميع، وهذا هو المراد في الحديث وهو المتبادر منه إلي الأذهان.
ولو أراد صلي الله عليه وآله واحدا منهم بعينه لا بأنه بقرينة تعينه. فان تأخير البيان في مثل هذا المقام مما لا يجوز علي الأنبياء لقبحه عقلا بسبب استلزامه ظلم البريئين منهم، لأنه متي علم أن أحدهم من أهل النار وانه غدار، ولم يعرف بعينه تفصيلا سقط الثلاثة عن درجة الاعتبار، إذ لا يركن بعدها إليهم، ولا يعتمد عليهم، ولا يؤبه بما يقولون في أصول أو فروع ولا يحتج بحديثهم، ولا تقبل لهم شهادة في مرافعة أو غيرها، ولا يولون أمرا من أمور المسلمين، ولا يوكل إليهم شأن تشترط الوثاقة فيمن يوكل إليه، فيحرمون بأجمعهم بحديثهم من الحقوق المدنية في الاسلام، ويجب علي الأمة اجتنابهم في كل شئ تشترط فيه العدالة نزولا علي حكم القاعدة العقلية في الشبهة المحصورة مع العلم الاجمالي كما هو مقرر في محله من الأصول.
وحسبك بهذا سقوطا لكل من الثلاثة علي السواء.
وإذا كان أحدهم بعينه هو الجهنمي الغادر المستوجب للحرمان فما ذنب الآخرين؟ أيجوز علي سيد الحكماء، وخاتم الأنبياء أن يسقط برئين فنجعلهما طيلة حياتهما بحكم الغدار من أهل النار؟ ثم يلقي الله تعالي عن غير بيان حاشا لله وما الذي منعه ان يقول مشيرا إليه نفسه: لضرس هذا في النار أعظم من أحد لو لم يكونوا جميعا في الامر علي السواء.
(فان قلت). لعله صلي الله عليه وآله عين الرحال حينئذ بقرينة لفظية أو حالية كالايماء إليه بالخصوص مثلا ثم خفيت علينا.
(قلنا): لو كان ثمة قرينة ما خفيت علي أبي هريرة وفرات، وقد
(٢١٣)
مفاتيح البحث: أبو هريرة العجلي (1)، الإخفاء (2)، الشهادة (1)، الجواز (1)

صفحه 213

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٤
استفرغا الوسع فلم يتشبثا بشئ سوي ردة الرحال وحينئذ سجدا لله شكرا وكانا بعد ذلك يقولان: فما أمنا بعد قول النبي صلي الله عليه وآله ما قال حتي صنع الرحال ما صنع (1).
علي أنه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان وخفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما، إذ لا مندوحة لنا - علي كلا الفرضين - عن العمل بما يقتضيه العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة كما لا يخفي.
(فان قلت): إنما كان المنصوص عليه بهذا الذم مجملا قبل التحاق الرحال بمسيلمة وموته مرتدا وبمجرد صنعه ما صنع تعين أنه هو المراد دون صاحبه، وحينئذ لا اجمال ولا اشكال.
(قلنا): أولا ان المتبادر من قوله صلي الله عليه وآله: لضرس أحدكم في النار انما هو الجميع علي حد المتبادر من قوله تعالي " وإذا بشر أحدهم بالأنثي " واذن فلا اجمال في المنصوص عليه بالذم هنا ولا أثر لردة الرحال للعلم بسوء حاله وحال صاحبيه منذ باؤوا بالضرس والقفا.
(وثانيا): ان الأنبياء عليهم السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، ولعلك تعلم أن وقت الحاجة هنا متصل بصدور هذه الكلمة في حقهم من رسول الله (ص) (لو كان لأحدهم شئ من الاعتبار) لأنهم منذ أسلموا كانوا محل الابتلاء في حديثهم وشهاداتهم والائتمام بهم، والوصاية إليهم، والتولية لهم، وما إلي ذلك من حقوق المدنية (في الدين) فلولا وجوب اقصائهم عنها لما ترك صلي الله عليه وآله البيان حتي لحق بالرفيق الاعلي، وما كان ليتكل في ذلك علي ما صنع الرحال من الردة بعد وفاته.
(وثالثا): ان الفرات بن حيان كان جاسوسا للمشركين، وعينا لأبي
(1) سجودهما حينئذ لله كشرا وقولهما فما أمنا ثابتان عنهما، ومذكوران في ترجمة فرات من الاستيعاب والإصابة وغيرهما.
(٢١٤)
مفاتيح البحث: الأنبياء (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (2)، نهر الفرات (1)، الوسعة (1)، الوجوب (1)، الحاجة، الإحتياج (3)

صفحه 214

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٥
سفيان علي رسول الله صلي الله عليه وآله والمسلمين، فلما أرادوا قتله بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله كما في ترجمته من الاستيعاب والإصابة وغيرهما أسلم حقنا لدمه، فقال النبي صلي الله عليه وآله (1): ان منكم من أتألفه علي الاسلام منهم الفرات بن حيان، فالرجل في سوء الحال معطوف علي الرحال، فكيف مع ذلك يكون صنع الرحال قرينة علي تخصيصه بالجرح والقدح دون الفرات الذي ما أسلم الا حقنا لدمه؟ ودون أبي هريرة الذي تبوأ مقعده.
(الكلمة الثانية): يشترك فيها أبو هريرة وسمرة بن جندب الفزاري وأبو محذورة الجمحي إذ أنذرهم صلي الله عليه وآله فقال لهم ذات يوم (2) آخركم موتا في النار.
وهذا أسلوب حكيم من أساليبه في اقصاء المنافقين عن التصرف في شؤون الاسلام والمسلمين، فإنه صلي الله عليه وآله لما كان عالما بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد ان يشرب في قلوب أمته الريب فيهم والنفرة منهم اشفاقا عليها ان تركن إلي واحد منهم في شئ مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم، فنص بالنار علي واحد منهم وهو آخرهم موتا، لكنه أجمل القول فيه علي وجه جعله دائرا بين الثلاثة علي السواء ثم لم يتبع هذا الاجمال بشئ من البيان وتمضي الأيام والليالي علي ذلك ويلحق صلي الله عليه وآله بالرفيق الاعلي ولا بيان، فيضطر أولي الألباب من أمته إلي اقصائهم جميعا عن كل امر يناط بالعدول والثقات من الحقوق المدينة
(1) كما في ترجمة فرات من الاستيعاب والإصابة وغيرهما وأخرج الحاكم في كتاب الحدود ص 366 من الجزء 4 من المستدرك حديثا ذكر فيه الفرات بن حيان وانه كان عينا لأبي سفيان وحليفا له وكان رسول الله صلي الله عليه وآله قد أمر بقتله فمر علي حلقه من الأنصار فقال: أني مسلم، فقال بعضهم: يا رسول الله إنه يقول:
أني مسلم، فقال رسول الله إن منكم رجالا نكلهم إلي ايمانهم منهم الفرات بن حيان، وهذا الحديث صححه الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه.
(2) كما في ترجمة سمرة من الاستيعاب والإصابة وغيرهما.
(٢١٥)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (3)، أبو هريرة العجلي (2)، نهر الفرات (4)، سمرة بن جندب (1)، القتل (2)، النفاق (1)

صفحه 215

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٦
في دين الاسلام لاقتضاء العلم الاجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة، فلولا انهم في وجوب الاقصاء علي السواء لاستحال عليه - وهو سيد الحكماء - عدم البيان في مثل هذا المقام.
فان قلت: لعله بين هذا الاجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدة.
(قلنا): لو كان ثمة قرينة ما كان كل من هؤلاء في الرجال من هذا الانذار علي السواء (1).
علي انك قد عرفت مما سبق انه لافرق في هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما بالنسبة إلينا إذ لا مندوحة لنا عن العمل بما يقتضيه العلم الاجمالي من تنجيز التكليف في الشبهة المحصورة علي كلا الفرضين كما بيناه آنفا.
(فان قلت): انما كان المنصوص عليه بالنار مجملا قبل موت الأول والثاني منهم وبسبقهما إلي الموت تبين وتعين انه انما هو الباقي بعدهما بعينه دون سابقيه، وحينئذ لا اجمال ولا اشكال.
(قلنا): أولا علمت مما ذكرناه آنفا ان الأنبياء عليهم السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، وعلمت أيضا ان وقت الحاجة هنا متصل بصدور هذا الانذار لو كان لاحد الثلاثة شئ من الاعتبار، لأنهم منذ أسلموا كانوا محل ابتلاء المسلمين في الحقوق المدنية الدينية كما بيناه آنفا فلولا وجوب اقصائهم عنها لما أخر البيان انكالا علي صروف الزمان، وحاشا رسول الله صلي الله عليه وآله ان يقصي أحدا عن حقه طرفة عين، ومعاذ الله ان يخزي من لا يستحق الخزي ثم يبقيه علي خزيه حتي يموت مخزيا إذ لا تعرف براءته - بناء علي هذا الفرض الفاسد - إلا بموته.
(1) كما يعلمه متتبعوا شؤونهم حول هذا الوعيد.
(٢١٦)
مفاتيح البحث: الأنبياء (ع) (1)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، يوم عرفة (1)، الإخفاء (1)، الموت (2)، الوجوب (2)، الحاجة، الإحتياج (2)

صفحه 216

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٧
(وثانيا): إنا - شهد الله - بذلنا الطاقة بحثا وتنقيبا، فلم يكن في الوسع أن نعلم أيهم المتأخر موتا لان الأقوال في تاريخ وفياتهم بين متناقض متساقط (1) وبين مجمل متشابه لا يركن إليها كما يعلمه متتبعوها.
(وثالثا): لم يكن من خلق رسول الله صلي الله عليه وآله وهو " العزيز عليه عنت المؤمنين الحريص عليهم الرؤوف بهم الرحيم لهم) أن يجابه بهذا القول - آخركم موتا من النار - من يحترمه وما كان (وأنه لعلي خلق عظيم) ليفاجئ به (أو بقوله: لضرس أحدكم في النار) غير مستحقيه، ولو أن في واحد من هؤلاء الثلاثة (أو من أولئك) خيرا ما أشركه في هذه المفاجأة القاسية والمجابهة الغليظة، لكن اضطره الوحي إلي ذلك نصحا لله تعالي وللأمة (وما ينطق عن الهوي)..
علي أن أحوال هؤلاء الثلاثة كلها قرائن قطعية علي ما قلناه حول انذارهم هذا كما أن أحوال أولئك أدلة ما قلناه فيهم.
وحسبك من أبي هريرة ما تبوأه من مقعده، ويكفيك من سمرة اسرافه الفظيع في دماء المسلمين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة (2) وبيعه الخمر
(1) أما تناقضها فلأن بعضها نص بموت سمرة سنة ثمان وخمسين وموت أبي هريرة سنة تسع وخمسين وهذا منقوض بالقول بأن موت أبي هريرة كان سنة سبع وخمسين، وهكذا بقية الأقوال في موت الثلاثة وأما المجمل المتشابه منها فكالقول بموت الثلاثة كلهم في سنة تسع وخمسين من غير بيان اليوم والشهر الذي وقع فيه الموت.
(2) نحيلك في تفصيل ذلك علي ص 363 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي وما أخرجه الطبري منها في أحداث سنة خمسين من تأريخه الشهير وما ذكرناه نحن منها في الفصل 8 من فصولنا المهمة.
(٢١٧)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (3)، الشهادة (1)، الزكاة (1)، العزّة (1)، الوسعة (1)، الصّلاة (1)، الموت (1)

صفحه 217

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٨
علانية (3) ومضارته للأنصاري، وتمرده علي ما دعاه النبي صلي الله عليه وآله يومئذ إليه من الصلح وزهده في الجنة علي وجه يستفاد منه عدم ايمانه (1) وشجه رأس ناقة النبي (2) استخفافا ومتهانا إلي غير ذلك من بوائقه.
وناهيك من أبي محذورة أنه من الطلقاء وللمؤلفة قلوبهم، دخل في الاسلام بعد فتح مكة، وبعد أن قفل رسول الله صلي الله عليه وآله من حنين منتصرا علي هوازن، ولم يكن شئ أكره إلي أبي محذورة يومئذ من رسول الله صلي الله عليه وآله ولا مما يأمر به، وكان يسخر بمؤذن رسول الله صلي الله عليه وآله فيحكيه رافعا صوته استهزاء لكن صرة الفضة التي اختصه بها رسول الله صلي الله عليه وآله فيحكمه رافعا صوته استهزاء لكن صرة الفضة التي اختصه بها رسول الله صلي الله عليه وآله وغنائم حنين التي أسبغها علي الطلقاء من أعدائه ومحاربيه وأخلاقه العظيمة التي وسعت كل من اعتصم بأول الشهادتين من أولئك المنافقين مع شدة وطأته علي من لم يعتصم بها ودخل العرب في دين الله أفواجا، كل ذلك ألجأ أبا محذورة وأمثاله إلي الدخول فيما دخل فيه الناس ولم يهاجر حتي مات في مكة (3) والله يعلم بواطنه.
(3) فيما أخرجه الإمام أحمد من حديث عمر بن الخطاب في ص 25 من الجزء الأول من مسنده.
(1) كما في كتاب للتجارة من الكافي في باب الضرار وفي الفقيه انه خالف رسول الله صلي الله عليه وآله ولم يرض بنخلة في الجنة في قضية أوردها ابن أبي الحديد في ص 363 من المجلد الأول من شرح النهج حيث ذكر سمرة وفظائعه.
(2) كما في روضة الكافي.
(3) كلما نقلناه هنا عن أبي محذورة موجود في ترجمته من الإصابة وهو مما لا خلاف فيه.
تمت التعليقة بتمام الأصل بقلم مؤلفها الأقل عبد الحسين والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي خير خلقه محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.
(٢١٨)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (7)، مدينة مكة المكرمة (2)، صلح (يوم) الحديبية (1)، الموت (1)، النفاق (1)، إبن أبي الحديد المعتزلي (1)، الخليفة عمر بن الخطاب (1)

صفحه 218

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٩
بقيت كلمة لابن البر حول هذا الانذار إذ قال في ترجمة سمرة من الاستيعاب: وكانت وفاته بالبصرة في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين سقط في قدر مملؤة ماءا حارا كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد اصابه فسقط في القدر الحارة فمات " قال ": كان ذلك تصديقا لقول رسول الله صلي الله عليه وآله له ولأبي هريرة ولثالث معهما: آخركم موتا في النار اه.
(قلت): هذا تأويل غريب لا يدل عليه اللفظ ولا يفهمه منه أحد والثلاثة المخاطبون به لم يرتابوا في مفاده المتبادر منه، ولذا كان كل منهم يتمني سبق صحابيه إلي الموت كما هو ثابت عنهم، علي أن تأخر سمرة في الموت عن صاحبيه كليهما غير معلوم، ولا سيما علي ما جزم به ابن عبد البر من موته سنة ثمان وخمسين، لان أبا هريرة قد مات في قول الواقدي وابن نمير وابن عبيد وابن الأثير وابن جرير وغيرهم سنة تسع وخمسين وفيها مات أبو محذورة، وقيل: بل مات أبو محذورة سنة تسع وسبعين، ونص ابن الكلبي علي أن أبا محذورة مات بعد موت سمرة، فتأويل ابن عبد البر هذه الكلمة - آخركم موتا في النار - مما لا يصغي إليه.
وهذا آخر ما أردناه من تمحيص السنة المقدسة وتنزيهها عن الدخل الشائن لجوهر الاسلام وروحه الرفيعة، والحمد لله علي التوفيق لذلك واليه نبتهل في أن ينفع به المؤمنين، ويجعله ذخيرة ليوم الدين، وصلي الله علي سيد النبيين وخاتم المرسلين، وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه الهداة الميامين.
وكان الفراغ منه في مدينة صور يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1362 ه الموافق 23 من أيلول سنة 1943 م بقلم مؤلفه أضعف المؤمنين عملا وأقواهم بعفو الله أملا عبد الحسين بن الشريف يوسف ابن الشريف جواد بن الشريف إسماعيل بن محمد بن محمد بن شرف الدين واسمه إبراهيم بن زين العابدين بن علي نور الدين بن نور الدين علي بن عز الدين
(٢١٩)
مفاتيح البحث: الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله (1)، أبو هريرة العجلي (2)، يوم القيامة (1)، شهر رمضان المبارك (1)، إبن الأثير (1)، إسماعيل بن محمد (1)، نور الدين علي (1)، محمد بن شرف (1)، الجود (1)، الموت (6)، الطهارة (1)، الصّلاة (1)

صفحه 219

أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢٢٠
الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن ابن محمد ولقبه شمس الدين بن عبد الله ولقبه جلال الدين بن أحمد بن حمزة ابن سعد الله بن حمزة بن أبي السعادات محمد بن أبي محمد عبد الله نقيب النقباء الطالبيين في بغداد ابن أبي الحرث محمد بن أبي الحسن علي المعروف بابن الديلمية أبن أبي طاهر عبد الله بن أبي الحسن محمد المحدث بن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي بن موسي أبي سبحة بن إبراهيم المرتضي بن الإمام الكاظم بن الإمام الصادق بن الإمام الباقر بن الإمام زين العابدين بن الإمام أبي عبد الله الحسين سيد الشهداء، وخامس أصحاب الكساء، وسبط خاتم النبيين والمرسلين، وابن أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب، صلي الله علي رسوله وعليهم أجمعين..
" تم طبع الكتاب في يوم 2 / 4 / 1965 م "
(٢٢٠)
مفاتيح البحث: الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، أهل الكساء (1)، الحسين بن علي بن محمد (1)، علي بن أبي طالب (1)، محمد بن أبي الحسن (1)، طاهر بن الحسين (1)، محمد بن أبي محمد (1)، الحسين بن محمد (1)، مدينة بغداد (1)، أحمد بن حمزة (1)، جلال الدين (1)، الطهارة (1)، الشهادة (1)

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.