البابية و البهائية تاريخ و وثائق

اشارة

تأليف: عبدالمنعم احمد النمر
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم و حمد الله كثيرا و عميقا علي نعمه و أفضاله و صلاة و سلاما علي الرسول الخاتم و علي آله و صحبه و من والاه و اتبع نهجه و هداه. و بعد فقد نبتت علي أرض الاسلام و المسلمين فرق كثيرة، كان منها ما استظل بعبادة الاسلام، و رفع شعاره، ثم انتهي الي التمرد عليه، و ابتداع دين جديد. و قد ابتلي الاسلام و المسلمون بهذا منذ قرنه الأول، و لا يزال، و سيظل أمره كذلك، صراعا بين الحق و الباطل «فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» [1] . فالحقائق العليا لم تسلم من المناوشين لها، و المتطاولين عليها، بل ربما كانت أكثر الحقائق تطاولا عليها، أو انكارا لها، «و كان الانسان أكثر شي‌ء جدلا» [2] . حتي أنك تجد أعلي الحقائق و أبرزها المتمثلة في وجود الله الخالق، تحظي من هذا التطاول و الخروج عليها و الانكار لها بالحظ الأوفر... و هكذا مضت سنة الحياة مع الانسان «خلق الانسان من نطفة فاذا هو خصيم مبين» [3] و لذلك لم يكن الخلاف حول الاسلام، و تفرق الناس شيعا و أحزابا حوله، أو خروجا عليه و تمردا، الا أمرا أو سنة من سنن هذه الحياة... «و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، و لا يزالون مختلفين الا من رحم ربك، و لذلك خلقهم..» [4] . [ صفحه 4] و قد أراد الله سبحانه أن تكون رسالة محمد صلي الله عليه و سلم هي الرسالة الخاتمة التي لا رسالة بعدها، و أن يكون القرآن الكريم بحقائقه و منهجه في الحياة، هو آخر الكتب التي ينزلها الله، هداية للناس، فلا كتاب بعده يغير شيئا مما جاء فيه أو يزيد عليه، اذ لا مجال فيه لذلك، و لهذا تعهد الله بحفظه أو المحافظة عليه من التحريف و التغيير، ليبقي نصه قائما شاهدا علي معانيه و حقائقه. حكما فصلا بين المختلفين حوله.. بلسان عربي مبين.. لا يستعصي فهمه علي العرب، و لا سيما الذين يملكون ناصية العربية منهم.. و قد لحظ الفاقهون من المسلمين، أن تعهد الله بحفظ القرآن و بقائه سليما نقيا، و هو تعهد ضمني في الوقت نفسه بحفظ اللغة العربية و أمتها، من الاندثار.. ليظلوا حفاظا و حماة للقرآن العربي المبين يتذوقونه. و يعونه، و يفهمونه بل وساطه، و يبينونه للناس، علي مر القرون و الأجيال، حتي يرث الله الأرض و من عليها.. و هذا هو قدرهم، و تلك هي رسالتم التي شرفهم الله بها، و حملهم مسئوليتها.. و هو قدر - لو يعلمون - عظيم.. و لذلك كان الحفاظ علي اللغة العربية و تقويتها، و نشرها، هدفا دينيا أساسيا، و مرتبطا بالقرآن و بقائه و الحفاظ عليه. يعمل علي تحقيقه المسلمون - عربا و غير عرب. لأنه أساس وجودهم، و نقطة التقائهم، و مركز دائرتهم، و لب دينهم.. و باعث الحياة و القوة فيهم.. ان خمدت حياتهم وقوتهم زمنا، ظل هو جديرا بتجديد حياتهم، و انعاش قوتهم، و بث النهضة في نفوسهم، ظل هو النبع الذي يمكن اذا ارتووا منه، أن ينتعشوا، و تعود لهم الحياة و القوة.. و هذه حقيقة التفت اليها أعداء الاسلام و أدركوها، فركزوا كل قواهم للفصل بين المسلمين و بين القرآن، و سلطوا عليه سهامهم.. ليزيلوا معالمه في نفوسهم، و يفكوا الارتباط بينه و بينهم و يبتعدوا عنه، فيصيروا صيدا ثمينا سهلا لهؤلاء الأعداء.. «و انما تأكل الذئب من الغنم القاصية». و لكن الله الذي تعهد بحفظه و بقائه، يسخر له دائما من أمته من يقف بجانبه، يرد عنه كيد الكائدين، و عبث المبطلين، و حقد الحاقدين، حتي في أحلك الظروف «و لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق لا يضرهم من خالفهم حتي يأتي أمر الله». [ صفحه 5] و منذ أن صوبت سهام هؤلاء الحاقدين نحو الاسلام، تصدي لها من أهل القرآن، من أفسدوا مفعولها، و كشفوا أباطيلها و حيلها، و تركوا لنا من جهدهم و جهادهم في كشف الفرق الزائفة، ورد كيدها، ما ينبغي علي كل مسلم أن يعرفها، ليتقي الخطر علي دينه و حياته.. و يقوم بواجبه نحو تراثه.. و لقد اندثرت فرق كثيرة من الفرق الشاذة التي نبتت في أرض الاسلام و ناوشته، فلم تعد تري لها وجودا الا في بعض الكتب، كتاريخ لها، لكن بقيت منها فرق أخري و تولدت فرق، لها من يتشيع و يتعصب، و من الواجب علينا جميعا أن نعرفها، لكي نتقي شرورها و كيدها و خطرها علي عقيدتنا و أوطاننا و كياننا. و اذا كانت هناك فرق قديمة مناوئة للعقيدة الاسلامية الصحيحة، قد اندثرت، فقد قام بدلا عنها في مناوأة الاسلام و عقيدته و أمته فرق جديدة، كان للاستعمار و الصهيونية يد في قيامها، ليصوب عن طريقها و بيدها سهامه نحو الاسلام و أمته.. ليلهي المسلمين بمواجهتها و التصدي لها عن مواجهتهم، و عن العمل الايجابي للنهوض بأنفسهم، و التخلص من الكوابيس التي تجهض قواهم.. و اذا تركنا الآن جانبا، التحدث عن الجماعات و الجمعيات و الأفكار الهدامة، التي تصدر الينا من الغرب أو الشرق، لنحصر حديثنا فيما قام بيننا، و علي أرضنا - أرض الاسلام و المسلمين - من فرق حديثة مناوئة و هادمة، فاننا نجد منها فرقتين، نشأتا في ظل الاستعمار و تدبيره و تشجيعه، في القرن التاسع عشر. 1- أولاهما: القاديانية، التي نشأت في ظل الاستعمار الانجليزي للهند.. و هذه نؤجل الكلام عنها الآن، لنتفرغ للثانية.. 2- و ثانيتهما: البابية ثم البهائية: التي انبثقت من الوسط الشيعي المسلم في أرض فارس، مستغلة الانحرافات و الخرافات التي سادت الوسط الشيعي، و هيأت النفسية الفارسية الشيعية لتقبل الأفكار الغريبة المنحرفة.. التي استنكرها المذهب الشيعي نفسه و حاربها، فكريا، و رسميا.. و قد كانت محاربة الحكومة لهذا المذهب أو لهذه الفرقة ابان نشأتها، مما ساعد علي انضمام الكثيرين لها، لا حبا فيها، و لكن كراهة و عنادا للحكومة، و ظلمها للشعب.. [ صفحه 6] كما كان لاحتضان الاستعمار لها - و لا سيما الاستعمار الروسي - و هي لا تزال جنينا، اليد الأولي الفعالة في نشأة هذه الفرقة و ظهورها ثم في نشاطها المخرب حتي الآن.. مما ستعرفه [5] . و قد أدي هذا كله الي استيلاء الغرور علي دعاة هذه الفرقة، فأعلنوا سريعا انفصالهم عن الاسلام نهائيا، حيث أدعوا لهم أنبياء، و كتبا نزلت عليهم من عند الله، يتبعونها، و لا يتبعون القرآن، و ادعوا لهم شريعة و منهجا، يغري بسطاء العقول، ممن يريدون التخلص من تكاليف الأديان، و في مقدمتها الاسلام. و جعلوا لهم مراسم عبادية خاصة، و سنة و شهورا و أعيادا خاصة بهم، و محافل للعبادة خاصة كذلك، مما يعني أنه دين جديد، يخالف كل الأديان.. و يدعو الي نبذها.. و لا سيما الاسلام، الذي قاموا أصلا لحربه و القضاء عليه، و وجدوا و لا يزالون يجدون من أعدائه كل عون في الغرب و الشرق.. فهم لم ينسوا الأصل الفاسد في وجودهم، كما أنهم لا يمكنهم التنكر للمساعدات التي بذلت و تبذل لاستمرارهم في أدائهم لمهمتهم، حتي صاروا حربا مع الاسلام، و علي مصالح المسلمين في المجتمعات و المحافل الغربية و أينما وجدوا. لذلك كان خطر هؤلاء خطرا دينيا، و خطرا قوميا و وطنيا في آن واحد، يجب أن يتصدي له المسلمون و المسيحيون المقيمون معنا في وطن واحد.. و يعرفوا أن اعتناق المسلم أو المسيحي للبابية و البهائية أو مساعدتها، ردة دينية و خيانة وطنية معا، تعني الانسلاخ عن دينه، و نزع ولائه لوطنه. و لا يقرنا ما يبدو من هؤلاء أحيانا من مسحة وطنية، فتلك هي الخطة التي يسيرون عليها، ليعيشوا بيننا و يبثوا سمومهم.. و هم منسلخون تماما عن دين الأمة و آمالها.. مرتبطون فكريا و ماليا بمراسم دينهم و بزملائهم في دينهم، في أي مكان، نابذين لكل التعاليم الاسلامية و المسيحية. مالم تأت في كتابهم «الأقدس».. و اذا كانت قوانيننا في مصر عاجزة حتي الآن عن ملاحقتهم دينيا، فمن الضروري [ صفحه 7] سد هذه الثغرة، مع ملاحقتهم وطنيا و اجتماعيا، هم و غيرهم ممن يبثون سمهم البطي‌ء في جسم الأمة [6] . اننا دولة اسلامية.. و منطق الاسلام لا يقر دينا غير دين أهل الكتاب، و لا يسمح بدين آخر يزاحمه في أرضه. كما لا يسمح بأهل هذا الدين الآخر الغريب أن ينتسبوا الي مصر. فمن المرفوض أن يكون هناك مصري هندوسي أو بوذي أو بهائي.. يأخذ ما للمصرين المسلمين و المسحيين و اليهود من حقوق.. بدعوي قرارات للأمم المتحدة.. فقرارات الاسلام عندنا فوق أية قرارات تتخذها أية هيئة من الهيآت في العالم و لا سيما المناوئة لديننا، و من الضروري علي ممثلينا في هذه الهيآت أن يتحفظوا علي كل قرار يصدر من هذه الهيآت مخالف لتعاليمنا الدينية. ان البهائيين أهل دين و مذهب جديد مشبوه منذ ولادته.. و من الواجب علينا هنا في مصر علي الأقل أن نرفض - مسلمين و مسيحيين - أن يقوم بيننا دين أو مذهب جديد هدام، أو يقوم من بين المصريين انسان يعلن أنه ينتسب لهذا الدين أو المذهب المشبوه و نعطيه ما يأخذه المصري السوي، لأنه بذلك لا ينسلخ عن دين البلاد فحسب، بل ينسلخ كذلك عن قوميته و وطنه: مصر، و أصبح غير جدير بلقب «المواطن» و لا بحقوقه. و لينزل في مصر ضيفا أو زائرا، كما يزورها الزائرون من كل جنس و دين و مذهب، أما أن يكون مصريا بهائيا فذلك أقرب ما يكون الي خرق النواميس، و تكليف الأمور ضد طباعها.. و مكلف الأشياء ضد طباعها.. متطلب في الماء جذوة نار ليس هذا حكما حماسيا، و لكنه حكم منطقي ستجد حيثياته فيما ستقرؤه في هذا الكتاب، الذي يعتبر الكتاب الثالث من السلسلة التي رأيت اصدارها، لتعريفك [ صفحه 8] بالفرق التي نبتت في أرض الاسلام، بلغة سهلة، لتكون علي دراية بالجو الذي تعيش فيه. و بالذين يعيشون حولك و تعرف مصدر السهام التي توجه الي وطنك و الي عقيدتك - عقيدة أهل السنة و الجماعة - لتحمي نفسك من هذه السهام ومن آثارها، و الله المستعان. الدكتور عبدالمنعم أحمد النمر [ صفحه 9] نشأة هذه الفرقة
نشأت هذه الفرقة علي مرحلتين، بدأت بالبابية، و انتهت الي البهائية. أنشأ البابية و دعا اليها الشيعي المسلم «علي محمد الشيرازي» الذي اتخذ لنفسه لقب «الباب» يعني أنه باب «أو سكرتير أو حاجب» المهدي المنتظر، و المتحدث باسمه.. و لقب الباب «لقب قديم، كان يلقب به أقرب أصحاب الامام اليه، و المتحدث باسمه، حين وجود الأئمة الشيعة، فلما انتهوا باختفاء الامام الثاني عشر «محمد بن الحسن العسكري» سنة 260 ه الذي أطلقوا عليه لقب الامام الغائب و لقب «المهدي المنتظر»، جاء هذا الدعي بعد أكثر من ألف سنة، و أطلق علي نفسه أنه بابه المتحدث باسمه، حيث وجد من جو الأفكار و العقائد التي تغشي جمهرة الشيعة حول الامام و المهدي ما يسمح له بأن يدعي هذا الادعاء، و يجد من يصدقه، و يلتف حوله.. فسميت دعوته «بالبابية».. فالناس حوله مثله يؤمنون بالمهدي المنتظر - الطفل الذي كان عمره خمس سنوات و مات - و ادعي من حوله: أنه نزل في السرداب [7] و اختفي، و سيعود في يوم من الأيام.. و هم في انتظار عودته و ظهوره، و يأتي منهم باستمرار وفودا الي مكان اختفائه في مدينة «سامراء» التي كانت تسمي في عهد العباسيين «سر من أري» و يتخذونها عاصمة أحيانا، و يقفون و يدعون «عجل الله ظهوره و فرجه» و ينتظرون ظهوره، حتي تغيب الشمس، ثم يعودون لبلدهم، و هكذا تستولي هذه العقيدة تماما علي هؤلاء الشيعة الأثني عشرية في ايران و غيرها... و ان كانت مظاهرها قد خفت الآن. لكن [ صفحه 10] انتظار «المهدي» جزء من عقيدتهم.. فيأتي «علي محمد الشيرازي» و يستغلها، و يدعي أنه «باب» المهدي المنتظر، المتحدث باسمه.. و يجد من يصدقه - و لكل ساقطة في الحي لاقطة. برغم أن علماء المذهب أنفسهم كذبوه و عارضوه و حاربوه.. و تذكر الكتب التي تؤرخ له، و منها كتب البابية و البهائية: أن اسمه «علي بن محمد ابن رضا الشيرازي» نسبة الي مدينة «شيراز» الفارسية أو الايرانية التي ولد فيها سنة 1235 ه - 1820 م.. و يوضع قبل اسمه أحيانا كلمة «ميرزا» و هو لقب تشريف، يذكر مع الأسماء التي لا تنتسب لآل البيت، أما المنتسبون لآل البيت فيسبق اسمهم: كلمة «السيد»، تعني أنهم من السادات، المنتسبين لآل البيت و كلمة السيد أعظم تشريفا للشخص من كلمة «ميرزا» لأنها تعني أنه من آل البيت، أما «ميرزا» فللعائلات الكبيرة من غيرهم.. و بعض كتب البهائية تذكر عنه أنه «داء ميرزا علي» و كذلك اسم أبيه و جده و خاله يذكرون قبله كلمة «ميرزا» و هي لقب تشريف، ولو كان من الأشراف ما تنازلوا أبدا عن ذكر كلمة «السيد» اذ أن ذكر لقب «ميرزا» يعتبر تنزيلا له عن درجة السيد، و ما كان أتباعه و المؤرخون المشهورون بولائهم له، ليفعلوا ذلك بالنسبة له و لأسرته. لأنهم كانوا أحرص الناس علي تلقيبه «بالسيد» و تلقيبهم جميعا لو كانوا من السادات.. لكن بعض المحبين الموالين له يدعون أنه من آل البيت، و أنه «سيد». لتصدق دعواه، حين ترقي في ادعائه، أنه «المهدي» المنتظر، لأن بعض الروايات التي جاءت عن المهدي تذكر أنه سيكون من آل البيت.. فلابد أن يصحح دعواه، و يدعي أنه من السادات، و يدعي أبناء له ذلك. و يظهر أن هذا الادعاء جاء متأخرا، حين تهيأ له الجو ليترقي من ادعاء أنه باب المهدي المنتظر، الي المهدي نفسه.. حتي لا يعارضه المعارضون بهذه الرواية [8] . [ صفحه 11] و نحن لا يضيرنا كثيرا أو قليلا أن يكون «ميرزا» أو «سيدا» من آل البيت، بل ان ادعاءهم أنه من آل البيت يزيد من أوزاره، التي حملها بدعوته الخارجة علي دعوة جده الرسول عليه الصلاة و السلام، و تجعله سبة في السلالة الطاهرة... اذ كان عليه - و هو يدعي هذا الانتساب، أو يدعي له - أن يحافظ علي شرف هذا الانتساب و مقتضاه، و يحافظ علي الدعوة التي دعا اليها الرسول، لا أن يقوم هو بنقض هذه الدعوة، و الخروج كلية عنها، و عن تعاليمها و أصولها.. لكن باب الادعاء مفتوح، يدعيه زورا كل من أراد أن يتسلح به لحاجة في نفسه، كما أدعاه صاحبنا هذا «ميرزا علي محمد الشيرازي» ليتاح له ادعاء أنه «المهدي المنتظر»، و قد عاصرت و أنا شاب ما فعله نقيب الأشراف في مصر «السيد الببلاوي» حين كتب للملك فاروق - و هو أصلا من أسرة البانية أوروبية - وثيقه و شجرة نسب، بأنه شريف من آل البيت، تقربا و زلفي اليه، و أنكر ذلك عليه علماء الأزهر و الشعب كله، و ان لم يستطيعوا اعلان هذا الانكار و قتذاك في وجه الملك. و قد أتيح لي حين اقامتي بالهند للتدريس في احدي جامعاتها الاسلامية «دار العلوم ديوبند» 1956 - 1958 م و زيارة الكثير من مدنها و قراها، شمالا و جنوبا، و شرقا و غربا، أتيح لي أن أعرف كثرة المنتسبين للسادات و الأشراف فيها، و المنتسبين للخلفاء الراشدين: الصديقي، و الفاروقي و العثماني، انتسابا لأبي بكر الصديق، و عمر الفاروق، و عثمان، رضي الله عنهم، مما لا نجده في البلاد العربية نفسها، و في مقدمتها: مكة و المدينة.. مما يدل علي ظاهرة الادعاء و شيوعها لحاجة في النفوس دنيوية. و الا فالرسول صلي الله عليه و سلم قد قال لأهل بيته «لا يجيئني الناس بالأعمال و تجيئونني بالأنساب» و قال «اعملي يا فاطمة فاني لا اغني عنك من الله شيئا» و هذا في الآخرة.. أما في الدنيا فالادعاء قد يأتي بمكاسب كثيرة لا سيما في بعض الأوساط، كما لاحظت في الهند.. و في البلاد غير العربية.. مما جعل صاحبنا، يتاجر بهذا الانتساب، لتحقيق أهدافه.. و الذي ركب متن الشطط من أول خطوة، و ادعي أنه له صلة بالمهدي المختفي، يتلقي منه الأوامر، لا يصعب عليه أي ادعاء بعد ذلك في سبيل الوصول الي غرضه.. [ صفحه 12]

نشأة الباب

اشاره

كان ظهور الباب في القرن الماضي، و بالضبط سنة 1844 م، و جاء بعده البهاء و أولاده، و انتشر مذهبه و شغل الناس به، و لذلك كثرت المراجع التاريخية عنهما و عن دعوتهما.. و تكاد هذه المراجع سواء منهما كتبها البابيون و البهائيون أنفسهم، و ما كتبها غيرهم تلتقي في أغلب تفاصيل نشأته و تاريخه، و نحن لا نريد أن نتوسع في هذه التفاصيل، الا بالقدر الذي يفيدنا في التعرف علي شخصيته و دعوته.. فأحد كتبهم، و هو «مقالة سائح في البابية و البهائية» يقول: «كان الباب شابا تاجرا من السلالة النبوية (!!) ولد في أول المحرم 1235 ه فلما مضت بضع سنين من ولادته توفي والده المدعو «السيد محمدرضا» فكفله خاله.. ثم يقول «و لما بلغ خمسا و عشرين سنة، ظهر من حركاته و أطواره (و هو بشيراز) آثار دلت علي أن له شأنا آخر، و أن في سره انجذابا غير معهود، ثم ابتدأ الأعراب و البيان مدعيا أنه «الباب»، يقصد بتلك الكلمة أنه واسطة فيوطات من شخص عظيم، لا يزال خلف حجاب العزة، حائز لكلمات لاعداد لها (يعني المهدي) و أنه متحرك بارادته، و معتصم بحبل ولائه، و في تفسيره لسورة يوسف (و هو أول تفسير حرره [9] نادي ذلك الشخص الغائب الذي منه استفاد و استفاض.» و قد طوي هذا الكتاب البهائي تفاصيل حياته الأولي، بينما تكفلت كتب أخري كثيرة بها.. [ صفحه 13] و هي تكاد تتفق علي تاريخ ميلاده في «شيراز»، و أنه ما لبث أن توفي والده و هو طفل، تكفله خاله «الميرزا علي الشيرازي» و كان من كبار تجار «شيراز»، و وفر له كل عون مادي و أدبي، ثم لما بلغ السادسة عهد به الي الشيخ محمد الشهير بالعابد، أحد تلامذة السيد كاظم الرشتي المحترف لمهنة تأديب النش‌ء [10] . و قد تعلم القراءة و الكتابة، و تعلم شيئا من العربية، و النحو الفارسي الا أنه برع في الخط براعة مدهشة، فكان فيه أعجوبة زمانه. و لكنه كان يبدو منه العزوف عن التعلم، فأخرجه خاله، و أشركه معه في تجارته، ثم انتقل به الي «بوشهر» المدينة الساحلية للتجارة، حتي بلغ سن سبعة عشر عاما من عمره... و هنا اتصل به أحد تلامذة الرشتي: (السيد جواد الطباطبائي الكربلائي، و لازمه مدة، و أخذ يلقي في مسامعه تعاليم «الشيخية» «و الرشتية الكشفية» [11] ، و يوهمه بأنه «يظهر من سيماه و محياه: أنه هو ذلك الموعود الذي أخبر بقرب ظهوره «الرشتي و من قبله «الاحسائي» [12] . و قد تأثر الصبي بذلك أيما تأثر، و لمع في نفسه المجد الذي يحصل عليه لو ادعي أنه «المهدي».. فظل يشغل باله. و ربما كان هذا هو الذي دعاه لأن يشغل نفسه مع التجارة، بدراسة شي‌ء عن العلوم الدينية و الصوفية و الرياضية التي لا تقف عند حدود الأرقام، و انما كانت تهدف الي فن تسخير روحانيات الكواكب، مما كان مشهورا في زمنه، و معرفة الأعداد التي تدل عليها حروف «الأبجدية»، المعروف «بحساب الجمل»، و ما ترمز اليه.. و اخذ نفسه برياضات بدنية شاقة و غريبة، كالوقوف في حر الشمس فوق سطح بيته و الحرارة تبلغ نحو 42 درجة في «شيراز» و هو عاري الرأس و البدن لساعات و ساعات، حتي كان يعتريه الذهول و الوجوم، حتي قد تأثر عقله بهذا» [13] . و قد كان الشباب في جيله شغوفا بفن تسخير الروحانيات، و حساب الجمل، و هو ما تدل عليه حروف «أبجد هوز.. الخ» من أعداد، و يبذلون في سبيل هذه الرياضيات [ صفحه 14] الجهود و الأموال و المتاعب، مع العزلة و الخلوه، و قد استغرق «علي محمد الشيرازي» في هذه الناحية و في الأوراد و الأذكار حتي استولي عليه الذهول و الاضطراب، و الشذوذ في التفكير، فخاف عليه من هذا الشذوذ، و خشي أن تتطور به الأحوال الي أكثر من هذا، مما لا تحمد عقباه، فرأي أن الأمر يستدعي نقله الي جو آخر، و يحقق له رغبته في زيارة العتبات المقدسة في «كربلاء و النجف بالعراق».. حيث الجو و الهواء الصالح، لعله يترك فيها ما هو عليه.. فأرسله اليها، و كان عمره اذ ذاك نحو عشرين عاما.. و كان قد تزوج و هو في الثامنة عشرة، و رزق ولدا.. لم يلبث أن توفي 1843 م فأصيب بصدمة أثرت علي عقله و تصرفاته، و رأي خاله أن هذه الرحلة ربما تخفف عنه.

في كربلاء

و لما وصل كربلاء و استقر فيها، كان من الطبيعي أن يزور مدرسة «ترجمان الحكماء المتألهين و لسان العرفاء و المتكلمين، العالم بأسرار المعاني و المباني الشيخ أحمد الاحسائي. و التي كان يرأسها تلميذه - السيد كاظم الرشتي بعد وفاة الاحسائي - فبدأ يدرس أفكاره، و أفكار الشيخية، فوجدها ملائمة لأهوائه و أفكاره، و للتلبيسات التي تلقاها و هو صبي، من معلمه «السيد جواد الطباطبائي» و المعلم «عابد» [14] فازداد شغفا بها و اقبالا عليها.. و كانت أفكاره هذه المدرسة الاحسائية الشيخية الرشتية أفكارا متطرفة شاذة في كربلاء تجد معارضة و هجوما عليها من العلماء و المتدينين فيها من الشيعة.. و لذا يحسن أن نلقي ضوءا عليها.. [ صفحه 15] الشيخ احمد الاحسائي
يقول السيد عبدالرزاق الحسني عنه في مؤلفه: [15] . «كان للشيخ الاحسائي في بداية هذا القرن الثالث عشر الهجري» مكانة سامية، و ذكري شهيرة في أنديه العلم، و محافل التدريس، في كربلاء و النجف و ايران.. الخ، و هو مؤسس الطريقة الشيخية في مذهب الشيعة الامامية.. و أصله من الاحساء - في المنطقة الشرقية من المملكة السعودية الآن - و قد أقام القرامطة من قبل دولة لهم فيها - و لا يزال لهم فيها بقايا. ولد فيها سنة 1166 ه - 1753 م [16] و تثقف بها، و هي منطقة يكثر فيها الشيعة حتي الآن.. و لما بلغ الأربعين هاجر الي كربلاء و النجف و أخذ العلم عن السيد بحر العلوم، و الشيخ كاشف الغطاء، و أخذ منهما الاجازة ليصبح من المجتهدين، و تفوق علي جميع أقرانه.. و تنقل بين كربلاء و ايران، و ذاع صيته و فكره في القطرين.. و لكن بدأ يتكلم بآراء شاذة تخالف ما عليه العلماء في المذهب، و بذلك صار له خصوم كثيرون، و اشتدت هذه الخصومة الي حد لم يستطع معها البقاء في كربلاء، فباع كل ما يملك، و ارتحل هو و أسرته الي أرض الحرمين، و توفي و هو متجه للمدينة قريبا منها سنة 1242 ه - 1827 م، و دفن بالبقيع. و كان يعتبر مجددا للفكرة الباطنية، يحيط الغموض بأفكاره، و ينحو بها نحوا غير معتاد لدي علماء الشيعة أنفسهم الأثني عشرية، و يعد القول بها خروجا علي قواعدهم.. و هرطقة في الدين، و مع ذلك كان له طلاب و مريدون في العراق و ايران، و لا عجب، فلكل ساقطة في الحي لاقطة. و من آراء مدرسته أن الحقيقة المحمدية تجلت في الأنبياء قبل محمد صلي الله عليه و سلم تجليا ضعيفا، ثم تجلت تجليا أقوي في محمد، و الأئمة الاثني عشر، ثم اختفت زهاء ألف [17] سنة، ثم [ صفحه 16] تجلت في الشيخ أحمد الاحسائي، ثم في كاظم الرشتي و خلفائه، و هذا التجلي هو أعظم التجليات لله. فالأنبياء و الأئمة، و الشيخ الاحسائي و من بعده هم شي‌ء واحد، يختلفون في الصورة، و يتحدون في الحقيقة، التي هي «الله» ظهر فيهم.. و معني الرسالة و الأمامة عندهم: أن الله تجلي في هذه الصور، فمنهم رسول، و منهم امام، و يعتقدون أن اللاحقين أفضل من السابقين، و علي هذا فالشيخ أحمد في رأي أصحابه أعظم من جميع الأنبياء و المرسلين - لأنه حاز كمالاتهم و زاد عليها - و يعتقدون بالرجعة، و يفسرونها بأن الله بعد أن غاب عن صور الأئمة، رجع و تجلي تجليا أقوي في الركن الرابع الذي هو الشيخ أحمد و من يأتي بعده» [18] . و الاحسائي من الشيعة الحلولية الذين يعبدون عليا، و اعتقادهم في القيامة اعتقاد باطل يخالف نصوص القرآن و السنة، و اجماع الأمة، اذ يقولون ان البعث روحاني لا جسماني. و كان يركز في دعوته علي قرب ظهور المهدي، و يدعو الناس الي أن ينتبهوا من غفلتهم، و يهيئوا الطريق للذي سوف يظهر بينهم عند تمام الأيام» [19] . و لم يكن في قوله هذا و لا في آرائه الأخري موافقا لما عليه الامامية الاثنا عشرية، من انتظارهم للمهدي المختفي، بل كان يدعو الي أنه سيظهر من بين الأحياء الموجودين ظهورا عاديا، و كأنها كانت خطة مرسومة تمهد لانسان يدعي المهدية، فيثير الخلافات الواسعة.. و لذلك نري بعض الذين أرخوا للاحسائي ينكرون أنه من الاحساء استنادا علي تقارير للمستشرقين تقول «انه لم يكن من الاحساء، و انما كان قسيسا غربيا أرسل من أندونسيا حسب خطة مرسومة لافساد العقيدة و تغيير أحكام الدين» [20] و ادعي أنه من الاحساء.. [ صفحه 17] و هذا ليس ببعيد، فقد كان هذا العصر هو بدء اليقظة الاسلامية، التي خشيها المستعمرون و أعداء الاسلام الذين يحكمون العالم الاسلامي، فأخذوا يسلطون عليها سهامهم، ليقضوا عليها، أو يشغلوها و يعطلوها بهذه المعارك الجانبية بين المسلمين، و ستأتي وثائق تدل علي اتصال هذه المدرسة الشيخية و من بعدها الكاظمية الرشتية، و من بعدهما البابية و البهائية، بالمستعمرين الروس و غيرهم، كما دلت علي ذلك التقارير الأجنبية [21] .

كاظم الرشتي

اشاره

بعد رحيل الشيخ أحمد الاحسائي عن كربلاء الي الحجاز، فرارا من موقف الرأي العام الشيخي ضده، و ضد أفكاره المنحرفة، ثم وفاته قرب المدينة، و دفنه بالبقيع، تولي أمر مدرسته و طائفته أبرز تلامذته، و أشدهم قربا اليه، و التصاقا به، و ترويجا لأفكاره، و هو «السيد كاظم الرشتي» الذي كان لا يفتأ يخترع الأقاويل لتأييد شيخه، كما يفعل مريدو الشيخ الصوفي من اختراع الكرامات، تأييدا و ترويجا له. كما نعرف.. فقد أطلق مقولة عن شيخه تقول: ان مولانا رأي الامام الحسن عليه‌السلام ذات ليلة يضع لسانه المقدس في فمه، فمن ريقه المقدس، و معونة الله، تعلم العلوم، و كان في فمه كطعم السكر، و أحلي من العسل، و أطيب من رائحة المسك، و لما استيقظ أصبح في خاصته محاطا بأنوار معرفة الله، طافحا بأفضاله.. الخ» كما كان يطلق الأقاويل و الردي التي تنطلي علي العوام لتأييده؛ مما لا نري داعيا لذكرها هنا [22] . و قد ولد في مدينة «رشت» الايرانية سنة 1205 ه - 1790 م. و لما بلغ السادسة و العشرين، التقي بالشيخ أحمد، و رافقه في تنقلاته، متتلمذا عليه، متشبعا بأفكاره، حتي صار من أشد تلامذته تحمسا لها، و دعوة اليها. و قام بالاشراف علي مدرسته و طائفته بعد رحيله بوصية منه.. [ صفحه 18] و نظرا لأن أفكار هؤلاء لا ضابط لها، و لا قواعد تنبعث منها، الا ما يريدون قوله، و بثه في الناس بناء علي حريتهم في التأويل، رأينا «كاظم الرشتي» لا يلتزم أراء شيخه تماما، بل يعمل علي تأسيس طريقة له، علي أساس الطريقة الاحسائية مع زيادات عليها.. سميت بالطريقة «الكشفية» أي أن علمه يأتي عن طريق الكشف.. و قد ركز في كلامه علي قرب ظهور «المهدي»، و أنه واحد ممن يحيطون به و يجلسون في مجلسه، حتي كان يعينه بأوصافه، و يلقي في روع أحد تلامذته، أنه سيكون المهدي لتقارب الأوصاف! و لم يكن هذا التلميذ الا «ميرزا علي محمد - الباب». و من أقواله التي كان يرددها دائما: «ان الموعود يعيش بين هؤلاء القوم، و ان ميعاد ظهوره قد قرب، فهيئوا الطريق اليه، و طهروا أنفسكم حتي تروا جماله، و لا يظهر لكم جماله الا بعد أن أفارق هذا العالم، فعليكم أن تقوموا علي طلبه، و لا تستريحوا لحظة واحدة حتي تجدوه» [23] و كأنها - أو كانت بالفعل - خطة موضوعة، وضع أساسها الاحسائي، ثم زادها الرشتي قوة و شيوعا، فكان «ميرزا علي محمد». تصديقا لما قاله أستاذاه، و كان أنصارهما أنصاره. فقد رأي فيه «الرشتي» ضالته المنشودة، لينفخ فيه أنه «المهدي»، لما رآه فيه من انطواء و ذهول، و تهجد، و تقشف، و اعتكاف باستمرار، في زوايا المدرسة و المسجد و أن في شخصيته اهتزازا يجعله يصدق ما يقال له بسهولة. و قد نقل «الميرزا جاني الكاشاني»، أقدم و أوثق المؤرخين البابيين، الذي قتل لبابيته، في كتابه: أن السيد كاظم كان كثيرا ما يشير بالكناية و التلويح الي أن المهدي هو «الميرزا علي محمد الشيرازي» و كان يردد الأبيات، واصفا عمره الصغير بالعربية: يا صغير السن يا رطب البدن يا قريب العهد من شرب اللبن [24] . [ صفحه 19] و يقول: ان «الميرزا علي محمد» كان جالسا عنده يوما، و كانت أشعة الشمس تدخل الغرفة من جهته، فقال: ان ولي الأمر (المهدي) طالع مثل هذه الشمس المنيرة التي تنير الغرفة من هذا الباب، و أشار لناحيته، ففهم الحضار أن المقصود كان الميرزا «علي محمد». و أيضا ذكر الكاشاني و غيره: «أن الرشتي مع شيخوخته و كبر سنه و مقامه، كان يكرم «الميرزا علي محمد» الشاب، و يجله الي أن كان يحير الآخرين، و يجعلهم في ريبة و شك!! و كان يومي‌ء اليهم بأن هذه الاحترامات لا تليق الا بشخص يكون هو الموعود» [25] . و كان الميرزا يتمتع بقسط كبير من الجمال و النضارة في صغره و شبابه.. فبرز بين أتباع الرشتي كشخص مرموق، و أخذت الأنظار تتجه اليه في انتظار المهدي.. و قد ألهب الرشتي تلامذته بفكرة المهدي و قرب ظهوره، فأصبحوا يتطلعون اليه، و يجوبون الفيافي و الأقطار بحثا عنه، و هم يطلبون من الله أن يعجل بظهوره.. و أخذت الفكرة المدبرة تقترب من ذروتها.. و يدلل الاستاذ «احسان» علي قيام مؤامرة لتدبير هذه الفكرة - فكرة المهدي، بما نقله عن المؤرخ البهائي أواره من «أن الميرزا «علي محمد الشيرازي» كتب من «بوشهر» الي خاله في «شيراز» عن أمور التجارة و ما يتعلق بها، و بعد توصيته بأمه، قال له: أعلموا الطلاب أن الأمر لم يصل الي حد البلوغ بعد، و لم يأت زمانه.. الخ» فأي أمر هذا الذي لم يأت زمانه؟ و المعروف بينهما؟، ألا يدل هذا علي أن الخال كان شريكا في هذه المؤامرة؟. و يفهم المراد من كلمة «الأمر».. «و البلوغ» يعني الوقت المناسب لاذاعة الأمر؟. و هو يحذر في هذا المكتوب من أن يقول أحد عنه خلاف ما هو عليه من اتباع الفروع و المعتقدات الاسلامية» و لم يكن قد أدعي المهدية بعد!! و قد توفي الرشتي عام 1245 ه 1843 م.. [ صفحه 20] و كان «ميرزا علي محمد» قد رجع من كربلاء الي «بوشهر» حيث تجارته، و أخذ يشتغل بتأليف الخطب و الأدعية، فلما بلغه نبأ وفاة «الرشتي» طوي بساط تجارته، و عاد الي «شيراز» موطنه الأصلي، حيث وافاه هناك بعض أصحابه و علي رأسهم «الملا حسين بشروئي» من العراق، فكاشفه بأمر الدعوة التي يريد أن يجهر بها، فكان أول المؤمنين به المشجعين له، و لذا أطلق عليه «باب الباب» فكان الميرزا هو الباب، و صاحبه المقرب اليه «باب الباب». و كان ذلك في الساعة الثانية بعد غروب شمس الرابع من جمادي الأولي 1260 ه - 1844 م فاعتبر هذا اليوم «عيد المبعث» الذي جهر فيه بدعوته، و كان بدءا لتاريخ اتخذوه خاصا بهم.. و كان عمره 25 سنة و أربعة أشهر. و البابيون يعظمون هذا اليوم و يقدسونه و يمتنعون عن العمل فيه [26] .

بعد الرشتي

فبعد وفاة الرشتي، لم يجد مريدو طريقته شخصا من تلامذته، يجمعون عليه، و يلتفون حوله، كما حصل بعد وفاة الاحسائي.. لكن كان هؤلاء يسمعون من أستاذهم و شيخهم «الرشتي» تلميحات حول «الميرزا علي محمد» بأنه المنتظر - كما ذكرنا ذلك قريبا - و كان صغير السن، في أوائل العشرينات، و قد ترك العراق و سافر الي ايران - بوشهر - قبل وفاة الرشتي.. و لذلك وجدنا الكثير منهم يتجه نحو «الميرزا» هذا، و كان في مقدمتهم و علي رأسهم «الملا حسين بشروئي» أشدهم حماسا له و تأييدا، كما سبق. و يقول «أسلمنت» أحد مؤرخي البابية «لم يمض الكثير من الزمن حتي شاركه (أي البشروئي) في هذا الحماس كثير من الأصحاب، و حتي آمن بالباب أغلب «الشيخية»، و تسموا باسم البابيين و ابتدأت شهرة الباب الغلام تنتشر» و اجتمع حوله منهم ثمانية عشر.. في مقدمتهم «باب الباب» البشروئي.. و قد ذكرت الكتب أسماءهم مع خلاف بسيط في بعضهم.. [ صفحه 21] و لم ينازعه في دعواه من الشيخية البارزين الا «الحاج كريم خان بن ابراهيم خان الكرماني»، حيث لم يعترف بزعامة الشيرازي - الباب - للشيخية، و ادعي لنفسه النيابة الخاصة للامام الغائب بعد وفاة الرشتي، و كتب الردود العنيفة علي الشيرازي و دعواه البابية و المهدوية، مع اقراره و اعترافه أن المهدي سيولد من جديد لمذهب الاحسائي و الرشتي. و لكن لا يكون هو الشيرازي هذا. فالتف حوله الأقليه من الشيخية، و عرفوا بعد ذلك: بال «كريمخانية».. و تسلسلت زعامة الطائفة في ذريته.. و قام آخر و هو «الميرزا شفيع» فادعي النيابة الخاصة للامام الغائب، و رياسة الرشتية الشيخية و التف حوله جماعة، و سموا أنفسهم «بالشيخية».. و هكذا تفرقت الشيخية الرشتية بعد وفاة الرشتي الي ثلاث فرق، كان أظهرها فرقة البابية. اهم عقائد الشيخية الرشتية
و يهمنا هنا أن نذكر العقائد و الأفكار التي تبناها الشيخ أحمد و تلميذه و خالف فيها الشيعة الاثني عشرية و قام من أجلها خلاف حاد بينه و بينهم مما أدي به الي الفرار الي الحجاز و موته قبل أن يصل للمدينة، و تبناها تلميذه الرشتي فكانت خير تمهيد لظهور الباب. و كأنها كانت أمرا مقصودا لزرع هذا الخلاف، مما يقوي وجهة نظر الذين يقولون ان الاحسائي لم يكن من أهل الحسا و لكنه قسيس أرسل للمنطقة ليمثل هذا الدور و يزرع هذا الخلاف.. فقد تابعه فريق و خاصمه فريق، اشتد النزاع بينهما الي حد سفك الدماء [27] و كان من عقائد الشيخ أحمد و مدرسته أن المعصومين أربعة عشر. هم النبي صلي الله عليه و سلم و فاطمة و الأئمة الاثنا عشر. هم علة تكوين العالم و سبب وجوده، و هم الذين يخلقون و يرزقون و يحيون [ صفحه 22] و يميتون، و ان كان الله في الحقيقة هو المحيي و الرازق الا أنه لعزته لا يباشر الأمور بنفسه و لكنه يتركها لهؤلاء المعصومين [28] . أن الانسان اذا صنعت نفسه من الأكدار أمكنه أن يتصل بهؤلاء المعصومين، فيوحي له المعصوم بالعلم الغزير و يكشف له الحجب، و ادعي أنه وصل الي هذا. أن للانسان جسدين: جسد لطيف هو رقليائي يمثل مادة الانسان و جوهره الأصيل، و جسد «صوري» يتكون من الأجزاء الفضلية في جسم الانسان، فاذا مات الانسان اندثر جسده الصوري، و بقي معدنه و جوهره و هو الذي يعود له يوم القيامة و هو الذي عرج به «الرسول» [29] . و هو الذي غاب به الامام الثاني عشر (المهدي) و سيعود الي هذا العالم في صورة شخص من أشخاصه. يعني يعود بالولادة كسائر الناس، و هذا هو موضع خلاف بينه و بين الشيعة الاثني عشرية، و كأنه كان يمهد لاختيار هذا المهدي من بين أتباعه، كما حصل من الرشتي بعده حين وجه الأنظار لعلي محمد، ليكون المهدي، و قد كان الاحسائي حين يتنقل في ايران أو البلاد العربية يختار نفرا من مريديه و يؤكد لهم أن الغائب حين يحضر سيغير الكثير من العقائد و التعاليم. و حين أوصي بالرشتي ليكون خليفته كان علي طريقته بالطبع، و أخذ يشير يقرب ظهور المهدي من واحد منهم، كما فعل مع الباب. معني الباب و أصل فكرته
هذا اللقلب «الباب» لا يعرفه و لا يتداوله أهل السنة، و انما هو وليد الوسط الشيعي من قديم.. و انتقل كذلك الي بعض الصوفية.. كدلالة علي شخص يعتبر بابا لمعرفة المجهول المختفي.. من الأخبار و الأسرار.. و قول الشيعة بالامام الظاهر أو الغائب، أو المختفي، جعلهم يقولون بوجود نائب عنه، يقوم مقامه، و هو «باب» بين الامام، [ صفحه 23] و بين المؤمنين به.. يتحدث باسمه، و يترجم عن آرائه و أخباره.. مثل المتحدث الآن باسم الرئيس، أو الحكومة.. و قد تتبع الأستاذ احسان ظهير في مؤلفه «البابية» استعمال هذه الكلمة من قديم، مما يحسن أن أضع أمامك موجزا منه [30] يزيد هذا اللقب وضوحا.. فبعد أن تحدث عن عقيدة الشيعة في الامام الغائب الذي قالوا عنه: انه المهدي المنتظر، و أنه سيعود و يظهر، ليملأ الأرض عدلا الخ بعد استتاره و غيبته لكن مع أنه غائب و مستور الا أن من الناس من له اتصال به، يكون واسطة بينه و بين شيعته، لأن الناس - في رأيهم - يحتاجون الي هداية و رشد دائما، فلابد من شخص يهديهم بهدايته (أي هداية الامام الغائب أو المهدي المستتر) بالاتصال به مباشرة و بلا واسطة. فالذي يكون واسطة يسمونه «بالشيعي الكامل» أو المؤمن الكامل، أو «الباب». و تسمي الوساطة هذه بالبابية. و هذا «الباب» أو الواسطة بين الشيعة و الغائب، هو الذي يبلغهم أحكامه و ارشاداته، و يأخذ منهم النذور و الخمس باسمه الخ.. بينما الشيعة الاثنا عشرية تقول بانقطاع الاتصال بالامام الغائب من سنة 329 ه.. بعد هذا يقول: «ان كلمة «الباب» كانت شائعة معروفة في جميع الأوساط [31] الشيعية، و ينقل عن دائرة المعارف الاسلامية تحت عنوان «باب» و عن غيرها من دوائر المعارف: أن النصيرية الاسماعيلية تسمي سلمان الفارسي «الباب». و يطلق الدروز اسم الباب علي الوزير الروحاني الأول الذي يشمل العقل الكلي» و يقولون ان الباب يكون معصوما من الأخطاء، وافاداته كافادات الأئمة، و كان المعز الفاطمي يطلق «الباب» علي الوحي النائب، سواء كان نبيا، أو اماما أو غيره، فابراهيم عليه الصلاة و السلام بابه اسماعيل، [ صفحه 24] و موسي بابه يوشع، و عيسي بابه شمعون، و محمد بابه علي، عليهم جميعا الصلاة و السلام.. و يقول ابن بابوية القمي المحدث الشيعي المعروف «و له رأي للامام الغائب» الي هذا الوقت من يدعي من شيعته الثقات المستورين أنه باب اليه، و سبب يؤدي عنه الي شيعته أمره و نهيه». و من هؤلاء: الشيخية، أتباع الشيخ أحمد الاحسائي، و هم يعتقدون فيه أنه «مؤمن كامل» و باب فيضان الامام الدائم، و بعد وفاته كان كاظم الرشتي تلميذه.. و كان الاحسائي و الرشتي لا يعتقدان غيبة الامام و رجعة المهدي الغائب، كما يعتقد بقية الشيعة، لأنهما كانا يقولان بموت المهدي «محمد بن الحسن العسكري» لا بحياته و غيبته حتي يرجع، بل يقولان: ان المهدي سيكون واحدا و شخصا ما من أشخاص هذا العالم، يولد بالطريقة المعتادة.. و تكون روح الامام محمد بن الحسن العسكري قد حلت فيه، فيكون هو محمد المهدي بهذا الحلول..!! و من هنا كان خلافهم مع الشيعة الامامية.. و يمكن بآرائهم هذه أن يدعي أي انسان أنه المهدي، و قد حلت فيه روح المهدي ابن الحسن العسكري الذي اختفي سنة 260 ه و ينفتح الباب بذلك واسعا لادعاء البابية، و ادعاء المهدية من أي انسان!! و كان الاحسائي يذيع بأن زمن الأبواب علي قرب الانتهاء، و سيظهر المهدي نفسه، و لا يكون في حاجة الي باب ينوب عنه.. و كان من هذا المنطق، يذيع بين أتباعه أن الشريعة و أصول الأداب غذاء للروح، لذلك يجب أن تتغير الشرائع و تتنوع، حسب الزمان، و يجب أن تنسخ الشرائع القديمة، لتحل محلها الشريعة الجديدة التي يبشر بها الباب أو المهدي، و هكذا يمهد من بعيد لظهور المهدي، و نسخه لشريعة الاسلام، و كان تمهيدا مخططا لابد منه قبيل ظهور الباب.. و لم يكن هذا الادعاء حديثا، بل هو قديم في الفرق الباطنية الشيعية. فيقول جعفر، «باب» المعز الفاطمي في كتاب له: و القائم لا شريعة له بل يزيل الشرائع و ينسخها [ صفحه 25] باقامة التأويل المحض» لأن التأويل الباطني مادام بابه مفتوحا لهم، فكل واحد منهم يؤول حسب ما يريد، و لا عبرة بالسابق.. و اذا كان هذا هو حال عقيدة غالب الشيعة و نظرهم الي الامام، و الباب، و المهدي، فهم علي استعداد لتقبل مثل هذا الادعاء من أي انسان، و لا سيما علي رأي الاحسائي و الرشتي اللذين يقولان ان الباب أو المهدي علي الأخص يمكن أن يكون واحدا من الأشخاص الموجودين، و تكون روح المهدي بن الحسن العسكري المتوفي سنة 260 ه قد حلت فيه.. اذا كان هذا هو الحال، و هو تسيب بلا شك، فان الميرزا علي محمد الشيرازي، لم يجد صعوبة و لا غضاضة في أن يدعي كل ما ادعاه بعد أن مهد له الاحسائي و الرشتي، فسار في الطريق، و التف حوله و شجعه زملاؤه من تلامذة مدرسة الاحسائي و الرشتي، و لم يجدوا أية غضاضة في أن يدعي ما يدعي، فالفكرة موجودة و شائعة و متناقلة، و لا بأس أن يكون واحد منهم قد أشاد به شيخهم و ألمح اليه، أن يكون هو الذي بشر به، و دعا تلامذته للالتفاف حوله، و ان كان بعض من تلامذة الرشتي، لم يوافقوا علي أن يكون «علي محمد الشيرازي» هو الباب، و هو الخليفة الا أنهم ادعوا هذا لأنفسهم - كما مر ذكر ذلك - و لم ينكروا الفكرة من أساسها، بل ادعوا و أعلنوا أنهم هم الذين يمثلونها، لا «الميرزا علي محمد»، و الباب خطوة الي المهدية.. و هكذا يصدق مالاحظته، و ما لاحظه كثيرون غيري، من أن البيئة الفكرية العقائدية للشيعة عموما كانت أرضا خصبة، لكي تنمو فيها هذه الادعاءات، التي كثرت علي مر الزمان في المجتمع الشيعي، بينما ندرت جدا في المجتمع السني، لا سيما المجتمعات المتنورة الفاهمة لعقيدتها و تعاليم دينها، فانها تختنق فيها سريعا مثل هذه الادعاءات.. و يستهزأ بالمدعين لها.. و صحيح أنه سري في الأوساط السنية عدوي القول بالمهدي المنتظر، و يؤيد ذلك بعض العلماء بحسن نية طبعا، اعتمادا علي بعض أحاديث، هي مطعون فيها، لكن حتي الذين سرت اليهم هذه العدوي لم تتمكن فيهم الفكرة، كما تمكنت في الوسط الشيعي، و صارت جزءا أو كجزء من ايمانهم، و لذلك يصعب في الوسط السني أن يجد مدع للمهدية أي رواج له أو أتباعا، بل ربما وجد مالا تحمد عقباه.. [ صفحه 26] فما عندنا عكس ما هناك تماما، و لذلك لم يكن صعبا علي واحد مثل «علي محمد الشيرازي» أن يدعي ما يدعي هناك، و يجد له أنصارا متحمسين يقومون بالدعوة اليه، علي حسب ما شربوا و تربوا في مدرسة الاحسائي والرشتي، و يدعي أنه باب لمدينة أخري غير المدينة التي بابها [32] علي. و ان المعارضة الشديدة التي قامت في وجهه هناك من العلماء و من الشعب، انما جاءت من أنه هو و شيخيه - الاحسائي و الرشتي - كانوا يؤمنون بالمهدي و لكن علي طريقة غير الطريقة السائدة المعروفة عند الشيعة الاثني عشرية في ايران من أنه سيكون محمد بن الحسن العسكري المختفي، حين يظهر.. فعلماء الشيعة و عامتهم هناك يؤمنون بالرجعة و بالمهدي العائد، لكن، علي أن يكون هو الامام الغائب أو المختفي نفسه، يقوم و يظهر بنفسه و صورته، كما قام أهل الكهف بعد ثلثمائة سنة و يزيد.. و هكذا يقولون و يدللون.. أما الاحسائي و الرشتي و مدرستهما بما فيهم «علي محمد الشيرازي» فيؤمنون بأن الباب، واسطة بين الناس و بين مهدي منتظر، سيكون من الناس، و يولد مثلهم و هو واحد منهم، و ليس هو الامام أو المهدي المختفي يقوم و يعود بشخصه. و من أجل هذا قامت معارضة شديدة للاحسائي اضطرته للرحيل عن كربلاء بأسرته، و بيع كل أملاكه، كما طاردت الرشتي و مدرسته من بعده، ثم طاردت الباب [ صفحه 27] الذي اعتبر نفسه أول الأمر باب المهدي أو مقدمة له، سيظهر من بين الناس.. ثم تدرج و ادعي أنه هو المهدي المنتظر، و أن له حق التشريع، و نسخ شريعة محمد صلي الله عليه و سلم!! و قد كان ما ذهب اليه الاحسائي و الرشتي و الباب «علي محمد» في أول أمره، تمهيدا للقول بظهور مهدي من هذا الشكل، المخالف للعقيدة التي عاش عليها الشيعة الاثني عشرية طوال القرون.. و كأن ذلك كان مخططا و متعمدا لاحداث شرخ ديني كبير بين الشيعة الاثني عشرية في ايران، ثم انتقال هذه العدوي الي الأوساط السنية. و احداث رجة فيها، و خلافات، كالخلافات التي نحن مشغولون بها الآن.. فهي «أي البابية الحديثة» مرض عقدي ايراني شيعي، يغلب عن ظن الراصدين له، بل يؤكدون انه جاء نتيجة تخطيط من المستعمرين الروس و الغربيين و اليهود، و يؤيدون ذلك بالوثائق التي ظهرت، و أثبتت أثر الأصابع الاستعمارية في هذه اللعبة، ليزيدوا المسلمين تفتيتا و ضعفا، حتي لا تقوم لهم قائمة في وجه الاستعمار الروسي و الغربي، الذي كان يجثم علي صدر الأمة الاسلامية كلها - سنيين و شيعة - في القرن التاسع عشر، و لا يزال. ثم انتقلت عدوي هذا المرض، - كالانفلونزا الالمانية و الأسبانية أو الصينية - الينا في وسطنا السني.. كما انتقلت الي أفراد من غير المسلمين، لظروف حملتهم علي هذا، و لأنهم وجدوا في بهرج البابية ثم البهائية طعما ابتلعوه، و لم يستطيعوا أن يلفظوه أو يتخلصوا منه، و من شأن هذا الطعم أن يحدث لغما يفجرونه في الوسط الاسلامي المتمسك بدينه السليم الصحيح، لا سيما و كثير من هؤلاء يتمسون بأسماء اسلامية [33] . [ صفحه 28] و اذا كان للغربيين أو لغير المسلمين عموما عذر في ابتلاع هذا الطعم، فان عجبي من المسلمين السنيين يشتد، و اشفاقي عليهم يزداد كل يوم، حين أجدهم قد ابتلعوا هذا الطعم الذي سمم أفكارهم. مع أنه في اسلامهم و مذهبهم السني، الغناء كل الغناء عما خدعوا به من كلمات: السلام للجميع، و الحب للجميع، و الأخوة للجميع، و المساواة للجميع، الي غير ذلك من الشعارات التي أدخلها علي البهائية أخيرا داعيها «عبدالبهاء» نزولا علي حكم الظروف، و تمشيا مع النغمة المحبوبة في العالم. ليخدع بها البسطاء الذين لا يفهمون دينهم، من المسلمين.. و الا فأي معني كريم وجده المخدوعون في البابية أو البهائية، ليس موجودا في دينهم الأصيل - الاسلام -؟ حتي يجازفوا بالارتماء في أحضان البهائية، التي تلغي العقول، و تعتمد علي التمويهات و القضايا اللامعقولة، ثم رأت أن تلف ذلك في بهارج من القول، «سلوفان» براق، يخدع البسطاء لا سيما و هو يبيح لهم الشهوات و يسقط الفروض؟. و اذا كانت البابية أو البهائية قد طوردت في وسطها الشيعي الامامي، و هي من نبته و من بنات أفكاره - فكيف يغرز نفسه في وحلها مسلم سني، و يضحي بدنياه و آخرته؟ و حتي اذا وجد فيها دنيا، فكيف يضحي بدينه، و موقفه أمام ربه؟. و كيف يضحي بعراقته و عراقة آبائه الذين عاشوا مستمسكين بدينهم و عقيدتهم، و تعاليمهم السمحة.. و ينسلخ عن أمته العظيمة العريقة، علي امتداد القرون، و يتخذ له طريقا غير طريقها، و تاريخها غير تاريخها، و عبادات غير عباداتها، و منهجا غير منهجها، و أعيادا غير أعيادها، و يتخذ من هؤلاء الأفاكين الذين لفظهم مذهبهم، و شعبهم و وسطهم، أسيادا وقادة له؟. انني أعجب أشد العجب من هؤلاء، و أرثي لهم، و أدعو لهم بالهداية، و ربهم يقول لهم عن دينهم الاسلامي و قرآنهم الذي أنزله الله علي محمد العظيم صلي الله عليه و سلم «و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون» [34] هل غرهم و جذبهم أن البابية و البهائية قد اسقطت عنهم الفرائض [ صفحه 29] الاسلامية؟ و أباحت لهم بعض الشهوات التي حرمها الاسلام، و أحلتهم من كثير من الأخلاق و الآداب الاسلامية؟ لابد أن يقف الدارس الفاحص عند هذه الفكرة التي أدت الي قيام البابية ثم البهائية. لابد أن يقف عند الفكرة التي ركز عليها الاحسائي، و خرج بها علي اعتقاد الامامية جميعا في الامام الغائب و ظهور المهدي المنتظر.. انهم يجمعون علي أن هذا المهدي حين يعود سيكون هو الامام الغائب.. و هذا يمنع أن يكون شخصا آخر من الناس.. فجاء الشيخ أحمد و غير هذا الاعتقاد، و قال ليس بلازم أن يكون هو الشخص الغائب، بل سيكون واحدا آخر من الناس، تحل فيه و تتقمصه روح الامام الغائب.. ليفتح الباب لخطته المرسومة لايجاد شرخ في الشيعة الامامية، و احداث شقاق بينهم يتصاعد حتي تنشغل الدولة به. و جاء بعده تلميذه «الرشتي» فركز علي هذه الفكرة، و ثار عليه الامامية و طاردوه بعد أن طاردوا شيخه حتي اضطر للفرار، فكانت فتنة كبيرة، و شرخ واسع في الشعب الايراني مع ما يشقي به من ضغط روسيا و الاستعمار بعامة.. و لم يمت «الراشتي» حتي ألقي في روع أحدا تلامذته «علي محمد الشيرازي» أنه يمكن أن يكون هو المنتظر.. كما وجه أنظار تلامذته الآخرين اليه مما سبق أن ذكرناه، ليتم بذلك التخطيط الموضوع.. و لذلك سرعان ما التفوا حوله، برغم صغر سنه - 25 سنة - و بدأ يخطط لاعلان ذلك علي الناس، و يؤلف من التفوا حوله أولا ال 18 صاحبا، فرقة علي رأسها البشروئي، يرسلها للجهات حوله، للدعوة اليه.. و سنري آثار ذلك في احداث الفتن و القلاقل في الشعب، ثم في الصدامات و الضحايا التي سقطت نتيجة قيام الدولة الايرانية بواجبها في اخماد هذه الفتن التي أثارها بدعوته، و جذب بها المعارضين للحكومة، كي يقفوا بجانبه، لا تأييدا لدعوته، و لكن لمعارضته الحكومة، أو كما يقال: «لا حبا في علي، و لكن كراهة في معاوية».. مما ترتب عليه معارك دموية سقط فيها الكثير من الضحايا من رجال الحكومة و من الملتفين حوله، و لكنهم كانوا جميعا من الشعب «ضحايا هذه الفتنة»! [ صفحه 30] و كان من نتيجة ذلك سلسلة صراعات و خلافات، شغلت بها حكومة ايران، ثم الحكومة في بغداد، التابعة للدولة العثمانية، ثم الدولة العثمانية نفسها. ثم المسلمون في كل مكان لا يقاف هذه الدعوة المخربة.. كما نقف الآن. فها نحن أولاء و غيرنا مشغولون [35] بذلك، و لكنا في غني عن هذا كله، لنتفرغ لمشاكلنا الأخري، - و ما أكثرها - لو لم يقم هؤلاء من أول الأمر بدعوتهم الغريبة الخارجة علي جماعة الشيعة الامامية، و علي الاسلام عموما، و ذلك بتخطيط مدبر، و بعون مستمر من الاستعماريين لخلق هذه الحالة، التي نجحوا فعلا في ايجادها.. و أراني في حاجة لكي أذكر لك الآن الأدلة علي هذا العون من الوثائق التي عثر عليها، حتي لا تظن أننا نلقي هذا الاتهام جزافا، جريا علي ما عرف من رمي المخالفين بأنهم أدوات للاستعمار، مع أنني كنت أريد أن أذكر هذا في نهاية حديثنا عن البابية والبهائية.. لكني رأيت أن أعجل به، منعا لأي شك فيما نقول.. [ صفحه 31] البابية و البهائية و الاستعمار و الصهيونية
عرفنا أن الذين قاموا بالحركة البابية و البهائية و مهدوا لها، أصلهم من الشيعة الاثني عشرية في ايران، و في الأماكن المقدسة لهم بالعراق، في النجف و كربلاء و الكوفة، و كانت حركتهم و أفكارهم تهدف الي شي‌ء واحد، هو امكان أن يكون الباب أو المهدي واحدا من الناس، و ليس بلازم أن يكون هو محمد المهدي المختفي سنة 260 ه ابن الامام الحسن العسكري، كما يعتقد الشيعة في ايران كما قلنا من قبل.. و ليس في هذا أي اصلاح يمكن تصور أن الدعوة الجديدة جاءت به.. مما جعلنا و جعل الذين كتبوا عن البهائية، و من بينهم علماء الشيعة الاثني عشرية الامامية أنفسهم، يوجهون أصابع الاتهام للذين قاموا بهذه الدعوة، بأنهم كانوا أدوات للاستعمار واليهود. و في خدمة أغراضهم الاستعمارية في البلاد الاسلامية لخلق الاضطرابات فيها.. و أمامي الآن عدة كتب، عني مؤلفوها [36] بهذه الناحية، و ذكروا بعض الحقائق عنها.. منها كتاب «البابية»: و يشير مؤلفه الي مذكرات كتبها أحد الموظفين في السفارة الروسية في طهران و هو المسمي «كنياز دالفوركي» الذي كان مترجما بالسفارة الروسية 1834 م و عمل أعمالا جبارة للقيصرية الروسية في سبيل استعباد لايران والايرانيين، فارتقي بخدماته الجاسوسية لمنصب الوزير المفوض، ثم الي السفير، كما صرح في مذكراته التي نشرت في مجلة الشرق الوسفيتية» التي كانت تصدرها وزارة الخارجية الروسية بعد سقوط القيصرية عام 1924، 1925 م. [ صفحه 32] و يقول في مذكراته «انه كان يبحث و يفتش عن الزائفين في العقائد الاسلامية، لضرب المسلمين من بينهم ضربة تقضي علي وحدتهم و جمعيتهم، فكان من أسهل الطرق الموصلة الي هذا، احداث الخلافات الدينية و نشرها، و اسعار نارها فيما بينهم، و أثناء، بحثي أطلعت علي الطائفة الشيخية التي كانت تخالف في كثير من العقائد الاسلامية الثابتة عند أكثرهم، منها المعاد، و المعراج الجسماني و غير ذلك، فدخلت في حلقة السيد كاظم الرشتي، و كان كثير الذكر عن المهدي، و لكن ليس المهدي الذي كانوا ينتظرون رجوعه منذ قرون، بل الذي سيحل فيه روحه.» و يقول «سألت الرشتي يوما عن المهدي: أين هو؟ فقال: أأنا أدري ربما يكون هنا في هذا المجلس، فلمح الخيال في خاطري كالبرق الخاطف، و أردت انجازه و ابداله في صورة الحقيقة». «رأيت في المجلس الميرزا «علي محمد الشيرازي»، فتبسمت، و صممت في نفسي أن أجعله ذلك المهدي المزعوم، و منذ ذلك اليوم بدأت كلما أجد الفرصة و الخلوة، أرسخ في ذهنه أنه هو الذي سيكون القائم المنتظر، و يوميا كنت أخاطبه: يا صاحب الأمر، و يا صاحب الزمان، فكان في أول الأمر يترفع و يتأنف، و لكنه لم يلبث الا قليلا، حتي كان يبدي السرور و الفرحة من هذه المخاطبات». «و كان للحشيش دوره و أثره مع تلك الرياضات و المشقات التي كان يعاودها، لتحقيق هذه الأمنية، كما كان للتعليمات الشيخية عن عدم بقاء «المهدي» ابن العسكري حيا الي ألف سنة، و أن مجيئه سيكون بصورة شخص آخر تحل فيه روحه، فأثمرت هذه الأعمال، و بعد انتقاله من كربلاء الي مدينة «بوشهر» فاجأني فجأة بخطابه في مايو 1844 م يخبرني و يدعوني الي «بابيته» بأنه هو نائب صاحب العصر، و باب العلم، فجاوبته بأنني أؤمن بأنه «صاحب الزمان»، «و امام العصر» «لا بابه أو نائبه، و رجوت منه بالالحاح ألا تحرمني حقيقتك، و لا تحجبني من أصلك، فأنا أول المؤمنين، و حمدت الله أن سعيي لم يضع، و تجارتي لم تبر، التي بذلت من أجلها الجهد الكبير، و صرفت فيها الوقت الكثير». و ربما يتسائل القاري‌ء كيف يقع الباب بسهولة في يد هذا الجاسوس؟ و هذا التساؤل ينتهي و يزول مما ذكره الآخرون و منهم السيد عبدالرازق الحسني في كتابه «البابيون [ صفحه 33] و البهائيون» في هامش ص 23 حيث قال: «الشيخ عيسي اللنكراني هو الاسم المستعار للجاسوسي الروسي «كنياز دالكوركي» الذي كان مترجما للمفوضين الروسية في طهران سنة 1250 ه 1834 م ثم أصبح وزيرها المفوض. و يقول هذا الجاسوس في مذكراته (السابق ذكرها) التي ترجمت للغة الايرانية، فعربها الحاج سيد أحمد الغالي الكربلائي، و طبعها في مطابع «قدموس» ببيروت [37] ، يقول انه كان قد أسلم و تزوج فتاة ايرانية، و أنه جاء الي «كربلاء» كطالب علم، و تعرف علي السيد الميرزا علي محمد و توثقت الصداقة بينهما» الي آخر ما ذكر من قبل». و هذا علي اختصاره يعطي انطباعا عن أصابع الاستعمار التي لعبت دورها في قيام البابية.. لكن الذي عني بهذا الموضوع و أوفاه بعض حقه، هو مؤلف كتاب «حقيقة البابية و البهائية.. حيث عقد ص 99«. [ صفحه 34] مناصرة المستعمرين للبابيين
و هذا غير الملحق الذي ذكره في آخر الكتاب و فيه مقتطفات من هذه المذكرات، سأثبته بنصه أيضا بعد ذلك. و قد تحدث في الفصل الثامن هذا، عن مطامع الدول الاستعمارية في البلاد الاسلامية، و محاولتها القضاء علي عقائد المسلمين، بوسائل كثيرة، منها مناصرتها للمبادي‌ء و الحركات الهدامة.. و تحدث عن الروس و تدخلاتهم المستمرة المعروفة في شئون ايران، و مطامعها التقليدية فيها للوصول الي سواحل المحيط الهندي.. ثم قال: «يقول العلامة «محمد حسين آل كاشف الغطا: [38] . «كنا قبل سنوات عثرنا علي كتيب صغير بالفارسية لأحد الأفاضل الذين عاصروا الباب، و شاهدوا كل تلك الحوادث مباشرة، مع دقيق. و ملخص ما ذكره «أن رجلا من روسيا أتي طهران بعد أن انتزع الروس مملكة القوقاز من الدولة الايرانية، و أراد انشغالها عن التفكير في استرجاع ما غصب منها، فتعلم ذلك الرجل اللغة الفارسية و أتقنها، ثم أظهر التدين بالاسلام، و تزيا بزي أهل العلم بلحية كبيرة، و عمامة كبري، و عباءة و مسبحة، و لازم صلاة الجماعة، و درس شيئا من المبادي‌ء، و اشتهر اسمه بالشيخ «عيسي»، ثم جال في عواصم ايران، كأصفهان، و شيراز، فوجد فيها ضالته، فاجتمع الباب و كان غلاما جميلا، و بتوسط من خاله، خلا به مرات عديدة، و الظاهر أنه هو الذي كان حلقة الاتصال بين البابيين و الحكومة القيصرية الروسية، حيث زودتهم بالأسلحة، فقاتلوا بها المسلمين، و قد كان يحرص علي الثورة، و يظهر كقائد عسكري، و يعلم البابيين فنون الحرب، و الهجوم علي الجيش الفارسي» 1 ه. [ صفحه 35] و يتحدث كتاب «البابية و البهائية» فيقول: «و لم تكتف الحكومة الروسية بذلك، بل دفعت الأرمتي الروسي «منوجهرخان» لاعلان اسلامه، فغمره الشاه محمد بالفضل، و أعطاه ثقته، فعينه معتمدا للدولة في «أصفهان» و كان له دور خطير جدا في توسيع نار الحركة البابية، مستغلا ثقة الشاه به، فلقد قام باخفاء الميرزا «علي محمد الباب» في بيته أربعة أشهر» [39] . «و لما مات «منوجهرخان» و خلفه المعتمد «جورجين خان» كتب الي الشاه يقول: «كان من المعتقد في اصفهان منذ أربعة أشهر أن معتمد الدولة «الوالي» سلفي، قد أرسل «السيد الباب» الي مقر الحكومة الملكية، بناء علي طلب جلالتكم، و قد ظهر أن هذا السيد (الباب) قاطن في عمارة خورشيد، التي هي مقر معتمد الدولة الخاص، و اتضح أن سلفي قد أكرم السيد الباب في ضيافته، و اجتهد في اخفاء تلك الحراسة عن الناس و عن الموظفين في المدينة». «و كان اخفاء «الباب» هذا مفيدا جدا للبابيين، اذ أن المعتمد أنقذه من غضب علماء المسلمين الذين أفتوا بقتله، لارتداده عن الاسلام، و هيأ له من جهة أخري سبل الاتصال بالبابيين، فكان يراسلهم و يقابلهم في مخبئه، و يوجههم بمعاونة المعتمد نفسه، و بتمويلهم منه تمويلا طائلا»!! «و يظهر ذلك واضحا من قوله للباب «ان الذات العلية قد وهبني أموالا عظيمة، لا أعلم كيف أصرفها علي أحسن وجه، و لأن و الحمد لله، وصلت الي معرفة حقيقة هذا الظهور ظهور الباب - ولي رغبة شديدة في أن أخصص كل ممتلكاتي للصرف منها علي شئون هذا الأمر و اعلاء صيته». و هكذا يفعل هذا الوالي الجاسوس. بل لقد تحدث مع الباب في أن يسافر الي طهران ليعمل علي اعتناق الشاه هذا الأمر، بل سيعمل علي اقناع الشاه بأن يزوجه (أي الباب) احدي أخواته.. الخ!! و هكذا كانت تعمل الحكومة الروسية بواسطة جواسيسها في ايران، لاشغال المسلمين بحرب أهلية فيما بينهم، حتي يخلو لها الجو لتنفيذ مؤامرتها، و تمهيدا لاحتلال أراض اسلامية أخري عزيزة. و الشاه في غفلة عما يجري حوله.. [ صفحه 36] يقول الدكتور محمد مهدي خان «ان الحكومة الروسية رأت لتنفيذ أغراضها في ايران، تقوية القوم (البابيين) فأخذت تساعدهم في بلادها، و أعطت لهم حرية كاملة و اظهار دينهم - علي عكس ما في ايران - فبنو لأنفسهم معبدين: أحدهما في «باكو»، و الثاني في «عشق‌آباد» [40] . «و ان السدول و الستائر التي كانت الحكومة القيصرية ترخيها علي احتضانها للبابية لتسترها، قد تمزقت عندها تدخلت عن طريق قنصليتها في «طهران» تدخلا مباشرا، لانقاذ صنيعتها - الميرزا الباب - من الاعدام، و لكن بعد أن سبق السيف العدل، و أعدم الباب». الدوائر اليهودية و أصابعها
و يستمر مؤلف الكتاب فيقول: «أما دوائر اليهود العالمية، فكان من البديهي جدا أن ترحب بهذه الحركة، باعتبار أنها تستهدف القضاء علي ملة الاسلام التي يشتد اليهود في معاداتها، و لذلك فانها أوعزت الي يهود ايران بالانضمام تحت لواء هذه الحركة بصورة جماعية، ففي طهران دخل فيها 150 يهوديا، و في همدان 100 يهودي و في كاشان»: 50 يهوديا، و في «كلباكيان» 85 يهوديا» [41] . و نحن نعلم جميعا مدي حرص اليهود علي البقاء داخل ديانتهم، التي وصلت الي حد أن اعتبروها «جنسية» ربانية، فدخول مثل هذا العدد من اليهود للبابية في ايران وحدها، كاف جدا للقطع بالريبة في حركة البابية، فاليهود مغلقون علي أنفسهم، يعتقدون أنهم شعب الله المختار، و لم تكن البابية دين الملوك في ايران، حتي يقال أنهم انضموا اليها، خوفا علي أنفسهم و تملقا للحاكم، بل كان الأمر بالعكس، تطاردها الدولة، فلم يكن هناك - اذن - أي باعث علي انضمام أحد من شعب الله المختار الي هذه الحركة، الا أنها حركة هدامة للاسلام، تلعب بها اليهودية العالمية و تستغلها. [ صفحه 37] «و قد سخرت أجهزة الدعاية اليهودية كتابها للدفاع عن البابيين دفاعا مستميتا، و تعريفها للعالم.. و هذا «جولدزيهر» اليهودي المتعصب، يتكلم عن البابية في كتابه [42] ، و يدافع عنها، و يضفي علي رجالاتها لقب «البطولة» و خاصة «قرة العين» و سيأتي الكلام عنها.. «و يكفي البابيين يهودية أنهم يستندون في اثبات مفترياتهم علي التوراة، و لا غرابه في ذلك، فالميرزا الباب لم تكن التوراة تفارقه في السجن،.. أما أجهزة الدعاية الاستعمارية، و دوائر التبشير العالمي، فقد احتضنت هذه الحركة، و اعتبرتها حركة تقدمية تحررية، جاءت لانقاذ المسلمين من الاسلام المتعصب في نظرهم.. و عدوا الباب منقذا لهم، و محطما لقيد الشريعة الاسلامية، و نسخ أخلاق الاسلام، و القضاء علي روح الجهاد. و ذرفوا دموعا حارة علي أولئك الخونة المرتدين الذين حاولوا هدم الاسلام [43] عندما نفذ فيهم حكم الله العادل و أعدموا. و سخرت هذه الأجهزة الكتاب و الصحفيين في تعريف هذه الحركة الي العالم، كبديل جديد للاسلام الذي مضي زمانه [44] الخ.. و قد قدم الكاتب المؤلف عددا من هؤلاء الكتاب الحاقدين فقال: و من هؤلاء الكتاب علي سبيل المثال: اللورد كيرزون، في كتابه «ايران و المسألة الايرانية» و «استيلين كاربنتر» في كتابه: «الدين المقارن» و «براون» في كتابه: «التاريخ الجديد»، مستندات لدراسة البابية.. «و ما ميري» في كتابه: «الأكاديمية، و الكونت جوبينو، في كتابه: الأديان و الفلسفة في آسيا الوسطي».. الي غير ذلك من الكتب التي ذكرها المؤلف في ص 104.. [ صفحه 38] و لم يكتف مؤلف «حقيقة البابية و البهائية» بهذا، بل ذكر في آخر الكتاب «ملحقا» رقم 1، أشرنا اليه و هو بعنوان: مذكرات دالكوركي
و هو ينطق هكذا أحيانا و ينطق «دالفوركي» أحيانا أخري لأنه تعريب لحرف «الكاف» الفارسية بشرطين علي الكاف، التي يشبه نطقها نطق الجيم عند أهل القاهرة. و قد تعرب هكذا «دالجوركي». و أورد ملخصا لها حيث قال فيه: «صدر هذا الكتاب معربا عن اللغة الفارسية من قبل السيد أحمد الغالي، و هو في الأصل بقلم «كنياز الكوركي» الروسي، الذي كان مترجما للسفارة الروسية في طهران، فارتقي بخدماته الجاسوسية لمنصب الوزير المفوض، ثم السفير، كما بين هو في مذكراته التي نشرت بعد انقراض القيصرية في مجلة «الشرق» السوفيتية سنة 1924 - 1925 «. «و لقد لعب هذا الجاسوس الخطير، الذي أظهر الاسلام، و درس اللغة العربية و العلوم الاسلامية، دورا كبيرا في ايجاد البابية ثم البهائية، و سأكتفي بايراد بعض ما جاء في مذكراته هذه، التي تعتبر وثيقة رسمية. يقول هذا الجاسوس متحدثا عن اجتماع له: «و كان الميرزا حسين علي - البهاء - أول من ورد هذه الغرفة (غرفته)، و أخبرني بمطالب مهمة جدا» ص 36. «انقضي الرمضان (هكذا) المبارك، و أنا كنت أربي نفرا من أصحاب سري، تربية الجاسوسية، و لم تكن لأي منهم لياقة الميرزا حسين علي - البهاء - و أخيه الميرزا يحيي صبح أزل» ص 44. «فرجعت الي المنزل، و هيأت سما قتالا، و دعوت الميرزا حسين علي - البهاء - و أعطيته سكة ذهبية من سكة «فتح علي شاه» يعني نقودا ذهبية، و أعطيته السم، و أمرته أن يدسه في طعام الحكيم الكيلاني بكل طريق ممكن و يقتله» ص 47. و اصطدم هذا الجاسوس مع سفيره «كراف سيمنويج»، فاستدعته الحكومة السوفيتية، و في ذلك يقول: «و لقد قطع هذا الوزير المفوض جميع رواتب أصدقائي [ صفحه 39] و رفقائي حتي رواتب «الميرزا حسين علي» - البهاء - و أخيه «الميرزا يحيي صبح أزل» و «الميرزا رضا علي» و غير هؤلاء الذين كانوا يأخذون الرواتب سرا، فبقطعه رواتب هؤلاء، قد هدم مؤسساتي جمعاء. و قلب و أعكس (هكذا) كل ما أنا فعلته و عملته، و نقض كل ما أنا غزلته» ص 55. في كل شهر كانت تأتيني في روسيا من الأصدقاء الطهرانيين رسائل و مكتوبات، و كلهم كانوا يدعونني الي ايران (بعد رجوعه لبلده روسيا)، و حتي بعض عباد البطن منهم، مثل الميرزا رضا علي، و الميرزا حسين علي - البهاء - و بعض الآخرين، كانوا يدعونني لهريسة «اوز» و «تهجين بتلو» و «بلو فسيخان» كي أرجع الي ايران. و لكن كان أغلب اظهاراتهم، العلقة و الصداقة لأخذ مناظر الذهب» ص 57. «فعلي أي نحو كان اقتنعت الوزارة (كذا) الخارجية أن تعطي الرواتب لنفر من أقارب المرحوم محمد الاستاذ كما في السابق، و المطالب التي كان أولئك مخبريها كانوا يرسلونها الي مباشرة في روسيا بلا واسطة أحد» ص 59. «و الخلاصة أني خرجت حسب الأمر في أواخر «سبتمبر» مع راتب مكفي من روسيا، الي العتبات العاليات، و في لباس الروحانيين باسم «الشيخ عيسي اللنكراني» و وردت كربلاء المقدسة» ص 62. و كان بقرب منزلي طالب علم يسمي «السيد علي محمد»، و كان من أهل شيراز ص 62 و كان ذلك أول اتصال بينه و بين الباب، و هو يتعلم في كربلاء في مدرسة السيد كاظم الرشتي.. ثم يقول: «و السيد علي محمد (الباب) لم يترك صداقتي، و كان يضيفني أكثر من ذي قبل، و كنا نشرب قليان المحبة (الحشيش)، و كان ابن الوقت، متلون الاعتقاد» ص 64. «و سأل طالب تبريزي يوما «السيد كاظم الرشتي» في مجلس تدريسه، فقال له: أيها السيد أين صاحب الأمر - و قد عرفنا من قبل السيد كاظم الرشتي - و أي مكان مشرف به الآن؟ فقال السيد: أنا ما أدري و لعله هنا - مكان الدرس - يكون الآن مشرفا بحضوره، و لكني لا أعرفه، فأنا طرقت بخاطري فكرة مثل البرق سأشرحها» ص 65. [ صفحه 40] ثم بدأ هذا الجاسوس يشرح هذه الفكرية مفصلا، و تتضمن محاولاته المستمرة للايحاء الي الميرزا أنه هو المنتظر، الي أن أقنعه أخيرا بذلك» ص 64 - 68. و كان مما قاله له ينصحه و يوجهه: «و لا تكن متلونا، فان الناس يقبلون منك كل ما تقول، من رطب و يابس، و يتحملون عنك «كل شي‌ء»، حتي ولو قلت باباحة الأخت، و حللتها للأخ، فكان السيد يصغي و يستمع كاملا، و بلا نهاية صار طالبا و مشوقا أن يدعي ادعاءا، و لكن لم تكن له جرأة علي ذلك» ص 69. و بعد أن أنهي مهمته في كربلاء رجع الي ايران. و في ذلك يقول: «فطفق كل من الميرزا حسين علي - البهاء - و أخيه الميرزا يحيي - صبح أزل - و الميرزا رضا علي و نفر من رفقتهم أن يأتوني مجددا، و لكن مجيئهم كان من باب غير معتاد للسفارة، الذي كان قرب من مغسلة الأموات» ص 77. و بعد أن قبض علي السيد علي محمد - الباب - يقول: «فأنا بواسطة الميرزا حسين علي و أخيه الميرزا يحيي، و نفر آخرين أقمت بالضجيج و العجيج: أن صاحب الأمر - الباب - قد قبض عليه» ص 79. «فوصلني خبر قتله بطهران، فقلت لميرزا حسين علي - البهاء - و نفر آخرين لم يروا السيد، أن يثيروا الغوغاء و الضجيج و العجيج، و قد تعصب نفر آخرون للدين - أي دينهم -، و أطلقوا الرصاص علي «ناصرالدين شاه» - الملك. فلذلك قبضوا علي كثير من الناس، و كذلك قبضوا علي الميرزا حسين علي - البهاء- و بعض آخر من الذين كانوا لي أصحاب السر، فأنا حاميت عنهم، و بألف مشقة، أثبت أنهم ليسوا بمجرمين، و شهد عمال السفارة و موظفوها، حتي أنا بنفسي: أن هؤلاء ليسوا بابيين، فنجيناهم من الموت، و سيرناهم الي بغداد، و قلت لميرزا حسين علي - البهاء -: اجعل أنت أخاك الميرزا يحيي وراء الستر، و ادعوه: (من يظهره الله «أي المهدي» فلا تدعه أن يكلم أحدا، و كن أنت بنفسك متوليه، و أعطيتهم مبلغا كبيرا، رجاء أن أعمل بذلك عملا» ص 82. «فألحقت به في بغداد زوجته و أولاده و أقربائه، و كل من كان لأندابه، كي لا يكون له هوي من خلفه» ص 82. [ صفحه 41] «فشكلوا في بغداد تشكيلات، و جعلوا له كاتب الوحي، و أنا أيضا أرسلت لهم كتابا، و كتبا كانت باقية عندي للسيد - الباب - بعد ما أنا أصلحتها جرحا و تعديلا!! و أمرتهم أن يستنسخوا منها نسخا كثيرة، و كانوا يهيئون في كل شهر بعض الألواح، و يرسلونها للذين كانوا منخدعين بالسيد - الباب - و لم يروه، و كان قسم من أعمال السفارة الروسية في طهران، منحصرا في تهيئة الألواح، و تنظيم الأعمال البابية» ص 82 - 83. «و الدولة الروسية كانت تقويهم، و بنت لهم مأوي و مسكنا» ص 84. «و رقباؤنا كانوا ساعين أن يفشوا الألواح المتضادة المتناقضة، التي كانت صادرة بين كتابنا و بتشهير رقبائنا: اسم الميرزا يحيي صبح أزل في البابية، أنه وصي الباب، لا جرم صرنا مجبورين أن نبدل البهائية بالبابية» ص 85 بعد اعدام الباب - أي مجبورين علي نصرة البهائية.. «و كل من كان في طهران يصير بهائيا، كنا نعاونه و نساعده، و كان أحسن مبلغينا و مساعدينا «الأخانيد» [45] ، و عمدة معاونتنا و مساعدتنا كانت من هؤلاء. اذ كل من كان بينه و بينهم (الأحانيد) خلاف، كانوا يرمونه بالبابية و البهائية، فكنا نغتنم الفرصة، و نجلب أولئك المتهمين المنبوذين و نساعدهم، و لم يكن لهؤلاء ألبتة مأوي و ملجأ لهم سوانا «ص 86«. هذه مقتطفات صغيرة، مما كتبه ذلك الجاسوس الروسي، الذي لعب من مركزه بالسفارة الروسية دورا خطيرا، في ولادة البابية ثم في تربيتها بتشجيع البابيين ثم البهائيين، و تقوية حركتهم، و هي مقتطفات تكشف عن مدي خيانة الباب و تلميذه: البهاء، لدينه و وطنه، و تعاونهما لاتباعهما مع الحكومة الروسية التي اتخذتهم أداة تسخرهم لأغراضها الاستعمارية ضد وطنهم و دينهم. و يمكنك قراءة هذه الاعترافات بتمامها في الملحق. و ما كنا نحن و لا القاري‌ء، بحاجة بعد هذا لأن نحكم علي البابية و البهائية. منذ نشأتهما، بأنهما (أولاد حرام)، و نكون جد صادقين في حكمنا، دون حاجة الي [ صفحه 42] دليل آخر، و ان كنا سنسوق أدلة أخري علي الهدف الخبيث الذي قامت من أجله البابية ثم البهائية. «والذي خبث لا يخرج الا نكدا» الآية. و لذلك نجد البابية، ثم البهائية، ربيبة الاستعمار و الماسونية و الصهيونية. تجد باستمرار المعاونة الصادقة منهما في كل مكان، في الشرق الواقع تحت سيطرة الاستعمار، و في القرب الواقع تحت سيطرة الصهيونية، و كانت السهام كلها موجهة ضد الاسلام، و محاولة اضعاف تأثيره في نفوس المسلمين، و ادعاء هؤلاء العلماء بنسخ شريعته، و احلال شريعة بهائية أو بابية محلها، تعفيهم من تعاليم الاسلام و فروضه، و تقيم عقيدة و أمة جديدة، تنافس أمة محمد، و تضعف شأنها، و تبدد قوتها، و تكون في خدمة أعدائها. و ليس هناك لدي المستعمرين و الغربيين عموما أثمن من الغاء فرض الجهاد في الاسلام، مما تصدت له البابية و البهائية، و قالت بنسخه، تماما كما فعل ربيب المستعمرين الانكليز في الهند «ميرزا غلام أحمد القادياني».. و كان من حبك التدبير الاستعماري أن ينبعث القول بنسخ الجهاد و ابطال فرضيته علي المسلمين، من بلدين متجاورين - ايران و الهند -، و في القرن التاسع عشر، في وقت متقارب، اشتدت فيه شراسة الاستعمار علي البلاد الاسلامية خاصة. في الوقت الذي بدأت فيه اليقظة الاسلامية للوقوف في وجه الاستعمار، و الجهاد للتحرر من قبضتهم، و دعاة التحرر من العلماء و غيرهم من الأحرار، يستندون في دعوتهم علي آيات القرآن الكريم و سنة الرسول صلي الله عليه و سلم في الدعوة الي الجهاد و بيان ثوابه، و ثواب الشهداء.. الخ.. فكان في مقابلة هذا: دعوة البهائي و القادياني لالغاء الجهاد، و تقديم أجل خدمة للمستعمرين الذين دفعوا عربونها مقدما في خلق حركتهما و مساندتهما أولا، ثم يستمرون في مناصرتهم لهما في كل زمان و مكان، و رأينا و نري مظاهر ذلك شرقا و غربا.. مما قد نعرض له في مكان آخر.. [ صفحه 43] عقيدة ختم النبوة و الرسالة
و قد عرفنا مما سبق أن القاديانية و البابية و البهائية، تركز علي هدم عقيدة من عقائدنا الاسلامية الأصيلة و هي: الايمان بمحمد صلي الله عليه و سلم خاتما و آخرا للأنبياء و المرسلين، و أنه لا نبي و لا رسول بعده، و أن آخر الكتب المنزلة من عندالله هو القرآن، و آخر الشرائع هي شريعته، فلا كتاب من عند الله بعد القرآن، و لا شريعة غير الشريعة التي قامت علي القرآن و أتي بها و وضحها رسولنا عليه الصلاة و السلام.. فهم يركزون علي هدم هذه العقيدة، و يحاولون ابطالها بمختلف التأويلات، لينفتح أمامهم باب الادعاءات، برسول جديد، و كتاب جديد، و شريعة جديدة، من شأنها أن تنسخ شريعة محمد و تعاليمها.. و هذا هو الممر الذي أرادوا أن يفتحوه، لينطلقوا منه الي غاياتهم المرسومة، في هدم الاسلام و شريعته. فهذه العقيدة، عقيدة ايماننا برسول الله محمد، تعني ايماننا به رسولا و خاتما و آخرا لرسل الله أجمعين فلا يكفي أن نؤمن به رسولا و كفي، بل لابد من الايمان به علي أنه آخر الرسول و لا رسول بعده و للعالم أجمع و ليوم القيامة.. و القرآن الكريم يقرر هذا في قوله تعالي: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين و كان الله بكل شي‌ء عليما [46] «و هذا كلام واضح و صريح في أنه صلي الله عليه و سلم آخر الرسل و خاتمهم، و لا رسول بعده.. لكنهم - للغرص الذي يركزون عليه - لجئوا الي التأويل السمج: مرة في كلمة «خاتم» [47] فأولوا الخاتم هنا بمعني الخاتم الذي نلبسه حلية في أصابعنا!! يعنون أن محمدا هو حلية النبيين و المرسلين و زينتهم و لا يلزم من ذلك أن يكون آخرهم.. مهملين الأحاديث الصحيحة التي بين الرسول فيها و وضع معني «خاتم» بأنه آخر الرسل و لا نبي و لا رسول بعده، و انه برسالته قد أتم سلسلة الرسل الذين أرسلهم الله، و أكملها «فأنا آخرهم و أنا خاتم النبيين و المرسلين». [ صفحه 44] و تمحكوا أيضا في تأويل كلمة «النبيين» و أثاروا حولها جدلا باطلا.. فقالوا: نعم، هو آخر النبيين، لا آخر المرسلين.. و قد قلنا و نقول ما أجمع عليه كل علماء الأمة و أئمتها: ان كل رسول لابد أن يكون نبيا من باب أولي، فليس كل نبي رسولا.. لأن هناك أناسا اختارهم الله بعد موسي عليه الصلاة و السلام مثلا، ليدعوا الناس للعمل بشريعته، و يجددوها و يقووها في نفوس أتباعها - و لم يكلفهم الله برسالة جديدة أو ينزل عليهم شريعة جديدة، و هؤلاء هم أنبياء، و حسب.. أما موسي و مثله عيسي و محمد عليهم الصلاة و السلام، الذين يدعون الناس لشريعة و دعوة جديدة، فهم أنبياء و رسل معا، في الوقت نفسه.. هم رسل باعتبار أن الله أنزل عليهم شريعة جديدة، و هم أنبياء حتما، لأنهم يدعون الناس الي هذه الشريعة، فالنبوة درجة أقل من الرسالة، فليس كل نبي يكون رسولا، لأن الرسالة درجة عليا فوق درجة النبوة، و الرسول يحوز الدرجتين معا حتما: درجة النبوة و درجة الرسالة معا. كما أن حامل البكالوريوس أو الليسانس مثلا، لابد أن يكون حائزا علي الثانوية أولا، حتي يدخل الكليات، و يأخذ الشهادة الأعلي من الثانوية فكل رسول نبي، كما أن كل حامل للبكالوريوس لابد أن تكون معه الثانوية. فيكون حاملا للثانوية و البكالوريوس معا. و ليس كل حامل للثانوية حاملا للبكالوريوس حتما، لأن هناك كثيرين لا يدخلون الكليات و لا المعاهد العليا، مثلما نقول: ليس كل نبي رسولا.. فالنبوة تعتبر درجة تمهيدية لابد منها لمن يكون رسولا.. كالثانوية بالنسبة للبكالوريوس.. فاذا قلنا مثلا هذا آخر واحد في مصر يحمل الثانوية، كان معني ذلك أنه لن يكون هناك حامل للثانوية و لا للبكالوريوس بعده.. مثلما نقول: هذا (محمد) آخر الأنبياء، يعني أنه لن يكون بعده نبي و لا رسول.. فنفي النبوة بعد محمد صلي الله عليه و سلم يعني من باب أولي: نفي الرسالة بعده.. فاذا قال الله سبحانه عن محمد (صلي الله عليه و سلم): «و خاتم النبيين» كان معني ذلك بداهة» و خاتم المرسلين أيضا.. فلا نبي و لا رسول بعده.. [ صفحه 45] و هذا أمر تفهمه العقول بداهة، و مع ذلك وضحه الرسول صلي الله عليه و سلم في أحاديثه الصحيحة بأن لا نبي و لا رسول بالتالي بعده.. فهو آخر الأنبياء و آخر المرسلين.. و لكن هؤلاء في باطلهم لهم هدف، لابد أن يوجدوا لبلوغه سندا، و لو بالتأويل الفاسد، و المماكحات اللفظية الباطلة و الممجوجة.. و هو الذي فعلوه.. و هو لا يغني عن الحق شيئا.. لكن ليقال: ان لهم وجهة نظر، و هي وجهة نظر باطلة لو قبلناها أو وافقهم عليها عاقل، لكان معناه: أن ليست لنا عقول. و لا أصول من دين. لكن و الذي قام أساسا علي دعوي كاذبة باطلة، لا يهمه أن يخوض في بحر من الباطل و الكذب بعد ذلك، أملا في الوصول الي غايته، و الغاية عندهم تبرر الوسيلة، و لو كانت الغاية فاسدة و الوسيلة فاسدة.. و الذي يبدأ حياة ملوثة من أول خطوة في طريقه، لا يهمه بل يهون عليه أن يخوض في الوحل و الملوثات في خطواته التالية.. فهو ملوث.. ملوث.. و الذي يدعي الكذب، و يقيم دعواه عليه، سيظل ينتحل الكذب، و ينتقل من كذب الي كذب، ليحبك ادعاءه. و هكذا كان بدء هؤلاء، و كانت مسيرتهم «و صدق الله العظيم، حين ضرب مثلا للطيب و الخبيث، فقال: «و البلد الطيب يخرج نباته (طيبا) باذن ربه، و الذي خبث لا يخرج (أي منه) الا نكدا [48] أي الا نباتا خبيثا. و هل ينبت الخطي [49] الا وشيجه: و تغرس الا في متابتها النخل. فهؤلاء (أنجاس مناجيس) لا يخرج عنهم الا كل خبيث.. و السي‌ء من معدنه لا يستغرب. ان أهم شي‌ء عندهم و عند صانعيهم أن يفتحوا أمامهم الطريق لادعاء الرسالة بعد محمد ليضعفوا رسالته، و يصرفوا المسلمين عنها لرسالة جديدة، فحواها و لبها الغاء الجهاد الذي فرضته للدفاع عنها، و لحمايتها، و لم يجاهدون.. اذن.. في سبيلها، و قد [ صفحه 46] نسخت! نسختها الرسالة الجديدة: البابية و البهائية و القاديانية أيضا، و ألغت هذا الغرض. فما علي المسلمين جهاد لحماية الدين و الوطن بعد الرسالة الجديدة، و ليسترح المستعمرون، و ليقروا عينا بهذه الخدمة الجليلة، و هذه النهاية التي خططوا و عملوا لها باستماتة [50] . و محمد صلي الله عليه و سلم مع ذلك رسول من رسل الله عندهم، لا ينكرون أنه رسول كموسي و عيسي لكن رسالته نسخت كما نسخ هو رسالة عيسي و موسي، و نسخ عيسي رسالة موسي. فكل منهم رسول، و حلقة في السلسلة، و جاء بعدهم رسول بشريعة تنسخ ما قبلها و تلقي تعاليمها و هو الباب و البهاء فتراهم لا يهاجمون محمدا رسول الله، و لا اخوانه الرسل السابقين، باعتبارهم رسلا ممهدين لرسولهم البهاء!! فلا تعجب - اذن - ان رأيتهم يمدحون محمدا أو عيسي أو موسي عليهم الصلاة و السلام، لكنهم ينكرون و يرفضون أن محمدا خاتم الرسل، و شريعته آخر الشرائع و لا شريعة بعدها تنسخها، ليفتحوا الباب - كما قلنا - لشريعة «البهاء» التي تنسخ عندهم شريعة محمد.. فليست صدفة
و أعتقد أنه لم يكن مجرد صدقة - و الأعيب الاستعمار و خططه كما نعرف - أن يقوم في القارة الهندية المجاورة لايران، و في القرن التاسع عشر نفسه - و سعار الاستعمار علي البلاد الاسلامية علي أشده - أن يقوم مدع آخر، تعلم حتي صار من العلماء المشار اليهم في الهند، فيدعي أنه نبي مرسل، و أنه المسيح الموعود، أتي برسالة جديدة، ينسخ [ صفحه 47] بها تعاليم الاسلام.. فتثور فتنة كبري بين مسلمي القارة الهندية، و ينشغلون عن الاستعمار و يلائه بهذا الدعي، الذي يدعي أنه يوحي اليه. و أنه بالنسبة الي محمد (صلي الله عليه و سلم) كنسبة عيسي المسيح من موسي، و أن مثيل موسي (يعني محمدا صلي الله عليه و سلم) أعظم من موسي و مثيل عيسي - يعني نفسه - أفضل من ابن مريم كذلك» [51] . فقد جعل نفسه من محمد، مثل عيسي من موسي.. فموسي جاء بعده عيسي، و محمد يجي‌ء هو بعده.. حتي تتم الدورة.. و قد تربي هو و أبوه في أحضان الانجليز، و يعترف في كتبه بأفضالهم عليه و علي أبيه، و ظل يعيش في أحضانهم و مؤازرتهم، و كان من أهم ما أعلنه ارضاء لسادته: الغاء فكرة و مبدأ الجهاد في الاسلام في شريعته. و أن علي المسلمين في الهند أن يخضعوا لبريطانيا، صاحبة الأفضال عليهم، و لا يرفعوا السلاح في وجهها، و لم يكن ذلك ثمنا هينا لارضاء سادته، بل كان ثمنا باهظا قدمه لهم، لأنهم منذ سيطروا علي أرض الهند بل من قبلها، و فكرة الجهاد الاسلامي تقض مضاجعهم، حتي انهم طاردوا كل مدرسة دينية و كل شيخ فيها، يدرس باب الجهاد في الفقه الاسلامي، و يغلقونها. و يلقون بالشيخ في السجن، كما حدثني بعض أكابر العلماء و المؤرخين في الهند حين كنت مدرسا سنة 1956 م في جامعة دار العلوم في ديوباند شمال الهند.. و قد كان يمن علي الانجليز، و يذكر لهم من فضائله عليهم: أنه ألغي الجهاد ضدهم، و ضد كل كافر، و ينشر كلامه هذا في مجلاته [52] ، و كان مما جاء فيها. كلامه: - «ثم نسخ الجهاد قطعا في عهد المسيح الموعود. أي في عهده.. و يقول: اليوم نسخ الجهاد بالسيف باذن الله تعالي. فمن حمل السيف علي كافر بعد هذا اليوم، و سمي نفسه غازيا، فقد عصي رسول الله، الذي قال قبل ألف و ثلثمائة سنة، ان الجهاد بالسيف ينتهي بعد مجي‌ء المسيح الموعود - يعني هو - فلا جهاد الآن بعد ظهوري.. الخ»!! و تحدث فتنة دينية علي أرض الهند بين المسلمين، بأصابع الاستعمار البريطاني و تشجيعه، كما تحدث فتنة دينية أخري علي أرض ايران الاسلامية بالبابية، بأصابع [ صفحه 48] الاستعمار أيضا، و تشغل كلتاهما (القاديانية و البابية) المسلمين هنا و هناك و تفتت جهودهم، و يصير بأسهم بينهم شديدا بدلا من أن يتحدوا ضد الاستعمار، و يحصل هذا في القرن التاسع عشر و هو القرن الحافل بهجوم الغرب و الشرق الروسي علي البلاد الاسلامية و استعمارها، و استغلال خبراتها. و قد ولد ميرزا غلام أحمد القادياني مدعي النبوة بالهند سنة 1252 ه - 1839 م و ترعرع و كبر، و صار من العلماء، ثم ادعي ما ادعاه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتي توفي سنة 1908 م.. و قد جاء ادعاؤه هذا، بعد ظهور البابية سنة 1844 بقليل ثم عاصرت فتنته، فتنة البهاء و خلفائه، في نهاية القرن التاسع عشر، و أوائل العشرين و حتي الآن، فانشغل العالم الاسلامي في ذلك الوقت والآن بالفتنتين، و الاستعمار يغذيهما، و يحتضنهما في تهجمهما علي الاسلام و المسلمين في كل مكان، و حتي الان.. و كلا الادعاءين يوجه سهامه النافذة الي شريعة رسول الله صلي الله عليه و سلم، و يقول نبي و رسول جديد، و الشريعة جديدة تنسخ شريعة محمد و تعدلها!! تمهيدا للقول بنسخ مالا يعجبهما فيها هما و الاستعمار.. و ليس هناك جرم أشد من هذا، يقع علي الاسلام و رسوله و شريعته، حتي يمكن أن يسكت المسلمون عليه، و من هنا كانت العواصف التي أثارها الاستعمار، و معه اليهود، علي العالم الاسلامي، و لا تزال حتي الآن، نتيجة هاتين الفتنتين.. أفبعد هذا كله و غيره كثير - يستريح مسلم للقاديانية، أو البابية و البهائية؟ أو بشك في خيانتهما للاسلام و المسلمين؟ و لقد حسمت باكستان - و فيها المركز الأصيل و المنبت الأول للقاديانة في «قاديان»، حسمت الموقف مع القاديانية و اتخذ مجلسها النيابي في 7 سبتمبر سنة 1984، و اتخذت حكومتها بالاجماع، قرارا: باعتبار القاديانيين أقلية غير مسلمة [53] . [ صفحه 49] أما البابية و البهائية فقد طاردتهما حكومة ايران، ثم الدولة العثمانية، و لكن كان ضعف و انفراط الدولة العثمانية، من حسن حظهما، فاستطاعت البهائية بمساعدة الاستعمار والصهيونية في كل مكان، و بغفلة من حكومات البلاد الاسلامية و شعوبها، أن تؤسس لها مراكز في الغرب و الشرق. و تتعاون مع الاستعمار، و الصهيونية، و الماسونية، في نشر أفكارها الهدامة للاسلام، متسترة في البلاد الاسلامية، بل و في غيرها بشعار السلام العالمي و الأخلاق و المحبة.. الخ. و يقوم بالدعوة اليها بهائيون بأسماء اسلامية وطنية، و كأنها مذهب اسلامي، و رأي من آراء المسلمين. بل نري بعض دعاتها يلبسون ملابس علماء المسلمين، و يخدعون الناس بعمائهم الكبيرة، و مسابحهم الطويلة، و ملابسهم الفضفاضة، و لحالهم الطويلة، و هم حيثما ينتقلون، يحملون وباء الكوليرا لجسم الاسلام و مبادئه.. و من هنا كان واجب المسلمين عزل هؤلاء و حصارهم، و الحذر التام من جراثيمهم أينما يكونوا [54] .

موقف علماء الشيعة من الباب

اشاره

و من الحق أن نذكر لعلماء الشيعة الاثني عشرية في ايران، و للحكومة فيها، موقفهما الحازم في محاربة هذه النحلة الخبيثة، ربيبة الاستعمار، فقد أبلي العلماء فيها بلاءا حسنا في مطاردة الباب و مناظرته، و التضييق عليه، و أبلت الحكومة بلاءا حسنا كذلك، حتي قامت عدة معارك بالسلاح بينها، و بين الذين التفوا حوله، و ساعدتهم الدول الاستعمارية بالأسلحة و المال. [ صفحه 50] و لم يكن الذين التفوا حوله، و حاربوا الحكومة، كلهم من أتباعه، بل أن كثيرين من معارضي الحكومة، و الساخطين عليها، انضموا الي الباب، و قاتلوا في صفه، كعادة المعارضة في انتهاز الفرص، للشغب علي حكوماتها - و كل يغني علي ليلاه - كما يقال.. و قد سقط الآلاف من البابيين و من جند الحكومة، نتيجة هذه الحروب الأهلية.. و لم يكن «الباب» من الأصل صاحب عقيدة يستمبت من أجلها، و لكنه كان طالب مظهر، و أداة من أدوات روسيا، و عميلا من عملائها، كما عرفنا من قبل، و لذلك رأيناه يكتب من سجنه في قلعة «جهريق» رسالة بخطه الي ولي العهد «ناصرالدين» «و كان حاكما وقتها لمقاطعة «أذربيجان». و شديد الوطأة علي البابيين و الرغبة في القضاء علي فتنتهم، و يعلن الباب في هذه الرسالة توبته، و عرفت باسم «قوبتنامه»، و هي «محفوظة [55] الآن في خزانة المجلس النيابي في «طهران»، و قد نشرها البروفسور «ادوار براون»، و هذا نص تعريبها: «روحي فداؤه الحمد لله كما هو أهله و مستحقه، الذي غمرت ظهورات فضله و رحمته كافة عباده، في جميع الظروف، و الحمد لله ثم الحمد لله الذي جعل الحضرة «يريد ولي العهد ناصرالدين شاه» ينبوع شفقته و رحمته، الذي عطف علي المجرمين، و رحم البغاة الآثمين، أشهد الله أن ليس لهذا العبد الضعيف أي هدف يخالف رضا رب العالمين، أو رضا أهل البيت أجمعين». «ان وجودي بالذات، و ان كان ذنبا صرفا، لكن قلبي مفعم بتوحيد الله جل شأنه، و مؤمن بنبوة رسوله و ولاية أهل بيته، و أن لساني مقر بكل ما نزل منه تعالي جلاله، و اني لم أتبع غير رضاه، و ان كانت قد ظهرت و جرت من قلمي كلمات مخالفة لرضاه، فانها لم تكن بمثابة عصيان، و مهما كان الأمر، فاني مستغفر و تائب الي حضرته، اذ ليس لهذا العبد أي علم بما ينسب اليه من دعوي، أستغفر الله و أتوب اليه، من أن ينسب الي مثل هذا الأمر، و أن بعض المناجاة التي جرت علي لساني لا تشكل [ صفحه 51] دليلا علي أي أمر، كما أن ادعاء النيابة عن حجة الله عليه‌السلام (المهدي) نيابة خالصة، انما هو ادعاء باطل محض، و ليس لهذا العبد مثل هذا الادعاء، أو أي ادعاء آخر، فاسترحم من ألطاف الحضرة الشاهنشاهية، و من ذلك الحضرة، أن تشملوا هذا المخلص بألطافكم و رحمتكم و السلام عليكم». لكن الأمور سارت بعد ذلك علي غير ما يرغب الباب، فقد اعتلي العرش ولي العهد «ناصرالدين شاه» و كان شديد الوطأة علي الباب و الرغبة في القضاء علي فتنته، فاتجه الي الاتيان به من محبسه في القلعة و اعدامه، و لكنه هو و رئيس وزرائه أراد ألا يتم شي‌ء من ذلك، الا بعد مناظرة بينه و بين العلماء، يتبين فيها الحق من الباطل، و تقوم الحجة علي المبطل من الطرفين. و لكن العلماء رأوا أنهم كثيرا ما ناظروه، و نبين فساد رأيه، و مع ذلك لم تعمل الحكومة أي شي‌ء، فأعرضوا عن المناظرة و انتهي الأمر باعدامه في شعبان 1265 أو 1266 ه - يوليو 1850 م. و كان عمره حينذاك 31 سنة قمرية، و سبعة أشهر، و سبعة و عشرين يوما. و معه السيد محمد علي الزنوزي أحد أصحابه المخلصين.. و قد سحبت الجثتان، و رميتا في خندق، و جاء قنصل روسيا فأخذ لهما صورة، ثم انتشلهما بعض رفاقهما، و وضعوها في تابوت، و أرسلوه الي طهران حيث بقي مؤقتا، ثم نقل بعد ذلك الي «حيفا» بأمر من حسين البهاء عباس افندي، الذي اتخذ هو و والده من قبله «حيفا» مركزا له، حيث دفن هناك علي جبل الكرمل [56] .

هل قالت البابية بنسخ الشريعة حقا

نعم. قالت به صراحة في نصوص سأوردها بعد ذلك. و ربما يستعظم ذلك بعض القراء، و يستغربه من مسلمين يؤمنون بالله، و بالرسول الخاتم، و بالقرآن الذي أنزله الله عليه، ختاما للكتب السماوية. نعم يستعظم ذلك، و يستغربه أمثالنا، نحن السنيين، الذين لا يؤمنون بضرورة الامام، و لا بحقه في التأويل الباطني للقرآن الكريم.. [ صفحه 52] لكن الشيعة عموما الذين يؤمنون بالامام، كركن سادس زائد علي الأركان الخمسة المعروفة، الواردة في حديث رسول الله صلي الله عليه و سلم: «بني الاسلام علي خمس..» مع ايمانهم بالامام، أعطوه حق تفسير القرآن و تأويله حسب علمه، الذي قالوا عنه انه علم موروث عن الأئمة، انتهاء الي الامام علي رضي الله عنه الي الرسول (صلي الله عليه و سلم)، و ما قام به هؤلاء من تأويلات غريبة حسب ما يريدون من آراء، أدت الي تفريغ ألفاظ القرآن من دلالاتها، كما عرفنا فيما سبق، من ذكر نماذج من هذا التأويل [57] و اتهامهم لمن يقف عند دلالات الألفاظ - مثلنا نحن أهل السنة و الصحابة من قبلنا - بالجهل و العامية و السطحية، و أهل الظاهرة، و أهدروا بذلك كثيرا من التكليفات، و أقاموا بدلها تكليفات أخري، حسب ما يريدون، بما يكاد يكون نسخا لظاهر القرآن، و اهدارا لتكاليفه، و أوامره و نواهيه... أقول: ان مثل هذا الجو الشيعي الذي تسود فيه هذه الأفكار، يصبح من السهل فيه، أن يدعي أحد نسخ شريعة محمد عليه الصلاة و السلام، و من السهل فيه تقبل مثل هذا الادعاء دون انزعاج كبير.. و هذا علي العكس تماما من جو أهل السنة، فانه لا يمكن أن يقبل من أحد أية اشارة خفيفة الي أن أحكام القرآن يمكن أن تتغير أو تتبدل، أو يلحق أي حكم منها أي تأويل يخرج بالألفاظ عن دلالاتها العربية، أو أنها لم تعد مناسبة للعصر.. لكن الجو الفكري العقدي عند الشيعة ساعد بعض الناس، وهيأهم لقبول فكر كفكر البابيين بنسخ شريعة محمد صلي الله عليه و سلم، و ان كان الكثيرون من علماء الشيعة و من وراءهم من عامة الناس قد وقفوا لهذا الفكر الشاذ بالمرصاد، و حاربوه بكل ما أوتوا من قوة، و حملوا الحكومة علي أن تقف معهم ضد أصحاب هذا الفكر الشاذ، وقفة حازمة، أدت الي اعدام الباب نفسه، و لو أنها أي الحكومة قد أدخلت في حسابها [ صفحه 53] و موقفها، حماية سلطتها، و حماية الأمن مما جري بين هؤلاء، و بين أكثرية الشعب. لكن وجد هؤلاء شواذ الفكر «زبائن» لهم من الشعب، يتقبلون رأيهم، و يتحمسون له، و يضحون من أجله.. و يمكن أن نضيف الي هذا ايمان الفكر الشيعي بعقيدة المهدي، و أنه يأتي حين يظهر الظلم و الفساد، ليملأ الأرض عدلا، بعد أن ملئت ظلما و جورا. فقد وجد الشعب نفسه في تخبط، غارقا في مآسي الظلم و الفساد، حتي هيي‌ء له، أن هذا هو الوقت الذي يظهر فيه المهدي، ليقر العدل و الأمن بين الناس. و نحن نصادف أحيانا بعض الناس، و قد ضاقت الدنيا في وجوههم، و لم يروا فيها الا الأفق المظلم، و الا نواحي من الظلم و الفساد من حوله، فيسارع الي القول بأن «القيامة ستقوم خلاص».. فليس بعيدا علي أناس من الشعب الايراني يرون أنفسهم وسط ظلم و فقر و فساد، و قد ضاقت الدنيا في وجوههم، فيسمعون كلاما عن ظهور «المهدي»، فيسارعون الي الايمان به، و السير وراءه، أملا كاذبا في أن يرفع عنهم ما يعانونه، و يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا، كما سمعوا من أوصافه.. و لذلك وجدنا من الشعب الايراني من يصدق دعوة الباب، و ادعاءه في أنه «المهدي».. و يجد دعاة الباب من يلتف حولهم، و يقف في صفهم حتي ضد جيش الحكومة، فينتشون من وجود هؤلاء الأتباع الكثيرين المؤمنين بدعوتهم، و تزيد نشوتهم حين ينازلون بهم جند الحكومة، فينتصرون أحيانا، و يجدون نماذج من تضحياتهم، و يجدون بجانب ذلك من الأعوان الجواسيس الخونة من يساعدهم و يمدهم بالأسلحة و بالمال، بل يجدون هؤلاء الخونة في الحكام أنفسهم و قد دستهم روسيا في بلاط الشاه، و ظهروا له بمظهر المخلصين المتفانين، فخدع الشاه بهم و عينهم حكاما، فأدوا مهمتهم الحقيقة في مساعدة الباب و الخارجين علي حكم الشاه.. و هذا كله قد دفع هؤلاء الي الاغترار أو الاعتزاز بقوتهم، فدعوا الي اجتماع عام لأقطابهم في: «مؤتمر بدشت». [ صفحه 54] مؤتمر بدشت
و كان هذا الاجتماع في «بيداء بدشت» علي نهر «شاهرود» بين خراسان، و مازندران، و ذلك في شهر رجب 1264 ه - 1848 م، و الباب معتقل في «قلعة ماه كو»، اجتمع فيه نحو ثمانين قطبا من أقطابهم، لتحديد معالم دعوة الباب و موقفها من الشريعة الاسلامية، و العمل علي انقاذ الباب، و اخراجه من اعتقاله.. و كان علي رأس المجتمعين، أكبر الدعاة، و أقرب المقربين للباب، الملا حسين البشروئي الذي كان يحمل لقب «باب الباب»، و الملا الحاج محمد علي البار فروشي الذي سمي بعد ذلك بالقدوس، و قرة العين «زارين تاج» الملقبة بالطاهرة، و الميرزا حسين علي الذي تسمي «بالبهاء»، و الميرزا يحيي علي، أخو الميرزا حسين الملقب ب«صبح أزل». و وجه الباب من سجنه كتابا أو «لوحا» من ألواحه، لكل مجتمع من المجتمعين، لتوجيههم الي ما يريد. و يقول الأستاذ «احسان الهي ظهير» معتمدا علي مصادر [58] ، و للبابيين أنفسهم عن هذا المؤتمر: «فنصبت الخيام في تلك البيداء الجميلة الغناء، المنعزلة من العمائر و سكانها، و صاروا يرتكبون الفواحش و الفجور و الفسوق، و يعبثون بالنساء». «و كانت الشابة الجميلة «قرة العين» تتوهج شبابا و نضرة و أنوثة ملتهبة عارمة، و الشاب الوسيم الجميل المتألق، قوي البنية، بعيد المنكبين، المتدفق بالرجولة و الحيوية و الجمال: «محمد علي البار فروشي القدوس» محل الأنظار و موقع الأعين، حيث لم يبلغ كلاهما الثلاثين من عمره، كما كان من الجهة الثانية «الميرزا حسين علي البهاء» يمتاز بترفه و غناه، و باستضافته جميع الحاضرين، علاوة علي حسنه و شبابه، و بأن كان آنذاك كما يقول مؤرخوه «شاباذا شعر مرسل، كشعر الأوانس». «و كانوا مختلطين رجالا و نساء اختلاطا لا حواجز بينهم، و قد تركوا الاسلام و قيمه وراء ظهورهم، و اجتمعوا ليعلنوا تحللهم منه، و نسخه، و العمل بما يشرعه الباب، و يشرعونه لأنفسهم». [ صفحه 55] «حتي قال البشروئي نفسه «باب الباب»: أنا أقيم الحد علي البدشتيين، متبرئا منهم.. و كتب «البروفسور براون» المستشرق البريطاني المحب للبابيين المتعصب لهم، و الذي قال عنه المؤرخون: «لولاه لم يكن للبهائيين أثر في العالم الجديد»، كتب في مقدمة كتاب «نقطة الكاف» للبابي الميرزا جاني الكاشاني» يقول: «أيد المؤرخون البهائيين، حذفوا بعض وقائع «مؤتمر بدشت» من الكتب التي ألفوها في تاريخ البابيين، و منها المطاعن التي طعن بها المسلمون، و شنعوا عليهم، من الحركات الشنيعة، و الأطوار الغريبة، التي ما جعلت المسلمين وحدهم يهجمون عليهم، و يقولون فيهم ما قالوه، بل البابيون أنفسهم، قبحوا تلك الأعمال، حتي ان «الملا حسين البشروني» الملقب «بباب الباب» قال: «أنا أقيم الحد علي البدشتيين». «و هذا دليل صدق، علي أن القذف الذي يقذف به المسلمون البابيين، من الاباحية، و الاشتراك في النساء، و غير ذلك، ليس بافتراء محض، و بهتان صرف، آتي به المسلمون عداوة لهم و اختراعا، بل كان هناك أشياء، فقالوا، و ارتكب الناس أمورا فأنكروها». و حتي «الميرزا جاني الكاشاني» المؤلف لكتاب «نقطة الكاف» ألمح بأشياء منها، بقوله «ان قرة العين» لما فرت من «قزوين» بعد قتل عمها، الي «خراسان»، و وصلت الي «شاهرود»، ففي نفس الوقت وصل جناب الحاج - محمد علي القدوس - من مشهد، و صارا مصداق «و جمع الشمس و القمر» لذلك لما اقترن سماء المشية (القدوس)، بأرض الارادة «قرة العين» ظهر أسرار التوحيد - كذا - وسر العبادة، و ارتفع الحجاب، عن وجه المعشوق المقصود - هكذا - و أعطيا كئوسا من جوهر الخمر لذة للشاربين، حتي فقدت الجماعة شعورها، من وفور السرور و النشوان، و تغنوا بألحان بديعة و ظهر معني «هتك الستر لغلبة السر»، و تجاوبت أصواتهم الفرحة المسرورة ببصائر السموات السبعة [59] . «و نقل البستاني أيضا عن السيد جمال‌الدين الأفغاني، و هو يذكر «مؤتمر بدشت»: «فوقع الهرج و المرج، و فعل كل من الناس ما كان يشتهيه من القبائح» [60] . [ صفحه 56] «و يذكر الكاشاني - المؤرخ البابي» أكثر من ذلك يقول: «افترق الناس في بيداء «بدشت» جماعات، جماعة افتقدوا شعورهم، و طائفة تحيرت، و فريق جن جنونهم، و فرقة فرت من قيلهم و قالهم، فاضطرب الأهالي المجاورون لتلك البيداء من أحوالهم و حركاتهم، أما رأوا منهم من أمور، لم يروا مثلها من أحد غيرهم، فهاجموهم ليلا، و رجموهم بالأحجار الثقيلة الكثيرة، فتفرقوا، و هرب كل واحد من هناك الي جهة.» و سافر «القدوس» خفية الي «بارفروش» و سافرت القرة معه، فانتشرت أخبارهم الصحيحة منها و غير الصحيحة في «مازندران» كلها، و صارت سببا لفضيحتهم و ذلهم». و سافرت «قرة العين» مع القدوس البار فروشي، الشاب المحبوب لها، في هودج واحد الي «مازندران» أعده حسين علي - البهاء لهما.. و دخلت معه في قرية «هزار جريب» في حمام واحد للاستحمام، و لما سمع أهل القرية ما هم عليه من الفجور العلني، و عدم العفه و الحياء، و الجهر باقتراف الكبائر، هجموا عليهم جماعات و وحدانا، فقتلوا البعض، و فرقوا جمعهم، كما افترقت هذه المؤمسة أيضا من عشيقها و زميلها في الخلوة و الجلوة [61] . كان هؤلاء هم الذين اجتمعوا في «بدشت»، ليقرروا مصير الباب و تخليصه من سجنه، ثم ليقرروا موقف البابية من الاسلام و شريعته!! نسخ الشريعة الاسلامية
و لم يلبث المجتمعون طويلا، حتي أعلنوا - و بخطة محكمة فيما بينهم - القول: بوجوب النسخ و التجديد و أن من قوانين الحكمة الالهية في التشريع الديني، أن يكون الظهور اللاحق، أعظم مرتبة، و أعم دائرة، من سابقه، و أن يكون كل خلف أرقي و أكمل من سلفه، فعلي هذا القياس يكون حضرة الباب أعظم مقاما و آثارا من جميع الأنبياء الذين خلوا من قبله، و يثبت له الخيار المطلق في تغيير الأحكام و تبديلها». [ صفحه 57] و كانت «قرة العين» علي رأس المتحمسين للقول بالنسخ، و كانت لها سيطرتها علي جميع الحاضرين [62] و من كلماتها التي ألقتها في «مؤتمر بدشت»: لخداع النساء: ان ارتداد النساء في الشريعة الاسلامية لا يستوجب حد القتل، بل يستلزم بذل النصح و الاستتابة [63] الخ.» و من خطبها التي ألقتها في المؤتمر: «اعلموا أيها الأحباب و الأخيار، اعلموا أن أحكام الشريعة المحمدية قد نسخت الآن بظهور «الباب»، و أن أحكام الشريعة الجديدة البابية تصل الينا، و أن اشتغالكم بالصوم و الصلاة و الزكاة، و سائر ما أتي به محمد، كله عمل لغو، و فعل باطل، و لا يعمل بها الآن الا كل غافل و جاهل، ان مولانا الباب سيفتح البلاد، و يسخر العباد، و ستخضع له الأقاليم السبعة المسكونة، و سيوحد الأديان الموجودة علي وجه البسيطة، حتي لا يبقي الا دين واحد، هو دينه الحق..» «الحق أوقل: لا أمر اليوم و لا تكليف، و لا نهي و لا تعنيف.. مزقوا الحجاب بينكم و بين نسائكم، و أخرجوهن من الخلوة الي الجلوة، فما هي الا زهرة الحياة الدنيا، و ان الزهرة لابد من قطفنها و شمها، شموها بالكيف و الكم، فالزهرة تجني و تقطف، و للأحباب تهدي و تتحف.. فخذوا حظكم من هذه الحياة، فلا شي‌ء بعد الممات [64] . من هي قرة العين
اسمها فاطمة، و كنيتها: أم سلمي، سميت ب «زرين تاج» أي التاج الذهبي لأنها كانت ذهبية الشعر ولدت في «قزوين» 1231 ه سنة 1814 و قتلت سنة 1268 ه و هي بنت الحاج ملا صالح القزويني، و أجمع مؤرخوها علي أنها كانت بارعة الحسن و الجمال، و فتنة للرجال.. خشي عليها والدها من جمالها، فزوجها و هي بنت 13 سنة من ابن عمها امام الجمعة في المدينة، و جاءت منه بأولاد، و كانت بيئتها محافظة علي القيم [ صفحه 58] و الأخلاق، و لكنها كانت منقسمة بين شيعة محافظين، و بين شيخين من أتباع مدرسة الشيخ الاحسائي و الرشتي.. و شعرت هي بجمالها و فتنتها، فضاقت ذرعا بالقيود حولها، و راسلت «الشيخ كاظم الرشتي» الذي كان أستاذ الباب و موجهه، و أعجبت بآرائه، كما أعجبت بآراء الشيخ أحمد الاحسائي، و تلاقت في ذلك مع أفكار «الباب» تلميذ مدرستهما، و انتهرها والدها فلم تنتهر، و أخيرا تركت «قزوين» و زوجها و أولادها و بيئتها المحافظة التي لم تطق البقاء فيها، و سافرت للعراق 1843، تريد الشيخ كاظم الرشتي، و لكنه مات قبل أن تصل [65] ، فترددت علي بيوت الكبار في بغداد، و النجف، و كربلاء، و كان منهم المفسر الكبير المفتي الألوسي الذي مكثت في بيته شهرين [66] ثم صدر قرار بالافراج عنها و ترحيلها لايران، و كانت قد آمنت بدعوة الباب و تدعوا اليها، فألقي القبض عليها بتهمة قتل عمها، ثم استطاعت الفرار بمعاونة «الميرزا حسين - البهاء» فحضرت مؤتمر «بدشت» كما عرفنا، و كان لها الدور الأول في اعلان نسخ الشريعة الاسلامية.. و قد انتهي أمرها بالقبض عليها في تهمة اغتيال «الشاه ناصرالدين» بعد قتل «الباب»، و حكم عليها باحراق جثتها، و كان ذلك في سنة 1268 ه 1852 م.. و قد كتب المستشرق الانجليزي «ادوارد براؤن» عنها، فقال «ان الشخصية الجذابة الخلابة لأنظارنا و انتباهنا في تكوين الديانة البابية، هي الجميلة الذكية التي وهبت حظا وافرا من الحسن و الجمال و العقل و الذكاء «قرة العين». و يقول «السير فرانسيس ينج» في كتابه: ان أقوي الشخصيات في الحركة البابية، و أميزها من الجميع هي «قرة العين» التي كانت شاعرة و خطيبة ممتازة مؤثرة». [ صفحه 59] فماذا تكون شأن ديانة، كانت هذه اللعوب الفاتنة، و كان سحر جمالها و جاذبيتها و مظهر تحللها من القيم، - كما عرفنا - من أكبر الدعاة لها، و تولت كبر الدعوة الي نسخ الشريعة الاسلامية..؟ نعم.. ماذا تنتظر من دعوة، كانت هذه محورها، الا أن تقول: «و الذي خبث لا يخرج الا نكدا»؟ كتب الباب (علي محمد الشيرازي)
ادعي «علي محمد الشيرازي» أنه باب و نائب و متحدث باسم (مهدي) مستور، و أخذ يدلي بآراء عجيبة، و يفسر القرآن تفسيرات باطنية غريبة، و لما وجد عند بعض الناس قبولا لأفكاره، خطا الخطوة الثانية، و ادعي أنه المهدي، و أنه نبي يوحي اليه، و أخذ يتكلم و يكتب ما يوحي اليه، و ينشره بين أتباعه.. حتي و هو في سجنه، ثم زاد غروره، و ادعي أن روح الاله حلت فيه و يقول: «أنا لست أنا، بل أنا مرآة فلا يري في الا الله» [67] . و كان مما كتبه عن الوحي، كتاب بالعربية سماه «البيان» و كتابا آخر بالفارسية علي نسقه، فالوحي ينزل عليه بالعربية و الفارسية معا!! يقول «السيد عبدالرازق الحسني» [68] ، تحت عنوان «كتاب مستطاب بيان عربي»: «هذا هو كتاب «البيان العربي» الذي كتبه السيد علي محمد الشيرازي مؤسس البابية سنة 1260 ه، كنت قد حصلت علي نسخة خطية منه في أيار سنة 1934 م بواسطة الحاج محمود القصابجي، رئيس المحفل البهائي في العراق، و في أيار سنة 1965 م حصلت علي نسخة أخري منه، بواسطة السيد كامل عباس سكرتير [ صفحه 60] المحفل المذكور، فنسختها بيدي، و هي هذه - أوردها بعد ذلك -، و علي كل، فكتاب «البيان العربي» غير مطبوع، و نسخه الخطية تكاد تكون معدومة.». يوجد الآن مطبوعا.. «و لمؤسس البابية كتاب بيان آخر هو «البيان الفارسي، و هو مطبوع في ايران علي الحجر، و نسخة نادرة جدا، لأن البهائيين صادروه بعد طبعه، فلم ينتشر بكثرة لذلك، لأن البهاء نسخ أحكامه بكتابه «الأقدس» فأصبح الأقدس أهم مرجع للبهائيين أجمعين». «ان لغة البيان العربي غامضة جدا، و قد أكد لي الحاج محمود القصابجي، بأنني لست أول من لاحظ هذا الغموض علي هذا الكتاب، و أن البهائيين قاطبة يلاحظون هذا الغموض مثلي». و قد نشره المؤلف بعد ذلك تحت عناوين «الواحد الأول بسم الله الأمنع الأقدس» «الواحد الثاني» و هكذا حتي الواحد الحادي من بعد العشر، و يبدأ الكلام في كل واحد علي لسان الله معبرا عن ذلك بأنه وحي من الله، هكذا «انني أنا الله لا اله الا أنا، و ان مادوني خلقي، قل أن يا خلقي اياي فاعبدون.. الخ» «و يفتتح الواحد الثاني بقوله «بسم الله الأقدس، أن يا حرف الزاء و الباب فلتشهدون علي أنه لا اله الا أنا، قد نزلت في الباب الأول من الواحد الثاني، أن أعرف قدرة ربك.. الخ». و هكذا في كل واحد يأتي بمثل هذا الخطاب «انني أنا الله..» و تارة يقول «أنا الله الأعظم الأعظم» أو «الأقدم الأقدم» أو «الأغيث الأغيث» أو «الأعدل الأعدل» أو «الأسلط الأسلط»، و هكذا.. و يأتي بكلام ركيك غامض لا يفهم، لكنه علي لسان الله.. ليحبك الصنعة و الادعاء: بأنه وحي من الله...!! و كثيرا ما يختتم الجملة باقتباس من آيات القرآن، أو علي غرارها، ليوهم الناس أكثر، بأنه وحي من كلام الله المنزل عليه!! و ما كان الله لينزل كلاما ركيكا غامضا مثل هذا، قد استعصي فهمه علي الناس.. و قد وصل به الهوس الي أن يدعي ما هو أكثر من هذا، فيدعي الربوبية، و يقول: كنت في يوم نوح، نوحا، و في يوم ابراهيم ابراهيم.» و هكذا.. [ صفحه 61] و يقول: «أنا قيوم الأسماء، مضي من ظهوري ما مضي، و صبرت حتي يمحص الكل، و لا يبقي الا وجهي، و أعلم بأنني لست أنا، بل أنا مرآة، فانه لا يري في الا الله». و حين كتب وصيته للميرزا يحيي «صبح أزل» كتبها كأنه اله و رب.. و هذا نصها: [69] «الله أكبر تكبيرا كبيرا، هذا كتاب من عند الله المهيمن القيوم، الخ». و كان البابيون يسمونه «الرب»، كما ورد عدة مرات في كتاب «التاريخ البابي «نقطة الكاف» و غيره، «و حضرة الرب الأعلي». «و حسين علي البهاء» أيضا كان يسميه الرب و الاله، و كان يستدل من الآية القرآنية علي ألوهيته: «هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر [70] «، كما كان يطلق عليه اسم «مالك الغيب و الشهود» و قد كتب البهاء كتابه «الأقدس» تأييدا له - البهائية للأستاذ احسان ص 11. و ذكر في دائرة المعارف للأديان و المذاهب: «ان البابيين كانوا يعتقدون في الشيرازي (الباب)» الربوبية، و يخاطبونه بحضرة الرب الأعلي». ويقول داعية البهائيين «أبوالفضل الجلبائيجاني» في مقدمة كتاب «الفرائد»: نحن لا نعتقد في الميرزا علي محمد الباب، الا أنه رب و اله» [71] . و ان الانسان ليجد ما يشبه التضارب في هذه الادعاءات: ما بين ادعائه أنه نبي و رسول ينزل عليه الوحي ب «البيان» ليكون حجة علي كل ما مضي من الكتب و الشرائع، و يقول عنه، اذا قال محمد بعجز البشر عن الاتيان بسورة من سور القرآن فأنا أقول بعجز البشر عن الاتيان بحرف مثل حروف قرآني» و بين ادعاء أتباعه بأنه رب و اله، و قد تاهوا في وصفه لنفسه بأنه المهيمن القيوم علي نسق ما فعله بعض الأئمة والحكام الشيعة. و هذا شأن كل من ترك الطريق المستقيم، و تاه في صحراء الضلال «و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» [72] هذا و قد ترك كتبا أخري من تفسير علي نسق تفسيراتهم الباطنية و غيره، ليشرح بها دعوته.. [ صفحه 62] شريعة الباب و تعاليمه
و كان لابد للباب - و قد نزل عليه الوحي ب«البيان» و نسخ شريعة الاسلام أن تكون له شريعة خاصة، و تعاليم خاصة، ليسير عليها الذين ضلوا وراءه، و خرجوا عن صراط الله المستقيم.. و ماذا ينتظر من دعي مثل «الباب» مغرور أو مهووس الا أن يضع لهم شرائع و تعاليم؟ 1- لقد أداه غروره و تشنجه، كبعض المهووسين الدينيين في أيامنا، الي الدعوة لابادة كل من لم يعتنق دينه، فاما الاذعان له، و اما القتل، و هذا ليس بغريب علي انسان مغتر متشنج، و يقول في ذلك: «فرض علي كل ملك يبعث في دين «البيان» ألا يجعل علي أرضه من لم يؤمن به» [73] . و يقول أحد قادة البابية: السيد يحيي الذارابي: «لو أنكر أبي - السيد جعفر الدارابي - مع جلالة قدره، و عظمة شأنه، ذلك الظهور الباهر النير (أي ظهور الباب) فقسما بالله: لقتلته بيدي في سبيل المحبوب».. و لقد أقر بهذا عباس افندي ابن حسين علي المازندراني (البهاء) في مكاتيبه، اذ قال: «ان الباب و البابيين كانوا يأمرون بقتل جميع من لا يعتنق البابية، و كان منطوق «البيان» ضرب الأعناق، و حرق الكتب و الأوراق، و هدم البقاع، و قتل الجميع الا من آمن به و صدقه» [74] يريد حرق الكتب في أي علم.. و هكذا يكون التشنج، و هكذا يقودهم الي الجهل، حين يحرم عليهم النظر في الكتب الا في كتاب «البيان»!! 2- و هم يكفرون جميع أمور الآخرة، من القيامة و البعث و الصراط و الحساب... الخ.. و يؤولون الآيات القرآنية التي جاءت بذلك، تأويلات و همية فاسدة، علي حسب هواهم و أفكارهم». [ صفحه 63] فيقول عن القيامة «انها عبارة من وقت ظهور شجرة الحقيقة، في كل الأزمنة، مثلا: بعثة عيسي قيامة لموسي، و بعثة محمد قيامة لعيسي، و بعثته هو أي الباب - قيامه لمحمد رسول الله (صلي الله عليه و سلم) و كل من كان علي شريعة القرآن، كان ناجيا الي ليلة القيامة (أي ليلة مبعثه) و هي الساعة الثامنة و الدقيقة الحادية عشرة من غروب الشمس من اليوم الرابع، و أول الليلة الخامسة من جمادي الأولي سنة 1260 ه»!! و هذا صريح في نسخه للاسلام... و يؤول البهاء قوله تعالي: «اذا السماء انفطرت» بأن المقصود هنا: سماء الأديان التي ترتفع (و تنسخ) في كل ظهور، ثم تنفطر و تنشق بالظهور الذي يأتي بعده، أي أنها تصير باطلة و منسوخة» و يقول: «لم يدرك أكثر العلماء، هذه الآيات (التي ورد فيها ذكر القيامة) ففسروها بأنها قيامة موهومة من حيث لا يشعرون» [75] . و يقول الباب: «أتحسبون أن الحساب و الميزان في غير هذا العالم؟ قل سبحان الله عما يظنون» [76] . و يوم الجزاء: هو يوم الظهور الجديد (أي ظهور المبعوث) الذي فيه يحصل الفصل بين اختام الله، الذين يقبلون وحيه، و بين الذين لا يقبلون». و يقول «أسلمنت» أحد أتباعهم المتعصبين: يكون مجي‌ء كل مظهر الهي، عبارة عن يوم الجزاء و النفخ في الصور، الذي تنبأ به المسيح و محمد، و غيره من الأنبياء، هو نداء المظهر (أي المبعوث) الذي يردده كل من في السموات و الأرض». و الجنة: حب الله و رضاؤه.. و النار: الحرمان من معرفة الله و محبته، و يقرر (أسلمنت هذا) بصراحة: أن هذه الكلمات لم يكن لها معني غير ذلك، و أن الأفكار السائدة الخاصة بقيام الجسد المادي و الجنة و النار المادية و أمثالها، انما هي اختراع وهمي» [77] . [ صفحه 64] و هكذا يشطحون في التأويلات، كما يشطح الباطنية جميعا، و يخرجون الألفاظ العربية الصريحة عن معانيها. فما كان من نوم أتوه فانما توارثه آباء آبائهم قبل و الصلاة عندهم: التكبير و التحميد لحضرة النقطة (أي الشيرازي الباب)، و الوضوء يكون بماء الورد و الطيب.. و من غرائب شريعة الباب ما ذكره مؤلف كتاب «البابية» في شي‌ء من التفصيل مع التعليق عليه، نذكر منه: أن سجودهم اذا سجدوا لا يكون الا علي بللور، و أن دفنهم لا يكون الا في بللور أو رخام، و أنهم يحرمون العلاج و الدواء «ثم أنتم الدواء لا تملكون، و لا تبيعون و لا تشترون، و لا تستعملون» [78] . و أن كل ما يطلق عليه اسم شي‌ء لا حذر من استعماله، «فالبول و البراز و الكلاب و الخنازير و ما يخرج من حيوان لا تحذرون» و أن كل شي‌ء نجس و خبيث اذا نسب، للباب يطهر بمجرد هذا الانتساب، و هكذا نجد الغرائب الكثيرة و المتناقضات في شريعة الباب. و اكتفي بهذا.. و من أراد استغرابا و استنكارا أكثر فليرجع الي ما ذكره الاستاذ احسان ظهيري في مؤلفه «البابية» شريعة البابية و تعليماتها» يجد العجب العجاب.. و صدق الله العظيم و هو يتحدث عن عظمة القرآن «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» [79] . [ صفحه 65] ظاهرة تستوقف النظر
أثناء دراستي لحياة «الباب» و الذين حوله، استوقفتني ظاهرة تدعو للتأمل، و تفتح الباب أمامي و أمام غيري، لتقييم هذه الدعوة الشاذة. فانتقل فكري من هؤلاء الي ما يجري حولنا من مظاهر، ان لم تكن مثل هذه، فهي شبيهة بها و لو بعض الشبه، و يمكن ملاحظتها حين يحكم الانسان علي الباب، و الذين تجمعوا حوله من خاصة مريديه، من ناحية طبيعة الشباب، و اندفاعهم وراء فكرهم، و بدون دراسة، و لا تعقل، و تعصبهم لآرائهم، و تضحياتهم في سبيلها، مهما تكن شاذة و معوجة، و ذلك بحكم اندفاع الشباب، لما يؤمن به، و فورته و سرعته في اتخاذ أحكامه، معتدا بنفسه، غير مبال بأفكار غيره، مستعملا كل الوسائل التي يراها موصلة لأغراضه، و محققة لأفكاره.. مستحلا لنفسه ما يراه، و مبررا له بالغاية التي آمن بها. علي أن الغاية تبرر الوسيلة».. و قد رأينا استعمال وسائل الاغراء المحرمة، لجذب الشباب و الشابات الي مذهب من المذاهب، و استساغة بعض الشباب هذه الوسائل، حتي دفع فريسة لهذا المذهب.. و أصبح من دعاته و أنصاره.. و رأينا اندفاع بعض الشباب وراء فكر معين لشاب من الشباب، لم تتهيأ له الدراسة الكافية لتكوين هذا الفكر، لكنه آمن بنفسه و بفكره، و آمن به بعض الشباب، و تحمسوا له، الي حد نسوا فيه كل شي‌ء الا «أميرهم» و أفكاره.. و أصدروا أحكاما علي المجتمع خطيرة، و بنوا عليها أعمالهم، و قاموا هم بتنفيذ هذه الأحكام!! حتي وجدنا تابعا من هؤلاء يحكم بكفر أبيه، و يحكم بالتالي علي فسخ زواج أمه منه، ثم يفصلها عنه، و يأخذها لمكان آخر فيزوجها بآخر.. مع أنها لا تزال شرعا و رسميا زوجة لأبيه، و علي ذمته [80] . [ صفحه 66] فالشباب في اندفاعه، و سرعة اعتناقه و اقتناعه بالآراء التي تتمشي مع أفكاره المتطرفة أحيانا، و في تحمسه لما يقتنع أو يؤمن به، مع قلة محصوله من العلم و الدراسة، ليس مؤهلا لأن يلد دينا، أو ينسخ دينا، أو يرسي فكرا منظما، و ان كان من طبيعته أن يثور علي ما يراه من فساد و اعوجاج، و يطالب بالقضاء علي هذا الفساد، و يغالي في أفكاره، حتي ليطلب الصعب و المستحيل، و من شأن هذا أن ينبه الأفكار، و يوقظ النوام، و يدعو المؤهلين بفكرهم و علمهم، أو يحملهم علي الاصلاح.. هذا هو دور الشباب في كل أمة، و في كل زمن.. لكن هؤلاء الشباب الفاترين، و فيهم مراهقون، من دعاة البابية و المؤسسين لها، قد خرجوا علي هذه الطبيعة، فثاروا علي دين، و وضعوا هم دينا جديدا، و استعملوا كل ايجابيات الشباب و سلبياته، و كل ايجابيات الأخلاق و سلبياتها، في بث فكرهم وسط مجتمع، منهوك القوي فاسد الأوضاع، فارتمي في أحضانهم من كان يلتمس النجاة، و لو تعلق «بقشة». و كل من كان ساخطا علي الحكم معارضا له.. و الاستعمار من ورائهم، يمدهم بالمال و السلاح، و العون، ليصل من وراء الشرخ الذي يحدثه في الأمة، و الفتنة التي يثيرها بينها، الي ما يريد.. كان من الغريب أن يقوم بالدعوة الي البابية، شاب لم يكتمل نضجه و لا علمه، و هو في سن الخامسة و العشرين، و يجتمع حوله شباب في مثل سنه، و أصغر منه، حتي لنعدهم في دور المراهقة ممن يسميهم القانون عندنا و عند كثير من الدول ب«الأحداث»، و انتهت حياته هو، و هو في أوائل الثلاثينات! 31 سنة، و ارتكنوا الي أن الرسول لم يتعلم.. و قد انضم اليه كبار من اتباع الشيخية و الرشتية لأنهم وجدوه قد برز أكثر منهم في الدعوة لما يرون، فساروا في (زفته) و تياره.. هؤلاء هم الذين انشئوا و اسسوا «البابية ثم البهائية»، و دعوا الي نسخ شريعةء الاسلام!! و كان من الملفت للنظر حقا، أن يكون لفتاة شابة صغيرة السن، بارعة الفتنة و الجمال، ثائرة علي التقاليد و القيم و الأخلاق، هاربة من أهلها، متهمة في عرضها، أن يكون لها الدور الأول و الفعال في تأسيس هذه النحلة و الدعوة اليها.. و الي نسخ شريعة الاسلام!! [ صفحه 67] هذا قد تراه كلاما عاما، و ادعاءا يحتاج الي دليل.. فاليك الدليل: مدعما بالأرقام و السنين و الوقائع: 1- «علي محمد الشيرازي - الباب» قد عرفت سابقا تفاصيل حياته، ولعب الغرور و الجواسيس بعقله و تصرفاته، و ضحالة فكره، و ضعف شخصيته، و تقبله و انقياده لآراء الغير.. و تردده في دعوته أحيانا، و اعلان توبته مما يدعو اليه أحيانا. و لو كان حقا كما يدعي، لثبت علي رأيه و لو قتل [81] . 2- «قرة العين» أم سلمي القزوينية، مربك ذكر شي‌ء عنها، لكنا هنا نذكر تحديدا لحياتها.. ولدت سنة 1231 ه. بنت عالم من علماء الشيعة، و تزوجت بعالم، و هو ابن عمها، و هي في الثالثة عشرة، و أنجبت منه أولادا ثلاثة، و كانت مدلة بحسنها، مغترة بجمالها الفاتن فثارت علي تقاليد مجتمعها المحافظ، فتركت زوجها و أولادها و بلدها، و سافرت وحدها، تبتغي فكرا يناسب ثورتها و حنقها علي تقاليد مجتمعها، و وجدت في أفكار «الرشتي» و مدرسته، طلبها، ثم وجدت في «الباب» خليفة الرشتي هدفها، فآمنت بدعوته، و وهبت نفسها لخدمتها، و مثلت في حياتها و تصرفاتها ما أرادته من تحطيم القيود، و التقاليد، و التعاليم الاسلامية، و عشقت الشباب، و عشقها الشباب، و اختارت لنفسها منهم شابا، جميلا مفتول العضلات، فارع الجسم في السابعة عشرة من عمره، و هي شابة ملتهبة في أوائل العشرينات. «و عملت من المنكرات، و اقترفت من الذنوب، و ارتكبت من الفواحش في مؤتمر «بدشت» ما بعده، ما جعل الشعب [ صفحه 68] يطاردها، و يطارد البابيين، و يرجمها و يرجمهم بالحجارة، اينما نزلت و نزلوا، و يشمئز من تصرفاتهم و تصرفاتها «باب الباب» البشروئي، أول من آمن بالباب، و دعا اليه: فيقول: «اني أقيم الحد علي شركاء» مؤتمر «بدشت». و قد مر ذكر ذلك.. و كان هذا العشيق، أخضر العود، الشاب المراهق هو: 3، 2 «الميرزا يحيي علي المازندراني» - و أخوه «حسين علي».. يقول عنه مؤرخ البابيين المتعصب لهم «الميزاجاني الكاشاني»: كان الميرزا يحيي مركز الجمال و الجلال، يتكرر - يتردد - الي الطاهرة، و كانت - و هي في الثانية و العشرين - شابة ملتهبة، تحتضن ذلك الطفل الأزلي (يحيي) و هو في السابعة عشرة من عمره، عمر المراهقة و الفتوة و الشباب المقبل، و تربيه في مهد الآداب الحسنة، و الأخلاق الطيبة (و يالها من أخلاق) الخ» [82] . ثم مثلت هذا الدور أيضا مع أخيه الكبير عنه «حسين علي المازندراني» و كلاهما ادعي أنه البهاء و خليفة الباب، و اعتركا علي هذا كما ستعرف فيما بعد.. علي أن الفاتنة اللعوب الداعية لنحلة الباب، لم تقتصر علي هذين بل كان لها مع 4- «الملا محمد البار فروشي»: مغامرات و حياة عشق و صخب، و كان من كبار الدعاة، أخذه الباب معه لما أراد أن يحج، و كان في الواحدة و العشرين من عمره.. و كان معروفا عنه أنه ادعي - ولد زنا - حتي أنه صارح المدعو أباه بهذا، مدعيا أنه ولد من غير أب كعيسي، ليمحو آثار حقيقته فقال له مرة «فاعلم أني لست ولدك، بل أنا عيسي، و ظهرت بصورة ابنك، و اعترفت بأبوتك» [83] . و في ادعائه أنه عيسي كلام، ثم تبقي حقيقته، و هي أنه ليس ابن أبيه، و انما هو ابن زنا، جاءت به أمه لستة أشهر من زواجها.. و في ادعائه أنه عيسي، ما يقطع كل احتمال بأنه ابن أبيه.. [ صفحه 69] و هذا هو أحد أركان الدعوة البابية، كان يقول البابيون المؤرخون لها و له، فهل علي مثله تقوم دعوة؟ اللهم الا اذا كانت دعوة شيطانية ملوثة، كتلوثه و تلوث الذين قاموا بها جميعا.. و قد قتل، و أحرقت جثته، و انتقم منه الشعب، جزاء ما كان ينزله بالمسلمين من تنكيل، و كان قتله في مدينة «بارفروش» في رجب سنة 1265 ه و هو في السابعة و العشرين من عمره.. علي هؤلاء و غيرهم من أمثالهم، قامت البابية، فماذا تتوقع منها الا أن تقول قول الله الفاصل: «والذي خبث لا يخرج الا نكدا»؟ [ صفحه 70]

بعد الباب

اشاره

حين قتل «الباب» أو أعدم في شعبان 1266 ه - يوليو 1850 م، كان قد سبقه اعدام بعض أركان دعوته، كما لحق به آخرون، كان منهم الشابة الفاتنة اللعوب «قرة العين» حين رجعت من العراق الي وطنها.. و كان أهم من بقي بعد الباب شخصان من كبار أعوانه، و كانا أخوين. «الميرزا حسين علي المازندراني» و أخوه الصغير الميرزا يحيي علي، الملقب بصبح أزل.. و حولهما التف أكثر البابيين، بعضهم وراء حسين، و بعضهم وراء يحيي.. و بقي بابيون لم يقتنعوا بأحد الأخوين، فاتبعوا زعماء آخرين.. بينما توقف جماعة منهم عند هذا الحد، و اقتنعوا، و اكتفوا بتبعيتهم للباب المقتول، غير منضمين لفرقة من هذه الفرق الحديثة.. و كان من الطبيعي أن ينكمش نشاط البابيين بعد قتل الباب، و يختفي الكثير منهم عن الأعين، و يتوقف نشاطهم العلني، ازاء بطش الحكومة و تعقبها لهم... و ان لم يتوقف نشاطهم السري، حتي ضاقت عليهم ايران علي سعتها لا سيما بعد محاولة من البابيين لقتل الشاه «ناصرالدين» و نجاته.. و قد لجأ «يحيي» الي التنكر، متنقلا بين البلاد البعيدة عن العمران.. كشأن أمثاله.. أما حسين الأخ الكبير فقد لجأ الي حاميه و محركه - المفوضية الروسية - فتشفع له الوزير الروسي عند رئيس الوزراء، فأرسله اليه بعد طلبه!! هكذا و بكل تبجح!! ثم يدعي أنه نبي و صاحب دعوة ناسخة للاسلام!! [ صفحه 71] ثم رأت الحكومة أخيرا نفيهم جميعا الي بغداد. بينما كان يحيي أخوه الأصغر غير الشقيق لا يزال متنكرا، الي أن لحق بأخيه في بغداد هو الآخر، [84] و أقاموا فيها سنوات.

لكن من هو خليفة الباب

أكثر البابيين كانوا علي اعتقاد أن الباب أوصي بأن يكون خليفته هو: «يحيي صبح أزل» الأخ الصغير و أن الباب أرسل اليه بكتبه، و بعض ما كان عنده حين توقع اعدامه.. و سارت الأمور علي هذا، حتي كان حسين أخوه الكبير يتصرف في أيام اختفائه، في ايران و في بغداد علي هذا الأساس، و لم تكن هذه الفترة الحرجة - فترة التخفي و التشتت - لتسمح بأي خلاف ظاهر يثار حول هذا الموضوع، فقد كان المهم عندهم هو حياتهم.. و المكان الذي يمكن أن يعيشوا فيه، بعد ما رأوا أن اقامتهم في بغداد أحيطت بالشكوك و اثارة الفتن، مما أدي بالميرزا حسين الي الاختفاء في شمال العراق، في زي الدراويش و الصوفية... لمدة سنتين، ثم عاد الي بغداد، و كان أخوه الصغير الذي أوصي الباب بالخلافة دائم التخفي، و حسين كان هو الذي يظهر و يباشر الدعوة مع الناس لأن خوفهم كان علي خليفة الباب و هو «يحيي صبح أزل» فكان يختفي عن الأعين بينما حسين هو الظاهر و هو المعروف لأتباعه.. و قد انتهي الأمر فيهما بين الحكومة الايرانية، و بين الحكومة العثمانية التي كانت العراق احدي ولاياتها الي ابعادهما عن العراق المجاورة لايران، الي الاستانة - عاصمة الخلافة - فبلغوها في غرة ربيع الأول سنة 1280 ه - 6 أغسطس 1863 م.. [ صفحه 72] الخلافة بينهما
و هناك ظهر اختلافهما علي الزعامة حيث طمع حسين فيها: لشعبيته بين البابيين غير مبال بالوصية لأخيه، حتي افترق كل منهما في بيت و له أنصاره. و أخذ يدعو لنفسه، و تقوم المنازعات بينهما مما حدا بالحكومة الي ابعادهما عن العاصمة الي «أدرنه» قريبا منها، بعد شهور قليلة من وصولهما للأستانة.. و في «أدرنه» اشتدت الخصومة بينهما، و كذلك بين أتباعهما كل يدعي أنه خليفة الباب، و صار كل فريق يدس للآخر، و يوقع به، و تقوم بينهما المعارك و استمر الأمر علي ذلك نحو خمس سنوات، كانوا فيها مثار اخلال بالأمن و بث الفوضي فاتفقت الحكومة العثمانية، و الحكومة الايرانية، علي التفريق بينهما، و نفي كل منهما الي جهة بعيدا عن الآخر.. فنفت «الميرزا حسين علي» الي «عكا» في فلسطين، و كانت من أملاك الدولة العثمانية وقتها، و معه بعض أصحابه المخلصين، كما نفت يحيي مع بعض أصحابه الي «فاماكوستا» في جزيرة «قبرص»، و كانت تابعة أيضا للدولة العثمانية... سنة 1285 ه 1865 م واستقر كل فريق بعيدا عن الآخر، لكن هذا البعد لم يمنع الاحتكاك و المؤامرات بينهما، و كل منهما يتجسس علي الآخر، و يتبادلان الاتهام، و يكيد أحدهما للآخر، و يضع السم له [85] !! و هكذا كان أمرهما!! و كان «الميرزا حسين» بظهوره بين التابعين لهم، و مباشرته لشئونهم، أكثر أتباعا و أشد قوة من أخيه «يحيي».. الذي جعله الباب خليفة له، و نصح بأن يختفي عن الأعين، علي أن يكون «حسين» هذا «بابا» له، و نائبا عنه.. فكان حسين أكثر احتكاكا و معرفة بالناس من يحيي الخليفة المختفي.. ثم كان وجود حسين في «عكا» مساعدا له علي سهولة الاتصال بتركيا و البلاد العربية و ايران، أكثر من أخيه يحيي في «قبرص». [ صفحه 73] و بذلك وجد «حسين» الجو مهيأ أكثر للدعوة لنفسه بأنه البهاء «خليفة الباب» الذي بشر به و جعله خليفة له.. كما بشر يوحنا المعمدان بعيسي المسيح، و انتزع بذلك الخلافة من أخيه!! ثم ترقي في الادعاء فأعلن أنه المهدي المنتظر، ثم تدرج منها الي النبوة، ثم الي دعاء أن الاله حل فيه. و من ورائه أتباع معصوبو العقل، يسيرون وراءه، و يرددون ما يقول. و كتب كتابا سماه «الأقدس»، أدعي أنه وحي من الله.. و أخذ يصف نفسه بصفات الله، حتي وجدناه يقول في «الأقدس» مخاطبا أتباعه: يا ملأ الافشاء، اسمعوا نداء مالك الأسماء، انه يناديكم من شطر سجنه الأعظم، أنه لا اله الا أنا المقتدر المتكبر، المتسخر المتعالي العليم الحكيم، أنه لا اله الا هو المقتدر علي العالمين [86] . و قد عمر طويلا (نحو 76 عاما أو 82 عاما)، و قبل وفاته في الثاني من ذي القعدة سنة 1309 ه - مارس 1892 م، نظم الأمر من بعده، فعهد الي ابنه «عباس» بتولي الأمور من بعده، ثم لولده الثاني الميرزا محمد علي، و من بعدهما يقفل الباب، فلا يكون مهدي و لا نبي لمدة ألف سنة؟؟ و قال «من يدعي أمرا قبل تمام ألف سنة كاملة، فهو كذاب مفتر»!! يعني «كده الأمور علي كيفه و مزاجه» يدعي أنه رسول و يعين من بعده رسلا، ثم يغلق الباب لألف سنة!! [ صفحه 74] و هكذا كان «حسين علي المازندراني» هو البهاء، و هو الذي قاد حركة البابيين و ادعي ما ادعي لنفسه، و أصبحت تسمي باسمه «البهائية» و أدخل علي البابية الكثير من التغيير و التبديل كما سنري.. و تري من تصرف هذا «البهاء» العجب، حيث يتصرف و كأنه الله، تعالي الله علوا كبيرا.. فهو يفتح لنفسه باب الرسالة، و نزول وحي عليه، بكتابه «الأقدس» ينسخ شريعة محمد ثم قبل موته 1892 م يوصي بالرسالة لابنه عباس - عبدالبهاء - ثم لآخر.. ثم يغلق باب النبوة و الرسالة و يحدد مدة القفل بألف سنة، و يقول: من ادعي أمرا يعني نبوة أو رسالة جديدة قبل ألف سنة فهو كذاب!! ما شاء الله... هل رأيت انسانا يتصرف هذا التصرف، الا اذا كان قد اشتد به العته، و الجنون؟ و لكن يبقي ما هو أعجب و أغرب، و هو أن يجد أناسا لهم عقول، يصدقونه و يتبعونه و يقدسونه!! و كم في الحياة من أعاجيب!! و قد قيل في أمثالنا: «أهبل يتكلم.. عاقل يستمع» ليميز، و يرفض كلام «الأهبل» المجنون، و لا يصدقه.. و لكن يظهر أن عقل هؤلاء جميعا قد أخذ اجازة لأجل غير مسمي!! [ صفحه 75]

من هو البهاء، حسين علي نوري المازندراني؟

اشاره

«حسين علي» هذا هو اسمه، جمعوا فيه اسم الحسين و والده الامام علي رضي الله عنهما تبركا بهما.. أبوه اسمه «عباس بزرك النوري» و كان موظفا في وزارة المالية في ايران.. و قد تزوج بزوجات كثيرات، كانت منها أم «حسين علي» هذا.. و كان أخوه «يحيي صبح أزل» الذي نافسه في خلافة الباب أخا له صغيرا غير شقيق.. «و نوري» نسبة الي قريته، و المازندراني نسبة الي المقاطعة التي تقع فيها قريته «نور».. و قد اشتهر باسم «البهاء أو بهاءالله».. و هو لقب له، يعني حلول الله بنوره و ظهوره فيه.. و كانت ولادته في أكتوبر أو نوفمبر 1817 م.. و كان لأسرته علاقات طيبة و صلات حسنة، مع السفارة الروسية، حيث كان أخوه الأكبر كاتبا فيها مرموقا، كما كان زوج أخته سكرتيرا للوزير الروسي بطهران.. و لعل هذا هو الذي كان سببا لاتصال البهاء و الباب بأحد موظفي السفارة، و استغلالهما كعميلين لروسيا و مساعدتهما في القيام بدعوتهما، مما سبق و ذكرناه، عن صلة البابية بالاستعمار و الصهيونية، و كان من الطبيعي أن يتعلم «حسين علي» كأقرانه، من أبناء الموظفين و الأسر، و لا سيما و كان الصدر الأعظم في ايران صديقا للأسرة.. و لكن شاء له هواه و مكره و حيلته، في اعطاء نفسه شبها بالنبي محمد (صلي الله عليه و سلم)، أن يدعي و يؤكد أنه أمي لم يتعلم، محاكيا في ذلك أمية الرسول صلي الله عليه و سلم و نزول القرآن عليه من عند الله، ليدعي البهاء هو الآخر: أنه مع كونه أميا، جاء بالكتب، و برع في الخطابة و المناقشات في شتي الموضوعات، حتي العويصة منها، و هذا كله «علم لدني» من عند الله!! [ صفحه 76] مع أن كثيرا من المصادر البابية و البهائية [87] الموثوق بها، و كذلك كتبه، تثبت أنه تعلم، و قرأ كثيرا من الكتب المتنوعة، التي اقتبس منها في كتبه، أو حاكاها، و استعان بها في مناقشاته.. مما يدل دلالة قاطعة علي أن «بهاءالله» المدعي الأكبر بحمل رسالة الي الناس من الله، رجل مدع و كذاب. و اذا كان قد استساغ لنفسه أن يكذب في هذه «المعلومة» الصغيرة، المكشوفة للذين عاصروه و عرفوه، لهوي في نفسه، فما بالنا بادعاءاته العريضة الكثيرة؟!! و لقد تأثر في شبابه المبكر بآراء «الشيخ الاحسائي، و الرشتي» التي تأثر بها الباب، فما ان أعلن «الباب» دعوته، حتي كان «حسين علي» هذا من أوائل الذين آمنوا بها.. و كانت سنة اذ ذاك 27 سنة.. فير أنه لم يحظ بما حظي به الآخرون من أعوان الباب و خاصته، و لا بما حظي به أخوه الصغير «يحيي صبح أزل» و كان مراهقا حديث السن، من حظوة لدي الباب.. لكنه استطاع أن يبرز أخيرا في «مؤتمر بدشت» السابق ذكره، و أن يلفت نظر كبار أعوان الباب، و في مقدمتهم الشابة الفاتنة اللعوب «قرة العين»، بما وهبه الله من جمال و رجولة، و من مال.. فالتصقت به، به، و التصق بها. و ظهر بما قدمه كذلك من عون لاخوانه البابيين. و قد مرت بك بعض تفاصيل عن حياته، و نحن نتكلم عن الباب، فلا داعي لاعادتها، لا سيما و هذه التفاصيل لا تهم كثيرا، بجانب عقيدته و تعاليمه، التي نركز الكلام عليها.. لقد استقر في «عكا» مقره و منفاه الجديد و الأخير، و السلطات الاستعمارية الغربية و الشرقية تحوطه برعايتها، ليؤدي دوره الذي بدأه هو و الباب، في اشاعة الفتن و الاضطرابات، في هذه البلاد، التي يطمع فيها الاستعماريون. ليصلوا الي ما يريدون بهذه الدعوة الجديدة، من اضعاف للاسلام و كسر شوكته.. و قد اعتبر «حسين علي» [ صفحه 77] نفسه خليفة للباب في دعوته معتديا علي حق أخيه كما عرفت، و سمي نفسه «بهاءالله» أي حل فيه نوره، فهو نور الله علي الأرض.. فاشتهر باسم أو لقب «البهاء»، و اندثر اسمه الحقيقي «حسين علي» الا من الكتب، و قد ألف في حياة الباب كتاب «الأقدس» يؤيده فيه و يشرح دعوته، و يدعو اليها. فكان من الطبيعي أن يواصل تمسكه بأصول دعوة الباب، و لكنه عدل فيها و أضاف، حسبما يراه، و حسبما تستدعيه الظروف التي جدت، و الباب مفتوح أمامه ليقول ما يشاء! و ما دام هو في حقيقته و داخله، هو المخترع لما يريد من أفكار، و هو مظهر الله و بهاؤه، و نبيه و رسوله عند أتباعه، و هو ربما يضمه من علم الأولين، و بما ينزله الله عليه و يفيضه أفضل من الأنبياء السابقين، فليقل ما يريد، و ليشرع ما يشاء غير شريعة الاسلام، و ينسخ لذلك من تعاليم البابية ما يشاء، مما يراه معوقا للدعوة، غير مناسب للعصر.. فله الحرية الكاملة في أن يوجه أتباعه، و يدعي، و أتباعه هائمون فيه، يقولون دائما: آمين!! و قد يتحدث عن الله سبحانه و التفاني في حبه، بما يبهرك، و تجد كلامه في غاية الصفاء. لكنه ادعي لنفسه أنه مظهر بهاءالله و جلاله، و مع أنه يقول: انه يؤمن برسل الله، لكنه يتطاول، فيحدد لهم دورهم، و لا سيما محمد رسول الله صلي الله عليه و سلم [88] ، و يدعي بأنه ورث علمهم جميعا، و زاد عليه فيوضات من الله و وحي، فصار أفضل منهم، و له بذلك حق النسخ و التعديل في شريعة الاسلام، و تشريع شريعة جديدة، وضع لها تعاليمها، و صار المؤمنون به أمة أخري غير أمة محمد، و لها مميزاتها و شريعتها و طريقتها التي تسير عليها!! و لكي يخضع له و يجذب اليه، البلهاء، و اليائسين الذين امتلأت نفوسهم بالتشاؤم، مما يرونه من واقع حياة الناس علي اختلاف أديانهم، و ما يجري بينهم من خلاف [ صفحه 78] و حروب، اعتلي منصة الدعوة الي توحيد الأديان، و الي الأخوة الانسانية، و الحب، والسلام للجميع.. مما يسيل له لعاب المنفرطين من الدين - أي دين - و ينجذبون اليه.. و علي أي مبدأ يوحد الأديان؟ قال: علي أساس ديانة موسي عليه الصلاة و السلام!! فيلغي محمدا رسول الله، و ما جاء به من رسالة و تشريع، و يمحو الرسالة المحمدية الخالدة الخاتمة، و ما جاءت به من شريعة وسطيه، جديرة بتنظيم حياة الناس الي يوم القيامة.. و يصبح هو آخر المشرعين من الرسل، و يظل الأمر كذلك الي ألف سنة قادمة، حددها بنفسه في وصيته لولي عهده «عباس أفندي» الذي عرف «بعبد البهاء»!! و لا يغيب عن بال أي قاري‌ء: لماذا اختار ديانة موسي لتكون الديانة العالمية - و ان علل ذلك بأن موسي هو الرسول الذي يؤمن به الجميع؟ انه يري في ذلك وسيلة لتكتيل اليهود و الصهيونيين وراء دعوته؛ ليوحد العالم علي شريعتهم، و كان بذلك سياسيا بارعا، في غاية الدهاء و الميكيافيلية، لا صاحب دعوة دينية بريئة.. ولذلك كان الصهيونيون من ورائه في جميع أنحاء العالم، ينفخون في دعوته، و يساعدونه بشتي أنواع المساعدات، حتي لتجد لهم مراكز شتي في أكثر دول العالم [89] و لا سيما في الغرب.. [ صفحه 79] و الغربيون قوم طحنتهم المادية بجشعها و فسادها، فكفر جماعة منهم بكل ما حولهم، و اتجهوا اتجاهات غريبة، حتي وجدنا منهم من يعبد و يقدس الأهرامات في مصر، و يلتمسون شيئا من الراحة، في البوذية أو الكنفوشيوسية الصينية، أو يخترعون طرقا جديدة لهم في الحياة، يلتفون حولها و يؤمنون بها، حتي وجدنا الأعداد الكثيرة في أمريكا يسيرون وراء «قس» شاذ، و ينتحرون جماعة وراءه بشكل يمثل مأساة، حار في تعليلها الكثيرون.. فلا عجب اذا رأوا البهاء ثم ابنه عبدالبهاء، يزينون لهم البهائية: بأنها دعوة السلام، و المحبة، و توحيد اللغات، و الأديان، و القضاء علي الحروب و الأحقاد.. الخ.. لا عجب أن يجد بعض هؤلاء في البهائية شيئا من الاشباع لتطلعاتهم. و لنزواتهم. مع أنهم لو التفتوا الي دينهم الذي نشئوا عليه و لا سيما الاسلام و المسيحية، و استوعبوا تعاليمه و فهموها، لما وجدوا في البهائية شيئا جديدا، فكل الأديان، حتي الوضعية منها، مثل البوذية، تدعو الي الحب و نبذ الاحقاد و الخلافات و الحروب، و عيش الجميع في سلام، و ان اختلفت دياناتهم، حتي لنجد القرآن الكريم يدعو دعوته العالمية، للاخاء و الحب و التآلف بين عباد الله جميعا، حين ناداهم ربهم بكلماته «يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثي و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم [90] . فليس في البهائية جديد علي الأديان الا دعوات براقة، و لا تهضمها طبيعة الحياة و الناس، مثل توحيد الأديان، و الله قد خلق الناس، و من طبيعتهم الاختلاف و مثل توحيد اللغة، مع أن اختلاف الألسنة و الألوان، آية من آيات الله.. «و من آياته خلق السموات و الأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم» [91] «و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، و لا يزالون مختلفين الا من رحم ربك (فيتجمعون حول دين أو فكرة) و لذلك خلقهم» [92] . [ صفحه 80] فدعوتهم الي توحيد اللغات و الديانات، مجرد «ديكور»، لجذب أنظار الفارغين المتسكعين علي «فترينات» الأديان و المذاهب.. و منذ زمن دعا بعض الناس الي لغة عالمية «سبرانتو» و تذهب دعوتهم أدراج الرياح.. أما المعاني الحلوة الأخري كلها فلا يخلو دين من التركيز عليها، لكن «كل جديد و له رنة» و علي رأي مثلنا الشعبي النافذ: «الغربال الجديد له تعليقة» أي له مسمار خاص يعلق عليه، و لا يترك بجانب الحائط كالقديم.. و الا فهل تعليم النساء، و مساواتهن بالرجال في التعليم، أمر جديد لم تأت به الأديان؟ و هل نزع السلاح، و استئصال الحروب، و اقرار السلام دعوة جديدة لم يسبق أن دعا لها دين أو أحد؟. لقد كان دعاة البهائية في غاية البراعة، حين ضمنوا دعوتهم أخيرا كل ما يريح الناس، و لو كان أمرا خياليا يتعلقون به.. و لو كان ابطال الفرائض... و لذلك نجد «عبدالبهاء» ابن البهاء و خليفته يقول: «تحتوي تعاليم البهاء علي جميع آمال و رغائب فرق العالم، سواء كانت دينية، أو سياسية، أو أخلاقية. فالجميع يجدون فيها دينا عموميا في غاية الموافقة للعصر الحاضر، و أعظم سياسة للعالم الانساني. أنعم و أكرم.. لم تأت يا حضرة البهاء بجديد له قيمة لكن الأغرار، و لا سيما من الشباب و الجاهلين و اليائسين الفاشلين، يخيل لهم ظنهم أنه جديد!! و الذين يضيقون ذرعا بالفرائض الدينية يرحبون بالغائها!! «و الضحك علي الدقون صنعة». و كما يقول المرحوم شيخ الأزهر الشيخ الخضر حسين في حديثه عن البابية و البهائية «و لولا أن في الناس طوائف يتعلقون بذيل كل ناعق، لما وجدت مجيبا لندائها». ثم ما الذي أغضبهم في أن يكون كل التقديس و التعظيم لله وحده خالق السموات و الأرض، فيضفون علي أنفسهم (الباب و البهاء) صفات القداسة، و اسم الرب و الاله، فيقولون عن الباب: «باسم ربنا الأعلي» و عن البهاء: «باسم ربنا البهي الأبهي و يجعلون شعارهم: «يا الهي بهاء» «كليشيها» يطبعونه علي كل كتاب و مطبوع من مطبوعاتهم؟ علي اعتبار أنه مع ناسوته حلت فيه روح الاله فأصبح الها و لو صغيرا. درجة ثانية!! [ صفحه 81] لقد حرص الرسول الحق: محمد الصادق الأمين - صلي الله عليه و سلم - علي أن يفرد الله بكل تعظيم، حتي غضب علي أحد أصحابه حين جمعه مع الله في ضمير واحد.. و نفر من كل تعظيم له، و قال «لا تطروني كما أطرت النصاري المسيح» و كما أطرت «الأعاجم ملوكها»، و قال لأحد الداخلين عليه، لما رآه مرتعدا متحيرا: كيف يخاطبه: «هون عليك فانما أنا «مثلكم» ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة، ليهدي‌ء روعه، و يقطع عليه تفكيره أنه ملك، أو رسول متاله.. و أمر بالغاء أي مظهر يشتم منه رائحة الاشتراك مع الله شيئا آخر في التقديس و التعظيم ولو شكلا.. فما بال هذا أو ذاك الدعي، الملوث بالجاسوسية و العمالة، و القتل و المؤامرات، حتي لأقرب الناس اليه، و هو أخوه و أصحابه، يدعي لنفسه أنه نور الله و مظهره، و يصف نفسه بصفات الله الخاصة به «الواحد الأحد القيوم المهيمن المقتدر.. الخ»، و يشرع لأتباعه أن يستفتحوا عملهم أو كتبهم باسمه لا باسم الله؟! هل هؤلاء فعلا دعاة الي الله، أو مخربون و دعاة لعظمة أنفسهم؟! ان الرسول صلي الله عليه و سلم من طبيعة رسالته نراه يركز علي توحيد الله، و بدء كل عمل باسمه سبحانه «كل عمل لا يبدأ فيه ب«باسم الله» فهو أبتر أو أقطع»، و هؤلاء يضعون أنفسهم في مكان الله فيقولون «باسم ربنا الأعلي» للباب، و «باسم البهي الأبهي» للبهاء، و يا الهي بهاء!! اذا كان هؤلاء قد رضوا لأنفسهم، و شرعوا لأتباعهم، أنهم ينافسون الله في اختصاصه و مظهره و أسمائه، فأي أرض تقلهم؟ و أي سماء تظلهم، و أي عقل سليم يتجاوب معهم؟ و أي انسان تهبط به انسانيته الي أن يبدل بتعظيم خالقه، مثل هذا التعظيم، لانسان ملوث، متهم بالوثائق بأنه جاسوس علي وطنه، و عميل لأعدائه، مشترك في دس السم لمنافسيه، و في قتلهم و ابادتهم، خارج علي دينه من أجل الزعامة و المال؟ و هل مثل هذا يعظم أو يحترم؟ يقتل و يتجسس، و يتعاطي الحشيش، و يأخذ أجرا علي خيانته لوطنه ثم يعظم، و يوصف بصفات الله بعد ذلك؟ [ صفحه 82] أليس الجزاء الحتم العادل لهؤلاء هو القصاص منهم و قتلهم؟ و الخائن يعدم، و القاتل يقتل، و الكذاب يهان و يرجم. أليس في تعظيمه تعظيم للجرائم و تشجيع عليها؟ و استهانة بالفضائل و القيم العليا و قتل لها؟ و اذا كان القتلة السفاكون، الخونة المرتشون، ضد أوطانهم و دينهم الكذابون المدعون المخادعون، يجدون مثل هذا التكريم من بعض الناس، فماذا بقي للفضلاء أصحاب القيم و المثل؟ هزلت حتي بدا من هزالها: كلاها و حتي سامها كل مفلس. و هكذا الحياة.. أرض المتناقضات!! «ربنا لا تزع قلوبنا بعد اذ هديتنا»..

صراع الأخوين

لقد تنافس الأخوان علي زعامة الطائفة، و سلك كل منهما في سباق التنافس هذا، كل ما يفعله السفاكون الطامعون في الجاه، من مؤامرات، ودس للسم، و قتل، و كذب. الخ. فكيف نخدع نحن في واحد منهما؟.. قرأت حكاية رمزية صغيرة لكنها تحمل حكمة كبيرة للناس: «واحد شتم آخر بأنه حمار، فرد عليه الآخر بأنه ثور.. ثم رضيا أن يحتكما الي رجل حكيم موثوق به في القرية، فذهبا اليه، و حكي كل منهما قصته، و طلبا منه أن يحكم بينهما، و حكم الرجل، فأحضر لهما (تبنا) مما تأكله الدواب، و قال لهما: تفضلوا؛ فقد حكمت بينكما، فقالا كيف يا حكيم هذا؟ قال لهما: لقد صدقتكما، و لم أكذب واحدا منكما فيما قاله لأخيه.. و ما أكثر و أشد و أقبح ما قاله الأخوان، كل منهما في الآخر، من اتهامات في غاية السوء، و ما فعله كل منهما بالآخر من مكائد.. و هما أخوان، كل منهما يعرف الآخر حق المعرفة.. ألم يكن من أبسط المعقولات أن نقدم لكل منهما «تبنا»، و أن ندفع كل منهما [ صفحه 83] بالجرم و أن نتجنبهما نهائيا، و نسقطهما من الحساب؟ و نصدق كل منهما فيما قاله عن الآخر علي أقل تقدير؟! و اذا كان واحد منهما و هو البهاء قد فاز بالجولة علي أخيه «يحيي صبح أزل» أفليس بالجرم و القتل و الأساليب الدنيئة قد فاز؟ كما يفعل كل متنافسين، أسقطا من حسابهما الدين و الخلق و القيم، و الفوز للأقوي في احكام المؤامرات، و الايقاع بمنافسه؟ أليس هذا هو حال البهاء، و هذا هو تاريخه، اشترك في تسطيره أتباعه و المغرمون بحبه تحت اشرافه؟ أفبعد هذا يتبعه أناس، و يقتنعون به؟ بل و يعظمونه، و يقدسونه، و يخاطبونه «يا الهي بهاء»؟!! ماذا نقول في البهاء، بل ماذا نقوله في أتباعه المغرمين به، المقدسين له، المتفانين فيه؟ الهم عقول يفقهون بها؟ أم لهم آذان يسمعون بها؟ أم لهم أعين يبصرون بها؟ «أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [93] «و لله في خلقه شئون.. و شجون.. «فانها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور» [94] . فليدع البهاء ما يدعي، و ليتفنن أتباعه في القول بما خدعهم به من تعاليم و أقوال، و لكن ما أصله و تاريخ حياته؟ أليس هذا هو أحد عشاق الفاتنة اللعوب «قرة العين»؟ ألم يخدع أخاه «يحيي صبح أزل» الذي أوصي الباب بأن يكون خليفته، و ينتزع الخلافة منه؟ ألم يكن في مراحل حياته في ايران، و في العراق و قد مكث فيها نحو 12 سنة، يعتبر نفسه تابعا و بابا لأخيه «يحيي» الذي أشار عليه الباب قبل اعدامه بالاختفاء لأنه الخليفة له، حتي لا يصيبه مكروه، و يظهر أخوه للناس ليكون متحدثا باسمه، و بابا له، فكان ظهور حسين هذا سببا في احتكاكه بالناس، و معرفتهم به، لأنه «الموجود في الصورة» كما يقال.. عكس الخليفة (يحيي) الذي كان مختفيا عن الناس، خوفا [ صفحه 84] عليه.. في أن يكون هو خليفة الباب، فانتزع الخلافة من أخيه الصغير «يحيي صبح أزل» حين أحس من نفسه، و بمن حوله، قوة علي الغدر بأخيه؟. أبمثل هذا العذر يصل انسان الي مكان القداسة، كما وصل حسين و يصير «البهاء» أو «الهي بهاء» كما يدعون؟!! علي الدنيا، و علي الأخلاق و القيم العفاء، مادام هذا الغادر السفاك يصير قديسا يحل فيه نور الله، و يصبح رسولا يجد من يصدقه!! قد ألتمس العذر لغير المسلم، الذي لم يجد في دينه ما في الاسلام من سماحة، و يسر و عقلانية، و مثل، و تقدير للطبيعة البشرية، و شمول في التوجيه في مجالات الحياة، و غير ذلك مما ينهض بالانسان روحيا و ماديا، لم يجد هذا، فغرته تلك الشعارات من الحب والسلام، و المساواة.. الخ مما أعلنه البهاء، و ابنه عبدالبهاء خليفته، عن هذه الدعوة كمصيدة للتائهين.. أما المسلم فانه يجد في اسلامه ما يشبع روحه و يرقي بها، و ما يلبي حاجة روحه و جسده أو دنياه و دينه دون افراط، فما الذي يجعل المسلم ينقم علي دينه، و يتخلي عنه الي مثل هذه الدعوة، و هذا أساسها، و هؤلاء هم دعاتها؟ هل غرتهم شعارات المحبة و السلام؟ فهل عدموها في الاسلام، بل و في المسيحية و حتي البوذية؟.. ثم ألم يعرفوا أن البهاء - ربهم أو الههم، أو داعيتهم، خاض حياته في وحل من المؤامرات و الخيانات و سفك الدماء؟ ألم يقتل أنصاره و بايعاز أو تأييد منه، منافسة لآخر في خلافة الباب «أسدالله التبريزي» زعيم الفرقة الأسدية، و ألقوا بجثته في شط العرب، بعد أن أوثقوه بالحبال و الحجارة؟ كيف يؤمن أتباعه بدعوته للمحبة و السلام و يصدقونه، و هو انسان غادر، لم يتسع قلبه حتي لمنافسيه، و حتي لأخيه، فدخل معهم جميعا في تصفيات دموية، و دمغهم بأسوأ الأوصاف الذميمة، حتي وصف أخاه «يحيي صبح أزل الملقب بالوحيد»، بأنه [ صفحه 85] الوحيد في الطغيان، لا الوحيد في الايمان [95] ، و قال عنه: «انه نقطة الظلمة، و من المشركين»، و كلاهما يدعوان الي دعوة واحدة، هي دعوة الباب و يدعيان خلافته في دعوته؟!! و يحدث منهم هذا، و هم في بؤس المنفي و ضيقه!! مع أن المصائب تجمعن المصابينا، لكن طمعهم في الرياسة، و التسلط علي عباد الله (المغفلين)، أنساهم ذكر الله، و أنساهم كل شي‌ء مما يدعونه، و يدعون الناس اليه!! و ما هكذا يكون أصحاب الدعوات العاديون، فما بالنا بمن يدعي أنه يحمل رسالة، و ينزل عليه الوحي، و أن الله قد حل فيه؟!!، شي‌ء عجيب، و مؤسف حقا!! و المؤسف المحزن هو حال هؤلاء التابعين أولا و قبل كل شي‌ء في ايمانهم بالبهاء!! فهل فضل الله يؤخذ «بالدراع»؟ و يصل الانسان للرسالة من الله بالقتل و بالتآمر و الدس؟ و ما رأينا في التاريخ، و لا تستسيغ عقولنا أن يصل انسان للنبوة و الرسالة و حتي الولاية بالمؤامرات و الخيانات! ان من الطبيعي أن الذي يحارب أية دعوة خصومها، و لكن الذي ليس طبيعيا ابدا أن يتحارب الدعاة أنفسهم لمبدأ واحد، بعضهم مع بعض، و يرتكبوا في هذه المنافسة علي الرياسة، ما يرتكبون من السيئات و الآثام، التي تشين الانسان العادي. فكيف يأتي انسان و يطمئن الي واحد منهم - البهاء أو يحيي صبح أزل - علي أنه انسان سوي، و يؤمن بما يدعونه اليه و يخرج علي دينه؟ هل الذي دس، و تآمر، و قتل، يصلح لأن يكون صاحب دعوة دينية، أو متكلما باسمها، نبيا و رسولا؟ نحن لا نطمئن الي واعظ أو خطيب يوجه الينا النصيحة العادية باسم الاسلام، و هذه هي حالة الملوثة؟ [ صفحه 86] فكيف نطمئن الي واحد يدعو لنسخ شريعة الاسلام، و الي شريعة جديدة، و نظام جديد، و هذه هي حاله، و هذا تاريخه؟! لو أنه قتل أناسا، يحاربونه للقضاء علي دعوته، لأمكن التماس عذر له، و لكنه قتل أناسا زملاء له و رفقاء في الدعوة، و لا يزالون، لكنهم ليسوا من مناصريه، و لا موافقين علي أنه خليفة الباب، بل أخوه يحيي أو غيره هو الخليفة حسب الوصية.. ففعل بهم ما يفعله كل متنافسين عاديين علي الملك و الزعامة من عامة الناس، ممن لا دين عندهم و لا خلق!! فكيف يصبح هذا القاتل المتآمر علي أخيه و زملائه بعد ذلك محل ثقة، و أمينا علي دعوة دينية، و نصدقه في أن الوحي ينزل عليه، و أنه - بسلامته - قد حل فيه الله، و أصبح مظهرا له، و متحدثا باسمه، الي آخر هذه الدعاوي العريضة؟!! ألم يجد نور الله الا مثل هذا النجس السفاك ليحل فيه؟ انني آسي علي التابعين له، لأنهم ألغوا عقولهم، و لم يفكروا قبل أن يؤمنوا به. فبأي وصف نصفهم؟ انهم فعلا يستحقون الرثاء، و يستحقون الدعاء لهم بالهداية.. وقفت بهائية مصرية أمام المحكمة، و لمحت المحكمة فيها أنها ساذجة، و مغرر بها، فاهمة أنه لا مانع من أن يكون المسلم أو المسيحي بهائيا، فعرفتها المحكمة حقيقة البهائية، من أقوال البهاء و دعاته، فأخذت تبكي و تنتحب، و تقول: أبدا أنا متمسكة باسلامي، و قد أفهموني أنه لا تعارض بين الاسلام و البهائية. و لكن مادام الأمر كذلك فانني أرفض البهائية رفضا تاما! و هكذا يغررون بالناس.. و لعل الذي شارك في خداع هذه الفتاة المصرية، أنها رأت رئيس البهائية، و كثيرا من أتباعها في مصر، يتسمون بأسماء اسلامية، و الا فمن كان يظن أن الأستاذ «حسين بيكار» المحرر بالأخبار، هو من البهائيين بل زعيمهم، في رفض الاسلام و شريعته و قرآنه الذي أبدلوا به كتاب البهاء: الأقدس؟ و صار هو - لا القرآن - هو كتابهم المقدس الذي يتبعون تعاليمه؟ من الذي كان يظن أن الأستاذ «بيكار» قد خرج من دينه الاسلام - الي البهائية؟ و عمره 28 سنة!! أعتقد أنه فاجأ الكثيرين بما أعلنه أمام النيابة: [96] «أنا مبدئي بهائي، [ صفحه 87] و هي - أي البهائية - ديانة مستقلة، مثل ديانات الاسلام و المسيحية و اليهودية، و كل الديانات الأخري.. و البهائية جاءت لتنسخ ما قبلها من رسالات، و هي رسالة سماوية.. و هي التي ينتظرها هذا العصر» (!!!) و أضاف بيكار قائلا: «انني حضرت للقاهرة عام 1928، و دخلت محافل البهائية و عمري 28 سنة، (أي يعترف بارتداده من الاسلام و هو في هذه السن).. و ادعي في كلامه ما يعتقده من أن الكتب السماوية بشرت بظهور الباب و البهاء!! و أن من يكفر بالبهاء يكون كافرا بكل الأديان!!! هكذا و بكل تبجح، أي أن المسلمين جميعا الذين رفضوا خرافة «البهاء» هذا، كفار في نظر الاستاذ بيكار و زملائه!! و نحن جميعا كفار في نظره، و يعاملنا و يعيش بيننا، و يتمتع بحق المواطنة و يتقاضي مرتبه منا نحن الكفار!! و يحتقرنا طبعا لأننا كفار!!!! و الاستاذ مصطفي أمين و غيره ممن كتبوا يتشفعون له لكبر سنه، هم كفار ملاعين في نظره و أولاد كفار!!! و بعد ذلك يترك ليتمتع بمال الكفار، و الأمن الذي يوفره الكفار له!! أليست لنا عقول؟ أليست فينا غيرة؟!! انه يقول متحدثا عن عقيدتهم: «و الكتاب «الأقدس» تجمعت فيه الأحكام البهائية التي قالها بهاءالله، و هي منزلة عليه من الله سبحانه و تعالي، أما الألواح فهو كتاب مقدس يضم خطابات كان يكتبها بهاءالله، تتضمن مبادئه و تعاليمه و نصائحه، و الكتابان الأقدس و الألواح - هما مصادر التشريع في البهائية». و قال: ان لديهم الصلاة [97] ، و لكنها تختلف عن الصلاة في الديانات السماوية الثلاث، فهي 3 أنواع من الصلوات، و كل بهائي يختار منها واحدة حسب استعداده الروحي (شي‌ء خفيف.. كده)!. و هي: الصلاة الكبري: من الظهر الي الظهر، و الوسطي: تؤدي ثلاث مرات في اليوم، في الصبح و الظهر و الغروب، و الصلاة الصغري: و تؤدي مرة واحدة كل يوم [98] (يعني في أي وقت). [ صفحه 88] و يخرج البهائي 19 في المائة من صافي ريعه لبيت العدل في «حيفا» لتوزيعه علي المحافل الدولية. و لا يوجد في الكتاب «الأقدس» شي‌ء عن الحج، و لكنهم يحجون للأماكن التي ترتبط بأصحاب [99] الدعوة منهم، مثل زيارة مدينة «شيراز»، التي ترتبط بصاحب الدعوة (بلده)، و مسكنه في «بغداد» - الذي كان يقيم فيه، و زيارة مدفن بهاءالله في «عكا»، باسرائيل، و كذلك زيارة مقام الباب علي جبل الكرمل في «حيفا»، كما ساوي البهائيون بين الذكر و الأنثي في الميراث (و نسخ البهاء قوله تعالي «للذكر مثل حظ الأنثيين» في الاخوة و الأخوات، و الزواج لا اعتبار للدين فيه بين المتزوجين. و لهم تقويم مخالف لكل التقاويم السنوية و الشهرية و الاسبوعية - مع اختلاف الأسماء - فالشهر لديهم 19 يوما، و السنة 19 شهرا، و عيد فطرهم هو «عيد النيروز» دائما 21 مارس. و هم يؤقتون صيامهم، بحيث يصومون في الربيع ال19 يوما، يأتي عقبها الفطر «يوم النيروز»، أي أنهم يضبطون أيام صيامهم ال19 علي عيد النيروز.. و هو يأتي في وقت واحد في كل سنة الخ.» هذا كلام زعيم البهائية في مصر عن «البهائية» التي يدين بها، و هو أوثق من يتحدث عن عقيدته و شريعته.. و هو يكتفي مع المصادر الأخري في هذه الموضوعات بالذات. اللهم الا بعض تفصيلات لم يذكرها.. لكن لهم تعاليم أخري نري أن نذكرها، و لو بايجاز نقلا عن مصادرهم.. ففي الصلاة: يكتفون ببعض الأدعية. يدعو بها المصلي ثم يسجد، ثم يقوم [ صفحه 89] و يدعو.. و هكذا [100] و قبلتهم «حيفا». و في الزكاة: لم يبينوا فيها نصابا محددا و ان قال عبدالبهاء انها كما في الاسلام، و لكنهم لا يلتزمون بالنظام الاسلامي - كما عرفت - و هم يخرجون 19% لبيت العدل في «حيفا» كما قال «بيكار» و كما جاء في مصادرهم.. و في الميراث: لهم نظام خاص، يغاير النظام الاسلامي في أمور كثيرة. و قد وردت أحكامهم في كتابهم «الأقدس [101] »، و علي أساسها يتساوي أولاد الميت في الميراث، الاناث مثل الذكور في الأنصبة، و في أحيان كثيرة يذهب ثلث التركة لبيت العدل، و هو الذي يديره «البهاء» أو من يقوم بشئونهم.. علي أن غير البهائي لا يرث البهائي. و دار المتوفي تكون للابن الأكبر، و كذلك ملابسه، علي أن يكون ذلك للذكور دون الاناث!!.

ابطالهم للتقاويم المعمول بها و للأعياد الاسلامية

اشاره

أراد البابيون و البهائيون أن يجعلوا لشريعتهم استقلالا خاصا متميزا عما عرفه العالم من المسلمين و المسيحيين و غيرهم.. متوهمين أن هذا التغيير يعطيهم تميزا خاصا.. ففي الأيام غيروا أسماءها، و بدءوها بيوم السبت، هكذا: 1- يوم الجلال هو يوم السبت يوم الجمال هو يوم الأحد يوم الكمال هو يوم الاثنين يوم الفضال هو يوم الثلاثاء يوم العدال هو يوم الأربعاء يوم الاستجلال هو يوم الخميس يوم الاستقلال هو يوم الجمعة و كذلك غيروا عدد الشهور، و أسماءها فجعلوا عدد شهور السنة: 19 شهرا، و كل شهر 19 يوما، و مجموع السنة 361 يوما، تضاف اليها خمسة أيام لتصير أيام السنة 366 يوما، و هذه الأيام الكبيسة تسمي عندهم: «أيام الهاء». [ صفحه 90] أما الشهور عندهم و أسماؤها فهي كالآتي: 1- شهر البهاء 2- شهر الجلال 3- شهر الجمال 4- شهر العظمة 5- شهر النور 6- شهر الرحمة 7- شهر الكلمات 8- شهر الكمال 9- شهر الأسماء 10- شهر العزة 11- شهر المشيئة 12- شهر العلم 13- شهر القدرة 14- شهر القول 15- شهر المسائل 16- شهر الشرف 17- شهر السلطان 18- شهر الملك 19- شهر العلاء.. و قد بدأ تقويمهم من سنة 1844 و هي سنة اعلان الباب لدعوته.. و يحتفل البهائيون في مطلع كل شهر، أي كل 19 يوما، حيث يجتمعون في محافلهم العامة، أو في أوسع دار لهم، و يكون هذا الاحتفال علي ثلاثة مراحل: الأول: الدور الروحاني: و تتلي فيه الأدعية. الثاني: الدور الاداري: و تعلن فيه الأوامر و النواهي و التعاليم الصادرة من الجهات المسئولة.. الثالث: دور الضيافة: و هي دور الطعام و الشراب في نهاية الاحتفال..

اما أعيادهم فهي خمسة كالآتي

1- عيد النيروز و يكون يوم 21 مارس «آذار» من كل سنة [102] . 2- عيد الرضوان: و مدته 12 يوما، يكون أولها 21 نيسان (ابريل) و آخرها ثاني شهر أيار (مايو). و هم يحرمون الاشتغال في أيام: 1 ، 9 ، 12 ، و هذا العيد هو عيد اعلان البهاء لدعوته. في حديقة نجيب باشا ببغداد، التي سماها «حديقة الرضوان». و قد سبق كلام عنها. و قد تحولت الحديقة الآن الي مدينة للطلب كبيرة. 3- عيد ولادة الباب (علي محمد الشيرازي) و هو يوم أول المحرم من كل عام (المحرم سنة 1230 ه). [ صفحه 91] 4- عيد ولادة البهاء «حسين علي نوري» ثاني المحرم في كل سنة. 5- عيد اعلان الباب دعوته: و هو يوم الخامس من جمادي الأولي كل سنة، و يسمي: «عيد المبعث» أما ولادة عبدالبهاء «عباس أفندي» فتوافق تاريخ عيد اعلان دعوة الباب، و لذلك يكتفي عنه بعيد اعلان الدعوة [103] . و هم يقدسون العدد 19 لماذا؟ لأن عدده بحساب «أبي جاد» - الجمل.. تساوي عدد حروف «واحد» 19. فالواو = 6 و الألف = 1 و الحاء = 8، و الدال = 4 فيكون المجموع 19، و لذلك يقدسون هذا العدد، فجعلوه عددا لأيام الشهور، و عددا للشهور. و هذه عقلية غريبة، تبني التقديس عندها علي حساب الجمل هذا!! و كان الأولي أن يقدسوا عدد «الواحد» أو «واحد» أينما يكن، و يقدسون عدد «حي»، و «الله» بحساب الجمل. اذا كان مثل هذا يقدس.. و لست أدري بأي عقل يهضم انسان مثل هذا التجديف و التخريف؟!! لا سيما ممن يوصفون بالثقافة و العلم؟!! و بهذه المناسبة: أحب أن أنبه الي أن أحد المصريين المسلمين الذي انضم الي البهائيين، و هو ممن تخرجوا من الزراعة جامعة القاهرة، قد افتتن بالعدد 19، و أخذ يبحث عن الحروف التي ابتدئت بها السور و يعمل حسابها بالكمبيوتر، و طلع علينا بأن هذه الحروف تساوي العدد 19 أو مضاعفاته!! و تتبعه الباحثون، فوجدوا أنه يرتكب مغالطات، و يبتدع حيلا شيطانية للوصول الي ذلك.. و أرسل للأزهر، فبحثه الأزهر، و رآه تجديفا و ادعاء.. بل جاء صاحبه العالم الذي تسمي باسم «محمد رشاد خليفة» الي بعض الدول الاسلامية، و عرض أفكاره و حساباته، و انبهر به بعض الناس، دون فحص و تدقيق.. و قد تابعته الدكتورة العالمة الفاضلة: «عائشة عبدالرحمن» - بنت الشاطي‌ء - فيما [ صفحه 92] كتبته «الأهرام» في رمضان 1405، و تابعت هذا الموضوع، فأخرجت عنه كتابا قيما مدعما بالوثائق تكشف أغراضه و أغلاطه.. و قد حذف الدكتور محمد رشاد خليفة أخيرا اسم «محمد» من اسمه، فصار يدعي «رشاد خليفة» [104] و العجيب في الأمر أن بعض الناس لم يفطن الي المجهود الكبير الذي يبذله هذا الدكتور، في سبيل اعلان شأن العدد 19، و يحاول أن يبين اعجازا للقرآن عن طريق حساب الجمل (بتشديد الميم مفتوحة)، كأن الله - سبحانه و تعالي - يشتغل بحساب الجمل هذا، و عني بحساب أوائل السور من الحروف المقطعة بحساب الجمل، كان الله أنزلها علي أساس حساب الجمل، فتكون جملها مساوية للعدد 19. أو مضاعفاته، و ليس المهم عنده اكتشاف معجزة للقرآن، بل المهم اثبات قدسية العدد 19 من عناية الله به و انزاله الحروف علي أساسه. في أوائل السور. و انطلت اللعبة البهائية علي كثير من المسلمين، و اعتبروها فتحا جديدا أتي به العلم الحديث!! و كان من الواجب أن نرفض رفضا قاطعا أن الله يشتغل بحساب الجمل كالسحرة و كهؤلاء، و ينزل أوائل بعض سوره علي أساسه.. و ننسي أو نتناسي، و نغفل عما قاله كما علمائنا و أئمتنا السابقين، و حتي الآن من تفسير جاد معقول..و هو: أن هذه الحروف، هي عبارة عن تحد رمزي لمن قالوا: ان القرآن قد افتراه محمد علي الله، و هو [ صفحه 93] من كلام محمد لا من كلام الله.. و كأن الله حين نزل هذا - يقول لهم: من هذه الحروف العربية يتكون القرآن، و أنتم عرب و فصحاء و بلغاء في لغتكم، فان كنتم تقولون ان محمدا صلي الله عليه و سلم هو قائل القرآن من عنده، فهاتوا ما يماثل القرآن في بلاغته، و هو عربي، و أنتم عرب، و هو مكون من الحروف العربية. ألف، و لام، و ميم، و حاء، و ص، ن، ق.. الخ.. فحروفه و كلماته ليست فارسية، و لا يونانية، و لا فرنسية. الخ.. بل عربية.. «فأتوا بسورة من مثله و ادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين» [105] .

و هو التفسير المعقول

و كان أكبر و أقوي مؤيد لهذا الرأي، أن الآيات التي جاءت بعد هذه الحروف، تحدثت صراحة أو ضمنيا عن القرآن، و نزوله من عند الله، و هي القضية التي يدور حولها الخلاف و الحوار. فتجد مثلا في سورة البقرة: «الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين»، و في سورة آل عمران: «الم. الله لا اله الا هو الحي القيوم. نزل عليك الكتاب بالحق..» و في سورة الأعراف: «المص.. كتاب أنزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به و ذكري للمؤمنين، اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم». و في سورة يونس: «الر تلك الآيات الكتاب الحكيم. أكان للناس عجبا أن أوحينا الي رجل منهم أن أنذر الناس و بشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون ان هذا لساحر مبين». و في سورة هود: «الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير». و في سورة يوسف: «الر. تلك آيات الكتاب المبين. انا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون». و في سورة الرعد: «المر. تلك آيات الكتاب و الذي أنزل اليك من ربك الحق..» و في سورة ابراهيم: «الر كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الي النور..». [ صفحه 94] و في سورة الحجر: «الر تلك آيات الكتاب و قرآن مبين..» و في سورة الشعراء: «طسم تلك آيات الكتاب المبين». و في سورة النمل: «طس تلك آيات القرآن و كتاب مبين.» و في سورة القصص: «طسم تلك آيات الكتاب المبين». و تجد مثل ذلك في سورة «لقمان»، و سورة «السجدة»، و سورة «ص» و سورة الحواميم «غافر، و فصلت، و الشوري، و الزخرف، و الدخان، و الجاثية، و و الأحقاف، و ثم نجد سورة «ق».. و لا يكاد يخرج عن هذه القاعدة صراحة الا سور: «مريم، و العنكبوت، ن» و ان كانت قد تحدثت عن تأييد الرسول في رسالته و حث المؤمنين علي الثبات، و هذا يفيد ضمنا تأييد الرسول في كل ما يقوله من أن القرآن من عند الله.. و لا يمكن أن يأتي الحديث عن القرآن في هذه السور التي بدأت بالحروف المقطعة، اعتباطا و بدون هدف و ارتباط بما قبلها من حروف مقطعة. فهذه الحروف - اذن - تتحدث عن القرآن، و صدق نزوله من عند الله، و تتحدي المكذبين تحديا رمزيا غير صريح بلفظ التحدي، بعد أن تحداهم صراحة في هذه الآيات.. و مثل هذا يجري بيننا أحيانا، حين يأتي واحد مكابر مدع، و ينكر علي الرسام الممتاز جمال الصورة التي رسمها، أو الصنعة التي صنعها.. فيقوم الرسام و يأتي بفرشاته و ألوانه - و هو صامت - و يضعها أمام هذا المكابر... المدعي أنه يرسم أحسن، و لا يقول له: ارسم مثلها.. بل يكتفي بهذه الحركة، و يفهم منه أنه يتحداه أن يرسم مثله، و كذلك الصانع، يأتي بأدوات صناعته، و يضعها أمام زميله. و يفهم أنه يتحداه أن يصنع مثله.. و هكذا.. فالله سبحانه قد تحداهم بما نفهم و يفهمون منه أنه وسيلة مستعملة للتحدي... و يؤكد سبحانه بذلك علي أن القرآن من عند الله مستأنسا بما تحدث به الله عقب ذلك عن القرآن.. و بهذا يضيف ذكر هذه الحروف فائدة مركزة، متصلة بالقرآن نفسه.. [ صفحه 95] فما بال هذا الدكتور يهيم في حساب الجمل الذي ولع به البابيون و البهائيون، و استعملوه حتي في بيان أنصبة الميراث.؟ و ما الذي أغراه بهذا، و نحن المسلمين السنيين - علماء و غير علماء - لا نلتفت الي هذا الحساب، و لا يشتغل و يهتم به الا السحرة؟! لقد طلع علي الناس بما يغريهم، و يقع من نفوسهم موقعا يريحهم دينيا، حين ادعي ادعائه المبني علي العدد 19 المقدس عند البهائيين و ادعي انها معجزة للقرآن و ما الذي جعله يتقن حساب الجمل، و هو المتخصص علميا تخصصا بعيدا جدا عن حساب الجمل هذا. أسئلة أديرها و يديرها غيري حوله، و تأتينا الأخبار الموثوقة بأنه بهائي، و أنه حذف من اسمه اسم «محمد»!! و ستأتي أخبار و حقائق أخري تكشف هذه اللعبة التي يلعبها، و يخدع بها المسلمون لحساب البهائية.. مدعيا أنه اكتشف معجزة جديدة للقرآن فيفرح المسلمون!! و لعله من المفيد أن نذكر هنا هذا النقد الذي وجهه «الدكتور علي حلمي موسي» أستاذ الفيزياء و الرياضة بجامعة عين شمس و رئيس الكمبيوتر بجريدة الأهرام، حيث يقول: [106] . «انه من البديهيات المعروفة لدي أي أستاذ رياضيات، أنه اذا وجدت مجموعة كبيرة من الأعداد فيمكن التوصل فيها الي مجموعات تقبل القسمة علي أي من الأعداد الأولية من أمثال الرقم 19، و أن الباحث الذي قدم لنا اعجاز الرقم (19) لم يتحر الدقة، و اتخذ من هذا الرقم أساسا مسبقا لبحثه. فلم يتبع أسلوبا علميا موحدا فيه، فراح يضيف الألف مرة في «بسم الله» و لا يضيفها مرة أخري، و يحسب حرف (ن) مرة علي أنه حرف واحد، و في مرة أخري يجعله ثلاثة حروف (نون)، بحيث يخدم غرضه، و هو الوصول الي مضاعفات الرقم (19)، و من أمثلة ذلك أيضا: أنه قام باحصاء حرف (ص) في صورة (ص) فوجده يتكرر 29 مرة، و هذا لا يخدم غرضه، فضم اليه حرف (ص) في صورة الأعراف، فكان 97، و هذا لا يقبل القسمة [ صفحه 96] علي (19) فأضاف اليه حرف (ص) في سورة الكهف، حتي كان الناتج 152 و هو يقبل القسمة علي (19). بالنسبة لسورة (الشوري)، و التي تبدأ بالحروف (حم [107] عسق) قام بعد حروف: العين و السين و القاف: و ترك «حم» لعلمه أنها لن تفيده في الرقم (19).. في سورة مريم التي تبدأ ب«كهيعص [108] » قام بحصر هذه الحروف في السورة، و لكنه تجاوز وعد الهمزة في جئت علي أنها «ياء»، بينما لم يعد الهمزة في «شيئا» علي أنها ياء، و هذا التجاوز ليصل الي مضاعفات الرقم (19) و الأمثلة غير ذلك كثيرة جدا لا مجال لحصرها هنا» كمثل علي ادعائه و تحايله. و الدكتور حلمي موسي يتكلم من واقع خبرته و تخصصه، و ينقده نقدا علميا، بما يتبين معه أن هذا الانسان انسان بهائي مخرف و مجدف، أقبل علي هذه العملية بهدف مسبق، و هو اثبات دلالات الرقم 19 في القرآن، ليثبت معني تقديس البهائية لهذا الرقم.. و قد نقده و بين أخطاءه كثيرون غير الدكتور حلمي.. لكن علينا بعد هذا أن نتيقظ و نعلم أن البهائيين و من ورائهم الصهيونية و الماسونية يعملون بشتي السبل الشيطانية المعروفة عنهم علي ترويج ادعاءاتهم، و نشر نحلتهم، و كان من ذلك اثبات خطورة العدد 19 الذي قدسوه بدعوي أن حساب الجمل لحروفه يساوي حساب الجمل لحروف «أحد» و لهذا فقط لا غير يكون مقدسا، ثم أتوا بدليل في زعمهم بأن الله يدير حساباته علي حساب الجمل هذا، و علي أساس هذا أتي بالحروف المقطعة في أوائل السور، و يرتكبون كل شطط في هذا.. و ينخدع به المسلمون الطيبون، و هم لا يدرون!

عودة الي التعاليم البهائية

و نعود بعد هذا الي الحديث عن تعاليم البهائية مرة ثانية، و أريد أن يلقي القاري‌ء معي نظرة علي ما سموه مبادئهم، و هي اثنا عشر مبدا، يرددونها في محافلهم و ينادون بها، و هي كما قال أحد بزعمائهم: «ترضي الجميع» أي تلقي القبول العام.. [ صفحه 97] و ستري منها أنها في أكثرها مبادي‌ء عامة قالت بها الأديان علي اختلافها، و قال بها المصلحون، لم يأتوا بجديد يغري الناس اللهم الا خيالات لا يمكن تطبيقها، مع اسقاط الفرائض.. اننا نجد في بعض الأديان كالهندوسية أنها تنادي بالسلام حتي مع الحيوان و تمتنع عن أكله، حتي صار من تعاليمها ألا يذبح الانسان حيوانا، و لا يأكل منه. و هي ديانة غير سماوية.. و قد رأينا غاندي الزعيم الهندي المعروف، و هو أصلا من أتباع الديانة «الجينية» و هي من متولدات الهندوسية، و القائمة علي هوامشها، و لها أتباع يعتد بهم في الهند، رأينا الزعيم يعتنق مبدأ عدم مقابلة القوة بمثلها، و ينضم لحركة العصيان المدني التي بدأها المسلمون.. و كثيرا ما غضب حين رأي أتباعه يقابلون القوة بالقوة، و يخرجون عن مبادئه في «السلام». بل رأينا عيسي عليه الصلاة و السلام، يركز علي دعوة السلام، و علي نصائحه لأتباعه: من ضربك علي خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر يعني لا ترد عليه. و كذلك جاء الاسلام و ركز علي الاخاء و المساواة و السلام العام بين الناس، و قال الله لرسوله صلي الله عليه و سلم في كتابه «و ان جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل علي الله انه هو السميع العليم» [109] . و قال له في كتابه أيضا: «فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم و ألقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا» [110] .. و هي تعاليم خاصة بحرب المشركين له.. و اكتفي الاسلام من المسلمين، بأن يردوا الاعتداء الذي يقع عليهم، و يدافعوا عن أنفسهم، و هذا هو الوضع المعقول و المقبول فطرة و طبيعة، و الله لا يكلف نفسا الا وسعها، فمن الناس من يغريهم الاستسلام و عدم الدفاع، فيتمادون في الاعتداء و الظلم، و هؤلاء لا تردهم الا القوة و الدفاع عن النفس و الحقوق.. [ صفحه 98] و لذا شرع الاسلام لأمثالهم الدواء المناسب: القوة بالقوة، و البادي‌ء أظلم، بينما دعاهم الي العفو ان استطاعوا «فمن عفا و أصلح فأجره علي الله» [111] . و لا أريد أن أسترسل في التعليق علي هذه المبادي‌ء، بل أكتفي الآن بنموذج من التعليق علي ما قالوه للدكتور مصطفي محمود. و أضع أمام القاري‌ء أولا هذه المبادي‌ء العامة التي يفخرون بها حين يظنون أن البهاء قد انفرد بالدعوة اليها و أنه قد أتي بجديد يستحق أن يطبل له أتباعه، و يتركوا دينهم و يتبعوه، و هي: 1- تحري الحقيقة 2- وحدة العالم الانساني 3- توحيد الأديان 4- اتفاق الدين و العلم 5- منع الحروب 6- تأسيس محكمة دولية 7- اختيار لغة عالمية 8- مساواة الرجال و النساء 9- نبذ التعصبات 10- مواساة الفقراء 11- تعميم التعليم بين جميع البشر 12- حل المشاكل الاقتصادية. هذه هي المبادي‌ء التي تنادي بها البهائية، و يتعلق بها أتباعها، و يكتبونها بخط كبير، و يعلقونها في البيوت و المكاتب و المنتديات.. و لا تري فيها جديدا علي أديان العالم، أو علي أفكاره، فبأي شي‌ء اذن يتميزون؟ و أي شي‌ء منها جذبهم، و جعلهم يخرجون من أديانهم و مذاهبهم؟ هل جذبتهم بعض هذه المبادي‌ء الخيالية المستحيلة التطبيق، انها مجرد «ديكور»، ربما يجذب بعض الخياليين، مثل توحيد اللغة فقد سبقه غيره اليها، و سبق أن تكلمت عنها، و فشلت الدعوة.. أما توحيد الأديان فأمر خيالي أيضا، و مصادم للسنة الكونية و للطبيعة البشرية، التي تحدث عنها الله سبحانه خالق الناس، فيما أنزله من قرآن «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، و لا يزالون مختلفين الا من رحمه ربك و لذلك خلقهم». ثم هذا البهاء الذي يدعو لوحدة العالم، أما كان الأجدر به أولا أن يوحد بينه و بين أخيه «يحيي صبح أزل»؟! و قد حصل بينهم ما حصل من مآس كما عرفت، و كان الأولي به و هو صاحب الدعوة أن يضرب المثل للناس في سلوكه السلمي حتي مع أخيه!! [ صفحه 99] و لا أريد تعليقا علي هذه المبادي‌ء أكثر مما علقت، بل أترك ذلك للقاري‌ء، ليتبين بنفسه مدي ادعاءاتهم الجوفاء. و لا شك أنك ستقول في النهاية معي لهؤلاء الأتباع المغرر بهم: ما الذي جعلكم تقعون في هذا «المطب»؟ و ما الجديد الذي جذبكم؟ و جعلكم ترتدون عن دينكم؟ و ترتكبون هذه المجازفة غير المأمونة العواقب؟ و ترثي لهم معي. أنه لا جديد يغري بعض الناس الا اسقاط الفرائض عنهم و اراحتهم منها.. و مما ينبغي الاشارة اليه: أن الباب كان قد حرم في كتابه المقدس الموحي به «البيان» قراءة الكتب و التعلم!! فجاء، البهاء، و وجد أن هذا غير معقول، و أنه يؤدي الي جهل الأتباع، فنسخ ذلك في كتابه «الأقدس»!! و قال: «قد عفا الله عنكم ما نزل في «البيان» من محو الكتب، و أذنا لكم أن تقرأوا من العلوم ما ينفعكم.. هذا خير لكم ان أنتم من العارفين» [112] . [ صفحه 100]

وفاة البهاء و تولي «عباس - عبدالبهاء»

اشاره

1892 - 1923 م توفي حسين علي الفارسي المازندراني (البهاء) في «عكا» عن 75 سنة، في ذي القعدة سنة 1309 ه مايو سنة 1892.. و دفن علي سفح جبل الكرمل في مقبرة خاصة، سموها «بيت البهجة». لم يلبثوا حتي أقاموا عليها مبني فخما رائعا، و سموه «مشرق أذكار» يحج اليه البهائيون!! و كان للبهاء أربعة بنين، هم عباس، و محمد علي، و ضياء الذي مات شابا، و بديع الله، و ثلاث بنات.. و كان قد كتب وصيته بمن يتولي أمر البهائيين بعده، فأوصي لعباس، ثم لولده الثاني «محمدعلي» من بعده، و لذلك تولي «عباس افندي» الأمر دون عناء، و كان يسمي «عبدالبهاء» و اشتهر بذلك.. وكان ذكيا، شغوفا بالقراءة و الاطلاع، ثم أتيح له بعد اعلان الدستور العثماني 1908، حرية التحرك و أن ينطلق للسياحة في العالم، فذهب لمصر سنة 1911، و الي أوربا و أمريكا و أضاف الي خصيلته الكثير من المعلومات التي اكتسبها من هذه الرحلة، فسخره لخدمة البهائية. و قد لمس أن كثيرا من أفكار البهائية و دعوتها، لا يلقي قبولا لغرابتها، فعمل علي تطوير الدعوة البهائية، و أضاف اليها بعض «البهارات» الفكرية، التي يتحدث بها العالم، و يتمناها، لا سيما و كانت ظروف الحرب العالمية الأولي التي شهدها، نهيي‌ء الأذهان لهذه الأفكار، فدعا الي المساواة بين المرأة و الرجل، و الي نزع السلاح، و الي لغة عالمية واحدة، و تشكيل محكمة دولية، و تحدث عن نظرية «النشوء و الارتقاء» كما تحدث «داروين» الذي روج اليهود لفكرته و مذهبه، لغرض في نفوسهم، كما دعا الي السلام و نبذ التعصب.. [ صفحه 101] و كانت هذه أفكارا التقطها من الواقع الذي يسعد المجتمع العالمي، و من أمنياته حينذاك. و أعلن للناس أن البهائية انما هي دعوة اصلاح اجتماعي، ليسهل تسربها للنفوس من هذه الناحية، و لا يصادم أحدا في دينه من أول الأمر. كما لا يصادم في البديهيات من أمور الحياة.

قدوة سيئة

و يذكر المؤرخون لعبد البهاء أنه كان في أخلاقه شي‌ء من الحدة القائمة علي التعاظم، و قد ساءت العلاقات بينه، و بين اخوته، و لم يستطيع أن يحقق معهم مبدأه في المساواة و السلام. و الوحدة، نظرا للخلاف بينهم لا سيما فيمن يتولي الأمر بعده! و لذلك لم ينفذ وصية والده في انتقال الأمر بعده الي أخيه (محمد علي) بالرغم من أنه هو لم يعقب ذكرا، يمكن أن تدفعه نفسه لتوليته بعده.. و كان يمكن أن يجعلها في أخيه الآخر (بديع الله)، لكنه بسبب عدم وجود سلام بينه و بين أخويه، جعل الأمر بعده لحفيد له من بنته، و هو «شوقي أفندي الرباني». و هكذا كان دعاة الديانة الجديدة، نمطا سيئا من الناس!! و نموذجا عكسيا لما يدعون اليه، و صورة قبيحة لهم. و قد توفي عباس «عبدالبهاء» في نوفمبر سنة 1923، و قام بعده حفيده من بنته «شوقي أفندي». و هو الذي عرف ب«شوقي أفندي الرباني» [113] حسب الوصية التي تركها جده لأمه «عبدالبهاء»، و عاش شوقي حتي نوفمبر 1957 م. و الذي يستوقفنا في وزن هؤلاء، سواء منهم من ادعي نزول الوحي عليه بكتاب «الأقدس» و هو البهاء، و أولاده الذين حملوا الدعوة من بعده، أنهم لم يحققوا في أنفسهم المبادي‌ء التي نادوا في الناس بها. و لم يكن «البهاء» الذي ادعي نزول الوحي [ صفحه 102] عليه، و أنه صاحب رسالة جديدة نسخت شريعة الاسلام، لم يكن قدوة حسنة فيما دعي اليه الناس، من العيش بسلام، و ترك المنازعات و الحروب.. فقد انفرد بالأمر، بعد تصفيات جسدية دموية، بينه و بين أخيه «يحيي صبح أزل» كما عرفنا من قبل، و بينه و بين المنافسين الآخرين له علي ولاية الأمر بعد الباب!! فلم يكن غريبا علي أولاده أن يكونوا علي شاكلته.. فقد دب الخلاف بينهم كذلك بعد وفاته، علي من يقود الطائفة في أمورها الدينية، فوجدنا الهوي يلعب برءوسهم، و حب السيطرة و القداسة يحملهم علي أن يكيد بعضهم لبعض، و يتخلوا نهائيا عن مبدأ السلام للجميع الذي نادوا به!! فبالرغم من أن «البهاء» قد جعل الأمر بعده لولده «عباس عبدالبهاء» ثم لأخيه «محمدعلي» بعده. لم يسلم محمد علي و لا أخوه «بديع الله» الأمر لعبد البهاء، و لم يلتزموا بدعوة السلام فيما بينهم، و هم أربابها و لا بوصية والدهم، و قام نزاع بين عبدالبهاء، و بين محمد علي و أخيه بديع الله.. و انقسم ورثة البهاء الي فريقين، و انقسمت الطائفة تبعا لهم طبيعيا.. لم يكونوا حتي كبعض الأسر الطيبة التي تحافظ علي سمعتها. و بعد أن كان البابيون ثلاث فرق قبل موت «البهاء» و هي: البهائية أتباع البهاء، و الأزلية: أتباع «صبح أزل»، و البابية الخلص: من الذي لم يعترفوا بالبهائية و لم يتضموا «لصبح أزل» (الأزلية) أصبحوا خمس فرق بعد وفاته، و هي: الفرق الثلاث المذكورة، و الفرقة الرابعة المسماة «البابية البهائية العباسية» أتباع «عباس عبدالبهاء» أما الخامسة فهي جماعة «محمد علي» أخي العباس. «و قد كان كل فريق يؤيد دعواه، و يكفر من عداه، و يحرم معاملة بعضهم لبعض، و كانت عداوة كل منهم للآخر، أشد من عداوتهم جميعا لمن طعن في شرعية أمرهم، و قال ببطلان دعواهم» [114] . «و قد طرد عباس من البيت الكبير - بيت الأسرة - كل من كان يناصر أخاه «محمد علي» من الأسرة، و حرمهم من النذور، التي كانت خصصت لهم، و قطع [ صفحه 103] عنهم كل أنواع الامدادات و المساعدات المخصصة لعائلة البهاء و أبنائه عامة». «و ليس هذا فحسب، بل أمر أتباعه بمقاطعة أخيه (محمدعلي) مقاطعة تامة، هو و اتباعه، و منعهم من التحدث اليهم و مجالستهم، و أكثر من ذلك: لما توفي ضياء الابن الأصغر للبهاء و شقيق محمد علي سنة 1897 م لم يشارك أخوه «عباس» و أنصاره في تجهيزه و تكفينه و دفنه» [115] . و أكثر من ذلك أيضا: أنه حاول اختطاف زوجة أخيه «ضياء» بعد وفاته، و اختفاءها - كما تذكر أوثق المصادر [116] البهائية - بعد أن دعاها لمقابلته في قصره، و حين خروجها اختطفها رجال معينون منه لذلك، فصرخت، فأدركها كثيرون، و منهم «الميرزا» آقاجان الكاشاني الذي كان أقرب الناس الي أبيه «البهاء» حتي سماه «خادم الله» و استطاعوا انقاذها. فكان جزاء «الكاشاني» هذا، أن أوسعه «عباس عبدالبهاء» ضربا، و طرده من القصر حافي القدمين عاري الرأس، و استولي علي تركته و أمواله، و عمل علي اذلاله، ثم أوعز الي أنصاره بقتله فقتل سنة 1897 م [117] . هذه التصرفات قد تحصل بين الناس العاديين، و مع ذلك يستنكر عليهم الآخرون هذا التصرف، فكيف و قد حصل هذا من أرباب البهائية و الداعين اليها في الشرق و الغرب؟ و يقولون اننا أصحاب دين و رسالة جديدة من أخص خصائصها أنها تدعو للمحبة و السلام، فأين الحب و السلام يا قدوة البهائيين؟!! و يا أتباعهم؟!! ان المستشرق الانجليزي - براؤن - الذي ترجم بعض كتب البهائية حبا و تأييدا لها، راعه ذلك، و استنكره، و كتب يقول: «هذه التفرقة و الحقد و الحرب و الجدال تركت في نفسي أثرا سيئا، بعد ما كنت أظن بأنهم مثل للوداعة و الحب و الحنان و الشفقة و الرحمة، و لكم سألت أصدقائي البهائيين: أين ذهبت تعليمات البهائية الأولي، [ صفحه 104] التي كانت جزءا ملازما للعقيدة البهائية، و أين ذهبت النصوص الالهية (لاحظ الالهية) من قبيل «عاشروا مع الأديان بالروح و الريحان» و الناس أغصان شجرة واحدة، و أوراق لغصن واحد، و غير ذلك، فأين المعاشرة مع أهل الأديان الأخري، مع عمله العدائي و قسوته و ظلمه لأسرته نفسه [118] . أفبعد هذا لا يخجل البهائيون؟! لا نريد أن نحكم الآن علي «عبدالبهاء» داعية البهائية، و خليفة البهاء و ابنه، و لكنا نتركه هو يحكم علي نفسه بكلامه هو.. و من فمه ندينه. فقد جاء في كتاب «محادثات باريس» [119] . «ان الدين الالهي (يقصد البهائية و قد ذهب عبدالبهاء لباريس يدعو اليها) - يجمع القلوب المتفرقة، و يزيل المنازعات و الحروب عن وجه البسيطة، و لو يكون الدين سببا للعداء و البغضاء و الانقسام، فعدم الدين - حينئذ - أولي، و ترك هذا الدين هو الحق، لأن الدين هو الدواء، و الغرض من الدواء هو الشفاء، فاذا كان الدواء سببا لازدياد المرض فالأولي تركه، فأي دين لا يكون سببا للمحبة و الاتحاد فانه ليس بدين.» أليس هذا وحده كافيا لدي العقلاء لوأد هذه الدعوة تماما، و البعد عنها؟ فانه لمن العجب و البجاحة أن يقول عبدالبهاء هذا الكلام، و هو بلا شك يعرف ما دار بين أبيه «البها» و بين عمه «يحيي»، من المنازعات، و سفك الدماء، و كل منهما يدعي أنه آتي بدين جديد، و نزل عليه الوحي به، و يعرف بلا شك نفسه، و ما حصل منه مع اخوته و أسرته، مما يعيب الناس العاديين، الذين لا يخشون ربهم، فبأي وجه يقول هذا الكلام؟ الذي يحكم عليه بأنه لا دين له؟! لقد كان يقول هذا و أمثاله للأوربيين و الأمريكان، الذين تقابل معهم هناك، يدعوهم للبهائية بمثل هذا الكلام المزوق، و يخدعهم بالضرب علي النغمة التي يحبونها، و يحبها الناس جميعا.. و هو متأكد أن الذين يتحدث معهم لا يعرفون شيئا عن ماضيه و لا [ صفحه 105] ماضي أبيه، لا سيما و قد مرت علي ذلك مدة ليست بالقصيرة، و هناك علي أرض الشرق البعيدة عن أوربا و أمريكا. فمن أين للذين يحدثهم بأخباره التي مضت عليها هذه المدة؟! لقد خدعته نفسه، و اندمج في «صنعته» - الخداع - و استرسل في نفس الخداع الذي يخدع به أنصاره دائما، دون أن يعمل حسابا للتاريخ الذي يرصد كل شي‌ء، مع ذكائه المفرط كما يقال عنه!! لكن ماذا يقوله البهائيون الآن و هم يسلمون عقولهم للبهائية بلا وعي و تفكير؟! هل آن لهم أن يفكروا ولو قليلا؟. و هم يدعون أن لهم عقولا تفكر و تميز بين الخطأ و الصواب، و الغث و الثمين؟ أم أن عقولهم ضاعت أمام الأهواء و الشهوات، و الحقد علي الاسلام و المسلمين بالذات؟!! ان صاحب الرسالة - و لا سيما الالهية - لابد أن يكون قدوة خالصة في كل ما يدعو اليه، فلو صدقنا «البهاء» في أن دعوته الهية، و نزل عليه كتاب «الأقدس» من عند الله، و هو يتكلم بما يوحي اليه، هل يعقل أن تصدر منه هذه التصرفات التي تعيب الانسان العادي؟ و اذا كان قد استخلف ابنه «عبدالبهاء» - كما يقال - بوصية من الله [120] فالمفهوم أن الايصاء به وحي من الله، و اذا كان الأمر كذلك فلابد أن يكون اختيار الله في محله، و يكون الذي اختاره الله، قدوة للناس في كل ما يقول و يفعل، فهل كان «عبدالبهاء» كذلك، و هذا جزء من تاريخه و تصرفاته السيئة؟ و هل يختار الله دعاته علي هذا النحو السي‌ء؟!! لا يمكن.. و النتيجة أن البهاء كذاب مدع و مخادع في دعواه.. لقد كان الرسول محمد صلي الله عليه و سلم قدوة خالصة للناس، لم يقل هو ذلك عن نفسه، و لكن الذي حكم بذلك، هو الله العليم الخبير فقال «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا» [121] و قال «قل أطيعوا الله [ صفحه 106] و الرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين» [122] وقال «و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا» [123] و قال «من يطع الرسول فقد أطاع الله» [124] . و هذه أوامر و توجيهات للمسلمين بأن يقتدوا بالرسول، القدوة حقا، دون أي استثناء. و معني ذلك و مغزاه أن الله يعلم أن الرسول فعلا قدوة حسنة في كل أقواله عن الله، و كل أفعاله و أخلاقه.. فحين سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالي عنها عن خلقه صلي الله عليه و سلم، قالت «كان خلقه القرآن». و اذا كانت هذه النقول و النصوص تثبت أنه صلي الله عليه و سلم كان قدوة خالصة، فاننا لو التفتنا الي سيرته، و الي مدي العداء الشديد الذي كان يضمره و يعلنه المشركون أعداؤه نحوه، لم نجد واحدا من هؤلاء الأعداء - و قد عاشروه منذ صغره، و عرفوا تفاصيل حياته، لم نجد واحدا منهم يذكر له هفوة أو سقطة، أو أنه فعل خلاف ما يقول.. غاية ما قالوه عنه: انه كاهن، أو ساحر، أو شاعر، ورد الله عليهم اتهاماتهم. في وحي نزل عليه يتلوه المسلمون [125] لكنهم لم يتهموه في خلق، و لا في تصرف يسي‌ء الي أنه قدوة.. و كانوا يطلقون عليه: الصادق الأمين، منذ شبابه و قبل بعثته. ولو وجدوا لكانوا أسرع الي مواجهته بعيبه و نقيصته، لكنهم كانوا مع عدائهم له يحترمون أنفسهم، و يقررون أنه الصادق الأمين، و أنه الرحيم، و أخ كريم، يشيدون بخلقه و سيرته، لم يجدوا فيه مغمزا يغمزونه به، مع شدة عدائهم له. [ صفحه 107] كان عليه الصلاة و السلام لا يغضب لنفسه، و لكنه يغضب لربه، اذا انتهكت محارمه، قال لابنته فاطمة رضي الله عنها - و هي أعز الناس عنده - و قال لآل بيته: لا يجيئني الناس بالأعمال و تجيئونني بالأنساب، اعملي يا فاطمة فاني لن اغني عنك من الله شيئا.. اعملوا فانني لا أغني عنكم من الله شيئا».. و الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها». هذا هو الرسول، و هذا هو القدوة الحقة.. أما أن يأتي انسان فيدعي أن الوحي ينزل عليه، و أنه مبعوث العناية الالهية، و هو في الوقت نفسه جاسوس، و خائن لوطنه، و متعاط للحشيش، و قاتل و سفاك دماء، و قاطع لذوي رحمه.. و حياته ملوثة بما يغض من شأن الرجل العادي، فان من بلاهة العقول، و فساد الضمائر، و عداوة الحق و الحقيقة، أن يكون مثل هذا الرجل محل احترامنا، ثم محل تقديسنا، حتي نسمع كلامه في نسخ شريعة الاسلام، و نترك الدين الحق، و نمشي وراءه.. «أفمن يمشي مكبا علي وجهه أهدي، أم من يمشي سويا علي صراط مستقيم» [126] . ثم ما الذي أتي به الباب و خليفته البهاء؟. لقد جاء بتكذيب القرآن و السنة: في أن محمدا صلي الله عليه و سلم خاتم الأنبياء و المرسلين و لا نبي و لا رسول بعده من باب أولي، لأننا اذا قلنا: لا نبي بعده، فمعناه أنه لا رسول بعده لأن كل رسول لابد أن يكون نبيا، و لا يلزم أن يكون كل نبي رسولا، لأن النبوة وحدها صفة أقل من صفة الرسالة، فالنبي لا يحمل رسالة، و لكنه يعمل برسالة الرسل السابقين عليه و يؤكدها، و لكن الرسول هو النبي الذي يحمل رسالة جديدة للناس مثل موسي، ثم عيسي، ثم محمد عليه الصلاة و السلام، و بين موسي و عيسي جاء أنبياء من بني‌اسرائيل كثيرون، و لم يكونوا رسلا. فاذا قلنا ان فلانا ليس بنبي فمعني هذا و من باب أولي ألا يكون رسولا، فاذا قلنا: محمد خاتم النبيين، فمعني ذلك أنه أيضا خاتم المرسلين.. [ صفحه 108] و ليس الخاتم هو الحلية، كما فسره القاديانية و زملاؤهم في الهاوية: البابيون و البهائيون، لأن معناه هو الأخير، و قد فسر الرسول: ذلك حين قال في عدة أحاديث: انني آخر الأنبياء، و لا نبي بعدي.. يعني و لا رسول من باب أولي.. ففي حديث رواه البخاري و مسلم «ان مثلي و مثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بني بيتا فأحسنه و أجمله، الا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، و يعجبون له، و يقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة، و أنا خاتم النبيين» أي و خاتم المرسلين و آخرهم. و حديث آخر رواه البخاري: «كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي و أنه لا نبي بعدي». و حديث ثالث رواه مسلم قاله لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي غير أنه لا نبي بعدي» و كان علي ابن عم الرسول، و ابن العم كأنه أخ، و لذلك كانت هذه منزلة علي من رسول الله، فوق جهاده و تضحياته في سبيل الاسلام.. و تعددت الأحاديث في هذا المعني بصراحة تامة، مما رواه الامام أحمد و الترمذي و أبوود و لم تترك هذه الأحاديث الصريحة، مجالا لادعاء النبوة، اللهم الا للمكابرين فارجين علي الاسلام.. و اذا كان القادياني قد ادعي أنه يوحي اليه، و كذلك الباب و خليفته البهاء فلا يستكثر علي أمثال هؤلاء المارقين الذي فرطوا في أوطانهم و في أخلاقهم، أن يدعوا ما يدعون، طلبا لمظهر و مقام و رياسة في الدنيا «و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب و ما الله بغافل عما يعملون» [127] . و سيجرون وراءهم كل من يصدقونهم في دعواهم الي الهاوية، و بئس القرار.. و كانت الطامة الكبري أن يبالغوا في ادعاءاتهم فيدعي الباب و البهاء أن الله قد حل فيهم، فأصبحوا يتكلمون و كأنهم آلهة.. و كذلك كان بعض من الشيعة الاسماعيلية، حتي كانوا يصفون أنفسهم و يصفهم أتباعهم بصفات الله و أسمائه الحسني: «واحد. [ صفحه 109] الأحد. القيوم المهيمن القهار الخ» و نجد الكلام مفصلا عن هذا في كتبي السابقة عن الشيعة الاسماعيلية، و بعض المارقين من الشيعة الاثني عشرية [128] . و قد نشأ الباب والبهاء في هذا الجو فكان من السهل عليهم هذه الادعاءات!! و ما وجدنا رسولا من رسل الله حقا، يدعي لنفسه هذه المنزلة، بل كانوا يحرصون علي توحيد الله و وصفه وحده بصفاته و أسمائه التي جاء بها القرآن و جاءت بها السنة الصحيحة، و كان الرسول صلي الله عليه و سلم يحرص علي ابعاد هذه الشبهة عن نفسه، و الله قد نزل عليه صراحة ما يقول للناس: «قل انما أنا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا» [129] . و قال لأصحابه «لا تطروني كما أطرت الأعاجم ملوكها» أو «لا تطروني كما أطرت النصاري عيسي بن مريم» و قال: انني عبد الله و رسوله.. و جعل الرسول و الرسل كلهم مهمته و مهمتهم أن يوجهوا الخلق لعبادة الخالق وحده [130] ، و رفض الرسول أن يجمع المتحدث بينه و بين الله في ضمير واحد.. هذه سمة الرسل حقا.. أما الأدعياء فبحرهم واسع، و افتراؤهم علي الله و علي الناس لا حدود له.. و من فتح لنفسه باب الادعاء الكاذب، و باب «الفشر» لا يصدهم شي‌ء، و يظلون طول عمرهم في اندفاعهم: مدعين «فشارين» كذابين.. و قد اعتاد العقلاء أن يحتاطوا، و ألا يصدقوا مدعيا «فشارا» من الناس الذين يعاشرونهم، و لذلك كان من المحزن حقا أن يكون لهذين الدعيين أتباع يصدقونهم، [ صفحه 110] و يتفانون في مناصرتهم، و هم يبدون أمامنا عقلاء، لا سيما من المسلمين الذين عرفوا دينهم و رسولهم و تشريعهم الوسط السمح!. لكن مع ذلك لا عجب: فلكل ساقطة في الحي لاقطة: و الطيور علي أشكالها تقع،

نسخ الشريعة الاسلامية

و اذا كان هؤلاء قد بلغ بهم الأمر الي هذا الحد، فلم يكن بعيدا منهم أن يدعوا نسخ شريعة الاسلام. و يبرروا ذلك بتبريرات بعيدة عن منطق العقلاء، و لا سيما المؤمنين بأن الاسلام هو الدين العام الخالد، آخر الأديان و الشرائع.. و أن شريعته صالحة لكل زمان و مكان، بما أودعه الله فيها من نصوص و قواعد ندير عليها التشريع حسب مصالح البشر الحقيقية في كل زمان و مكان.. لكنهم في سبيل حبك ادعائهم يتلاعبون بعقول بعض الناس، و يزورون كلاما قد ينطلي علي بعض الفارغين البلهاء، فيقولون لتبرير خروجهم علي شريعة الله الخالدة، و ادعائهم شريعة جديدة تنسخ شريعة الاسلام «اقتضت رحمة الله أن تجعل لكل مرحلة شريعة و حكما يتناسب مع درجة التطور، و بما أن تعاقب الشرائع هو من مستلزمات الهداية الالهية، و أن التدرج في الكمال سنة من سنن الرحمة، فلا يستطيع العقل المنير أن يقول: بأن أية شريعة أو قانون (و لاحظ ادخالهم كلمة «قانون» في كلامهم حتي ينطلي علي الناس) يصلح لكل زمان و مكان.. الخ»!! فيطعنون في خلود الرسالة و الرسول. و الاسلام بنصوصه و قواعده العامة المرنة في التشريع، لم و لن يعجز عن مواكبة التطور، و التشريع للناس بما يحقق مصالحهم، و يدفع الضر عنهم.. و المصلحة و مراعاتها قاعدة من هذه القواعد، حتي قال ابن‌القيم «و حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله» و قد شرع الله الأحكام علي أساس المصلحة للناس. و أقام الفقهاء و الأئمة السابقون ما قالوه من أحكام علي أساس هذه القاعدة و غيرها، و أمامهم القرآن الكريم قد شرع لهم أن القيام بالواجب أو الفرض اذا أدي الي ضرر بجسم الانسان أو مصلحته، فانه يسقط عنهم هذا الواجب أو الفرض أو يؤخره. حتي قال الفقهاء «صحة الأبدان مقدمة علي [ صفحه 111] صحة الأديان» بمعني أن أمر ديننا كالصوم و الحج لو ترتب عليهما ضرر للجسم فما علي المسلم صوم، و لا حج.. محافظة علي صحة الانسان و حياته.. و أية معاملة واجبة يظهر فيما، أو ينشأ عنها ضرر واضح، تنقلب الي معاملة محظورة، مراعاة لمصلحة الانسان، و أية معاملة محظورة، تصبح ضرورية لمصلحة الناس، تصبح معاملة واجبة، كانقاذ الانسان لحياته بأكل أو شرب محرم من المحرمات، و علي قدر ضرورته و ما ينقذه «فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا اثم عليه» [131] أي اضطر لأكل المحرم انقاذا لحياته فلا اثم عليه، و تكرر هذا في صور متعددة في آيات متعددة من القرآن.. و اذا صار الشي‌ء المباح عمله، ضروريا لتحقيق مصلحة عامة للناس، أصبح واجبا علي الناس عمله. كما اذا تعين شرب الماء - و هو في أصله مباح - ضروريا لانقاذ حياة - أصبح شرب الماء واجبا.. و اذا كان تناول الماء يغير ضررا يغلب علي الظن أو مؤكدا، أصبح حراما و هو في أصله مباح. و هكذا تدور الأحكام علي أساس تحقيق المصالح للناس في حياتهم، و التيسير عليهم في مواجهة ظروف الحياة و تطوراتها.. و لا يقف الاسلام الا في وجه الانحراف الضار، و أي أمر يضر بالناس، حتي لو كان هواهم فيه.. و بذلك حمل الاسلام معه أساس صلاحيته لكل زمان و مكان، فلن يقف عاجزا أمام أي تطور حتي يحتاج الناس لتشريع أو دين جديد.. فماذا بقي لهؤلاء من دعوي أن الاسلام أصبح عاجزا عن تطورات الحياة؟. انهم يدعون ذلك ليبرروا بذلك زورهم، و ما كانوا يفترون.. «ان الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون» [132] . ثم ما الذي أتوا به جديدا ليس في الاسلام الا اذا كان افكا وزورا، أو كان تلبية للغرض المريض، و الهوي الشرير، و الغريزة الجامحة؟. كما فعلوا في أركان الاسلام من العبادات: الصوم و الصلاة و الزكاة و الحج؟ [ صفحه 112] انهم عملوا عليها «تخفيضات» هائلة (كالآوكازيون)، و أجروا فيها تغييرات ترضي أمزجة بعض الناس.. و قد سبق الحديث عن ذلك؟ فهل الذي فعلوه من «التخفيضات» و التغييرات حاجة من حاجات العصر و التطور؟ هل الغاء الحج الي مكة عند المسلمين، و الي القدس عند المسيحيين، و نقله الي أضرحة الباب و البهاء في «عكا» و «حيفا» و الأماكن التي عاشوا فيها في ايران أو في العراق، هو مما يقتضيه التطور، أو هو ما تقتضيه الأنانية و حب الذات «و الهوس» الديني؟! و هل كان من التطور أن يقتلوا منافسيهم، و من لا يقر بأمرهم، حتي من عائلتهم و أخص أقاربهم؟ و هل دعوتهم مثلا للحب و السلام هو مما اقتضاه التطور، و لم يكن موجودا في الأديان السابقة علي دينهم الجديد و لا سيما الاسلام؟ ثم هل عملوا هم حتي بما اقتضاه هذا الدين المخترع؟ انه تطور و لكن الي منحدر.. و هل مما اقتضاه التطور أن يبيحوا زواج الأقارب من أخت و خالة و عمة و بنت أخت و بنت أخ؟.. و لا يحرمون الا زوجة الأب، مادام البهائيون قلة و ضعفاء [133] . و هل من التطور أن يقرر أن الحروف عصت الله، فقيدها بالاعراب و القواعد، و قد أرسله الله ليفك عن هذه الحروف أغلالها و قيودها - يعني اعرابها - فأية لغة يا تري؟ و أية حروف فيها قد عصت الله فعاقبها هذا العقاب؟ هل هذا خاص باللغة العربية ليبرر بذلك أخطاءه القبيحة فيها، و فيما يدعيه أنه منزل من عند الله كالأقدس.. و الله لا ينزل كلامه بهذه الأخطاء؟ أو أن ذلك عام في كل اللغات، و لكل لغة في العالم قواعدها و موازينها و أجروميتها؟ فهل هذا كلام عقلاء أو حشاشين؟!! [ صفحه 113] لقد كان «عبدالبهاء» ذكيا متحدثا و مطلعا، و هو حين طاف بأمريكا و أوربا، و خطب في محافلها، عرف كيف يستولي عليهم، حين استغل ما في نفسياتهم من حاجات، أخذ يتحدث لهم عنها، علي أنها دعوة له، كالحب و السلام، و توحيد الناس و الأديان، و هم حين عرفوا أن دعوته تضعف الاسلام، و تنادي بنسخ شريعته، كانوا أشد اقبالا عليه، و تشجيعا له، لعله ينال من الاسلام مالم ينالوه.. و اليهود و الماسونية برجالهما، و أجهزة اعلامهما من ورائه، تشيد به و تروج له.. و من هنا تأسست له مراكز كثيرة في الغرب و الشرق، بل في البلاد الاسلامية!! بلغت نحو 80 محفلا، و كل محفل يدير أمور مجموعة من المحافل - انظر ص 122، 121 من «البابيون و البهائيون».. و هل كان من مقتضي التطور عنده أن يلغي الشهور العربية و الأفرنجية و عددها [134] ، و يغير أسمائها و أسماء الأيام، فيجعل السنة 19 شهرا، و الشهر 19 يوما، مع اضافة أيام نسي‌ء في آخر السنة! كما سبق؟ فهل هذا من تباشير توحيد العالم، أو أنه أضافة عنصر من عناصر الخلاف فيه؟ انهم يقولون ان البهائية لا تنتمي الي ديانة بالذات. و انما هي دعوة الهية جديدة غايتها تحقيق الاتحاد، و التفاهم بين أهل الأديان، و ازالة الفوارق بين بني الانسان.. الخ.. و قد جاء هو فزاد أنغام الخلاف نغمة!! و كأنه توهم أن العالم سيترك ما عليه من دين، ليدخل في دينه المهرأ المرقع؟ و قد أنكروا ما عليه المسلمون و المسيحيون و اليهود من اعتقاد في الجنة و النار والحساب و الثواب و العقاب. و قالوا ان ما ورد في ذلك من ألفاظ انما هو رموز لأمور معنوية روحية، بينوها هم حسب رأيهم، كشأنهم في تفسير القرآن، و شأن الفرق الشيعية، و لا سيما الاسماعيلية من قبلهم، حيث تركوا معاني الألفاظ الحقيقية اللغوية و المجازية و الاصطلاحية، و اخترعوا لها معاني أخري بعيدة عن دلالتها المعروفة كما بيناه من قبل.. [ صفحه 114] فيفسرون يوم الجزاء و القيامة بمجي‌ء «ميرزا حسين - البهاء» حيث يقول «البهاء» في كتاب «بهاءالله و العصر الجديد»: «ليس يوم القيامة أحد الأيام العادية، بل هو يوم يبتدي‌ء بظهور المظهر (أي مظهر الله و هو البهاء) و يبقي ببقاء الدورة العالمية»، «و ان الجنة و النار في الكتب المقدسة حقائق مرموزة [135] «، فالجنة عندهم هي حالة الكمال، و النار هي النقص، و لا بعث و لا حشر و لا حساب مما صورته الكتب المقدسة!! «شي‌ء يفرح - كده». و هم يفسرون الآيات القرآنية التي تحدثت عن مظاهر يوم القيامة تفسيرات خاصة بهم.. فهم يقولون في قوله تعالي: «اذا السماء انفطرت» المقصود هنا سماء الأديان التي ترتفع (أي تنسخ) بكل ظهور (أي ظهور رسول منهم). و هم يفسرون هذا التفسير تمهيدا لدعواهم بظهور الباب و البهاء الذي نسخ ما قبله من شرائع الرسل، و منها الاسلام.. و في قوله «يوم تبدل الأرض غير الأرض» عن مظاهر يوم القيامة، يفسرون الأرض بأنها أرض القلوب تتبدل بأرض المعرفة و الحكمة [136] . و المراد بالدخان في قوله تعالي «فارتقب يوم يأتي السماء بدخان مبين» [137] هو الاختلافات في الرسوم العادية، التي تفرق بين الناس.. و هم في غرورهم هذا يتهمون العلماء منذ نزل القرآن حتي الآن بعدم فهم القرآن!! و كانت قصص القرآن تبعا لذلك موضع اعتداءاتهم، حيث قالوا أنها لا تعبر عن واقع، و لا يمكن أن نأخذ منها أية معلومة تاريخية، و أن الأنبياء السابقين تساهلوا مع أممهم في معارفهم التاريخية، «فتكلموا بما عندهم، و ستروا الحقائق تحت أستار الاشارات» [138] . و هكذا يأتون علي كل ما قبلهم من حقائق الأديان، فيسمخونها، أو ينسخونها، [ صفحه 115] و يقررون معاني جديدة، لا صلة لها بالألفاظ، و انما كما يحلو لهم، و يروج دعاويهم، و يخدم أغراضهم. «الشيطان سول لهم و أملي لهم» [139] . هذه صورة من صور البهائية القبيحة، فماذا فيها من اغراء الا لمن فقدوا كيانهم و عقولهم؟

و من شب علي شي‌ء شاب عليه

و اذا كانت البابية قد قامت أصلا علي الخيانة بمساعدة و دعم من روسيا، و من اليهود و الغرب كما قلنا من قبل، و كانت دماء هذه الخيانة تسري في دمائهم منذ نشأتهم، فانها لازمتهم و تلازمهم طوال مسيرتهم، فقد تشفع الروسي للباب لئلا يقتل، و لكنه كان قد سبق السيف العزل، و أعدم، فواصلوا مساندتهم للقائمين بعده بالدعوة البابية، و لا سيما «صبح أزل و أخوه حسين - البهاء»، و انضم الانكليز الي الروس في رعايتهم و استخدامهم أداة لأغراضهم الاستعمارية كما فعل الروس، فلما أصدرت الحكومة الايرانية أمرها بأن يغادر البهاء ايران خلال شهر لبغداد. أسرع الوزير المفوض الروسي الي مقابلته و عرض عليه أن يسافر الي روسيا و يستريح هناك في كنف الحكومة الروسية و ضيافتها [140] . يقول داعيتهم الكبير في الهند «حشمت علي»: «لو ما كان السفير الروسي و الانجليزي، و لم يشفعا لبهاء الله أمام الحكومة الايرانية لخلا التاريخ عن ذكر ذلك الشخص العظيم» [141] . و قد قدمت له الحكومة الانجليزية الجنسية البريطانية، و أرادت نقله الي الهند ليخدمها هناك، و لكن يظهر أنها استعاضت عنه بخادمها المطيع «ميرزا غلام أحمد القادياني» الذي قضي حياته في خدمة الانجليز في الهند هو و أبوه من قبله، و أعلن أخيرا أنه أتي بدين جديد، و أنه يوحي اليه. و أحدث الفتن العمياء في الهند بين المسلمين، و ظل خلفاؤه كذلك، و لا يزالون يعيشون تحت كنف الانجليز و رعايتهم في أي مكان يوجدون فيه». [ صفحه 116] و كذلك كان مثيله «البهاء» في ايران و استامبول و عكا.. و كان يدعو للانجليز و يقول: «اللهم أيد الامبراطور الأعظم» «جورج الخامس» عاهل انكلترا بتوفيقاتك الرحمانية، و أدم ظلها الظليل علي هذا الأقليم (اقليم فلسطين) بعونك و صونك و حمايتك، انك أنت المقتدر المتعالي العزيز الحكيم [142] . و كان من قبل يدعو للخليفة العثماني بدوام ظله، فاستبدل به سيده الانجليزي. و كذلك كان ابنه «عبدالبهاء». «فعندما احتل الجيش الانجليزي «حيفا» في سبتمبر سنة 1918 زاره الجنرال اللنبي قائد الجيش بأمر من حكومته، و ما لبثت أن أنعمت عليه بالوسام الامبراطوري في احتفال مهيب، أقيم له في حديقة الحاكم العسكري لحيفا، في ابريل (نيسان(1920 م» [143] و ذلك تقديرا لخدماته للانجليز، ضد الدولة الاسلامية طبعا.. و لم يكن غريبا أن يحتضن المستعمرون كلا من القديانية و البهائية اللتين وجها كل جهدهما لحرب الاسلام، و تفريق صفوف المسلمين.. بل لم يكن غريبا مع ذلك أن يحتضن اليهود البهائية بالذات، و منذ نشأتها في سنيها الأولي، حين أوعزوا الي اخوانهم في طهران و ما حولها أن يقووا أزرها، و هي تحبو، و ينضموا اليها بأعداد كبيرة - سبق أن ذكرناها، مما لم نعلم له مثيلا منهم في حركة أخري، و هم شعب الله المختار كما يزعمون، و ليس من السهل علي الواحد منهم أن يترك دينه الا باغراء كبير أو ضرورة أو لغرض مبيت مرسوم. و لم يكن حال البهائيين في فارس و قتذاك مما يغري بالانضمام اليهم، بل كان الأمر بالعكس. كما قلنا حيث كانوا في موقف معاد للشعب و للحكومة، لخروجهم علي دين الشعب و الحكومة، و احداثهم الفتن و القلاقل، مما حدا بالحكومة الي محاربتهم و مطاردتهم أينما وجدوا حتي انتهي الأمر بقتل زعيمهم الباب، و بعض الشخصيات الكبيرة من أعوانه.. فلم يكن لليهود مغنم و مكسب مادي مؤقت في انضمامهم للباب و شد أزره، بل كان الهدف المبيت هو حرب الاسلام بهذه النحلة الجديدة، و هو الذي يشفي [ صفحه 117] صدورهم. و لذلك انضموا للبابية بهذه الأعداد الكبيرة، مما لم نعهده في اليهود. كتب شوق أفندي الرباني خليفة عبدالبهاء [144] يقول: «قبل سقوط فلسطين و حيفا (في يد الجيش الانجليزي في الحرب العالمية الأولي) حوصر آل البهاء بدارهم لما علم عنهم من خيانات، و أعمال الجاسوسية، و عمالة للاستعمار الصليبي، فاضطرب الانجليز، و في مقدمتهم «لورد كيرزون»، و وزير الخارجية «اللورد بلفور»، فأرسلوا برقية مستعجلة الي قائد القوات الانجليزية «اللورد اللنبي» و أكدوا عليه أن يسعي و يحاول قدر جهده الحافظ علي عبدالبهاء و أسرته و أتباعه» [145] !! طبعا، و السبب معلوم!! و حين توفي عباس أفندي عبدالبهاء في نوفمبر سنة 1921 - ربيع الأول سنة 1340 ه اهتم الانجليز بأسرته و أتباعه البهائيين، «فأبرقت حكومة حضرة الأعلي السلطان المعظم، الامبراطور الأعظم، عن طريق وزير المستعمرات «مستر تشرشل» الي حاكم فلسطين «السير هربرت صموئيل» أن يبلغ آل البهاء و البهائيين عامة تعازي الحكومة؟ و أنها تشاركهم الأحزان، كما أن فاتح فلسطين «اللورد اللنبي» حاكم مصر أرسل برقية كذلك، عبر فيها عن شديد أسفه و ألمه عن هذا المصاب الأليم، و فقدان السير «عبدالبهاء العظيم» [146] طبعا.. طبعا!!! هكذا كانت أهمية البهائيين و زعيمهم عند رجال الحكومة الانجليزية، و كان حرصهم علي التعزية في النصير الذي فقدوه، و حرصهم كذلك علي أن يظل أتباعه سائرين علي الطريق الذي سار فيه - طريق الخيانة للأمة و العداء لها، و مناصرة مستعمريها و جلاديها - و من رضع لبن الخيانة في طفولته يظل دمه ينبض دائما بدم الخيانة - و من شب علي شي‌ء شاب عليه». و لهذا نجد البهائيين في كل مكان، أوفياء لأصحاب الأفضال عليهم في الماضي و الحاضر!! نعم.. «أولاد الأصل». أوفياء لأصلهم!!! لا أصلهم الذي نبتوا و تربوا فيه، ايران، و الاسلام، و لكن الأصل الذي ساعدهم في خيانتهم لأمتهم، و أنقذهم مما [ صفحه 118] كان يحيق بهم، و ساعدهم في الوصول الي غرضهم الخبيث.. و يالهم من أوفياء، و ياله من وفاء!!! البهائية و الصهيونية
اذا كنا قد عرفنا من قبل مدي مساهمة اليهود في قيام البابية فمن المناسب أن نتتبع هذه المساهمة، و نزيدك معلومات عنها.. فقد تضافر كهنة اليهود مع البهائية للقول بأن ما جاء في أسفار الكتاب المقدس من بشارات لنبي يأتي من بعد موسي و عيسي، ليست لمحمد (صلي الله عليه و سلم)، الذي جاء في القرن السابع، و زعم يهود يثرب حين بعثته أنها تشير اليه، تملقا له: و انما هي تشير لنبي يأتي في القرن التاسع عشر. يعنون «الباب» و يهود يثرب بتملقهم هذا خدعوا محمدا بأن البشارات خاصة به!! و هكذا يجهد الكهان أنفسهم و يظلمونها، لانتزاع دليل من كتبهم المقدسة، يؤيد دعوي «الباب» و نبوته ثم البهاء من بعده.. فهل تري أن حب الحقيقة التي غابت عن كل اليهود و النصاري و المسلمين منذ وجدت هذه الأسفار في عهد موسي حتي القرن التاسع عشر، و لم يكتشفها الا كهان القرن التاسع عشر!! هل تري أن هذا الحب للحقيقة، هو الذي دفعهم الي اظهارها، أو أن ذلك الذي جري من التعسف و التأويل و ما فيه من وزر، و انتقاص لشأن العلماء، انما كان لخدمة البابية و من بعدها البهائية؟ و هل تري أن هؤلاء الكهان اليهود يتعسفون مثل هذا التعسف لتأييد البابية و البهائية الا ليقينهم بأنها انما قامت من أجل العمل ضد الاسلام و تعاليمه؟ و رأوا مصداق ذلك فيما تدعو اليه من نسخ لشريعة الاسلام؟ تماما كالمستعمرين الروس و الانجليز في مساندتهم للباب، و من بعده للبهاء، فهل أقدموا علي ذلك لحبهم لتعاليم البابية و البهائية، و اقتناعهم بها، أم لأنهم وجدوا في الدعوة الجديدة، حربا علي الاسلام و شريعته، و تفتيتا لقوي المسلمين، مما يمهد للاستعمار التهام بلادهم؟ [ صفحه 119] تقول الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطي‌ء): [147] «من شرخ البابية في «شيراز»، حتي خرج «بهاءالله» علي سلفه «الباب القائم» بعد مقتله، بدأت الصهيونية تحفر الانفاق بينها و بين البابية و البهائية، و تسخرهم لقضاء مآربها، بمقتضي حلف الشيطان بينهم و بينها. تآمرا علي الاسلام و أمته». و في أسفار الكتاب المقدس بشريات بنبي يأتي من بعد موسي و عيسي عليهما السلام، و قد عكف الكهان الحروفيون علي نصوصها، يمارسون فيها لعبة العد بالحروف، بحساب أبي جاد - أبجد هوز. حطي كلمن.. الخ ليعلنوا أنه ليس في هذه البشريات ما يشير الي مبعث خاتم الرسل عليهم السلام، في القرن السابع الميلادي، كما زعم يهود يثرب، في عصر المبعث، تملقا لمحمد - عليه الصلاة و السلام - و رغبة في مرضاته و مسالمته، فكانوا هم الذين قووا فيه الاعتقاد بأن أهل الكتاب أخفوا البشارات به، التي جاء بها أنبياء التوراة و الانجيل». «ففي عد الكهان الحروفيين - أولياء البهاء، أن كل ما في التوراة و الانجيل من هذه البشارات، لا تتعلق بالنبي العربي، و انما تحدد القرن التاسع عشر، موعدا لظهور النبي الجديد، اذ أن كل آية من أسفار العهد القديم، تشيد بمجد «يهوه»، تعني ظهور مخلص للعالم في شخص بهاءالله، كما نسبوا قدرا من الاشارات في أسفار العهد القديم، و العهد الجديد، الي «جبل الكرمل»، الذي تجلي علي مقربة منه نور الله و بهاؤه، و أضاء الكون كله، و ذلك في القرن التاسع عشر الميلادي - بحساب أبي حاد - (حساب الجمل بضم الجيم و تشديد الميم مفتوحة)، و لم ينسوا أن يستخرجوا من الرؤي في «سفر دانيال» ما ينبي‌ء بقيام الحركة البهائية في وقتها، و تأويلها بما يحدد موعد تحققها». تري.. ما الذي حملهم علي كل هذا الاعتساف؟ انه تبادل للمنفعة بين الجانبين علي حساب المسلمين.. و مادام عبدالبهاء قد وجد منهم تأييدا له و لأبيه، بتأويلهم و تنبئهم بهذه البشارات [ صفحه 120] فقد تنبأ هو الآخر لهم بما يسرهم، و هو قيام دولة لاسرائيل!! و حين تحقق هذا هللوا بصدق ما تنبأ به.. جاء في التوقيعات المباركة» ما نصه: «لقد تحقق الوعد الالهي لأبناء الخليل، و ورثة الكليم، و استقرت الدولة الاسرائيلية، في الأراضي المقدسة، و أصبحت العلاقات و طيدة بينها و بين المركز العالمي للجامعة البهائية و اعترفت بهذه العقيدة الالهية»! و لم لا تعترف! و تنفخ في وليدها الذي بدأ في حجرها يخطوا نحو النمو و القوة؟ لقد عملوا منذ الخطوة الاولي علي مساندته، و ها هم أولاء يرونه قد كبر، و أصبح له صوت و نشاط، و لم يتنكر لهم، بل أشاد بهم و بحقهم في الأرض المقدسة لقيام دولتهم، و التعاون بينهم قوي.. فلم لا يعترفون [148] بالديانة الجديدة علي أرضهم لتزاول نشاطها بقوة؟! و في أغسطس سنة 1964 قام رئيس اسرائيل بزيارة للمركز البهائي تصحبه عقيلته و جمع كبير من المسئولين، و تبودلت الهدايا و الكلمات الودية.. و قد كتبت من قبل «روحية ماكسويل» زوجة شوقي أفندي خليفة عبدالبهاء في العدد العاشر «من الأخبار الآمرية» لسنة 1961 تقول معلقة علي الالتحام بين البهائية و دولة اسرائيل: «فان كان من المقرر لنا الاختيار، فمن الجدير بالذكر أن يكون هذا الدين الجديد، في أحدث دولة جديدة، و فيها يترعرع، و في الواقع يجب أن أقول: ان مسقبلنا و دولة اسرائيل كحلقات السلاسل، متصل بعضها ببعض» [149] . و من أجل هذا الارتباط الوثيق نجد المحافل الصهيونية و أجهزة اعلامها القوية في أنحاء العالم تملأ الدنيا ضجيجا و عويلا، اذا مست البهائية بسوء في أي بلد من بلاد الله. فلما قامت حكومة ايران تحت ضغوط من الشعب، بموقف حازم ضد البهائيين فيها و حسم شرورهم بعد أن نفذوا الي الحكومة و الجيش و المصارف، فأصدرت قرارا رسميا باعتبار هذه الطائفة المتآمرة علي نظام الدولة غير قانونية، و بدأت القوة في هدم معبدهم [ صفحه 121] في 23 / 5 / 1955، ثم مصادرة أموالهم - بالرغم من أنهم تحسبوا لذلك، و عرفوا مقدما نوايا الحكومة، فسحبوا أموالهم من المصارف» و كان المعبد مؤمنا عليه لدي احدي شركات التأمين البريطانية، بمبلغ مائة مليون ريال، بالرغم من هذا تحركت الخلايا في أقصي الغرب الامريكي، متعاونة مع الصهيونية لاثارة العالم علي ايران باسم حقوق الانسان!! و لما طرد الشاه من طهران سنة 1979، و جاءت حكومة آية الله خوميني، صدرت بعض التصريحات الرسمية بأن الشعب يمقت هذه الطائفة.. فثارت محافل البهائية في كل مكان بالغرب متعاونة مع الصهيونية و اعلامها القوي، ضد ايران و حكامها.. و أذاعوا بيانا بذلك، و ببعض مطالب لهم. و من قبل في 24 / 2 / 1975 صدر في القاهرة قرارا بمقاطعة دول الجامعة العربية للمؤسسات البهائية، و حظر التعامل معها، تري من الذي بادر بالاحتجاج و اظهار الأسف؟ انها وزارة الخارجية الاسرائيلية، التي بادرت فأعلنت أسفها الشديد لهذه المقاطعة!! و أذاعت ذلك، ليحذو الصهيونيون في كل مكان حذوها [150] . و في 19 أغسطس 1983 أذاعت «رويتر» من «حيفا» تحقيقا لأحد مندوبيها قال فيه: «اتهم مسئولون في مركز البهائية العالمية في حيفا، حكام ايران الاسلاميين المتشددين بمحاولة تدمير الطائفة البهائية في ايران علي نحو منظم... الخ.. بعد ذلك ببضعة شهور، اجتمعت لجنة حقوق الانسان في هيئة الأمم المتحدة في شهر مارس 1984) و أعربت عن عميق قلقها للانتهاكات المنكرة لحقوق الانسان في ايران»!! و في 24 من مارس سنة 1984 صدر قرار المجلس الاقتصادي و الاجتماعي بهيئة الأمم، بتعيين ممثل خاص، لتقصي الحقائق عن وضع حقوق الانسان في ايران، و لا سيما بالنسبة للبهائيين»!! [ صفحه 122] و في أول مارس 1985 م دعت الجمعية العامة للأديان، الجمعية الدولية لحقوق الانسان في الأمم المتحدة لانقاذ ثلاثة من البهائيين من الاعدام، لاتهامهم بحرق حي سكني في ايران بلدة «يازد»!!! و تعلق الدكتورة الفاضلة بنت الشاطي‌ء في مقالها فتقول في مرارة نشاركها فيها: «و لا عجب أن تقيم المحافل البهائية الدنيا و تقعدها، لانقاذ ثلاثة من البهائيين فحسب، متهمين بجريمة احراق حي سكني!! بل العجب ممن بشرونا بحسن نية، باطلاق سراح نائب رئيس المحفل البهائي [151] المركزي بمصر و السودان و شمال أفريقيا، و المتهم في قضية خلية - القاهرة 1985 - و أن يقال فيما يقال: «اننا بهذا السلوك المتمدن بدأنا نشعر بأننا أمة متحضرة تحترم حقوق الانسان و منها حرية العقيدة»!!! «كأنهم يعلموننا درسا عصريا في حقوق الانسان. يبارك التبشير السري في مجتمع اسلامي، برده عن دينه أو اعتناق نحلة تعلن عداوتها للاسلام و المسلمين، و استدراج عشرات من أبنائه الغافلين الأغرار، ليؤمنوا بمذهب شعاره الكافر: «بهاء يا الهي»، و يؤدوا طقوس صلاتهم متجهين لعكا قبلتهم. و يحجوا الي المزارات المقدسة في اسرائيل، و يؤدوا زكاتهم من مال المسلمين الي «بيت العدل» البهائي في حيفا» [152] . و أحب أن أقف هنا وقفة قصيرة، لأحيي اختنا العالمة الفاضلة الغيورة الدكتورة بنت الشاطي‌ء علي جهدها في كشف عورات البهائية، و خيانتها للاسلام، و عملها ضده، متعاونة مع أعدائه في كل مكان في العالم.. [ صفحه 123]

انفتاح البهائية علي العالم

اشاره

عرفنا من قبل أن «البهاء» نسخ تعاليم الباب التي تقضي بعدم التعلم، و حرق الكتب، و أمر بالاقتصار علي كتابه المقدس: «البيان»، فأوصي البهاء بالتعليم و ساعد عليه، و جاء ابنه عباس أفندي عبدالبهاء - و كان مثقفا واسع الاطلاع ذكيا، فوسع دائرة التعليم، و أوصي أتباعه في كل مكان بالحرص علي العلم و التعلم. و قد طاف البلاد الغربية، و رأي بعينيه آثار العلم في نهضة الغرب و قوته.. فلا عجب اذا رأيناه يوصي أتباعه بتعلم كل ما يمكن تعلمه من علوم الحياة.. حتي وجدنا حفيده من احدي بناته، الذي أوصي له بولاية العهد، و تولي أمور البهائية من بعده و هو «شوقي أفندي» الذي لقب «بشوقي الرباني»، وجدناه يتخرج في «الجامعة الأمريكية» في بيروت، ثم يلتحق بكلية «باليول» في «اكسفورد».. و قد تولي شوقي أمر الطائفة بعد وفاة جده «عبدالبهاء» - حسب وصيته.. في نوفمبر سنة 1923 م و كان عمره 25 عاما، و لم يأت بجديد، و لم يدع وحيا، بل كانت مهمته رعاية تعاليم جديه: (البهاء و عبدالبهاء)، فعمل علي تعيين عدد من وجوه الطائفة في العالم للاشراف علي البهائية و البهائيين من بعده و سماهم: «أيادي أمر الله» و قد ظل «شوقي أفندي ولي أمر الله» يباشر شئون الطائفة حتي توفي بالسكتة القلبية في لندن في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1957 [153] . و لما كانت الشريعة البهائية لا تسمح بنقل الأموات الي مسافة تزيد عن الساعة، و لم تكن للبهائيين مقبرة في لندن، فقد ابتاع أصحابه قطعة أرض من مقبرة انكليزية عامة في لندن، و دفنوه فيها، و بنوا له مدفنا متميزا..

الأمر بعد شوقي أفندي

لم ينجب ذكورا، و لذلك لم يوصي بأحد ليتولي الأمر من بعده. فعمل البهائيون في [ صفحه 124] كل مكان علي اختيار تسعة منهم، يديرون أمرا لمحفل، حتي يحين تأسيس «بيت العدل» المنتظر، و قد علمنا أن هذا البيت تأسس فعلا في سنة 1963 م [154] و يؤدي اليه البهائيون في كل مكان 19% من أموالهم بدلا من الزكاة الاسلامية.. و كان من الطبيعي و قد قامت البهائية و نشطت لهدف معلوم أن تلقي تشجيعا كبيرا من الذين احتضنوها في نشأتها لتؤدي الغرض منها.. و لذلك نجد لها مراكز في كثير من بلدان العالم، تحظي برعاية الاستعمار و الصهيونية و أعداء الاسلام. «و وفقا لآخر رسمي للبهائيين سنة 1966 - 1967 م بلغ عدد المحافل (المراكز) الروحانية الملية المركزية أكثر من ثمانين محفلا، و كل محفل منها يدير أمور مجموعة من المحافل المحلية و جماعات البهائيين في قطر أو أكثر من الأقطار المستقلة، أما عدد المراكز (أي المحلات) التي يقطنها البهائيون فقد بلغ وفق هذا الاحصاء 28217 مركزا في أنحاء العالم كافة» [155] . و البهائيون يباشرون نشاطهم حيث يوجدون و لو لم يكن لهم محفل رسمي، و تقوم بيوتهم في هذه الحالة مقام المحافل، و يؤدون منها مهمة الدعوة الي نحلتهم، و يتصلون برئاستهم و يتلقون منها التعليمات، كما يجمعون من بينهم ضريبة 19% بواسطة رئيسهم الذي اختاروه - كما اختاروا هنا الاستاذ بيكار، و ينفق منها علي حاجاتهم ان كانت و يؤدي الباقي الي «بيت العدل» الذي يرعي شئون الطائفة. و قد جاء في اعترافات «بيكار» و زملائه أمام النيابة، أنهم يجتمعون اجتماعات دورية في بيت واحد منهم للتذاكر في أحوال الطائفة، و أنه يتلقي مكاتبات، و يصدر مكاتبات، و أنهم يدعون الي البهائية و اعترفوا بأنهم ادخلوا بعض الناس فيها [156] . و معني هذا أنهم يقومون سرا بما كان يقوم به محفلهم في مصر قبل الغائه و مصادرته بالقرار رقم 263 لسنة 1965، و قد أثبتت تحريات المباحث ذلك بمحاضرها التي [ صفحه 125] قدمت للنيابة، و ألحقت بمحاضر التحقيقات، مما يدل دلالة قاطعة علي أنهم يقومون بالنشاط الذي كانت تقوم به المحافل، و يؤدون الغرض منه، مما اعتمد عليه الحكم الابتدائي بادانتهم، و ان كان الاستئناف لم يعتمد ذلك و برأهم!!!! و تركهم يرتعون!! دون حاجة لمحفل رسمي!! و أخيرا بعد هذا العرض الموجز قدر الامكان عن البابية و البهائية، يمكن أن نقرر النتائج الآتية: 1- أن البهائية دين مستقل مبتدع، يدعي أصحابه أنه دين سماوي ينسخ كل الأديان التي سبقته، و لا سيما الاسلام الذي لم يعد عنده صالحا بعد ما مر عليه ما يقرب من ثلاثة عشر قرنا، حين ظهور البابية و البهائية.. فهم يعترفون بأن دينهم البهائي لا هو بالاسلام، و لا بالمسيحية، و لا اليهودية، و لا الزرادشتية و لا الهندوسية، و لا أي دين آخر علي وجه الأرض، و لكنه الدين الذي أنزله الله علي الباب ثم البهاء ليحمل للناس التعاليم و التشريعات التي تناسب العصر الحديث!! 2- و لذلك فالمسلون بكل فرقهم من الشيعة و أهل السنة، تكفر هذه الطائفة، و تعتبرها مرتدة خارجة علي الاسلام. 3- هذه الطائفة مع خروجها عن الاسلام و كل الأديان نصبت نفسها من أول يوم لحرب الاسلام و المسلمين و العمل ضد الاسلام، و ضد المسلمين لحساب الاستعمار الروسي و الانجليزي، و لحساب اليهود.. 4- و من شب علي شي‌ء شاب عليه، فقد حرصت بعد انتشارها في بلاد العالم، علي التعاون التام مع الاستعمار و الصهيونية العالمية، و الماسونية و القاديانية ضد الاسلام و مصالح المسلمين.. 5- و لذلك فهي لا تؤتمن دينا، و لا تؤتمن وطنية، لصلتها الوثيقة، و تعاونها التام مع الاستعمار و الصهيونية. [ صفحه 126] فهي مرفوضة دينيا و وطنيا، و كل فرد ينتسب اليها، يتلقي توجيهاته من محافلها، و يعمل علي تأكيد هدفها و وجهتها في التعاون مع الاستعمار و الصهيونية، لا يهمه دين و لا وطنية، فهم طابور خامس في أي بلد يوجدون فيه من بلاد الاسلام، يحب الحذر منهم، و تحجيمهم و اجتثاثهم من بين أبناء الوطن... فمن لم ينبذهم من المسلمين و المسيحين غيرة علي دينه، فلا أقل من أن ينبذهم غيرة علي وطنه و مصالحه.. الرأي مع الرأي نور علي نور
أعتقد أن ما قدمته لك حتي الآن، عن هذه الديانة الجديدة، التي ولدت مشبوهة: «البابية و البهائية»، يعتبر كافيا في اعطائك صورة عامة عنها، و عن خطرها الديني و الوطني. و مع ذلك، و مع تدعيم ما ذكرته بالوثائق و المراجع من كتبهم، و كتب المتعاطفين معهم، خطر لي ان انسانا ما قد يقول: ان هذا رأي عالم متحمس من علماء الدين، قد دفعه حماسه الي أن يصور «البابية و البهائية» بهذه الصورة القاتمة. و لذا رأيت أن أضع أمامك أيضا رأي الأخ الفاضل العالم المحقق الطبيب الكاتب الكبير الدكتور مصطفي محمود في البابية و البهائية، و ذلك فيما كتبه في صحيفة «الأهرام» عنهما خلال سنة 1985 م.. من مقالات متتابعة، مدعما ما كتبه بالمراجع المتعددة من كتبهم أيضا و من أقوالهم.. و ذلك لأقطع الطريق علي أي انسان يحاول التشكيك فيما ذكرته من معلومات، و ليطمئن القاري‌ء تماما الي أن ما يقرؤه، انما هو حقائق تاريخية ثابتة كالجبال الرواسي لا يمكن أن يتسرب اليها تشكيك أي تشكيك، و يتأكد حينما يصل الي نتيجة نهائية في هؤلاء أنه قد وصل اليها عن طريق مقدمات يقينية ثابتة لا شك فيها.. ليبني موقفه بعد ذلك من هؤلاء، علي أرض صلبة يأمن بها من أي اهتزاز. و هذا هو كلام الأخ الدكتور مصطفي الذي أستأذنه في تسجيله هنا مع بعض الاختصارات التي لا تخل به: استئناسا برأيه الذي أثق به، كما يثق القراء.. و الرأي مع الرأي نور علي نور.. «يهدي الله لنوره من يشاء» [157] . [ صفحه 127] قرآن البابية و شريعتها
قال الباب.. أنا أفضل من محمد كما أن قرآنه أفضل من قرآن محمد و اذا كان محمد يقول بعجز البشر عن الاتيان بسورة من سور القرآن فأنا أقول بعجز البشر عن الاتيان بحرف من حروف قراني (مفتاح الباب الابواب ص 20) و قال أيضا.. ان البيان حجتنا علي كل شي‌ء بعجز عن آياته كل العالمين.. و قال مخاطبا علماء المسلمين.. ان نبيكم لم يخلف بعده الا القرآن فهاكم كتابي «البيان» قاتلوه و اقرأوه - تجدوه أفصح عبارة من القرآن و أحكامه ناسخة لأحكام القرآن (بهائي باب ص 88). هذا كلام حضرة النقطة [158] الباب الشيرازي عن كتابه البيان فلنقرأ معا فقرات من هذا الكتاب بنصها من كتب البابيين بكل حياد «انني أنا الله الأسلط الأسلط و الأثبت و الاغيث الاغيث تبارك الله من سلط متسلط رفيع تبارك الله من وزر منزر تبارك الله من حكم محتكم بديع تبارك الله من جمل مجتمل جميل. تبارك الله من شمخ شميخ. تبارك الله من بذخ مبذخ بذيخ تبارك الله من بدي‌ء مبتدي‌ء بدي‌ء. تبارك الله من فخر مفتخر فخير. تبارك الله من ظهر مظهر ظهير. تبارك الله من قهر مقهر قهير. تبارك الله من غلب مغتلب غليب تبارك الله من علم معتلم عليم». ما شاء الله.. بلاغة قاتلة.. [ صفحه 128] و يقول في لوحه الأول شئون الحمراء «انا قد جعلناك جليلا للجالين. و انا قد جعلناك عظيما عظيمانا للعاظمين و انا قد جعلناك نورا نورانا للناوريين و انا قد جعلناك رحمانا رحيما للراحمين و انا قد جعلناك تماما تميما للتامين قل انا قد جعلناك كمالا كميلا للكاملين قل انا قد جعلناك كبرانا كبيرا للكابرين قل انا قد جعلناك عزانا عزيزا للعازين قل انا جعلناك ظهرانا ظهيرا للظاهرين قل انا جعلناك حبانا حبينا للحابين قل انا قد جعلناك شرفانا شريفا للشارفين قل انا قد جعلناك سليطا للسالطين قل انا قد جعلناك ملكانا مليكا للمالكين. (مفتاح باب الأبواب 278) قل انما البيت ثلاثين حرفا ان انتم تعربون لتحسبون علي عددا الميم ثم علي أحسن الحسن نكتبون و تحفظون. ذلك واحد الاول أنتم بالله تسكنون. ثم الثاني أنتم في كل أرض بيت حرينون تبينون و لتطلقن كل أرضكم و كل شي‌ء علي أحسن ما أنتم مقتدرون. لئلا يشهد عيني علي كره ان يا عبادي فاتقون. (الباب الأول و الثاني من الواحد السادس من الباب). و يقول في حرف «الالف» مبينا و مفسرا لكل جزء من أجزائه في تفسير هذه السورة «ثم الألف القائمة علي كل نفس التي تعالت و استعالت» و نطقت و استنطقت و دارت و استدارت و اضاءت فاستضائت، و أفادت و استفادت و أقامت و استقامت و أقالت و استقالت و سعرت و استسعرت و تشهقت و استشهقت و تصعقت و استصعقت و تبلبلت و استبلبلت. و أن في الحين اذن الله لها فتجلجلت ثم فاستجلجلت و تلألأت ثم فاستلألأت و قالت بأعلي صوتها تلك شجرة مباركة طابت و ظهرت، و ذكت و علت نبتت بنفسها من نفسها الي نفسها. (تفسير سورة الموثر لعلي محمد الشيرازي الباب. و يكتب للملا البشروئي لوحا في تفسير سورة يوسف «و لا يقولوا كيف يكلم عن الله من كان في السن خمسة و عشرونا «فورب السماء والارض اني عبدالله أتاني البينات من عند بقية الله المنتظر أمامكم هذا كتابي قد كان عند الله في أم الكتاب بالحق علي الحق مسطورا قد جعلني الله مباركا أينما كانت و أوصاني بالصلاة و الصبر مادمت فيكم علي [ صفحه 129] الأرض حيا، و ان الله قد أنزل له بصورة من عنده - و الناس لا يقدرون بصرفه علي المثل دون المثل تبشيرا».(204) فأي عبارة هذه و أي تركيب و أي بناء لغوي لا يقدرون بحرفه علي المثل دون المثل تبشيرا «محاولا بذلك تقليد القرآن في آيته 88 سورة الاسراء».. «لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا» [159] . و شتان بين الأصل و التقليد، و هذا الكتاب هو معجزة الرجل - الوحيدة و حجته التي لا يملك سواها. و يقول تلميذة بهاءالله في لوح أحمد ص 154: أنه لسلطان الرسل، و كتابه البيان، أم الكتاب. و يقول حضرة النقطة الباب الشيرازي عن كتابه البيان، فلتمحون كل ما كتبتم، و لتستدلن بالبيان، و ما أنتم في ظله ينشأون - الباب السادس من الواحد السادس من البيان -. و يقول في جراءة عجيبة و صلف أعجب: لا يجوز التدريس في كتب غير البيان، و لا تتعلمون الا بما نزل في البيان، أو ما ينشي‌ء فيه من علم الحروف، و ما يتفرع من البيان، و لا تتجاوزون عن حدود البيان، فتحزنون. الباب العاشر من الواحد الرابع من البيان. و كان أتباعه يحرقون المصاحف اكتفاء بما نزل في البيان، مع أنه أبعد ما يكون عن البيان، بل هو عماية و تخليط و ركاكة، و كم هائل من الأخطاء النحوية. و لقد فوتح حضرة النقطة و المظهر الاول للربوبية الميرزا علي محمد الباب - في هذا الكم الهائل من الاخطاء النحوية في كتابه، فقال موضحا: «ان الحروف نظرا لما اقترفت من خطيئة في الزمن الاول، فقد عوقبت علي خطيئتها بأن قيدها الله بسلاسل الاعراب، و حيث أننا جئنا رحمة للعالمين، فقد حصل العفو عن كل المذنبين و المخطئين، حتي الحروف و الكلمات، فأطلقها الله من سجن الاعراب، و من قيود النحو، و تركت لتذهب كيف تشاء، حرة من وجوه اللحن و الغلط. [ صفحه 130] و الرد هو سفسطة عجيبة و مغالطة أشبه بالنكتة و التظرف، و قس علي ذلك ما يفعله الله بمقتضي تلك الرحمة، حينما يطلق ملامحنا أيضا من قيود المنطق الجمالي، فتأتي ملامحنا كيف شاءت بلا قيد، فيأتي الفم مكان الشرج، و الرأس مكان البنكرياس، و العين في القفا، يأتي هذا بمناسبة العفو الشامل اللائق بنزول حضرة النقطة الميرزا علي محمد الباب!!! و ينسي حضرة الباب أو يتناسي أنه يغالط، و أن أحكام الاعراب ليست قيودا، بل هي مقتضيات الجمال اللغوي و انها النظام في مقابل الفوضي، و الجمال في مقابل القبح، و تعالي ربنا أن يأتي بالقبح، و يأمر بالفوضي، أو ينزل كلاما ركيكا، و لكن حضرة النقطة وقع في مطب، فحاول أن يخرج منه بالمكر و السفسطة. و قد علم البهائيون من بعده بركاكة هذه الكتب فلم يطبعوها، و حرصوا علي اخفائها، و لجأوا الي عبارة ما كره جعلوها شعارا لهم، هي وصيتهم الواحد للآخر: (استر ذهبك و مذهبك). و الحقيقة أنهم يسترون حقائق المذهب، و يخفون كتابات حضرة الرب، لأنها فضائح، و ليست جواهر و لا ذهبا و لا صفيحا. و قد انتشرت هذه المذاهب في أوربا و أمريكا لجهل الناس هناك بالعربية، و لأنهم لا يكشفون من مذاهبهم الا البضاعة التي تروق في سوق الأجنبي، مثل المحبة و السلام و نبذ الحروب، و وحدة العالم، و وحدة اللغات، و المساواة بين الرجل و المرأة، و شريعة الاختلاط، و خلع الحجاب و رفع التكاليف!! و خير دليل علي كلامنا أن البهائيين ورثة الباب لا يطبعون كتابا واحدا من كتب الشيرازي، و كل ما طبع و نشر كان من طبع المستشرقين الدارسين. و السؤال المحير: لماذا لم يكتب الباب الشيرازي بالفارسية التي يتقنها؟ و الجواب البديهي أنه لم يكن عنده ما يقوله، و لو أنه كتب بالفارسية لافتضح أمره، فلجأ الي هذه العربية الركيكة، و الي هذا التخليط المعقد ليختفي وراء هذه التعمية و الاغماض و الابهام و الطلاسم، ليسهل عليه بعد ذلك الاستعلاء، و الادعاء بأنه متربع علي عرش السر، ينطق بالدر، و لكن الناس لا يفهمون. و قد انتشرت الديانة البابية في ايران الفارسية بفضل هذا الأسلوب الماكر في المخاطبة، [ صفحه 131] فأكثر الناس هناك أعاجم، لا يعرفون العربية، و لا يستطيعون اكتشاف ضعف الرجل، و ضعف كتابه. و السؤال الثاني هل رفع الله قواعد اللغة، و بدل أحكامها من أجل الشيرازي وحده؟ و لماذا نري بهاءالله حسين علي المازندراني يحاول أن يحسن من أسلوبه؟ ثم عباس أفندي من بعده يحاول أن يحسن أكثر، فيدرس النحو و الاعراب أكثر، بل انا لنري «الجلبانجاني» أكبر داعية للبهائية، يرفض كتاب المستيقظ «لصبح أزل» خليفة الباب و المنافس الوحيد لبهاء الله، بحجة ضعف التعبير و المخالفة لقواعد النحو، فلماذا لم يحاسب حضرة النقطة و صاحب أم الكتاب الميرزا الشيرازي بما حاسب به خليفته؟ أم أن المسألة مصالح و حينما اقتضت المصلحة ضرب المنافس الوحيد لبهاء الله في خلافته للباب، هنا فقط كانت المحاسبة واجبة.. و لكن أخطاء الباب في كتابه المنزل لم تكن فقط أخطاء لغوية أو نحوية أو تركيبية، و لكن كانت اخطاء في المبني و في المعني، و أقرأ له ما كتب في «دلائل السبعة ص 155 بهائي باب» فانظر أمة داود. ربوا في أحضان الزبور 500 خمسمائة سنة، حتي اذا أدركوا الكمال، و بلغوا الذروة، جاء وقت ظهور موسي. و المعلوم أن داود صاحب الزبور جاء بعد موسي، و ليس قبله بخمسمائة سنة!!!. و لما سئل عباس أفندي عبدالبهاء في هذا الخطط، لجأ الي عذر أقبح من الذنب، فقال: ان داود كان داودين - داود قبل موسي، و داود بعد موسي!!!. و لو أنه سكت لكان أشرف له. و قد رأينا كيف تدرج الميرزا الشيرازي في الادعاء، فبدأ بالاعلان أنه الباب، الي المهدي المنتظر، ثم ما لبث أن أعلن المهدوية، و قال: انه هو القائم و أنه المهدي، ثم ادعي أنه نبي الوقت، ثم ادعي أنه كان النبي مطلقا في جميع الأوقات «كنت في يوم نوح نوحا، و في ابراهيم ابراهيم، و في موسي موسي، و في عيسي عيسي، و في يوم محمد محمدا، و في يوم علي عليا» الي أن يقول في الختام «كنت في كل ظهور حجة الله علي العالمين». [ صفحه 132] و قال عن نفسه في البيان: انه ما خلق الله له من كف‌ء و لا عدل، و لا شبيه، و لا قرين، و لا مثال، ثم أعلن أنه حضرة النقطة، التي جاء منها الكل، و أنه أول الظهورات الربانية. ثم قال في جرأة عجيبة: «أنا قيوم الأسماء مضي من ظهوري ما مضي و صبرت حتي يمحص الكل، و لا يبقي الا وجهي، و أعلم بأنه لست أنا، بل أنا مرآة، فانه لا يري في الا الله. و في آخر أيامه يكتب وصيته الي خليفته «صبح الأزل» فيبدؤها قائلا: «هذا كتاب من عند الله المهيمن القيوم، الي الله المهيمن القيوم.. و يفصل هذا الابهام فيقول: قل كل من نقطة البيان ليبدأون، أن يا اسمه الوحيد، فاحفظ ما نزل في البيان، و أمر به، فانك علي صراط مستقيم». و كان البابيون يسمونه حضرة الرب الأعلي.. و قال الجلبائيجاني داعية البهائية في كتابه الفرائد: نحن لا نعتقد في الميرزا علي محمد الباب، الا أنه رب و اله، و هكذا أعطي نفسه الربوية الكبري، و خليفته صبح الأزل الربوبية الصغري!! فأين هذا الاستكبار و التعالي من تواضع محمد عليه الصلاة و السلام، سيد البشر، و خاتم المرسلين، ذلك التواضع الذي رباه عليه ربه اذ يقول له في القرآن «قل ما كنت بدعا من الرسل، و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم (9 الأحقاف) «قل لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرا الا ما شاء الله» (188 الاعراف)، «قل اني لا أملك لكم ضرا و لا رشدا» (21 الجن). أين هذا من حضرة الباب الشيرازي، الذي ادعي أنه الله المهيمن القيوم، و أن عنده علم ما كان و ما سيكون. فارق بين الأرض والسماء، و لا يمكن لعاقل أن يسلك هذا مع ذاك، و اذا استبعدنا كل ما جاء في سيرة الاثنين، و اذا قبلنا اعتراض البابيين و البهائيين بأن كل ما جاء في تاريخهم حكايات مفتراة فانه يبقي بعد ذلك شاهد عدل: هو الكتاب الذي أتي به كل منهما، يشهد علي منزلته و مقامه، و شتان بين الثري و الثريا!!! [ صفحه 133] فاذا جئنا الي ما أضافه الباب الشيرازي الي العقيدة و الشريعة، فسنري أن القيامة و البعث و الحشر و النشر و الحساب و الميزان، و الجنة و النار، و الصراط، لا وجود لها عنده بالصورة التي تعرفها و التي نص عليها القرآن، و انما القيامة عنده هي قيامته، هو و ظهوره، و هكذا يكون كل نبي قد أقام قيامة خاصة به، لأن كل نبي كان ظهورا ربانيا، فاذا آمنت بظهوره، فتلك هي الجنة، و اذا أنكرته فتلك هي النار. و بهذا قال بهاءالله أيضا، حينما أعلن ظهوره: يا قوم قد أتي يوم القيامة، «فقوموا عن مقاعدكم و سبحوا بمحمد ربكم العليم الحكيم». و يفسر الآية: «اذا السماء انفطرت» بمعني اذا بطلت شريعة و ظهرت شريعة جديدة. أما البعث و الحشر و النشر فكل الموجودين الآن هم مبعوثون و محشورون، و هم يسمعون الصيحة، و يرون القوارع، و لكنهم في حجاب غليظ من الشهوات. و بذلك يقول بهاءالله تلميذه في كتابه «الأقدس»: يا جعفر قد تزين المنظر الاكبر، و ظهر الستر بالمستتر، و مالك ينادي و يقول: يا معشر البشر قد أتت الساعة و انشق القمر، طوبي لعبد شهد وفاز، و ويل لكل منكر مكار - (الأقدس ص 103). و بذلك يقول الشيرازي صراحة في كتابه «البيان» «أتحسبون أن الحساب و الميزان في غير هذا العالم، قل سبحان الله عما يظنون». و اذا صدق كلام الرجل و أنه لا آخره، فانه قد أصاب من هذه الدنيا أسوأ حساب، و كان نصيبه الضرب و اللطم و السجن و الاحتقار و الاعدام و الرمي في حفرة فبئس الآخرة آخرته. و لكن البهائيين سوف يجادلونك: ليس المهم الضرب و اللطم و السجن و القتل، مادام القلب مطمئنا بالمعرفة الالهية، و ممتلئا بالحق، فتلك هي الجنة في الحقيقة، و ان كان الظاهر أنه في نار التعذيب.. و سوف نقول لهم: و لماذا كان صاحبهم يهرب من الجنة طول الوقت فيصرخ و يرتجف، و يتوسل، و يرجع و يتوب عن الحق الذي يدعيه؟ هي مجرد سفسطة و كلام في كلام. [ صفحه 134] أما البرزخ عندهم فهو المرحلة بين ظهور نبي، و ظهور النبي الذي يليه، و ليس البرزخ هو ما بعد الموت، كما نفهم نحن، فان ما بعد الموت لا يعنيهم. و مع ذلك فان الباب يتناقض مع نفسه، و تراه في الآية الخاصة بقتل النفس يقول: «ان زوجة القاتل محرمة عليه 19 سنة» و يقول: ان كينونته أي كينونة القاتل قد خلقت علي غير محبة الله و رضاه، و أنه يدخل النار بعد موته، و لا يغفر الله له أبدا». الباب السادس عشر من الواحد الحادي عشر من البيان). فهنا كلام مناقض عن نار بعد الموت. صدق ربنا العظيم حينما قال عن القرآن «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» [160] فذلك هو الاختلاف و التناقض في الكتب المؤلفة، و بسبب هذا الاختلاف وجدت الطوائف، البابية والبهائية التي نؤمن بالنعيم و العذاب بعد الموت، ولكنه من نوع النعيم الروحي و العذاب الروحي. أما الصلاة عندهم فصلاة واحدة في الصباح، و صلاة الجماعة ممنوعة الا في الجنازة لا صلاة للجمعة عندهم، و الوضوء كل أربعة أيام بماء الورد، و السجود علي البلور، و المقصود من الصلاة هو التكبير و التحميد و التعظيم قولا و فعلا لحضرة النقطة، و لهذا كان الشيرازي يقول: نحن الصلاة (كتاب نقطة الكاف ص 148) و الطهر من الجنابة غير واجب فكل شي‌ء، يطهر بالنسبة لم اذا أصبحت بابيا حتي الدم و البول و المني و الحدث الاصغر.. الخ. [ صفحه 135] بهاء الله و دعوته
حينما شعر الباب الشيرازي بقرب اعدامه، جمع مكتوباته و خاتمه و لباسه، و مقلعته و مخلفاته، في جعبة، و أرسلها مع مفتاحها الي «الميرزا صبح الأزل» الذي اختاره خليفة بعده، و أرفق بها وصيته: «الله أكبر تكبيرا كبيرا.. هذا كتاب من الله المهيمن القيوم، الي الله المهيمن القيوم، قل كل من الله مبدئون، قل كل الي الله يعودون، فاحفظ ما نزل في البيان، و أمر فانك لصراط حق عظيم. و كالعادة تنازع الأتباع الخلافة، فادعي «الميرزا حسين علي» الأخ الأكبر لصبح الأزل أنه الخليفة الحقيقي، و لكن الباب دفع بأخيه الاصغر صبح الازل، الي المنصب صيانة له، و لاخفائه عن جواسيس الحاكم، الذين كانوا يتربصون لاقتلاع البابيين من جذورهم.. و هكذا انقسم الاتباع الي فرقة لا تعترف الا بالميرزا «يحيي صبح الازل» خليفة، و هم الذين سموا أنفسهم بالازليين، و فرقة تابعة «للميرزا حسين علي» الملقب ببهاء الله، و سموا أنفسهم بالبهائيين، و فرقة ثالثة التفت حول الميرزا أسدالله التبريزي، و سموا أنفسهم بالأسديين، و فرقة رابعة بقيت علي ولائها للشيرازي الباب، و سموا أنفسهم بالبابيين الخلص. و انقلب الادعياء بعضهم علي بعض و بدأت التصفية الدموية، فأوعز بهاءالله الي أتباعه بقتل أسدالله، فقتلوه و أغرقوه في شط العرب، بعد أن أوثقوا رجليه بحجر ثقيل. ثم انقلب الأخ علي أخيه فطلب بهاءالله من أتباعه شتم أخيه «صبح الأزل» الملقب بالوحيد، و قال انه الوحيد في الطغيان لا الوحيد في الايمان (الكواكب الدرية ص 393)، و قال عنه أنه نقطة الظلمة (بهاءالله و العصر الجديد ص 27)، و قال أنه من المشركين في كتاب كان بالحق مرقوما (مفتاح باب الأبواب ص 378). [ صفحه 136] و هذا هو بهاءالله نفسه الداعي الي الحب و الي السلام، و الي توحيد العالم، و الي توحيد الأديان، و القائل عاشروا مع الأديان بالروح و الريحان، و القائل: ان ملكوت الله ليس جمعية مخصوصة، فانك يمكن أن تكون بهائيا مسيحيا أو بهائيا ماسونيا أو بهائيا يهوديا أو بهائيا مسلما (خطاب عبدالبهاء ص 22). نري هذا البهاء نفسه يعجز أن يضم أخاه في ملكوته، مع أنهما تحت راية دين واحد!! و نراه يأمر بشتمه و محاربته، و نراه يتآمر علي رفيق آخر بابي، هو «أسدالله التبريزي» فيقتله!! يحدث هذا بين الأخوين و كلاهما هاربان من جواسيس شاه ايران، و لا جئان الي العراق، و حينما تستمر الحرب بينهما، و تستحيل المعاشرة تنقلهم الحكومة العثمانية الي استنبول، و من استنبول الي أدرنه، ثم تفصل بينهما فتنفي البهاء و أتباعه الي عكا بفلسطين، و تجلي صبح الأزل و أتباعه الي «ماغوسا» بجزيرة قبرص!! و هذا هو البهاء الداعي الي وحدة العالم، و وحدة الأديان و معاشرة الفرقاء بالروح و الريحان!! و لكنه كلام في كلام، و ما أسهل الكلام.. بل انه ليتناقض مع نفسه و مع أقواله، فنراه بعد أن يفتح ملكوت الله لجميع الأديان، نراه يعود فيقول في كتابه «الأقدس»: «و الذي أعرض عن هذا الأمر (أي الدين البهائي) انه من أصحاب السعير»، و نقرأ له في «بهاءالله و العصر الجديد ص 25: (ان الترياق الاعظم و السبب الأتم هو اتحاد من علي الارض علي أمر واحد، و شريعة واحدة) فكيف يا سيدنا و الاديان علي أمر مختلف، و شرائع مختلفة؟. و كيف و أنت القائل في (كلمات مكتوبة ص 5، 4): يابن تراب كن أعمي عن مشاهدة أحد سواي، و أصم عن استماع كلام غيري، و جاهلا عن علم دون علمي»؟ و لكنه كلام في كلام.. و لكن بهاءالله لم يكتف باعلان نفسه خليفة للباب، بل ما لبث أن اعتلي كرسي النبوة، و ادعي أنه المسيح: «قل يا قوم قد جاء الروح مرة أخري ليتم ما قال من قبل.. كذلك وعدتم به في الالواح، ان كنتم به من العارفين (مفتاح باب الأبواب ص 386). [ صفحه 137] «و اعلم بأن الذي صعد الي السماء قد نزل بالحق، و كان ربك علي ما أقول شهيدا، قد تعطر العالم برجوعه و ظهوره (مفتاح باب الأبواب ص 382). ثم ما لبث أن اعتلي عرش الربوبية: «يا قوم طهروا قلوبكم ثم أبصاركم لعلكم تعرفون بارئكم في هذا القميص المقدس اللميع (مبين ص 30)!! و اسمع ما يقوله عن نفسه في سورة الهيكل (بهاءالله و العصر الجديد ص 50): «لا يري في هيكلي الا هيكل الله، و لا في جمالي الا جماله - و لا في كينونيتي الا كينونيته، و لا في ذاتي الا ذاته، و لا في حركتي الا حركته، و لا في سكوني الا سكونه، و لا في قلمي الا قلمه العزيز المحمود». و أيضا في كتابه «اقتدار» ص 114. «اذا يراه (أي يري أحد الميرزا بهاء) في الظاهر يجده علي هيكل انسان بين أيدي الطغيان، و اذ يتفكر في الباطن يراه مهيمنا علي من في السموات و الارضين». و كان يعلم أتباعه بأن يقولوا له: «أسألك بجمالك الأعلي في هذا القميص الدري المبارك الأبهي، بأن تقطعني عن كل ذكر دون ذكرك (الالواح المباركة ص 197)، «و سبحانك يا اله العالم، و مقصود الأمم، و الظاهر باسم الأعظم» (طرازات ص 182).. و يقول ابنه عباس افندي: «أنا عبد لبهاء الله، و حضرته ليس له مثيل و لا نظير (بدائع الآثار ص 139)، و يقول أيضا أنا أطلب من مقام حضرة بهاءالله أن يعدكم بفرح أيدي، و يكرمكم في ملكوته (بدائع الاسفار ص 371). و يقول بهاءالله حينما شعر بقرب موته: «يا أهل الارض اذا غربت الشمس شمس جمالي، و سترت سماء هيكلي، لا تضطربوا. أنا معكم في كل الاحوال، و ننصركم بالحق انا كنا قادرين.» و علي ذلك يقول المستشرق اليهودي جولد زيهر: «فبهاء الله أعظم من الباب، لأن الباب هو القائم، و بهاءالله هو القيوم، أي الذي يظل و يبقي (العقيدة و الشريعة ص 244) و لهذا أعلن بهاءالله: أن الباب الشيرازي كان مجرد المبشر بظهوره، مثل يوحنا الذي بشر بقدوم المسيح» و قال أكثر من ذلك.. قال «انه هو الذي أوحي للباب بكتابه البيان»!! [ صفحه 138] و قد صدق نفسه من كثرة ما ادعي، و من كثرة ما قال و كتب، فكان اذا مشي في الأسواق أسدل برقعا علي وجهه، لأنه لا أحد يطيق النظر الي نور وجهه، و لما مات منع البهائيون نشر صورته!! و لما مات قال أتباعه.. «صعد الرب (أي البهاء) الي مقر عزه الأقدسي الأعلي، و غابت حقيقته المقدسة في هويته الخفية القصوي» و كان ذلك في مايو سنة 1892 أي منذ حوالي 92 عاما و دفن في عكا، و اتخذ قبره قبلة صلاة لكل البهائيين أو في سنة 1303 ه. و قال أحد أبنائه انه جن في أواخر حياته، و لكن الابن الاكبر «عباس أفندي» أخفي الأمر، و لم يكن يسمح لأحد بزيارته.. و قد حرص البهاء قبل أن يموت أن يكتب في كتابه «الأقدس»: «ان باب الظهورات الالهية قد قفل لألف عام.. من يدعي أمرا قبل اتمام ألف سنة كاملة انه كذاب مفتر، و من يؤول هذه الآية أو يفسرها بغير ظاهرها، انه محروم من روح الله».. يحرم التأويل في آياته، و هو الذي استحل تأويل آيات القرآن و أخرجها عن ظاهرها، الي ما شائت له أهواؤه من معان. و قد فعل من قبله الباب الشيرازي نفس الشي‌ء، فأعلن قبل موته قفل باب الظهورات الالهية لالف عام، و تنبأ بانتشار ديانته في تلك المدة، و بظهور الملك البابي الذي يضع علي رأسه تاج البابية، ذا الخمس و التسعين جوهره. و قد كذبت جميع تنبؤاته، و ما كادت تمضي ثلاث عشرة سنة، حتي اعتلي كرسيه من يدعي الربوبية، و أكثر من ذلك يدعي أنه هو ملهم الباب بكتابه البيان!! و قد كان البهاء علي صلة بحكومات الاستعمار و الجهات الاجنبية و حينما قبض علي رفاقه البابيين في المؤامرة «الفاشية» الي الشاة، و ذبحوا و أعدموا رميا بالرصاص، و أحرقت «قرة العين زرين تاج»، كان هو مختبئا في السفارة الروسية، و رفض الوزير الروسي المفوض تسليمه، و قال أن الحكومة الروسية ترغب ألا يمسه أحد بسوء، و أن يكون في حفظ و حماية تامة، و يعترف البهاء بهذه الحقيقة في كتابه لوح بن ذئب ص 42.. «يا ملك الروس.. و لما كنت أسيرا في السلاسل و الاغلال في طهران نصرني سفيرك». [ صفحه 139] و في كتابه اشراقات ص 60) يقول.. «خرجنا من الوطن، و معنا فرسان من جانب الدولة العلية، و دولة الروس، الي أن وردنا العراق بالعزة و الاقتدار». و بعد نفيه ببغداد قدمت له الحكومة الانجليزية بطريق سفيرها جنسية انجليزية. و قد انعمت انجلترا بنيشان فرسان الامبراطورية علي نجل البهاء: «عباس أفندي» فوقف يدعو الله في خشوع: «اللهم أيد الامبراطور الأعظم جورج الخامس عاهل انجلترا بتوفيقاتك الرحمانية، و أدم ظلها الظليل علي هذا الاقليم (أي دوام الاستعمار) بعونك و صوتك و حمايتك انك أنت المقتدر المتعال العزيز الكريم.. و كان هذا التزلف و المداهنة هو حال البهاء و ابنه دائما.. فاذا التقي بالبراهمة، قال لهم أنتم علي حق،، و بالمسيحيين قال لهم: أنتم علي صواب، و بالملحدين قال لهم: أنتم علي الهدي، و باليهودية قال لهم: أنتم علي الرشاد، و نراه يذهب قبل موته بيومين الي مسجد المسلمين، فيصلي خلف امامهم جماعة.. و ادعي أنه المصلح الأكبر الذي سوف يصلح العالم، و قد عجز هو عن الصلح الاصغر مع أخيه صبح الأزل!! و يداه ملطختان بقتل رفيقه البابي الميرزا أسدالله التبريزي الذي ألقوا به في شط العرب، موثق القدمين بالحجارة، لمجرد أنه نازعه الخلافة.. ان القضية قضية اخلاص و ليست قضية كلام.. و لقد استطاع غاندي أن يوحد الهند و بها أكثر من ثلاثمائة لغة، و أكثر من مائة ديانة و طائفة، و أكثر من أربعمائة مليون مواطن، بذلك الصدق و الصفاء و الاخلاص و الروحانية التي انفرد بها و دون أن يدعي نبوة أو ربوبية.. أما صاحبنا الميرزا المهيمن القيوم فعجز عن توحيد أسرته و هي تحت راية دين واحد، و لغة واحدة. أما كلام البهائية عن توحيد اللغات فهو كلام خيالي، و غير عملي، و أية لغة سيوحد تحتها العالم؟ أهي لغة «الاسبرانتو».؟ و ماذا يبقي من كتبهم البيان و الاقدس و الايقان، بعد أن تترجم الي الاسبرنتو؟ و من سيفرض علي العالم لغة الاسبرانتو و بأية قوة؟ [ صفحه 140] و ماذا ستجدي اللغة الواحدة و أمامنا «لبنان» الاهل و الوطن في حرب بعضها البعض من سنوات، رغم اللغة الواحدة؟ و البيت البهائي نفسه دخل في تصفية دموية رغم اللغة الواحدة و الدين الواحد؟. انها سذاجات حضرة النقطة «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين الا من رحم ربك و لذلك خلقهم (119 هود).. و من آياته خلق السموات و الارض و اختلاف السنتكم و ألوانكم ان في ذلك لآيات للعالمين. (22 الروم) هذا هو الكلام المحكم.. و لا يزالون مختلفين - الا من رحم ربك» الي قيام الساعة.. و لكن لماذا هذه المقدمة الطويلة في الحب و السلام و توحيد الأديان - و توحيد الأوطان، و توحيد اللغات، رغم عدوم واقعيتها؟ سوف نري أن البهاء يمهد بها لأهم بند في شريعته و ذلك هو الأمر بابطال الجهاد.. نفاجأ بذلك في كتابه اشراقات ص 109): «البشارة الاولي التي منحت من أم الكتاب في هذا الظهور الأعظم هي محو حكم الجهاد من الكتاب.. لأن يقتلكم الكافر خير من أن تقتلوه»!! (بهاءالله و العصر الجديد). و في ذلك تلتقي البهائية و القاديانية و الملل الباطنية بأشكالها كلها، محت آية السيف و نسخت حكم الجهاد، لأنها تكلمت بلسان المستعمر و لمصلحته، و أرادت الاسلام أعزل، و المسلمين خاضعين اذلاء راضين بالظلم.. «ليس لأحد أن يعترض علي الذين يحكمون علي العباد» (اشراقات ص 133) «ان سلاطين العالم مشارق القدرة، و مطالع الاقدار الالهي» - (بهاءالله و العصر الجديد ص 169).. يا أحباء الله يجب عليكم أن تخضعوا لسرير سلطنة كل سلطان، و تكونوا خاشعين للسدة الملوكية لكل مالك، و أن تخدموا الملوك بنهاية الصدق و الأمانة، و تكونوا مطيعين لهم، و أن لا تتدخلوا في الأمور السياسية» (بهاءالله و العصر الجديد ص 254). «حرم عليكم حمل آلات الحرب» (الاقدس الفقرة 383). و هذا عبدالبهاء «عباس أفندي» يدعو: اللهم أيد الامبراطور الأعظم جورج الخامس عاهل انجلترا بتوفيقاتك الرحمانية، و أدم ظلها الظليل علي هذا الاقليم». يدعو بدوام ظل الاستعمار الظليل.. [ صفحه 141] و كيف يكون للاستعمار دوام الا بابطال شريعة الجهاد؟. دين هذا أم سياسة؟!! و في الزواج لم تسمح الشريعة البهائية بالتعدد لأكثر من زوجتين، و لكنها أباحت نكاح الأقارب «لا يحرم نكاح الاقارب مادام البهائيون قلة و ضعفاء، و لما تتقوي البهائية و تزداد نفوسها، عندئذ يندر وقوع الازواج بين الاقارب «خزينة حدود و أحكام ص 186)، و لا يحرم من الاقارب الا أزواج الآباء». و هو كلام ضد الفطرة، و ضد الطبيعة و ضد مقتضيات الطب.. أما الزنا فعقوبته تسعة مثاقيل ذهب تسلم لبيت العدل في عكا، و يفسر عبدالبهاء هذا الحكم فيقول: «و هذا الحكم يتعلق بالزاني غير المحصن، و الزانية غير المحصنة، أما المحصن و المحصنة فلا حكم عليهما الا أن يحكم عليهما بيت العدل (مكاتيب عبدالبهاء ص 301). «و من اتخذ بكرا لخدمته لا بأس عليه كذلك، كان الأمر من قلم الوحي بالحق مرقوما» (الاقدس الفقرة 142). أما اللواط فنري البهاء يسكت عن ذكر حكمه!! قد حرمت عليكم أزواج آبائكم. انا نستحي أن نذكر حكم الغلمان (الاقدس الفقرة 253) و هو سكوت غريب و حياد أعجب، و يبدو أن البهاء قد فهم و لا شك المزاج الاوربي و الامريكي!!. و قد رفع البهاء حكم النجاسة عن شي‌ء، حتي البول، و المني، و البراز، و الخنزير و الكلب، و قال: «ان كل الاشياء انغمست في بحر الطهارة في أول الرضوان، لما تجلينا علي من في الامكان، بأسمائنا الحسني، و صفاتنا العليا (الاقدس الفقرة 161 - 162)!! و أباح البهاء استعمال الذهب و الفضة و لبس الحرير و منع الوعظ من علي المنابر و اشترط الجلوس علي كرسي مثل سلفه الباب.. و الغسل الكامل مرة كل أسبوع هو شريعة النظافة عند البهائي، و في الصيف تغسل الأرجل كل يوم، و في الشتاء كل ثلاثة أيام، و لا ذكر للوجه و اليدين. و الذي يري في كساءه وسخ انه لا يصعد دعاؤه الي الله (الاقدس الفقرة 164). [ صفحه 142] و لا نفهم ماذا بقي من الوسخ مادام البول طاهرا و المني طاهرا فلعل مقصوده بقع الحبر أو الصلصة!!. و الصلوات ثلاث: الصبح و العصر و المغرب، كل منهما ثلاث ركعات، و اذا صليت احداها تكفيك عن الباقي، و لا صلاة للجماعة الا علي الميت، و في السفر يكفي أن تسجد، و تقول: سبحان الله، و القبلة هي بيت البهاء في عكا، أو قبره، و البهاء نفسه لا يصلي، لأن هو القبلة، فأين يتوجه و هو الحي القيوم فلمن يصلي؟. و الصيام 19 يوما يصوم فيها البهائي من الفجر الي المغرب و ينقطع عن الأكل و الشرب و لكن يباح له مباشرة زوجته، و يعفي من الصيام: الحامل و المريض و المسافر و الكسول و الهرم، و عند التكسر و التكاسل لا يجوز الصيام أو الصلاة و هذا حكم الله (خزينة حدود و أحكام ص 37). وردا علي سؤال و ما حكم الذين يشتغلون بالأمور الهامة «أجاب البهائي» الصوم علي النفوس المذكورة رفع (ص 46 خزينة حدود و أحكام). و الحج يكون لبيت النقطة في شيراز، أو بيت البهاء في بغداد [161] ، و من الطريف أن ايران هدمت البيت الأول و العراق هدمت البيت الثاني، و كلتا الدولتين حظرتا النشاط البهائي فيهما، و يفتخر البهائيون في شريعتهم بالمساواة بين الرجال و النساء، و مع ذلك رأيناهم في الميراث يقولون «ان الدار المسكونة للولد البكر خاصة مع توابعها: من اصطبل و مضيف أو خلوة» (خزينة حدود و أحكام ص 126). كما رأينا البهاء بوصي بالخلافة لابنه عباس و ليس لابنته، و رأينا الابن عباس يوصي بالخلافة لحفيده شوقي، و ليس لابنته.. و يبدو أن البهاء لم يستطع أن يحقق كل الآمال المرجوة لعاشقات المساواة!! و يواصل الدكتور مصطفي كلامه عن البهاء فيقول متحدثا عن البهاء و عن تحايلاته الشيطانية، ليمهد لنفسه ادعاء النبوة و الرسالة الجديدة: و ليدخل البهاء منتدي النبوة بلا معجزات أنكر المعجزات و قام بتأويل آيات المعجزات كلها فموسي لم يشق البحر بعصاه بل كانت العصا رمزا للفرقان الذي شق به [ صفحه 143] الحق من الباطل و يده التي أخرجها بيضاء من غير سوء هي يد التفضل و الانعام و التنوير و عيسي لم يحي الاجساد الميتة بل النفوس الميتة و لم يفتح العيون العمياء بل فتح البصائر - و الناقة التي عقرها قوم صالح هي نفسهم التي أهلكوها و النار التي دخلها ابراهيم هي نار الاغاظة التي صارت بردا و سلاما.. و هكذا.. لا معجزات و لا خوارق و انما رموز و اشارات يفهمها اللبيب و ما كانت معجزة موسي الا شريعته و ما كانت معجزة محمد الا قرآنه الكريم.. و ها نحن نأتي بما هو أحسن.. بالبيان و الايقان و الاقدس. و يقول البهاء عن نفسه و عن يوم ظهوره: هذا يوم لو أدركه محمد رسول الله تعالي صلي الله عليه و سلم لقال قد عرفناك يا مقصود المرسلين و لو أدركه الخليل ابراهيم لوضع وجهه علي التراب خاضعا لله و قال: قد اطمأن قلبي يا اله من في ملكوت السموات و الارضين «مجموعة الألواح المباركة ص 94 «. و ليطمئن البهاء اتباعه قال لهم أن مشاهد الجنة و النار ما هي الا رموز هي الاخري و اشارات أما حقيقة الجنة فهي راحة النفوس و فرحتها بالايمان به و حقيقة النار هي عذابها و سعيرها بكفرها و انكسارها.. و ما الشياطين و الملائكة الا رموز للخواطر الشريرة و الخواطر الخيرة.. و ما الحشر الا ما نحن فيه الآن «في قيامة الظهور البهائي» فسارعوا الي مغفرة من ربكم و رحمة و اتبعوني تفوزوا بالرضوان.. و اخفي هذه الاقوال فلم يسطرها في صحيفة و لا في كتاب و انما القاها للخواص ليلقوها شفاها لمن يأنسوا منه القبول و الفهم و أكثرها كانت استمرارا لتأويل الباب و تعاليمه. و قد تنبأ البهاء بانتشار دينه و ظهور اسمه في عموم العراق فرغم أن الله قال له ينبغي لأهل العراق ان يفتخروا بك.. سوف يفتخرون و لكنهم اليوم لا يفقهون. «سورة الأمين ص 19«. كما تنبأ بانقلاب ايران و اعتناقها لديانته فقال عن العاصمة طهران يا أرض الطاء لا تحزني من شي‌ء قد جعلك الله مطلع فرح العالمين سوف تنقلب فيك الامور و يحكم عليك جمهور الناس أن ربك هو العليم المحيط سوف يأخذك الاطمئنان بعد الاضطراب كذلك قضي الأمر في كتاب بديع. «الاقدس و أيضا بهاءالله و العصر الجديد ص 233«. [ صفحه 144] و كذب الله النبوءتين فقد هدمت العراق بيته كما هدمت ايران بيت الشيرازي و حظرت الحكومتان نشاط البهائية و أغلقت محافلها.. كما اغلقت محافلها في مصر و سوريا و باكستان و أفغانستان و المغرب و ليبيا.. و لم تحتضنها الا فلسطين الصهيونية و يهود شيكاغو و أوروبا. و قد ادعي الباب الشيرازي أنه كتابه البيان موحي به من الله فسلط عليه الله من يكذبه فقام تلميذه البهاء ليقول: يا ملأ البيان انا دخلنا مكتب الله اذ أنتم راقدون، و لاحظنا اللوح «البيان» اذ أنتم نائمون، تالله الحق قد قرأناه قبل نزوله و أنتم غافلون، قد أحطنا بالكتاب «البيان» اذ كنتم في الاصلاب يشهد الله بذلك ما في علم الله و لو أنتم تعرفون «الأقدس». ثم قال صراحة أنه هو الذي أوحي بكتاب البيان للباب، قد نزلنا البيان و جعلناه بشارة للناس لنر يضلوا السبيل «المبين ص 4« يقول المستشرق الانجليزي براون في مقدمة نقطة الكاف: أن البهائيين يكذبون الي حد لا يعرف وجه الصدق مهما أمعن الواحد النظر و حاول التفتيش و التحقيق و التنقيب.. و أن البهائيين يقلبون الحقائق و يغيرون الوقائع بدرجة يستحيل معها معرفة تاريخ القوم و حقيقة عقائدهم خاصة خارج ايران في أوروبا و أمريكا و أنهم يخفون كتبهم و مخطوطاتهم عمدا. و قد وصي البهاء لابنه عباس أفندي أو عبدالبهاء بالخلافة من بعده و قد علمنا ما كان من علاقة عباس أفندي بالانجليز و انعامهم عليه بنيشان فرسان الامبراطورية البريطانية و احتفالهم بذلك في حديقة الحاكم و بحضور الجنرال اللنبي.. و دعاء عباس أفندي بدوام ظل الاستعمار الظليل علي البلاد. و كان طبيعيا أن يحتفي الانجليز و الصهاينة بعباس أفندي و أن يهيئوا له سياحة الي أوروبا و أمريكا ينتقل فيها من لندن الي باريس الي بودابست الي فيينا. و حينما نشبت الحرب العالمية الاولي أصبح عبدالبهاء سجينا للحكومة التركية في عكا، و قبل سقوط فلسطين و حيفا حوصر آل البهاء بدارهم. [ صفحه 145] و يكتب شوقي أفندي خليفة عباس و وارثه عن ذلك فيقول: فاضطرب الانجليز و في مقدمتهم لورد كرزن و وزير الخارجية اللورد بلفور «و كلنا نعرف من هو بلفور»؟ فأرسلوا برقية مستعجلة الي قائد القوات الجنرال اللنبي و أكدوا عليه بأن يسعي و يحاول قدر جهده للحفاظ علي عبدالبهاء و أسرته و أتباعه. و قد علمنا لماذا تبذل الحكومة الانجليزية و لماذا يبذل اللورد بلفور أقصي جهده للحفاظ علي البهاء و أسرته. و لنتعرف أكثر علي حقيقة ما يجري في العالم فينبغي أن نمد أبصارنا الي الهند في نفس الفترة لنتابع فتنة أخري تزامنت مع الفتنة البهائية هي القاديانية التي ظهرت في الهند بزعامة الميرزا غلام أحمد والذي أدعي فيها الميرزا غلام أن روح المسيح حلت فيه و أن الشمس و القمر خسفا من أجله و كان ذلك في عام 1894.. و هي نفس الفترة التي كانت الدعوة البهائية في ذروتها.. و لنقرأ ما يقوله الميرزا غلام أحمد القادياني عن نفسه و بنص كلماته: لما توفي والدي ناب عنه أخي الكبير ميرزا غلام قادر في خدمة الحكومة البريطانية فشملته الحكومة هو الآخر بعنايتها و اكرامها و فضلها و جوائزها و لما توفي هو الآخر اقتفيت اثاره و سلكت مسلكه في اعلان الحب و الولاء للحكومة البريطانية و الطاعة لها و خدمتها. اني أعيش في هذه الايام عيشة العزلة و لا أملك قدرا كافيا من المال الا أنني كرست جهودي كلها في خدمة الانجليز من كل قلبي و قد عاهدت الله منذ ذلك الحين أنني لن أكتب شيئا ضد هذه الحكومة» «نور الحق للقادياني ص 35« و لم تبخل عائلتي و لم تضن و لن تبخل بدماء أبنائها في خدمة مصالح الحكومة الانجليزية أبدا «ترياق القلوب لميرزا أحمد ص 15«. و في موضع آخر: لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الانجليزية و مؤازرتها، و قد الفت في أبطال شريعة الجهاد و وجوب طاعة أولي الامر الانجليز من الكتب و النشرات ما لو جمع [ صفحه 146] بعضها الي بعض لملأ خمسين خزانة و قد نشرت جميع هذه الكتب في البلاد العربية و مصر و الشام و كابل و الروم «ملحق كتاب شهادة القرآن الكريم ص 10« و يقول: لا يمكنني أن أحقق دعوتي كمال التحقيق في مكة و لا في المدينة و لا في الروم و لا في الشام و لا في فارس و لكن تحت هذه الحكومة «الحكومة الانجليزية» التي ادعو لها بالازدهار و الانتصار. و يقول لاتباعه: اعرفوا هذه النعمة الالهية نعمة وجود الحكومة البريطانية و اعلموا أن الله ما أتي بالحكومة الانجليزية الي البلاد الا لصالحكم فان حلت بهذه الحكومة آفة من الآفات فستبيدكم هذه الآفة أيضا «القاديانية للمودودي ص 88«. و قد أمدت الحكومة الانجليزية الميرزا و أتباعه بخبر جواسيسها لخدمة مصالحها الاستعمارية و منهم عبد اللطيف القادياني الذي أعدم في أفغانستان و الملا نور علي القادياني و قد عثرت الحكومة الافغانية معه علي وثائق و رسائل خطية تثبت عمالته للحكومة الانجليزية فأعدمته هو الآخر. و في عام 1908 أعلن الميرزا غلام أحمد القادياني أنه نبي. دعوانا أنا رسول ديني.. «عدد البدر 5 مارس سنة 1908 « و كتب خليفته بشير أحمد القادياني: بما أننا نؤمن بنبوة ميرزا غلام و المسلمون لا يؤمنون بها فهم كفار بحسب ما جاء في القرآن الكريم فان الكفر و لو بنبي واحد هو كفر بالله. و قال في تبجح عجيب: ان غلام أحمد أفضل من بعض أولي العزم من الرسل «حقيقة النبوة ص 255«و من دعاوي هذا الميرزا غلام أحمد ما كتبه لعلماء الهند و لكافة البلاد الاسلامية أن الله قد بعثني مجددا علي رأس هذه المائة و أعطاني علوما و معارف تجب لاصلاح هذه الامة و وهب لي من لدنه علما حيا لاتمام الحجة علي الكفرة و جعلني من المحدثين الملهمين و أكمل علي نعمه و أتم فضله و سماني المسيح بن مريم بالفضل و الرحمة و قدر بيني و بينه تشابه الفطرة و وهب لي علوما مقدسة نقية و معارف صافية جلية وصب في قلبي ما لم يحيطوا بها علما.. [ صفحه 147] و من آلائه أنه خاطبني و قال: أنت وجيه في حضرتي اخترتك لنفسي و قال أنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق و قال.. انت مني بمنزلة توحيدي و تفريدي و قال: يا أحمد أنت مرادي و معي يحمدك الله من عرشه. و قال أنت عيسي الذي لا يضاع وقته.. كمثلك در لا يضاع. قل أني أمرت و أنا أول المؤمنين و قال أصنع الفلك باعيننا و وحينا أن الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم. و قال: و ما أرسلناك الا رحمة للعالمين.. كلام.. كلام كثير.. و منشورات بلا عدد. و كتب هي في ظاهرها ديانات.. و لكنها في الحقيقة سياسات.. وراءها ماكرون صغار أمثال الميرزا الشيرازي و الميرزا بهاء و الميرزا غلام أحمد.. و خلف الماكرين الصغار ماكرون كبار هي القوي الكبري المستفيدة التي تخطط لدمارنا. و اذا كانت هذه الديانات قد اتفقت علي اختلاف زعاماتها و أماكنها علي محو آية السيف و ابطال الجهاد.. كما اتفقت علي الولاء للأجنبي.. فعلينا اتفقوا و علينا تخالفوا.. و قد برح الخفاء و ظهر لكل ذي عينين من أي سماوات تتنزل هذه الأديان؟! انتهي. ربما أكون قد أطلت في هذا الاقتباس؛ لأزيدك تأكدا بما ذكرته لك من قبل عن البابية و البهائية، و الهدف الاستعماري الصهيوني من قيامهما، لضرب الاسلام، و تفتيت المسلمين، و شغلهم عن مواجهة الاستعمار لتحرير بلادهم، فربما تظن أنني - بصفتي عالما من علماء الدين - أتحامل عليهم، فوضعت أمامك رأي باحث ممتاز، لم يرسل كلامه علي عواهنه، و لكن شفعة أيضا بالمصادر الأصيلة من كتبهم، حتي لا يتسرب اليك شك أي شك، في بطلان دعاويهم الهزيلة، و المثيرة للسخرية، و في تجريم قيام هذه الدعوة أصلا، تجريمها دينيا و وطنيا.. و تجريم كل من تواطأ معها، أو انتسب اليها مجرد انتساب لأنه بمثابة الشروع في قتل.. فهل يتركون ليتموا جريمتهم؟ [ صفحه 148]

هؤلاء و حرية العقيدة

اشاره

و لقد درج هؤلاء، و كل من تواطأ معهم و انتسب اليهم، أو ساندهم، جهلا بحقيقتهم و هدفهم أو لتحقيق غرض منهم، علي أن يلوذوا بمبدأ «حرية العقيدة»، و يستغلوه لمصلحتهم، اذا تعرضنا لهم و تحدثنا عن تخريبهم، و طالبنا بمحاسبتهم.. و الاسلام لم يهدر هذا المبدأ حتي نهدره، بل اعتني به كل العناية، و جعله أصلا أصيلا و ضروريا للايمان بالله و رسوله و شريعته و اعتناق الاسلام، قرره الله في القرآن، في آيات يقرؤها المسلم و غير المسلم.. و أكتفي هنا ببعض الآيات التي ترسخ دعائم هذا المبدأ.. ففي سورة يونس. الآية 99 يقول الله لرسوله بهذا الاسلوب الاستنكاري: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا. أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين؟» فيقرر في أول الآية أن اختلاف الناس في دينهم و عقيدتهم سنة من سنن الله في خلقه، ثم ينكر علي الرسول أن يتناسي هذه السنة، و يكره أحدا علي الايمان، تلبية لرغبته في أن يكون الناس جميعا مؤمنين.. ثم نجده يقرر قاعدة عامة للرسول صلي الله عليه و سلم، و لغيره من المسلمين، فيقول: «لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» البقرة آية 256.. فاعتناق الاسلام ابتداءا أمر يرجع الي ارادة الانسان و حريته في الاختيار.. و اقتناعه به.. و لا قيمة عند الله لاسلام ينطق الانسان به، و يأتي بأعمال من أعماله، نتيجة خوف و اكراه، أو رغبة في تحقيق فائدة دنيوية عارضة، أو انزال ضرر بالاسلام و المسلمين.. مما كان يمثله المنافقون في عهد رسول الله صلي الله عليه و سلم. و كشفه الله له أحيانا، و تركه لفطنته في تقدير تصرفاتهم أحيانا أخري، و حكم عليهم بأنهم «في الدرك الأسفل من النار. و لن تجد لهم نصيرا» النساء / 145، فلم يعط ظاهرهم قيمة، بل أدانهم أكبر ادانة، لأنهم تلاعبوا بحريتهم و بالعقيدة.. [ صفحه 149] فالدخول في الاسلام تحت ضغط من أحد، أو من غرض، غير مقبول، و غير معتد به عند الله.. و الذي لا يريد الاسلام، لا نجبره عليه.. و لكن نعامله علي موقفه العملي من الاسلام و منا.. و لكن من يكون مسلما منا، و تعامله علي أنه واحد من جماعتنا، نأمن له، و نكل اليه بعض أمورنا، و يتعرف علي دخائلنا.. ثم يتنكر للاسلام و لنا، لا يمكن أن نقبل منه ذلك بسهولة بحجة أنه حر.. بل لابد من موقف لنا ازاءه.. و هذا أمر طبيعي حتي فيمن ينتسب الي حزب أو جماعة، ثم يخرج علي حزبه أو جماعته.. و قد حدث أن حزبا من الأحزاب الكبيرة في الخارج سمي المنفصلين عنه، بالمرتدين، و أنزل بهم العقاب الشديد، و لا أريد أن أستشهد به أو أعلق عليه أهمية كبيرة في تحليل موقف الاسلام من المرتدين، لكن الأمر الثابت الذي أقف معه هو أن الخارج علي دينه أو حزبه أو جماعته في أي مجتمع في العالم، لا يلقي أي احترام لا سيما من الذين كان واحدا منهم، و عاش في وسطهم، و عرف خططهم و أسرارهم، لأنه صار عدوا لهم، و أصبح أقدر من غيره علي الكيد لهم.. و شاعرنا العربي ينصح في حكمة له، سارت و ترددت علي الألسن: احذر عدوك مرة و احذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة و شاهدنا في البيت الثاني.. فهذا الذي خرج علي دينه و حزبه و مجتمعه صار عدوا لهم، وأعلم بدخائلهم و أقدر علي الاضرار بهم، ممن ظل بعيدا عن الدين و الحزب و المجتمع، و لذلك يحظي ممن كان معهم بالمقت و العداوة، و يحذرونه، و يتوقعون منه الاضرار بهم باستمرار و الدول الآن تعتبر الذين يفرون منها، و يلجئون الي دولة أخري معادية لها، تعتبرهم خائنين لها، و تحكم عليهم بالاعدام ولو غيابيا... و لا أحد يناقشها أو يؤاخذها.. حتي ولو عفت عنه و رجع، فانه لا يحتل المكانة التي كان يحتلها من قبل، بل يعيش ذليلا، فاقدا للثقة به [ صفحه 150] فلا غرابة - اذن - اذا نهج الاسلام نهج الفطرة و الطبيعة - و هو دين الفطرة - اذا قرر حرية العقيدة ابتداء و رفض اكراه أحد من الناس عليها، كما قرر شذوذ أي انسان مسلم يخرج علي دينه، و يتنكر له، و يتلاعب به و بمجتمعه، و يصير من أعدائه، عليما بتحصيناته.. انه لم يعد ذلك الانسان العادي غير المسلم الذي لا نتدخل في حريته، و لا نحاسبه لأنه غير مسلم، بل صار انسانا آخر، له حكم آخر، نظير تصرفات سيئة تصرفها بمنتهي حريته لم يجبره عليها أحد.. و من الضروري و الطبيعي أن يحاسب عليها. كما يحاسب أي انسان علي تصرفاته.. و لا يحميه حينئذ مبدأ «حرية العقيدة» لا سما اذا كانت الدولة قد اتخذت من الدين أساسا لها و لمجتمعها و من الضروري أن تحمي أسس نظامها. فحرية العقيدة حينما تقررت، انما تقررت احتراما لارادة الانسان، و تكريما لآدميته أو انسانيته.. فاذا هو أساء استغلالها، و تلاعب بها، و اتخذ مواقف متناقضة، تحط بانسانيته، فانه يصبح غير جدير بأن يستظل بظلها، أو يتمتع بحمايتها.. بل يصبح منبوذا من أهل الدين الذي تلاعب به و خرج عليه، و من حق الدولة التي اتخذت هذا الدين دينا رسميا لها تحميه و تراعيه.. و تعتبره جزءا من كيانها و شخصيتها، و كرامتها. من حقها أن تحاسبه علي تصرفاته. دون أن تعطيه حق الاحتماء بحرية العقيدة.. و يكون موقف المجتمع و الدولة متشددا أكثر، مع المسلم الذي يعيش مع أهله و مواطنيه المسلمين واحدا منهم، يتمتع بحقوقهم، و يتحدث باسمهم، و عليه واجب الدفاع عن دينه و مجتمعه مثلهم: «و المسلمون تتكافأ دماؤهم، و يسعي بذمتهم أدناهم، و هم يد علي من سواهم» فاذا به ينسلخ عنهم و عن الدين الذي يدينون جميعا به، ليس هذا فحسب، بل يتخذ طريقا مضادا له و لهم، أو يدعو الناس الي دين يبتدعه، مناقض لدينه و دين مجتمعه، و يصير حربا عليه بعد أن كان المفروض فيه أن يدافع عنه و يحميه من التهجم عليه.. و يسوء موقفه أكثر و أكثر حين يتخذ هذا الموقف مدفوعا بقوة أجنبية عدو للاسلام [ صفحه 151] و لوطنه، و مسخرا لخدمتها، منفذا لمخططاتها العدوانية، واجدا المساندة و الحراسة منها في كل تحركاته، مثل الباب و البهاء الذي خلفه و الذين خلفوا البهاء في رعاية دعوتهم أو أنصارهم حتي الآن، و في كل مكان.. فهل هذه البذرة الخبيثة التي نبتت في أرض الاسلام، و بين المسلمين، برعاية من أعداء الاسلام، لحرب الاسلام و رسول الاسلام و شريعة الاسلام، و لتفتيت ما بقي للمسلمين من قوة، ليصيروا لقمة سهلة سائغه لأعدائهم، هل هذه البذرة الخبيثة، تأخذ حكم البذرة الطيبة باسم «حرية العقيدة»؟! هل هؤلاء الذين قاموا أصلا لحرب الاسلام و المسلمين من أول كلمة، و من أول خطوة، و أعداء الاسلام يساندونهم و يحمونهم، هل يمكن لواحد منا أن يظلهم بظل «حرية العقيدة»؟.. حرية العقيدة لمن و لماذا؟ حرية العقيدة و الخيانة و العمل ضد كياننا؟!!! انها تكون بلاهة و حماقة.. لا سيما و البهائية في تنظيماتها كالماسونية، تعتمد علي السرية في دعوتها، حتي تشق طريقها الآثم بين المسلمين في أمان، فقد اكتشفت الحكومة الايرانية سنة 1955 م أن البهائيين فيها تسللوا الي الجيش و الحكومة و المصارف، فثارت ثائرة الشعب، و طالب علماؤه الحكومة بأن تعتبر هذه الطائفة غير قانونية، و فعلت الحكومة و استجابت. و قد قبض علي واحد في ايران في مارس سنة 1985 بتهمة التخريب، بحرق حي بأكمله، ثم تبين أنه بهائي، و هو «روح الله بأهرام شاهي»، فأعدم هو و رفاقه الذين اشتركوا معه. و هم ايرانيو الجنسية!! و هذا يعني أنهم «طابور خامس» في بلدهم، و ضد وطنهم، يعتمدون علي السرية التامة في تنفيذ مخططاتهم..

في مصر

و كما كشفت الوثيقة الرسمية لتسجيل بيع قطعة أرض في القاهرة للمحفل البهائي في 31 / 1 / 1940: أن أحد قضاة محاكمنا الأهلية و اسمه: «عبدالجليل بك سعد بن محمد بن مصطفي» و كان رئيس هذا المحفل و لكن لا يعرفه أحد قد وقع عقد الشراء باسمه و لكن لصالح المحفل البهائي، بجلسة يوم 14 / 11 / 1939. [ صفحه 152] و صدر الأمر بعد ذلك من المحكمة و باسم صاحب الجلالة، بأن علي جميع المحضرين و المسئولين عن تنفيذ هذا العقد أن يبادروا بتنفيذه، و لو باستعمال القوة حين يطلب منهم ذلك، لأنه كان عقدا عاديا!! و هكذا يتسلل البهائيون الي مراكز القضاء و الي غيرها، و يخدمون بهائيتهم بكل ما يستطيعون، و نحن لا نعرف، و كيف نعرف، و أسماء هؤلاء أسماء مصرية مسلمة، و من أسر مصرية مسلمة؟! و لا يزال «بيكار» اسمه «حسين»، علي اسم الحسين رضي الله عنه، و رأينا أسماء الذين قدموا منهم الي بعض القضايا عندنا أسماء اسلامية!! و كل ذلك من باب السرية و التستر و النفاق و يدخلون علي الناس باسم الحب، و المساواة، و الرغبة في السلم، و نبذ التعصب.. الخ، و الناس تنبسط أساريرها لهذا الكلام مع أنه ليس جديدا، و لكنه في كل الأديان، ثم يأخذون في جرهم شيئا فشيئا الي نحلتهم، و يغرون ضعفاء الدين منهم بأن نحلتهم عملت «تخفيضات» في الصلاة و الصوم و الحج الخ.. فيكفيه أن يصلي مرة في اليوم، لا خمس مرات، و بضع ركعات قليلة، لا سبع عشرة ركعة.. و بسقوط الصلاة و الصوم عنه نهائيا، اذا كان مريضا أو علي سفر دون قضاء، كما يغرونه بأن اخوانا له يحتلون بعض المراكز العليا، و يمكنهم أن يساعدوه في ايجاد عمل، أو في ترقية الخ.. و اذا سافر فانه سيجد المراكز البهائية في خدمته في أي بلد غربي. الخ كالماسونية. و هكذا يوقعون بعض الناس في شركهم و شباكهم، و الأمر لا يطلب تغيير أسماء و لا جنسية. فليبق الصيد باسمه كما هو، و بوضعه المعروف بين عائلته و مجتمعه. المهم أن يحمل في قلبه الايمان بالبهائية، و أن يؤدي طقوسها الخفيفة جدا، و التي لا تكشفه بين الناس، و أن يكون قلبه متجها دائما الي الأماكن المقدسة البهائية في حيفا و عكا، و أن يحج اليها حين يستطيع، و يجد هناك من الحفاوة و المعاونة ما ينشرح له قلبه.. فوق المناخ الطيب في أرض الشام!! و أن يرتبط قلبيا و ماديا باخوانه البهائيين في أنحاء العالم، و يؤدي الزكاة 19% لبيت العدل. و ينفذ التعاليم البهائية التي تصدر اليه، سواء من الزعامة العامة، أو من المجالس الاقليمية و المحلية.. و هي بحكم طبيعتها ضد دين البلاد و ضد الولاء لها.. و ربما تسألني: لماذا؟ و من أين لك هذا الحكم؟ [ صفحه 153] فأقول لك: ارجع الي أصل نشأة هذه الطائفة، مما سبق و ذكرته معتمدا علي كتبها، و أقوال المتحمسين لها.. تجد أنها نشأت في بئر الخيانة للدين و للوطن، حين نشأت في ايران، جنينا، ثم في كل خطوات حياتها، و حتي الآن... و من شب علي شي‌ء شاب عليه. و من قبل عرفنا دور السفارة الروسية في ايران، في التخطيط للباب، و اغرائه للقيام بدعوته.. و كانت عين روسيا في ذلك الوقت علي ايران لابتلاعها، أو ابتلاع أجزاء منها. فعملت علي اشعال الفتن و الاضطرابات فيها لاضعافها، و شغلها عن الوقوف في وجه الطمع الروسي بخلق هذه الدعوة.. ثم عرفنا أيضا. دور السفارة الروسية في مساندة كل خطوات الباب، و حمايته، و محاولة انقاذه من اعدام الحكومة له، ثم مساندة خلفائه (البهاء و أخيه) حين رحلوا الي العراق، و أقاموا فيها، ثم حين رحلوا لاستامبول عاصمة دولة الخلافة.. و عرفنا تدخل الصهيونية منذ نشأة البابية و انضمام اليهود لها، لاشتراكهم معا في مخطط واحد ضد الاسلام و المسلمين، و عرفنا تدخل الاستعمار الغربي، و لا سيما الانجليز في حماية البهاء و أخيه و هما في العراق، ثم في استامبول، ثم حين اقامة البهاء في عكا، و أثناء انتداب بريطانيا علي فلسطين، و ما كان يوليه الحكام الانجليز - المحليين في فلسطين، و الكبار في لندن - من عناية و احتفاء بالبهاء و البهائيين.. و ما حظي به البهاء ثم عبدالبهاء في زيارة له للغرب من تكريم الغرب و لا سيما الانجليز له، و عنايتهم به في جميع تنقلاته و منحه و ساما.. الخ.. ثم ما تحظي به البهائية الآن في الغرب و الشرق من حفاوة و مساعدة و تأييد.. هل بعد هذه النشأة الملوثة دينيا و وطنيا لهذه الطائفة، منذ أن كانت جنينا يشك أحد في دمغها و دمغ أتباعها - أينما يكونوا - بالخيانة الدينية و الوطنية.. ان هذه الطائفة قد عجنت بماء الخيانة للاسلام، و لوطنها ايران و الأوطان الاسلامية منذ وجودها، و أتباعها لا ولاء لهم الا لدينهم البهائي و اخوانهم فيه.. و لا يحفلون بولاء للوطن الذي يعيشون فيه.. فهم حيثما يوجدوا يمثلوا جزرا منعزلة دينيا و وطنيا عن المجتمع الذي يعيشون فيه.. [ صفحه 154] فهل من العقل و المصلحة أن يعطي هؤلاء، و هذا هو شأنهم و وضعهم - حرية العقيدة، و حرية الحركة و العمل السري لدعوتهم بيننا؟! هل يمكن أن يكون مقبولا عقليا أن يظن واحد منا، أن هؤلاء البهائيين بيننا، لا يعملون سرا لنشر دعوتهم، و أنهم حين يجتمعون في بيت أحدهم لا يضعون الخطط لتنفيذ أهدافهم؟ انهم في أصل وجودهم مدانون دينيا و وطنيا، وجدوا للعمل ضد الأديان عامة و في مقدمتها الاسلام، و ضد الأوطان الاسلامية خاصة خدمة للمستعمرين، وردا لجميلهم عليهم.. فكيف نضفي عليهم حق «حرية العقيدة»؟ انهم بحكم وجودهم بيننا أو في أي وطن، محاربون لنا دينيا و وطنيا.. فكيف نعطي المحارب حق الحرية في حرب ديننا و وطننا؟ ولو لم يكن له تنظيم معلن؟ فالعمل السري أخطر من العمل العلني و أشد فتكا.. انهم بتاريخهم المأخوذ من أفواههم، و من سيرة حياتهم، ملوثون و خائنون، و لا يقبل من انسان منا سليم العقل و النفس و التفكير أن يتبعهم، و يعتنق نحلتهم، اللهم الا اذا كان به مرض، و له غرض.. هذا لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون له اعتبار بيننا.. ان الأكثرية الساحقة منا - نحن المثقفين - تغيب عنهم هذه الحقيقة - حقيقة نشأو هذه الطائفة و الهدف من انشائها و وجودها الذي عرفناه، و لذلك ينظرون اليها، و هذه الحقيقة غائبة عنهم، فتأتي نظرتهم ناقصة و خاطئة.. فيقرون وجود «الحية» القاتلة في ملابسنا، و لا يجدون أي خطر منها علينا!! ان القرار الذي صدر سنة 1960 بمصادرة محافلهم - كما صودرت محافل الماسونية من قبل - هو ادانة دينية و وطنية صريحة لهم، و دفع لهم بأن أي نشاط منهم يعتبر خطر علي الوطن علي أقل تقدير كالماسونيين.. و خطرهم علي الاسلام، و عملهم لهدمه، و دعوتهم الصريحة بنسخ شريعته، أمر واضح وضوح الشمس.. فانتساب أي واحد منا اليها معناه الواضح الصريح: أنه انسان خطر علي ديننا و وطننا.. مجرد الانتساب هو الدليل علي تآمره و خطره دينيا و وطنيا.. كانتساب أي واحد لجماعة خائنة لدينها و وطنها فانه يدمغه فورا بالخيانة.. و لا ننتظر بعد [ صفحه 155] ذلك أن يكون له تنظيم معلن أن لا يكون، بل يكفي أنه اختار هذه الجماعة و انحاز لها.. و لو تستر بعد ذلك بكل أثواب الطهارة، و البراءة. و قوانينا يجب أن يراعي فيها ذلك، و أحكامنا يجب أن تلحظ هذا. و هو أمر بدهي لا يغيب عن فطنة أحد، فليس بلازم في جماعة قامت للهدم و الخيانة، أن ننتظر حتي تقوم بالهدم و الخيانة علنا، بل يجب أن نجتثها فورا، و لا نتركها لتباشر مهمتها.. و أي انسان خطير علي ديننا و وطننا، لا محل له بيننا، لا يجوز أن ينعم بسماحة الاسلام و هو يعمل ضده، كما لا يجوز أن ينعم بحق المواطنة و يتمتع بخيرات الوطن و هو يعمل ضده.. و يحظي بما يحظي به أي انسان صالح، موال لدينه و وطنه، من المسلمين أو المسيحيين.. حتي لا يستوي الخبيث و الطيب في نظرنا.. و نفقد بذلك حاسة التمييز «أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار» [162] «أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون» [163] «و ما يستوي الأعمي و البصير و لا الظلمات و لا النور و لا الظل و لا الحرور و ما يستوي الأحياء و لا الأموات» [164] . هكذا تجري سنة الله، التي يسير عليها الأسوياء العقلاء من الناس.. ان هؤلاء من البؤر الفاسدة التي تهدد حياة الأمة، و تنشر جراثيمها في الجسم كله، ان لم نسارع بالقضاء عليها، و حماية الأمة منها.. و اذا لم نطبق عليهم حد الردة الدينية لعدم وجود قانون بذلك حتي الآن، فلا أقل من أن نطبق عليهم عقوبة الردة و الخيانة الوطنية، و نحمي مجتمعنا منهم، حتي يتحرك التشريع عندنا، و يضع عقوبة تعزيرية لخائن دينه المتمرد عليه، و لو لم تكن الحد.. ان الولاء للدين و للكيان الاسلامي، ليس أقل من الولاء للوطن، بل ان الولاء للوطن جزء من الولاء للدين. و لا يكمل دين المسلم الا بولائه لوطنه الاسلامي، و دفاعه عن حريته و عن كل شبر فيه، و عن كل مصلحة له.. و لا سيما في دولة يقرر دستورها أن دينها الرسمي هو الاسلام، و كيانها و مجتمعها و أخلاقها تقوم علي أسس [ صفحه 156] الاسلام، و الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للقانون.. و تصبح بذلك مسئولة عن الحفاظ علي دستورها و مبادئها، و في مقدمتها: دينها.. فكيف - اذن - لا نحمي الولاء للدين، كما نحمي الولاء للوطن، و الولاء للدين هو أساس البنيان كله؟ كيف لا نعاقب الذي يخل بولائه لدينه و يتمرد عليه، كما نعاقب الذي يخل بولائه لوطنه؟ نعاقبه الي حد اعدامه، تطهيرا للمجتمع منه و من أمثاله، تعزيرا لاحدا، و التعزير يمكن عند بعض الأئمة أن يصل الي الحد و الي أكثر منه كالتمثيل به.. كيف يفلت البهائيون من العقاب، علي الأقل لخيانتهم الوطنية التي تسري فيهم من الجذور، و بمجرد انتسابهم للبهائية: شجرة الخيانة و العمالة؟ و لا ننتظر شاهدا علي ذلك من أعمالهم. لأن أكبر شاهد علي خيانتهم لدينهم و وطنهم هو انتسابهم لهذه الجماعة الخائنة.. ان الدولة تدين و تحاكم كل انسان ينتسب لجماعة مخربة لمصر مجرد انتساب، أو يكون عميلا لجهاز خارجي يعمل ضد مصر، و الدولة تحمي بقوتها و قوانينها مبادئها الأساسية، التي وردت في دستورها، و في مقدمتها دينها الرسمي. تقبض عليه و تحاكمه بتهمة مناهضة و تخريب المبادي‌ء الأساسية للدولة، و تهم أخري موجودة بالقوانين.. و الدولة لا تسمح الآن بقيام أحزاب أو نشاط لا يلتزم بالمبادي‌ء الأساسية للثورة و للدستور، حماية منها لهذه المبادي‌ء.. و تقبض علي كل من ينتسب لجماعة مخربة حارجة علي النظام و تحاكمه و تحكم عليه.. فكيف نقبل وجود بهائي بيننا يتمتع بحق المواطنة، و هو يجاهر بأن مبدأه ابطال شريعة الاسلام، و ضد القرآن و ضد السنة، و ضد المبادي‌ء الأساسية للدولة.. و ضد أمن الدولة و سلامتها، و علي ذلك قامت ديانته و طائفته من الأصل، قامت لتعمل لهذا الهدف.. و اتبعها من اتبعها لأنه أعجبه هذا المبدأ و العمل له. فهل ننتظر دليل بعد ذلك لمحاكمته و الحكم عليه بما يجتثه و يجتث أمثاله ممن يقيمون بيننا، يتمتعون بما يتمتع به الوطنيون الشرفاء و هم خائنون للاسلام و للوطن؟ انه منذ وجد بهائي أو بهائيون في مصر و العلماء يكفرون البهائية، و المسئولون يأخذون حذرهم منها و المحاكم تحكم بأنهم مرتدون و بطلاق المسلمة اذا كانت متزوجة ببهائي، و بعدم دفنهم في مقابر المسلمين.. [ صفحه 157] ففي سنة 1910 أفتي الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر بكفر (ميرزا عباس - عبدالبهاء) و خليفته. في 30 / 6 / 1946 صدر حكم محكمة المحلة الكبري بطلاق امرأة اعتنق زوجها البهائية باعتباره مرتدا. و في سنة 1947 ، 1949 أصدرت لجنة الفتوي بالازهر فتوتين بردة معتنق البهائية.. و في 1939 ، 1950 ، 1968 فتاوي من دار الافتاء المصرية بأن البهائيين مرتدون. كما أجابت أمانة مجمع البحوث علي استفسار نيابة أمن الدولة العليا عن حكم البهائية، بأنها نحلة باطلة، لخروجها عن الاسلام، و من يعتنقها يكون مرتدا.. و عندما سجل محفل للبهائية في مصر و أقام له دارا بالعباسية كان ذلك بتحايل من رئيس محفلها و هو أحد القضاة، لا يعرف عنه أنه بهائي.. و تقدم المحفل بتسجيله في وزارة الشئون، فرفض هذا الطلب بناء علي ما رأته ادارة قضايا الحكومة. رأت ادارة الرأي بوزارة الداخلية 1951 أن في قيام المحفل البهائي اخلالا بالأمن، و من الممكن لوزارة الداخلية منعهم من اقامة شعائرهم. و في سنة 1958 رأي مجلس الدولة عدم الموافقة علي طبع اعلان دعاية لهم لأنه ينطوي علي تبشير و دعوة صريحة للخروج عن الاسلام و عن الأديان المعترف بها، و لأنه مخالف للنظام العام في الدولة. في سنة 1952 صدر حكم محكمة القضاء الاداري برفض الاعتراف بالبهائية كدين، و أن البهائيون مرتدون. و أخيرا في سنة 1960 صدر القرار الجمهوري رقم 263 بحل المحافل البهائية و مراكزها الموجودة في الجمهورية و يوقف نشاطها، و يحظر علي الأفراد و المؤسسات و الهيئات القيام بأي نشاط مما كانت تباشره هذه المحافل و المراكز.. و صودرت الأملاك و الأموال الموجودة في هذه المحافل.. و في سنة 1965 حكم بالحبس و الغرامة علي عناصر من أتباع البهائية لقيامهم بممارسة نشاطهم البهائي في القاهرة.. و في فبراير سنة 1980 قبض علي جماعة منهم و علي رأسهم «بيكار» و اعترفوا ببهائيتهم [ صفحه 158] و وجهت اليهم تهمة مناهضة المبادي‌ء الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم، و أدانتهم المحكمة الابتدائية و لكن برأتهم محكمة الاستئناف!!! [165] .

في العراق

و مما يحسن تسجيله هنا نص القانون الذي صدر بالعراق بتحريم النشاط البهائي رقم 105 لسنة 1970 و المنشور بالوقائع العراقية العدد 188 المؤرخ 18 مايو 1970.. و كانت العراق احدي البلاد التي عاش فيها البهاء و نشر فيها دعوته و كان له أنصار و تابعون كثيرون.. و ظل فيها بعد نفيه من ايران مع أخيه نحو 13 سنة، و كان له و لتابعيه أملاك كثيرة فيها.. و هذا هو نص القانون [166] . باسم الشعب - رئاسة الجمهورية. استنادا لأحكام الفقرة (ج) من المادة الخمسين المعدلة من الدستور المؤقت، و بناء علي ما عرضه وزير الداخلية و أقره مجلس قيادة الثورة. صدر القانون الآتي: المادة الأولي: يحظر علي كل شخص تحبيذ أو ترويج البهائية أو الانتساب لأي محفل أو جهة تعمل علي تلقين أو نشر البهائية و الدعوة اليها بأي شكل من الأشكال. المادة الثانية: لا يجوز بيع أو توزيع أو طبع أو حيازة الكتب و النشرات البهائية، و تمنع مثل هذه الكتب الصادرة في الخارج من الدخول للعراق و التداول فيها.. المادة الثالثة: تغلق جميع المحافل البهائية و مراكزها الموجودة في العراق، و يوقف نشاطها، و يمنع كل شخص طبيعي أو حكمي و أية منظمة أو هيئة أو جهة من القيام بأي نشاط كانت تمارسه المحافل و المراكز المذكورة و لوزير الداخلية اصدار القرارات اللازمة لتنفيذ ذلك. [ صفحه 159] المادة الرابعة: تؤول أموال و موجودات المحافل البهائية و مراكزها بعد تصفيتها الي الجهة أو الجهات التي يصدر بتعيينها قرار من رئيس الجمهورية.. الخ.. و جاء في المادة السادسة: يعاقب المخالف لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات و بالغرامة أو باحدي هاتين العقوبتين.. الخ.. التوقيع أحمد حسن البكر رئيس مجلس قيادة الثورة رئيس الجمهورية و جاء في الأسباب الموجبة لصدور هذا القانون أو البهائية ليست دينا أو مذهبا معترفا به، و لأجل خطر ترويج الفكرة البهائية أو تحبيذها للآخرين و لأجل وقف نشاطها و غلق محافلها.. صدر هذا القانون.. و يلاحظ هنا أن المادة الثالثة تمنع كل شخص طبيعي أو حكمي من القيام بأي نشاط كانت تمارسه المحافل.. الخ.. و جاء في المادة السادسة عقاب الذين يخالفون أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات و بالغرامة.. الخ.. و أفهم من هذا ادانة أي أشخاص بهائيين يجتمعون في أي مكان في بيوتهم أو غيرها و يقومون بأعمال تنظيمية لهم كانت تقوم بها المراكز من جمع أموال، و من رسائل يتلقونها أو يرسلونها الي محافلهم و زملائهم في الخارج الي غير ذلك من وسائل التدبير و النشاط، كأن يوصوا علي واحد يخرج منهم عند المحافل الخارجية لمساعدته.. الخ و القانون بذلك يلمس الواقع و يقنن له، فمن الطبيعي و قد حلت محافلهم، أن يلتقوا داخل بيوتهم، و ينظموا أمورهم، و ينصبوا عليهم رئيسا أو موجها، يقوم بما كانت تقوم به المحافل.. و سرا لا جهرا.. و بذلك يبقي مفعولهم المخرب داخل البلد، فشرع القانون العراقي لهذه الحالة في المادة السادسة معتمدا علي ما جاء في المادة الثالثة من منع أي شخص طبيعي أو حكمي.. فيطبق العقاب الذي جاء في المادة السادسة علي [ صفحه 160] الأشخاص الذين يجتمعون في أي مكان - غير المحافل - و يقومون بنشاط سري كانت تمارسه المحافل.. و يؤدون الغرض منها.. و لم أعلم أن أحدا بالعراق تعرض لمؤاخذته بهذا القانون، و جائز أن تكون هناك قضايا لم يصل علمي اليها، و جائز ألا يكون.. أما عندنا فقد قبض 1985 علي خلية بهائية يرأسها «بيكار» أحد المحررين في صحيفة الأخبار بعد تحريات و متابعات من مباحث أمن الدولة استدعت استصدار أمر من النيابة بالقبض عليهم تمهيدا للتحقيق معهم و محاكمتهم.. و ستري في ملخص أقوالهم التي سأذكرها لك أنهم اعترفوا بأنهم بهائيون، و أنهم يجتمعون كل 19 يوما يعني كل شهر من شهورهم في بيت أحدهم لمدارسة أحوالهم كبهائيين، و اعترفوا بصدور بعض الأعمال التي كان يقوم بها المحفل منهم و قدمت المباحث تسجيلات صوتية لهم تثبت عليهم ادانتهم كما قدمت منشورات و كتبا تدينهم كذلك.. و ستري أن محكمة أول درجة أدانتهم بمقتضي المادة التي ذكرتها، و لم تستطع ادانتهم و عقابهم بعقاب الردة الشرعي لعدم وجود قانون بهذا فاكتفت بعقوبتهم حسب هذه المادة.. كما ستري من الحكم و حيثياته.. ثم جاءت محكمة الاستئناف و برأتهم و ذكرت حيثياتها من أنها لم تستبن من الأوراق ما ينبي‌ء عن وجود هيكل اداري!! أو نشاطات معينة تهدف الي احياء تلك المحافل، كما أنه لم يثبت من الأوراق أن أحدا من المتهمين يبشر بعقيدته أو يدعو اليها آخرين». بينما جاء في حيثيات محكمة أول درجة (الابتدائية): أن المحكمة راعت التسجيلات الصوتية التي تمت في بيوتهم - و هي تدينهم و تكشف نشاطهم. و اعتمدت علي اعتراف «بيكار» رئيسهم، بأنه مكلف من قبل «بيت العدل» بأن يكون مسئولا أدبيا و أبا روحيا!! للبهائيين في مصر باعتبارهم أفراد طائفة ذوي عقيدة واحدة بالاضافة الي استقباله مندوبي بيت العدل من البهائيين الذين يفدون من الخارج، و اعترف الآخرون بأنهم بهائيون و أنهم يمارسون طقوسهم في اجتماعاتهم - و طقوسهم لا تستدعي مظاهر يصعب القيام بها في البيوت - كما تم ضبط العديد من الكتب و الأوراق الخاصة بالبهائية لدي بعضهم». [ صفحه 161] بل جاء في أقوال بعضهم أنه استطاع أن يدخل أحد أصدقائه في البهائية، و ذكر بعضهم أنهم علي اتصال بالمحافل البهائية في حيفا عن طريق محفل وسيط في تونس (الأهرام 1 / 3 / 1985). و أعتقد أن هذا كله كان كافيا في اقتناع محكمة أول درجة بالحكم عليهم.. لأن المشرع حين أصدر القرار سنة 1960 بحل محافلهم الخ.. لم يكن قصده مجرد ازالة اللافتة - كما أعتقد - و لكن كان قصده توقي ضرر هؤلاء علي الدين و الوطن.. فاذا ظهرت تكتلات سرية تؤدي مهمة المحفل - كلها أو بعضها - كانت الادانة قائمة لأن الضرر لا يزال موجودا، فهم يباشرون نشاط المحفل بشكل سري و في تلاعب علي القانون، مما اضطر المباحث لمتابعتهم و تسجيل بعض مجالسهم و ما يتداولونه فيها، و باذن من النيابة.. و ظهر من التسجيلات و من الاعترافات أنهم يقومون فعلا بنشاط بهائي و بدون علانية.. و هذا - في رأيي - كاف لادانتهم كما فعلت المحكمة الابتدائية.. لكن محكمة الاستئناف كان لها رأي آخر!. و لا تعليق لي عليه بالطبع، لكني أري أن يعاد النظر في موضوع البهائيين و خطرهم هم و أمثالهم بقانون يتابع هذه التحايلات و يسد الباب أمامها و أمام غيرها ممن يرتعون بيننا و يكيدون لنا و لديننا.. و قد احتاط القانون العراقي الصادر بشأن المحافل البهائية فمنع كل شخص طبيعي أو حكمي من القيام بأي نشاط كانت تمارسه المحافل، كما جاء في مادته الثالثة، و عاقب الذين يخالفون حكم هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات و بالغرامة أو باحدي هاتين العقوبتين.. و بذلك لا حق - كما أفهم - الحالة التي عليها «بيكار» و اخوانه، و قرر لها عقوبة عشر سنوات حبس.. الخ. جزاء مخالفتهم للقانون.. أما عقوبة الردة فلم يتعرض لها.. و أعتقد أن هذه لعقوبة بالحبس كانت رادعة في العراق لكل من تحدثه نفسه بالبهائية أو بالاعلان عن أنه بهائي كما حصل عندنا.. فمن الطبيعي أن كل صاحب فكره أو مبدأ [ صفحه 162] أو مذهب يعمل ضرورة علي دعوة الغير الي مبدئه و مذهبه، بحكم ايمانه بفكرته أو مذهبه، الا اذا كانت أمامه عقوبة رادعة تمنعه حتي من التنفس بفكرته أو مذهبه.. و أظن أن هذا هو الذي حصل في العراق نتيجة لهذا القانون، برغم أنه كان للبابية و البهائية شأن أي شأن فيها، و لها بيوت و أملاك زراعية واسعة لا تزال تعرف حتي الآن.. و لا سيما في بغداد، و في ولاية «ديالا» القريبة منها، كما سمعت من أصدقائي المعمرين في بغداد.. و حين سألتهم: و الآن؟ فالوا لا علنية و لا سرية، و لا يستطيع أحد أن يقول انه بهائي أو بابي، و لا يقرب من شبهتهم.. و وجدتني أقول تلقائيا: برافو.. أخي لعلي بعد هذه الجولة المضنية معك عن البابية و البهائية، أكون قد قدمت ولو بعض الزاد من المعرفة عن هذه النحلة المشبوهة: أصلها و ولادتها، و من نماها و رباها و تعهدها، حتي نمت و ترعرعت، و شبت و قويت؟ و لماذا عمل الاستعمار علي ولادتها و تنميتها، و عرفت من خلال مبادئها و تعاليمها و موقفها من دينك الاسلام، و من الأديان الأخري. و عرفت بالتالي واجبك لمواجهة خطرها، و كتم أنفاسها، و واجب الدولة في وقاية البلاد من شرورها و أضرارها، كما تحمي البلاد من اسراب الجراد و من الأغذية الفاسدة، و الحميات، و الأمراض الوافدة و المستوطنة.. و الله هو الموفق و المعين..، [ صفحه 163] ملاحق الكتاب
و مع هذا رأيت أن أضع أمامك مزيدا من المعلومات، فأضفت هذه الملاحق لتزداد يقينا بما يريك من معلومات. و هذه الملاحق هي: 1- ملحق عن بيان مجمع البحوث بالأزهر عن رأي الاسلام في البابية و البهائية. 2- ملحق عن القضية التي نظرتها محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة بدءا من يناير سنة 1950 حتي صدر الحكم فيها في مايو سنة 1952، مع حيثيات هذا الحكم.. 3- ملحق ثالث عن قضية الوكر البهائي برئاسة الأستاذ «حسين بيكار» الصحفي بالأخبار سنة 1985 و ملخص ما جاء فيها من تحقيقات و اعترافات، و حكم المحكمة الابتدائية و حيثياته، و حكم محكمة الاستئناف و حيثياته. 4- أما الملحق الرابع فهو مذكرات الجاسوس الروسي و اعترافاته و ما لعبه من أدوار في نشأة البابية و رعايتها.. و هي المذكرات التي أقتبسنا منها بعض ما جاء فيها من معلومات حول الباب، و حول هذا الجاسوس. [ صفحه 165]

بيان من مجمع البحوث بالأزهر عن البابية و البهائية

اشاره

الحمد لله و الصلاة و السلام علي رسول الله محمد بن عبدالله و علي آله و صحبه و من والاه.. و بعد: فقد ظهرت البابية أو البهائية في بلاد فارس بدعة نشرها نفر من الخارجين علي الاسلام، بل و عن سائر الديانات السماوية الأخري. و قد حمل وزرها رحل يدعي: «ميرزا علي محمد الشيرازي» الذي أطلق علي نفسه لقب (الباب) أي الواسطة الموصلة الي الحقيقة الالهية، و كان هذا اللقب من قبل شائعا عند الشيعة التي ظهرت بينها هذه البدعة مأخوذة من حديث الترمذي «أنا مدينة العلم و علي بابها». و من ثم أطلق علي هذه البدعة (البابية). ثم كان من خلفاء هذا المبتدع رجل اسمه (حسين نوري) أطلق علي نفسه لقب (بهاءالله) و أطلق علي هذه البدعة اسم (البهائية). و كان من آخر زعمائها و أشهرهم (عباس أفندي عبدالبهاء). المتوفي عام 1923 ثم (شوقي أفندي الرباني) المتوفي عام 1957. و لقد كان مصير صاحب هذه البدعة الأول القتل في عام 1850 م بمعرفة الحكومة الايرانية القائمة في ذلك الوقت. استجابة لآراء العلماء و الفقهاء الذين أفتوا بردته عن الاسلام. كما نفت حكومة ايران خليفته ميرزا (حسين علي نوري) الي تركيا حيث انتقل الي أرض فلسطين و مات فيها و دفن في عكا عام 1892 م. و البابية أو البهائية فكر خليط من فلسفات و أديان متعددة، ليس فيها جديد تحتاجه الأمة الاسلامية لاصلاح شأنها و جمع شملها، بل وضح أنها تعمل لخدمة الصهيونية و الاستعمار، فهي سليلة أفكار و نحل ابتليت بها الأمة الاسلامية حربا علي الاسلام و باسم الدين. [ صفحه 166] و مبادي‌ء هذه البدعة كلها منافية للاسلام و من أبرزها: - 1- القول بالحلول بمعني: أن الله سبحانه و تعالي بعد ظهوره في الأئمة الاثني عشر. و هم أئمة الشيعة - ظهر في شخص اسمه (أحمد الاحسائي) ثم في شخص الباب ثم في أشخاص من تزعموا هذه الدعوة من بعده. و لقد ادعي «بهاءالله» أولا: أنه الباب، ثم ادعي أنه المهدي، ثم ادعي النبوة الخاصة، ثم ادعي النبوة العامة، ثم الألوهية. و ذلك كله باطل و مخالف لنصوص القرآن الكريم. فالله سبحانه منزه عن المكان و بالتالي عن الحلول، و ادعاء النبوة تكذيب للقرآن الكريم أو جحود له اذ قال الله سبحانه (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، و لكن رسول الله و خاتم النبيين). 2- جحود البهائيين (يوم القيامة) المعروف في الاسلام، و يقولون أن المراد به، ظهور المظهر الآلهي، و أن الجنة هي الحياة الروحانية. و أن النار هي الموت الروحاني. 3- ادعاء بعضهم نزول الوحي عليهم و أن بعضهم أفضل من سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم و وضعهم كتبا تعارض القرآن، و ادعاء أن اعجازهم أكثر من اعجاز القرآن. و تلك قضايا يضللون بها الناس، و يصرفونهم عما جاء به القرآن في شأن كل أفاك أثيم. 4- ادعاء أن بدعتهم هذه بتطوراتها منذ نشأت ناسخة لجميع الأديان. 5- الاسراف في تأويل القرآن و الميل بآياته الي ما يوافق مذهبهم، حتي شرعوا من الأحكام ما يخالف ما أجمع عليه المسلمون من ذلك أنهم: 1- جعلوا الصلاة تسع ركعات و القبلة حيث يكون بهاء الدين. و هم يتجهون الي عكا بدلا من المسجد الحرام مخالفين قول الله سبحانه و تعالي: (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره).. [ صفحه 167] اذ صارت قبلة المسلمين هذه أمرا معلوما من الدين بالضرورة لا يحل لمسلم انكاره أو التحول عن هذه القبلة، و كذلك عدد الصلوات و مواقيتها و ركعاتها و سجداتها و ما يتلي فيها من القرآن، و ما يبدي فيها من دعاء كل ذلك مجمع عليه من المسلمين بعد ثبوته و معلوم من الدين بالضرورة. 2- ابطال الحج الي مكة، و حجهم حيث (بهاءالله) الي عكا مخالفين بهذا صريح القرآن الكريم في شأن فريضة الحج. 3- تقديسهم العدد 19 و وضع تفريعات كثيرة عليه فهم يقولون: الصوم تسعة عشر يوما بالمخالفة لنصوص القرآن في الصوم و أنه مفروض به صيام شهر رمضان. و يقولون: ان السنة تسعة عشر شهرا، و الشهر تسعة عشر يوما، مخالفين قول الله سبحانه: (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض) و قول الله تعالي: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج) و مخالفين الأمر المحسوس المحسوب أن الشهر القمري اما تسعة و عشرون يوما و اما ثلاثون يوما، و هو أيضا ما أنبأ به الرسول محمد صلي الله عليه و سلم. 4- الغاؤهم فريضة الجهاد ضد الأعداء الثابتة بصريح القرآن، و صحيح السنة النبوية و دعوتهم هذه قضاء علي الأمة الاسلامية، بل و علي كل دولة من دولها. اذ في الاستجابة لها قضاء علي روح الكفاح و دعوة الي الاستسلام للمستعمرين و المغامرين، و هذا ما يؤكد انتماءهم للصهيونية العالمية، بل و أنهم نبت يعيش في ظلها و بأموالها و جاهها.

مقاومة المجتمع الاسلامي لهذه البدعة

لقد عارض الشعب الايراني و علماؤه و حكومته هذه البدعة حين ظهورها، و ناظروا مبتدعها الأول (الباب) و حكم عليه بالردة و أعدم في تبريز في شهر يوليو سنة 1850. و حين وفدت هذه البهائية الي مصر قاومتها كل السلطات علي الوجه التالي: - أولا: 1- أفتي الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر بكفر (ميرزا عباس) زعيم [ صفحه 168] البهائيين و نشرت هذه الفتوي في جريدة مصر الفتاة في 27 / 12 / 1910 بالعدد 692. 2- صدر حكم محكمة المحلة الكبري الشرعية في 30 / 6 / 1946 بطلاق امرأة اعتنق زوجها البهائية باعتباره مرتدا. 3- أصدرت لجنة الفتوي بالأهر في 23 / 9 / 1947، و في 3 / 9 / 1949 فتوتين بردة من يعتنق البهائية. 4- صدرت فتاوي دار الافتاء المصرية في 11 / 3 / 1939، و في 25 / 3 / 1968، و في 13 / 4 / 1950 بأن البهائيين مرتدون عن الاسلام. 5- و أخيرا أجابت أمانة مجمع البحوث الاسلامية علي استفسار نيابة أمن الدولة العليا عن حكم البهائية، بأنها نحلة باطلة لخروجها عن الاسلام للالحاد و للكفر، و أن من يعتنقها يكون مرتدا عن الاسلام. ثانيا: عندما سجل البهائيون محفلهم في المحاكم المختلطة برقم 776 في 26 / 12 / 1934 م حاولوا أن يوجدوا لهم صفة الشرعية لكن الحكومة قاومتهم و يتضح هذا مما يلي: 1- قدم المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بمصر و السودان طلبا الي وزارة الشئون الاجتماعية لتسجيله، و قد رفض هذا الطلب بناء علي ما رأته ادارة قضايا الحكومة أو 5 / 7 / 1947 كما رفض طلب صرف اعانة له من هذه الوزارة. 2- رأت ادارة الرأي بوزارتي الداخلية و الشئون البلدية و القروية في 8 / 12 / 1951 م أن في قيام المحفل البهائي اخلالا بالأمن العام، و أنه يمكن لوزارة الداخلية منع اقامة الشعائر الدينية الخاصة بالبهائيين. و قد تأيد هذا بما رآه مجلس الدولة في 26 / 5 / 1958 من عدم الموافقة علي طبع اعلان دعاية لمذهب البهائية لأنه ينطوي علي تبشير غير مشروع، و دعوة سافرة للخروج علي أحكام الدين الاسلامي، و غيره من الأديان المعترف بها، و رأي منع ذلك لمخالفته للنظام العام في البلاد الاسلامية. 3- حكمت محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة في مصر في القضية رقم 195 [ صفحه 169] لسنة 4 ق بتاريخ 26 / 5 / 1952 برفض دعوي أقامها بهائي و جاء في تسبيب هذا الحكم تقريرها: أن البهائيين مرتدون عن الاسلام. 4- صدر القرار الجمهوري رقم 263 لسنة 1960 م و نص في مادته الأولي علي أنه: تحل المحافل البهائية مراكزها الموجودة في الجمهورية و يوقف نشاطها و يحظر علي الأفراد و المؤسسات و الهيئات القيام بأي نشاط مما كانت تباشره هذه المحافل و المراكز. و نص في مادته الأخيرة علي تجريم كل مخالف و عقابه بالحبس و بالغرامة. 5- و تنفيذا لهذا القرار بقانون أصدر وزير الداخلية قراره الرقيم 106 لسنة 1960 - بتاريخ 31 / 7 / 1960 بأيلولة أموال و موجودات المحافل البهائية و مراكزها الي جمعية المحافظة علي القرآن الكريم. 6- حكم بالحبس و الغرامة في القضية رقم 316 لسنة 1965 علي عناصر من أتباع البهائية لقيامهم بممارسة نشاطهم في القاهرة، كما قبض علي غيرهم في طنطا في سنة 1972 و كذلك في سوهاج. 7- قبض علي مجموعة منهم أخيرا في فبراير سنة 1985 برئاسة أحد الصحفيين، و قد اعترفوا بايمانهم برسولهم بهاءالله و كتابهم المقدس، و أن قبلتهم جبل الكرمل بحيفا في اسرائيل. و قد وجهت اليهم تهمة مناهضة المبادي‌ء الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم في البلاد و الترويج لأفكار متطرفة بقصد تحقير و ازدراء الأديان السماوية الأخري. 8- أوصي المؤتمر العالمي الرابع للسيرة و السنة النبوية بتحريم هذا المذهب و تجريم معتنقيه... و بعد.... فان فيما تقدم تعرية للبهائية و كشفا لخطوطها الفكرية الموجهة نحو العقيدة الاسلامية و جحودها بل و حربها الدائب منذ أكثر من قرن من الزمان علي الاسلام و المسلمين، و أنها تظاهر أعداء الأمة الاسلامية و تناصرهم في القضاء علي هذه الأمة و علي الاسلام. [ صفحه 170] ان البهائيين (و دعوتهم هذه التي مرت بهذه التطورات و وجهت بتلك المقاومة في البلاد التي نبتت فيها (ايران) حيث أعدم مبتدعها بوصفه مرتدا عن الاسلام، و نفي خليفته).. ما زالوا مثابرين عليها. و في مصر صدرت الفتاوي من علماء الاسلام، و الأحكام من جهات القضاء المختلفة ثم الفتاوي القانونية المتعاقبة و كل أولئك قد أثموا هذا المذهب و حكموا ببطلانه. ثم صدر القرار الجمهوري الذي حظر نشاط البهائية دون أن يجرمها بعقاب رادع، يتساوي مع خطورتها علي عقيدة الناس الاسلامية بل و علي العقائد السماوية الأخري بوجه عام - اليهودية و المسيحية. و من ثم أطلت الفتنة برأسها مرة أخري في وقت تزاحمت فيه الأفكار الموفدة الفاسدة التي ساعدت علي بروز طوائف من الجماعات كل له فكر شارد، بل و ادعي بعض الناس النبوة - و ما تزال محاكمة هذا و ذاك تسير الهويني. و ما زال المجتمع يترقب ما تسفر عنه هذه المحاكمات. - ان مصر - و فيها الأزهر - الذي انعقدت لها به راية زعامة العالم الاسلامي ينبغي أن يطارد فيها كل فكر منحرف عن الاسلام بكل الحزم حتي تظل في مكان القيادة و الريادة الاسلامية. - ان هذا المذهب البهائي و أمثاله من نوعيات الأوبئة الفكرية الفتاكة التي يجب أن تجند الدولة كل امكاناتها لمكافحته و القضاء عليه. - اذ أن عقيدة الاسلام و صيانتها لا تقل في مرتبتها عن حماية الأجساد من الأوبئة المرضية التي تسارع الدولة لعلاجها بالحزم و الحسم، بل العقيدة أولي لأن في صحتها نقاء الحياة و عبادة الله. ان الأمة اذا فقدت عقيدتها انمحت ذاتيتها و غلبها أعداؤها.. ان مصر يجب أن تذكر دائما أنها قامت بالدفاع عن الاسلام و عن أرض المسلمين منذ دخلت فيه، و أنها سبق أن استردت القدس و حررت فلسطين باسم الاسلام. و لنذكر أن مصر انما حاربت في رمضان سنة 1393 ه - أكتوبر 1973. تحت نداء [ صفحه 171] الاسلام «الله أكبر» و بهذا النداء و تحت لوائه انتصرت، و أن عليها أن تطهر أرضها من هذه الأرجاس، و أن تنفي عنها هذا الخبث ليستقيم بها الأمر و تظل باسم الاسلام، رائدة ناهضة. و الأزهر يقرر: ان الاسلام لا يقر أي ديانة أخري غير ما أمرنا القرآن باحترامه، فلا ينبغي، بل يمتنع أن تكون في مصر ديانة غير الاسلام ثم المسيحية و اليهودية لأن كل ديانة أخري غير مشروعة و مخالفة للنظام العام. و ان الأزهر ليهيب بالمسئولين في جمهورية مصر العربية أن يقفوا بحزم ضد هذه الفئة الباغية علي دين الله و علي النظام العام لهذا المجتمع، و أن ينفذوا حكم الله عليها، و يسنوا القانون الذي يستأصلها و يهيل التراب عليها، و علي أفكارها، حماية للمواطنين جميعا من التردي في هذه الأفكار المنحرفة عن صراط الله المستقيم.. ان هؤلاء الذين أجرموا في حق الاسلام و الوطن يجب أن يختفوا من الحياة لا أن يجاهروا بالخروج علي الاسلام. ان الأمر جد يدعو الي المسارعة النشطة من السلطات التشريعية و القضائية و التنفيذية لأعمال شئونها و لنذكر دائما أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ان هذه الفتنة لم تحظ بالاهتمام المناسب مع أنها جريمة الجرائم و من الكبائر فلنبادر الي الدفاع عن حقوق الله التي تنتهك و تستباح، و عن دين الله الاسلام الذي يفتن الناس عنه بباطل من القول وزورا. و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم. ألا هل بلغ الأزهر.. اللهم فاشهد.. شيخ الأزهر و رئيس مجمع البحوث الاسلامية (جاد الحق علي جاد الحق) [ صفحه 173]

عن حكم محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة في قضية رفعها بهائي

اشاره

مجلس الدولة محكمة القضاء الاداري الدائرة الرابعة المشكلة علنا تحت رئاسة حضرة صاحب العزة عبدالمجيد التهامي بك رئيس المحكمة و حضور حضرتي: صاحبي العزة علي علي منصور بك و عبدالعزيز البيلاوي بك - المستشارين و حضرة سيد خلف الله سكرتير المحكمة. «أصدرت الحكم الآتي» في القضية المقيدة بالجدول العمومي رقم 195 سنة 4 ق المقامة من مصطفي كامل عبدالله. و حضر عنه الأستاذ سعد الفيشاوي عن الأستاذ سابا حبشي المحامي. ضد: وزارة المواصلات و مصلحة السكة الحديد. و حضر عنهما الأستاذ جلال عبدالحميد المحامي بادارة قضايا الحكومة. الوقائع: أقام المدعي هذه الدعوي بصحيفة موقع عليها من سابا حبشي باشا المحامي. أودعها هي و المذكرة الشارحة و حافظة مستندات في 19 من يناير 1950. طلب فيها تعديل راتبه بجعله 100 ، 12 جنيها مصريا بدلا من 100 ، 11 جنيها اعتبارا من 20 مارس سنة 1947 و بجعله 150 ، 12 ج اعتبارا من أول يناير 1948. مع الزام [ صفحه 174] المدعي عليهما بصرف الفرق المتجمد حتي رفع الدعوي و قدره 56,483 ج و ما يستجد حتي تاريخ الحكم في الدعوي مع المصروفات و مقابل الأتعاب و حفظ الحقوق الأخري كافة. و قال بيانا لدعواه أنه بعد أن رسب في امتحان شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان عام 1937. قعدت به ظروفه عن متابعة الدراسة فالتحق بخدمة السكة الحديد سنة 1934 بوظيفة تلميذ بضائع بالمياومة ثم رقي الي مساعد مخزن. و الي تذكرجي بدل. و لما كان الانصاف عام 1944 بلغ راتبه ثمانية جنيهات. و بعد صرف علاوتين دوريتين بلغ راتبه تسعة جنيهات عدا علاوة الغلاء و قد تزوج في 20 مارس سنة 1947 و طلب الي المصلحة منحه العلاوة المستحقة بسبب الزواج - العلاوة الاجتماعية - و قدرها 1 ج شهريا. فلم تجبه الي طلبه. ثم رزق بولد في أول يناير 1948 و طالب بفرق علاوة الغلاء عن الولد اذ به تصبح علاوة الغلاء 42% من أصل الراتب شهريا بدلا من 28% فلم يجب الي طلبه أيضا فاضطر الي رفع الدعوي الحالية و قدم تأييدا لدعواه الي مصلحة السكة الحديد. و هذا العقد عبارة عن وثيقة عقد زواج صدر من المحفل الروحاني المركزي بالقطر المصري موثق بتاريخ 20 من مارس سنة 1947)الموافق يوم الاستجلال 19 من شهر العلا سنة 103 بهائية) بمدينة الاسماعيلية بحظيرة القدس حيث جري الزواج بين مصطفي كامل عبدالله البالغ من العمر 34 سنة و الأنسة بهيجة خليل عياد و البالغة من العمر 17 سنة علي صداق قدره تسعة عشر مثقالا من الذهب الأبريز. و تم العقد طبقا لأحكام الشريعة البهائية و موقع عليه من الزوج و من والده و والدته و من الزوجة و من رئيس المحفل الروحاني و سكرتيره و مختوم بخاتم المحفل. و أعلي الوثيقة عبارات مطبوعة منها (يا بهاء الأبهي) و تحتها عبارة قوله تبارك و تعالي في كتابه الأقدس (تزوجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرني بين عبادي هذا من أمري عليكم اتخذوه لأنفسكم معينا) أما شهادة ميلاد الطفل نبيل فهي عبارة عن مستخرج من وزارة الصحة العمومية يفيد الولادة في أول يناير 1948 و التطعيم ضد الجدري في 6 / 3 / 48 و قد ندب حضره صاحب العزة علي علي منصور بك المستشار لوضع التقرير و لم تكن الحكومة قد قدمت دفاعا في الموعد القانوني فكلفها حضرة المستشار المقرر ايداع مذكرة بدفاعها و مستنداتها و ملف الخدمة مع تبادل الردود. و التعقيب. و انقضي الموعد المحدد لتقديم دفاع منها فكلفها بذلك للمرة الثانية و انقضت المواعيد أيضا و لم [ صفحه 175] تقدم الحكومة شيئا فكلفها ذلك بقرار آخر للمرة الثالثة أودعت الحكومة مذكرة بدفاعها في 11 من يوليه سنة 1950 قائلة أن المدعي حين تقدم بعقد زواجه علي المذهب البهائي الفته مصلحة السكة الحديد عقدا غريبا لم يسبق له مثيل. فطلبت الافتاء في شأنه من مستشار الدولة الذي أرسل العقد بدوره الي مفتي الديار المصرية مستوضحا عن شريعة ذلك الزواج و ما يترتب عليه من آثار. فأفتي فضيلة المفتي بأنه اذا كان المدعي قد اعتنق مذهب البهائيين. بعد أن كان مسلما. أعتبر مرتدا عن الاسلام. تجري عليه أحكام المرتدين و كان زواجه بمحفل البهائيين بمن تزوج بها زواجا باطلا شرعا سواء أكان من زوجة بهائية أم غير بهائية و لا خفاء في أن عقائد البهائيين و تعاليمهم غير اسلامية يخرج بها معتنقها عن ربعة الاسلام. و قد سبق الافتاء بكفر البهائيين و معاملتهم معاملة المرتدين. و أضاف الدفاع عن الحكومة ان من عقائد البهائية الفاسدة أن محمدا صلي الله عليه و سلم ليس آخر الأنبياء و الرسل و ان الناس لم يبعثوا بصورهم الدنيوية. بل بأرواحهم أو بصورة أخري الي غير ذلك مما يتنافي مع عقائد الاسلام الأساسية و انتهي الي أن الزواج باطل لا يترتب عليه أي حق. فلا حق له اذا في المطالبة بالعلاوة الاجتماعية للزواج و لا باعانة الغلاء بسبب ولادة الطفل. لأن الباطل لا ينتج الا باطلا. و شفعت الحكومة دفاعها بحافظة مستندات بها صورة من افتاء مفتي الديار المصرية. و كذا ملف خدمة المدعي. عقب المدعي علي دفاع الحكومة بمذكرة أودعها في أول يوليو سنة 1940 قال فيها أن مقطع النزاع في معرفة حكم زواج البهائيين من الناحيتين الشرعية و الوضعية. و قدم للاجابة علي هذا السؤال بموجز عن عقائد البهائيين الأساسية و الروح التي صدر عنها مستندا الي مجموعة من كتبهم و نشراتهم قدمها بحافظة و أشار الي انتشار هذا المذهب - و سماه دينا، في أكثر من مائة قطر. و الي أن هيئة الأمم المتحدة اعترفت بالبهائيين كمنظمة عالية. غير حكومية. و الي أن البهائية بدأت في مصر منذ مائة عام. و أصبح عدد معتنقيها يزيد عن الألف أسرة. و استطرد الدفاع عن المدعي الي القول بأنه لا يتعرض لافتاء المفتي بكفر البهائيين. و لا بأن من كان مسلما و أصبح بهائيا يعتبر مرتدا. اذ أن ذلك من أخص خصائص رجال الدين. و لكنه لا يوافق علي ما رتبه الافتاء [ صفحه 176] علي ذلك من بطلان زواج البهائي ببهائية أو غير بهائية. لأنه علي فرض أن من كان مسلما و أصبح بهائيا يعتبر مرتدا. فحكم المرتد في الشريعة الاسلامية أن يقتل. و حكم المرتدة أن تحبس. أما زواج المرتد و المرتدة فلم يتعرض لبحثه فقيه من فقهاء الاسلام. و انما يمكن قياسه بزواج الذميين. و الذميين عند الحنفية هم المجوس و الكتابيين اذ المرتد لا يخرج عن أن يكون وثنيا أو كتابيا. و من المعلوم أن ركن الزواج في الاسلام الايجاب و القبول. و شرطي صحته حضور الشاهدين و أن تكون المرأة محلا للعقد. بأن تكون غير محرمة علي الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة. و انتهي المدعي الي القول بأن كل نكاح كان صحيحا عند المسلمين لاستيفائه شروط الصحة فهو صحيح عند الذميين و ارتكن في ذلك الي رأي الشيخ محمد أبوزهرة في كتاب الأحوال الشخصية قسم الزواج ص 352 و أيد رأيه بما تحدث به الفقهاء عن أحكام التوريث في مثل زواج الذميين مشيرا الي المرجع السابق ص 190 بند 148 ثم انتقل الدفاع عن المدعي الي التشريع الوضعي. فقال ان المادة 12 من الدستور تقول. حرية الاعتقاد مطلقة. و حوت حافظة المدعي الثانية - كتاب الأقدس و نشرة عن البهائية. و بيان بهائي في الالتزامات و حقوق الانسان مقدم الي لجنة حقوق الانسان بهيئة الأمم المتحدة فأحالته الي قسم حقوق الانسان دون اشارة الي اعتراف بالبهائية كما قال المدعي فيما سلف و قانون الأحوال الشخصية علي مقتضي الشريعة البهائية و دستور المحفل الروحاني المركزي بالقطر المصري و احصائية عن البهائية في العالم و كتاب موعود كل الأزمة تأليف جورج تاونزند و ترجمة بهية فرح الكردي. و ذلك بيانا للعقيدة البهائية. و طلبت الحكومة مهلة للرد علي دفاع المدعي الأخير. علي أن يكون واسعا حتي يتيسر الرجوع الي دار الافتاء الشرعي فأعطيت لها المهلة. و لما لم تقدم شيئا قرر حضرة المستشار المقرر تحديد جلسة 22 / 5 / 1951 لمناقشة الطرفين. و في جلسة المناقشة نبه الطرفين الي حكم الشريعة الاسلامية في زواج المرتد بمناسبة ما أثاره دفاع المدعي من أن فقهاء الاسلام لم يتحدثو عن زواج المرتد و أشار الي كثير من الأدلة من جميع المذاهب و أشار الي أماكن النقل في السرخسي. و البدائع للكاساني. و الرواية لبرهان الدين. و الدر المختار للحصفكي. و البحر الرائق لأبي حنيفة الثاني. و الزيلعي. و المغني لابن قدامة الحنبلي. و تعليق العلامة ابن الهمام. و صاحب الشرح الكبير. و خلاصة البحث أن أئمة الاسلام علي اجماع في [ صفحه 177] بطلان زواج المرتد. و ان اختلف بعضهم في التصرفات الأخري غير النكاح. فقال البعض القليل منهم بأنها موقوفة فان أسلم حكم بصحتها و الا فلا. و حاصل الحكم و مبناه عند أولئك الفقهاء ان من بين تصرفات المرتد ما هو باطل بالاتفاق في الحال كالنكاح فلا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة و لا مسلمة و لا كافرة أصلية لأن النكاح يعتمد الملة و لا ملة للمرتد. فانه ترك ما كان عليه أي الاسلام و لا يقره أحد علي ما انتقل اليه من الكفر. و مبني الحكم من ثلاثة أوجه أحدها أن المرتد مستحق للقتل. و انما يمهل أياما ليتأمل فيما عرض له. و قام في ذهنه من شبهة فلا يصح منه عقد النكاح لأنه لا حياة له حكما. و اشتغاله بعقد النكاح يشغله عما أمهل من أجله و هو التأمل و التدبر. و ثانيها أن النكاح مشروع لمعني البقاء «النسل» و هو لم يشرع لعينه و انما شرع لمصالحه و المرتد مستحق للقتل. فكل ما كان سببا للبقاء فهو غير مشروع في حقه. و ثالثها أن الردة لو اعترضت علي النكاح لرفعته. فاذا قارنته تمنعه من الوجوب من باب أولي «كالرضاع» لأن المنع أسهل من الرفع. فوعد محامو الطرفين ببحث هذه المسألة و قدم الدفاع عن الحكومة في جلسة المناقشة صورة افتاء أخري مؤرخة 2 من سبتمبر سنة 1949. وقت أن كان شيخ الأزهر الحالي رئيسا للجنة الفتوي (صاحب الفضيلة الشيخ عبدالمجيد سليم) جاء فيها أن البهائية فرقة ليست من فرق المسلمين. اذ أن مذهبهم يناقض أصول الدين و عقائده التي لا يكون المرء مسلما الا بالايمان بها جميعا بل هو مذهب مخالف لسائر الملل السماوية. و لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بواحد من هذه الفرقة و زواج المسلمة باطل. بل أن من اعتنق مذهبهم بعد ما كان مسلما صار مرتدا عن دين الاسلام فلا يجوز زواجه مطلقا و لو ببهائية مثله. و أثناء المناقشة طلب حضرة المستشار المقرر الي الطرفين استيفاء البحث في النقطة الآتية. و هي: أن الدستور في المادة 149 ينص علي أن الاسلام دين الدولة الرسمي. كما ينص في المادة 12 منه علي أن حرية الاعتقاد مطلقة فكيف يمكن اعمال النصين معا. و ما مجال كل منهما. و أثر ذلك في الدعوي الحالية. لم تقدم الحكومة شيئا و عقب المدعي بمذكرة أودعها في 12 من يونيه سنة 1951 قال فيها أنه ليس للحكومة أن تتمسك بتطبيق قواعد الشريعة الاسلامية علي هذا الزواج. اذ معلوم في أحكام الشريعة الاسلامية غير [ صفحه 178] مطبقة في الوقت الحاضر و الحكم الواجب التطبيق هو حكم الدستور الذي يقضي بحرية الاعتقاد و باطلاقها. علي أن الحكومة قد صرفت للمدعي علاوة غلاء المعيشة الخاصة بالابن و هو ثمرة الزواج. فكأنها تعترف بالبنوة و تنكر الزوجية ثم صمم علي طلباته في شأن تعديل مرتبه اعتبارا من مارس سنة 1947 بجعله 100 م 10 ج شهريا بدلا من 100 م 11 ج و اعتبارا من أول يناير سنة 1948 بجعله 150 م 12 ج ثم عدل طلباته في شأن المتجمد فقصره علي فرق العلاوة الاجتماعية عن الزواج لغاية تاريخ رفع الدعوي و قدره 666 م 32 ج مع ما يتجمد حتي الحكم في الدعوي مع المصروفات و مقابل الأتعاب و لم يعقب الدفاع عن الحكومة علي مذكرة المدعي الأخيرة. و بعد وضع التقرير في الدعوي عين لنظرها جلسة 26 من نوفمبر سنة 1951. و فيها تلي حضرة المستشار المقرر التقرير و سمعت ملاحظات محامي الطرفين. فقال الحاضر عن المدعي أن البهائية دين يعتقد في وحدانية الله. شأنه في ذلك شأن جميع الأديان السماوية و يعتقد برسالة الرسل أجمعين. موسي و عيسي و محمد. و يعتقد أن بهاءالله. الذي نادي بهذا الدين من المرسلين. هذان هما الركنان الأساسيان للعقيدة: الوحدانية و الرسل و منهم بهاءالله. و أضاف محامي الحكومة أن البهائيين كانوا علي دين الاسلام و تطورت أفكارهم فقالوا ان القرآن ليس آخر الكتب السماوية و محمد صلي الله عليه و سلم. ليس آخر الأنبياء والرسل بل يجب لكل عصر أن يأتي نبي جديد بتعاليم جديدة تتفق مع روح العصر و تعاليم كتاب البهائيين يخالف ما جاء به الدين المعمول به في الدولة (الاسلام) فهم مرتدون و مخالفون للقواعد الأساسية للاسلام. و عقب محامي المدعي علي ذلك أن المدعي بهائي أبا و أما و كذلك الزوجة فناقشته المحكمة مستوضحة عن حكم الشريعة الاسلامية في ابن المرتد اذا كان أبوه مرتدا فطلب تأجيل نظر الدعوي ليبحث هذه النقطة و غيرها مما أثير في الجلسة. فتقرر تأجيل الدعوي لجلسة 21 من يناير 1952 مع الترخيص للطرفين في تبادل المذكرات المكملة - و فيها طلب الحاضر عن المدعي أجلا آخر لاستكمال البحث و قدم حافظة مستندات بها شهادة مؤرخة 4 يناير سنة 1952 من سكرتير المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بمصر و السودان ورد بها: «نقرر أنه بالاطلاع علي سجلات المحفل تبين أن علي أفندي عبدالله (والد المدعي) مقيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام 1929 كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر». [ صفحه 179] و شهادة أخري بنفس النص عن خليل أفندي عياد والد زوجة المدعي السيدة بهيجة. ثم قررت المحكمة تأجيل نظر الدعوي لجلسة 10 من مارس سنة 1952 كطلب الحاضر عن المدعي. و فيها قدم الحاضر عن المدعي مذكرة و طلب التأجيل مرة أخري للاستعداد. و لم يمانع ممثل الحكومة فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 14 من ابريل 1952 ليستعد محامي المدعي و لترد الحكومة علي مذكرته الأخيرة. و فيها سمعت ملاحظات الطرفين من جديد. فقال محامي المدعي أن دفاعه يقوم علي أسس ثلاثة كما هو واضح من مذكرته الأخيرة. أولها. ان حكم الشريعة الاسلامية بقتل المرتد و حبس المرتدة غير مطبق. و القول ببطلان زواج المرتد فرع عن الحكم الأصلي و الفرع يتبع الأصل فلا محل لتطبيق حكم زواج المرتد علي المدعي. هذا اذا كان وصف الردة ينطبق علي المدعي - و ثانيها - أن الواقع غير ذلك اذ أنه لم يكن مسلما و ارتد عن الاسلام الي البهائية بل أنه بهائي أصلا ولد لأب بهائي و كذلك زوجته ولدت لأب بهائي و دلل علي ذلك بالشهادتين الصادرتين من محفل البهائيين و المقدمتين بالجلسة السابقة - و ثالثها - ان أحكام القانون الوضعي الحالي (الدستور) و ارتباطات مصر الدولية تمنع من تطبيق أحكام الردة كليا و جزئيا. فقد نصت المادة 18 من حقوق الانسان التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة و مصر عضو فيها علي أن لكل انسان الحق في حرية الضمير و التعبير و الدين و مادامت مصر قد انضمت الي هيئة الأمم المتحدة فهي مرتبطة بنظمها. و ملتزمة بها كما أشار الي أن الحكومة قد سلمت بحقه في فرق اعانة الغلاء عن الولد الذي ولد له و صرفت متجمدها. فرد الحاضر عنها انه صح ذلك فاعانة الولد غير اعانة الزوجة. اذ يكفي شرعا لصحة نسب الولد اقرار الوالد بنسبة دون بحث في شرعية الزواج ذاته و أضاف أن البهائيين مرتدون عن الاسلام كفرقة حتي لو ولد المدعي لأب بهائي فهو مرتد. ثم قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة 26 من مايو 1952 مع الترخيص للطرفين بتبادل مذكرات مكملة في مدي شهر يبدأها المدعي. فلم يقدم أحد منهما شيئا. [ صفحه 180]

المحكمة

بعد تلاوة التقرير و سماع ملاحظات محامي الطرفين. و بعد الاطلاع علي ملف الدعوي و أوراقها و بعد المداولة. من حيث أنه يبين من مساق الواقعات علي نحو ما سلف. أنه لا خلاف بين الطرفين في أن المدعي بهائي النحلة و أنه تزوج لأحكام البهائية في 20 من مارس سنة 1947. و انه كان من ثمرة هذه الزيجة ولده نبيل حيث ولده في أول يناير 1948 و انه موظف بمصلحة السكة الحديد بوظيفة تذكرجي براتب شهري قدره تسعة جنيهات و أنه من بين قرارات مجلس الوزراء في عام 1944 منح علاوة اجتماعية قدرها جنيه مصري واحد شهريا لكل موظف متزوج و علاوة لغلاء المعيشة تزداد كلما زادت أعباء الموظف العائلية. فهي لمثل حالة المدعي قبل الذرية 28% من الراتب و تصبح بعد الولد الأول 42% - لا خلاف علي ذلك كله - و انما الخلاف منحصر بين طرفي النزاع في معرفة قيمة هذا الزواج البهائي من الناحية القانونية و الشرعية. اذ في ذلك القول الفصل فيما اذا كان المدعي مستحق لهذه العلاوة أم لا. و من حيث أن الحكومة تذهب الي أن هذا الزواج باطل لا ينتج الا باطلا مستندة الي ما أفتي به مفتي الديار المصرية في 13 / 4 / 1950 في شأنه حيث قال: «اذا كان المدعي قد اعتنق مذهب البهائيين بعد أن كان مسلما أعتبر مرتدا عن الاسلام تجري عليه أحكام المرتدين و كان زواجه بمحفل البهائيين بمن تزوج بها زواجا باطلا شرعا سواءا كان من زوجة بهائية أم غير بهائية - و لا خفاء في أن عقائد البهائيين و تعاليمهم غير اسلامية يخرج بها معتنقها عن ربعة الاسلام و قد سبق الافتاء بكفر البهائيين و معاملتهم معاملة المرتدين». كما استندت أيضا الي فتيا أخري صادرة في 3 من سبتمبر سنة 1949 وقت أن كان شيخ الأزهر الحالي (فضيلة الشيخ عبدالمجيد سليم) رئيسا للجنة الفتوي جاء بها «أن البهائية فرقة ليست من فرق المسلمين اذ أن مذهبهم يناقض أصول الدين و عقائده التي لا يكون المرء مسلما الا بالايمان بها جميعا. بل هو مذهب مخالف لسائر الملل السماوية. و لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بواحد من هذه الفرقة و زواج المسلمة باطل. بل أن من اعتنق مذهبهم من بعد ما كان مسلما صار مرتدا عن دين الاسلام و لا يجوز زواجه مطلقا و لو ببهائية مثله». [ صفحه 181] و من حيث أن هذا الذي ورد في الفتيا من أن تعاليم البهائية تناقض أصول الدين الاسلامي و عقائده و تخرج معتنقها عن حظيرة الاسلام و من أن البهائية مذهب مخالف لسائر الملل السماوية أمر قد استظهرته المحكمة من أقوال الدفاع عن المدعي و من المستندات التي قدمها هو بنفسه و آية ذلك. أولا: ما ثبت علي لسان محامي المدعي في محضر جلسة 26 من نوفمبر 1951 حيث قال: «أن البهائية دين يعتقد في وحدانية الله و يعتقد أن بهاءالله الذي نادي بهذا الدين من المرسلين. هذان هما الركنان الأساسيان للعقيدة البهائية الوحدانية و الرسل و منهم بهاءالله». ثانيا: قول البهائيين أن رسولين معينين بلغا هذا الدين الي أهل الأرض بعد أن فسد الدين الاسلامي و أصبح غير صالح لمسايرة التطور الذي وصلته البشرية في العصور الحديثة و هما (ميرزا علي محمد) الذي أعلن دعوته عام 1844 بايران و من هذه السنة يبدأ البهائيون تاريخهم و كان لقبه المقدس (الباب) و كانت غايته اعداد الناس لقدوم (بهاءالله) أي التبشير لقدومه و يقولون أنه رسول و أن رسالته كانت تحضيرية (هذا واضح في ص 911 من كتاب موعود كل الأزمة تأليف جورج تاونزند و هو من رجال الكنيسة بايرلاندا و النسخة المقدمة نقلتها الي العربية بهية فرح الله و مطبوعة سنة 1946 و المقدمة من المدعي بحافظة مستنداته و قد طبع هذا الكتاب باجازة المحفل الروحاني البهائي بمصر والسودان و احتفظ بحقوق الطبع لهذا المحفل). و قد جاء في الصحيفة 119 من الكتاب نفسه «و كان المؤثر في ايمان البابين الأول بالباب هو الاخلاص لشخصه و الايمان الراسخ بنبوته» و جاء في الصحيفة نفسها: «و لقد أثبت أولئك الذين تزعموا الاسلام أنهم عاجزون عجزا مخزيا عن ادراك عظمته و الاعتراف بصحة رسالته.. و عمل علماء الاسلام علي تفسير تعاليم رسولهم محورين اياها حتي تلائم أغراضهم. و تمكن علماء الدين الاسلامي من أن يزاولو باسم نبيهم أهواءهم الدنسة.. و قد تحدث اصلاحات الباب زيغ العصر و نفاقه» و في الصحيفة 139 ورد «فقد كان للباب منزلة مستقلة كرسول عظيم قائم بذاته يوحي اليه من العلي القدير» و جاء بها أيضا: «أنه جاء لاعلان دورة دينية جديدة من شأنها أن تختم الدورة السابقة و أن تعطل شعائرها و عاداتها و كتبها و نظمها» أما ثاني رسل البهائية فهو ميرزا [ صفحه 182] حسين علي الابن الأكبر للوزير ميرزا يزرك. اذ بعد قتل الباب بثلاثة أعوام ناجي نفسه بأنه المركز الذي دارت حوله الحركة التي قام بها الباب ص 128 و قد أعلن دعوته بحديقة بغداد. حيث كان في طريقه الي المنفي بين 21 من ابريل و الثاني من مايو سنة 1862 و كان في اعلان دعوته تحقق البشري التي بشر بها الباب و ظهر موعود كل الأزمنة «و أن العهد القديم قد تحقق، و أن ذلك الذي جاء المبشرون يبشرون بمقدمة باعتباره الأب الأبدي يوشك أن يحقق لأبنائه الأخاء و أن يحيا علي الأرض بينهم» ص 141 من الكتاب نفسه و لما أن صدر الأمر بوضعه في سحن عكا آثر العزلة و انكب علي الاملاء و التحرير. و جاء في هذا المؤلف في ص 151 «أن البهائية دين كتابي قبل كل شي‌ء و كتبه المقدسة هي أصل الاعتقاد دون الأحاديث الشفوية و هي كتب الباب و كتب بهاءالله و منها الكلمات المكنونة و كتاب الايقان و الألواح التي أرسلها بهاءالله الي الملوك و الأمراء و القياصرة و أهم هذه الكتب (الكتاب المقدس) و قدم المدعي بحافظة مستنداته نسخة منه و وصفه جورج تاونزند في كتابه ص 157 بأنه يشمل الأحكام و الشرائع في ملكوت الله طول العصر الجديد.. و يبدو من الاطلاع عليه أنه يجري علي نسق الآيات القرآنية في مقطوعات علي نسق السور القرآنية منها الكبار و منها الصغار. ثم جاء في كتاب جورج تاونزند بالصحيفة 50 و البهائية لا تنتمي الي ديانه بالذات و لا هي فرقة أو مذهب و انما هي دعوة آلهية جديدة) ثم في الصحيفة 162)صعد بهاءالله الي الرفيق الأعلي في سنة 1892.. و قد عين في وصية مكتوبة ابنه الأكبر عبدالبهاء مبينا لكلماته و مركزا لميثاقه و خليفة له بحيث من توجه اليه توجه الي مظهر أمر الله نفسه) و جاء في ص 208 أن (عبدالبهاء صعد الي الرفيق الأعلي في نوفمبر 1921). ثالثا: جميع النشرات التي تصدر عن المحفل الروحاني للبهائيين كقانون الأحوال الشخصية و دستور المحفل و نماذج وثائق الزواج نفسها موسومة في أعلاها بميسم (أكلشيه) به عبارة منقوشة بالخط الفارسي كالخاتم تقريبا (بهاء يا آلهي) فاذا اقترن ذلك ببعض العبارات التي وردت في كتب البهائية و التي ترتفع ببهاء الله الي مرتبة التقديس الآلهي و منها قولهم في كتاب جورج تاونزند عن البهاء أن الأب الأبدي يوشك أن يحقق [ صفحه 183] لأبنائه الأخاء و أن يحيا علي الأرض بينهم دل ذلك كله علي ما ذهب اليه بعض البهائيين عن أن الآله قد حل في البهاء. رابعا: من بين ما قدمه المدعي في الدعوي كتيب عنوانه قانون الأحوال الشخصية علي مقتضي الشريعة البهائية. و هو مستخرج من كتاب الأقدس و مطبوع سنة 88 بهائية و 1350 ه و 1932 م. و كل باب من أبوابه مصدر بآية من آيات كتاب الأقدس و الكثرة الغالبة من أحكامه تناقض أحكام الاسلام و تخالف تعاليم المسيحية و اليهودية. فمنها عدم زواج أكثر من اثنتين و منها أن اختلاف الدين ليس بمانع من الزواج (مادة 9) و معني ذلك أنه يجوز للمسلمة أن تتزوج بمسيحي أو يهودي أو ببهائي أو بشخص من أية ملة و كذا المسيحية و منها تحديد المهر بقدر معين من الذهب الأبريز بحيث لا يقل عن تسعة عشر مثقالا و لا يزيد عن خمسة و تسعين مثقالا و منها تقسيمة الميراث علي 2520 جزء للذرية منها 1080 و للأزواج 390 و للآباء 330 و للأمهات 270 و للأخوان 210 و للأخوات 150 و للمعلمين 90 فان لم يترك المتوفي أحدا من هؤلاء رجع ثلث التركة الي المحفل البهائي ان كان له ذوي قربي و الا رجعت التركة كلها للمحفل (المواد من 31 الي 34) و منها أن غير البهائي لا يرث البهائي و أن الدار المسكونة و ملابس المتوفي يختص بها أكبر الأبناء الذكور (م 44) و منها أن يدفن الميت في البلور أو الحجر أو الخشب. و توضع في أصابعه الخواتيم المنقوشة عليها عبارات معينة (م 50) و منها أن السنة البهائية تنقسم الي تسعة عشر شهرا و يبدأ التقويم البهائي من سنة 1844 ميلادية وقت اعلان الباب لدعوته - هذا عدا ما عرف عنهم و لم ينكروه في ردهم علي جبهة العلماء من أن الصوم عندهم تسعة عشر يوما و جعلوه يبتدي‌ء من شروق الشمس لا من طلوع الفجر و جعلوه دائما في وقت الاعتدال الربيعي حيث يكون عيد الفطر عندهم يوم النيروز باستمرار بدلا من شهر رمضان أيا كان موقعه من فصول العام كما جعلوا الصلاة تسع ركعات في اليوم و الليلة. و حولوا قبلة الصلاة من مكة الي عكا حيث قضي البهاء مدة سجنة و توفي هناك. خامسا: قدم المدعي أيضا نسخة من دستور المحفل الروحاني البهائي بالقطر المصري و واضح في صدره ان واضعي هذا الدستور تسعة أشخاص من القاهرة و الاسكندرية [ صفحه 184] و بورسعيد و السويس و الاسماعيلية ذكروا بأسمائهم كوكلاء للبهائيين. و أعلنوا الدستور في أول مايو سنة 1928 و جاء فيه «و منذ ذلك التاريخ تكون جميع الواجبات و الحقوق و الامتيازات و المسئوليات التي أو كلها حضرة بهاءالله مؤسس الدين البهائي و التي بينها و مثلها حضرة عبدالبهاء و التي يقوم حضره شوقي أفندي رباني علي حفظها و صيانتها راجعة الي المحفل الروحاني البهائي و الي المحافل التي تخلفه في ظل هذا الدستور» و هذا الدستور مكون من ثماني مواد و ملحق به لائحة داخلية و يشير الي وجوب تأسيس بيت العدل العام المنصوص عنه في الآثار المقدسة للأمر البهائي و وجوب الاعتراف التام و الطاعة و الخضوع لكل ما جاءوا به و الولاء والخضوع لكل عبارة من العبارات الواردة في وصية عبدالبهاء المقدسة كما أوجبت أن تكون جميع قرارات و أعمال المحفل البهائي المركزي حائزة لرضاء و اعتماد ولي أمر الله شوقي أفندي رباني أو بيت العدل العام. سادسا: من بين مستندات المدعي نشرة عن البهائية و هي عبارة عن رد علي تحذير مذاع من جبهة العلماء مطبوع سنة 1947 و فيها لا ينكر رد البهائيين علي جبهة العلماء ما قالته من أن البهائيين يعتبرون (الباب) و (بهاءالله) رسولين من عند الله و بذلك يجحدون أهم مبادي‌ء العقيدة الاسلامية من أن محمدا عليه الصلاة و السلام خاتم النبيين و الرسل و أن رسالته باقية صالحة لكل زمان و مكان فقد جاء في هذا الرد نفسه بالصحيفة 50 -.. «و البهائية دعوة آلهية عامة تدعو الجميع الي الله».. و بالصحيفة 52.. «و البهائية لا تنتمي الي ديانة بالذات و لا هي فرقة أو مذهب و انما هي دعوة آلهية جديدة غايتها تحقيق الاتحاد و التفاهم بين أهل الأديان» - هذا فضلا عما سلف ذكره نقلا من مستنداتهم المقدمة في الدعوي من أن الباب كان نبيا و انه رسول قائم بذاته يوحي اليه من العلي القدير و ان البهائية دين كتاب و أن المعتمد من كتبها المقدسة كتب الباب و منها كتاب (البيان) و كتب بهاءالله و منها الكلمات المكنونة و كتاب الأقدس هذا و قد بان أيضا من الاطلاع علي رد البهائيين علي تحذير جبهة العلماء المقدم في الدعوي أنهم يجحدون أهم مبادي‌ء العقيدة الاسلامية من أن محمدا عليه الصلاة و السلام خاتم النبيين و الرسل و أن رسالته باقية الي يوم الدين صالحة لكل زمان و مكان و ذلك بأنهم يذهبون في تفسير الآية القرآنية الكريمة «ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين». الي أن الختم واقع علي مقام النبوة و ليس بواقع علي مقام الرسالة و لا عبرة في رأيهم بما قال به مفسرو هذه الآية من علماء [ صفحه 185] الاسلام من أن مقام الرسالة خاص و مقام النبوة عام و ختم الأعم معناه ختم الأخص. اذ لا حجة في ذلك لدي البهائيين لتناقضه مع المنطق لأن القول بانقطاع الوحي الآلهي و غلق باب الرحمة الآلهية هو من الأقوال التي لا يجد لها البهائيون سندا في منطق الواقع. ثم قالوا في ردهم «فقد أجمع مفكروا أهل الملل و العقائد علي أن الانسانية في تطورها الحالي. في أشد الحاجة الي الفيض الآلهي». ص 22. ثم قالوا: «و لا يستطيع العقل المنير أن يقول بأن أية شريعة أو قانون يصلح لكل زمان و مكان فضلا عن أن منزل الشرائع و مصدر الهدي و النور. لم يقل بذلك» ص 27. ثم قالوا: «فالبهائية كالاسلام. و المسيحية و اليهودية و غيرها من الأديان حلقة من حلقات التاريخ الروحي.. الذي كان سنة الله في كل عصر من عصور رسالته» ص 51. و من حيث أن الدفاع عن المدعي عقب علي فتيا مفتي الديار قائلا. بأنه لا يتعرض لما تضمنته من كفر البهائيين فقد ردوا علي ذلك في ردهم علي تحذير جبهة العلماء و أنه لا يتعرض أيضا للقول بأن من كان مسلما و أصبح بهائيا يعتبر مرتدا. و انما يعترض علي ما قررته الفتيا من بطلان زواج البهائي بمن تزوج بها. سواء أكانت بهائية أم غير بهائية بحجة أن فقهاء الشريعة الاسلامية. لم يتحدثوا عن زواج المرتد و لم يتعرض له واحد منهم بالبحث. بل ذهب الي أنهم لم يكونوا في حاجة الي هذا البحث لسبب واضح بسيط هو أنهم يرون أن المرتد.. مستحق للقتل و المرتدة. مستحقة للحبس فلا يتصور قيام مثل هذا الزواج. مع وجوب قتل المرتد. و حبس المرتدة. و استطرد الدفاع عن المدعي.الي أنه مادام حكم الشريعة الاسلامية. بقتل الرجل و حبس المرأة. غير مطبق الآن. و بذا أصبح من المتصور قيام زواج مرتد. و يتعين اذا استنباط حكم له. فلا مناص من قياسه علي حكم زواج الذمي في الشريعة الاسلامية. و الذمي عند فقهائها هو الوثني و الكتابي. و زواجه عندهم صحيح متي استوفي الشروط التي يشترطها الاسلام و هي الايجاب. و القبول و حضور الشاهدين. و أن تكون المرأة محلا للعقد. بأن تكون غير محرمة علي الرجل حرمة مؤقتة. أو مؤبدة. [ صفحه 186] و انتهي الي اقتباس قول للأستاذ الشيخ أبوزهرة بأن كل: «نكاح كان عند المسلمين صحيحا لاستيفائه شروط الصحة جميعا فهو صحيح عند الذميين.» ثم أشار الي رد الحسن البصري علي عمر بن عبدالعزيز حين سأله قائلا: ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة و ما هم عليه من نكاح المحارم و اقتناء الخنازير و الخمور فرد عليه بقوله: «انما بذلوا الجزية ليتركوا و ما يعتقدن و انما أنت متبع و لست بمبتدع و السلام». ثم انتهي المدعي من ذلك الي أن زواجه رغم أنه بهائي زواج صحيح في نظر الاسلام و غير صحيح ما يقول به المفتي. و من حيث أن حجة المدعي في هذا الصدد داحضة تسقط بسقوط الأساس التي قامت عليه و تنهار بانهياره و ذلك أن هذا الذي يتصوره المدعي و لم يدر له بخلد من أن يبحث علماء الاسلام زواج المرتد لأنه مستحق للقتل تصوره علماء الاسلام و قتلوه بحثا و تمحيصا بل أنهم افترضوا المستحيلات و أعدوا لها البحوث و رتبوا لها الأحكام ليقينهم بأن شريعتهم باقية علي الزمن و ما قد يبدوا مستحيلا في زمانهم قد يصبح في زمان آخر مقبل حقيقة واقعة و أقرب الأمثال لذلك أن محمد بن الحسين كتب في سبعة و عشرين ألفا من الأقضية و أفتي في المستحيلات و انها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور (!!!!!). هذا و قد أفاض فقهاء الاسلام في كل عصر في الكلام عن زواج المرتد و جماع رأيهم رغم اختلاف مذاهبهم أنه باطل بطلانا أصليا. و فيما يلي قليل من كثير بغية التمثيل لا الحصر و الاحاطة. 1- عقد العلامة السيد شمس‌الدين السرخسي في كتابه المبسوط. الطبعة الأولي بمطبعة السعادة سنة 324 ه بابا لنكاح المرتد جاء في أول جزء ص 48 «و لا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة أو مسلمة و لا كافرة أصلية لأن النكاح يعتمد الملة. أي يعتمد علي الاعتقاد بملة صحيحة. و لا ملة للمرتد فانه ترك ما كان عليه أي الاسلام و هو غير مقر علي ما اعتقده». و قد علل هذا الحكم بأسباب منها أن النكاح مشروع لبقاء النسل و القيام بمصالح المعيشة و المرتد مستحق للقتل و انما يمهل أياما ليتأمل فيما عرض له و جد [ صفحه 187] في ذهنه من شبهة و زيغ و اشتغاله بأمر النكاح يشغله عما أمهل من أجله و هو التأمل. و كذلك الحال في شأن المرتدة للأسباب نفسها و يزيد عليها أنها بالردة صارت محرمة و ينبغي في النكاح أن يختص بمحل الحل. و قد جاء في نفس المرجع ص 104 جزء 10 ضمن الكلام عن تصرفات المرتد «و منها ما هو باطل بالاتفاق في الحال كالنكاح و الزيجة لأن الحل بهما يعتمد الملة و لا ملة للمرتد فقد ترك ما كان عليه الاسلام و هو غير مقر علي ما اعتمده أي انتقل اليه». 2- و قد جاء في كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2) ص 270 للامام علاءالدين أبوبكر بن مسعود الكاساني الحنفي المذهب طبع بمطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 ه و هو بصدد الكلام عن شرائط جواز النكاح و نفاذه «فصل و منها أن يكون للزوجين ملة يقران عليها فان لم يكن بأن كان أحدهما مرتدا لا يجوز نكاحه أصلا بمسلم و لا بكافر غير مرتد و لا بمرتد مثله لأنه ترك ملة الاسلام و لا يقر علي الردة و يجبر علي الاسلام بالقتل فكانت الردة في معني الموت والميت لا يكون محلا للنكاح و لأن ملك النكاح ملك معصوم و لا عصمة مع الردة.... و الدليل عليه أن الردة لو اعترضت علي النكاح رفعته.. فاذا قارنته تمنعه من الوجود من طريق الأولي كالرضاع لأن المنع أسهل من الرفع». 3- كما ورد في كتاب الهداية شرح بداية المبتدي‌ء لشيخ الاسلام برهان الدين أبي‌بكر المرغنياني طبع بالمطبعة الأميرية سنة 1315 ه جزء 2 ص 505 في باب نكاح أهل الشرك ما نصه «و لا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة و لا كافرة و لا مرتدة لأنه مستحق للقتل و الأمهال ضرورة التأمل و النكاح يشغله عنه» و علق الكمال بن الهمام علي ذلك بقوله «أما المسلمة فظاهر لأنها لا تكون تحت كافر و أما الكافرة فلأنه مقتول معني. و كذا المرتدة لا تتزوج أصلا لأنها محبوسة للتأمل و مناط المنع مطلقا عدم انتظام مقاصد النكاح و هو لم يشرع الا لها» و قد جاء في المرجع الأصلي للمرغنياتي في باب أحكام المرتدين جزء 4 ص 296 حيث قسم تصرفات المرتد الي أقسام و جعل القسم الثاني منها باطلا بالاتفاق و مثل له بالذبيحة و النكاح. 4- و في كتاب الدر المختار شرح تنوير الأبصار للعلامة محمد علاءالدين [ صفحه 188] الحصكفي طبع المطبعة الأميرية جزء 1 ص 407 في باب نكاح الكافر «و لا يصلح أن ينكح مرتد أو مرتدة أحدا من الناس مطلقا» و في باب المرتد جزء 2 ص 210 «و يبطل منه اتفاقا ما يعتمد الملة و هو خمس النكاح و الذبيحة و الصيد و الشهادة و الارث» و علق الشيخ بن عابدين في حاشيته علي قول الحصكفي ما يعتمد الملة نقلا عن الطحاوي «ان ما يكون الاعتماد في صحته علي كون فاعله معتمدا ملة من الملل و المرتد لا ملة له أصلا لأنه لا يقر علي ما انتقل اليه». 5- و ورد في كتاب البحر الرائق في شرح كنز الدقائق للعلامة زين‌العابدين بن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني جزء 5 ص 144 - الطبعة الأولي بالمطبعة العلمية بعد أن تكلم علي تصرفات المرتد حال الردة «و الحاصل ان ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقا و هي خمسة النكاح و الذبيحة و الصيد و الارث والشهادة». 6- و ذكر الزيلعي في شرحه للكنز جزء 2 ص 288 طبع بالمطبعة الأميرية سنة 1312 ه نحو ذلك و مثل للباطن من تصرفات المرتد بالنكاح و ذكر المؤلف نفسه في باب النكاح الكافر جزء 2 ص 173 شرحا لقول المتن «و لا ينكح مرتد و لا مرتدة أحدا لأن النكاح يعتمد الملة و لا ملة للمرتد». 7- كما ورد في كتاب المغني لابن قدامه الحنبلي ص 83 جزء 10 المطبعة الأولي بمطبعة المنار سنة 1248 ه تحت عنوان بطلان تزوج المرتد و بطلان ملكه «و ان تزوج لم يصح تزوجه لأنه لا يقر علي النكاح و ما منع الاقرار علي النكاح منع انعقاده كنكاح الكافر المسلمة و ان زوج لم يصح تزوجه لأن ولايته علي موليته قد زالت بردته». 8- و قال مثل ذلك صاحب الشرح الكبير المطبوع مع المغني ص 98 من الجزء نفسه. 9- و قال مثله الهيثمي بن حجر في شرحه المسمي تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج 9 ص 100. و من حيث أن المدعي بعد أن استبان في جلسة المناقشة فساد ما يؤسس عليه دعواه من أن فقهاء الشريعة الاسلامية لم يضعوا الزواج المرتد حكما عمد الي اقامة الدعوي علي [ صفحه 189] أساس آخر ذلك أن وصف الردة علي ما ينطبق عليه لا يلحقه فلا محل لتطبيق أحكام زواج المرتد علي زواجه و استشهد في تعريف الردة قولا لابن عابدين في حاشيته رد المحتار علي الدر المختار جاء فيه أن المرتد لغة هو الراجع مطلقا و المرتد شرعا هو الراجع عن دين الاسلام و ركنها اجراء كلمة الكفر علي اللسان بعد الايمان و هو تصديق محمد صلي الله عليه و سلم في جميع ما جاء به عن الله تعالي مما علم مجيئه بالضرورة و يستطرد المدعي الي أنه لم يكن مسلما في أي وقت من الأوقات بل أنه ولد بهائيا عن أبيه و تبعا له و استدل علي بهائية أبيه بالشهادة التي قدمها من المحفل المركزي للبهائيين بمصر والسودان ثم رتب علي ذلك كله أنه يعتبر ذميا لا مرتدا و لا تنطبق فتيا المفتي علي حالة حيث ورد فيها أن من اعتنق مذهب البهائية بعدما كان مسلما صار مرتدا عن دين الاسلام و لا يجوز زواجه مطلقا و لو ببهائية مثله - ثم أشار الي أن زوجته مولودة لأبوين بهائيين و أنه لم يكن مسلما لا هو و لا زوجته في أي وقت حتي يقال انه ارتد. و من حيث انه و ان كانت الردة معني شرعيا للتكذيب بعد سابقة التصديق الا أن مقطع النزاع في الأساس الجديد الذي يحاول المدعي أن يقيم عليه دعواه هو معرفة حكم ابن المرتد في الشريعة الاسلامية متي كان أبوه أو أمه أو أحد أجداده مسلما الأمر الذي كلفت المحكمة الطرفين بحثه فتقاعسا عنه (و بحث ابن‌عابدين الذي أتينا به في مذكرتنا؟) و هو ما نؤخر التصدي له الي ما بعد مناقشة الأوراق المقدمة من المدعي عن المحفل البهائي اذ هي دليل الواقعة التي يقيم المدعي نظريته الجديدة عليها. و من حيث أنه قد بان للمحكمة من الرجوع الي شهادة المحفل البهائي المقدمة من المدعي أخيرا أن عباراتها جرت علي النحو الآتي: «بناء علي الطلب المقدم من حضرة مصطفي كامل عبدالله أفندي المدعي باعطائه شهادة من واقع سجلات المحفل الروحاني المركزي للبهائيين بمصر و السودان عن قيد والده حضرة علي أفندي عبدالله بها تقرر أنه بالاطلاع علي سجلات المحفل تبين أن حضرة علي أفندي عبدالله مقيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام 1929 كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر» - و أول ما يلحظ في شأن هذه الشهادة أنها جهلت تاريخ تمذهب والد المدعي بالبهائية كما أنها لم تعين بالضبط الوقت الذي مسكت فيه سجلات المحفل و اكتفت بالقول أنها ممسوكة منذ عام 1929 و يأخذ الأمر علي ظاهر مافيه و بافتراض أن والد المدعي كان من أوائل من اعتنقوا البهائية في [ صفحه 190] سنة 1929 - فان ما جاء بوثيقة زواج المدعي المؤرخة 20 من مارس سنة 1947 و التي ذكر بها أن عمره أربعة و ثلاثين سنة أي أنه مولود عام 1912 اذا ماقورن هذا الأمر بذلك أمكن استخلاص أن سن المدعي وقت أن اعتنق والده البهائية كان 16 سنة و مقتضي ذلك و لازمه أن وقت أن حملت أم المدعي به كان أبوه مسلما و وقت أن ولد المدعي كان الأب مسلما أيضا و وقت أن بلغ المدعي سن التكليف كان الأب لا يزال علي اسلامه و لا خلاف في أن سن التكليف و هو سن المحاسبة علي ترك فرائض الاسلام هو من سن الخامسة عشر بل البهائية نفسها تتخذ هذا السن سنا للبلوغ كما ورد في قانون أحوالها الشخصية علي نحو ما سلف ذكره. و من ثم يكون المدعي قد علق في بطن أمه باب مسلم و ولد لأب مسلم فهو مسلم تبعا لأبيه و هو الابن قد بلغ مسلما قبل أن يرتد أبوه عن الاسلام و هو (المدعي) اذ يقول اليوم أنه بهائي يكون قد ارتد عن الاسلام بكل معاني الكلمة لغة و شرعا بحكم فتيا المفتي من أن من كان مسلما و اعتنق البهائية فهو مرتد و زواجه باطل سواء أكان من مسلمة أو بهائية و من ثم فلا حاجة في هذا المقام الي بحث ما اذا كان زوجته مولودة لوالدين بهائيين كما يقول المدعي أم لا و يكفي الاشارة الي أن الشهادة المقدمة لم تشر الي والدة الزوجة و انما أشارت الي أن أباها خليل عياد أفندي من الطائفة بحسب السجلات الممسوكة بالمحفل منذ سنة 1929 - و هذا و لا يفوت المحكمة أن تشير الي أن الورقة 111 من ملف خدمة المدعي المقدم من الحكومة تدل علي أن المدعي ولد علي التحقيق في 28 مايو 1912 مما يقطع بأنه كان يقارب السابعة عشر حينما ارتد أبوه علي فرض أن تلك الردة كانت في أوائل سنة 1929 عقب اصدار الدستور البهائي و انشاء المحفل الروحاني. و من حيث أن حكم الشريعة الاسلامية في شأن ابن المرتد قاطع لكل شبهة دافع للأساس الجديد الذي يحاول المدعي اقامة الدعوي عليه و ذلك أن ابن المرتد مسلم في نظر الاسلام سواء أعلق في بطن أمه قبل الردة أم بعدها و من باب أولي مااذا كان قد ولد قبل ردة أبيه بل يكفي لاعتبار ابن المرتد مسلما أن يكون لأحد أبويه أب مسلم مهما علا و بعد سواء أمات هذا الجد البعيد علي الاسلام أو ارتد عنه حال حياته و يري البعض أن ابن المرتد مرتد و لكن لا يقتل الا بعد البلوغ و حاصل ذلك أن ابن المرتد يعلق و يولد و يبلغ مسلما فان ظهر منه الكفر بترك الاسلام فهو مرتد أصيل يستتاب و يمهل [ صفحه 191] فان لم يتب يعامل معاملة المرتد من وجوب القتل ان كان ذكرا و الحبس و الضرب حتي الموت ان كان أنثي و ذلك من عدة أوجه أساسية منها أن الاسلام دين الفطرة فهو دين من لا دين له. و منها أن الاسلام يعلو و لا يعلي عليه و منها أن من ولد في دار الاسلام و لم يعرف والده فهو مسلم فحكم الاسلام يثبت ابتداء بطريق تبعة الدار عند الولادة و من باب أولي من بقي بدار الاسلام حتي بلغ أشده و هذا أمر مسلم متفق عليه في المذاهب الأربعة و أما أدلة ذلك. فأولا: جاء في 93 ج 10 من كتاب المغني لابن قدامة علي مختصر الخرقي و هو حنبلي المذهب - «فأما أولاد المرتد فان كانوا ولدوا قبل الردة فانهم محكوم باسلامهم تبعا لآبائهم و لا يتبعونهم في الردة لأن الاسلام يعلو و قد تبعوهم فيه فلا يتبعونهم في الكفر و لا يجوز استرقاقهم صغارا لأنهم مسلمون و لا كبارا لأنهم أن ثبتوا علي اسلامهم فهم مسلمون و ان كفروا فهم مرتدون حكمهم حكم أبائهم في الاستتابة». و هذا رأي الحنابلة في ابن المرتد ان ولد قبل ارتداد أبيه أما المالكية نيرون أن ابن المرتد مسلم حتي ولو ولد حال ردة أبيه و دليله هو. ثانيا: فقد قال الشيخ أحمد الدردير في الشرح الكبير علي خليل جزء 4 ص 305 في باب الردة: «و يبقي ولده الصغير مسلما و لو ولد في حال ردة أبيه أي حكم باسلامه و لا يتبعه و يجبر علي الاسلام ان أظهر خلافه فان ترك أي لم يطلع عليه حتي بلغ و أظهر خلاف الاسلام فيحكم عليه بالاسلام و يجبر عليه ولو بالسيف». ثالثا: أما الأحناف فقد جاء في المبسوط للسرخسي ص 27 جزء 30 في صدر الحديث عما اذا ارتد الزوجان ثم ولدت الزوجة منه: «و أما الولد فان ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم أن ارتد فله الميراث لأننا تيقنا أنه كان في بطن أمه حين كان الزوجان مسلمين فهو محكوم له بالاسلام ثم لا يصير مرتدا بردة الأبوين ما بقي في دار الاسلام لأن حكم الاسلام يثبت ابتداء بتبعة الدار فلأن يبقي فهو أولي به». رابعا: أما الشوافع ففي رأيهم جماع الآراء السابقة بل و أكثر فقد جاء في متن المنهاج مع شرحه لابن حجر ص 98 و ما بعدها «و ولد المرتد أن انعقد - أي علق في بطن أمه قبل الردة أو بعدها و كان أحد أبويه من جهة الأب أو الأم و ان علا أو مات مسلما فهو [ صفحه 192] مسلما تغليبا للاسلام و ان كان أبواه مرتدين و ليس في أصوله مسلم فمسلم أيضا لا يسترق و يرثه قريبه المسلم و يجزي‌ء عتقه عن الكفارات ان كان فتي فبقاء علقة الاسلام في أبويه و في قول هو مرتد و في قول هو كافر أصلا لتولده بين كافرين و لم يباشر اسلاما حتي يغلظ عليه فيعامل معاملة الحربي اذ لا أمان له نعم و لا يقر بجزية لأن كفره لم يسند بشبهه دين كان حقا قبل الاسلام و قلت الا ظهر أنه مرتد و قطع به العراقيون و نقل أمامهم القاضي أبوالطيب الاتفاق من أهل المذهب علي كفره و لا يقتل حتي يبلغ و يمتنع عن الاسلام» و من ثم فلا حجة لما يثيره المدعي من أن وصف الردة لا ينطبق عليه لأنه لم يكن مسلما و ارتد عن الاسلام اذ أنه ولد لأب بهائي - لا حجة في ذلك بعد أن ثبت أن البهائي مرتد و أن ابن المرتد أما مسلم فان بلغ و أظهر غير الاسلام فيكون قد ارتد بعد البلوغ تجري في شأنه أحكام الردة من حيث وجوب القتل و بطلان التصرفات التي تعتمد الملة و أهمها الزواج و أما أنه مرتد تبعا لأبيه أو أبويه و لكن لا يقتل الا بعد البلوغ و بعد أن يستتاب فان لم يتب تجري في شأنه أحكام الردة. و من حيث أنه لا تزال في ذهن المدعي شبهة يجب أن تندفع تلك هي أنه يحوم حول الذميين بحجة أنه صاحب دين يترك و ما هو عليه و تستحق عليه الجزية فيكون زواجه صحيحا في نظر الاسلام وفاته أن الدين الذي يقر معتنقه عليه بالجزية هو الدين الذي كان حقا قبل الاسلام كما سلف في متن المنهاج و شرحه لابن حجر و أما ما تلي الاسلام من الادعاء بنزول دين جديد فزندقة و كفر و تفصيل ذلك ما جاء في المغني لابن قدامه الحنبلي ص 568 جزء 10 مما يلي: «الذين تقبل منهم الجزية صنفان.. أهل الكتاب و من له شبهة كتاب أما أهل الكتاب فهم اليهود و النصاري و من يدين بدينهم كالمسامرة يدينون بالتوراة و يعلمون بشريعة عيسي و انما خالفوهم في فروع دينهم و فرق النصاري من اليعقوبية و البسطورية و الملكية و الفرنجه و الروم و الأرمن و غيرهم و من دان بالانجيل و انتسب الي عيسي عليه‌السلام فكلهم من أهل الكتاب (الانجيل) و من عدا هؤلاء فكفار ليسوا من أهل الكتاب و أما الذين لهم شبهة كتاب فهم المجوس فقد روي عن علي بن أبي‌طالب قوله كان للمجوس علم يعلمونه و كتاب يدرسونه و لأن النبي صلي الله عليه و سلم قال: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» كما جاء في ص 570 من المرجع نفسه: «اذا ثبت ذلك فان أخذ الجزية من [ صفحه 193] أهل الكتاب و المجوس ثابت بالاجماع من غير نكير و لا مخالف مع دلالة القرآن علي أخذ الجزية من أهل الكتاب و دلالة السنة علي أخذ الجزية من المجوس و ما روي من قول المغيرة لأهل فارس أمر نبينا أن نقاتلكم حتي تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية و حديث بربك و عبدالرحمن بن عوف و لا فرق بين كونهم عجما أو عربا». و من حيث أن المدعي لجأ في مذكرته الأخيرة الي محاولة ايجاد سند آخر لدعواه فذهب الي القول بأنه ليس من مصلحة العدالة تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية علي زواج المرتد في الوقت الحاضر الذي تعطل فيه حكمها بقتل المرتد اذ أن حكم الشريعة ببطلان زواج المرتد ان هو الا فرع عن أصل هو استحقاق المرتد للقتل أما و قد تعطل الأصل فلا وجود و لا بقاء للفرع. و من حيث أن هذا الذي يستحدثه المدعي مردود من عدة أوجه. أولها: ان الطرفين قد احتكما الي الشريعة الاسلامية في شأن الزواج البهائي و تطاولا في هذا المضمار - و أدلي كل منهما بدلوه و تركا الي المحكمة أن تقضي فيما تطاولا فيه. و ثانيها: أن الشريعة الاسلامية هي الأصل الأصيل لكل تقنين يصدر في هذه البلاد و كانت للمحاكم الشرعية في مصر زهاء ثلاثة عشر قرنا ولاية القضاء كاملة في جميع الأقضية علي مختلف أنواعها من شخصية الي مدنية الي جنائية الي أن كانت الامتيازات الأجنبية التي بدأت من السلطان منة و فضلا و انقلبت في آخر عهدها الي أغلال و قيود تحد من سلطان الدولة و من سيادة شريعتها و قد زال هذا القيد و انفك هذا الغل بحمد الله. صحيح أنه في أواخر القرن الماضي أنشئت المحاكم الوطنية التي أريد بها أن تسمي بالمحاكم النظامية أو الأهلية كما أنشئت المحاكم المختلطة اذ ذاك و أصدر ولي الأمر اذ ذاك قوانين وضعية لتطبق في تلك المحاكم و قد زالت المحاكم المختلطة و قوانينها بزوال الامتيازات الأجنبية و بقيت المحاكم الوطنية بقوانينها و لكن المقطوع به أن ولي الأمر لم يقصد حين أصدر القوانين المدنية و الجنائية و قوانين الاجراءات لكليهما لم يقصد الي مخالفة الشريعة الاسلامية بل انه بعد أن أعد نوبار باشا رئيس الوزراء اذ ذاك تلك القوانين الوضعية بوساطة لجان كان معظمها من المشرعين الأجانب أو من الأجانب المتمصرين دفع بها - ولي الأمر - قبل اصدار أمره الكريم (!!!) بالعمل بها الي شيخ الأزهر [ صفحه 194] و كان اذ ذاك الشيخ المنياوي و عرضت الكثرة الغالبة منها 2277 مادة علي علماء الأزهر فأقروا أنها لا تخالف الشريعة الاسلامية فهي أما نصوص توافق الشريعة الغراء تماما أو نصوص توافق الرأي الراجح بين فقهاء الشريعة أو نصوص توافق بعض الأراء في المذاهب و لو كانت مرجوحة أو نصوص لا تقابل نصا و لا رأيا في الاسلام و لكنها من قبيل المصالح المرسلة التي ترك الاسلام لأهله الاجتهاد فيها كل مصر بحسب ظروف زمانه و مكانه كقوانين الاجراءات و منها قانون المرافعات و قانون تحقيق الجنايات و صحيح الي جانب ذلك أن بعض مواد قانون العقوبات لم تعرض علي هيئة كبار العلماء اذ ذاك و كل ما ترتب علي ذلك من أثر أن تعطلت بعض الحدود الشرعية فلما جاء الدستور أكد تلك الحقيقة الواقعة و هي سيادة الشريعة الاسلامية علي القوانين الوضعية فنص في المادة 149 منه علي أن الاسلام هو دين الدولة الرسمي مما سيجي‌ء الكلام عنه بعد فترة و من ثم يكون كل تقنين يعارض أصلا أساسيا في شرعة الاسلام غير دستوري هذا و قد توقع بعض فقهاء الاسلام تعذر قتل المرتد لأي سبب كالهرب و الاختفاء عن الأعين أو كونه خارج حدود دار الاسلام أو كونه داخلها لكن تحوطه قوة و منعة يحسن معها التربص الي حين مباغتته و لذلك قالوا ان مناط قتل المرتد القدرة علي ذلك فقد ورد في المعني لابن قدامة موفق الدين، علي مختصر الخرقي عند الكلام علي حكم المرتد: «و متي قدر علي الزوجين المرتدين أو علي أولادها استتيب منهم من كان بالغا عاقلا و من كان غير بالغ انتظرنا بلوغه و ينبغي أن يحبس حتي لا يهرب» هذا و قد علم أيضا أن حد السرقة و هو قطع اليد قد عطل عام المجاعة و كان التعطيل في عهد من؟.. في عهد عمر بن الخطاب. و هو من؟ هو أشد المسلمين استمساكا بأحكام الشريعة حتي أنه حين أمر باقامة حد الخمر علي ابنه و لحظ أن منفذ الحد يترفق بابنه حتي لا يوجعه ثار و أبي الا أن ينفذه بشدة و عنف قضيا علي حياة ابنه بين يديه. و لم يعرف اذاك أن تعطيل هذا القدر من الحدود للضرورة دعا الي تعطيل بقية الحدود و الي تعطيل أحكام الشريعة الاسلامية التي هي أصل لذلك الفرع. و من حيث أن المدعي قد استند ضمن ما استند اليه في صحة دعواه الي أن أحكام القانون الوضعي تحول دون تطبيق أحكام الردة كليا أو جزئيا حيث نص الدستور و هو القانون الأصلي لكل القوانين في المادة 12 منه علي أن «حرية الاعتقاد مطلقة» و ذهب في [ صفحه 195] تفسيرها الي أنها حرية الاستمرار علي عقيدة ما و حرية تغيير تلك العقيدة في أي وقت لأن حرية تغيير العقيدة هي مظهر من المظاهر الأولية الأساسية لحرية الاعتقاد و في ابطال زواج من يغير عقيدته تقييد لتلك الحرية التي نص الدستور علي أنها مطلقة. و من حيث أن هذا الذي يذهب اليه المدعي في تفسير هذه المادة هو علي العكس تماما مما قصد اليه واضعوها في لجنة الدستور و بالرجوع الي الأعمال التحضيرية للدستور طبعة مطبعة مصر في 1940 ص 87 جزء 1 في شأن المادة 12 و نصها الحالي بالدستور «حرية الاعتقاد مطلقة» تجد صياغتها الأولي من لجنة وضع المبادي‌ء العامة للدستور كانت تجري علي هذا النسق «حرية الاعتقاد الديني مطلقة - فلجميع سكان مصر الحق في أن يقوموا بحرية. علانية أو غير علانية بشعائر أية ملة أو دين أو عقيدة مادامت هذه الشعائر لا تنافي النظام العام أو الآداب العامة» هكذا وضعتها اللجنة العامة في الدستور مسترشدة بمشروع كان قد أعده اللورد كرزون وزير خارجية انجلترا اذ ذاك للدستور المصري. و لا خفاء في أن النص لو بقي علي حالة من السعة و الشمول لأمكن القول في ظله بما يقوله المدعي اليوم من اطلاق الدستور لحرية الاعتقاد الديني و كفالته لاقامة شعائر الأديان أيا كانت لا الأديان المعترف بها اذ ذاك فحسب و هي الأديان السماوية و انما شعائر أية ملة أو عقيدة أو دين ولو كان مستحدثا هذا الاطلاق و الشمول يمكن كل صاحب دين أن يخرج من دينه الي أي دين آخر سواء أكان سماويا أو غير ذلك معترفا به من قبل أو مبتدعا و يسوغ له أيضا أن يأتي هذا الأمر مرارا و تكرارا غير ملق بالا الي ما لهذه الفوضي من أثر ومساس بحقوق خطيرة كالارث و النسب و الزواج و بحقوق أخري لا يستطيع أصحابها الدفاع عنها كالقصر و معدومي الأهلية و كل ذلك دون أن يتحمل أية مسئولية مدنية أو جنائية و لهذا نجد أن فضيلة الشيخ بخيت يقول جلسة 15 من أغسطس سنة 1922: «أطلب تعديل المادة العاشرة - هكذا كان ترتيبها - من باب حقوق الأفراد لأنها بحالتها الحاضرة لا يقرها دين من الأديان و لأنها تؤدي الي الفوضي و الاخلال بالنظام و أطلب أن يكون النص قاصرا علي الأديان المعترف بها سواء أكانت سماوية أم غير سماوية فلا يسمح باحداث دين جديد كأن يدعي شخص مثلا أنه المهدي المنتظر و يأتي بشرع جديد» و قد أيد هذا الاقتراح نيافة الأنبا يونس بقوله: «اقتراح الأستاذ مفيد و لنا عليه دليل قريب فان سرجيوس [ صفحه 196] خرج علي الدين - المسيحية - و شرع في استحداث دين جديد و طلب من الحكومة الترخيص له بذلك فرفضت و هذا دليل علي أنه لا يمكن الترخيص بغير الأديان المعترف بها». كما نجد أيضا أن الشيخ محمد خيرت راضي بك قد اقترح حذف كلمة الدين من الفقرة الأولي فتصبح حرية الاعتقاد مطلقة و شرح اقتراحه بقوله: «و بغير ذلك يباح لكل شخص أن يترك دينه و يعتنق دينا آخر دون أن يتحمل مسئولية ذلك من مدني و غير مدني مع أنه لانزاع في أنه يترتب علي تغيير الدين نتائج هامة في الميراث و غيره و يكفي أن يكفل النص حرية الاعتقاد لأن هذا هو الغرض المقصود من المادة علي ما أعتقد أما الفقرة الثانية من المادة فقد جعلت اقامة الشعائر الدينية مطلقة من كل قيد و هذا يؤدي الي الخلال بالنظام». و هنا تساءل ابراهيم الهلباوي في حالة ما اذا أخذ بالاقتراح الأخير و أصبحت الفقرة الأولي «حرية الاعتقاد مطلقة» عن أي اعتقاد يقصد المقترح و هل يدخل فيه الاعتقاد الديني أولا فرد الشيخ بخيت بقوله: «الاعتقاد شي‌ء و الدين شي‌ء آخر فالمسلمون افترقوا الي ثلاث و سبعين فرقة - لكل فرقة اعتقاد خاص - مع أن لهم دينا واحدا» صحيح أن جلسة 15 من أغسطس سنة 1922 انتهت بموافقة أغلبية الحاضرين من لجنة الدستور علي الابقاء علي النص الأصلي الذي أعدته لجنة وضع المبادي‌ء العامة الا أن ذلك كان عقب ما قرره حضرة عبدالعزيز بك فهمي حيث قال: «ألفت نظر اللجنة الي أن هذا النص مأخوذ بحروفه من مشروع اللورد كرزون. و قد اتفقنا علي أن نأخذ هذه النصوص في دستورنا حتي لا نرغم علي وضعها عند المفاوضات». و هذا واضح الدلالة علي أن لجنة الدستور لم تكن مختارة حين قبلت أغلبيتها هذا النص بل كان مفروضا عليها و رغم ذلك و رغم تلك السلطة الأجنبية الغالبة استطاعت الاتصالات خارج اللجنة الي تعديل المادة علي النحو الذي اقترحه الشيخ خيرت راضي و كان ذلك بعد فترة و في جلسة 28 من أغسطس سنة 1922 حيث قال فضيلة الشيخ بخيت: «حسما للنزاع الذي قام بشأن المبدأ الخاص بحرية الأديان اقترح أن تحذف كلمة الدين من صدر المادة لتكون حرية الاعتقاد مطلقة بدلا من أن تكون حرية الاعتقاد الديني مطلقة» موافقة عامة. و مفاد ذلك في ضوء المناقشات التي جرت حين قدم هذا الاقتراح لأول مرة في الجلسة السابقة علي لسان الشيخ محمد خيرت راضي بك أن قصر عبارة المادة علي حرية الاعتقاد مع حذف كلمة الدين [ صفحه 197] مقصود منه ما قرره الشيخ بخيت من أن الاعتقاد شي‌ء والدين شي‌ء آخر. و أصبح بحالة يحمي المسلم الذي يغير مذهبه من شافعي الي حنفي و المسلم الذي يترك فرقة الشيعة و ينضم الي فرقة أهل السنة أو فرقة الخوارج أو المعتزلة كما يحمي النص المسيحي الذي يدعي الكثلكة أو يتمذهب بالبروتستانتية و لكنه لا يحمي المسلم الذي يرتد عن دينه من أن يتحمل مسئولية تلك الردة مدنية كانت أو غير مدنية كما لا يبيح لأي شخص أن يدعي أنه المسيح نزل الي الأرض أو المهدي المنتظر أو أنه رسول جديد يهبط عليه الوحي من السماء أو أنه صاحب كتاب سماوي اذ لا حماية لهذا الدعي من الدستور بحسب النص الجديد للمادة 22 منه. و من حيث أنه مما يزيد: هذا الأمر جلاء و وضوحا ما نص عليه الدستور في المادة 149 من أن الاسلام دين الدولة الرسمي فعبارة مطلقة كهذه تقطع بأن أحكام الاسلام لها السيادة التامة في هذه البلاد ترفع كل ما يعترضها و تزيله و كل تشريع يصدر مناقضا لها يكون غير دستوري و يؤيد هذا الرأي التاريخ التشريعي لهذه المادة و ذلك أنه في جلسة 2 من مايو 1922 وضعت لجنة المبادي‌ء العامة للدستور هذا النص بناء علي اقتراح من فضيلة الشيخ بخيت: «أريد أن أعرض بعض قواعد تضاف الي أحكام الدستور فاطلب أن ينص علي أن الدين الرسمي للدولة المصرية هو الاسلام» فاقترح دولة حسين رشدي أخذ الآراء علي هذا الاقتراح فوافق عليه بالاجماع دون أي اعتراض أو تعليق ثم كررت تلاوته و تكررت الموافقة الاجماعية في أربع جلسات متتالية و هذا النص من الاطلاق و الشمول و العموم بحيث لا يسمح بأي مدخل لريبة المستريب أو لظن من المتظننين الصرف. و لا مقنع فيما ساقه المدعي تعليقا علي هذه المادة من أنه لا يقصد منها التدخل في ديانات و معتقدات الأفراد الشخصية بعدما سلف ايراده. و لا ما يقوله المدعي من أن ما قصد اليه واضع الدستور و عناه هو الرسميات التي تتعلق بالدولة كشخص معنوي اذ أن ذلك أقرب الي الهزل منه الي الجد الذي يعني به في مقام الرد (!!!!). و من حيث أنه متي تقرر ذلك كانت أحكام الردة في شأن البهائيين واجبة التطبيق جملة و تفصيلا بأصولها و فروعها (أي ان الحكم يعتبر دمهم مهدرا!!) و لا يغير من هذا النظر كون قانون العقوبات الحالي لا ينص علي اعدام المرتد (!!) و ليتحمل المرتد [ صفحه 198] (البهائي) علي الأقل بطلان زواجه اطلاقا مادامت للبلاد جهات قضائية لها ولاية القضاء بهذا البطلان بصفة أصلية أو بصفة تبعية. كما لا يغير من هذا النظر أيضا نص المادة 13 من الدستور و هو: «تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان و العقائد طبقا للعادات المرعية في الديار المصرية علي أن لا يخل ذلك بالنظام العام و لا ينافي الآداب». و واضح أن هذا النص وضع بدلا من الفقرة الثانية للمادة السابقة في المشروع الأصلي و في مشروع كرزون و هو «و لجميع سكان مصر الحق في أن يقوموا بحرية تامة علانية أو غير علانية بشعائر أي ملة أو دين أو عقيدة أو مذهب» و ذلك بعد المناقشات التي أشرنا اليها. كل ذلك واضح الدلالة علي الأخذ بفكرة المعارضة من رجال الأديان فحذفت شعائر الملة و أصبح مقصورا علي شعائر الأديان المعترف بها اذ ذاك و علي شعائر العقائد علي أنها فروع و فرق لتلك الأديان المعترف بها من قبل و قيد كل ذلك بالعادات المرعيه في الديار المصرية و بشرط عدم الاخلال بالنظام و الآداب. و حيث أنه متي تقرر أن الدستور لا يحمي المذاهب المبتدعة التي تحاول أن ترقي بنفسها الي مصاف الأديان السماوية و التي لا تعدو أن تكون زندقة و الحادا. فالمحكمة تهيب بالحكومة أن تأخذ للأمر أهبته بما يستأهله من حزم و عزم لتقضي علي الفتنة في مهدها لأن تلك المذاهب المخربة مهما تسللت في رفق و هوادة و في غفلة من الجميع متخذة من التشدق بالحرية و السلام و من تمجيدها لبعض الأديان سترا لما تخفيه من زيغ و ضلال فانها لا تلبث أن يعرف أمرها و ينكشف سترها و قد تكون استمالت اليها الكثيرين من الجهلة و السذج و هنالك قد تثور نفوس المؤمنين حفاظا لدينهم و استجابة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها و تكون هي الفتنة بعينها - التي قصد الدستور وقاية النظام العام من شرورها. و من حيث أن المدعي اختتم دفاعه في مذكرته الأخيرة بطرح مسألة أخيرة لبحث الدعوي منها تلك ما سماه ارتباطات مصر الدولية و حجته في ذلك أن مصر قد وقعت ميثاق الأمم المتحدة فهي مرتبطة بأنظمتها و قد أقرت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة عام 1948 حقوق الانسان و جاء بالمادة 18 منه: «و لكل انسان الحق في حرية الفكر و الضمير و الدين و هذا الحق يوليه الحرية في تغير دينه أو معتقده و يوليه كذلك [ صفحه 199] الحرية في الاعراب عنهما بالتكلم و الممارسة و العبادة و اقامة الشعائر الدينية»: و خلص من ذلك الي القول بالزام مصر باتباع ذلك كله. و قدم المدعي نسخة مما أقرته الجمعية العمومية للهيئة في هذا الشأن يبين منها أنها اعلان للعالم و دعوة الي جميع الدول - سواء المشتركة في الهيئة و غير المشتركة و قد أذيع هذا الاعلان بموافقة الجمعية العمومية بغية العمل علي بثه و عرضه و قراءته و شرحه و علي الأخص بالمدارس حتي يمكن التسليم بصلاحيتها و العمل تدريجيا علي الايمان بها فلم تدع الهيئة التي أصدرته أنه ملزم للدول الأعضاء و ما كانت لتستطيع أن تدعي ذلك و ليس له بمصر أية قوة ملزمة ما لم يصدر بأحكامه و مبادئه قانون من السلطة التشريعية المحلية علي أن بعض مبادي‌ء هذا الاعلان غير مطبقة في الولايات المتحدة و بها المقر الدائم لتلك الهيئة العالمية مثال ذلك أن المادة الثانية من الاعلان تنص علي أن لكل انسان جميع الحقوق و الحريات المنصوص عليها فيه دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين و التمييز بسبب اللون في أمريكا أمر معروف بلغ التشدد فيه حدا أهدرت من أجله حقوق الملونين - أو المساواة الحقة و خير ما كرم به بني الانسان من نصفة و حرية فقد أتي به الاسلام منذ نيف و ثلاثة عشر قرنا من غير ما نظر الي جنس أو عصبية. (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثي و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم) (صدق الله العظيم) «لا فضل لعربي علي عجمي الا بالتقوي» - «استمعوا و أطيعوا و ان استعمل عليكم عبد حبشي رأسه كالزبيبة» (صدق رسول الله). و من حيث أنه لكل ما سلف تكون دعوي المدعي بجميع أسسها و من جميع نواحيها ساقطة منهارة لا سند لها من قانون أو واقع حقيقة بالرفض. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوي و الزام المدعي بمصروفاتها و بمبلغ 300 قرشا ثلثمائة قرشا أتعاب محاماة. صدر هذا الحكم و تلي علنا بجلسة يوم الاثنين 26 من مايو سنة 1952 الموافق 2 من رمضان 1371. رئيس المحكمة (امضاء) [ صفحه 201]

عن قضية الوكر البهائي

اشاره

عن قضية الوكر البهائي الذي قبض عليه سنة 1985 اقتباسا مما نشرته جريدة الأهرام و ما جاء في أوراق القضية جاء في جريدة الأهرام يوم الجمعة 1 / 3 / 1985 ما يأتي تحت هذا العنوان: الافراج عن الرسام بيكار في قضية البهائيين باشر التحقيقات عبدالمجيد محمود و محسن مبروك و محمود مسعود و سامي بشر رؤساء نيابة أمن الدولة العليا و عبدالسميع شرف الدين و عبدالموجود البربري و هشام حمودة و هشام سرايا و حسني عبدالله و هشام حنيفة و ياسر الرفاعي و هاني برهان و علي الهواري الوكلاء الأول بالنيابة حيث اعترف المتهمون بانتمائهم الي جماعة البهائيين و اتصالهم بالمحافل البهائية في حيفا عن طريق محفل وسيط في تونس.

اعتراف رئيس الجماعة في مصر

و قد اعترف الرسام حسين بيكار في التحقيق الذي أجري معه في مقر النيابة بمدينة نصر و الذي أفرج عنه عقب انتهاء التحقيق لظروف انسانية و لتجاوزه ال73 عاما برياسته للجماعة في مصر قائلا: «أنا مبدئي بهائي و هي عبارة عن ديانة مستقلة مثل ديانة الاسلام و المسيحية و اليهودية و مثل كل الديانات الأخري أو هي جوهر و حقيقة كل هذه الديانات فهي حلقة من مسلسلة الرسالات السماوية بدءا من أدم عليه السلام الي أن يشاء الله، و لم تختلف رسالة عن أخري في هذه المبادي‌ء الأساسية انما الاختلاف في العبادات و التشريعات و البهائية جاءت لتنسخ ما قبلها من رسالات و هي رسالة سماوية تنتظرها جميع الأديان فاليهود ينتظرون ظهور «جيسيه» و النصاري ينتظرون عودة المسيح و المسلمون ينتظرون «المهدي المنتظر» و البهائية هي التي ينتظروها هذا العصر بدأت عام 1844 ميلادية علي يد علي محمد و نسميه (الباب) أي الشخص المؤدي الي الله و قد بشر بمجي‌ء موعود آخر يظهره الله ليضع آساس الديانة الجديدة التي تكمل الديانات السابقة و يسير العالم عليها الي أن يجي‌ء آخر يبشر و قد جاء و هو حسين و أطلق علي نفسه «بهاءالله» و قد أعدم «الباب» في ايران نبي هذا الزمان بمجرد اعلان دعوته و اتهام علماء المسلمين له بأنه جاء ليهدم الاسلام و نحن نعتبر البهاء رسول العصر الذي أتي ليصحح [ صفحه 202] المفاهيم العقائدية في مختلف الطوائف و لذلك نسبت اليه البهائية باعتبارها ديانة عالمية و من ضمن البلاد التي طبقت فيها مصر منذ 100 سنة حيث كان يوجد مجتمع بهائي و سجلت بالمحاكم المختلفة و كان مقرها بحظيرة القدس بالعباسية الي أن صدر القانون رقم 623 لسنة 1960 بحظر نشاط المحافل البهائية في مصر و مصادرة جميع أملاكها و وقف نشاطها. و أضاف بيكار قائلا: انني حضرت للقاهرة و كنت نشأت نشأة اسلامية في عام 1928 و دخلت المحافل و عمري 28 سنة و هي تضم مسلمين و مسيحيين يأتون بأدلة من القرآن و الكتاب المقدس و فيها ما يؤكد ظهور المهدي المنتظر و هو ما نعتقد انه «بهاءالله» و جاءت قراءاتي المتأنية في الكتب المقدسة «التوراة» و الانجيل فآمنت بوجود الرسول محمد صلي الله عليه و سلم في جميع هذه الكتب كما أن «بهاءالله» أيضا موجود بنفس الوضوح في آيات الكتاب المقدس باعتباره الظهور الالهي الذي سيأتي بعد سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم و أن من يكفر ببهاء الله يكون كافرا بكل الأديان.

انتخابه لرئيس المحفل المصري

و قال الرسام بيكار انه انتخب عضوا في المحفل المركزي ثم صار نائب رئيس المحفل المركزي المصري و السوداني و شمال افريقيا الي أن منع نشاط البهائية في 1960 و كان لابد أن يعقدوا محفلهم فحولوها الي زيارات بينهم كأصحاب عقيدة و كان طبيعيا أن نتزوج من بعضنا دون النظر الي الديانة و كنا نقرأ المناجاة الخاصة بالبهائيين و هي عبارة عن الادعية التي نزلها حضرة «بهاءالله». و الكتاب الأقدس تجمعت فيه الأحكام البهائية التي قال بها بهاءالله و هي منزلة عليه من الله سبحانه و تعالي أما الألواح فهو كتاب مقدس يضم خطابات كان يكتبها بهاءالله تتضمن مبادئه و تعاليمه و نصائحه للأحياء في العالم و الكتابان هما مصادر التشريع في البهائية.

صلاة البهائيين

و قال عن طقوس العبادة لديهم بأن الصلاة لديهم تختلف عن الصلاة في الديانات [ صفحه 203] السماوية الثلاث فهي 3 صلوات و كل بهائي يختار منها واحدة حسب استعداده الروحي و هي: الصلاة الكبري.. و هي من الظهر الي الظهر و الصلاة الوسطي و تؤدي ثلاث مرات في اليوم في الصبح و الظهر و الغروب و الصلاة الصغري و تؤدي مرة واحدة كل يوم و يخرج البهائي من ماله 19 في المائة من صافي ربحه لبيت العدل في حيفا لتوزيعه علي المحافل الدولية. و لا يوحد في الكتاب الأقدس شي‌ء عن الحج و لكن لهم مزارات للأماكن التي ترتبط بأصحاب الدعوة مثل زيارة مدينة شيراز بايران التي ترتبط بصاحب الدعوة البهائية و حديقة الرضوان ببغداد و زيارة مدفن بهاءالله في عكا باسرائيل و زيارة مقام الباب و عبدالبهاء في حيفا باسرائيل. كما ساوي البهائيون بين الذكر و الأنثي في الميراز والزواج لديهم لا اعتبار للدين فيه بين المتزوجين و تقويمهم مخالف لكل التقاويم السنوية و الشهرية و الأسبوعية فالشهر لديهم 19 يوما و السنة 19 شهرا، و عيد فطرهم هو عيد النيروز..

هيكل الجماعة

و تتكون المحافل البهائية المركزية بانتخاب 9 أشخاص و يسمي بيت العدل العالمي و يقع في حيفا و هي قبلة الصلاة لديهم و يتولي شئون البهائيين في العالم بحيث يتم انتخاب أعضائه كل 5 سنوات و قد انيط بالمحفل المصري الاشراف علي البهائية في مصر و السودان و شمال افريقيا. و قد ضبط لدي أعضاء الجماعة الكتب المقدسة الخاصة بهم و هي الأقدس و الألواح و مقتطفات من كتاب «عبدالبهاء» و تحوي التشريعات الخاصة بالصلاة و الزكاة و الصوم و الميراث و الزواج و الطلاق والزنا» و هي جميعا تخالف و تتعارض مع أحكام التشريع الاسلامي. و قد وجهت النيابة الي المتهمين ادارة جماعة الغرض منها مناهضة المبادي‌ء الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم في البلاد و الترويج لأفكار متطرفة. و قد أفرجت النيابة عن 5 من المتهمين و توالي فحص مواقف باقي المتهمين.. [ صفحه 204] و قد تلقي المستشار رجاء العربي من الدكتور الحسيني هاشم وكيل الأزهر تقريرا عن البهائية جاء به أن جميع الفتاوي من مشيخة الأزهر قد صدرت منذ عهد المرحوم الامام الأكبر الشيخ الخضر حسين بتكفير هذه الطائفة و خروجها عن الدين الاسلامي لما يلي: - القول بأن محمدا صلي الله عليه و سلم ليس خاتم الأنبياء يخالف صريح القرآن و السنة و ما علم من الدين. - انكار ما جاء في القرآن الكريم بل القول بالغائه كفر صريح أيضا. - البهائية مذهب يحاول صياغة من جديد الخلط بين الاسلام و المسيحية و اليهودية لايهام السذج بانه الدين الذي يجمع بين جميع الديانات و هذا خروج علي الاسلام و المسيحية و اليهودية. - عندما ظهرت هذه الدعوي في ايران حاربها العلماء و أعدموا زعيمهم بعد محاكمته و ظهور كفره. - بعد محاكمته في ايران ذهبوا الي حيفا و اعتبروها قبلة لهم بدلا من الكعبة و هذا كفر و خلاف للقرآن الكريم و السنة و ما أجمعت عليه الأمة. كلما تلقت النيابة صورة من كلمة لجنة الفتوي للأزهر في البهائيين جاء بها أن مذهب البهائية مذهب باطل ليس من الاسلام في شي‌ء بل انه ليس من اليهودية و لا النصرانية و من يعتنقه من المسلمين يكون مرتدا خارجا عن دين الاسلام لأن هذا المذهب ناسخ لجميع الأديان. مصطفي الطرابيشي [ صفحه 205] الملحق الأول [ب] كما جاء في أهرام يوم 20 / 6 / 85 ما يأتي: نيابة أمن الدولة العليا: البهائيون مرتدون و كان يتعين تطبيق أحكام الشريعة عليهم توجيه تهم الترويج لأفكار متطرفة بقصد الاثارة للمتهمين كتب - مصطفي الطرابيشي: أحالت نيابة أمن الدولة العليا قضية البهائيين لنيابة جنوب القاهرة للاختصاص و قالت النيابة في مذكرتها المرفقة مع القضية انه من المقطوع به أن المتهمين من المسلمين معتنقي الدين البهائي يعدون مرتدين و كان من المتعين أن توقع عليهم أحكام الشريعة الاسلامية في شأن المرتدين الا انه نظرا لخلو القوانين الجنائية المطبقة حاليا في مصر من نصوص تؤثم الردة فانه لا سبيل أمام النيابة لاتخاذ أي اجراء جنائي في هذا الشأن. و كانت نيابة أمن الدولة العليا قد انتهت من التحقيق مع المتهمين في قضية البهائيين الذين يتزعمهم الرسام بيكار ثم أرسلت النيابة القضية مرفقا فيها مذكرة أعدها عبدالمجيد محمود رئيس نيابة أمن الدولة العليا و أشرف عليها المستشار رجاء العربي المحامي العام للنيابة جاء فيها أن عددا من العناصر البهائية المناهضة للدين الاسلامي و الشرائع السماوية يباشرون أنشطة مؤثمة تتمثل في الترويج لأفكارهم البهائية و ذلك بعقد اجتماعات دورية سرية في اطار ما يطلق عليه في البهائية «بالضيافات» يتم خلاله استعراض أخبار البهائيين في العالم و تعليمات الجهة العليا المشرفة علي شئونهم و كيفية نشر دعوتهم و تمويلها و انه قد تم تسجيل العديد من الاجتماعات الخاصة بهم و التي تبين منها أن المتهم حسين بيكار هو المسئول عن البهائيين في مصر و انه يصدر تعريفا للمسافرين منهم للخارج ليقدم لهم [ صفحه 206] البهائيون في الدول ما يطلبونه من عون و السماح لهم بحضور لقاءاتهم. و قد قرر المتهم حسين بيكار الرسام بالمعاش بأنه و باقي من تم ضبطهم 41 متهما عدا 9 بالخارج يدينون بالبهائية باعتبارها ديانة مستقلة عن الاسلام و المسيحية و اليهودية و زعم انها حلقة في سلسلة الرسالات السماوية و انها ظهرت علي يد علي محمد الملقب بالباب عام 1844 بايران حيث بشر بمقدم من سيحمل الرسالة الجديدة للعالم و هو بهاءالله الذي لقي معارضة من رجال الدين الاسلامي و الذي أصدر أحكاما دنيوية تخالف ماقضت به الشرائع السماوية فتم سجنه الي أن مات بها. و أضافت مذكرة النيابة أن المتهم بيكار قرر في التحقيقات بأن الديانة البهائية عرفتها مصر منذ ما يزيد علي 100 سنة و أصبح في مصر طائفة من البهائيين تمارس شعائرها طبقا لمبادئها و من خلال محفلهم المركزي بالقاهرة الي أن صدر قانون سنة 1960 بحل هذه المحافل و مصادرة أملاكها و وقف نشاطها كما قرر المتهم بأن أحكام و مبادي‌ء ديانتهم جاءت في كتاب الأقدس و الألواح و تناولت مختلف أحكام العبادات و المعاملات في الشريعة البهائية مثل الصوم و الصلاة و اخراج الأموال و الزواج و الطلاق و المواريث. و قد تبين من تقرير مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف من أن البهائية خارجة عن الدين الاسلامي و أن الطائفة التي تدين بها كافرة و أنه صدرت بشأنها من لجنة الفتوي بالأزهر ما يفيد أنها مذهب باطل ليس من الاسلام في شي‌ء بل انه ليس من اليهودية و لا النصرانية و من يعتنقه من المسلمين يكون مرتدا خارجا عن دين الاسلام لاشتماله علي صفات تخالف الاسلام و ادعاء بعض زعمائها النبوة هو كفر. و أنهت النيابة مذكرتها بأنه علي ضوء ما تقدم فانه من المقطوع به أن معتنقي هذا المذهب كفرة مرتدون كان من المتعين توقيع أحكام الشريعة الاسلامية التي توقع علي المرتدين عليهم الا أن القوانين الجنائية المنطبقة حاليا في مصر من نصوص تؤثم الردة قد جاءت خلوا من نص يعاقب علي الردة و لا تجد النيابة أمامها من سبيل لاتخاذ أي اجراء جنائي في هذا الشأن و تحيل النيابة القضية للمستشار عفت سالم المحامي العام لنيابة جنوب القاهرة للاختصاص لمعاقبتهم بنص المادة 68 التي تقضي بمعاقبة كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ أو القول لأفكار متطرفة بقصد اثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد [ صفحه 207] الأديان السماوية أو الأضرار بالوحدة الوطنية و لمخالفتهم القرار رقم 263 لسنة 1960 بشأن حل المحافل البهائية. و قد قدم المتهمون للمحاكمة أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية فأصدرت حكمها بادانتهم.. و هذا هو الحكم و ملخص ما جاء من حيثياته: قدمت مباحث أمن الدولة بلاغات تتضمن قيام بعض المواطنين الذين يعتنقون البهائية بعقد اجتماعات دورية في بعض منازلهم بقصد مباشرة نشاط المحافل البهائية و قامت بتسجيل اجتماعاتهم في الفترة من 19 / 6 / 84 الي 23 / 2 / 1985 بعد استئذان النيابة العامة. و جرت التحقيقات مع المتهمين فاعترف المتهم الأول «حسين بيكار» بأنه مكلف من قبل بيت العدل بأن يكون مسئولا أدبيا و أبا روحيا للبهائيين في مصر باعتبارهم أفراد طائفة ذوي عقيدة واحدة بالاضافة الي استقباله مندوبي بيت العدل من البهائيين الذين يفدون الي البلاد، كما اعترف بقية المتهمين بأنهم يعتنقون البهائية و يمارسون طقوسهم في اجتماعاتهم، كما تم ضبط العديد من الكتب و الأوراق الخاصة بالبهائية لدي بعض من تم القبض عليهم. و حيث أن القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 في شأن حل المحافل البهائية يقضي في مادته الأولي بحل جميع المحافل البهائية و مراكزها الموجودة في الجمهورية و بوقف نشاطها. كما يقضي القرار في مادته الرابعة بمعاقبة المخالف بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، و بغرامة لا تجاوز مائة جنيه، أو باحدي هاتين العقوبتين، و حيث أن النشاط الذي يؤثمه القانون هو كل نشاط سواء كان يتمثل في أداء شعائر البهائية، أو الدعوة اليها طالما اتخذ صورة مادية.. و حيث بان من التحريات و التحقيقات أن المتهمين قد تحايلوا علي القانون بأن قاموا بعقد اجتماعات دورية سرية مرة كل تسعة عشر يوما، بمنازل أي منهم بقصد مباشرة نشاطهم و استمرار هذه الاجتماعات هو بمثابة استمرار لنشاط المحافل البهائية، الأمر الذي يجعل أركان الجريمة قد توافرت و حيث أن الجريمة ثابتة باعتراف المتهمين، أصدرت [ صفحه 208] المحكمة حكمها بحبس بعض المتهمين ثلاث سنوات مع الشغل، و كفالة ألف جنيه لكل منهم لوقف التنفيذ و المصروفات الجنائية. و هذه هي الحيثيات: أسندت النيابة العامة الي المتهمين أنهم قاموا بمباشرة نشاط المحافل البهائية بأن استمروا في عقد الضيافات التسع عشرية، و هي من شعائر ذلك المذهب، و من خلالها باشروا النشاط الاداري، و التبليغي، و الروحي لتلك المحافل، و تتمثل الوقائع فيما ورد ببلاغات مباحث أمن الدولة في الفترة من 19 / 6 / 84 الي 23 / 2 / 1985 و توضح تلك البلاغات أن الجماعة البهائية في مصر لها هيكل تنظيمي يتشكل من لجنة ادارية، و تعد حلقة الاتصال بين البهائية في مصر و الجهة العليا المشرفة علي شئون البهائيين في العالم «بحيفا»، كما تقوم اللجنة الادارية أيضا بتسجيل العناصر البهائية في البلاد، و تحصيل تبرعاتهم، و الاشراف علي شئونهم، و تلقي الدعم المادي و المطبوعات الخاصة بالبهائية التي ترد لهم من الخارج. و قد بنيت بلاغات مباحث أمن الدولة علي التسجيلات التي قامت بها للاجتماعات التي تمت بمنزل «حسين بيكار» بتاريخ 12 / 7 / 84، 19 / 6 / 84 و بمنزل أمين الله أبوالفتوح بطاح بتاريخ23 ، 24 / 6 / 1984، و بمنزل والدة أمين أبوالفتوح بطاح بتاريخ 16 / 7 / 84 و بمنزل هنري حليم جرجس بتاريخ 22 / 7 / 84 و 9 / 8 / 1984 و بمنزل محمد علي شيرازي بتاريخ 8 / 8 / 1984. ثم أصدرت النيابة العامة اذنا بضبط و تفتيش المتهمين بتاريخ 23 / 2 / 1985 و جرت التحقيقات مع المتهمين، فاعترف المتهم الأول بيكار بأنه تكلف من قبل بيت العدل بأنه يكون مسئولا أدبيا، و أبا روحيا للبهائيين في مصر باعتبارهم أفراد طائفة ذوي عقيدة واحدة، بالاضافة الي استقباله مندوبي بيت العدل من البهائيين الذين يفدون الي البلاد.. كما اعترف بقية المتهمين بأنهم يعتنقون البهائية.. و يمارسون طقوسهم في اجتماعاتهم.. كما تم ضبط العديد من الكتب و الأوراق الخاصة بالبهائية لدي بعض من تم القبض عليهم. [ صفحه 209] و حيث أن القرار بقانون رقم 263 لسنة 1960 في شأن حل المحافل البهائية يقضي في مادته الأولي بحل جميع المحافل البهائية و مراكزها الموجودة في الجمهورية و بوقف نشاطها. و يقضي في مادته الرابعة بمعاقبة المخالف بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، و بغرامة لا تجاوز مائة جنيه، أو باحدي هاتين العقوبتين. و حيث أن النشاط الذي يؤثمه القانون هو كل نشاط سواء كان يتمثل في أداء شعائر البهائية أو الدعوة اليها طالما اتخذ صورة مادية. و حيث بان من التحريات و التحقيقات أن المتهمين قد تحايلوا علي القانون بأن قاموا بعقد اجتماعات دورية سرية مرة كل تسعة عشر يوما بمنازل أي منهم بقصد مباشرة نشاطهم، و استمرار هذه الاجتماعات هو بمثابة استمرار لنشاط المحافل البهائية، الأمر الذي يجعل أركان الجريمة قد توافرت. و حيث أن الجريمة ثابتة باعتراف المتهمين، أصدرت المحكمة حكمها بحبس بعض المتهمين ثلاث سنوات مع الشغل، و كفالة ألف جنيه لكل منهم لوقف التنفيذ و المصروفات الجنائية.. و قد استأنف المتهمون، و قيل الاستئناف شكلا موضوعا و نظرت محكمة الاستئناف القضية و أصدرت حكمها الاتي: حكم محكمة الاستئناف استأنف المتهمون الحكم، و برأتهم المحكمة، و ورد في حيثيات الحكم أنه ثبت يقينا من أقوال المتهمين و التحقيقات أن أيا من المتهمين لم يباشر نشاط المحافل المنحلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 263 لسنة 1960 و أن الضيافات التي تعقدها هي زيارات منزلية، لا ترقي الي مرتبة النشاط المحفلي المنظم و المؤثم و لم تستبن المحكمة من الأوراق ما ينبي‌ء عن وجود هيكل اداري أو نشاطات معينة تهدف الي احباء تلك المحافل، كما لم يثبت من الأوراق أن أحدا من المتهمين يبشر بعقيدته أو يدعو اليها آخرين، بعد صدور القانون الذي يحظر ذلك، الأمر الذي يكون معه الحكم الصادر بادانتهم غير قائم علي سند من الواقع، جدير بالالغاء، و من ثم تقضي المحكمة ببراءتهم من التهمة المنسوبة اليهم، عملا بنص المادة 304 من قانون الاجراءات الجنائية.. [ صفحه 211]

مذكرات الجاسوس الروسي (دالكوركي)

مقدمة

و نقلها للعربية السيد أحمد الموسوي الغالي عن مجلة الشرق السوفيتية سنة 1924 - 1925 تعرضت في كلامي عن نشأة الباب و البابية، كما تعرض بعض من كتبوا عنه الي هذه المذكرات، و اقتبسوا منها بعض الفقرات، التي تبرز جزءا من حياة الباب حين كان طالبا في حلقة «السيد كاظم الرشتي» خليفة «الشيخ أحمد الاحسائي» في دعوة أو فتنة جديدة في المذهب الشيعي الاثني عشري أعدوا لها، حتي ظهرت في شخص الباب».. و ساعد علي ظهورها و نموها عوامل متعددة، لعل أقواها و أشدها فعاليه ما فعله هذا الجاسوس الروسي الذي التحق بالعمل في السفارة السوفيتية في بدء أمره.. مما تقرره في وضوح هذه المذكرات التي كتبها باللغة الروسية ثم نقلت الي الفارسية، و من الفارسية نقلها للعربية «حسين أحمد الموسوي الفالي» و نشرت بالمجلة السوفيتية في سنتي 1924 - 1925 م.. و قد رأيت وضعها كلها أمام القاري‌ء، و عدم الاكتفاء بما نقلته عنها من فقرات في ثنايا الكتاب، لأنها تصور بجلاء خبث المنبت الذي نبت فيه هذا المذهب أو الدين «والذي خبث لا يخرج الا نكدا».. و قد تفضل الأخ المؤرخ العالم الأستاذ السيد سالم الألوسي فصور لي هذه المذكرات و أنا في بغداد في شهر نوفمبر سنة 1988 عن نسخة وحيدة لهذه المذكرات.. رأيت الاستغناء عن مقدمة السيد المعرب، و صفحتين من المذكرات... و بدأت هنا بحديث الجاسوس من أول سنة وصل فيها أو ورد - كما يقول - الي طهران - و أخذ يباشر مهمته.. و يكتب اسمه بالفارسية «دالكوركي» بالكاف الفارسية، و تعرب هذه الكاف الفارسية تارة بالكاف العربية و تارة بالغين «دالغورغي» و أحيانا «دالغوركي». و هذا هو نص تعريب المذكرات التي كتبها: في سنة 1834 م وردت طهران و كان في ايران وباء و قحط و غلاء و الناس كانوا فقراء بائسين و كان الموت و الفوت بكثرة. [ صفحه 212] و كان عنواني مترجم السفارة - الروسية - في طهران؟ و كنت متخرجا من دار الفنون، و الكلية العسكرية، و كنت مقبولا في كلية الحقوق و سياسة الوزارة الخارجية التي كانت مختصة بالذين كان لهم تصديق و توصية من الكلية العسكرية، و علاوة علي ذلك كان لي في البلاط الامبراطوري - الروسي - أشخاص متعددون. و كنت قادرا علي قراءة اللغة الفارسية و كتابتها كاملا، و في الكلية المختصة بالوزارة الخارجية كنت أكملت اللغة ترتيبا «ف» لذلك صرت مأمورا في طهران بدستورات سرية حتي السفير لم يكن مطلعا عليها. كنت لتكميل الفارسية محتاجا الي دراسة اللغة العربية [اذ اللغة العربية في الفارسية كاللاتينية في الفرنسية] «ف» لأن أطلع علي اللغة الفارسية كاملا بوسيلة كاتب السفارة وجدت لذلك أستاذا كان مازندراني الأصل و من أهالي قرية «اسك» - هي قرية من قري لاريجان - و كان اسم أستاذي الشيخ محمد، و كان من طلبة مدرسة «بامنار» و من تلاميذ الحكيم أحمد الكيلاني الذي كان رجلا فاضلا، صاحب عقيدة و ايمان و كان مسلكه العرفان. - «ف في كل يوم كنت باجازة السفارة أقضي ساعتين في منزله الواقع في السكة الوقفية و كنت أقرأ جامع المقدمات و أعطيه في كل شهر تومانا واحدا و كنت أتعلم علاوة علي النحو الصرف و نصاب - الصبيان - و الترسل، و تاريخ العجم. و بعد سنة صارت لي لياقة قراءة الفقه و الأصول أيضا. و بخدمه الشيخ محمد صرت مسلما و قلت له: ان علم السفير باسلامي يكون لي خطر النفس و أما الختنة ففي سن ثمانية و عشرين تضرني و علاوة يعلم السفير باسلامي فيخرجني من الوظيفة، بل يسبب قتلي فأصل «التقية ديني و دين آبائي» أنفذوه في حقي، و الشيخ محمد أيضا قبل كل ذلك بلا جدل. و كنت أصلي الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء كلها في منزل الشيخ و بواسطة الشيخ محمد الأستاذ تزوجت بنتا حسناء عمرها أربع عشرة سنة و كان اسمها «زيور». [ صفحه 213] و الشيخ كان لي صميميا بحيث كان يخاطبني كولده. و قد ثبت بعد أن «زيور» كانت بنت أخيه و خطيبة ابنه و لكنه توفي قبل الزواج. و البنت لكونها يتيمة كانت متربية في بيت عمها و الشيخ لصميميته بي قد زوجني بنت أخيه التي كان يحبها كأولاده. و لما كنت - في الظاهر - مسلما و صهره كان يود أن يعلمني كلما كان له من علم مرة واحدة، و علمني المطول و الشمسية، و تحرير اقليدس، و خلاصة الحساب، و الشفا ل أبي علي ابن‌سينا و شرح النفيس، و القوانين في الأصول، و كل ما كان يعلم من المنطق و الكلام. و بالتالي قد صرت في مدة أربع سنوات مجتهدا صغيرا حسن القريحة و المحاورة. و كان الشيخ محمد الأستاذ يذهب بي بعض الليالي الي منزل أستاذه و مرشده الحكيم أحمد الكيلاني الواقع في ممر «نوروزخان» و كان من البيوت الاعيانية الكبيرة. و كنت أنا أيضا كتلميذ. من تلاميذه أستفيد من كلماته. و في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك كنت مدعوا هناك للافطار و مثل واحد من الايرانيين أكلت باليد غذاء مفصلا. و كانت السفارة أيضا مطلعة علي ذلك اذ كنت أخبرتها أني في ليالي شهر رمضان المبارك لا أجي‌ء للسفارة. و كنت في تمام مدة شهر رمضان المبارك ساهرا ليلا و نائما نهارا. و في مدة هذا الشهر «المبارك» استفدت من الحكيم الكيلاني بلا نهاية.. و في الليالي كان يجتمع في منزل الحكيم أحمد الكيلاني جمع كثير و في ليالي الاثنين و الجمعة كان لهم محفل الذكر و كنت أنا أيضا من المريدين و كان لي أصدقاء و اخوة الطريقة بكثرة. و الميرزا آقاخان النوري أيضا كان من مريدي هذا الخانقاه و بواسطته كان متعلقوه الذين كانوا من أهل «نور» [167] كلهم من مريدي الحكيم أحمد الكيلاني. و كان من جملتهم الميرزا رضا قلي، و الميرزا حسين علي - البهاء «و أخوه» الميرزا بعين - حج ازل - الذين كانوا من خدمة الميرزا آقاخان و متعلقيه، و كثيرا كانوا يتظاهرون لي [ صفحه 214] بالصميمية و النفر الأخير الذكر صار الي صاحبي السر، و كانا يطلعاني علي الأخبار من كل مكان و ناحية و كنت أنا أيضا أعينهما بالعوض بجميع لوازم الاعانة. و كنت أنا من الحكيم الكيلاني منتفعا بلا نهاية مع أنه لم يكن مذعنا باسلامي واقعا. و كنت أسأله حل كل مشكلة و هو أيضا كان يحله لي بدون المماطلة. و سألت الحكيم العارف يوما أن ايران التي كانت بتلك العظمة و المقدرة و كان حدها آخر الهند، وحدها الآخر آخر الحبشة و كان شرق العالم و غربه لها منقادا و معطيا لها الجزية: كيف انحطمت من اليونان و العرب، و المغول؟ فقال: كما أن ظهور الجسم الخارجي في بدن الانسان يصير سببا للعلة و المرض و ينحرف المزاع عن الاعتدال، كذلك الأجنبي و الأمم الخارجية يعملون في المملكة هذا العمل بمعني أنهم يمرضون الملك و الملة (كالجراثيم المهاجمة علي البدن من الخارج) و لا سيما اليهود، و المزدكيون اللذان كانا مؤسسي تخريب المملكة لأن في ابتداء الأمر كان اليهود و المزدكيون أوجدوا النفاق في بلاط شاهنشاه ايران الامبراطورية فهيأوا أسباب انهيار ايران و انحطاطها؛ و ضعف ايمان الأعيان و الأمراء اللادينيين، و اعتاد نكاح الأكابر نساء اليهود كل ذلك صار سببا لنفوذ اليهود في البلاط الامبراطوري بكثير، و بالاختلاف الذي ألقوه بين العظماء و السلطان كان العلماء يكفرون الناس. و كان الكليميون يبلغون الشاه «كذبا وزورا» أن رؤساء المذهب و رجال الدين و أعيان البلد يعادونه «و يبغضونه» فلذلك صار بينهم نفاق «و عداء» و استبدلوا الطاعة و الصميمية بالنفاق و الدسيسة، و الكذب و التزوير اللذين كانا في مذهب الايراني أسوأ الذنوب. فان هذين قد شاعا وروجا، و الطاعة و الصميمية قد زالتا. فثمة قوم من اليونانيين الذين كانوا الي ذلك اليوم ذليلي ايران و منكوبيها قد جرأوا عليها و تجولوا أرجاءها دون أن يعثروا برادع. و كان النفاق و الاختلاف شائعين في ايران بحيث كانوا يفتخرون بالخط اليوناني، [ صفحه 215] و المكاتبة باليونانية، و التشبه باليونانيين [168] و بعد موت اسكندر المقدوني، لم تستطع السلسلة الأشكانيون علي محو النفوذ اليوناني، و الأخلاق اليونانية و عادتها التي كانت لايران كالسم القاتل. و سلسلة السلاطين الساسانية أيضا كلما سعوا أن يروجوا دين زرادشت «و يعيدوه ثانية لعله يروج في ايران مثل الأول» و كل أداء رؤساء المذهب تقدير نظامات لم يتمكنوا و لم يقدروا علي ذلك اذ لم يكن للعلماء و سدنة النار ايمان أساس و عقيدة واقعية. و كان في البلاط أيضا بلا أديان فلم يكونوا معتقدين بشي‌ء، و كانوا يظهرون الاخلاص للشاه تزويرا و رياء. و مزدك الذي كان آخذا تعاليمه من اليونانيين الأسباكوسيين قد زاد أيضا في طنبور ايران نغمة جديدة [169] و جاء بمذهب جديد و ذلك المذهب أيضا قد أتي الي ايران ببؤس و شقاء فوق جميع البأساء و الشقاء. و كان معينا لليهود. و في جانب مغرب ايران أيضا صارت المسيحية ذات نفوذ واسع، و كان هذا أيضا اختلافا آخر قد أضيف علي سائر الاختلافات. أجل قد تبدلت تلك الوحدة و الاتفاق بالنفاق و الافتراق و اختلافات التي وجدت في ايران بواسطة اليهود و مزدك و المسيحيين مما صارت سبب ضعف المملكة و الشعب «كلتيهما»، فلذا غلب قوم من العرب بأمر الله الأكبر علي تلك الملة العظيمة - الايرانية - فغلبوا هنالك و انقلبوا صاغرين.. و رب العالمين قد اصطفي شخصا بين الملة التي كانت تعيش بواد غير ذي زرع. و في قطر لم يكن له ماء و كلاء، و ما كان لهم قوت يسدون به الرمق، و كانوا يفتخرون برعي البعير.. فبعثه ليجمع الشرق و الغرب «و العرب و العجم تحت لواء دين واحد ليكون بنوا آدم جميعهم أخوة في الواقع»، و يمحو بذلك الاختلافات العنصرية، و ليكون هذا الدين لقاطني الكرة الأرضية جمعاء و لا يختص بالعرب فقط. [ صفحه 216] و لكن بعد رحلة النبي صلي الله عليه و سلم ذلك الدين الحنيف الحق الذي كان حبل الله المتين، و سبب وحدة المسلمين صار ألعوبة المنافقين. و أعداؤه اغتنموا الفرصة بواسطة رجال من المسلمين الطالبين للجاه و الرئاسة أوجدوا فيه النفاق و الاختلاف و استبدلوا الأخوة الواقعية بالعداوة و البغضاء. فصارت الاختلافات سبب سوء حظ المسلمين و انهيار الاسلام. و بالتالي اشتدت الاختلافات بحيث احتلت الدول الأجنبية قهرا و عدوانا قسمة عمدة من مملكتنا - ايران - و كذلك قسمة عمدة من المملكة العثمانية. ولو لم تكن الاختلافات بين المسلمين أنفسهم لما كانت للدول الأجنبية هذه القدرة «و الجسارة». أجل قال في الختام: ان دين الله كان واحدا أبدا، و كلما قال به آدم، و موسي، و عيسي، و خاتم النبيين «محمد صلي الله عليه و سلم» كان الجميع علي نهج واحد، لا تبديل لسنة الله، و ناموسه لا يتغير، و ان عمل البشر بسنة خاتم الرسل فكأنه عمل بسنة آدم، و موسي، و عيسي، و مائة و أربعة و عشرين ألف نبي؟ الذين بعثوا من أول الدنيا الي آخرها لأن سنة محمد صلي الله عليه و سلم هي سنة الله و لم تنلها يد التحريف و التبديل و الخيانة و أما سنة سائر الأنبياء فقد نالتها بواسطة الرؤساء المحبين للذات و الجاه يد التحريف و التغيير فلا تضمن و لا تتعهد سعادة البشر و لا تقدر علي تضمين و تعهد السعادة للبشرية. و توضيحا للطلب اضرب لكم مثلا آخر و هو أنه لو ابتليت زوجة رجل مسيحي بمرض الدق و السل فالرجل المسيحي لا يستطيع أن يطلق زوجته لأن الطلاق مخالف لسنة الانجيل الذي هو بين أيديكم و لا يستطيع أن ينكح غيرها أيضا فهذه الوسيلة تنقطع أصول الاجتماعات و القوميات، و ازدياد النسل. فليس هذا الدين دين سعادة البشر و استراحته بمعني أنه ليس بدين الله، و الله تعالي قد بعث الأنبياء لسعادة البشر و راحته لا لاتعاسه و انحطاطه. و لا يستطيع أحد أن يعترض علي سنة خاتم النبيين «محمد صلي الله عليه و سلم» أصولها و فروعها أقل اعتراض. و غير مخفي أن اعانة المساكين، معاضدة الفقراء، النظافة، الطهارة، اكثار النسل، حفظ الصحة، حسن الخلق، الفتوة، الوفاء بالعهود، أداء الحقوق، انتشار العلوم و الفنون، العدالة، الاحسان، الرشادة، الشهامة، ادخال السرور في القلوب، تربية الأطفال بالصفات الحميدة، دعوة البشرية الي تعمير الدنيا، و اكتساب العلوم و الفنون و نشرها و الصدق و حسن النية و محو الاختلافات العنصرية [ صفحه 217] و احترام عامة الناس أنفسهم و أموالهم و نواميسهم و امتياز الفضل و آلاف سنن مفيدة أخري هي التي تنحصر طريقة سعادة البشر في العمل بها، و تلك السنن كلها من واجبات الدين الاسلامي. و قد أمر الدين بكل خير و نهي عن كل شر، و قد نهي عن أكل لحم الخنزير و شرب المسكرات. و أمر الرجال و النساء و الكبير و الصغير بتحصيل العلوم و طلبها و ان يكن مستلزما للسفر الي أقصي البلاد [170] ؛ و أمر بالسبق و الرماية؛ و نهي عن العطلة و البطالة. و سن آلاف سنن أخري مفيدة للبشر، و بالأخص النظافة و الطهارة و الأخوة و المساواة و طلب التقدم و الرقي. و قد أمر بالمشاورة في الأمور. الملل الأوروبية تكذب في انها مسيحية لأنها لو كانت مسيحية فما هذه المدافع و البندقيات التي اخترعوها لازهاق أرواح خلق الله؟ المسيح قال في الانجيل الذي بأيديكم: ان ضربتم علي خدكم الأيمن فحولوا الي الضارب الطرف الأيسر أيضا. فلم لا تعملون بسنته؟. و أما سنة الاسلام فهي الجهاد في سبيل الله فاللازم أن يحارب النفاق و الشرور دائما، و أن يكون المسلمون دائما في تعبئة العدة و تهيئة العدة في سبيل الدين، و جهاد الكفار و المشركين، و محو الاختلافات العنصرية عن صفحة الدنيا، و جمع الخلق جميعا تحت دين الله الواحد و لواء الاسلام. ثم قرأ الشيخ في ذلك المجلس أبياتا من أشعار الميرزائي القاسم قائم مقام [171] و أشعار نفر آخرين و أنا حفظت في ذهني هذا: «سلامة نه بصلح يحنك ات نه حاضر كردن توب و تفنك ات» تعني: السلام ليست بالصلح و الحرب، و لا بتفجير المدفع و البندقية، و أشعار أخري التي انمحت عن خاطري. و قد علمت من الشيخ أن الميرزا أباالقاسم قائم مقام الذي هو عدونا [172] يكون له المراودة مع الحكم أحمد سرا فيلزم اهلاكه بوسيلة. [ صفحه 218] و مختصر الكلام أن في ليالي الرمضان المبارك استفدت أنا بمحضر الحكيم أحمد الكيلاني بلا نهاية و لا سيما الاستفادات العلمية، و نلت اطلاعات مفيدة فخابرت الوزارة الخارجية الروسية بالأخبارات كما هي بأجمعها فصار ذلك سبب ترفيعي و زيادة راتبي و ضاعفوه ضعفين، و أنا أيضا زدت في الجد و الجهاد حتي أن السفير الروسي و نائبه قد حسداني، و لكنهما كانا غافلين بأني أخابر الوزارة «الخارجية الروسية» كل يوم حتي الجزئيات. و أما السفير فأخبر الوزارة حسدا بأني صرت مسلما و ألبس العمامة و الرداء و أتردد ببيوت الأعيان و العلماء مع العمامة و الرداء، و أني أنتعل بنعال صفراء. و لكنهم أجابوه: أن دعه بحاله و لا تزاحمه، و قوه كاملا و لا تخالفه أقل المخالفة. و كان هذا لأني من العام الأول أخبرت دولتي المتبوعة بكل ما كان من دون زيادة و نقصان، و كتبت اني للاطلاع الكامل علي أوضاع ايران لابد لي الا أن أتظاهر بالاسلام، و أتلبس بلباس أهل العلم لكي لا أمنع من الدخول بالمحافل و المجامع. و لكني كنت لدي أستأذي أتظاهر عكسا أن اسلامي يكون سريا و لازم أن لا يعلم به أحد من الروسيين و الفرنجيين و لا يطلعون علي حالي و أسراري فيسبب قتلي و ترميل ابنة أخيك. و كان يعطي الشيخ محمد في كل شهر بوسيلته الشعبة السرية في الوزارة حسب حوالتي عشرة توأمين يتوسط أمين الصندوق في السفارة. و مصرف بيت الشيخ كان كل يوم قرانين. و قد بنا بدستوري مما كان يبقي من المبلغ في كل شهر بيتا و حماما من الأجر - الطابق - و كان في ضلع شمالي البيت ايوانان جميلان و ممشي في الوسط و غرفتان كانتا فوق الايوانين، و كانت للبيت و غرفاته أبواب جميلة، و في الأيوانين و مكان نومي زجاجات ملونة. و بنيت لخدمة رفقتي و أصدقائي غرفة خاصة ذات باب ذي مصراع واحد و كانت لها روزنتان و بظهرها كانت فرجة صغيرة يمكن أن ترمي منها ظروف الرسائل و المكتوبات في صندوق صغير كان موضوعا في داخل الغرفة «تحت الفرجة» و كل من كان من رفقتي له خبر أو مطلب كان يكتبه [ صفحه 219] و يرميه مستقيما في الصندوق و كان الميرزا حسين علي - البهاء - أول من ورد هذه الغرفة و أخبرني بمطالب مهمة جدا. و خلاصة الكلام أن رمضان السنة الثانية و الثالثة أيضا قد انقضيا و في هذا الرمضان «المبارك الثالث» كان لي علاوة علي اكتساب المعلومات و الاطلاعات المفيدة العلم بطريق تكوير العمامة أيضا. و كانت لي ألبسة عديدة من العمامة و القباء و الحذاء الساغرية و النعلين المنطقات الظريفة. و كانت كل هذه الألبسة المهيئة لي مثل ألبسة العلماء المتشخصين و المعنونين. و في أوقات الصلاة كنت أتحنك و أقرأ التعقيب أذكارا و أدعية كثيرة. و خلاصة الكلام أني كنت «آخوندا» بتمام معني الكلمة، و كنت لا أعبأ بكل حادث و جديد، و بدستور الوزارة الخارجية «الروسية» و البلاط الامبراطورية «التذاري» كنت أحكم بكفر كل من يريد التقدم و الرقي لايران في كل موقع و لم أشتبه في الأمور السياسية أبدا. و كان اشتباهي فقط «في مورد واحد» و أن بعد موت فتح علي شاه قد خركت ظل السلطان أن يدعي السلطنة غافلا عن قرار عباس ميرزا ولي العهد سرا، مع الدولة الامبراطورية. و لكن لما أمرت من البلاط بمساعدة محمد ميرزا بن عباس ميرزا [173] ولي العهد فقد عكست العمليات «ظهرا لبطن». قبضوا علي عدة من هؤلاء المساكين في «نكارستان» لكني لم أدعهم أن يسملوا أعينهم و يعمومهم فاكتفوا بتبعيدهم و نفيهم الي «اردبيل». و بعد مراسلات مع وزارة خارجية الامبراطورية الروسية هيأت أنا وسائل فرار أولئك الي روسيا. «ف» ظل السلطان، و ركن الدولة، و «امام وردي ميرزا» و «كشيكجي باشي» مع محافظيهم و موكليهم الذين كانوا مرسلين معهم من طهران كلهم فروا بهم الي روسيا [ صفحه 220] لكي يكونوا هناك فلو لم يطع محمد باشا أوامر الدولة الامبراطورية تجعل هؤلاء له. «أباالهول» و أنا اقترحت أن يكون هؤلاء «الشاه زادكان» [174] تحت حفاظة الدولة الروسية و تجعل لهم نفقة مكفية و يكونوا تحت الرقابة و لكن بعدما صار محمدشاه لي صميميا كتبت سرا «الي روسيا» أن يرسلوا هؤلاء الي المملكة العثمانية. و حركت محمد شاه أن يطمع في فتح «هرات» و يرجع الأفغان و يجعلها كما «كانت» في السابق جزءا لا يتجزأ لايران و يجعل هناك بالتدريج جيشا كالجيش الذي فتح النادر «شاه» به الهند و كان قصدي من ذلك نفتح نحن بأيدي الجيش الايراني هذا الفتح و نتملك آسيا بأسرها. و محمد شاه قد وفق لفتح «هرات» و لكن رقيبنا [175] صار مانعا عن ذلك و بوسائل عديدة منع الدولة الايرانية عن هذا العمل. و محمدشاه كان يعلم أن أباعباس ميرزا بواسطة الدولة الامبراطورية الروسية كان ولي عهد ايران. و علاوة كان يعلم أنه بواسطتنا ملك تاج و عرش ايران. و كان هو معنا صديقا صميميا، حتي انه كان يفصل من الوظيفته سرا كان يعاهد رقيبنا أو سائر باسم تقدم ايران ورقيها، فكان يعاقب هكذا الأشخاص كلا بحسب أعماله و أفعاله تبعيدا و نفيا أو يدس اليه السم فيقتله به. و لذلك كان الوزراء أيضا عالمين بتكاليفهم، و كان جميع «الشاه زاد كان» و العلماء و النبلاء و الأعيان متوجهين الينا في السر. و أغلب الأمور كانت تحل و تعقد بنظرنا. و لم تكن لأي لير أو وزير جرأة مخالفتنا و محمد شاه كان يعامل الدولة الامبراطورية بما تشاء. و أنا في خلال هذه المدة صرت كاملا مطلعا علي أوضاع و أخلاق و عادات العلماء و الأمراء و التجار، حتي النسوان في ايران. و قد جاء رمضان السنة الرابعة و كان تقريبا خمس سنين أنا كنت في ايران مشغولا بالتحصيل و المطالعة و التعب و السعي و التضحية في كل عمل، و كنت موجها لدي [ صفحه 221] البلاط الروسي و الوزارة الخارجية الروسية و كنت كاملا فرحا فخورا من أوضاع نفسي. و زوجتي «زيور»، أيضا قد ولدت و جاءت لي بابن ذهبي الشعر و كان في الشباهة لي كأن تفاحة شقت نصفين. فأعطيت الولائم و استخرجت لتسميته أسامي عديدة من القرآن و القرعة خرجت باسم علي ففرحت و سررت بلا نهاية، و صار اسمه «علي كنياز دالكوركي» و بهذا أخبرت دولتي المتبوعة. ولكن تظاهرت للشيخ محمد و أصدقائي أن السفارة الروسية و الأجانب لا يدرون بذلك. أجل في هذا الرمضان المبارك الرابع أيضا كشهور الرمضان الماضية كنت في الليالي من وقت الافطار الي السحور في منزل الحكيم أحمد الكيلاني بمعني أني كنت أبيت عنده أكثر من الشهور الأخري اذ كنت في ذلك المحفل العرفاني في غير شهر رمضان المبارك ثلاث أو أربع ساعات من ليالي الاثنين و الجمعة فقط. في ليلة من ليالي شهر رمضان «المبارك» سألت الحكم و قالت: مولاي ان الاسلام متشعب بشعبات مختلفة فأي شعبة منها حق و أيها باطل؟ فقال: ليس للاسلام شعبات و الاسلام عبارة عن الله و القرآن، و أصول الدين واحد و فروع الدين واحد، و موضوع الاسلام هو الشهادة بتوحيد الله و برسالة محمد المصطفي صلي الله عليه و سلم الذي جاء من جانب الله بالقرآن المجيد لأهل الدنيا و لسعادة البشر، والاسلام ليس سوي هذا. و أميرالمؤمنين عليه‌السلام علاوة علي أنه كان ابن عم النبي صلي الله عليه و سلم و صهره كان أول من آمن بالله و برسوله صلي الله عليه و سلم و كان أباالحسين. و النبي الأكرم صلي الله عليه و سلم قبل رحلته «الي لقاء ربه» أمر ابن عمه و صهره الذي كان أفضل الناس أن يكون علي حسب القوانين و السنة الاسلامية خليفته و امام المؤمنين. و لكن علي بن أبي‌طالب (عليهماالسلام) لما رأي مشاغبة بعض المنافقين و المفسدين اختار انزواء كي لا يفترق المسلمون. و كان هناك نفر من المغرضين و المبتغين للزعامة و الرئاسة فغيروا الوضع و بدلوه، و الدين الحنيف الذي أرسله الله لرفعة البشر و سعادته و كان لجميع العناصر المختلفة الساكنين علي الكرة الأرضية أرادوا الاستناد عليه و حصره بأنفسهم، كي يسلطوا به علي الدنيا و تكون لهم السلطة و السلطنة، فخالفوا الحديث النبوي و سنة الرسول صلي الله عليه و سلم و أمره [176] و أعراب ذلك اليوم [ صفحه 222] الذين قال الله تعالي في حقهم: «الأعراب أشد كفرا و نفاقا» بأصل اللجاجة قد انتخبوا شخصا.. فكان ذلك بدأ التنازع و التشاجر؛ و بعد دور صار يزيد بن معاوية سلطانا. و بنو أمية ظلموا و جاروا علي المسلمين بكل ما كان بوسعهم و حتي أن الحسين بن علي عليهماالسلام الذي كان من ذرية رسول الله صلي الله عليه و سلم قتلوه لأنه قال: ان أعمال يزيد تكون علي خلاف دين الله و هذه الحكومة حكومة غير اسلامية فلازم أن يخلع يزيد (عن السلطة الاسلامية).. فقتلوا الحسين عليه‌السلام لقوله ذلك و أسروا أهله و عياله.. فصارت الاختلافات شديدة، بل صيروها أشد من ذي قبل.. ثم قال الحكيم: فرائض الاسلام الخمسة المعمول بها بين المسلمين كلها واحدة، و أئمة المذاهب كأبي حنيفة، و الشافعي، أو الحنبلي، أو المالكي، أو الامام جعفر الصادق عليه‌السلام لم يكن بينهم في أصل الدين أي اختلاف، و كما أن اليوم يكون في العتبات العاليات نفر من المجتهدين، و كل فرقة تقلد واحدا منهم، كان أولئك أيضا كذلك. فبهذا النمط كانت فرقة تقلد الحنفي، و فرقة تقلد الشافعي، و فرقة تقلد الامام جعفر الصادق عليه‌السلام، و هكذا.. و هؤلاء لم يأتوا شيئا تلقائيا و اختلافهم لا يكون الا في الفروع و الجزئيات.. و أما أصل الدين فواحد و ليسوا فيه بمختلفين. و أنا - كنياز دالكوركي - قلت: كلا ليس كذلك و الشيعة يسبون هؤلاء. فقال - الحكم - المسلم. لا يسب صحابة رسول الله صلي الله عليه و سلم أبدا و أنا مخالف لذلك. و أميرالمؤمنين عليه‌السلام انزوي و صار حليف البيت و لم يدع أن يحدث أي اختلاف، و شخص علي بن أبي‌طالب لم يكن طالب جاه. و كل من كان في ذلك اليوم مريدا لايجاد الاختلاف كان علي عليه‌السلام يضاده و يقاومه و كان هو يحل مشكلة، و كان يؤالف المخالفين «يعني مناوئيه». و بعد كل ذلك علم المسلمون بشناعة أعمال بني‌أمية فعدلوا عنهم و عزلوهم، و نصبوا بني‌العباس مقامهم. و ان تكن اليوم تقلد الشيخ الأحسائي أو السيد كاظم الدشتي [177] لا هذا كافر و لا [ صفحه 223] ذاك، و الاسلام دين واحد، والله واحد، و القرآن واحد، و كل من كان من المسلمين ولي الأمر أو خليفة فان في القرآن، و الأحاديث، و السنة النبوية لا يحدث تغيير و تغير و دين الله واحد، أنت كن نظيفا وصل مع الطهارة، و صم، و زك، و عاون الفقراء و الأيتام و ابن السبيل، و لا تكذب، و لا تفتر، و وازر خلق الله، و كن مؤدبا و جميل الفعال و لا تكن لك نية سوء لتكن مسلما. و لكن الأسف أن في الحين الذي كان هذا الفاضل الحكيم و المسلم النزيه الذيل و الزكي الدين يقول هذه المقالات و ينصح هذه النصايح كنت أنا أتخطر و أفكر بأن كيف أكثر الاختلاف بين المسلمين، و كيف أسخر ايران بوسيلة ايجاد النفاق و سوء الظن و «كان» تمام همي ايجاد طريق النفاق و الافتراق بين المسلمين. انقضي الرمضان «المبارك» و أنا كنت أربي نفرا من أصحاب سري تربية الجاسوسية. و لم تكن لأي منهم لياقة الميرزا حسين علي - البهاء - و أخيه - الميرزا يحيي حج أزل. الحق و الواقع أن الايرانيين وطنيون، و الجاسوسية عندهم رذالة و دناءة، و النميمة لديهم عمل قبيح بشع، و الخلاصة أن نسل الايرانيين كلهم غياري و وطنيون. و أولوا ذكاء بلا نهاية. بعد الرمضان «المبارك» في يوم الاثنين و كان الحر شديدا جاء الميرزا حسين علي - البهاء - لملاقاتي و لكني كنت خارج مدينة طهران بفرسخين، و بعدما رجعت الي طهران رأيت في صندوق الرسائل مكتوبا منه و كان أخبر فيه أن قائم مقام «رئيس الوزراء» كان ليلة البارحة لدي الغروب في بيت الحكيم أحمد الكيلاني و أنا - الميرزا حسين علي بواسطة «كل محمد» خادم الحكيم بعنوان أن أري الصدر الأعظم - قائم مقام - و أنظر اليه دخلت حجرة المقهي فسمعت الحكيم يقول لقائم مقام: هذا الشخص - ليس محمد شاه - ليس لائقا للسلطنة و هو خادم الأجنبي، و الشاه لازم أن يكون ايرانيا زكي الطينة مثل الزندية. فوسائل هذا العمل - أخلع محمد شاه - لازم أن تعبا و تهيأ بواسطة الأعيان و الضباط و بمساعدة هؤلاء. و الجار الجنوبي - بريطانيا - حاضر لمساعدتنا بكل طور و نوع. و الحكيم أحمد أيضا كان يصدق و يقول: بكم و بتدبيراتكم نال هذا الشخص [ صفحه 224] السلطنة، و أنا قلت لكم في هذا الخصوص بكرات و كانت لذلك مواقع و موارد و لكنكم منعتم، و بالخصوص حين كنا في «نكارستان» و كان أغلب أولاد الشاه الصلبيون مدعين للسلطنة و ان لم يكن لديكم من أكابر الزندية فكان «علي ميرزا ظل السلطان» - ابن فتح‌علي شاه القاجاري - حاضرا و علاوة فعلي الأقل كنت تنصب بين هؤلاء النفر من أولاد الشاه من يكون لائقا بسرير السلطنة. فقال قائم مقام: ستلاحظون أن هذا الشاب المريض الذي يكون خادم الأجانب كأبيه سيرتحل من الدنيا و لا ينال عيشها و لذاتها، و الحق يرجع بعد ذلك الي صاحبه. بعد قراءة هذا المكتوب ذهبت بالفور للسفارة و دعوت غلام باش فمن دون أن أكلم أحدا ذهبت مستقيا الي «باب همايون» و أخبرت أن من جانب دولتي لدي مطلبا لازما و لازم أن أواجه شخص الشاه فأعرضه عليه. فجاء الشاه من الداخل مشوشا. فأتيت بمراسم التعظيم، و قلت: ان المطلب سري فأعطيته سواد المكتوب فشاورني في الأمر و قال: تمضي الشهور و أن الصدر الأعظم مع اني أعطيته الاختيارات التامة يريد أن يجبرني علي مخالفة الدولة الامبراطورية فأطالب بمدن ايران «القفقازية المغصوبة» و استردها و أن استقدم من فرنسا أو انجلترا و أربي جيشا مدربا و أشتري الأسلحة الحديثة من الدول الخارجية و أفتح مدرسة كالفرنج. و يقول أن الانجليز أيضا يعطون لهذه مبلغا كثيرا بلا عوض لنهيي‌ء و نعبي‌ء الجيش. أنا صرت متحيرا من بساطته و سذاجته اذ مراودتي اياه لم تكن الا أشهرا و مع ذلك فانه أفشي لي جميع أسرار دولته. فعرضت أن اللازم أن يزال كلاهما - قائم مقام و الحكيم الكيلاني - من الوجود فقال: أما قائم مقام فغدا أكافئه جزاء أعماله ولكن الحكيم أحمد أمره مشكل جدا اذ له مقام الروحانية و الارشاد و العظمة. فقلت: ان اهلاك الحكيم بعهدتي و أنا أتعهد ذلك. ففرح كثيرا و قبلني و قال: بارك الله فيك.. مذ صرت مسلما صرت معاضد المسلمين. فأعطاني خاتم الماس برليان، و خاتم زمرد ثمين. فرجعت الي المنزل هيأت سما قتالا و دعوت الميرزا حسين علي - البهاء - و أعطيته سكة ذهبية من سكة فتح‌علي شاه و أعطيته السم و أمرته أن يدسه في طعام الحكيم الكيلاني بكل طريق ممكن و يقتله. [ صفحه 225] و الهاء في يوم الثامن و العشرين من شهر الصفر سنة 1251 ه ق بالوسيلة التي كان يعرفها دس السم في مأكل الحكيم و قتله. و الشاه أيضا دعا قائم مقاما الي «نكارستان» و الحقة بالحكيم الكيلاني «خنقا» في آخر الصفر سنة 1351 ه ق و قد أديت أنا وظيفتي قبل الشاه. فوقعت في بيت الحكيم ضجة عجيبة، و الحكومة حجزت بعد وفاته عشرة أو اثنتي عشرة قرية التي كانت له بأطراف طهران و في مازندران، و جعلت كلها خالصة للشاه. و لذلك علم الناس أن موت الحكيم كان بوسيلة محمد شاه. و الحاصل اني تشرفت بخدمة الشاه بعد وفاة قائم مقام مجلسا آخرا و مع أن نفرا آخرين كآصف الدولة، و الله يارخان، و غيرهما كانت لهم داعية الصدارة فان الشاه أصدر أمير صدارة الميرزا آقاسي [178] الايرواني الذي كان معلمه أيام ولاية العهد، و كان كاملا مطيعا و حسن المشي، و الميرزا آقاخان الذي كان من الأصدقاء لنا جعله وزير الحربية و سرني «ذلك» بلا نهاية و أنا صرت صاحب أسرار الشاه بحيث أن السفير «الروسي» حسدني و أخذ معي في مجادلات بلا جدوي و لكن من جانب آخر كانت دنياي من كل جانب و جميع العيثيات مترقيه. و أستاذي الشيخ محمد كان يحسب رقي هذا من مقدم ابنة أخيه «زيور» و ابني «علي». و أنا قلت: لا شيخنا هذا يكون من بركة الاسلام و الصلاة، فقال نعم يا ولدي ما قلته أنت هو الصواب و بنت أخيه «زيور» كانت علقتها بلا نهاية. و كنا في الليل نشرب الخمر معا و كنت أعاملها كزوج و زوجة فرنجيين و قد كانت هي متجاسرة علي بحيث أن زوجة عمها كانت أحيانا تنصحها و تقول لها: لم تفعلين كذا و كذا؟ و أنا أقول لزوجة عمها: دعيها فأني أحب أن تكون هي كذلك. و كلما كانت تريد من الأثاث و اللباس كنت أهيئة لها بلا تريث، و كانت لها أثواب و ألبسة ذهبية، و من المخمل الكاشي، و ترمة الكشمير متعددة و كذلك أقسام المجوهرات، و هيأت لها أثاث البيت الاعيانية الممتازة و لكن كانت علقتها بي أكثر من [ صفحه 226] الأثاث و المجوهرات و النقود و كانت تحبني بلا نهاية، و أنا أيضا كنت أتظاهر لها بعلقتي بها بلا نهاية. و أنا كنت أذهب الي السفارة كل يوم لأخبر بما كان عندي «من الأخبار» و هي أيضا كانت تذهب لبيوت العلماء المعروفين للاستطلاع علي طريق معايشهم و علي أنهم مع من تكون لهم العلاقة و الصداقة و مع من يكون ذهابهم و ايابهم و مراودتهم أكثر. و لمن يكونون أطوع و أسمع و فيما يكونون أكثر رغبة و ميلا.. فكانت هي تخبرني بذلك و أنا بمقتضي حال الأشخاص كنت أرسل اليهم الأموال ذهبا و غيره، و بوسائل مختلفة كان محور علماء طهران و الأعيان و النبلاء بيدي. و كل وزير وطني و محب لوطنه اذا كانت له مراودة مع رقيبنا - الانكليز - فاما بوسيلة العلماء المعتبرين كنت أكفره، و اما مثل قائم مقام أرسله الي «نكارستان» [179] . و كانت سياستي جلب العلماء و «الشاه زدكان» و الأعيان و الأشراف بوسيلة المال و النقد، و كان هذا أول مرة أنا غلبت كاملا علي رقيبي بوسيلة هذه السياسة، و صارت «هذه» سبب تقدمي و رقيي في البلاط «الروسي». و كانت المصاريف السنوية لهذا العمل في بداية الأمر عشرين ألف مناط الذهب، و النتيجة لما كانت جيدة و حسنة تصاعدت هي - المصاريف - الي خمسين ألف مناط الذهب. و كنت أعطي في كل سنة من المبلغ هدايا ثمينة من روسيا و الفرنج للعلماء و الأعيان و «الشاه زدكان» و ذوي النفوذ. أجل صار نفوذنا في البلاط الايراني و فيرا بحيث كلما شئت أن أفعل فعلت وصرت من البلاطيين بحيث أنهم كانوا يدعونني في كل محفل و مجلس و كنت أنا أيضا كالعلماء ذوي النفوذ أتدخل واقعا في الأمور كلها. و الميرزا نصرالله الأردبيلي عين بواسطتي رئيس الوظائف، و الميرزا مسعود الآذربايجاني وزير الأمور الخارجية. و «بهمن ميرزا» حاكم «بزوجرد» و «سيلاخور» و «منوجهر ميرزا» حاكم «كل بايكان» و فضل علي خان (القرة باغي) حاكم مازندران. و لم أر أن يعطوا الحكومة لآقاخان المحلات و لكنهم أعطوه حكومة «كرمان» و بالعوض نصبوا من الأصدقاء نفرا آخرين مثل «خان لدميرزا» الذي أعطوه حكومة يزد، و «بهرام ميرزا» الذي أعطوه حكومة «كرمان شاه». [ صفحه 227] أجل كل من الوزراء و أمراء و حكام المدن الذين كانت معاملاتهم معنا حسنة صاروا أصحاب مناصب و أشغال حسنة. و حكومة فارس التي كانت لفيروز ميرزا فوضت الي منوجهرخان معتمدالدولة، و سكرتارية فارس صارت بعهدة فيروز ميرزا، و نصرالله خان بن أميرخان «سردار» صار رئيس الحرس، و الله وردي بيك الكرجي الذي كان صاحب سري صار أمين الخاتم «الهمايوني» و أنا حد الامكان كنت أقدم الرفقة و الأصدقاء، و جلالة محمد شاه كان ملاطفا بي بلا نهاية. و أما الذين كانوا بضدنا مثل حسن علي ميرزا شجاع السلطنة و محمد ميرزا حسام السلطنة و علي تقي ميرزا ركن الدولة، و امام وردي ميرزا الايلخاني، و محمد حسن ميرزا حشمة الدولة، و اسماعيل ميرزا، و بديع‌الزمان ميرزا ابن «ملك آراء» و ساير أصدقاء الميرزا أبي‌القاسم قائم مقام الدين كانوا معاهدين مع رقبائنا فنفاهم جميعا الي «اردبيل» و الشاه زاده ناصرالدين ميرزا استقربوا لآية العهد، و قهرمان ميرزا الذي كان من رفقة عباس ميرزا [180] في قراره السري - مع الدولة الامبراطورية الروسية فقد أحضره الشاه من خراسان و صار حاكم أذربايجان و سكرتير ولي العهد، و فريدون ميرزا صار منصوبا بحكومة فارس، و فيروز ميرزا الذي كان حاكم فارس نصبته بحكومة كرمان كي يعزل عنها آفاخان المحلاتي الذي كان مربوطا «الانكليز». صحيح أن الحاج ميرزا آقاسي كان في الظاهر هو المصدر الأعظم و لكن كنت أنا مربوطا بمحمد شاه بحيث أنه كان في أغلب الأمور الدولية يشاور معي، و كاملا كان يحسبني مسلما و طالب الخير و كان حظي عنده و اصلا الي أعلي الدرجة. [ صفحه 228] انتقام اليد الغيبية
مع جميع هذه الحظوظ الحسنة صارت دنياي دفعة كالليل المظلم فان طفلي أصابه الجدري فبعد خمسة أيام مات، و في طهران برز مجددا وباء شديد و جعلني دفعة واحدة وحيدا فريدا بلا قريب و حميم فان الشيخ محمد الذي كان أستاذي و كان بي أرأف من الوالد، و زوجتي «زيور» التي كنت أحبها كنفسي، و زوجة العم الشيخ محمد، هؤلاء كلهم ابتلوا.. و توفوا في أسبوع واحد. و في هذه المدينة القليلة الجمعية توفي بمرض الوباء أكثر من ثمانية آلاف نسمة و كعام أول ورودي صار القحط و الغلاء و الوباء في هذه المدينة شايعة. و مع أن هذا العام لم يكن له ثلث تلفيات ذلك العام فاني كنت أتصور أن الدنيا قد انقلبت و فني العالم كله. و مضي علي هذا العام بآلاف مرة أسوء من العام الأول. نعم كأن اسرافيل قد نفخ في الصور، و أنا كنت أنتظر الموت، و أياما كنت في حال البهت و نادما من أعمالي السيئة بلا نهاية بأني ما هيأت أسباب قتل أناس نقيي الثوب كالحكيم الكيلاني ذلك الزاهد الرباني. و الميرزا أبي‌القاسم قائم مقام باخبار من الميرزا حسين علي - البهاء. و في هذا الأوان «كراف سيمنويج» الوزير المفوض للدولة الروسية الذي كان رجلا جسورا و دساسا مفتديا قد كتب الي وزارة الدولة الامبراطورية أن «دالكوركي» يقسم و يصرف في السنة خمسين ألف مناط الذهب لأقرباء زوجته، و مصاريفه و شهواته الشخصية. و قبل خمس سنين كان يعطي أبا زوجته في الشهر عشرة توامين و الآن كل مدة يحسب له في الشهر ثلاثين تومانا و هو ميت قبل مدة. و لعل قصة زواجه أيضا ليس لها أصل... فالوزارة الخارجية طلبت مني توضيحات مفصلة. و لكني لما رأيت أن علقتي المفرطة بالبقاء في طهران قد صارت بالحوادث الجارحة للقلب ساقطة بالمرة و لا نوم لي و لا أكل و كادت نفسي أن تخرج من بدني غصة و رأيت أن الهجرة من طهران تكون لي أحسن، كتبت في الجواب أن من اللازم أن أعرض التوضيحات حضورا. [ صفحه 229] فلذلك طلبوني الي روسيا، و أنا أيضا وصيت جميع أصدقائي الطهرانيين بمخالفة «كراف سيمنويج» حد القدرة و الاستطاعة، و عرضت القضايا للشاه أيضا، و قلت له: لأني صرت مسلما قد سعي «كراف سيمنويج» المتعصب في دين المسيح بعزلي عن مقامي و لذلك أحضروني لروسيا. فكتب لي الشاه أيضا كتاب الرضاء و حسن السابقة مفصلا و عهد أن لا يساعد «كراف سيمنويج» و علاوة يطلب هو بعد أيام نقله و تعويضه. و لقد قطع هذا الوزير المفوض جميع رواتب أصدقائي و رفقائي حتي رواتب الميرزا حسين علي - البهاء - «و أخيه» الميرزا يحيي - صبح أزل - و الميرزا رضا قلي، و غير هؤلاء الذين كانوا يأخذون الرواتب سرا. فبقطعه رواتب هؤلاء قد هدم مؤسساتي جمعاء، و قلب و أعكس كل ما أنا فعلته و عملته و نقض كل ما أنا غزلته. و بعد خمس سنين و أشهر التي كنت أنا في ايران ثبت لي أن دين الاسلام حق و هو دين يستطيع أن يسعد البشر. فلم يبق لي «في ذلك» أي شك و شبهة، و كنت ناويا أن أدلل حضور الامبراطور و الأعيان و الأعاظم، و أكابر الدولة أن دين الاسلام ناسخ لجميع الأديان و لن يأتي بعده دين، و قبول هذا الدين لعموم الناس موجب لأجر الآخرة و الدنيا معا. اني خططت هذه الخطة لأسير بها الدنيا زمانا الي الهدوء و الصلح، و لكن للأسف أن بعد حضوري في الوزارة الخارجية و رؤيتي أوضاع سياسة تلك المملكة رأيت أن «أسكت عما بنيتي و لا أجري علي اللسان كلمة «من ذلك» اذ بعد توضيحات و اخبارات مفصلة و تشريحي لأوضاع مملكة ايران و آلاف سؤال و جواب علمت أني لو تكلمت بكلمة مما نويت لكان شخص «الكساندر» الثاني و امبراطور «روسيا» هو بنفسه يخنقني». فلذلك طفقت أدافع عن نفسي فقط فقلت: كان اسلامي من طريق التزوير لكي أستطيع الورود في كل محفل و مجمع و آخذ زمام سياسة مملكة ايران بيدي و صرت مسلما ظاهريا كي أبلغ النتيجة المطلوبة فنلت كما كان بودي، و ارجعوا في ذلك الي اخباراتي التي خابرت بها، و عملياتي التي أتيت بها و اني بألف دليل أثبت خدماتي، و بالبرهان و الدليل المنطقيين أثبت اعوجاج أدمغة سائر المأمورين. [ صفحه 230] أجل مدة أشهر متوالية كانوا ينظرون في فعلياتي و يطالعون عملياتي حتي أذعنوا جميعا أن خدماتي بارزة و عملياتي مبرهنة؛ و مع ذلك لو لم يكن لي في البلاط نفر من الأعوان و الأصدقاء لكان من الممكن أن يجاوزوني بهذه الخدمات القيمة الصلب و الاعدام. فهناك تخطرت بكلمات و نصايح «سرجان ملكم» وزير مفوض الانكليز اذ قال لي: نأخذ نتيجة اقداماتك و مساعيك هذه في مملكتك عكسا، و هنا - يعني في ايران - أيضا تصير سبب عداوة و رقابة «كراف سيمنويج». و سألني «سرجان ملكم» يوما عند ملاقاتي في منزل الشيخ محمد الأستاذ - ليري طفلي الصغير «علي كنياز»، و يشرب معي «قليان» محبة. فصار المعلوم أن جناب السفير - سرجان - مطلع علي جميع الأمورات في السفارة الروسية و أوضاعها و حتي علي أموراتي الشخصية و أوضاعي الداخلية. فاني أعذرت في الجواب و قلت: اني أعلم أن جناب السفير «كراف سيمنويج» يكون خصما لي فهذه الملاقات تتم لي غالية و ليست بمفيدة، و هذا أيضا و لكن من الممكن أن يسجنني و يقتلني. فلم يقل - سرجان ملكم - بعد شيئا. في كل شهر كانت تأتيني من الأصدقاء الطهرانيين رسائل و مكتوبات و كلهم كانوا يدعونني الي ايران، و حتي بعض عباد البطن منهم مثل الميرزا رضا قلي و الميرزا حسين علي - البهاء - و بعض الآخرين كانوا يدعونني لهريسة «اوز»، و «تهجين بلو» و «وبلو فسنجان» كي أرجع الي ايران، و لكن أغلب اظهاراتهم العلقة و الصداقة كان لأخذ مناط الذهب، و الا لم يكن لاظهارهم العلقة و الصداقة دليل آخر، «كما أن» اظهارهم النفرة من «كراف سيمنويخ» كان لقطعه رواتبهم الشهرية المستمرة فقط. و أغلب رسائل الأصدقاء كان فيها أخبار فتح «هراب» و أفغان و حتي طاعة تلك الحكومة مفصلا، فأنا اغتنمت الفرصة و عرضت كل ذلك علي الامبراطور، و عرضت أن مساعدة ايران في هذا الموقع لازمة حتما و لابد من مساعدة محمد شاه بالأسلحة و النقد فان هذه الفتوحات مع وجود محمد شاه و السلسلة الغاجارية تكون بنفع الدولة الامبراطورية الروسية. و لكن بعد تشكيل مجلس الشوري شخص وزير الأمور الخارجية خالف ذلك و قال: نحن اليوم لازم أن لا نخالف دولة الانكليز، ثم ليس بمعلوم أن دولة ايران ان قويت لا تنسي المقدرات السرية. [ صفحه 231] و أنا أتيت بألف دليل علي وفاء محمد شاه فلم تفد؛ و لما احتلت سفن الانكليز جزيرة «خارك» قرب «بورشهر» و أوجدت اختلافات في ايران أيضا لم تساعد دولة ايران «من جانب روسيا» فدولة ايران مع كمال اليأس صارت لابد بترك الفتوحات و تضرر مبلغا زائدا، فبدون أخذ النتيجة سحبت جيشها من أرض أفغان. و في غضون هذه المذكرات ثبت لدي أن أغلب أولياء أمورنا لهم رابطة سرية مع رقيبنا الانكليزي و يخبرونه بالمطالبة السرية. أجل استدلت لأولياء أمور الوزارة الخارجية بكل ما كنت أعلمه أن هذه المخارج و المصارف لايران و صرفها هناك يكون من الضروريات و من اللوازمات الحتمية، حتي أن كلما تضاف عليها تكون أكثر فائدة و نأخذ النتائج أكثر. فعلي أي نحو كان أقنعت الوزارة الخارجية أن تعطي الرواتب الشهرية لنفر من أقارب المرحوم محمد الأستاذ كما في السابق، و للميرزا حسين علي - البهاء - و أخيه الميرزا يحيي - صبح أزل - و نفر آخرين. و المطالب التي كان أولئك مخبريها كانوا يرسلونها الي في روسيا مباشرة بلا واسطة أحد. فمدة أشهر كنت أيضا في الوزارة الخارجية مشغولا بترجمة تلك الرسائل و المكتوبات، و كنت أعطي الدستورات لأولئك الأصدقاء - و أنا في روسيا - و بمراسلاتهم و مكتوباتهم كنت دائما مطلعا علي أحوال السفير في طهران. و قد وصلتني أثاثيتي من طهران بواسطة تاجر آذربايجاني الذي كان صديقي و أرسل لي الأصدقاء جميع أثاث بيتي و ألبستي الآخوندية، و الأثواب النسائية المتعلقة بزوجتي «زيور» حتي «جادرها و جاقجوها» [181] ، و المراح الحصيرية المصنوعة و المنسوجة من خوص النخل و المسواك، و التربة، و السبحة، و كل ما كان لي «هناك». في ليلة من ليالي الشتاء صرت متلبسا باللباس الآخوندي و ذهبت الي عمي الذي كان نديم الامبراطور فتعجب بلا نهاية و ضحك كثيرا، و أنا مع كمال الوقار، ما تفوهت بشي‌ء، كبعض علماء طهران كنت أحقره. أجل جاء هو و زوجته بكرة الي منزلي فلما حظوا الألبسة النسائية من الترمة الكشميرية. و المذهبات الأصفهانية، و المخملات الكاشانية، و الجوادر اليزدية، [ صفحه 232] و جاقجورات الصوف و الأطلس، و المنسوجات الحريرية «التي كانت كلها» لزوجتي «زيور» اقترحا علي أن ألبس احدي النساء الأثواب النسائية و البس أنا أثوابي الآخوندية من قسمها الأعلي و في ليلة الأحد أحضر القصر الصيفي للامبراطور. فأنا قبلت و وجدت امرأة علي قامة زوجتي «زيور» و هيكلها. فعلمتها أياما و ليالي آداب المرأة الايرانية، و تلبسها اللباس و الجادر و الجاقجور و اسدال البرقع و طريق رفعه و ابراز العين و الحاجب من تحته، و التكلم بكلمات [182] . فليلة الأحد 7 م «ثروية» سنة 1838 م مع زوجتي المجهولة التي كنت ألبستها «الجادر و الجاقجور» و سروالا ذهبيا و «الآرخالق المنقش» بنقش السمبوسة من الترمة الكشميرية، و البرقع، و الحذاء الأصفر حضرت القصر الصيفي للامبراطور فأتيت بتقليد علماء ايران و ضربت زوجتي بالعصا، و هي كانت تصرخ كابن آوي فصارت تمثيلية غريبة و كان تأثير هذا التقليد و التمثيلية أكثر من جميع أعمالي، و المشقات التي تحملتها في السنوات الخمس بايران، و صرت مورد توجه الامبراطور بلا حد، و بعدئذ كنت أتشرف بالحضور أكثر من قبل، و الامبراطور بشخصه طالع أعمالي و خدماتي القيمة فصارت خدماتي في ايران مورد توجهه بكثير. و اقترحت في الجلسات التي تشرفت بعد ذلك في الحضور أن العتبات «المقدسة» تكون مركز سياسة ايران و الهند فأذنوا لي أن أذهب هناك فأكمل درس الاجتهاد الذي عبارة عن الفقه و الأصول و الأخبار، و أعقب أيضا بقية عملياتي التي كنت عملتها و أتيت بها في ايران، و آخذ للدلة الامبراطورية نتيجة مطلوبة أكثر مما أخذتها في ايران، و الأوضاع السياسة التي تكون هناك أهم من ايران استغلها و آخذها تحت نظري. و الخلاصة أني خرجت حسب الأمر في أواخر «سبتامبر» مع راتب مكفي من روسيا الي العتبات «العاليات» و في لباس الروحانيين باسم الشيخ عيسي اللنكراني وردت كربلاء «المقدسة». فاستأجرت منزلا مطابقا لميلي.. و حضرت درس حجة الاسلام السيد كاظم الرشتي [ صفحه 233] و صادقت بعض الطلبة بحرارة و دقيقا اشتغلت بالدراسة و كنت في الأغلب حاضرا محضر الدرس فصرت طرف توجه ذلك المدرس المحترم و لكنه مع الوصف لم يكن ناظرا الي كنفر منهم و كأن في قلبه كان خبرا من جنسيتي، و كأن نيتي كانت منقشة في قلبه فلم يكن لي مطمئنا كاملا، و اذا كان يجيبني عن المسائل المطروحة كان ينظر الي بحال الترديد و لعله كان يعلم أيضا أني أباحث و أطالع كذبا، و لكني لم أكن مستحيا و خجلا فمع كمال الوقاحة كنت أطرح مسائل أخري. و كان بقرب منزلي منزل طالب علم يسمي السيد علي محمد و كان من أهل شيراز و أكثر تمولا من ساير الطلبة الذين كنا ندرس معهم، و كان أبوه [183] في شيراز كاسبا و يرسل له راتبا حسنا. و كانت لحيته خفيفة ذهبية. و كان جميل العين والحاجب، و كان أنفه ممدودا، و كان هو طويلا هزيلا، و محرور الدم بكثير، و كانت له علقة مفرطة بالقليان، و كان يحاببني بحرارة زائدة فكنت أتصور أن مراودته معي هكذا لعلها تكون باشارة السيد الرشتي لكي يفهم عني شيئا و لكن لم يطل أن فهمت أنه بواسطة ذكائي و ادراكي توجه الي بهذا التوجه. فأنا أيضا صادقته بحرارة و بكمال الصميمية، و علاوة كنت مع فوج من الطلاب الشيخيين مصاحبا و مؤانسا لأنهم كانوا قد أحدثوا في الشيعة اختلافا جديدا. و بالاصطلاح صرت متوجها الي الركن الرابع، و بقول السيد علي محمد: صرت عضو فوج «كاسه از آش داغتر [184] » يعني ان هذا القوم غالوا في حق الأئمة - الاثني عشر - الي حد أن رفعوهم فوق مقامهم. كان السيد علي محمد مزاحا و كان يقول: ان اميرالمؤمنين يقول: أنا عبد من عبيد محمد صلي الله عليه و سلم و لكن القوم يقولون: ان عليا كان يتواضع في قوله هذا. و لكني بواسطة المرحوم الحكيم أحمد الكيلاني الذي كان أفضل من جميع العلماء [ صفحه 234] و الحكماء كنت عارفا بحقيقة الاسلام كاملا و لم يكن لي أي احتياج بتوضيحات الآخرين. و لكن بحالة التعصب قلت: أنا أعطي الحق بجانب هؤلاء القوم و هم رفقائي. فرأيت غدا أن الذين لهم مذهب الشيخية كلهم صادقوني و رافقوني بحرارة و كانت محبتهم لي أكثر من قبل.. و السيد علي محمد لم يترك صداقتي و كان يضيفني أكثر من قبل و كنا نشرب قليان المحبة معا. و كان عار المسلك و ذكيا بلا حد. و كان ابن الوقت و متلون الاعتقاد، و كان معتقدا بالطلسمات و الأدعية و الرياضيات و الجبر و غير ذلك. فلما علم بمهارتي في علم الحساب و الجبر و المقابلة و الهندسة شرع لدي للنيل بمقصوده بتعلم الحساب «و لكنه» مع ذلك الذكاء تعلم أصول العملية الأربعة بآلاف مشقة [185] و بالتالي قال: أنا ليس لي دماغ الرياضة و الحساب. في ليالي الجمعة كان يمزج با«التباكو» شيئا مثل شمع العسل و يضعه في رأس القليان و يشربه و لا يعتني بي فقلت له لم لا تعطيني القليان لأشرب؟ قال: أنت ما صرت بعد قابلا للأسرار حتي تشرب من هذا القليان فأصررت عليه حتي أعطاني و شربت فأيبس فمي و جميع أمعائي و عارضني عطش شديد و ضحكت كثيرا فأعطاني شربة ماء ليمون، و مقدارا كثيرا من لبن و الي قريب الصبح كنت ضاحكا. و سألته يوما عن هذا، فقال: بعقيدة العرفان هذه أسرار، و بقول العامة حشيشة، و يؤخذ من ورق «الشاه دانة». فعلمت أنه حشيشة، تفيد اكثار الأكل و الضحك فقط. و لكن السيد «الباب» كان يقول: بذلك تنكشف لي المطالب الرمزية و لا سيما لدي المطالعة فأصير دقيقا بلا حد، فقلت لم لا تشربه عند تعلم الحساب؟ و كان الجدير أن تشربه لكي تفهم المطالب حثيثا؛ فقال: ليس لي حال تعلم الحساب. فانه بواسطة الحشيشة كان خاملا و لم يكن راغبا بالدراسة و المطالعة و لم تكن له علقة بالتعلم و التدرس. [ صفحه 235] سأل طالب تبريزي يوما السيد كاظم الرشتي في مجلس تدريسه فقال: أيها السيد أين صاحب الأمر و أي مكان مشرف به الآن؟ فقال السيد: أنا ما أدري و لعل هنا - مكان التدريس - يكون الآن مشرفا بحضوره و لكني لا أعرفه، فأنا مثل البرق طرأ بخاطري فكرة سأشرحها، و متعة لذلك أقول أن السيد علي محمد في هذه الأواخر قد صار بواسطة شرب الحشيشة، و الرياضات «الباطلة» متكبرا و طالبا للجاه و الرئاسة. يوم سأل التبريزي السيد الرشتي و أجابه السيد بذلك الجواب كان هو أيضا حاضرا فبعد ذاك كنت أحترم السيد علي محمد بلا نهاية، و كنت أجعل دائما بيني و بينه عند المشي حريما و أخاطبه (بحضرة السيد). و ليلة «من الليالي» التي كان شاربا فيها قليان الحشيشة أنا من دون أن أشرب الحشيشة جمعت نفسي في حضوره بحالة الخضوع و الخشوع فقلت: يا حضرت صاحب الأمر تفضل و ترحم علي، و غير مخفي علي أنت هو و هو أنت أنت. و السيد «الباب» قد تبسم و لم يتفوه بشي‌ء نفيا و اثباتا، و كان أكثر توجها الي الرياضة، و أنا كنت مصمما أن أفتح دكانا قبال دكان الشيخية و أحدث في مذهب الشيعة اختلافا ثالثا. كنت أسأل السيد - الباب - أحيانا بعض المسائل السهلة و كان هو أيضا يجيب بأجوبة لم يكن لها مفهوم و كانت مبتكرة من دماغه الحشيشي و كنت أنا أيضا أبادر له بتعظيم و أقول: أنت باب العلم يا صاحب الزمان و حسبك التستر و التواري و لا تخف نفسك عني. و يوما كان السيد - الباب - جاء من الحمام فأيضا أنا فتحت الكلام «حول المقصود، فقال: يا جناب الشيخ عيسي دع هذه الكلمات علي جانب «ان» صاحب الزمان يكون من صلب الامام الحسن العسكري و بطن النرجس خاتون و صاحب اليد البيضاء و صاحب المعجزة، و أنت تلعب و تسخر مني، و أنا بن السيد رضا الشيرازي، و أمي رقية المدعوة «بخانم كوجك» [186] و تكون من أهالي كازرون. فقلت: سيدي [ صفحه 236] و مولاي أنت تعلم أن البشر لا يعمر ألف سنة أبدا، و هذه موهبة نوعية و أنت سيد و من صلب أميرالمؤمنين، و المحقق لدي والثابت لدي أنك باب العلم و صاحب الزمان، و أنا لا أسحب يدي من ذيلك. ففارقني السيد منزعجا و منزجرا، و لكن ذهبت أنا مجددا الي منزله و طرحت بعض المطالب، و من الجملة سألته عن تفسير [187] «عم يتساءلون» بدون أن أحترمه فوق العادة، و السيد أيضا قبل هذه الخدمة فشرب قليا الحشيشة و طفق يكتب التفسير. والسيد اذا كان شارب الحشيشة كان يكتب بسرعة حيث أنه كان يعد أحد مسرعي الكتاب (الرقم الأول) في مجلس تدريس السيد كاظم «الرشتي» و لكن أغلب مطالبه كنت أنا أصلحها و أعطيها اياه رجاء أن يتحرك و يعتقد أنه باب العلم. نعم كان السيد أحسن آلة لهذا العمل «و الغرض» شاء أم لم يشأ فمع أن السيد كان متلونا و خمول العنصر أنا حركته و سيرته و كانت الحشيشة و الرياضة أيضا معاونتين لي. فعرض علي تفسيره لسورة «عم» و أخذته منه و شطبت و عدلت فيه بكثير و مع الوصف لم يكن له معني و مفهوم صحيح و لكني التمست منه «خديعة 6 أن يكون خطه المبارك لدي باقيا و سواده الذي كان من صنعي أعطيته اياه و انه بواسطة استعماله الدخان و الحشيشة لم يكن له قادرا علي مطالعته تارة أخري. لم يزل مترددا، و خائفا من ادعاء صاحب الأمرية و كان يخشي أن يدعي أنه صاحب الأمر و امام الزمان، و كان يقول لي: ليس اسمي مهديا، فقلت له: أنا أسميك مهديا، و سافر أنت الي طهران فان الذين ادعوا ذلك لم يكونوا بأهم منك و أهل المشرق لهم الجن فانك ان لم تأخذه يأخذه آخر. و أنا أعطيكم القول أن أعاونك و أوازرك بحيث أن يؤمن بك جميع ايران، أنت بعد نفسك عن حالة التردد و الخوف فقط، و لا تكن متلونا فان الناس يقبلون منك كل ما تقول من رطب و يابس، و يتحملون عنك «كل شي‌ء» حتي ولو قلت باباحة الأخت و حليتها للأخ، فكان السيد يصغي و يستمع كاملا، و بلا نهاية صار طالبا و مشوقا أن يدعي ادعاء و لكن لم تكن له جرأة ذلك. و لكي أشجعه علي ذلك ذهبت الي بغداد و وجدت زجاجات من خمر شيراز من [ صفحه 237] قسمها الجيدة فأشربته منها ليالي فصرنا رويدا رويدا صاحبي السر و أعلمته الحقائق و قلت له: عزيزي ان جميع هذه المقالات الكائنة علي وجه الأرض تكون للوصول الي الثروة و التجمل، و نحن مركبون من عناصر معينة و هذه الاظهارات [188] توجد من بخار و تركيب تلك العناصر المعدودة أنت و الحمد لله تكون من أهل الحال و تلاحظ أنك لو أضفت علي هذا العنصر قليلا من الحشيشة تأتي في نظرك أمورات دقيقة و أشياء موهومة، و اذا شربت قليلا من ماء العنب تصير نشيطا و تطلب الأنشودة الدشتية انشادا و تغنيا. و اذا أضفت علي الحشيشة مقدارا زائدا تصير فكورا و معتقدا بالأوهام. فقال في الجواب: ليس كذلك يا شيخ عيسي، لو كانت هذه الآثار حادثة من تركيب و عناصر بدن الانسان ولو أنا أدعينا أن هذه الآثار آثار مادية للزم أن تكون محدودة كالمادة و الحال أن آمال البشر و أعماله ليس لها حد و حصر؛ ثم من أوجد هذه الشموس غير المتناهية و هذه الانتظامات التي تكون لعالم الشموس و الكراة.. و.. كذا أوجد التي تكون في سنين طوال و التحرك و جميع العلماء عاجزون عن احصاء ذلك، و ذلك القادر المتعال الذي أوجدنا مدركين أنا و أنت، و يكون أشد ادراكا، و أقدر من الكل كيف لا يقدر علي أن يعطي لمن اصطفاه و اختاره عمر ألف سنة؟ نعم هو قادر البتة أن يهب لحضرة الخضر، و صاحب الزمان العمر سنينا طوالا، فقلت: يا حضرة الباب صارت الحقيقة معلومة لي، و من هذه البيانات زيد في يقيني، و علمت انك صاحب الزمان، و ان لم تكن هو «الآن» فتصير هو «في المستقبل». فقال: لا والله، أنا قلت لك مرارا اني ابن سيد بزاز شيرازي، و أتذكر جميع ما مضي علي من طفولتي الي الآن، ثم أنا لست مسكينا و ذا علاقة بالرياضة فدع هذه الكلمات و لا تسخر مني. فكان منه الانكار و مني الاصرار. فبأية وسيلة كانت وجدت عرقه المتطلب للجاه و الرئاسة فحركته رويدا رويدا الي أن سهلت عليه دعوي هذا الأمر. كنت أنا أفكر دائما أن هذه العدة القليلة من الشيعة كيف غلبت جميع طوائف السنة و علي دولة امبراطورية كالدولة العثمانية؟ و كيف هذه الجماعة حاربوا روسيا مع عدد [ صفحه 238] قليل من المعارك و أفنوا جيشا كثيفا؟ و هكذا علمت أن ذلك كله كان بسبب اتحادهم المذهبي و بواسطة العقيدة و الايمان بدين الاسلام، و انه لا يكون لهم أي اختلاف مذهبي. و لو أن بعد الصوفية صار النادرة شاه «الافشار» بصدد اتحادهم و لكن مشاغبة بعض الجهال، و السياسات الخارجية «لم تدعا ذلك» و صارتا سبب تشعبهم باسم الصوفي و الشيخي و البهرة [189] . و الشيعة أيضا صارت كالسنة شعبا مختلفة فأنا أيضا صرت بصدد احداث دين جديد آخر لا يكون له وطن لأن فتوحات ايران كانت بواسطة حب الوطن والاتحاد المذهبي. ان عوام الناس لا يفرقون بين الحق و الباطل فان فلانا مرشد الراكب علي الحمار قد جمع حوله آلافا من العوام. و في ايران يترأس مرشد خاكساري [190] ليس له علم و لا معرفة و حتي أنه لم يقرأ «جزء عم» و مع ذلك فقد ألجم آلافا من القلندرية [191] و حرضهم علي التصعلك و السؤال بالكف في القري و الأرياف و هم من الصباح الي العشاء يسألون الناس الحافا و يعطلون النتائج نفسها.. أو فلان ملا الجاهل الذي يخدع الناس و يقرأ حينا النوحة و حينا الروضة و المصيبة حينا آخر يأخذ النقد من أناس بائسين و يدعوهم الي الاعتقاد به؛ أو فلان سيد المغول الذي يضرب الناس و مع النخوة و التجبر يطلب خمس أموالهم و يقول: واحد من أصابعك الخمسة يكون لي؛ و ذلك الآخوند الروضة خون [192] . [ صفحه 239] يقول علي المنبر: ان بكيت علي سيدالشهداء عليه‌السلام «ولو» بكاء كذبا فالله يغفر لك ذنوبك.. و الآخوند يحلل ما شاء و يحرم ما شاء، و خلافا لدين الاسلام يغفر المعصية الكبيرة أيضا فانه يريد أن لا يتأخر «في ذلك» عن قساوسة المسيحية [193] ؛ فعلي ذلك أنا بالطريق الأولي أستطيع أن أخترع بنفع دولتي المتبوعة مذهبا جديدا. و انه لو لم يروج في «سوق» المذاهب فعلي الأقل نستطيع أن نضيف جمعية أخري علي الخاكسارية و الدراويش و سائر الشعب. فلذا صممت علي أن هذا السيد أشغله بهذا العمل، شاء هو أم لم يشأ و أجعله مبشر باب العلم أو صاحب الزمان. و أحدث دينا يكون تحت اختياري و نفوذي. في السنين التي كنت في العتبات «المقدسة» لم أطق في الصيف أن أقيم في النجف «الأشراف» أو في كربلاء «المقدسة» فكنت أذهب الي الشامات و أقيم هناك شهورا «وضمنا» قد تجولت أغلب نقاط الأراضي العثمانية و فكرت لها أيضا فكرا جيدا: فان الأكراد كلهم ايرانيون و لازم أن تنفصم هناك أيضا علي اتحاد المسلمين بايجاد اختلافات عنصرية و لكن نفوذ رقيبنا «الانكليز» في تلك البقاع يكون أكثر من نفوذنا بألف مرة و بالعلاوة كان نفع رقيبنا في المحافظة علي الخلافة الاسلامية و عدم تخريب الدولة العثمانية؛ و اضافة «علي ذلك» كنا نحن حديثي عهد بهذا النوع من السياسة [194] و حديثي الورود في هذا الميدان فكانت هذه الأعمال لنا صعبة مشكلة، فكان من اللازم علينا أن نكون كاملا متوجهين علي أن ينسجم الأساس الذي بنيناه. «و مهما كان» فاني جئت بهذه الحقيقة مع السيد - علي محمد - في البين و قلت له: مني النقد و المال و منك ادعاء المبشرية و البابية، و انك صاحب الزمان. أجل مع أنه كان في البداية مستكرها و لم يقبل ما اقترحت عليه فاني قد قرأت في أذنه حتي أطمعته و أقنعته فقبل كاملا «الأمر» و قلت له: انك لا تعلم أن وراء هذا القول جيش منظم. [ صفحه 240] فأرضيته «بذلك» شاء أم لم يشأ فذهب الي البصرة و منها الي «بوشهر» [195] و في شهر «ج» سنة 1844 م اشتغل كما كتب لي هو في «بوشهر» بالرياضة و دعاني الي الايمان به فاستجبت دعوته، و كان مدعاه أنه نائب امام العصر و باب العلم، و أنا كتبت في جوابه: انك امام العصر نفسه الذي أول من آمن به هو الشيخ عيسي اللنكراني الذي كان رفيق حجرته في كربلاء «المقدسة» و الحمام، و قليان المحبة، و ماء العنب - الخمر الشيرازية. بعد أن ذهب الي ايران أنا بالفور نشرت و شهرت في العتبات «المقدسة» أن حضرة امام العصر قد ظهر و السيد الشيرازي كان امام العصر و كان يحضر محضر تدريس السيد الرشتي و الناس لم يعرفوه. فبعض الناس «الحمقاء» كانوا يذعنون و يصدقون، و بعضهم الذين كانوا يعرفون السيد - الباب - حق المعرفة و يعلمون بشربه الحشيشة و ماء العنب - الخمرة - كانوا يضحكون بذقني، و عدد من الطلبة الذين كانوا يدعون أنهم من أهل الشام و لكن رويدا رويدا علمت أنهم من ملة رقيبنا - الانكليز - كانوا دائما «مراقبي» و متوجهين الي أعمالي فعلوا أن هذه الدسيسة تكون من افتعالي، و ظنوا أنني من أركان الامبراطورية «الروسية» فصاروا بصدد تحصيل رسائلي و مكتوباتي. و كنت أكتب الي روسيا في الشهر مرة و أضعها في «الباكيت» و أكتب عليه: ليوصل الي يد الرباني جناب الآغار الشريعة مداري الشيخ عيسي اللنكراني. و كانت رسائلي بالروسية، و كنت أرسلها بتوسط أحد تجار الأرامنة في بغداد الي المقصد. و لكنهم قد قبضوا علي اخبارية مفصلة كانت يتوسط الآغا محمد الآذربيجاني. و لما قبضوا علي رسالتي رأيت ألا محيص لي الا أن أفر مثل السيد علي محمد ليلا الي ايران و من هناك أذهب عن طريق تبريز الي روسيا. ان أقربائي و رفقائي و أصدقائي قد سعوا حتي عزلوا «كراف سيمنويج» من السفارة «الروسية» في ايران و أرسلوا مكانه «كراف مدرن». و قد ذهبت للوزارة الخارجية و عرضت خدماتي في العراق تفصيلا و قلت: الآن أرسلوني مأمورا بايران. [ صفحه 241] و لما كانت خدماتي بالامبراطورية متجلية، و كنت بنظر الامبراطور رجلا خدوما فاني و ان لم أكن مدعيا مقام السفارة، بل كنت كالبدأ قانعا بالنيابة «و السكرتارية الثانية» أو بأن أكون مترجم السفارة و كنت أحب هذا الشغل كافيا، و لكن حب أمر الامبراطور أحضروا «كراف مدرن» الي روسيا و نصبوني مقامه و أرسلوني مكانه ففي أواخر شهر «مه» سنة 1844 م وردت طهران. و في هذا العام كان في هذه المدينة و في أغلب نقاط ايران مرض الوباء؛ و الله وردي بيك الكرجي الذي كان أحد أصحاب السر و كان أمين خاتم محمد شاه فقد أصابه الوباء و توفي، و كذلك الحاج ميرزا موسي خان الذي كان ابن أخي «الميرزا أبي‌القاسم» قائم مقام و كان متولي مشهد «الامام» الرضا «عليه‌السلام» و عدد كثير من أصدقائي و رفقائي القدامي، كلهم كانوا ميتين بالوباء. فاني بعد أيام من ورودي بايران قد اشتغلت بمقدمات العمل و بحسب طلب الشاه تشرفت بالحضور المبارك في لواسان و أقمت هناك أياما. و بعدما ظهر التخفيف في الوباء رجعت في أوائل «اكتبر» الي طهران، فطفق كل من الميرزا حسين علي - البهاء - و أخوه الميرزا يحيي - صبح أزل - و الميرزا رضا قلي، و نفر من رفقتهم أن يأتوني مجددا و لكن مجيئهم كان من باب معتاد للسفاره الذي كان قرب سكة مغسل الأموات. و كان كربلائي غلام ابن أخت المرحوم الشيخ محمد الذي كان أبي التعميدي في الاسلام قد باع جميع أمواله و متعلقاته.. فطلبت من روسيا بناء، و بنيت عمارة جديدة، و أعطيت السفارة رونقا جيدا. و فكرت مرات أن أؤسس في المحرم محفلا مفصلا باسم العزاء ولكن استوحشت من البلاط الروسي، و من وزارة الأمور الخارجية، و مع ذلك فقد أقمت بيد الميرزا حسين علي - البهاء - في تكية نوروزخان في عشرة أيام مجلس العزاء مفصلا». و أما أخبار السيد علي محمد - فانه كان ببوشهر مشتغلا بالرياضة مدة أشهر و لم يكن مجترأ علي اظهار شي‌ء، و كان جميع الأوقات مشغولا بالعبادة، و بعد شهرين [196] تحرك الي شيراز و في الطريق ادعي رويدا رويدا المبشرية لنفسه و تظاهر بادعاء [ صفحه 242] نيابته الامام العصر «عجه» الي أن ورد شيراز و هناك شيئا فشيئا همهم بمقصوده و جمع بعض عوام الناس حول نفسه. فكان يبلغ ذلك سمع العلماء و هم يستفسرون منه فينكر هو ذلك، و لكن أرسل العلماء نفرا من الأشخاص المطلعين - العالمين - ليتظاهروا له بالاخلاص فكان ينخدع بهم و يأتي المطالب في البين و يظهر ما كان يخفيه فهؤلاء يخبرون العلماء بمكنوناته سرا فيرتفع الضجيج و العجيج «و يقوم المسلمون بضده» و أول من قام بصده أقرباؤه فأخرجوه من المنزل فقبض عليه حسين خان المختار و حاكمه بحضور العلماء و هو يقول في الجواب بالهجر و الهذيان فحكم أهل المجلس و أقرباؤه بسفاهته و جنونه، و مع ذلك ضرب جناب المختار السيد المسكين ضربات و حبسه أشهرا، ثم أخرجه من شيراز فالمسكين ورد الأصفهان عاق الوالدين و صفر اليد، و لا جرم أنه لعنني في قلبه ألف مرة و كان نادما منكسرا. كان يرجو و يأمل أن يكون امام الجماعة في شيراز و ما كان له متيسرا «و مع الوصف» أنا شئت أن أجعله امام الزمان و باب العلم، أو علي الأقل نائب خاص امام العصر. فلما اطلعت علي وروده بأصفهان كتبت رسالة ودية الي معتمدالدولة متصرف لواء اصفهان و وصيت لديه للسيد بأنه من أصدقائي و صاحب الكرامات، و لازم أن يحافظ عليه في مدة اقامته هناك محافظة جيدة، و لكن من سوء حظ السيد أن معتمدالدولة مات، و السيد المسكين قد قبض عليه و أرسل الي طهران. فأنا بواسطة الميرزا حسين علي و أخيه الميرزا يحيي و نفر آخرين أقمت بالضجيج و العجيج أن صاحب الأمر قد قبض عليه. فلذا أرسلته الحكومة الي «رباط كريم» و من هنا الي قزوين، فمستقيما الي تبريز و من هناك الي «ماكو». و لكن أصدقائي قد سعوا. بما كان بوسعهم و استطاعتهم و أثاروا السذج و البسطاء «و الهمج» بحيث قد أذعن بعض من كانوا سريعي الاذعان من علماء مازندران و بعض أهل كاشان و تبريز، و فارس، و نقاط أخري «في ايران» فثاروا و اعترضوا «علي ذلك». و اني ما استطعت أن أفعل أكثر مما فعلت، و كنت أنا وزير مفوض روسيا فوزير الانكليز كان كاملا مراقب أعمالي فما كان مقتضيا أن أفعل «في ذلك الطريق» بأكثر [ صفحه 243] مما فعلت، و علاوة لو كانوا يبقون السيد في طهران و سألوه سؤالات كنت متيقنا أنه كان يعترف علنا بكل المطالب و الوقائع فيفضحني «علي رؤوس الأشهاد» ففكرت في اتلاف السيد خارج طهران بأن يتلف، ثم أقيم بالضجيج و العجيج، و أثير الغوغاء و البوغاء. فتشرفت خدمة الشاه.. و قلت: السيد الذي في تبريز و يدعي أنه صاحب الزمان أهو يصدق؟ فقال: اني كتبت الي ولي العهد أن يحقق عنه بمحضر العلماء.. فكنت أنا مترصدا «نتيجة التحقيق» اذ جاء الخبر أن ولي العهد أحضر السيد بمحضر العلماء و سألوه عن مسائل فعجز عن جواب العلماء ففي المجلس تاب و استغفر [197] فرأيت أن مساعي و تعبي في السنين العديدة تذهب أدراج الرياح «فصرت بصدد اهلاك السيد و اتلافه» و قلت للشاه: ان الأشخاص المأجورين و الكذابين لازم أن ينالوا جزاءهم.. و لكن الشاه ودع في الاثناء عالم الحياة و توفي.. فأمر بعده ناصرالدين ميرزا [198] بصلب السيد و شنقه. و اللطيفة أن السيد لما رموه بالبنادق و هو كان مصلوبا أصابت البنادق الحبل الذي كان بعنقه فانقطع و وقع السيد علي الأرض فانتهز الفرصة و هرب الي مرحاض هناك و اختفي و كان من الخوف يتوب و ينيب، و لا جرم كان حينئذ يلعن الشيخ عيسي اللنكراني اذ ألقي هذا الفكر في دماغه «و مهما كان» فما كانوا يصغون الي استغاثته فجاؤوا به و صلبوه مجددا و رموه بالرصاص حتي الموت. فوصلني خبر قتله بطهران فقلت لميرزا حسين علي - البهاء - و نفر آخرين الذين لم يروا السيد أن يثيروا الغوغاء بالضجيج و العجيج.. و قد تعصب نفر آخرون للدين و أطلقوا الرصاص الي ناصرالدين شاه، فلذلك قبضوا علي كثير من الناس، و كذلك قبضوا علي الميرزا حسين علي - البهاء - و بعض آخر من الذين كانوا لي أصحاب السر، فأنا حاميت عنهم و بألف مشقة أثبت أنهم ليسوا بمجرمين و شهد عمال السفارة و موظفوها، [ صفحه 244] حتي أنا بنفسي أن هؤلاء ليسوا بابيين فنجيناهم من الموت و سيرناهم الي بغداد، و قلت لميرزا حسين علي - البهاء - اجعل أنت «أخاك» الميرزا يحيي وراء الستر و أدعوه: (من يظهره الله) فلا تدعه أن يكالم أحدا، و كن أنت بنفسك متوليه. و أعطيتهم مبلغا كبيرا رجاء أن أعمل بذلك عملا، و لكن الميرزا حسين علي كان كبير السن، و لم يكن له أيضا علم و اطلاع، فلذلك جعلت بمصاحبته أشخاصا من ذوي العلم و الاطلاع، و لكن هؤلاء أيضا لم يستطيعوا أن يأتوا بالعمل «المقصود» و أنا أيضا بشخصيتي «المرموقة» لم يكن باستطاعتي أن أعود في طريق هذا الأمر، فما العلاج؟ والعمل الذي أجريته بتلك المشقات لا يمكن أن أتركه و أسحب يدي عنه ثم اني أصرفت في سبيل هذا الأمر مبلغا كثيرا (و لكن لا دفعت واحدة بل بعنوان الرواتب الشهرية تدريجيا اذ خفت أن لو دفعت المبلغ لميرزا حسين علي - البهاء - دفعة فيأخذ المبلغ و يهرب). فألحقت به في بغداد زوجته و أولاده و أقرباءه و كل من كان لائذا به كي لا يكون له هوي من خلفه. فشكلوا في بغداد تشكيلات، و جعلوا له كاتب الوحي و أنا أيضا أرسلت لهم كتابا، و كتبا كانت باقية للسيد بعدما أنا أصلحتها جرحا و تعديلا، و أمرتهم أن يستنسخوا منها نسخا كثيرة. و كانوا يهيئون في كل شهر بعض الألواح و يرسلونها للذين كانوا منخدعين بالسيد - الباب - و لم يروه، و كان قسم من أعمال السفارة «الروسية في طهران» منحصرا في تهيئة الألواح و تنظيم أعمال البابية. و الناس الفاهمون كانوا يضحكون بتلك الكلمات «السخيفة الخزعبلية الهذيانية» فلا جرم قد جمعنا جمعا من أناس جاهلين «و همج رعاع أتباع كل ناعق» و لم تكن لنا الجرأة باظهار الأمر للمطلعين «و أهل الحجي و النهي» اذ بفرض استقبالهم هذا الأمر كان يتكلف رشا كثيرة و لم يكن ذلك بامكاني، و «علاوة» كان من الممكن أن يأخذوا المبالغ و لا يساعدوننا و بوجود سفارة الانكليز التي كانت تراقبنا كان الأمر لنا مشكلا فعلي ذلك «كان المقتضي» أن نجلب أنظار العوام «فقط» و نقنعهم بشي‌ء قليل. و من كان متواريا و لم تكن له وجهة في أهله و وطنه فاني كنت أرسله بمبلغ ضئيل باسم زيارة كربلاء «المقدسة» الي الميرزا حسين علي - البهاء - «في بغداد» حتي اجتمع [ صفحه 245] حوله جمع من الصعاليك. و كنت أرسل له و لمن كانوا من أهله في كل شهر بين الفين و ثلاثة آلاف تومان «نقد رايج ايران» و في هذا البين نفتهم الدولة العثمانية «من بغداد» الي «اسلام بول» و من هناك الي «ادرنة». و الدولة الروسية كانت تقويهم و بنت لهم مأوي و مسكنا. و قسمة عمدة لوايحهم كانت تتهيأ بوسيلة وزارتنا الخارجية و كنا نرسل تلك اللوائح في حلة قشيبة الي البلاد.. و كل من كان من شباب العوام أبوه متوفيا كنا نقول له: ان أباك كان بابيا فلم لا تتبع أنت أباك؟ فهذا القبيل من المكائد و الحيل و الدسائس كنا نورد «السذج» في مسلك البابية. و كل من لم يقبل و لم يصدق «هذا المسلك» كانت الجمعية البابية من الذين كانوا مجتمعين حول الميرزا حسين علي - البهاء - يتهمونه باللادينية و التذبذب أو كانوا حد الامكان يعدونه منهم و من حزبهم «كي يجتنب منه المسلمون، فيصير مستأصلا و مجبورا بالدخول في جمعيتهم «و الالتحاق بحزبهم». و قد تنازع الميرزا حسين علي و أخوه الميرزا يحيي علي الرئاسة فلم يتحمل الميرزا يحيي أنفة أخيه. و علمت «بعد» أن تحريكات رقبائنا صارت سبب اختلافهما، ففارق الميرزا يحيي أخاه و ذهب الي جزيرة «قبرص» و تزوج هناك و تأهل و دعا نفسه «صبح أزل» و رقيبنا الذي لم يكن مطلعا علي عدم لياقته قد أرسل له مبلغا جزافا و قد صرفه في لهوه و لعبه. و الميرزا حسين علي و تابعوه أيضا أبعدوا و نفوا بتحريك دولة ايران الي «عكا». و نحن صرنا بصدد أن ندع عباس ميرزا [199] «غصن الله الأكبر» ليدرس و كان هو أذكي من أبيه و كان يدرس جيدا و كان ساعيا في الدراسة بلا نهاية و كثيرا كان يطالع. و رقباؤنا كانوا ساعين أن يفشوا الألواح المتضادة، المتناقضة التي كانت صادرة بيد كتابنا. و بتشهير رقبائنا اسم الميرزا يحيي «صبح أزل» في البابية أنه وصي الباب لا جرم صرنا مجبورين أن نبدل البابية بالبهائية. و الميرزا يحيي كان شيئا فشيئا يعترف بالعقائد «السرية» و محامو رقيبنا أيضا كانوا ينشرون مقالاته «و معترفاته» فنتائج مشقاتنا التي [ صفحه 246] وصلت بصرف نقود كثيرة الي هذا الحد و بلغت هذه الدرجة كانت أن تدرج بمقالات الميرزا يحيي و معترفاته أدراج الرياح. و لما وقع النزاع و التخاصم و التفارق بين الميرزا يحيي و الميرزا حسين علي «غير الميرزا حسين علي الأسلوب» فصار هو (من يظهره الله) و الميرزا يحيي فقد عزله التابعون - البابيون - و لكن ما أقول من جهالة من (يظهره الله)؟! فان الألواح التي كنا نهيئها لم يستطع هو حتي أن يقرأها جيدا «و مع الوصف» اظهارا للفضيلة يدخل عددا من حمصاته في قدرنا [200] فألواحنا التي لم يكن لها معني صحيح كانت تصير بتدخله فيها أتفه «و أهمل» و مع ذلك فالعوام كانوا يفهمون ما كتبه هو، و ما هو الحق و ما هو الباطل. و كان من كان في طهران يصير بهائيا كنا نعاونه و نساعده، و كان أحسن مبلغينا «الأخانيد» [201] و عمدة معاونتنا و مساعدتنا كانت من هؤلاء اذ كل من كان بينه و بينهم خلاف كانوا يرمونه بالبابية أو البهائية «فكنا نغتنم الفرصة» و نجلب أولئك - المتهمين المنبوذين - و نساعدهم، و لم يكن لأولئك البتة مأوي و ملجأ سوانا. و اضافة علي ذلك فان كل من كان مطلوبنا و كنا نبتغيه كنا نوقع بالوسائل السرية بينه و بين الأخانيد عداوة لكي يرمونه بالبابية و الكفر فنرسل اليه فورا من يدعوه الينا فندخله في جمعيتنا، و كان هذا الأمر سهلا في الغاية. و أغلب الناس كانوا يدخلون في حزب البهائية خوفا من جور الأخانيد و انهم ان تابوا و قالوا: لم نكن من البهائيين «حقيقة» و انما دخلنا فيهم كذبا و رياء فان الأخانيد، و خبيران الرجل «التائب» لم يقبلوا منه و يكذبونه. و كنا قادرين علي أن نتهم بذلك في نظر الدولة، و العوام كل مجتهد و عالم [202] و الي هنا ختم عملي و أخبرت الوزارة المتبوعة باخباراتي و أوقعت في دين الاسلام اختلافات حديثة و لننظر بعد ذلك بما يعاملون هم أنفسهم بهذا الدكان الجديد. [ صفحه 247] تنبيه
يقول المعرب: هذه كانت اعترافات جاسوس من جواسيس أعادي الاسلام و المسلمين الذين تزيوا بزي أجل أفراد المسلمين و أنبلهم ليعبثوا فيهم و في بلادهم فسادا، و يفسدوا السذج و البسطاء و الضعفاء، و يحيدوا بهم عن طريق الحق و مسلك الصدق و سبيل العدل و الصراط السوي.. فبلغوا المني و أصابوا الهدف و الغرض و نالوا المقصود و المطلوب، و أوقعوا الخلاف و الاختلاف في المسلمين عامة و في تابعي مذهب أهل البيت خاصة. فاستعمروا بذلك بلاد المسلمين و استثمروها، و ركبوا أكتاف المسلمين و استعبدوهم، و فرقوهم فسادوهم و سلطوا عليهم فاستحقروهم و استولوا عليهم فاستخدموهم.. نعم، هذا جزاء الآبق من مولاه و الهارب من سيده، و هذا جزاء الخارج علي ولي نعمائه و منجيه من المهالك، و هذا جزاء من خالف الحق و تبع الباطل، و هذا جزاء من ترك سبيل الرحمن و سلك مسلك الشيطان، و هذا جزاء من حاد عن سبيل الله و عدل عن نظام القرآن..(و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات) (من كفر بالله من بعد ايمانه الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان و لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله و لهم عذاب عظيم، ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا علي الآخرة، و أن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله علي قلوبهم و سمعهم و أبصارهم و أولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) [203] . أجل، كان المجد و الشرف و السيادة و العظمة و الجلالة.. للمسلمين يوم كانوا مؤمنين بالله و برسوله و بكل ما جاء به الرسول صلي الله عليه و سلم من أصول الاسلام و فروعه من الأخلاقيات، و العباديات و الاجتماعيات، و الاقتصاديات و.... و كانوا معتقدين أن حلال محمد صلي الله عليه و سلم حلال الي يوم القيامة و حرامه حرام الي يوم [ صفحه 248] القيامة، و أن الناس مجزيون «يوم الحساب» بأعمالهم ان خيرا فخير و ان شرا فشر. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره. قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين. هذا بيان للناس و هدي و موعظة للمتقين. و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين [204] . [ صفحه 249] الخاتمة
هذا هو سند توبة السيد علي محمد الباب الذي كتبه لناصرالدين شاه القاجاري عندما كان ولي العهد في تبريز، و ختمه بخاتمه السند موجود و محفوظ في صندوق سندات المجلس النيابي في طهران. فكتب بخط يده ما هذا تعريبه: فداك روحي، الحمد لله كما هو أهله و مستحقه الذي أشمل ظهورات فضله و رحمته في كل حال علي كافة عباده، و الحمد لله ثم الحمد لله أن جعل مثل ذلك الحضرة [205] ينبوع رأفته و رحمته الذي بظهور عطوفته عفي عن البعيد و ستر (كذا) علي المجرمين و ترحم علي الباغين، أشهد الله أن العبد الضعيف ليس «له» قصد يخالف رضا اله العالمين، و أهل ولايته، و لو أن وجودي بالذات يكون ذنبا صرفا، و لكن قلبي موفق بتوحيد الله جل ذكره، و بنبوة رسوله و ولاية أهل ولايته، و لساني مقر علي كل ما نزل من عند الله، أو أمل رحمته، و مطلقا لم أبتغ خلاف رضا الحق، و ان جرت من قلمي كلمات خلاف رضاه لم تكن بغرض العصيان، و مهما كان «فاني» مستغفر و تائب الي حضرته، و هذا العبد ليس «له» مطلقا علم يكون منوطا بدعوي، أستغفر الله ربي و أتوب اليه من أن ينسب الي الأمر، و بعض المناجاة و الكلمات التي جرت من اللسان لا تكون دليلا علي أي أمر، و ادعاء نيابة حضرة حجة الله عليه‌السلام نيابة خاصة ادعاء باطل محض، و هذا العبد لم يكن له هذا الادعاء و لا ادعاء آخر. «ف» مستدع من الطاف الحضرة الشاهنشاهي [206] و «من» ذلك الحضرة أن تشرفوا و هذا الداعي بألطافكم و عنايتكم و بساط رأفتكم و رحمتكم، والسلام. و يقول المعرب: هذا كان آخر عمل نبي البابيين و البهائيين و الأزليين، و كان عاقبة أمره هذا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام علي المرسلين و الحمد لله رب العالمين.

پاورقي

[1] سورة الرعد 17.
[2] الكهف 54.
[3] النحل 4.
[4] هود 118.
[5] انظر الملحق الخاص بذلك مما كتبه الجاسوس الروسي «داكلوركي» في آخر الكتاب.
[6] أصدرت الحكومة المصرية في عام 1960 قرار بغلق محفلهم و مصادرة أملاكه و تحريم أي نشاط مذهبي لهم. كما أصدرت الحكومة العراقية قانونا في سنة 1970 بغلق محافلهم و مصادرة أملاكها و تجريم نشاطهم، و نشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 1880 في 18 مايو سنة 1970 و استند القانون الي أن البهائية ليست دينا أو مذهبا معترفا به. و سنذكر نص هذا القانون فيما بعد...
[7] كان بين بيت الامام الحسن العسكري و بين المسجد بجانبه سرادب يمكن للامام أن يسير فيه الي المسجد و يرجع منه و ليس سردابا طويلا، و اشتهر علي لسان التابعين للمذهب ان الامام الطفل لم يمت، ولكنه دخل في هذا السرداب و اختفي، و بعضهم يقتصر علي أنه احتفي و لا يقولون انه دخل في السرداب.
[8] راجع ص 54 من كتاب «البابية» للمرحوم الشهيد الأستاذ احسان الهي ظهير اللاهوري الطبقة السابعة 1404 هـ 1984 م و قد اتبع هذا الكتاب بكتاب آخر عن البهائية، كما أصدر كتبا متعددة عن الشيعة و حقيقة عقيدتهم، و أبرز الكثير المخبوء من غرائب المذهب مما كانوا يحرصون علي كتمانه عن أهل السنة، و قد اغتيل سنة 1987 و هو يلقي درسا علي تلامذته في مسجد لاهور بقنبلة مخبوءة في صحبة من الورد، أهديت اليه، فقضت عليه و علي بعض تلامذته.. بعد أن أمر الملك فهد بنقله علي طائرة الي الرياض لانقاذ حياته. و لكن قدره سبق هذه المحاولات الانسانية المتكررة.
[9] لأن من صفات المهدي عندهم أن يبدأ بتفسير سورة يوسف. ارجع الي ص 61 من «البابية» للأستاذ احسان ظهير سبق ذكره. [
[10] البابية و البهائية للأستاذ السيد عبدالرزاق الحسني ص 12 ز 13 الطبعة الخامسة 1404 هـ - 1984 طبع دار الحرية - بغداد و «البابية» المصدر السابق ص 54 للأستاذ احسان.
[11] سيأتي سريعا الكلام عنهما.
[12] ص 55 «البابية» لظهير، عن بهاء الله و العصر الجديد ص 21 لأسلمنت.
[13] ص 56 المصدر السابق و البابيون ص 13 و 14 للحسني - سبق ذكره.
[14] ص 57 البابية لظهير، نقلا عن روضات الجنات ص 27 و الشيخية: نسبة الي الشيخ أحمد الاحسائي، و الرشتية نسبة الي تلميذه «كاظم الرشتي».
[15] البابيون و البهائيون ص 16 مصدر سبق ذكره.
[16] و قد اختلف في سنة ولادته فقيل 1157 هـ - 1743 م بل حصل شك كبير في أصله...
[17] باختفاء الامام الثاني عشر 260 هـ حتي زمن الاحسائي.
[18] ص 36، 35 من حقيقة البابية و البهائية.. للدكتور محسن عبدالحميد نقلا عن كتاب «البصرة تستأصل الشيخية ص 7 و البابيون و البهائيون ص 10.
[19] المصدر السابق ص 36 عن مطابع الأنوار ص 3.
[20] ص 38 المصدر السابق.
[21] ارجع الي ص 173 من البابية و الي الملحق في كتابه «حقيقة البابية و البهائية» ص 209 و ستذكر ذلك فيما بعد...
[22] ص 16 من «البابيون و البهائيون» من كتابه «دليل المتحيرين».
[23] ص 41 المصدر السابق. و كانت فكرة ظهور «مهدي» من الأحياء مخالفة. تماما لما تقول به الشيعة الاثنا عشرية السائدة في ايران من أن المهدي هو الامام الغائب «ابن الحسن العسكري» سيظهر هو في وقت من الأوقات و هم ينتظرون ظهوره باستمرار و لذلك كانوا يحاربون فكرة الرشتي هذه بكل قوتهم. فقد كان له و لشيخه الاحسائي أنصار كثيرون في العراق و ايران.. و قد صار هؤلاء الأنصار، من أنصار الباب (علي محمد الشيرازي) حين ادعي انه باب للمهدي ثم حين ادعي انه المهدي بناء علي مذهب الاحسائي و الرشتي بأنه سيكون الاحياء الموجودين حولهم.
[24] ص 57: البابية لاحسان ظهير نقلا عن «نقطة الكاف» ص 103 فارسي...
[25] ص 59 المصدر السابق.. نقلا عن كتاب «الكوكب» ص 36 ط فارسي، و ص 46 عربي.
[26] ارجع الي ص 23 «البابيون و البهائيون».
[27] تاريخ العراق الحديث للدكتور الوردي ح 2 ص 130 م الارشاد بغداد سنة 1971 عن أحمد كسروي (التشيع و الشيعة) طهران 1364 هـ ص 55.
[28] المصدر السابق ص 130 عن «علي الحائري» - عقيدة الشيعة - كربلاء 1384 هـ ص 9 - 11 .
[29] المصدر السابق ص 131 عن موسي الاسكوئي (احقاق الحق) التحق الفصلين الرابع و الخامس.
[30] ارجع للكتاب من ص 157.
[31] و كان الأصل الأول الذي اعتمدوا عليه في ادعائهم للقب «الباب» عموما هو ما اشتهر من انه حديث عن رسول الله صلي الله عليه و سلم، اعتمدوا صحته و هو «أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب» و قد أورد الامام الشوكاني الشيعي الزيدي هذا الحديث في كتابه «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» ص 348 الطبقة الأولي 1380 هـ - 1960 م و ذكر طرقه و أسانيده و ضعفها جميلها كما فعل الامام ابن الجوزي و الامام الذهبي و غيرهم الخ.. فهو اذن حديث لا يؤخذ به و مطعون فيه.
[32] راجع كتاب «مقالة سائح في البابية و البهائية» لأحد البهائيين ص 6 حيث يقول: «انه يدعي وساطة الفيض من حضرة صاحب الزمان (أي المهدي) عليه‌السلام، ثم ظهر أن مقصوده من لفظ الباب كونه باب مدينة أخري، و انه واسطة فيوضات من شخص آخر أتي علي نعوته و أوصافه في سائر كتبه و صحفه و السائح هذا هو أحد المعتنقين للبهائية المروج لها. و قد ذكره و الشخص الذي يشير اليه هو شخص المهدي المنتظر، و كان هذا الادعاء منه في أول الأمر، ثم ترقي فادعي انه المهدي و أنه نبي الخ!!.
[33] و أكبر مثل لذلك الصحفي المصري بالأخبار الأستاذ حسين بيكار، فلم يكن أحد يظن أنه منسلخ عن الاسلام و معتنق للبهائية الهادمة لأصول الاسلام، و اسمه: حسين.. كان قد اعتاد الكثير منهم و من زعمائهم علي الأخص أن يلبس ملابس العلماء مثل المدعوة أبوالفضائل الجرفادقاني «و مثل عباس أفندي الملقب بعبد البهاء، و البهاء نفسه، و هو الميرزا يحيي نور، أو صبح أزل» (راجع صورهم في كتاب «البابيون و البهائيون للسيد عبدالرزاق الحسني) سبق ذكره. و من هنا يلتبس الأمر علي كثيرين، و يظنونهم مسلمين صادقين، و من هؤلاء دكاترة و أساتذة في أمريكا و أوربا أسماؤهم اسلامية و هم بهائيون، و يطلعون علي الناس بأفكار البهائية، فينخدع فيهم المسلمين و لا سيما الشباب.. بل انخدعت بهم بعض الدول الاسلامية و دعتهم من أمريكا ليحاضروا فيها عما اخترعه أحدهم من تفسير القرآن بالأرقام و هو مسلم مصري من احدي محافظات مصر و قد جاءتنا الأخبار الوثيقة بأنه تخلي أخيرا عن اسمه «محمد» و آخر ما جاءنا من الأخبار أنه ادعي النبوة!!!.
[34] الأنعام / 153.
[35] و مشغولون و منذ القرن التاسع عشر بما قام به الانجليز من احتضان لبعض الفرق الشيعية كالأغاخانية و استغلالها لاحداث فتن في ايران ثم في أفغانستان، ثم في الهند و العالم الاسلامي. و احتضان آخر للميرزا غلام أحمد القادياني و دعوته في الهند التي فرقت المسلمين السنيين، و لا تزال تحتضنها في باكستان، و في أنحاء العالم كوليد نشأ و تربي في أحضانها...
[36] اذكر فيها علي الأخص كتاب «حقيقة البابية و البهائية» للدكتور محسن عبدالحميد سبقت الاشارة اليه و هو مؤلف سنة 1969 و كتاب «البابيون و البهائيون للأستاذ السيد عبدالرازق الحسني الشيعي. سبق ذكره طبع سنة 1376 هـ - نحو سنة 1956 م و هو أقدمها. و كتاب «البابية» للأستاذ احسان ظهير الهي اللاهوري طبع سنة 1976 . 1396 هـ.
[37] نقلا عن مذكرات «كنياز دالغوركي» عن كتاب بخارسي «باب و بهاء را بشناسيد» ملخصا.. و يلاحظ أن الجاسوس الروسي لم يقنع منه بادعائه أنه باب لمهدي منتظر المسمي بصاحب الزمان، و امام العصر، بل أوحي اليه بأنه المهدي و صاحب الزمان و امام العصر، ليتسع الخرق بينه و بين الشيعة في وطنه «ايرن» و تقوم الفتنة بينهما، و يستفيد الروس منها.. و انظر هذه المذكرات بتمامها في أحد ملاحق الكتاب، صورها بتمامها الأستاذ العالم سالم الألوسي من علماء العراق و رجالها و أهداها لي و أنا بالعراق في شهر نوفمبر سنة 1988 م فشكرا له.
[38] في مقدمة كتاب «الحقائق الدينية في الرد علي العقيدة البابية».
[39] عن مطالع الأنوار ص 156 - 169، و «الآيات البينات» لمحمد الحسين آل كاشن الغطاء ص 165 ، 166.
[40] عن مطالع الأنوار و الشيخية و البابية للخالصي، و البهائية تاريخها و عقيدتها.
[41] نقله عن مطالع الأنوار ص 534 الحاشية.
[42] العقيدة و الشريعة في الاسلام، ص 242 ، 243.
[43] مثل ما فعلت أمريكا و القرب عموما عندما أعدم في السودان المدعو «محمود طه» المخرب للاسلام.. و فعل الشيوعيون في مصر و غيرها.. و ذرفوا الدموع علي هذا الذي اعتبروه داعية مجددا للاسلام.. نعم.. و متي كان يحرص الغرب و الشيوعيون علي داعية مسلم؟!!.
[44] من المناسب أن ننبه هنا الي أن هؤلاء لم ينكروا رسالة محمد و المرسلين من قبله، و لكنهم ركزوا كل همهم علي القول بأنه ليس آخر الرسل، بل هو في سلسلتهم كموسي و عيسي قبله، ليفتحوا الباب للرسول الجديد الذي يعدو منه، و الذي يأتي برسالة تنسخ رسالة محمد و شريعته، كما نسخت شريعة محمد الشرائع قبلها، و هذا وحده كاف جدا في اثارة المسلمين، و اضعاف شريعتهم مما يحقق أهداف أعداء الاسلام.
[45] يريد، جال الحكومة و خصوم البابية من المشايخ و غيرهم...
[46] سورة الأحزاب / 40.
[47] جاء في مختار الصحاح في كلمة «ختم» ختم الشي‌ء فهو مختوم، و ختم الله له بالخير، و ختم القرآن بلغ آخره، و اختتم الشي‌ء ضد افتتحه «و الخاتم» بفتح التاء و كسرها، و تختم لبس الخاتم، و خاتمة الشي‌ء آخره. و «ختامه مسك» أي آخره...
[48] سورة الأعراف / 58.
[49] الخطي بفتح الخاء و تشديد الطاء يطلق علي الرماح التي تصنع من أصل طيب، و في حديث أم زرع «فأخذ خطيا»، و هو الرمح المنسوب الي الخط، قبل موضع باليمامة، تنسب اليه الرماخ الخطية لأنها تجلب اليه من بلاد الهند، فتقوم به ا هـ لسان العرب مادة: خط.
[50] حين كنت بالهند حكي لي المعمرون من العلماء عما كان يفعله الانجليز في بدء استعمارهم للهند في منتصف القرن التاسع عشر علي المدارس الدينية التي يعرفون انها تدرس «باب الجهاد» في الفقه، أو آيات الجهاد في التفسير، حيث كان يصيبهم الذعر من الكلام عن الجهاد، و يعاقبون كل مدرس و كل مدرسة تدرس لطلابها شيئا عن الجهاد في الاسلام.. بينما صنعوا زعيما اسلاميا ينادي بابطال الجهاد ضد الانجليز و نسخه في الاسلام و هو «ميرزا غلام أحمد القادياني» مؤسس المذهب القادياني «مؤسس المذهب القادياني، و مدعي الرسالة بعد رسول الله صلي الله عليه و سلم.. في الوقت الذي قامت فيه البابية و البهائية في ايران، لتصنع ما صنعت القاديانية، و لا تزال النخلتان تلقيان من الاستعمار كل عون في أي مكان حتي الآن...
[51] ص 75 من كتيب: من هو الأحمدي؟ المطبوع في باكستان 1326 هـ.
[52] كما نشرته مجلة «الفضل» في 4 / 7 / 1924 - نقلا عن كتاب: «موقف الأمة الاسلامية من القاديانية» ص 118 ، 119 لنخبة من علماء باكستان و غيره...
[53] المرجع السابق في المقدمة بقلم مولانا يوسف النبوري.. و قد ركز هذا الكتاب علي بيان فضائح القاديانية و خيانتها مما انتهي الي اتخاذ هذا القرار الحاسم.
[54] أصدرت الحكومة المصرية سنة 1960 قرار رقم 623 بمصادرة مراكزها، و تجريم الدعوة اليها.. و لكن استمر تابعوها في الاجتماع السري فيما بينهم، حتي قبضت الحكومة المصرية عام 1985 علي خلية من خلاياها السرية، برئاسة الأستاذ «حسين بيكار» المحرر بالأخبار و اعترف في التحقيق اعترافا كاملا بمبادئهم المخالفة مخالفة جريمة الاسلام، و التي بمقتضاها يحكم بالردة علي كل مسلم معتنق لها، و لكن بعض الأقلام ساندت الأستاذ بيكار، و دافعت عنه و كأن الجرائم التي ترتكب في حق الاسلام، لا تعني هؤلاء بقدر ما تعنيهم كلمة خادشة لمقامهم الرفيع!! و أخذت قوي الاستعمار و الصهيونية تثير حملة علي مصر لأنها قبضت علي «خلية بهائية»! و ذلك تحت شعار «حقوق الانسان».. و ما كانت حقوق الانسان كما أصدرتها الأمم المتحدة بأغلي عندنا من حقوق الله و دينه علينا.. و قد برأ القضاء الأستاذ بيكار في الاستئناف.. لأنه لا يوجد في القانون حتي الآن عقاب علي الردة.. و هذا يعني أنهم مرتدون دينا، خائنون لوطنهم منسلخون عنه و يجب أن يلاحقهم التجريم بتشريع جديد.
[55] من ص 52 كتاب «البابيون و البهائيون» مصدر سبق ذكره، و قد نشر صورة زنكوغرافية لبعض الرسالة كما نشرها البروفسور براون في كتاب.
[56] من المصدر السابق ملخصا من ص 55 و ما بعدها.
[57] يمكن الرجوع الي كتابي عن الشيعة و كتابي «المؤامرة علي الكعبة من القرامطة الي الخوميني» للاطلاح علي هذه النماذج من التأويل الفاسد للقرآن. و اذكر الآن أنهم يؤولون آية «الشمس و القمر بحربان» من سورة الرحمن بأن المراد: الحسن و الحسين: و يؤولون قوله تعالي: «كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر» بأن المراد بالشيطان عمر و الانسان أبوبكر. يشيرون الي قول عمر لأبي بكر: امدد يديك أبابعك و يفسرون الجبت و الطاغوت في القرآن بأبي بكر و عمر و هكذا تأويلاتهم...
[58] في كتابه «البابية» التي سبق ذكره ص 76 و المصادر هي «مطالع الأنوار» و «نقطة الكاف» للبابي المقتول في البابية «الميرزا جاني الكاشاني». و «الكواكب» و «مفتاح باب الأبواب» و مقدمة «نقطة الكاف» للبروفسور «براون» أكثر المتعصبين للبابية و الناشر لها في الغرب.
[59] عد نقطة الكاف ص 144.
[60] دائرة المعارف للبستاني ص 28 ح 5 طبعة طهران.
[61] مفتاح باب الأبواب ص 181، و الكواكب و نقطة الكاف.
[62] عن كتاب «البابيون و البهائيون» و غيره...
[63] ص 82 من «البابية» لاحسان.
[64] من دراسة تاريخية للطرائف للدكتور محمود متولي أستاذ التاريخ. نشرها في جريدة السياسي الأسبوعية في 2 / 9 / 1984 و من «مفتاح باب الأبواب» ص 181، عن حقيقة البابية و البهائية ص 97 ».
[65] في كتاب «مقالة سائح» لعباس أفندي بن حسين علي المازندراني جاء ص 28 أنها أدركت الرشتي قبل موته بقليل و هذا غير مهم علي كل حال.. و راجع أيضا كتاب «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق» للدوري ح 2 ص 153 و ما بعدها. سبق ذكره و قد تحدث عن «قرة العين» و هي بالعراق في استفاضة.
[66] و بقول الألوسي: قيل انها كانت تقول بحل الفروح و رفع التكاليف. و الذي تقرر عندي أن البابية و القرية (بقصد اتباع قرة العين) يزعمون انتهاء زمن التكاليف بالصلوات الخمس. و أن الوحي غير منقطع - الخ ص 169 من كتاب «لمحات اجتماعية» السابق.
[67] انظر العقيدة و الشريعة لجولد زيهر ص 242، و مفتاح باب الأبواب ص 100 - عن «البابية ص 192 لاحسان ظهير.. سبق ذكره. و انظر تاريخ الشعوب الاسلامية لبروكلمان ص 665 ح 3.
[68] في كتاب «البابيون و البهائيون» ص 143 الطبقة الخامسة - 1984 في قسم «الملاحق» ملحق (1) و قد نشر نص «البيان» كتاب الباب كما نشر «الأتوس» كتاب البهاء الذي ألغي ما جاء في البيان و نسخه.
[69] كما ذكره بروفسور براون في مقدمة كتاب «نقطة الكاف».
[70] سورة البقرة / 210.
[71] من كتاب البابية «لاحسان ص 193 و قد ذكر مراجع...
[72] الأنعام / 153.
[73] المصدر السابق ص 199 نقلا عن «الالقان» لحسين علي البهاء ص 138 و الباب السادس عشر من الواحد السابع من «البيان» العربي.
[74] المصدر السابق و الصفحة نفسها و ما بعدها...
[75] المصدر السابق ص 206 عن البيان الفارسي و مجموعة الأقداس للبهاء، و الايقان له.
[76] المصدر السابق ص 209 عن كتاب «البيان» الفارسي.
[77] المصدر السابق ص 210 عن «بهاءالله و العصر الجديث».
[78] من كتاب «البيان» العربي الباب السابع و الثامن من الواحد التاسع ص 223 من المصادر السابق.
[79] سورة النساء / 82.
[80] ارجع الي كتاب «الحكم و قضية تكفير المسلم» ص 141 طبقة أولي - دار الأنصار بالقاهرة للأستاذ المستشار سالم علي البهنساوي و هو يذكر واقعة من هذه الوقائع بأسماء أصحابها.. ذكرتها في كتابي «حديث الي الشباب» و يمكن أن نلحق بهذا شبيها له، من القضية التي عرفت بقضية بريقع في الاسكندرية و كيف تبعه مثقفون و مثقفات تبعية عمياء.. و قد أدانهم القضاء المصري.
[81] و نحن نعرف من تاريخ رسولنا صلي الله عليه و سلم أنه تعرض لأكثر مما تعرض له الباب فلم يتراجع، حتي حين أحس ضعف عمه أمام جمهرة قريش عن مناصرته، قال له: والله - يا عم - لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي لأترك هذا الأمر ماتركته حتي يظهره الله أو أهلك دونه» فقويت عزيمة العم و أعلن أنه لن يتركه لهم. بل ان بعض أصحاب الرسول عذبوا حتي فارقوا الحياة و لم يرجعوا عن ايمانهم بمحمد و دعوته، مع أن القرآن فتح أمامهم باب الرخصة في ذلك بقوله «الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان» - سورة النحل / 106 لكنهم آثروا الثبات و أصروا عليه حتي ماتوا تحت وطأة التعذيب. فما بالنا بهذا الدعي الذي يتوب من دعوته لمجرد سجنه؟!!!.
[82] من كتاب «البابية» ص 257 سبق ذكره عن «نقطة الكاف» ص 241.
[83] المصدر السابق ص 262 عن «نقطة الكاف» ص 199.
[84] حرصت و أنا في بغداد في نوفمبر سنة 1988 علي البحث عن الدار التي كانوا يقيمون فيها في بغداد و سألت العلامة الشيخ محمد بهجة الأثري عضو المجمع العلمي بالعراق دعوة مجامع خارجها فقال لي هي في محلة تسمي محلة الشيخ بشار في حي قديم.. و ثاني يوم ذهبت و سألت عن محلة الشيخ بشار حتي وصلت اليها، و دخلت في حارة أو شارع صغير علي ناصية مسجد الشيخ بشار حتي وصلت للدار و يسمونها «دار البابيين» فوجدتها مغلقة و قد تحولت الي حسينية صغيرة للشيعة بعد ما صدر قرار سنة 1970 بتحريم قيام محفل للبهائيين و مصادرة أملاكهم.. و البهائيون يعتبرون هذه الدار مقدسة و من مزاراتهم، لكنهم لا يستطيع أحد منهم أن يجهر بزيارته لها بعد صدور هذا القانون.. و يقال: انهم كانوا يجتمعون في المناسبات في حديقة تسمي «النجيبية» نسبة الي نجيب باشا و الي بغداد ج و يعتز بها البهائيون، لكنها تحولت الآن الي مدينة طيبة بنيت عليها كلية طب و مستشفي كبير، كما حدثني المؤرخ الأثري الكبير الأستاذ سالم الألوسي الذي أمدني.. مشكورا بمراجع هامة عن البابية و البهائية.
[85] كانت الحكومة العثمانية حين نفتهم الي هذين المكانين قد حرصت علي أن تضع حول كل واحد عددا من قويدي أخيه، ليحصوا عليه تحركاته كرقباء عليه للحكومة، و لمتبوعة، و كانا يعرفان ذلك، و مما جعل البها حين شعر بشي‌ء من الصورة يصمد الي قتل من حوله من الرقباء جميعا، بالحراب و السواطير فقبضت الحكومة علي البهاء، و أودعته السجن عدة أيام أو عدة أشهر في رواية أخري. (البابيون و البهائيون للحسني ص 76) سبق ذكره.
[86] عن كتاب «البابيون و البهائيون» ص 77 سبق ذكره.. و من الجدير بالذكر أن نذكر هنا بصدد هذه العبارة التي وصف فيها نفسه بصفات الله و أسمائه الحسني، انه لا ينكر الله، و لا يلغي وجوده، و لا الضراعة اليه، و لكنه كالباطنية الذين يقولون أن أئمتهم يتجلي فيهم المظهر الالهي، و هم بهذا يتصفون بصفات الله و أسمائه الحسني. و البهاء يعني أنه بهاء الله و مظهر صفات الله فلا عجب أن وصف نفسه بصفات الله، و قد بينت ذلك عند الكلام علي الشيعة بفرقها المتعددة و لا سيما الشيعة الاسماعيليون الفاطميون.. و هم في هذا يطابقون المسيحيين تقريبا، في القول بأن عيسي عليه الصلاة و السلام فيه جانب انساني (ناسوتية) و جانب الهي (لاهوتيه).. و لذا هم تراهم يلجئون الي الله و يدعونه و يعبدونه. كما هو في تصورهم. و في الوقت نفسه يصفون أنفسهم بما نعتبره نحن من صفات الله و أسمائه الحسني الخاصة به، و نحاسبهم علي هذا الشطط. و قد زاد البهاء علي هذا ما ادعاه من نسخ في الشريعة الاسلامية، و دعوته الي توحيد الأديان علي شريعة موسي!! و ادخاله تغيرا كثيرا علي العبادات في الاسلام في الصلاة و الصوم و الحج و الطهارة.. و تغييره الشهور، و اتخاذ تقويم خاص لهم يبدأ من حين أظهر الباب دعوته سنة 1844 م الخ.. فانسلخ بذلك من الاسلام نهائيا و طائفته.. ولو ادعي انه يعبد الله.. و يؤمن بمحمد.. لأنه لا يؤمن به خاتما للرسل. فلا اعتداد بايمان علي النحو الذي يراه.
[87] انظر هذا من كتاب «البهائية» للأستاذ احسان الهي ظهير - الطبعة السابعة 1404 هـ - 1984 م. طبعة لاهور.
[88] فيقرر هو و الباب من قبله أن مدة رسالة محمد صلي الله عليه و سلم تنتهي عند ظهور الباب بدعوته سنة 1844 م كما انتهت مدة رسالة موسي بظهور عيسي، و مدة رسالة عيسي بظهور محمد عليهم الصلاة و السلام!! فهو يؤمن و يقربهم علي أنهم رسل انتهي زمنهم، و آخرهم محمد. انتهي زمنه كذلك بظهور النبي و الرسول الجديد الباب و البهاء...
[89] يذكر «جورج تاوزند» المؤلف البهائي المتفاني في كتاب عنهم «هذا ما وعد الرحمن، موعود كل الأزمنة» طبع المحفل البهائي بمصر و السودان و ترجمة بهية فوج الله الكردي البهائية سنة 1946 م، سنة 103 بهائية، في ص 20 أن للبهائية مراكز في أكثر من أربعين دولة، ذكرها، و كان هذا في الاربعينات. فما عددها الآن؟ لقد تنبهت مصر و بعض الدول الي حقيقة البهائية وصلتها بالصهيونية فأغلقت مراكزها، ولكن ماذا كان رد الفعل عند البهائيين والصهيونيين؟ مفهوم طبعا، و مع اغلاق هذه المراكز، ظل أتباع البهائية يتجمعون هنا و يعملون سرا، مما دعا الحكومة المصرية للقبض عليهم أخيرا و علي رئسهم الأستاذ حسين بيكار المحرر «بالأخبار» القاهرة خلال سنة 1985. و قد اعترف «بيكار» انه بهائي و كذلك من قبض عليهم، و قرروا أنهم يتزاورون باعتبارهم بهائيين - و لكنهم لا يدعون للبهائية!! و لم تضبط لديهم منشورات بذلك فأدانهم القضاء في المرحلة الأولي فاستأنفوا و برأهم الاستئناف. ولكنهم أما كان هناك وجه للحكم بادانتهم بحكم انهم بهائيون منسلخون وطنيا عن الولاء للوطن لا سيما بعد اغلاق محفلهم و تحريم أنظمتهم و تنفيذهم لتعاليم المحافل البهائية في الخارج، مما يعني بث القلاقل، و الدعوة للبهائية سرا. و العمل ضد النظام العام؟ أليست الخيانة للأوطان التي تربوا عليها كافية لادانتهم.
[90] الحجرات / 13.
[91] الروم / 22.
[92] هود / 118 ، 119.
[93] الأعراف / 179.
[94] الحج / 46.
[95] و كان بعد اعدام الباب في ايران، ثم بعد نفيهما الي العراق يسبح بحمده أخيه هذا، و يتحدث باسمه، علي أنه باب له، سنوات عديدة علي أنه (يحيي) هو الخليفة للباب الذي أعدم... ثم لما واتته (أي حسين) الفرصة انقلب عليه و ادعي أنه هو الخليفة للباب لا يحيي، و كان الباب قد ادعي أنه باب لمن سيظهره الله، و يحل فيه نوره، و يتحدث بوحيه، و يكون «بهاء الله» و مظهر نوره و وحيه و شريعته. و عين من سيكون ذلك، و هو خليفته «يحيي»، و لكن أخاه «حسين» طمع في ذلك لما وجد الظروف حوله تساعده، فتنكر ليحيي الخليفة المعين، و ادعي أنه الخليفة، و أنه الذي بشر به «الباب» مؤسس النحلة أو الملة الجديدة، و أنه «البهاء» فقامت المعارك بينهم، و حبكت المؤامرات بالسم و الاغتيال، حتي فاز «حسين» و صار هو «البهاء» الموعود. و هكذا وصل لمكان التقديس!!!!.
[96] مما نشرته جريدة الأهرام بتاريخ الجمعة 1 / 3 / 1985.
[97] و يتجهون فيها الي حيفا لا اله الكعبة.
[98] و كل صلاة من هذه تسع ركعات، و لا ضرورة للثلاثة بل تكفي واحدة منها، و يكفي أن يقول فيها: شهد الله أنه لا اله الا هو المهيمن القيوم، و في السفر يكفي عن الصلاة أن يقول ساجدا: سبحان الله - «عن الأقدس» فقرة 52 «عبدالبهائية».. و حرم الصلاة جماعة لعدم التشبه بالمسلمين (الأقدس / 30) أما كيفية أداء الصلاة فلم يبينوها في كتبهم، و ظلوا يحيلونها علي ورقة أخري، و لم تظهر هذه الورقة، و ادعوا أنها وقعت في يد أعدائه!! فكيف لا يعرفونها و لا يصلون علي أساسها (ص 163 - البهائية)...
[99] ارجع لص 270 من المصدر السابق، و يذكر أنهم لم يحددوا وقتا و لا عملا للحج، فتكفي الزيارة والتقرب لهذه الأماكن. و قد صادرت الحكومة العراقية سنة 1970 محفلهم و أموالهم و منعتهم من دخول الدار التي سكنها في بغداد لأنها خرجت عن ملكيتهم و لأن البهائية ممنوعة في العراق - راجع المحاكمات التي صارت حول هذه الدار في «البهائية»، و في «البابيون و البهائيون» ص 68 ، 116 مصدر سبق ذكره. و قد ذكر التقلبات التي مرت بهذه الدار منذ نشأتها حتي قبيل صدور القانون بتحريم البهائية سنة 1970 و مصادرتها ص 116 و ما بعدها كما ذكر مراكز البهائية في العالم... [
[100] راجع ص 93 من «البابيون و البهائيون» و ما بعدها.
[101] راجع المصدر السابق ص 104 و ما بعدها، و البهائية ص 215 و ما بعدها.
[102] كان من غرائب المصادفات - حسن ظن مني بمن دعا الي عيد الأم في مصر - أن يحدد يوم 21 مارس من كل سنة - و هو يوم عيد النيروز عند البهائيين - عيدا للأم، و نجحت دعوته أيما نجاح كما نعرف، دون أن يتنبه أحد الي احتفالنا بعيد عند البهائيين، و قد صادفت هذه الدعوة قبولا لدي التجار خاصة لترويج بضاعتهم في الهدايا التي تقدم للأمهات ثم انتقلت في المدارس للمدرسات، و أصبحت الهدايا عبثا كبيرا علي البيوت، تضطر لحمله، مما جعلنا ننادي بالتخفف من هذا اليوم لا سيما و هو يبدو منا مشاركة للبهائيين في عيدهم.
[103] راجع «البابيون و البهائيون» من ص 107، و البهائية من ص 217. سبق ذكرهما...
[104] كما أخبرتني بذلك الدكتورة «بنت الشاطي‌ء» بناء علي ما جاءها من صحف و معلومات من أمريكا، بل سمعت أنباء بأنه انتهي الي اعلان نبوته.. و قد ذكرت جريدة «النور» القاهرية بتاريخ 29 ربيع‌الأول سنة 9 - 1409 نوفمبر 1988 نقلا عن جريدة «الرسالة» التي يصدرها المسلمون في أمريكا «بنيويورك» أن هذه الجريدة ستصدر عددا خاصا للرد علي ادعاء رشاد خليفة أنه نبي جديد، و قد أرسل اليها يتحداها أن تثبت أنه ليس بنبي، و ذكر العديد من أدلته علي ذلك و دعي المسلمين الي الايمان به، و قال في مجلته «الاسلام الحقيقي»: أنا رسول الله و أمامكم فترة سماح: أربعة أشهر.. لتنضموا الي و الا أصابتكم اللعنة» و مضت المدة مع شهور أخري، و طبعا لم يحصل شي‌ء.. لأنها لوثة أصابت هذا المسلم المصري الأصل.. و أظن أنه من طنطا - فانضم الي الفئة الملوثة فزادته تلوثا و خبلا عقليا أدي به الي ادعاء أنه نبي و رسول.. و قد أرسل الي بعض أصدقائنا من أساتذة جامعة الأزهر هذه الدعوة للايمان به. و علي الأس كان قد ذهب اليه و انضم له دكتور يدرس التاريخ في جامعة الأزهر و انحرف ففصلته الجامعة فلاذ به هناك و شاركه في الطعن علي الاسلام و الأزهر و في خبله العقلي حتي فوجي‌ء بأن شيخه رشاد يطلب منه أن يؤمن به نبيا نزل عليه جبريل فقال له مستغربا: هو جبريل بينزل في أمريكا؟ كما ذكر لي ذلك الدكتور سعد طلام عميد كلية اللغة العربية.. و عرف أنه نصاب و تركه...
[105] البقرة / 23.. و كان هذا آخر تحد لهم بعد أن تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مغتريات، ثم تحداهم أخيرا بالاتيان بسورة واحدة، و أقصر السور 3 آيات.. و قال لهم «و لن تفعلوا» و صدق الله و خابت أقوالهم و ادعاءاتهم...
[106] نقلا عن جريدة «الأهرام» و صفحتها الدينية - بتاريخ 8 / 3 / 1985، تحقيق المحررة «مايسه عبدالرحمن»...
[107] و تقرأ هكذا (حا ميم عين سين قاف).
[108] و تقرأ هكذا (كاف ها يا عين صاد) كما ورد عن قراءة الرسول صلي الله عليه و سلم و الصحابة.
[109] الأنفال / 61.
[110] النساء / 90.
[111] الشوري / 40.
[112] من كتاب «الأقدس» نقلا عن كتاب «البابيون و البهائيون» ص 180 سبق ذكره.
[113] و هو ابن الميرزا هادي أفنان أحد أقارب الباب، و أمه «ضيائية خاتم» كبري بنات عبدالبهاء، و كانت ولادته في جمادي الأولي 1315 هـ - تشرين الأول (أكتوبر) 1897 م و تخرج في جامعة بيروت ثم التحق بكلية «باليول» في اكسفورد يلقب بعد وفاة جده (عبدالبهاء) بولي أمر الله، و توفي بالسكتة القلبية في نوفمبر 1957 م و دفن في لندن لأن شريعتهم تمنع نقل الأموات لمسافة تزيد عن الساعة.. البابيون ص 87 سبق ذكره.
[114] هامش ص 87 ، 88 من كتاب «البابيون و البهائيون» و كتاب «البهائية» ص 323 و ما بعدها. سبق ذكرهما...
[115] الدراسات في الديانة البابية ص 80 «و ألواح و وصايا عبدالبهاء»، ص 22 ، 23، و دائرة المعارف الأردية ص 93 ج 5 - عن «البهائية ص 326 ».
[116] مما ذكره الميرزا جاويد كبير البهائيين في كتابه الذي ترجمه مستر براؤن محب البهائية و من مواليها الي الانكليزية ص 326 و ما بعدها.. البهائية».
[117] المصادر السابقة.
[118] من «مقدمة نقطة الكاف» المصدر السابق.
[119] ص 189 المصدر السابق ص 328.
[120] انظر نص الوصية ص 323 من كتاب «البهائية»...
[121] الأحزاب / 21.
[122] آل عمران / 32.
[123] الحشر / 7.
[124] النساء / 80.
[125] فيذكر الله ادعاءهم و يرد عليه في سورة الصافات / 36: «و يقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون. بل جاء بالحق و صدق المرسلين» و يقول في سورة «الطور»: «فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن و لا مجنون، أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون. قل تربصوا فاني معكم من المتربصين» أم تأمرهم أحلامهم بهذا. بل هم قوم طاغون، أم يقولون تقولة، بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين.» 29 - 34، و في سورة الحاقة يقول الله «فلا أقسم بما تبصرون و ما لا تبصرون: انه لقول رسول كريم (يريد جبريل الذي نزل به). و ما هو بقول شاعر. قليلا ما تؤمنون، و لا بقول كاهن، قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين» 38 - 43.
[126] الملك / 22.
[127] البقرة / 85.
[128] «الشيعة المهدي الدروز» صدر سنة 1987 و «المؤامرات علي الكعبة من القرامطة الي الخيف» صدر 1988.
[129] آخر سورة الكهف.
[130] يقول الله سبحانه: «و ما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه أنه لا اله الا أنا فاعبدون» الأنبياء / 25. و يقول الله: «و لله الأسماء الحسني فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون» الأعراف / 180. و ذكر الله بعض أسمائه الحسني في أواخر سورة الحشر «هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب و الشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام - الي آخر السورة» فلا يصح اطلاق اسم من هذه الأسماء علي غير الله كما يفعل الشيعة الاسماعيلية و كما فعل البابيون و البهائيون.
[131] البقرة / 173.
[132] النحل / 116.
[133] «الأقدس» للبهاء فقرة 235، و خزينة حدود و أحكام ص 186 عن «البهائية» ص 186 و مكاتيب عبدالبهاء ص 370 ج 3.
[134] فيجعلها 19 شهرا، و الله يقول «ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض منها أربعة حرم. ذلك الدين القيم..» سورة التوبة / 36.
[135] البابية و البهائية للشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر رحمه الله ص 31 ، 32.
[136] انظر الكتاب «الايقان» ص 31 و ما بعدها. طبع المحفل الروحاني للبهائيين في مصر 1352 هـ - 1934 م سنة 900 بهائية و قد كتبه البهاء 1861 دفاعا عن البابية.
[137] سورة الدخان / - الايقان ص 53.
[138] عن النشرة التوجيهية للأزهر للشيخ عطية صقر ص 31.
[139] سورة محمد / 25.
[140] مطالع أنوار ص 657 عن كتاب البهائية ص 25.
[141] تعليمات بهاءالله ص 81 عن المصدر السابق...
[142] مكاتيب عبدالبهاء المصدر السابق ص 27.
[143] ص 85 من كتاب «البابيون و البهائيون».
[144] «قرن بديع» لشوقي افندي ص 296 ح 3.
[145] «قرن بديع» لشوقي افندي ص 296 ح 3.
[146] المصدر السابق عن كتاب (البهائية) ص 334.
[147] في جريدة الأهرام في رمضان 1405 هـ - 25 / 5 / 1985، مستشهدة بكلام «جولدنسيهر في كتابه «العقيدة و الشريعة» و مجلة تاريخ الأديان المجلد 28 ص 381، و مجلة المشرق مجلد 12 ص 611...
[148] نشرت جريدتهم «الأخبار الآمرية» نبأ الاعتراف تحت عنوان (بشارة عظمي) في عددها العاشر 1952 و قالوا في هذا: «ان لهذا الأمر أهمية كبري. فلأول مرة في تاريخ هذه العقيدة المنورة يسجل فرع لها في بلد يعترف بها رسميا».
[149] أهرام يوم 28 / 5 / 1985.
[150] عن الدكتورة بنت الشاطي‌ء في أهرام 1 / 6 / 1985.
[151] و هو الأستاذ حسين بيكار المحرر بالأخبار، و نشاط البهائية محظور بمصر بالقرار رقم 263 لسنة 1960. و حين علمت الداخلية بأنهم يزاولون نشاطهم سريا برياسته قبضت عليه و علي نفر منهم لمخالفتهم للقرار، و تحديهم له و قد متهم للمحاكمة أمام النيابة و القضاء لمحاكمتهم علي مزاولة نشاط محظور قانونا، و صدر الحكم بادانتهم في محكمة أول درجة، ثم برأهم الاستئناف!!!.
[152] أهرام 2 / 6 / 1985.
[153] من «البابيون و البهائيون» ص 87 و البهائية ص 329 عن بهاءالله و العصر الجديد، و دائرة المعارف الأردية و غيرهما.
[154] ص 87 ، 88 من كتاب «البابيون و البهائيون» سبق ذكره...
[155] ص 122 من المصدر السابق.
[156] راجع الملحق الخاص بقضيتهم سنة 1985. في أواخر الكتاب.
[157] من الآية 35 من سورة النور.
[158] ادعي الربوبية و قال: أنا النقطة. و النقطة في زعم الباطنيين هي أول هيكل يتجسد فيه الله. و يظهر. فهو يدعي بذلك أنه أول ظهور للرب. و أن كل الموجودات تستمد وجودها منه، و أنه واسطة التصريف و الهيمنة علي العالم!!!.
[159] و تقليد ما جاء في سورة مريم عن عيسي عليه الصلاة و السلام.
[160] النساء / 82.
[161] بيت النقطة يريد به بيت الباب الذي نشأ فيه. و هل رأيت هذه التخفيضات الهائلة في القروض و الأحكام التي تغري ضعاف النفوس.. (و آهو دين ببلاش كده)!!.
[162] صورة ص / 28.
[163] 35 ، 36 سورة القلم.
[164] 19 ، 22 من سورة فاطر.
[165] انظر الملحق الخاص بما صدر من مجمع البحوث بالأزهر.. و الملحق الخاص ببعض القضايا...
[166] و قد أمدني بهذا النص - مشكورا - الاستاذ الفاضل سالم الألوسي حفيد العلامة الالوسي مفتي العراق في وقته.. و من التاريخيين الأثريين المشهود لهم...
[167] نور قرية من قري مازندران و قد خرج منها رجال علماء و عظماء.
[168] كشباب المسلمين في العصر الحاضر الذين يحسبون التسبه بالغرب الكافر أو شرق الملحد رقيا و تقدما و فخرا و شرفا.
[169] كما البابيين و البهائيين في العصر الذهبي الحاضر.
[170] في الحديث: طلب العلم فريضة علي كل مسلم، و اطلبوا العلم ولو بالصين.
[171] كان الميرزا أبوالقاسم قائم مقام الفرهاني رئيس وزراء عهد فتحعلي شاه القاجاري و حفيده محمدشاه و كان من أكبر رجال السياسة في ايران و كان عالما فاضلا و أديبا أريبا، قتله جلاوزة محمد شاه القاجاري غدرا و غيلة و يأتي اشارة «كنياز و الكورع» في غضون مذكراته الي ذلك.
[172] يعني عدو الروس.
[173] كيف تصاحب محمد ميرزا بن عباس ميرزا عرش ملك ايران مع أنه كان من أحفاد فتحعلي شاه و كان له بعد وفاته أبناء عظماء و فضلاء، كفاة، و كانوا أولاده بلا فصل فهذا بحث ليس هنا مجال لذكره.
[174] يعني أولاد الملوك و أحفادهم.
[175] يعني الانكليس.
[176] لعل الحكيم كان ناظرا الي قول النبي صلي الله عليه و سلم المتفق بين الفريقين و هو: أني تارك الثقلين.. الخ اذ نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم و تركوا العترة و عملوا برأيهم و اجتهادهم.
[177] هنا مقام الايراد و الأشكال و لكن لا مجال للبيان، و اجمالا كان السيد كاظم الدشتي من تلاميذ الأحسائي لا من معارضيه.. معرب...
[178] هذا هو الذي كان ساعيا و مشاركا في قتل قائم مقام و كان خنقه بدسيسته و خطته. و كان هو من مراشد الدراويش.
[179] يعني أعطيه يد (الخناق) في البلاط الشاهي.
[180] الذي كان ولي‌عهد فتحعلي شاه القاجاري و والد محمد شاه، و لكنه توفي قبل أبيه فتحعلي شاه، و في مرضه الذي توفي فيه دعا لديه الميرزا أباالقاسم قائم مقام الذي كان يومئذ رئيس الوزراء، و أخذ منه العهد و الميثاق أن يجعل السلطنة في نسله و ولاية العهد بعده لابنه محمد ميرزا... و هذا لأن عباس ميرزا كان يعرف السيد أباالقاسم قائم مقام و كفايته و شطارته، و يعلم أنه يستطيع أن ينصب محمد ميرزا بولاية العهد و يجعل السلطنة في نسله مع وجود أخوته الذين كانوا أولاد أبيه بلا فصل، و كان فيهم رجال فضلاء عظماء و كماة كفاة. و أيضا أخذ العهد و الميثاق من ابنه محمد ميرزا في حرم الامام الرضا عليه‌السلام و أحلفه أن لا يخون قائم مقام و لا يقتله و لا يسفك منه دما و لا يقصده بسوء و لا يقبل في حقه قول الوشاء و النمامين و المشاغبين.. فقائم مقام و فالعباس ميرزا.. و محمد شاه بكل ما تعهد لهما به و أما محمد شاه فلم يف له بشي‌ء من العهود و المواثيق و لا عجب فكل اناء بالذي فيه ينضح.. المعرب.
[181] الجادر يعني العباية النسائية، و الجاقجور سروالة مخيطة بها الجورب من جنسها.
[182] هذا (الجاسوس) يتكلم هنا عن حقد دفين له علي الاسلام و علماء الاسلام.
[183] لا ريب أن السيد علي محمد - الباب - كان أبوه حينئذ ميتا اذ كما كتب من كتب تاريخ حياة السيد - الباب - من المؤرخين و غيرهم كتبوا أن أباه قد توفي و هو كان طفلا فرباه خاله الي أن كبر و ترعرع. فكان يوم ذاك بنفقة خاله لا أبيه، و لعله أبي أن يقول لمضله و شيطانه الأنسي «كنياز» أنه بنفقة خاله خجلا أو أن مضله زعم أنه بنفقة أبيه اذ لم ير أن يكون أحد بنفقة غير أبيه و مع ذلك يكون حسن الحال و ذا راتب جيد.
[184] مثل فارس و ترجمته: القصعة الأحر من الحريرة. و يضرب للتابعين الذين يكونون في طلب المقصود المتبوع أشد منه و أعجل.
[185] ينافي هذا و كونه ذكيا بلا حد. بل يشعر بكونه غبيا بلا حد و هو الحق.
[186] في كتب البابيين و البهائيين أنها كانت مسماة بخديجة و لكن الذي ذكره «كنياز».. لعله الأصح اذ نقله من الباب نفسه و هو أدري باسم امه.
[187] يعني سأله أن يكتب تفسير سورة النبأ فالسيد قبل ذلك.
[188] يعني الأديان و المذاهب و المعتقدات البشرية.
[189] ليست البهرة من شعبات الشيعة المستحدثة بعد النادر شاه فانها كانت في عهد الفاطميين في مصر و أفريقيا.. و أما الصوفية فلا يعرفها الشيعة كمذهب من المذاهب الاسلامية، و ليس في المذاهب المنسوبة الي التشيع مذهب يعرف بالصوفي. نعم هناك قوم يسمون بالعرفاء و يدعون العرفان و ليس لهم مذهب خاص فانهم ان سلكوا مسلك العترة الطاهرة أصولا و فروعا فهم من الشيعة الامامية الاثني عشرية و الا فليسوا بشيعة لأن الشيعة هم الذين يقولون بامامة أميرالمؤمنين و خلافته بعد رسول الله بلا فصل و ذلك نصا من الله و رسوله. و بعده ابنه الحسن و بعده أخيه الحسين و بعده تسعة من ذريته الطاهرين واحدا بعد واحد والثاني عشر منهم هو المهدي المنتظر الذي وعد الله أن يملأ به الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملأت علما و جورا. معرب.
[190] عنوان لفرقة من دراويش.
[191] يعني الدراويش.
[192] ذاكر المصائب و قاريها.
[193] هذا الجاسوس الحقود، كذب في كل مقاله، و الشاهدان الي اليوم الحاضر ليس ما ذكر، عين و لا أثر.
[194] يعني سياسة فرق تسد.
[195] بندر عظيم من بنادي فارس و عاصمة «دشتستان» معرب.
[196] هذا ينافي و قوله آنفا: فانه كان ببوشهر مدة أشهر...
[197] سيدرج ان شاء الله تعريب سند توبته الذي هو بخطه و مختوم بخاتمه و هو موجود و محفوظ في صندوق المجلس النيابي في طهران معرب.
[198] يعني ناصرالدين شاه القاجاري.
[199] الذي صار معروفا بعباس أفندي.
[200] مثل فارس و يقال: نخود داخل آش. و أما ما عربناه من ترجمة فهو هذا: بواسطة اظهار لحية جند كلمة أز نخود خود داخل آش ما مي‌كرد.
[201] يعني الجهلة من أصحاب العمائم.
[202] هذا كلام جاسوس حاقد، و لا أصل له اطلاقا.
[203] النحل من آية 105 - 109.
[204] آل‌عمران: 131 - 133.
[205] يعني ناصرالدين شاه.
[206] يعني محمد شاه والد ناصرالدين شاه.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.