اباطيل البهائية و بروتوكولات صهيون

اشارة

سرشناسه : شرف، عبدالعزيز
Sharaf, Abd al - Aziz
عنوان و نام پديدآور : اباطيل البهائية و بروتوكولات صهيون/ عبدالعزيز شرف
مشخصات نشر : بيروت : دارالجيل ، م‌۱۹۹۳ = .ق‌۱۴۱۳ = .۱۳۷۲.
مشخصات ظاهري : ص ۲۰۶
يادداشت : كتابنامه به‌صورت زيرنويس
موضوع : اسلام -- دفاعيه‌ها و رديه‌ها
موضوع : بهائيگري -- دفاعيه‌ها و رديه‌ها
موضوع : صهيونيسم -- دفاعيه‌ها و رديه‌ها
رده بندي كنگره : BP۲۲۸/۴/ش۴الف۲ ۱۳۷۲
شماره كتابشناسي ملي : م‌۸۱-۷۴۷۵
المقدمة: المرأة المسلمة في مواجهة البهائية لماذا؟
سورة التوبة، الآية 71.@ صدق الله العظيم. و للنساء نصيب في الأجر و الثواب؛ بتقرير القرآن الكريم. يقول الله تبارك و تعالي: «ان المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما» [1] . ذلك أن مكان المرأة في الاسلام: ليس مكانا مقررا باعتبارها امرأة فحسب؛ و لكن باعتبارها «انسانا» كرمه الله تعالي؛ و تبارك أحسن الخالقين: و أهمية البحث هنا اذن؛ حول المرأة المسلمة في مواجهة البهائية؛ ترتكز علي مكان الانسان في العقيدة الحق؛ و الدعاية المزيقة التي يروج لها البهائيون حول مساواة النساء بالرجال؛ و هي الفكرة التي تدعيها الدعاية البهائية للترويج لها بين النساء خاصة؛ و الشباب من الجنسين عامة؛ لأن البهائية لا تخاطب «العقل» و لكنها تخاطب «الغرائز»؛ و لذلك ركزت الدعاية البهائية علي هذه الفكرة في اطار «مبادئها» الاساسية التي تروج لها في كل مكان. فنحن تقرأ في كتاب [ صفحه 7] «بهاء الله و العصر الجديد» «ان احدي الأنظمة الاجتماعية التي جعل بهاء الله بهاء أهمية عظيمة هي مساواة النساء بالرجال» [2] . و يعتبر البهائيون هذا المبدأ من أعظم مبادئهم؛ و يكثرون من الترويج له بين الناس. و في الوقت الذي يستخدم البهائيون «الشعارات البراقة» التي تحمل مضمونا عكسيا مثل شعار (المساواة بين النساء و الرجال). فانهم يحملون من التناقضات التي تكشف عن تخبط كثير؛ ما يجعلنا تربط بين البهائية و بين عقوبة الفطرة؛ و نقوم بحق ديننا الحنيف في كشف المخططات التي لا تستهدف هدم الكيان الاسلامي فحسب، و انما تستهدف هدم الكيان الانساني العام؛ لصالح حكماء صهيون. فاذا كان كل اجتماع انساني يتجه الي غاية رابطة؛ و تتضافر الجهود كلها للوصول الي هذه الغاية؛ فان غاية هذا الكتاب هي الغاية الانسانية العالية غاية فعل الخير و تجنب الشر الذي تروج له البهائية و المذاهب الهدامة في الشرق و الغرب؛ مستهدفة المرأة و الكيان الأسري في صميمه. و الواجب علي كل امرأة مسلمة و غير مسلمة أن تواجه هذه الشر الصهيوني المنبع البهائي الشكل؛ حفظا للنفس و العقل و النسل و الدين و المال. و هي الأمور التي بنيت عليها الدنيا؛ و لذلك وجب علي كل مجتمع فاضل أن يجعل غايته المحافظة عليها، و دفع الآفات الاجتماعية - مثل البهائية - التي تحاول أن تعرض مصلحة من هذه المصالح للضرر؛ و نهتدي في منهج هذا الكتاب بحرص الشرع الاسلامي علي أمرين أساسيين: اولهما: جلب المنفعة لأكبر عدد ممكن من المجتمع. ثانيهما: دفع الضرر؛ و قرر الشرع الاسلام أن دفع الضرر مقدم علي جلب [ صفحه 8] المنفعة اذا تساوت المنفعة مع الضرر، أو لم يكن تفاوت واضح بينهما، و الضرر البهائي يكمن في تستره وراء دعاية براقة؛ يخدع بها ذوات النيات الحسنة؛ و من أجل هؤلاء و اولئك أقدمنا علي تأليف هذا الكتاب عن المرأة المسلمة في مواجهة البهائية؛ حتي تواصل دورها في تكوين الأجيال الانسانية التي تصنع الحضارة؛ و تحقق كلمة الله علي الأرض. و لقد اقتضانا المنهج العلمي في هذا الكتاب أن نقسمه الي سبعة فصول: فخصصنا الفصل الاول لدراسة النظرات الهدامة للمرأة و التي ارتبطت بعقوبة الفطرة؛ و لا سيما في البهائية. أما الفصل الثاني فقد تركز حول دراسة اكذوبة المساواة بين الرجال و النساء كما تروج لها البهائية في دعايتها لاستهواء الناس؛ و بينا المعني الحقيقي للمساواة في القرآن الكريم، و دحض أكاذيب البهائية. و خصصنا الفصل الثالث لدراسة طبيعة المرأة؛ في ضوء اكتشافات العلم و بحوث العلماء؛ و واجهنا البهائية بها لكشف أكاذيبها حول المرأة؛ و قدمنا عددا من الشهادات الهامة التي تؤيد ما نذهب اليه. و جاء الفصل الرابع بعنوان «المرأة و دين الفطرة» لتتعرف فيه علي سبيل الخلاص للانسانية؛ كما يحدد منهجه القرآن الكريم. و ناقشنا مزاعم البهائية و المبشرين حول المرأة المسلمة؛ و قدمنا شهادات لكبار المفكرين الاوربيين المنصفين، في مقدمتهم جارودي. و يكشف الفصل الخامس عن ارتباط البهائية بالصهيونية و محاولاتها لتنفيذ مخططات حكمائها في تدمير الحياة الاسرية للأمميين (غير اليهود). أما الفصل السادس فيكشف عن اباحة المحرمات في البهائية كوسيلة من وسائل هدم الكيان الاجتماعي الانساني. و ناقشنا في الفصل الأخير قضية تعدد الزوجات و حكمة الاسلام فيها؛ مفتدين [ صفحه 9] ما تدعيه البهائية من أكاذيب يناقض بعضها بعضا. و جاءت خاتمة الكتاب لتبين مكانة المرأة في القرآن الكريم و كيف كرمها الله سبحانه و تعالي أفضل تكريم. و نرجو أن نكون قد وفقنا في هذا البحث؛ و الذي حاولنا فيه أن نلتزم بالمنهج العلمي قدر المستطاع؛ و نسأل الله التوفيق، فجل من لا يخطي‌ء تحيزا أو قصورا في عالم البشر. [ صفحه 13]

المرأة بين البهائية و عقوبة الفطرة

اشاره

قبل ان نتحدث عن المرأة في الاسلام، نقدم صورة واقعية للمرأة في الدعاية البهائية، التي ادعت أنها جاءت لتنسخ الاسلام، و لتقدم للمرأة ما لم يقدمه دين الفطرة و الحرية، ثم نردف ذلك ببيان ما منح الله تعالي المرأة في الاسلام، معتمدين علي كتاب الله تعالي و السنة الصحيحة.

البهائية و عقوبة الفطرة الانسانية

و الدارس للبهائية ك «دين» مصنوع، يكشف أنها ضد الفطرة الانسانية بوجه عام، و ضد فطرة المرأة بوجه خاص، و لا سيما حينما تتصدي هذه «الديانة» للمرأة، و قضاياها. ذلك أن «البهائية» ابتداء تدعو الي «عبادة» البشر، فصاحبها «حسين علي» الملقب بالبهاء، قد ادعي النبوة ثم لم يكتف بها، فأدعي الربوبية في نهاية الأمر، علي النحو الذي يفصله تاريخ البهائية، و الذي نحيل القاري‌ء للتعرف عليه في كتب أخري من هذه السلسلة (أضواء علي البهائية). و لذلك، فليسمح لنا القاري‌ء أن نتجاوز عن الدراسة التاريخية، للبهائية، و ان نفيد منها فقط كخلفية في دراسة موضوع المرأة في «الديانة» البهائية المصنوعة. و نكتفي هنا بالاشارة الي ادعاء صاحبها الألوهية، و هو الادعاء الذي يتنافي مع الفطرة الانسانية، و قد يظن القاري‌ء أننا نتحامل علي البهائية او [ صفحه 14] ننسب لها ما ليس فيها، و لكننا نحيله الي «الأقدس» كتاب البهائيين المقدس كما يزعمون، حيث يقول فيها «حسين علي» مدعي الالوهية بالنص الصريح: «من توجه الي قد توجه الي المعبود كذلك فصل في الكتاب و قضي الأمر من لدن الله رب العالمين» [3] . ثم يقول «صنم البهائية» في «سورة الهيكل»: «لا يري في هيكل الله و لا في جمالي الا جماله و لا في كينونتي الا كينونته و لا في ذاتي الا ذاته.. و لا يري في ذاتي الا الله» [4] . و يقول في اقدسه بمل‌ء فيه: «يا ملأ الانشاء اسمعوا نداء مالك الاسماء انه يناديكم من شطر سبحانه الأعظم انه لا اله الا انا المقتدر المتكبر المتسخر المتعال العليم الحكيم انه لا اله الا هو المقتدر علي العالمين» [5] . فهل تريد يا عزيزي القاري‌ء مزيدا من النصوص التي يدعي فيها «صنم البهائية» الألوهية؟! و التي يؤكد فيها خروجه علي الفطرة الانسانية؟! نحيلك اذن علي أجزاء «أضواء علي البهائية» للاستاذين صالح عبدالله كامل و أمينة الصاوي - فان فيها الغناء، و فيها النصوص التي تدفع المتعصبين للبهائية، و تفضح ادعاءات «صنمهم المعبود» للألوهية. و لكننا هنا نكتفي بهذه النصوص، لأنها تتنافي مع «أساس» هذه الدراسة لقضايا المرأة المعاصرة، هذا الأساس الذي يتمثل في «الفطرة الانسانية» ذلك أن كل انسان يشعر «بفطرته ان ثمة واحدا قد نظم هذا العالم و ديره، لا يمكن [ صفحه 15] أن يشابه الممكنات في شي‌ء من صفاتها، فليس بجسم و لا عرض و لا محدود و لا متحيز، و لا يستطاع ادراكه الا بآثاره الشاخصة، و هو غير قابل للحلول و لا للصعود و لا للنزول.» الي ذلك اهتدي الاعرابي بفطرته فقال: «البقرة تدل علي البعير، و أثر الاقدام يدل علي المسير، فسماء ذات ابراج. و أرض ذات فجاج، كيف لا تدلان علي اللطيف الخبير». فجاء الاسلام مصدقا لما اقتضته الفطرة السليمة و لم يزد في الاستدلال شيئا سوي أن ايقظ العقول و نبهها الي النظر في آثار الله تعالي، فما عليك الا أن تتصفح القرآن الكريم فتجد ذلك في اكثر من آية من آياته [6] .

الاسلام دين الفطرة الانسانية

«نعم ربما قال انسان: انه لو كان التوحيد فطريا لما اختلف الناس في عقائدهم و تباينوا في تصوير آلهتهم، فذهبوا كما نعلم مذاهب شتي حتي لا تكاد تجد تشابها بين آلهتهم»، و الشيخ عبدالعزيز جاويش [7] رحمه الله، يحقق لنا أن هذا مباين لمقتضي الفطرة، اذ منشأ ذلك ان الانسان ميال الي الاعتماد علي ما يقع تحت حواسه من الكائنات و الي انكار ما ليس له في ذهنه صورة و لا حدود محصورة. فمن ذلك ما قصه الله تعالي في شأن معاندي أهل الكتاب حيث قال جل شأنه: «يسألك أهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسي اكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات» [8] . [ صفحه 16] و من البديهي - كما يقول الشيخ جاويش - أن الشي‌ء لا يصح انكاره الا اذا ثبت بالبرهان القطعي عدم وجوده، أما مجرد عجز المدارك عن تصوره و تحديده و الاحاطة به فمن العجب ان يتخذه ذو عقل برهانا ينفي به وجود الشي‌ء، و أعجب من ذلك أن تري اكثر المتحككين بأهل العلم في هذا العصر علي هذا المذهب العجيب الذي هو آية الجهل و نهاية الحمق. جاء الاسلام في وصف الحق و اثباته بما يطابق مقتضي الفطرة و العقل تمام المطابقة، أفلا تدبرت قوله تعالي: «الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم له ما في السموات و ما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده الا بأذنه يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لا يحيطون بشي‌ء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات و الأرض و لا يئوده حفظهما و هو العلي العظيم» [9] . و يروي الشيخ جاويش: ان الصدقة قد جمعته برجل مسلم من الانجليز، لم يرج من اسلامه شيئا من حطام الدنيا، و لا ان ينال جاها يتخذه عدة لنيل شي‌ء من الرغائب السياسية، فقال له: «ان في القرآن آية لا أمل من تكرارها و لا من ترديد النظر فيها، جاءت في وصف الله تعالي بما ليس في استطاعة أحد من ائمة الاديان الأخري، علي ذكائهم وسعة اطلاعهم، ان يأتوا به»، ثم تلا بالانجليزية تلك الآية الكريمة آية الكرسي. هذا و تتميما لموضوع التوحيد نذكر ما قدمه من كلمات [10] للورد ما كولي الكاتب الانجليزي الشهير اذ قال ما ترجمته: «ان علماء المنطق قد بنوا عقائدهم و قضاياهم علي البرهان العقلي، فأمكنهم ان يسلموا القول بأن من الأشياء ما لا يمكن للعقل ان يحيط به، بخلاف السواد الأعظم من العامة فان معظم افكارهم و قضاياهم اما خيالية او و همية او شعرية فلا يكادون يبنون شيئا من مذاهبهم [ صفحه 17] و معتقداتهم علي نظر صحيح و فكر سليم، و من هنا نشأت كما يظهر الأديان الوثنية في كل أمة و في كل جيل في كل زمن، فاختلفت لذلك صورة الالهة باختلاف ما صوره خيال معتقديها. و لطالما اذن فينا التاريخ ببيان ما ادخل اليهود قديما في دينهم من البدع، متمسكين بما أملاه عليهم خيالهم الفاسد من ضرورة ان يكون لهم اله محسوس ملموس يقصدونه بالعبادة و الاجلال. و يمكن القول بأن معظم الأسباب التي ذكرها (جيبون) و جعلها أساس انتشار الدين النصراني لم تؤثر ذلك الأثر و لم تنشر ذلك الدين في أطراف الأرض الا لأنها كانت مشفوعة بكثير من تلك القضايا الوهمية التي كان لها اكبر سلطان علي نفوس الذج من العامة، فان الها لم يخلق و كائنا لا تدركه الابصار و لا تحيط به الظنون لم يقل به الا الفلاسفة العالمون، اما الأخلاط ضعاف العقول من الناس فانهم ضاقت دائرة أفكارهم و انقطعت سلسلة ادراكهم عن ان تصل الي القول بأنه ليس له صورة محدودة في نفوسهم، فكانوا يتأففون و يهزأون و يضحكون من اولئك الفلاسفة و يرمونهم بالبله أو قصور الذهن. طاشت النفوس في الازمنة القديمة، و ضلت الصراط السوي، و قست القلوب، و انتهكت الحرمات، فجاء المسيح عليه‌السلام و أخذ يعلم الناس و يدعوهم الي ما جاء به من الهدي فمنهم من آمن و منهم من كفر. و لم يسلم تابعو المسيح من النصاري ان يصيبهم في ايمانهم مثل ما أصاب اليونان و الفرس و غيرهم من قبلهم، فتمثل الا له لهم في صورة آدمي مشي بينهم و شاركهم في اغراضهم و ما يعتريهم من الانحلال و الاضمحلال، كما كان يبكي علي القبور و ينام في الحظائر، ثم صلب حتي سال دمه علي أعواد الصليب، فظهروا بذلك للعالم في لباس جديد من الوثنية، ثم كان لهم من القسيسين و الرهبان بعد ذلك لفيف من الآلهة علي مثال ما كان لليونان، فكان القديس [ صفحه 18] جورج لديهم اله الحرب كما كان المريخ عند اليونان، و كذلك اتخذوا العذراء و سيسيليا Cicilia و غيرهما آلهة للجمال و فنون الأدب كما كانت الزهرة وسيع كواكب أخري The muses آلهات لدي اليونان.. و هلم جرا.. و لطالما اخذ المفكرون من رؤساء الدين يزيلون ما لصق بعقول العامة من تلك الصور الوهمية. و لكنهم لم يفلحوا. «تجد العامة في هذا اليوم يتعشقون سماع كثير مما لا معني له من الخزعبلات، و يتهافتون علي تلقف سير بعض من لا قيمة لهم في سوق الفضائل و المكرمات، اكثر مما يميلون الي تعرف و تفهم شي‌ء من قواعد الدين الاساسية». هذا ما قاله النورد ما كولي في شأن الدين الذي يعتنقه و يذعن له، و في الأمم التي شاركته في الاخذ به و بيان احوالهم.. و الخلاصة ان السبيل التي جاء بها الشرع الاسلامي في الايمان بالله و تقديسه عن الحلول و مشابهة الغير و توحيده بالعبادة دون كائن غيره هي السبيل التي يصل اليها الانسان بفطرته متي خلي و شأنه غير مضلل ببعض الأباطيل و لا مدفوع الي غير تلك السبيل. بسم الله الرحمن الرحيم (قل هو الله احد - الله الصمد - لم يلد و لم يولد - و لم يكن له كفوا احد) [11] الاسلام اذن دين الفطرة.. الدين الذي صح في القديم و في الحاضر و في المستقبل - مركز الانسان في هذا الوجود، و تعيين مكانه و دوره و وظيفته و حقوقه و واجباته.. يقول الاستاذ سيد قطب رحمه الله [12] : «انه ليس الها ينازع «الآلهة»! و تنازعه. و ليس كذلك حيوانا جاءت سيادته علي الأرض مصادفة، و قد يقوم [ صفحه 19] مقامه في هذه السيادة غدا قط أو فأر! و ليس آله تحسب قيمته بقوة «الأحصنة» التي يساويها في قوة التحريك و الادارة و ليس عبدا للمادة، و لا هو لوحة تطبع فيها المادة اله الطبيعة ما تريد. و ليس عبدا للآلة، تصرف حياته و أفكاره و أوضاعه كما تتصرف هي و تتقلب. و ليس «نمرة» و لا مجموعة «نمر» تتحرك داخل القطيع، بلا شخصية مميزة، و لا كيان «فردي خاص».

المرأة ليست أحبولة الشيطان

و ليست المرأة أحبولة للشيطان، و ليس اتصال الجنسين رجسا من عمل الشيطان. و ليست اللذة و المتعة هي غاية هذا الاتصال، و لا الهوي دافعه و مانعه علي السواء. و ليس الجنسان سواء في وظيفتهما و عملهما، و ليس مجرد التفرقة بينهما في التكوين البيولوجي عبثا لا معني له و لا هدف وراءه.. الي آخر ما مرت به النظرة الي «الانسان» من تخبط و اضطراب.. كلا.. انما الانسان.. انسان.. «انسان» و ليس الها - هو سيد هذه الأرض و هو عبد الله في آن.. و هو مسلط علي هذه الأرض، و مسخر له كل ما فيها، و عليه أن يخلف الله - سبحانه - فيها، و يغير فيها و يبدل، و يتمي فيها و يرقي، و هو معان علي استغلال كنوزها و طاقاتها. معان بما وهبه الله من قوي و طاقات، و معان بما في نواميس هذا الكون من عون للانسان في هذا المجال.. و في الوقت ذاته هو من نفسه في حرم من مقدس. حرم من حرمات الله. لا يمسه الا باذن الله، و لا يعمل فيه الا يمنهج الله. و لم يوهب معرفة أسرار هذا الحرم - الا بقدر - و لم يسمح له أن يضع له من تلقاء نفسه المناهج و الخطط و الشرائع و الأوضاع. و لم يؤذن له أن يتخذ الهه هواه.. و هو «انسان» - و ليس حيوانا - هو مخلوق فذ في هذا الكون. مخلوق قصدا، و لخلقته حكمة. و مزود بطبيعة خاصة - فوق طبائع الحيوان - [ صفحه 20] و بخصائص معينة - فوق خصائص الحيوان - لأداء وظيفة معينة في الأرض لا يؤديها الحيوان. و له - من ثم - مقام كريم، يعادل وظيفته الكريمة.. كان كذلك يوم نشأ، و هو كذلك اليوم، و سيكون كذلك غدا.. و الذين خالفوا عن هذه الحقيقة يعودون اليها مرغمين الآن.. و هو «انسان» - و ليس آلة، و لا عبدا للآلة، و لا من صنع المادة، و لا من صنع الالآت - و هو كائن معقد شديد التعقيد، ليست له بساطة المادة و لا طواعية الآلة. و الذي نعلمه عن تعقيده قليل - و نحن في أول الطريق من علوم الانسان، و لم نصل بعد الي المزيد من علوم الانسان الذي يتطلبه دكتور كاريل - و مع ذلك فقد واجهتنا «الحياة» بتعقيدها المخيف الذي لم تواجهنا به المادة، و واجهنا «الانسان» بتعقيد أشد هولا.. فمن الجرأة المتهورة المتهجمة علي «العلم» و قواعده، الزعم بأن هذا الانسان مادة، و التعامل معه كالتعامل مع المادة.. و من التخبط أن نزعم أنه كالآلة و نعامله كما نعامل الآلة.. ثم من التوقح البغيض ان نقول: ان الآلة (أداة الانتاج) هي الا له الذي يغير فيه و يبدل كما يشاء!!! و هو «انسان» - و ليس «نمرة» من النمر و لا فردا من القطيع - هو انسان يتميز أفراده بعضهم من بعض، و يتمتع كل فرد بذاتية مستقلة لا نظير لها، و وحدانية حقيقية - رغم اشتراكهم جميعا في خصائص انسانية عامة - و لكل فرد منهم «خصائصه الذاتية» الي جانب «الخصائص الانسانية».. و من ثم ينبغي أن يكون النظام الاجتماعي، و النظام الاقتصادي، و النظام السياسي، و الطريقة الفنية للعمل في المصانع و غيرها (التكنولوجيا) مبنية علي أساس ملاحظة «الخصائص الانسانية» العامة أولا. و «الخصائص الفردية الذاتية» ثانيا. فلا يحشر الجميع في نظام للعمل كالقطيع. و لا يكون عمل الفرد في المصنع او في أي مكان، بديلا عن عمل الآلة، المتماثلة الغرز و ابعدها الطرقات. [ صفحه 21] و حين تحترم خصائص الانسان العامة، و خصائص الأفراد الذاتية، فلن يتعذر علي المهندسين و المديرين ايجاد طرائق العمل الفنية التي تحافظ علي هذه الخصائص و تلك، و لن يتعذر علي «التكنولوجيا» ان تضمن الانتاج الكبير و تضمن في الوقت ذاته المحافظة علي هذه الخصائص و تلك، فلا تسحق «الانسان» و لا تسحق «الفرد» في عمل أو نظام. و هو «انسان» من ذكر و أنثي.. من نفس واحدة، نعم.. و لكنهما جنسان. و منهجنا يعرف هذه الحقيقة بشطريها، و يكفل لشطري النفس الواحدة حقوقا واحدة - فيما يتعلق بالأصل الانساني العام - و لكنه في الوقت ذاته يفرض علي كل منهما واجبات مختلفة، و في الوظيفة الخاصة في العمران، و وفق طاقة كل منهما و مجموعة تكاليفه، فلا يكلف المرأة المسكينة مثلا أن تحمل و ترضع و تربي، و في الوقت ذاته تعمل و تكدح و تشقي.. بينما الرجل لا يشاركها الحمل و الرضاعة و التربية. ثم يزعم بعد ذلك أنه ينصف المرأة و يحترمها و يرقيها! و لا يكلف المرأة أن تهمل صناعة «الانسان» لتشتغل بصناعة «الأشياء».. فالانسان في منهجنا أغلي من الأشياء. و لا يجوز فيه أن تشتغل المرأة المثقفة الماهرة الحكيمة بصناعة الأشياء و انتاجها، و ان تستجلب لأبنائها امرأة أخري أقل ثقافة و مهارة و حكمة، و أرخص أجرا بالطبع، لتشرف لها علي «الأبناء» بينما هي تشرف علي «الاشياء»! و هكذا - و في ظل هذا المنهج، و من نقطته السابقة في البدء - يصبح المزيد من علوم الانسان ذا قيمة في موضعه المناسب، في مرحلة من مراحل الطريق. لا من بدء الطريق [13] . [ صفحه 22]

البهائية و التخبط في نظرتها للمرأة

و ما وقعت فيه البهائية من تخبط في النظر الي المرأة، يكشف عن تناقض مع الفطرة و الاخلاق الانسانية. و لا يقل أثر الاضطراب و التخبط في النظرة الي المرأة و الي علاقات الجنسين في المجتمع الانساني، عن أثر التخبط و الاضطراب في النظرة الي الانسان و فطرته و استعداداته، فكلاهما - كما يقول الاستاذ سيد قطب - ينبع من معين واحد: هو الجهل بحقيقة هذا الكائن بنوعيه، و من الهوي كذلك و الضعف، ثم الانقطاع - مع هذا الجهل و الهوي و الضعف -عن منهج الله و هداه. و لادراك اهمية مسألة التخبط البهائي في النظر الي المرأة و الي علاقات الجنسين - لابد لنا هنا من استصحاب المقدمات التي صدرنا بها الحديث عن الفطرة الانسانية. و لمن يريد المزيد فليرجع الي ما كتبه الاستاذ سيد قطب عن فطرة الانسان و استعداداته، فهي بنصها تنطبق علي موضوع البحث. و لا سيما ان الحياة البشرية «يستحيل ان تستقيم و تعتدل و تطمئن، اذا كانت علاقة الجنسين غير مستقرة، و اذا كانت تتأرجح - تبعا للنظرة الي المرأة - من أقصي اليمين الي أقصي اليسار، او اذا كانت تستند الي الجهل و الضعف و الهوي [14] «كما هو الحال في الدعاية البهائية». و من أمثلة التخبط البهائي في النظر الي المرأة، استنادا الي الجهل و الضعف و الهوي، و جهلا بالفطرة الانسانية، ما يروجون له عن غير فهم تحت شعار «المساواة بين الرجال و النساء»، و يعتبرون هذا الشعار من أهم الشعارات التي يجب أن تعلن عن البهائية بهدف استدراج الجماهير و اغوائهم، فقد جاء في كتاب «بهاء الله و العصر الجديد»: «ان احدي الأنظمة الاجتماعية التي جعل بهاء الله بها أهمية عظيمة هي مساواة النساء بالرجال» [15] . [ صفحه 23] و استغل عباس أفندي الذي لقب نفسه عبدالبهاء هذا الشعار في الدعاية البهائية بين المسلمين و غير المسلمين، و لا سيما في اوروبا و أمريكا، حيث هيأت له الصهيونية العالمية أسباب السياحة فيهما و ليتلقي من زعماء المنظمة الصهيونية التعاليم التي ينبغي أن ينفذها تحت اسم «البهائية» في اطار المخطط الصهيوني المتستر بأسماء غير صهيونية. و قد استغل عبدالبهاء هذا و أتباعه شعار «المساواة بين الرجال و النساء» في عالم تخبط فيه النظر الي المرأة، و تأرجح بين الغلو و التفريط، و هو يشرد عن الله، و يتخذ لنفسه مناهج تقوم علي الجهل و الهوي و الضعف و الشهوة، و لا يستقر علي وضع معتدل هادي‌ء مطمئن في طور من الأطوار.

المرأة بين البهائية و المذاهب الهدامة

ففي القرن التاسع عشر ظهر دارون و فرويد و كارل ماركس جميعا.. و في هذا القرن نفسه، ظهر المرزا حسين علي مؤسس البهائية في ايران اذ ولد في طهران يوم 12 نوفمبر 1817 م الموافق 2 محرم سنة 1233 ه.. و عاش حياته علي اتصال وثيق بالدول الاستعمارية التي تعادي الاسلام و المسلمين في هذا القرن الماضي: الروس و الانجليز.. فمن الثابت عند البهائيين: «ان دولة الروس، اتصلت بحسين علي في (آمل) و قدمت له المساعدات اللازمة» [16] . و ذكر حسين علي الملقب بالبهاء في كتابه «سورة الهيكل» ما يؤكد هذه الصلة: «يا ملك الروس.. و لما كنت أسيرا في السلاسل و الاغلال في سجن طهران نصرني سفيرك» [17] . [ صفحه 24] و بعد نفيه الي بغداد قدمت له الحكومة الانجليزية عن طريق سفيرها جنسية انجليزية و نقلته مع رفاقه الي الهند المسلمة لاثارة الفتن هناك تحت رعايتها و حفظها [18] و مما لا شك فيه ان حسين علي مدعي الالوهية، قد حقق المخطط الانجليزي الصهيوني في الاطاحة بالخلافة العثمانية، و الاستيلاء علي فلسطين. و لقد واصل ابنه عباس أفندي تحقيق المخطط الضهيوني من بعد أبيه. و اعترف الداعية البهائي «أسلمنت» بأن تحقيق اهداف المخطط الصهيوني من أهم الأسباب التي أنشئت من اجلها البهائية.. يقول: «كان الابتهاج في حيفا عظيما عندما استولت الجنود البريطانية و الهندية (التابعة للحكومة الانجليزية) عليها بعد قتال دام 24 ساعة في 23 سبتمبر سنة 1918 م بعد الظهر و بذلك انتهت أهوال الحرب التي استمرت طول حكم الاتراك. و منذ الاحتلال البريطاني طلب عدد عظيم من العسكر و الموظفين من كل الطبقات حتي العليا مقابلة عبدالبهاء و كانوا يبتهجون بمحاداته النوراء وسعة اطلاعه و تعمق باطنه الأنور و كرم ضيافته و نبالة ترحيبه - لأجل اسقاط الحكم الاسلامي - و كان اعجاب رؤساء الحكومة بعظمة اخلاقه و عمله الجليل للسلام و الوثام و السعادة الحقيقة للعالم شديد الدرجة ان أنعم عليه بنيشان فرسان الامبراطورية باحتفال وقع في حديقة الحاكم العسكري لحيفا في السابع و العشرين من شهر ابريل سنة 1920 » [19] . و لما كان تفصيل ذلك و تأييده بالوقائع مما لا يحتمله الا كتاب ضخم فاننا ننتقل الي موضوع البحث - حتي يتسني لنا أن نتعرف علي «وحدة المصادر» بين البهائية و المذاهب الهدامة، ذلك ان اليهود هم وراء كل مذهب من هذه المذاهب، ينشرون مبادي‌ء «الاخاء و الحرية و المساواة» اذا احسوا الاضطهاد. و ما [ صفحه 25] ظهر مذهب فكان مؤديا الي سهم بالأذي من قريب أو بعيد الا قتلوه، أو حوروه بما يفسده هو و ينفعهم هم. و كل ما كان مؤديا الي خير لهم مباشرة روجوه في كل أنحاء العالم و رفعوه و رفعوا صاحبه بين أساتذة الثقافة العالميين و لو كان حقيرا، و كذلك يروجون لكل قلم ما دامت آثاره عن قصد أو غير قصد تساعد علي افساد الناس و رفع شأن اليهود كما فعلوا مع نيتشه الذي يتهجم علي المسيحية و اخلاقها و يقسم الاخلاق قسمين: اخلاق سادة كالعنف و الاستخفاف بالمبادي‌ء، و أخلاق عبيد كالرحمة و البر.. مما يتفق و روح اليهودية و تاريخها. و يمهد لها في الأذهان و يجعلها سابقة علي نيتشه [20] و كذلك روجوا مذهب التطور و أولوه تأويلات ما خطرت لداروين علي بال. و استخدموه في القضاء علي الأديان و القوميات و القوانين و الفنون مظهرين ان كل شي‌ء بدأ ناقصا شانها يثير السخرية و الاحتقار، ثم تطور، فلا قداسة اذن لدين و لا وطنية و لا قانون و لا فن و لا لمقدس من المقدسات، و هم يعبثون بعلوم الاقتصاد و الاجتماع و مقارنة الأديان [21] و يسخرونها لمصلحتهم و افساد الآداب و النظم و الثقافات و العقول في كل أنحاء العالم، و يدسون فيها نظريات مبهرجة لا يفطن الي زيفها الا الموهوبون ذو و العقول المستقلة. و هم وراء كل زي من أزياء الفكر و العقيدة و الملبس و السلوك ما دام لهم في رواجه منفعة، و هم أحرص علي ترويجه اذا كان يحقق لهم المنفعة. و يجلب لغيرهم الضرر. و لا تخلو بلد كبيرة من مركز دعاية فكرية تروج لأمثال هذه الأزياء المذهبية و الاتجاهات الهدامة. واخصها في البلاد الديمقراطية فرنسا. و ان ظروفها الخاصة المعاصرة و التاريخية لترشحها أكثر من غيرها لأداء هذه الرسالة المخربة، و من مقال للأستاذ العقاد علي «الوجودية: الجانب المريض منها» قال نصه: و لن تفهم المدارس الحديثة في اوربة ما لم تفهم هذه الحقيقة [ صفحه 26] التي لا شك فيها. و هي أن اصبعا من الأصابع اليهودية كامنة وراء كل دعوة تستخف بالقيم الاخلاقية، و ترمي الي هدم القواعد التي يقوم عليها مجتمع الانسان في جميع الازمان.. فاليهودي كارل ماركس وراء الشيوعية التي تهدم قواعد الأخلاق و الأديان. و اليهودي دور كهايم وراء علم الاجتماع الذي يلحق نظام الأسرة بالأوضاع المصطنعة. و يحاول أن يبطل آثارها في تطور الفضائل و الآداب. و اليهودي - أو نصف اليهودي - سارتر وراء الوجودية التي نشأت معززة لكرامة الفرد فجنح بها الي حيوانية تصيب الفرد و الجماعة بآفات القنوط و الانحلال. و من الخير ان تدرس المذاهب الفكرية، بل الأزياء الفكرية كلما شاع منها في اوربا مذهب جديد. و لكن من الشر أن تدرس بعناوينها و ظواهرها دون ما وراءها من عوامل المصادفة العارضة و التدبير المقصود [22] . و قل مثل ذلك في العلامة سيجموند فرويد اليهودي الذي هو من وراء علم النفس يرجع كل الميول و الآداب الدينية و الخليفة و القنية و الصوفية و الأسرية الي الغريزة الجنسية، كي يبطل قداستها، و يخجل الانسان منها و يزهده فيها، و يسلب الانسان ايمانه بسموها ما دامت راجعة الي أدني ما يري في نفسه. و بهذا تنحط في نظره صلاته بأسرته و مجتمعه و الكون و ما وراءه.. و لو جعل الاستاذ فرويد الغريزة الوالدية (الأبوة و الأمومة) هي المرجع لكان أبعد من الشطط و الشناعة و أدني الي القصد و السداد. و قل مثل ذلك في علم مقارنة الأديان التي يحاول اليهود بدراسة تطورها و مقارنة بعض أطوارها ببعض. و مقارنتها بمثلها في غيرها أن يمحو قداستها و يظهروا الانبياء مظهر الدجالين. و كذلك حركة الاستشراق التي تقوم علي بعث الكتب القديمة فهي في العربية [ صفحه 27] تزحم مكاتبنا بأتفه الكتب التي لا تفيد علما، و لا تؤدب خلقا، و لا تهذب عقلا، فكأننا نؤسس المكاتب لتكون متاحف لحفظ هذه الموميات الخالية من الحياة، و التي لا يمكن أن تحيي عقلا أو قليا أو ذوقا. لا. بل هي تغري الانسان - لتفاهة محتوياتها و تفككها - بالنفور منها اذا كان سليم الطبع و العقل. او تحمله علي التمسك بتفاهاتها فتورثه الغرور و الغباء و الكبرياء، و كذلك يروج اليهود كل المعارف التافهة و الشهوانية و الالحادية فينا و في غيرنا الآن. و ليلا حظ أنه من الغباء القول بأن اليهود هم القائمون بكل هذه الحركات السياسية و الفكرية و الاقتصادية. فبعضها من عملهم و عمل صنائعهم. و بعضها من عمل غيرهم انسانيا أو طبيعيا. و لكنهم هم كالملاح الماهر ينتفع لتسبير سفينته بكل تيار و كل ريح مهما يكن اتجاهه، و يسخره لمصلحته سواء كان موافقا أو معاكسا له. و قد ظهر البهاء في القرن التاسع عشر مع دارون و فرويد و كارل ماركس جميعاء «و كانت ايحاءاتهم و توجيهاتهم كلها منصبة علي تحقير الانسان بشتي الطرق. مرة بحيوانيته المطلقة علي يد دارون. و مرة بوحله الجنسي المطلق علي يد فرويد. و مرة بسلبيته و ضآلة دوره تجاه المادة و العوامل الاقتصادية علي يد كارل ماركس». و كل هذه الايحاءات و التوجيهات كما تؤثر في النظرة الي الانسان ذاته، تؤثر كذلك في النظرة الي المرأة و الي العلاقات بين الجنسين يصفة خاصة. و تحطم كل قوانم الأخلاق. و تطلق الجنسين حيوانين يتلمسان الشهوة و اللذة لذاتهما.. حتي الهدف الحيواني من حفظ النوع بالنسل لم يعد الأناس في اوروبا و أمريكا ينظرون اليه الا علي أنه قيد يحد من حرية الاختلاط الجنسي، و يحمل الذكر الانثي تبعات لا يريدان ان يتحملاها! بمنع الحمل، او بالاجهاض او بوأد الوليد. [ صفحه 28]

جموح النظرة للمرأة

المهم هنا أن نقرر جموح النظرة الي المرأة، بعد انقلات اوروبا من نير الكنيسة و التصورات الكنسية، و شرودها - أبان هذا - عن الله و عن منهجه في الحياة، و الفصل بين اللذة الجنسية في علاقات الجنسين و أهدافها الانسانية - ثم أهدافها الحيوانية أيضا! [23] . الي ان يقول الاستاذ سيد قطب: «لقد جربت الكنيسة حين وقفت - بالباطل - في وجه ميول الناس الفطرية، كيف خرجوا عليها و داسوها و أهملوها، فعادت الان تتجنب أن تقف - بالحق - في وجه شهواتهم و نزواتهم، فيدوسوا عليها و يهملوها!» لقد عادت اوربا الي حياة الرومان القديمة التي تسمح للآلهة و الأرباب أن تنطق بالرجز علي ألسنة الكهان، و أن تكون مواسمها مواسم بهجة و لذة و متاع.. و ذلك دون أن يسمحوا لها بالتدخل في شؤون حياتهم او توجيهها وجهة تنافي اللذة و المتاع. و يخدع بعض الناس هنا فيحسبون أن للكنيسة نفوذا في حياة الناس. و ان للدين هناك وجودا جديا يستحق الاحترام، و يحسبون أن «مرونة» الكنيسة و «ثقافتها» هناك هي التي ضمنت لها هذا النفوذ، و ضمنت للمسيحية أن تبقي بعد أعاصير عهد النهضة و التنوير و المادية.. و هو مجرد و هم لا يقوم علي معرفة ما هو واقع هناك. و لكن رجلا اوربيا مستنيرا مدركا مثل «ليوبولد فايس» الذي أسلم و اهتدي و سمي نفسه «محمد أسد» لا يخدعه ما يخدع بعض الناس هنا.. لأنه عاش [ صفحه 29] هناك. فيقرر في كتاب «الاسلام علي مفترق الطرق» مما تضمنته مشاهداتنا الكثيرة في أمريكا عن هذا الأمر بالذات.. يقول: «لقد سيطر علي الغرب الحديث في أوجه نشاطه و جهوده اعتبارات من الانتفاع العملي (المادي) و من التوسع الفعال فقط. و قد كان هدفه الذاتي انما هو المعالجة و الاكتشاف لكوامن الحياة، من غير أن ينسب الي تلك الحياة حقيقة أدبية في ذاتها. أما قضية «معني الحياة» و الغاية منها، فقد فقدت منذ زمن بعيد في نظر الاوربي الحديث جميع اهميتها العملية..». «ان الاتجاه الديني مبني دائما علي الاعتقاد بأن هناك قانونا أدبيا مطلقا شاملا، و أننا - نحن البشر - مجبرون علي أن نخضع أنفسنا لمقتضياته، ولكن المدنية الغربية الحديثة لا تقر الحاجة الي خضوع ما الا لمقتضيات اقتصادية، أو اجتماعية، أو قومية. ان معبودها الحقيقي ليس من نوع روحاني. ولكنه «الرفاهية». و ان فلسفتها الحقيقية المعاصرة انما تجد قوة التعبير عن نفسها عن طريق الرغبة في القوة.. و كلا هذين موروث من المدنية الرومانية القديمة» [24] . «كانت الفكرة التي تقوم عليها الامبراطورية الرومانية الاجتياح بالقوة، و استغلال الأقوام الآخرين لفائدة الوطن الأم وحده. و في سبيل الترفيه عن فئة ممتازة لم ير الرومان في عنفهم سوءا و لا في ظلمهم انحطاطا. و ان «العدل الروماني» الشهير كان عدلا للرومانيين وحدهم. و من البين ان اتجاها كهذا، كان ممكنا فقط علي أساس ادراك مادي خالص للحياة و للحضارة. ادراك مادي هذبه علي التأكيد ذوق فكري. و لكنه علي كل حال بعيد عن جميع القيم الروحية. ان الرومانيين - في الحقيقة - لم يعرفوا الدين. و ان آلهتهم التقليدية لم تكن سوي محاكاة شاحبة للخرافات اليونانية.. لقد كانت أشباحا سكت عن وجودها حفظا [ صفحه 30] للعرف الاجتماعي. و لم يكن يسمح لها قط بالتدخل في أمور الحياة الحقيقية. بل كان عليها ان تنطق بالرجز علي ألسنة عرافيها - اذا سئلت مثل ذلك - و لكن لم يكن ينتظر منها ان تمنح البشر شرائع خلقية. «تلك كانت التربة التي نمت فيها المدنية الغربية الحديثة.. و لقد عملت فيها بلا شك مؤثرات أخري كثيرة في أثناء تطورها. ثم انها بطبيعة الحال قد بدلت و حورث في ذلك الارث الثقافي الذي ورثته عن رومية في أكثر من ناحية واحدة.. و لكن الحقيقة الباقية أن كل ما هو اليوم حقيقي في الاستشراق الغربي للحياة و الأخلاق، يرجع الي المدنية الرومانية.. و كما ان الجو الفكري و الاجتماعي في رومية القديمة كان نفعيا بحتا، و لا دينيا - لا علي الافتراض بل علي الحقيقة - فكذلك هو في الغرب الحديث.. و من غير أن يكون لدي الا و ربي برهان علي بطلان الدين المطلق، و من غير أن يسلم بالحاجة الي مثل هذا البرهان، تري التفكير الا و ربي الحديث - بينما هو متسامح في الدين، و أحيانا يؤكد أنه عرف اجتماعي - ترك علي العموم، الأخلاق المطلقة خارج نطاق الاعتبارات العملية. «ان المدينة الغربية لا تجحد الله البتة، و لكنها لا تري مجالا و لا فائدة لله في نظامها الفكري الحالي.. فقد اصطنعت فضيلة من العجز الفكري في الانسان - أي من عجز عن الاحاطة بمجموع الحياة - و هكذا يميل الأوروبي الحديث، الي أن ينسب الأهمية العملية فقط الي تلك الأفكار التي تقع في نطاق العلوم التجريبية، أو تلك التي ينتظر منها علي الأقل أن تؤثر في صلات الانسان الاجتماعية بطريقة ملموسة.. و بما أن قضية وجود الله لا تقع تحت هذا الوجه و لا تحت ذاك، فان العقل الأوربي يميل بداءة الي اسقاط «الله» من دائرة الاعتبارات العملية» [25] . [ صفحه 31] و يقرر الاستاذ أبوالحسن الندوي هذه الحقيقة باختصار في كتابه القيم «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» في قوله: «ديانة اوربا اليوم، المادية، لا النصرانية. فما لا شك فيه ان دين اوربا اليوم الذي يملك عليها القلب و المشاعر، و يحكم علي الروح هو «المادية» لا «النصرانية» كما يعلم ذلك كل من عرف النفسية الأوربية عن كئب، لا عن كتب، بل و عن كتب ايضا. و لم ينخدع بالمظاهر الدينية، التي تزيد ابهة الدولة، و التي يجد فيها الشعب ترويحا للنفس و تنوعا.. و لم ينخدع بزيارتهم للكنائس، و حضورهم في تقاليدها» [26] . و لا بأس - بعد رسم هذه الصورة بقلم الكاتبين الواعيين - ان تضيف اليها فقرة مما كتبه الاستاذ سيد قطب في كتاب «امريكا التي رأيت» [27] عن موضوع الكنيسة و المجتمع بالذات، في مسألة المرأة و العلاقات بين الجنسين.. فقد يزيد في جلاء السبب الذي أطلق البهائيون فيه شعار «المساواة بين الرجال و النساء» لاستهواء الاوربيين و الامريكيين خاصة، ثم الشعوب الاسلامية من بعد خلال التأثر الحضاري الكاذب: «ليس اكثر من الامريكان تشييدا للكنائس، حتي لقد أحصيت في بلدة واحدة، لا يزيد سكانها علي عشرة آلاف، أكثر من عشرين كنيسة، و ليس أكثر منهم ذهابا الي الكنائس في ليلات الأحد و أيامه، و في الأعياد العامة و أعياد القديسين المحليين. و هم اكثر من «الأولياء» عند عوام المسلمين! و بعد ذلك كله ليس هناك من هو أبعد من الامريكي عن الشعور بروحية الدين و احترامه و قداسته. و ليس أبعد من الدين عن تفكير الامريكي و شعوره و سلوكه. [ صفحه 32] «و اذا كانت الكنيسة مكانا للعبادة في العالم النصراني - علي تفاوت - فانها في أمريكا مكان لكل شي‌ء الا للعبادة. و انه ليصعب عليك أن تفرق بينها و بين أي مكان آخر معه للهو و التسلية، او ما يسمونه بلغتهم «Fun» و معظم قصادها انما يعدونها تقليدا اجتماعيا ضروريا، و مكانا للقاء و الأنس، و لتمضية «وقت طيب Good time» و ليس هذا شعور الجمهور وحده، و لكنه كذلك شعور سدنة الكنيسة و رعاتها. «و لمعظم الكنائس ناد يتألف من الجنسين - شبانا و شواب - و يجتهد راعي كل كنيسة أن يلحق بالكنيسة اكبر عدد ممكن. و بخاصة أن هناك تنافسا كبيرا بين الكنائس المختلفة و المذاهب و النحل. و لهذا تنسابق جميعا في الاعلان عن نفسها بالنشرات المكتوبة، و بالأنوار الملونة علي الأبواب و الجدران، للفت الأنظار، و بتقديم البرامج اللذيذة المشوقة، لجلب الجماهير، بنفس الطريقة التي تتبعها المتاجر، و دور العرض السينمائي و التمثيل. و ليس هناك من بأس في استخدام أجمل فتيات المدينة و أرشقهن و أبرعهن في الغناء و الرقص و الترويح.. تماما كما تقف فتيات في ثياب شديدة اللمعان و الاثارة - أو في «مايوه» - في مداخل و طرقات دور السينما لجذب الأنظار. «و هذه - مثلا - محتويات اعلان عن حفلة كنسية، كانت ملصقة في قاعة اجتماع الطلبة في احدي الكليات، لجذب طلبة الكلية و طالباتها الي كنيسة معينة في المدينة الجامعية الصغيرة: «يوم الأحد - أول اكتوبر سنة 1950 - في الساعة السادسة مساء.. » «عشاء خفيف.. ألعاب سحرية.. الغاز.. مسابقات.. تسلية.. رقص». و ليس في هذا أية غرابة. لأن راعي الكنيسة لا يحس أن عمله يختلف في شي‌ء عن عمل مدير المسرح، أو مدير المتجر.. النجاح أولا و قبل كل شي‌ء.. و لا نهم الوسيلة.. و هذا النجاح يعود عليه بنتائجه الطيبة: المال، و الجاه، فكلما كثر [ صفحه 33] عدد الملتحقين بكنيسة عظم دخله، و زاد كذلك احترامه و نفوذه في بلده. لأن الأمريكي بطبيعته يؤخذ بالضخامة في الحجم و العدد. و هي مقياسه الأول في الشعور و التقدير... «كنت ليلة في احدي الكنائس ببلدة (جريلي) بولاية (كولورادو) فقد كنت عضوا في ناديها، كما كنت عضوا في عدة نواد كنسية في كل جهة عشت فيها ما بين و شنطن في الشرق و كاليفورنيا في الغرب. اذ كانت هذه ناحية هامة من نواحي المجتمع، تستحق الدراسة عن كثب، و من «الباطن» لا من «الظاهر» و كنت معنيا بدراسة المجتمع الأمريكي.. «و بعد أن انتهت «الخدمة الدينية» في الكنيسة، و اشترك في التراتيل فتية و فتيات من الاعضاء، و أدي الآخرون الصلاة.. دلفنا من باب جانبي الي ساحة الرقص الملاصقة لقاعة «الصلاة».. يصل بينهما باب.. و صعد «الأب» الي مكتبة، و أخذ كل فتي بيد فتاة، و بينهم و بينهن اولئك الذين و اللواتي، كانوا و كن يقومون بالترتيل و يقمن».. «و كانت ساحة الرقص مضاءة بالأنوار الحمراء و الاضواء الزرقاء، و قليل من المصابيح البيضاء».. «و حمي الرقص علي أنغام «الجرامفون» و سالت الساحة بالأقدام و السيقان و التفت الاذرع بالحضور و التقت الشفاه و الصدور.. و كان الجو كله غراما.. حين هبط الأب من مكتبه، و ألقي نظرة فاحصة علي المكان و من في المكان، و شجع الجالسين و الجالسات ممن لم يشتركوا في الحلبة، علي أن ينهضوا فيشاركوا.. و كأنما لحظ أن المصابيح البيضاء تزيد نسبتها فتفسد ذلك الجو «الرومانسي» الحاكم، فراح في رشاقة الامريكائي و خفته، يطفئها واحدا واحدا، و هو يتحاشي أن يعطل حركة الرقص، أو يصدم «زوجا» من الراقصين في الساحة.. و بدا المكان بالفعل اكثر «رومانسية».. ثم تقدم الي «الجرامفون» ليختار أسطوانة [ صفحه 34] للرقص، تناسب ذلك الجو، و تشجع القاعدين و القاعدت علي المشاركة فيه. «اختار أغنية أمريكية مشهورة اسمها (و لكن الجو - يا صغيرتي - بارد في الخارج).. «و هي تتضمن حوارا بين فتي و فتاة عائدين من سهرتهما. و قد احتجزها الفتي في داره، و هي تدعوه أن يدعها تمضي لتعود الي دارها، فقد تأخر الليل، و أمها تنتظرها، و كلما تذرعت بحجة أجابها بتلك اللازمة: (و لكن الجو يا صغيرتي بارد في الخارج....) «و انتظر الأب، حتي رأي خطوات «بناته و بنيه» تنساب علي موسيقي تلك الأغنية المثيرة. و بدا راضيا مغتبطا. و غادر ساحة الرقص الي داره، تاركا لهم و لهن اتمام هذه السهرة اللذيذة.. البريئة.. علي أن يسلم مفتاح الكنيسة في داره آخر «زوج» ينصرف من الكنيسة. فالانصراف يكون تباعا حسب مزاج كل زوج!!! «(و أب) آخر يتحدث الي صاحب لنا عراقي من الطلبة، توثقت بينه و بينه عري الصداقة، فيسأله عن «ماري» - زميلته بالكلية - لم لا تحضر الي الكنيسة الآن؟ و يبدي أنه لا يعنيه أن تغيب فتيات الكنيسة جميعا و تحضر «ماري». و حين يسأله الشاب عن سر هذه اللهفة، يجيب «الأب».. انها جذابة. و ان معظم الشبان انما يحضرون وراءها! «و يحدثني شاب من شياطين الشبان العرب العراقيين الذين كانوا يدرسون في أمريكا.. و كنا نطلق عليه اسم «أبو العتاهية» - و ما أدري ان كان ذلك يغضب الشاعر القديم أو يرضيه! - ان «صديقته» كانت تنتزع نفسها من بين احضانه أحيانا، لأنها ذاهبة للترتيل في الكنيسة.. و كانت اذا تأخرت لم تنج من اشارات «الأب» و تلميحاته، الي جريرة «أبي العتاهية» في احتجازها [ صفحه 35] عن حضور الصلاة!.. هذا اذا جاءت من غيره.. فأما اذا استطاعت أن تجره وراءها، فلا لوم و لا تثريب!.. «و يقول لك هؤلاء «الآباء»: اننا لا نستطيع أن نجتذب هذا الشباب الا بهذه الوسائل. و لكن أحدا منهم لا يسأل نفسه: و ما قيمة اجتذابهم الي الكنيسة.. و هم يخوضون اليها مثل هذا الوحل، و يقضون ساعاتهم فيه؟ أهو الذهاب الي الكنيسة هدف في ذاته؟ أم آثاره التهذيبية في الشعور و السلوك؟ و من وجهة نظر «الآباء» التي أوضحتها فيما سلف - مجرد الذهاب الي الكنيسة هو الهدف. و هو وضع لمن يعيش في أمريكا مفهوم! «و لكني أعود الي مصر، فأجد من يتحدث أو يكتب عن الكنيسة في امريكا، و عن سماحتها في مقابلة الخطأ و الانحراف. و عن نشاطها في تطهير القلوب و الأرواح. و عن استبقاء سلطان الدين بهذه الأساليب المتطورة، التي لا تتشدد فيهرب منها الناس. «و لله في خلقه شؤون» [28] .

بيكار و البهائية و المساواة المزعومة

ثم نقرأ عن البهائية، و عن ترويج الأستاذ حسين بيكار لمبادئها في التحقيق الذي أجري معه و فيما نشر في الصحف عن «المساواة بين النساء و الرجال» مستغلا هذا التخبط و الاضطراب في النظرة الي المرأة و علاقات الجنسين، في تاريخ اوربا و ما أصاب المجتمعات الاسلامية الحديثة، كما استغل التأرجح بين الطرفين المتباعدين. هذا التأرجح الذي لم يعتدل به الميزان قط، لوضع كل شطر من شطري النفس الواحدة في مكانه الحقيقي، و لا دراك دور المرأة الحقيقي. [ صفحه 39]

الأفعي البهائية و أكذوبة المساواة

المصدر الصهيوني و حقيقة المساواة عند البهائيين

فما هي حقيقة (المساواة بين النساء و الرجال) عند البهائيين اذن؟! ان كلمة (المساواة) من الكلمات الطيبة التي تدعو اليها الأديان السماوية، و لكنها في الاستعمال (البهائي) تحمل معني آخر، لابد لفهمه من الرجوع الي مصدر تزييفها، و استخدامها لهدم الكيان الانساني، و نعني بهذا المصدر (بروتوكولات حكماء صهيون) التي تقوم البهائية بتنفيذ (مبادئها) شأنها شأن (الماسونية) و غيرها من السماء التي توحي للجمهور بأنه لا صلة بينها و بين الحركة الصهيونية العالمية. و للقرا نص ما جاء في (البروتوكول الاول) من بروتوكولات حكماء صهيون: ان مبادئنا في مثل قوة وسائلنا التي نعدها لتنفيذها، و سوف ننتصر و نستعبد الحكومات جميعا تحت حكومتنا العليا لا بهذه الوسائل فحسب بل بصرامة عقائدنا ايضا، و حسبنا ان يعرف عنا أننا صارمون في كبح كل تمرد [29] . [ صفحه 40] كذلك كنا قديما أول من صاح في الناس «الحرية و المساواة و الاخاء [30] كلمات ما انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهرة متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعائر و قد حرمت بتردداها العالم من نجاحه، و حرمت الفرد من حريته الشخصية الحقيقية التي كانت من قبل في حمي يحفظها من أن يختقها السفلة. «ان ادعياء الحكمة و الذكاء من الامميين (غير اليهود) لم يتبينوا كيف كانت عواقب الكلمات التي يلوكونها، و لم يلاحظوا كيف يقل الاتفاق بين بعضها و بعض، و قد يناقض بعضها بعضا [31] انهم لم يروا انه لا مساواة في الطبيعة، و ان الطبيعة خلقت أنماطا غير متساوية في العقل و الشخصية و الأخلاق و الطاقة و كذلك في مطاوعة قوانين الطبيعة [32] . ان ادعياء الحكمة هؤلاء لم يتكهنوا و يتنبئوا ان الرعاع قوة عمياء، و ان المتميزين المختارين حكاما من وسطهم عميان مثلهم في السياسة، فان المرء المقدور له أن يكون حاكما - و لو كان أحمق - يستطيع أني يحكم، و لكن المرء غير المقدور له ذلك - و لو كان عبقريا - لن يفهم شيئا في السياسة. كل هذا [ صفحه 41] كان بعيدا عن نظر الأمميين مع أن الحكم الوراثي قائم علي هذا الأساس. فقد اعتاد الأب ان يفقه الابن في معني التطورات السياسية و في مجراها بأسلوب ليس لأحد غير أعضاء الأسرة المالكة أن يعرفه، و ما استطاع أحد ان يفشي الأسرار للشعب المحكوم [33] و في وقت من الأوقات كان معني التعليمات السياسية - كما تورثت من جيل الي جيل - مفقودا. و قد أعان هذا الفقد علي نجاح أغراضنا. ان صيحتنا «الحرية و المساواة و الاخاء» قد جلبت الي صفوفنا فرقا كاملة من زوايا العالم الأربع عن طريق و كلائنا المغفلين و قد حملت هذه الفرق الويتنا في نشوة، بينما كانت هذه الكلمات - مثل كثير من الديدان - تلتهم سعادة المسيحيين، و تحطم سلامهم و استقرارهم و وحدتهم، مدمرة بذلك أسس الدول و قد جلب هذا العمل النصر لنا كما سنري بعد: فانه مكننا بين أشياء أخري من لعب دور الأس [34] في أوراق اللعب الغالبة، أي محق الامتيازات، و بتعبير آخر مكننا من سحق كيان الارستقراطية [35] الاممية (غير اليهودية) التي كانت الحماية الوحيدة للبلاد ضدنا. [ صفحه 42] لقد أقمنا علي أطلال الارستقراطية الطبيعية و الوراثية ارستقراطية من عندنا علي أساس بلوتقراطي [36] . و لقد اقمنا الارستقراطية الجديدة علي الثروة الي نتسلط عليها و علي العلم [37] الذي يروجه علماؤنا و لقد عاد النصر أيسر في الواقع، فاننا من خلال صلاتنا بالناس الذين لا غني لنا عنهم كنا دائما نحرك أشد أجزاء العقل الانساني احساسا، أي نستثير مرض ضحايانا من أجل المنافع، و شرهم و نهمهم، و الحاجات المادية و الانسانية [38] ، و كل واحد من هذه الأمراض يستطيع وحده مستقلا بنفسه أن يحطم طليعة الشعب [39] ، و بذلك نضع قوة ارادة الشعب تحت رحمة اولئك الذين سيجردونه من قوة طليعته. ان تجرد كلمة «الحرية» جعلها قادرة علي اقناع الرعاع بأن الحكومة ليست شيئا آخر غير مدير ينوب عن المالك الذي هو الأمة، و أن في المستطاع خلعها كقفازين باليين. و ان الثقة بأن ممثلي الأمة يمكن عزلهم قد أسلمت ممثليهم لسلطاننا، و جعلت تعيينهم عمليا في ايدينا». و في هذا البروتوكول نقرأ ايضا: «و في هذه الأحوال الحاضرة المضطربة لقوي [ صفحه 43] المجتمع ستكون قوتنا أشد من أي قوة أخري، لأنها ستكون مستورة حتي اللحظة التي تبلغ فيها مبلغا تستطيع معه أن تنسفها أي خطة ماكرة. و من خلال الفساد الحالي الذي نلجأ اليه مكرهين ستظهر فائدة حكم حازم يعيد الي بناء الحياة الطبيعية نظامه الذي حطمته التحررية [40] . ان الغاية تبرر الوسيلة، و علينا - و نحن نضع خططنا - الا نلتفت الي ما هو خير و اخلاقي بقدر ما نلتفت الي ما هو ضروري و مفيد [41] . و بين ايدينا خطة عليها خط استراتيجي [42] Strategic، موضح و ما كنا لننحرف عن هذا الخط الا كنا ماضين في تحطيم عمل قرون. ان من يريد انقاذ خطة عمل تناسبه يجب ان يستحضر في ذهنه حقارة الجمهور و تقلبه، و حاجته الي الاستقرار، و عجزه عن أن يفهم و يقدر ظروف عيشته و سعادته. و عليه ان يفهم أن قوة الجمهور عمياء خالية من العقل المميز، و انه يغير سمعه ذات اليمين و ذات الشمال. اذا قاد الأعمي أعمي مثله فسيسقطان معا في الهاوية. و أفراد الجمهور الذين امتازوا من بين الهيئات - و لو كانوا عباقرة - لا يستطيعون أن يقودوا هيئاتهم كزعماء دون أن يحطموا الأمة. [ صفحه 44] ما من أحد يستطيع أن يقرأ الكلمات المركبة من الحروف السياسية الا من ينشأ تنشئة للملك الا و تقراطي [43] Autocratic و ان الشعب المتروك لنفسه، أي للممتازين من الهيئات [44] لتحطمه الخلافات الحزبية التي تنشأ من التهالك علي القوة و الامجاد، و تخلق الهزاهز و الفتن و الاضطراب. هل في وسع الجمهور أن يميز بهدوء و دون ما تحاسد، كي يدبر أمور الدولة التي يجب الا تقحم معها الاهواء الشخصية؟ و هل يستطيع أن يكون و قاية ضد عدو أجنبي؟ هذا محال. ان خطة مجزأة أجزاء كثيرة بعدد ما في أفراد الجمهور من عقول لهي خطة ضائعة القيمة، فهي لذلك غير معقولة و لا قابلة للتنفيذ [45] ان الا و تقراطي Autocrate وحده هو الذي يستطيع أن يرسم خططا واسعة، و ان يعهد بجزء معين لكل عضو في بنية الجهاز الحكومي و من هنا نستتبط أن ما يحقق سعادة البلاد هو أن تكون حكومتها في قبضة شخص واحد مسئول. و بغير الاستبداد المطلق لا يمكن أن تقوم حضارة [46] لأن الحضارة لا يمكن أن تروج و تزدهر الا تحت رعاية الحاكم كائنا من كان، لا بين أيدي الجماهير. ان الجمهور بربري، و تصرفاته في كل مناسبة علي هذا النحو، فما ان يضمن الرعاع الحرية، حتي يمسخوها سريعا فوضي، و الفوضي في ذاتها قمة البربرية. [ صفحه 45] و حسبكم فانظروا الي هذه الحيوانات المخمورة التي أفسدها الشراب، و ان كان لينتظر لها من وراء الحرية منافع لا حصر لها فهل نسمح لأنفسنا و أبناء جنسنا بمثل ما يفعلون؟ و من المسيحيين أناس قد أضلتهم الخمر، و انقلب شبانهم مجانين بالكلاسيكيات [47] Classic و المجون المبكر الذي أغراهم به وكلاؤنا [48] و معلمونا، و خدمنا و قهرماناتنا [49] في البيوتات الغنية و كتبتنا [50] Clerks و من اليهم، و نساؤنا في أماكن لهوهم - و اليهن أضيف «من يسمين نساء المجتمع» - و الراغبات من زملائهم في الفساد و الترف. يجب أن يكون شعارنا «كل وسائل العنف و الخديعة». ان القوة المحضة هي المنتصرة في السياسة، و بخاصة اذا كانت مقنعة بالالمعية اللازمة لرجال الدولة. يجب أن يكون العنف هو الأساس. و يتحتم أن يكون ماكرا خداعا حكم تلك الحكومات التي تأبي أن تداس تيجانها تحت أقدام وكلاء قوة جديدة. ان هذا الشر هو الوسيلة الوحيدة للوصول الي هدف الخير. و لذلك يتحتم الا تتردد لحظة واحدة في أعمال الرشوة و الخديعة و الخيانة اذا كانت تخدمنا في تحقيق غايتنا. و في السياسة يجب أن نعلم كيف نصادر الأملاك بلا أدني تردد اذا كان هذا العمل يمكننا من السيادة و القوة. ان دولتنا متبعة طريق الفتوح السلمية - لها [ صفحه 46] الحق في أن تستبدل بأهوال الحرب أحكام الاعدام، و هي أقل ظهورا و أكثر تأثيرا، و انها لضرورة لتعزيز الفزع الذي يولد الطاعة العمياء. ان العنف الحقود وحده هو العامل الرئيسي في قوة الدولة [51] فيجب أن تتمسك بخطة العنف و الخديعة لا من أجل المصلحة فحسب، بل من أجل الواجب و النصر أيضا. و في تعقيب الاستاذ «سرجي نيلوس» علي بروتوكولات حكماء صهيون نقرأ: «ان عودة رأس الأفعي الي صهيون لا يمكن أن تتم الا بعد أن تنحط قوي كل ملوك اوروبا [52] أي حينما تكون الأزمات الاقتصادية و دمار تجارة الجملة قد أثر في كل مكان. هنا ستمهد السبيل لافساد الحماسة و النخوة و للانحلال الأخلاقي و خاصة بمساعدة النساء اليهوديات المتنكرات في صورة الفرنسيات و الايطاليات و من اليهن. ان هؤلاء النساء أضمن ناشرات للخلاعة و التهتك في حيوات Lives المتزعمين [53] علي رؤوس الأمم. و النساء في خدمة صهيون يعملن كأحابيل و مصايد لمن يكونون بفضلهن في حاجة الي المال علي الدوام. فيكونون لذلك دائما علي استعداد لأن يبيعوا ضمائرهم بالمال. و هذا المال ليس الا مقترضا من اليهود، لأنه سرعان ما يعود [ صفحه 47] من طريق هؤلاء النسوة أنفسهن الي أيدي اليهود الراشين، و لكن بعد أن اشتري عبيدا لهدف صهيون من طريق هذه المعاملات المالية [54] . و ضروري لمثل هذا الاجراء أن لا يرتاب الموظفون العموميون و لا الأفراد الخصوصيون في الدور الذي تلعبه النسوة اللاتي تسخرهن يهود، و لذلك أنشأ الموجهون لهدف صهيون - كما قد وقع فعلا - هيئة دينية قوامها الاتباع المخلصون للشريعة الموسوية و قوانين التلمود، و قد اعتقد العالم كله أن حجاب شريعة موسي هو القانون الحقيقي لحياة اليهود [55] ، و لم يفكر أحد في أن يمحص أثر قانون الحياة هذا، و لا سيما أن كل العيون كانت موجهة نحو الذهب الذي يمكن أن تقدمه هذه الطائفة، و هو الذي يمنح هذه الطائفة الحرية المطلقة في مكايدها الاقتصادية و السياسية. و قد وضح رسم طريق الأفعي الرمزية كما يلي: [56] كانت مرحلتها الاولي في اوربا سنة 429 ق. م بلاد اليونان حيث شرعت الأفعي أولا في عهد بركليس Pericles تلتهم قوة تلك البلاد. و كانت المرحلة الثانية في روما في عهد أغسطس Augustus حوالي سن 69 ق. م. و الثالثة في مدريد في عهد تشارلز الخامس Charles V سنة 552 م. و الرابعة في باريس حوالي 1700 في عهد الملك لويس السادس عشر. و الخامسة في لندن سنة 1814 و ما تلاها (بعد سقوط نابليون).. و السادسة في برلين سنة 1871 م بعد الحرب الفرنسية البروسية.. و السابعة في سان بطرسبرج التي رسم فوقها رأس الأفعي تحت تاريخ 1881. [ صفحه 48]

الأفعي البهائية

و في الشرق فقد كان أظهر طريق للأفعي الرمزية ما يمكن أن يمثل المرحلة الثامنة: في ايران في القرن التاسع عشر في البابية، ثم البهائية حينما وجدنا حسين علي في عام 1844 م (1260 ه) و بعد أن «أعلن الباب دعوته يعتنق أمر الدين الجديد و كان اذ ذاك في السنة السابعة و العشرين من عمره» [57] اعتقادا منه أن الصهيونية العالمية التي كانت تتحرك في خفاء، مستغلة الدول الاستعمارية في تحقيق مآربها، سوف تمنحه منصبا كبيرا، كأولئك الذين التفوا حول الباب، و لكن ظنه خاب حينما لم يدخله الباب في «حروف الحي» أي خاصته الذين أراد تقسيم الغنائم بينهم، مع أن بعض المؤرخين يذكرون أن «صبح الأزل» مع حداثة سنه و عدم بلوغه الحلم كان داخلا في عدد 12 حروف الحي» [58] و لكنه عندما ظهرت الأفعي الرمزية، استطاع أن يظهر في مؤتمر «بدشت» المعروف في تاريخ الباية. حيث تمكن من الوصول الي قرة العين، غانية البابيين، و زعيمتها الاولي، و التقرب اليها، و لقد قدر علي ذلك بنضرة شبابه، و وسامة وجهه، و جماله «و شعره المرسل كشعر الأوانس» [59] و تأييده المطلق لها بكل ما تريده من الفسق و الفجور و هتك الأعراض. و كسد الحدود الشرعية و القيم الروحية الأخلاقية، وفوق ذلك، نسخ شريعة الله التي تفرض علي الناس هذه الحدود احتفاظا علي شرف الانسانية و كرامتها و لقد مر سابقا: [60] لما قام الهياج و تعالت الأصوات عي منكرات قرةالعين في مؤتمر بدشت و تجرئها علي القول بنسخ الاسلام ايدها حسين علي البهاء بكل قوة و صرامة، ففتح المصحف - القرآن الكريم - و قرأ منه سورة الواقعة، و فسرها بتفسير يؤيد ما قالته قرةالعين [ صفحه 49] و يصوبها، و كتب بعد ذلك الي الباب الشيرازي بما هو يطلب منه الفصل في القول، فوافق الشيرازي قرةالعين و حسين علي و عصابتهما القائلين بنسخ الاسلام» [61] . و يصرخ المؤرخ البهائي: «ان قرةالعين تأثرت من حسين علي بعد ما لقيته و عرفته الي حد لم تكن تأمر بشي‌ء أو تفعل بفعلة الا بعد اذن منه [62] فبها و بوساطتها، و علي عرضها، بني عمارة عزه و جاهه، و الجدير بالذكر و الطريف أن لقب «بهاء الله» منحته اياه قرةالعين هذه، خلاف مشاهير البابية الآخرين فانهم كلهم، أوجلهم، ما منحوا من ألقابهم الا من قبل الباب الشيرازي نفسه، فمثلا لقب البشروئي «بباب الباب» و اليار فروشي «بالقدوس» و الدارابي «بالوحيد» و المرزة يحيي «بصبح الأزل»، و قرةالعين «بالطاهرة» و غيرهم بغيرها خلاف حسين علي فانه لم يلقب من قبل الشيرازي مطلقا بل هو نفسه اختار هذا اللقب لما رأي كثرة وروده في الكتب العتيقة مثل «المزامير» و «أشعياء» و غيرها من الكتب الصهيونية و الشيعية [63] فأوعز به الي عشيقته و عشيقة كل شاب بابي، و حبيبة كل جميل و وشيم، فمنحته هذا اللقب و خلعته عليه، و روجته بين الناس، و لقد اعترف بذلك أول مؤرخ بابي بهائي في كتابه التاريخي «الكواكب الدرية في مآثر البهائية» حيث ذكر: «ان أول المتفوهين بكلمة بهاء الله كانت قرةالعين فلعلها سمعت هذا اللقب عن الباب بواسطة أو بدون واسطة» [64] و كان مدينا لها و ممتنا الي حد حتي لما أرادت السفر مع عشيقها الأول ملأ محمد علي البار فروشي بعد انتهاء «مؤتمر بدشت» أعد لهما المحمل و الراحلة [65] اداء لبعض الواجب. و كذلك لما سافر هذا البار فروشي [ صفحه 50] الملقب بالقدوس مرة أخري الي قلعة الطبرسي و هي معه، صاحبهما و ذهب بهما الي قريته «نور» [66] . و حتي لما سجنت في «قزوين» لاشتراكها في جريمة اغتيال الملأ تقي القزويني، عمها، و صهرها، أنقذها من السجن، «المازندراني أيضا بوساطة بعض الرجال الذين أرسلهم الي معتقل «قزوين» ليخطفوها من هنالك و يأتوا بها اليه» [67] . فماذا يحمل مضمون «المساواة بين الرجال و النساء» في البهائية، اذن؟ المساواة - تعني في البهائية أولا - منح المرأة الاباحية الكاملة و الانحلال الخلقي و الفساد الانساني، و هذه أفعاههم الرمزية «قرةالعين» تفتي ب: «جواز نكاح المرأة من تسعة رجال» [68] . و ترفع الحجاب في «بدشت» و تفجر و تفسق ب «حروف الحي» أي علماء البابيين وقادتهم و منهم صنم البهائية: «حسين علي» الملقب بالبهاء من بعد، و منهم كذلك الملا علي البار فروشي الذي: «قضت معه الليالي في هودج واحد و دخلت معه الحمام للاستحمام» [69] .

قرة العين و اكذوبة المساواة

و ها هي «الأفعي البهائية» «قرةالعين» تحث الناس من يومها تحقيقا لشعار (المساواة بين الرجال و النساء) علي ارتكاب الفضائح.. [ صفحه 51] هذه الأفعي البهائية هي الصنم الجديد من أصنام البهائية، يمجدها البهائيون و يريدون لها أن تكون مثلا أعلي لنساء العالم أجمعين حتي يصبحن مثلها، متخذين منها القدوة و المثل، لتشيع الفاحشة و تعم الاباحية، وفقا للمخطط الصهيوني العالمي. و من أجل ذلك يمجدها «نبي» البهائية «عباس أفندي» ابن حسين علي البهاء في قوله: «من بين نساء عصرنا هذا قرةالعين ظهر منها في زمان ظهور الباب شجاعة عظيمة و قوة جعلت كل الذين سمعوها مندهشين. فطرحت حجابها جانبا رغم وجود العادات القديمة المتبعة بين الفرس - المسلمين - و مع أنه كان من المعتاد اعتبار التكلم مع النساء من سوء الأدب فان هذه السيدة الشجاعة الباسلة كانت تتجادل مع أعظم الرجال المتعلمين بأنوثتها الطاغية و جمالها المدهش - و كانت في كل اجتماع تتغلب عليهم - بجسدها المتوقد الضارم.. و لم ينثن عزمها عن العمل لحرية النساء - عن القيم الأخلاقية - و خلاصهم من قيود شرائع الله - و تحملت الاضطهاد الشديد و الآلام» [70] .

الاباحية البهائية و بروتوكولات صهيون

و اذا كان بعض الباحثين الثقات كالاستاذ احسان الهي ظهير، يرون أن البهائيين لم يأخذوا بهذا المبدأ متأثرين بالحضارة الغربية التي فتحت في أحضانها دور الزنا و نوادي العراة و أندية الرقص و بارات الخمر و خانات الخلاعة و المجون، فاننا نري أن البهائية كانت تصدر في ذلك عن المخطط الصهيوني الذي استهدف تخريب الانسان الاوربي و غير الاوربي، من أجل سيادة الصهيونية العالمية، علي النحو الذي توضحه بروتوكولات حكماء صهيون. فاليهودي «اذا زنا باليهودية [ صفحه 52] حرام، و زناه بالأممية و مثله زنا اليهودية مع أممي (غير اليهود من سائر الأمم) مباح كما يقول فيلسوفهم و ربانيهم الكبير موسي ابن ميمون، لأن الأممية كالبهيمة» [71] . من أجل ذلك استخدمت الصهيونية صنم (البهائية) و أتباعه كما استخدمت المذاهب المتناقضة لخدمة مصالحها، ما دامت تؤدي أخيرا الي تفكك العالم و القضاء علي أخلاقه و نظمه و أديانه و قومياته، و هذه هي العوائق ضد سلطتهم العالمية فيما يرون. هكذا عملت الصهيونية و ما زالت تعمل تحت مسميات أخري، و منها البهائية. فالنظرة البهائية للمرأة، هي نظرة المخططات الصهيونية لتدمير الكيان الانساني الأممي (أي غير اليهودي). منذ أخذت نظرية الرومان في النساء تتبدل بعد فترة من شبه الاعتدال و التوازن برقيهم و تقلبهم في منازل المدنية و الحضارة. و ما زال هذا التبديل يطرأ علي أنظمتهم و قوانينهم المتعلقة بالأسرة، و عقد الزواج و الطلاق، الي أن انقلب الأمر ظهر البطن، و انعكست الحال رأسا علي عقب، فلم يبق لعقد الزواج عندهم معني سوي أنه عقد مدني Civil contract فحسب ينحصر بقاؤه و مضيه علي رضي المتعاقدين. و أصبحوا لا يهتمون بتبعات العلاقة الزوجية الا قليلا. و منحت المرأة جميع حقوق الأرث و الملك، و جعلها القانون حرة طليقة لا سلطان عليها للأب و لا للزوج. و لم تصبح الرومانيات مستقلات بشؤون معايشهن فحسب، بل دخل في حوزة ملكهن و سلطانهن جزء عظيم من الثراء القومي علي مسير الأيام. فكن يقرضن أزواجهن بأسعار الربا الفاحشة، مما يعود به أزواج المثريات من النساء عبيدا لهن في ميادين العمل و الواقع! ثم سهلوا من أمر الطلاق تسهيلا جعله شيئا عاديا يلجأ اليه لأتفه الأسباب.. فهذا «سنيكا» الفيلسوف الروماني الشهير (4 ق. م - 56 م) يندب كثرة الطلاق، و يشكو تفاقم خطبه بين بني جلدته فيقول: انه لم يعد الطلاق اليوم شيئا يندم عليه أو يستحي منه في بلاد [ صفحه 53] الرومان. و قد بلغ من كثرته و ذيوع أمره، ان جعلت النساء يعددن اعمارهن باعداد أزواجهن! و كانت المرأة الواحدة تتزوج رجلا بعد آخر، و تمضي في ذلك من غير حياء. و قد ذكر «مارشل» (140 - 60 م) عن امرأة تقلبت في احضان ثمانية أزواج في خمس سنوات. و أعجب من كل ذلك و أغرب ما ذكره القديس (جروم) - 420 - 340 م - عن امرأة تزوجت في المرة الأخيرة الثالث و العشرين من أزواجها و كانت هي أيضا الحادية و العشرين لبعلها! ثم بدأت تتغير نظرتهم الي العلاقات و الروابط القائمة بين الرجل و المرأة من غير عقد مشروع. و قد بلغ بهم التطرف في آخر الأمر، أن جعل كبار علماء الأخلاق منهم يعدون الزنا شيئا عاديا.. فهذا «كاتو» Cato الذي اسندت اليه «الحسبة الخلقية» سنة 184 قبل الميلاد يجهر بجواز اقتراف الفحشاء في عصر الشباب. و ذلك «شيشرون» Ciceron المصلح الشهير يري عدم تقييد الشبان بأغلال الأخلاق المثقلة، باطلاق العنان لهم في هذا الشأن. و لا يقتصر الأمر عليهما، بل يأتي «ابكتيتس» Epictetus الذي يعد من المتصلبين في باب الأخلاق من فلاسفة الرواقيين Stoics فيقول لتلاميذه.. و مرشدا و معلما..: «تجنبوا معاشرة النساء قبل الزواج - ما استطعتم - و لكنه لا ينبغي أن تلوموا أحدا، أو تؤنبوه، اذا لم يتمكن من كبح جماح شهواته..» [72] . ثم كان من ثمرة هذه الاتجاهات ما سبق أن أثبته الأستاذ سيد قطب [73] من انحلال عري المجتمع الروماني.. ثم دمار هذا المجتمع.. و سقوط الدولة الرومانية.. [ صفحه 54] و من هذه الاباحية المطلقة و الشهوانية العارمة، و اعتبار اللذة غاية التقاء الجنسين التي لا غاية وراءها ليستمر الخيط الصهيوني لتتلقفه البهائية فتذيعه بلا حياء. و قد استغلت البهائية في اطار المخطط الصهيوني ما وصل اليه مفهوم العلاقة بين الجنسين في ظل التصور الكنسي.. فمن نظريتهم الاولية الأساسية في هذا الشأن، أن المرأة ينبوع المعاصي، و اصل السيئة و الفجور، و هي للرجل باب من أبواب جهنم، من حيث هي مصدر تحريكه و حمله علي الآثام. و منها انبجست عيون المصائب الانسانية جمعاء، فبحسبها ندامة و خجلا انها امرأة! و ينبغي لها أن تستحي من حسنها و جمالها، لأنه سلاح ابليس الذي لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة، و عليها أن تكفر و لا تنقطع عن أداء الكفارة أبدا، لأنها هي التي قد أتت بما أتت من الرزء و الشقاء للأرض و أهلها.. و دونك ما قاله «ترتوليان Tertulian» احد أقطاب المسيحية الأول و ألمتها، مبينا نظرية المسيحية [74] في المرأة.. «انها مدخل الشيطان الي نفسي الانسان، و انها دافعة بالمرء الي الشجرة الممنوعة. ناقضة لقانون الله. و مشوهة لصورة الله - أي الرجل»، «و كذلك يقول «كرائي سوستام Sostem» الذي يعد من كبار أولياء الديانة المسيحية في شأن المرأة: «هي شر لابد منه، و وسومة جبلية، و آفة مرغوب فيها، و خطر علي الأسرة و البيت، و محبوبة فتاكة، ورزء مطلي مموه!». «أما نظريتهم الثانية في باب النساء، فخلاصتها أن العلاقة الجنسية بين [ صفحه 55] الرجل و المرأة هي نجس في نفسها يجب أن تتجنب - و لو كانت عن طريق نكاح و عقد رسمي مشروع - هذا التصور الرهبتي للأخلاق الذي كانت جذوره تكاد تتأصل في اوربة من قبل، بتأثير الفلسفة الاشراقية Neo-Platonism جاءت المسيحية فزادته شدة، و بلغت به منتهاه. و ذلك أن اصبحت حياة العزوبة مقياسا لسمو الأخلاق و مهانة الطباع. و جعلوا يعدون العزوبة، و تجنب الزواج من أمارات التقوي و الورع و ذكاء الأخلاق. و أصبح من المحتوم لمن يريد أن يعيش عيشة نزيهة ألا يتزوج أصلا، أو لا يعاشر امرأته معاشرة الزوج لزوجته علي الأقل! و كذلك قرروا و وضعوا القوانين في مؤتمراتهم الدينية المتعددة بأن لا يختلي رجال الكنيسة بأزواجهم. و الا يتلاقي الرجل و المرأة منهم الا بمرأي من الناس، أو أمام رجلين من رجالهم علي الأقل.. و ما آلوا جهدا في أن يثبتوا في قلوب الناس الشعور ببشاعة العلاقة الزوجية و تتجسها.. وخذ لذلك مثلا كان شائعا بينهم، أن الزوجين اللذين اتفق لهما أن يبيتا معا ليلة عيد من الأعياد، لا يجوز لهما أن يعيدا و يشتركا مع القوم في رسومهم و مباهجهم، كأني بهم يرون أنهما قد اقترفا اثما سلبهما حق المشاركة في حفل ديني مقدس عندهم.. و قد بلغ من تأثير هذا التصور الرهبني، أن تكدر صفو ما بين أفراد الأسرة و العائلة من الأواصر. و حتي ما بين الأم و الولد منها. اذ أمسي كل قرابة و كل سبب ناتج عن عقد الزواج يعد اثما و شيئا نجسا! «و هاتان النظريتان ما وضعتا من مكانة المرأة و حطتا من شأنها في حقول الأخلاق و الاجتماع فحسب، بل كان من مفعولهما القوي، و نفوذهما البالغ في القوانين المعينة، أن أصبحت الحياة الزوجية مبعث حرج وضيق للرجال و النساء بجانب، و بجانب آخر انحطت منزلة المرأة في المجتمع في كل ناحية من نواحي الحياة» [75] . [ صفحه 56] صحيح ان البهائية أعطت المرأة ما لم يعطها أي دين آخر و ليس لدين أن يعطيها ما أعطوها، و كذب انهم أعطوها شيئا لأنهم كلما أعطوها شيئا أخذوا منها اشياء، منحوها الحرية و سلبوا منها الطهارة و العفاف كما جردوها عن الحشمة و الحياء و الوقار و كرامة الخاصة بهن. و قد لاحظ الاستاذ احسان الهي ظهر في سفره الي ايران عندما زارها للتحقيق و التنقيب عن البهائية أنه لا يسمح العمل و التبليغ في تلك البلاد و لكنهم يعملون سرا وراء الستاثر و الانقية، فدخل مجالسها و انديتها التي يتسترون بها و رأي ان أكثر روادها من الشباب الفاسقين و السوقة المتعطشين لما يجدون متعة جنسية رخيصة عندهم بسبب الاختلاط العام و الاباحية المطلقة، و لا حظ في كثير من المجالس البهائية بطهران و غيرها اكثرية الحضار من هذا القبيل، و لأجل ذلك رأي ان البهائية منتشرة في أوساط المراهقين و المتطلعين الي الجنس و المتعطشين لارواء غلتهم الشيطانية من الفجور و الفسوق، و هذا أمر لا ينكر و لا يتنكر في كل بلدة يوجد فيها مجالس البهائية، و البهائيين. و لهم في ذلك عذر اشترطوا في النكاح رضا الطرفين أولا و أخيرا و هما الولد و البنت لا الآباء و الأمهات كما يقول حسين علي في «لوح زين المقربين»: «ضروري في النكاح رضا الطرفين اولا ثم أخبار الوالدين بعد ذلك - فقط الاخبار - كذلك قضي الأمر من القلم الأعل انه هو الغفور الرحيم» [76] و أما في البيان للباب ما كان حتي و لا الاطلاع للوالدين [77] . [ صفحه 57]

تعدد زوجات البهاء و تناقض الدعاية

ان المازندراني علي ما هو معروف عنه لم يعمل بهذا الشعار الذي يرفعه البهائيون و يجعلونه دليلا علي أن مذهبهم يوافق متطلبات العصر الحاضر و روحه لأنه هو نفسه تزوج بثلاث نساء «نوابة خانم» ام العباس أفندي، و «مهد عليا» ام المرزة محمد علي و «كوهر خانم» أم فروغية خانم، فهذا هو الكذاب الذي يدعي أتباعه: «ان احد الأنظمة الاجتماعية التي جعل بهاء الله لها أهمية عظيمة هي مساواة النساء بالرجال». فهذه هي مساواته بالنساء يتزوج بثلاثة مع أن صاحبته القديمة قرةالعين افتت بخلاف ذلك بل و بالعكس كما أمر. ان البهائيين منافقون أيضا في دعواهم المساواة بين النساء و الرجال لأن حسين علي لم يجعلها متساوية مع الرجال في كثير من الأحوال بل فرق بينهم و بينهن و أحط مرتبتهن و مقامهن و هذا أكبر دليل علي أن البهائية ليست بدين الهي سماوي بل انها مختلفة مزورة مصنوعة لرغبات الناس و شهواتهم و لدعوة الناس الي عبودية الناس و كسب المنافع و المفاداة الدنيوية الدنيئة لأن الدين الالهي لا تتضارب فيه الأقوال و لا تتناقض فيه الآراء. و لا يكون فيه شي‌ء للدعاية و شي‌ء للعلم، و لأجل ذلك جعل أكبر دليل علي أن الشريعة الاسلامية شريعة سماوية حقة انها لا يوجد فيها الاختلاف و تضارب الأقوال و لقد قيل في دستورها «و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» [78] و صدق الله عزوجل و هو اصدق القائلين [79] . و أما البهائية فبعكس ذلك كما رأيناها، و في هذه الفكرة الدعائية الكبيرة التي تبنتها لارضاء الاستعماريين المنحلين، و للأقوام و الملل التي تسلطت عليها [ صفحه 58] المرأة و سيطرت، كي تظهر بأن الديانة البهائية ديانة التقدم و دين الحضارة - حسب زعمهم و كما تصورها الدعاية الصهيونية اضطرت نفسها ان تفرق في كثير من الأحكام بين الرجال و النساء اعترافا بأن الدين الاسلامي هو الدين الصحيح الفطري مهما ينكره المنكرون و يعرض عنه المعرضون. فهذا هو حسين علي البهاء يقول في أقدسه الذي يظنه ناسخا لآخر الكتب السماوية المنزلة من عند الله لهداية الناس الي سواء السبيل، يقول فيه مفرقا بين الرجال و النساء مقرا بأن المرأة لا تساوي الرجل: «و قد كتب الله عليكم النكاح اياكم و ان تتجاوزوا عن الاثنتين» [80] و فوق ذلك و لتكن الاذن صاغية - يقول ذلك الداعي الي الفحش: «و من اتخذ بكرا لخدمته لا بأس عليه كذلك الأمر من قلم الوحي بالحق مرقوما» [81] ذلك ظاهرهم و هذا هو باطنهم، «فماذا بعد الحق الا الضلال فأني تصرفون» [82] . و يقول في مقام آخر و في الأقدس ايضا معطيا للرجال ما لم يعطه للمرأة نصيبا من الأرث: «جعلنا الدار المسكونة و الألبسة المخصوصة للذرية من الذكران دون الاناث و الوارث انه لهو المعطي الفياض» [83] . و لقائل أن يقول أن المعطي الفياض لم حرم الاناث من الدار و الألبسة مع مساواتهم بالذكران. هل غلب علي اله البهائية الرجولة ههنا حتي انحاز الي الذكور دون الأناث أم ماذا حدث؟ و أين ذهبت التسوية بينهم و بينهن؟ لابد للكذب أن يظهر و يبين و لو كان مخفيا في ألف غطاء.. [ صفحه 59] و يقول المازندراني نفسه: «قد عفا الله عن النساء حينما يجدن الدم الصوم و الصلاة» [84] . و لم هذا مع مساواتهم بالرجال؟ و أيضا: «قد حكم الله لمن استطاع حج البيت - أي بيت الشيرازي و المازندراني - دون النساء عفا الله عنهن رحمة من عنده أنه لهو المعطي الوهاب». فالمعطي الوهاب لم عفا عنهن الحج و لم يعف عن الرجال، فماذا جريمتهم؟ ثم و لم لم يساو بينهم و بينهن في وصاية الأمر لا هو و لا ابنه؟ فالمازندراني مع وجود بناته لم يعهد اليهن الأمر بل عهد الي العباس أولا و الي المرزه محمد علي ثانيا كما يقول في وصيته الأخيرة: «ان وصية الله هي أن يتوجه عموم الأغصان و الأفنان و المنتسبون الي الغصن الأعظم (عباس أفندي).. قد قدر الله مقام الغصن الأكبر (المرزة محمد علي) بعد مقامه أنه هو الآمر الحكيم، قد اصطفينا الأكبر بعد الأعظم أمرا من لدن عليم خبير» [85] . و عباس علي شاكلته لم يختر ابنته و لا اخوانه لولاية الأمر كما لم يبال بوصية أبيه في جعل الخلافة في أخيه محمد علي بل وصي لحفيده (شوقي أفندي) «يا احباء عبدالبهاء الأوفياء يجب أن تحافظوا كل المحافظة علي فرع الشجرتين (الخبيثتين) المباركتين، و ثمرة السدرتين (الشيطانيتين) الرحمانيتين شوقي أفندي... اذ أنه ولي أمر الله بعد عبد البهاء، و يجب علي الأفنان و الأيادي و الأحباء طاعته و التوجه اليه، و من بعده بكرا بعد بكر» [86] . [ صفحه 60] و لم حرمت النساء من الولاية مع ادعاء مساواتهن بالرجال من الههم و نبييهم، ثم و لم القيد من بعد «بكرا بعد بكر» و لم لم تن باكرة بعد باكرة؟ و هل من مجيب؟ و عضوية بيت العدل هكذا، فالمعروف أن تلك الهيئة هي أهم الهيات البهائية بل هي المسيطرة علي جميع شؤونها، و بها تنفيذ الشريعة و اليها ترجع الأمور و لكن اشترط في عضويتها الرجولة و لم يترك كرسي من كراسيها التسعة للامرأة و لقد عنون الخاوري في كتابه «الحدود و الأحكام» فصلا بعنوان أعضاء بيت العدل الأعظم و لا يكونون الا من الرجال ثم أورد تحته أقوالا لحسين علي و ابنه مثل قوله في الأقدس: «يا رجال العدل كونوا رعاة أغنام الله في مملكته» [87] ،.. و «نوصي رجال - البيت العدل - بالعدل الخاص» [88] و «ينبغي لرجال العدل الالهي ان ينظروا فيما نزل من أفق السماء الأعلي لاصلاح الفساد ليلا و نهارا» [89] و قال ابنه عباس: «امناء البيت العدل رجال ينتخبون بالنظم الكامل من قبل الملة» [90] فلم الرجال دون النساء؟! هل من مفكر يفكر و هل من مدبر يتدبر أم علي قلوب أقفالها؟ فهذه هي التعاليم الخمسة البهائية جعلوها دعاية كبيرة لاظهار و اعلان أن ديانتهم هي الديانة الوحيدة التي تتميز عن الأديان و المذاهب الأخري حيث التقدم و الرقي و كونها مناسبة لمتطلبات العصر الحاضر، و هذه هي حقيقتها الأصلية كما بيناها و أزلنا النقاب عنها و حللناها تحليلا منطقيا واقعيا علميا و لعلها يتذكر بها من أراد أن يتذكر و يعرفها من أراد أن يعرف و الله الهادي الي سبيل الرشاد. [ صفحه 61] ذلك اذن هو التخبط و التطرف و الاضطراب، تجسده البهائية في نظرتها للمرأة بصفة خاصة، و هي نظرة لا تنفصل عن رأيها في الانسان و فطرته و استعداداته، و كانت هذه النظرة المتخبطة للمرأة طبيعية و منتظرة من «دعاية» تقدم علي تلك النظرة الخاطئة للانسان، بل و علي الجهل المطبق بحقيقة الانسان. «فما لم تصح النظرة الي الانسان ذاته، و حقيقة فطرته و استعداداته، و غاية وجوده و حدود سلطاته، فلا مقر من التخبط و الا رجحه في كل ارتباط. الأخري.. و بخاصة ارتباكاته الاقتصادية و الاجتماية.. فهذه فرع عن تلك و أثر من آثارها» [91] . و نختتم هذا الفصل يقول الاستاذ صالح عبدالله كامل في الرد علي البهائيين: «أما مساواة الرجل بالمرأة فالله سبحانه و تعالي وضح مكان كل منهم و ما مساواتكم الا في السفور و المفاسد حتي مساواتكم في الميراث لم تتم فيها أنتم تجعلون البيت و الحلل من نصيب الاين الأكبر وها أنتم تجعلون نصيب الأب من الميراث أكبر من نصيب الأم فأين المساواة؟ هو في خطبة قرةالعين و نورها بل كما وردت في كتبكم». [ صفحه 65]

طبيعة المرأة بين بحوث العلماء و أكاذيب البهائيين

علماء أوربا و البحث عن الانسان

و قبل أن نعرض لآيات من الاعجاز القرآني التي خاطبت الفطرة الانسانية، نذكر أولا في الرد علي البهائيين، ما كتبه العالم الأوربي الأمر يكي الدكتور «الكسيس كاريل» صاحب كتاب «الانسان ذلك المجهول» و لنترك له الكلمات ليعرفنا بنفسه: [92] . «لست فيلسوفا، و لكني رجل علم فقط، قضيت الشطر الأكبر من حياتي في المعمل، أدرس الكائنات الحية، و الشطر الباقي في العالم الفسيح، أراقب بني الانسان و أحاول أن أفهمهم.. و مع ذلك فانني لا أدعي أنني أعالج أمورا خارج نطاق حقل الملاحظات العلمية. «انني احاول أن أصف في هذا الكتاب ما هو معروف بعد أن أفصله بكل وضوح عن كل مديح. كما اعترف بوجود المجهول غير المعروف. [ صفحه 66] «و لقد اعتبرت «الانسان» ملخصا للملاحضات و التجارب، في جميع الاوقات و البلدان، بيد أنني لم أصف الا ما رأيته بناظري، أو عرفته مباشرة من أولئك الذين كنت علي صلة بهم. و كان من حسن حظي، أن سمح لي مركزي بأن أدرس - دون بذل أي مجهود، أو الطمع في أي ثناء - ظواهر الحياة في تعقيدها المخيف. فلاحظت كل وجه من وجوه النشاط البشري بصفة عملية، كما أنني ملم بكل ما يكتنف الفقير و الغني، الصحيح و السقيم، المتعلم و الجاهل، ضعيف العقل و المجنون، الذكي و المجرم... الخ. كذلك فأنني أعرف الفلاحين و العمال، الكتبة و أصحاب المتاجر، الماليين و أصحاب المصانع، الساسة و رجال الحكم، الجنود و أساتذة و أساتذة الجامعات، المدرسين و رجال الدين، البرجوازيين و الأرستقراطيين.. و لقد ألقت بي الظروف في طريق الفلاسفة و الفنانين، و الشعراء و العلماء، و العباقرة و القديسين.. كما درست في الوقت نفسه التركيب الميكانيكي الغائر في أعماق الانسجة و تلافيف المخ، الذي هو في الحقيقة الأساس العميق للظواهر العضوية و العقلية. «انني مدين لفنون الحياة العصرية، لأنها مكنتني من مشاهدة هذا المنظر العظيم، كما أتاحت لي فرصة توجيه انتباهي الي عدة موضوعات في وقت واحد.. انني أعيش في العالم الجديد و القديم أيضا.. و أمتاز بأنني أقضي معظم وقتي في «معهد روكفلر للبحث الطبي» كواحد من العلماء الذين جمعهم «سيمون فلكستر» معا في هذا المعهد.. فهناك أفكر في ظواهر الحياة حينما يحللها الخبراء الذين لا يبارون، أمثال «ملتزر» و «جاك لويب» و «نجييوشي»، و كثيرون غيرهم. و لما اتصف به «فلكستر» من عبقرية و نبوغ، فقد درست الكائنات الحية بنظرة فسيحة الأفق، بشكل لم يسبق له مثيل - فالمادة تفحص و تستقصي في كل قسم من معامل هذا المعهد، بحثا عن ارتقائها و تطورها من ناحية صنع الانسان. «و بمساعدة أشعة اكس يكشف علماء الطبيعة عن بناء جزيئات مواد [ صفحه 67] أنسجتنا الأكثر بساطة - أي العلاقات الاتساعية للذرات التي تدخل في تركيب هذه الجزيئات - و يعكف الكيماويون، و الكيمائيون الطبيعيون، علي تحليل المواد الأكثر تعقيدا، التي توجد يداخل الجسم، كهيموجلوبين الدم و روتينات الأنسجة، و أخلاط الجسم، و التخمرات التي تسبب ذلك الانقسام المستمر، و ايجاد ذلك المجموع الكلي الهائل من الذرات. «و هناك كيماويون آخرون لم يقصروا اهتمامهم في تركيبات الجزيئات وحدها، و انما انصرفوا الي التفكير في علاقات تلك التركيبات احداها بالأخري، عندما تدخل عصارات الجسم.. أو باختصار.. ذلك التعادل الطبيعي - الكيماوي الذي يحفظ دائما تركيب مصل الدم، بالرغم من التغير الذي يطرا علي الأنسجة بصفة مستمرة. «و هكذا ألقي الضوء علي الجوانب الكيماوية للظاهرة الفسيولوجية، لأن كثيرين من علماء وظائف الأعضاء يدرسون - مستعينين في ذلك بفنون شديدة الاختلاف - التركيبات الأكبر التي تنتج من مجموع الجزئيات و ترتيبها، كذا خلايا الأنسجة و الدم، أو بمعني آخر: مادة الحياة نفسها.. انهم يختبرون هذه الخلايا، و طرق اتحادها، و القوانين التي تحكم علاقاتها بما يحيط بها، و تأثير الوسط الكوني علي هذا المجموع، كذا تأثيرات المواد الكيماوية علي الأنسجة و الشعور. «و هناك أخصائيون آخرون، وقفوا أنفسهم علي البحث في تلك الكائنات الضئيلة: الفيروس و البكتريا، التي تعزي اصابتنا بالأمراض المعدية الي وجودها في دمنا. كذا الوسائل الرائعة التي يستخدمها الجسم في مقاومتها.. و أيضا الأمراض القتالة كالسرطان، و أمراض القلب، و التهاب الكلي. و اخيرا فان مشكلة «الفردية» [93] الخطيرة، و أساسها الكيماوي تهاجم الآن بنجاح. [ صفحه 68] «و قد اتيحت لي فرصة استثنائية للاستماع الي رجال عظماء تخصصوا في هذه الأبحاث، و تتبع النتائج التي أسفرت عنها تجاربهم.. و هكذا بدت لي الجهود التي تبذلها المادة الجامدة في نظام الجسم، و خواص الكائنات الحية، و تناسق جسمنا و عقلنا.. بدت لي هذه الأشياء في أوج جمالها. و علاوة علي ذلك فقد درست أكثر الموضوعات المختلفة، من الجراحة، الي فسيولوجية الخلية، الي الميتافيزيقا [94] و لقد كان ذلك مستطاعا بسبب التسهيلات التي وضعت لأول مرة تحت تصرف العلم لكي يؤدي رسالته» [95] . هذا الرجل الذي اتيحت له فرصة الانتفاع بكل هذه التيسيرات، و الذي أطلع علي نتائج هذه البحوث مجتمعة حول «الانسان» هو الذي يصدر بعد ذلك كتابا يسميه «الانسان ذلك المجهول» [96] و الذي يقرر ان حقيقة علمنا عن الانسان لا شي‌ء! و أننا نعيش في «جهل مطبق» بهذا الكائن، الذي هو نحن!

رد العلماء علي أكاذيب البهاء حول المرأة

و لندعه هو يتكلم نيابة عنا في الرد علي شعار البهائيين حول المرأة: «علينا أن نستوثق من الكيفية التي ستؤثر بها طريقة الحياة في مستقبل الجنس. لقد كانت استجابة النساء للتعديلات التي أدخلتها الحضارة الصناعية علي عادات الأسلاف سريعة قاطعة، اذا نقص معدل المواليد فورا. و قد تبين أثر ذلك بوضوح، كما لمست نتائجه الخطيرة في الطبقات الاجتماعية و في الأمم التي سبقت غيرها في الانتفاع بالتقدم حققته - اما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة - بطتبيق [ صفحه 69] الاكتشافات العلمية. فاتعقيم الاختياري ليس جديدا في تاريخ العالم فقد عرف في مرحلة معينة من مراحل المدنية السابقة.. انه ظاهرة علمية نعرف دلالتها» [97] (ص 37). «ان الاختلافات الموجودة بين الرجل و المرأة لا تأتي من الشكل الخاص للأعضاء التناسلية، و من وجود الرحم و الحمل، أو من طريقة التعليم. اذ أنها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك.. تنشأ من تكون الأنسجة ذاتها، و من تلقيح الجسم كله بمواد كيماوية محددة يفرزها المبيض... و لقد أدي الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة، الي الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقي الجنسان تعليما واحدا، و أن يمنحا سلطات واحدة و مسؤوليات متشابهة.. و الحقيقة ان المرأة تختلف اختلافا كبيرا عن الرجل. فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها. و الأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها و فوق كل شي‌ء بالنسبة لجهازها العصبي. فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة للين، شأنها شأن قوانين العالم الكوكبي. فليس في الامكان احلال الرغبات الانسانية محلها. و من ثم فنحن مضطرون الي قبولها كما هي. فعلي النساء ان ينمين أهليتهن تبعا لطبيعتهن، دون أن يحاولن تقليد الذكور. فان دورهن في تقدم الحضارة أسمي من دور الرجال. فيجب عليهن الا يتخلين عن وظائفهن المحددة»... (114). «ان الأب و الأم يساهمان بقدر متساو في تكوين نواة البويضة التي تولد كل خلية من خلايا الجسم الجديد. و لكن الأم تهب علاوة علي نصف المادة النووية كل البروتوبلازم المحيط بالنواة.. و هكذا تلعب دورا أهم من دور الأب في تكوين الجنين».. (ص 115). «ان دور الرجل في التناسل قصير الأمد. أما دور المرأة فيطول الي تسعة [ صفحه 70] أشهر. و في خلال هذه الفترة يغذي الجنين بمواد كيماوية ترشح من دم الأم من خلال أغشية الخلاص. و بينما تمد الأم جنينها بالعناصر التي تتكون منها أنسجته فانها تتسلم مواد معينة تفرزها أعضاء الجنين. و هذه المواد قد تكون نافعة و قد تكون خطرة. فحقيقة الأمر أن الجنين ينشأ تقريبا من الأب مثلما ينشأ من الأم. فان مخلوقا من أصل غريب - جزئيا - قد اتخذ له مأوي في جسم المرأة. فتتعرض المرأة لتأثيره خلال فترة الحمل. قد تتسمم المرأة في بعض الأحيان بواسطة جنينها، كما ان أحوالها الفسيولوجية و السيكولوجية تعدل به دائما.. و علي أي حال يبدو أن النساء - من بين الثدييات - هن فقط اللائي يصلن الي تموهن الكامل بعد حمل أو اثنين. كما ان النساء اللائي لم يلدن لسن متزنات توازنا كاملا كالوالدات. فضلا عن أتهن يصبحن أكثر عصبية منهن.. صفوة القول ان وجود الجنين، الذي تختلف أنسجته اختلافا كبيرا عن أنسجة الأم، بسبب صغرها، و لأنها - جزئيا - من أنسجة زوجها، تحدث أثرا كبيرا في المرأة. ان أهمية وظيفة الحمل و الوضع بالنسبة للأم لم تفهم حتي الآن الي درجة كافية. مع أن هذه الوظيفة لازمة لاكتمال نمو المرأة.. و من ثم فمن سخف الرأي أن نجعل المرأة تنتكر للأمومة. و لذا يجب الا تلقن الفتاة التدريب العقلي و المادي، و لا أن تبث في نفسها المطامع التي يتلقاها الفتيان و تبث فيهم.. يجب أن يبذل المربون اهتماما شديدا للخصائص العضوية و العقلية في الذكر و الأنثي. كذا لوظائفها الطبيعية. فهناك اختلافات لا تنقض بين الجنسين. و لذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في انشاء عالم متمدن. (117 - 116). «اليس من العجيب ان برامج تعليم البنات لا تشتمل بصفة عامة علي أية دراسة مستفيضة للصغار و الأطفال، و صفاتهن الفسيولوجية و العقلية؟ يجب أن تعاد للمرأة وظيفتها الطبيعية التي لا تشتمل علي الحمل فقط. بل أيضا علي رعاية صغارها». (369 - 368). [ صفحه 71] و أخيرا: «من المعروف ان الافراط الجنسي يعرقل النشاط العقلي. و يبدو أن العقل يحتاج الي وجود غدد جنسية حسنة النمو، و كبت مؤقت للشهوة الجنسية، حتي يستطيع أن يبلغ منتهي قوته.. و لقد أكد فرويد، عن حق، الأهمية القصوي للدواقع الجنسية في وجوه نشاط الشعور. و مع ذلك فان ملاحظاته تتعلق بالمرضي علي الأخص. و من ثم يجب ألا تعمم استنتاجاته بحيث تشمل الأشخاص العاديين، و بخاصة أولئك الذين و هبوا جهازا عصبيا قويا، و سيطرة علي أنفسهم و بينما يصبح الضعفاء، و المعتلو الأعصاب، غير المتزنين، أكثر شذوذا عندما تكبت شهواتهم الجنسية، فان الأقوياء يصيرون أكثر قوة، بممارسة هذا الشكل من الزهد» [98] (174). و لتأخذ شهادة «ول ديورانت» الكاتب الامريكي المتفلسف.. و هو رجل لا يمكن أن يقال انه من أعداء هذه الحضارة. فهو شديد الاعجاب بالتقدم الذي تمثله هذه الحضارة في مجموعها. و هو يبدو معارضا للدين في جملته، كما أنه ظاهر العداء للاسلام بصفة خاصة.. و مع هذا كله فهو يؤدي هذه الشهادة عن هذه الحضارة في كتابه «مباهج الفلسفة»: «و ثقافتنا اليوم سطحية، و معرفتنا خطرة، لأننا أغنياء في الآلات فقراء في الأغراض. و قد ذهب اتزان العقل الذي نشأ ذات يوم من حرارة الايمان الديني، و انتزع العلم منا الأسس المتعالية لأخلاقياتنا، و يبدو العالم كله مستغرقا في فردية مضطربة تعكس تجزؤ خلقنا المضطرب. اننا نواجه مرة أخري تلك المشكلة التي اقلقت بال سقراط، نعني: كيف نهتدي الي أخلاق طبيعية تحل محل الزواجر [ صفحه 72] العلوية التي بطل أثرها في سلوك الناس؟ اننا نبدد تراثنا الاجتماعي بهذا الفساد الماجن من جهة، و بهذا الجنون الثوري من جهة أخري، حين نفقد الفلسفة التي بدونها نفقد هذه النظرة الكلية التي توحد الأغراض، و ترتب سلم الرغبات. اننا نهجر في لحظة مثاليتنا السلمية و نلقي بأنفسنا في هذا الانتحار الجماعي للحرب. و عندنا منه ألف سياسي، و ليس عندنا «رجل حكم» واحد. اننا نطوف حول الأرض بسرعة لم يسبق لها مثيل. و لكننا لا نعرف الي أين نذهب، و لم نفكر في ذلك، أو هل هناك السعادة الشافية لأنفسنا المضطربة. اننا نهلك أنفسنا بمعرفتنا التي اسكرتنا بخمر القوة. و لن ننجو منها بغير الحكمة» [99] (ص 7 - 6 ج 1).. «و اختراع موانع الحمل و ذيوعها هو السبب المباشر في تغير أخلاقنا. فقد كان القانون الأخلاقي قديما يقيد الصلة الجنسية بالزواج، لأن النكاح كان يؤدي الي الأبوة بحيث لا يمكن الفصل بينهما، و لم يكن الوالد مسؤولا عن ولده الا بطريق الزواج. أما اليوم فقد انحلت الرابطة بين الصلة الجنسية و بين التناسل، و خلقت موقفا لم يكن آباؤنا يتوقعونه، لأن جميع العلاقات بين الرجال و النساء آخذة في التغير نتيجة هذا العامل. و يجب علي القانون الأخلاقي في المستقبل أن يدخل في حسابه هذه التسهيلات الجديدة التي جاءت بها الاختراعات لتحقيق الرغبات المتأصلة!»... (ص 125 ج). فحياة المدنية تفضي الي كل مثبط عن الزواج، في الوقت الذي نقدم فيه الي [ صفحه 73] الناس كل باعث علي الصلة الجنسية و كل سبيل يسهل أداءها. و لكن النمو الجنسي يتم مبكرا عما كان من قبل، كما يتأخر النمو الاقتصادي، فاذا كان قمع الرغبة شيئا عمليا و معقولا في ظل النظام الاقتصادي الزراعي، فانه الآن يبدو أمرا عسيرا و غير طبيعي في حضارة صناعية أجلت الزواج حتي بالنسبة للرجال حتي لقد يصل الي سن الثلاثين. و لا مفر من أن يأخذ الجسم في الثورة، و ان تضعف القوة علي ضبط النفس عما كان في الزمن القديم، و تصبح العفة التي كانت فضيلة موضعا للسخرية، و يختفي الحياء الذي كان يضفي علي الجمال جمالا، و يفاخر الرجال بتعداد خطاياهم، و تطالب النساء بحقها في مغامرات غير محدودة علي قدم المساواة مع الرجال، و يصبح الاتصال قبل الزواج أمرأ مألوفا، و تختفي البغايا من الشوارع بمنافسة الهاويات لا برقابة البوليس. لقد تمزقت أوصال القانون الأخلاقي الزراعي، و لم يعد العالم المدني يحكم به» [100] (ص 127 - 126). «و لسنا ندري مقدار الشر الاجتماعي الذي يمكن أن نجعل تأخير الزواج مسؤولا عنه. و لا في أن بعض هذا الشر يرجع الي ما فينا من رغبة في التعدد لم تهذب، لأن الطبيعة لم تهيئنا للاقتصار علي زوجة واحدة. و يرجع بعضها الآخر الي ولاء المتزوجين الذين يؤثرون شراء متعة جنسية جديدة علي الملال الذي يحسونه في حصار قلعة مستسلمة. و لكن معظم هذا الشر يرجع في أكبر الظن في عصرنا الحاضر الي التأجيل غير الطبيعي للحياة الزوجية. و ما يحدث من اباحة بعض الزواج فهو في الغالب ثمرة التعود قبله. و قد نحاول فهم العلل الحيوية و الاجتماعية في هذه الصناعة المزدهرة، و قد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لا مفر [ صفحه 74] منه في عالم خلقه الانسان [101] و هذا هو الرأي الشائع لمعظم المفكرين في الوقت الحاضر. غير أنه من المخجل أن نرضي في سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية يقدمن أنفسهم ضحايا علي مذبح الاباحية، و هي تعرض علينا في المسارح و كتب الأدب المكشوف، تلك التي تحاول كسب المال باستثارة الرغبة الجنسية في الرجال و النساء المحرومين، و هم في حمي الفوضي الصناعية، من حمي الزواج و رعايته للصحة. «و لا يقل الجانب الآخر من الصورة كآبة. لأن كل رجل حين يؤجل الزواج يصاحب فتيات الشوارع ممن يتسكعن في ابتذال ظاهر. و يجد الرجل لارضاء غرائزه الخاصة في هذه الفترة من التأجيل نظاما دوليا مجهزا بأحدث التحسينات، و منظما بأسمي ضروب الادارة العلمية. و يبدو أن العالم قد ابتدع كل طريقة يمكن تصورها لاثارة الرغبات و اشباعها» [102] .

الاباحية بين دارون و البهاء

«و أكبر الظن أن هذا التجدد في الاقبال علي اللذة، قد تعاون اكثر مما نظن مع هجوم دارون علي المعتقدات الدينية و كذلك ادعاءات البهائيين و هدمهم للأديان. و حين اكتشف الشبان و الفتيات - و قد أكسبهم المال جرأة - أن الدين يشهر بملاذهم التمسوا في العلم ألف سبب و سبب للتشهير بالدين. و أدي التزمت في حجب الحياة الجنسية و الزهد فيها الي رد فعل الأدب و علم النفس صور الجنس مرادفا للحياة. و قد كان علماء اللاهوت قديما يتجادلون في مسألة لمس يد الفتاة أيكون ذنبا؟ أما الآن قلنا أن ندهش و نقول: أليس من الاجرام أن [ صفحه 75] نري تلك اليد و لا نقبلها؟ لقد فقد الناس الايمان و أخذوا يتجهون نحو القرار من الحذر القديم الي التجربة الطائشة. «و كانت الحرب العظمي الاولي آخر عامل في هذا التغيير. ذلك أن تلك الحرب قوضت تقاليد التعاون و السلام المتكونين في ظل الصناعة و التجارة، و عودت الجنود الوحشية و الاباحية. حتي اذا وضعت الحرب أوزارها عاد آلاف منهم الي بلادهم فكانوا بؤرة للفساد الخلقي. و أدت تلك الحرب الي رخص قيمة الحياة بكثرة ما أطاحت من رؤوس. و مهدت الي ظهور العصابات و الجرائم القائمة علي الاضطرابات النفسية، و حطمت الايمان بالعناية الالهية، و انتزعت من الضمير سند العقيدة الدينية [103] و بعد انتهاء معركة الخير و الشر بما فيها من مثالية و وحدة، ظهر جيل مخدوع و ألقي بنفسه في أحضان الاستهتار و الفردية و الانحلال الخلقي. و أصبحت الحكومات في واد و الشعب في واد آخر، و استأنفت الطبقات الصراع فيما بينها و استهدفت الصناعات الربح، بصرف النظر عن الصالح العام، و تجنب الرجال الزواج خشية مسؤوليته، و انتهي الأمر بالنساء الي عبودية خاملة، أو الي طفيليات فاسدة. و رأي الشباب نفسه و قد منح حريات جديدة تحميه الاختراعات من نتائج المغامرات النسائية في الماضي [104] و تحوطه من كل جانب ملايين المؤثرات الجنسية في الفن و الحياة»... [105] . [ صفحه 76] «و لما كان اليوم هو عصر الآلة، فلا بد أن يتغير كل شي‌ء. فقد قل أمن الفرد في الوقت الذي نما فيه الأمن الاجتماعي. و اذا كانت الحياة الجسمانية أعظم أمنا مما كانت، فالحياة الاقتصادية مثقلة بألف مشكلة معقدة، مما يجعل الخطر جاثما كل لحظة. أما الشباب الذي أصبح أكثر اقداما و أشد غرورا من قبل، فهو عاجز ماديا، و جاهل اقتصاديا الي حد لم يسبق له مثيل. و يقبل الحب فلا يجرؤ الشباب علي الزواج و جيوبه صفر من المال. ثم يطرق الحب مرة أخري باب القلب أكثر ضعفا (و قد مرت السنوات) و مع ذلك لم تمتلي‌ء الجيوب بما يكفي الزواج. ثم يقبل الحب مرة أخري أضعف حيوية و قوة عما كان من قبل (و قد مرت سنوات) فيجد الجيوب عامرة، فيحتفل الزواج بموت الحب. «حتي اذا سئمت فتاة المدينة الانتظار اندفعت بما لم يسبق له مثيل في تيار المغامرات الواهية. فهي واقعة تحت تأثير اغراء مخيف من الغزل و التسلية و هدايا من الجوارب و حفلات من الشمبانيا في نظير الاستمتاع بالمباهج الجنسية. و قد ترجع حرية سلوكها في بعض الأحيان الي انعكاس حريتها الاقتصادية. فلم تعد تعتمد علي الرجل في معاشها، و قد لا يقبل الرجل علي الزواج من امرأة برعت مثله في فنون الحب. فقدرتها علي كسب دخل حسن هو الذي يجعل الزوج المنتظر مترددا، اذ كيف يمكن ان يكفي أجره المتواضع للأنفاق عليهما معا في مستواهما الحاضر من المعيشة؟ «و اخيرا تجد الرفيق يطلب يدها للزواج، و يعقد عليها لا في كنيسة. لانهما من أحرار الفكر الذين ألحدوا عن الدين، و لم يعد للقانون الخلقي الذي ظل جاثما علي ايمانهما المهجور أثر في قلبيهما. انهما يتزوجان في قبو المكتب البلدي (الذي يفوح منه عبير الساسة) و يستمعان الي تعاويذ العمدة. انهما لا يرتبطان بكلمة الشرف، بل بعقد من المصلحة لهما الحرية في أي وقت في التحلل منه. فلا مراسيم مهيبة، و لا خطبة عظيمة، و لا موسيقي رائعة، و لا عمق و لا نشوة في [ صفحه 77] الانفعال تحيل ألفاظ و عودهم الي ذكريات لا تمحي من صفحة الذهن. ثم يقبل أحدهما صاحبه ضاحكا، و يتوجهان في صخب. «انه ليس بيتا! فليس ثمة كوخ ينتظر الترحيب بهما أنشي‌ء وسط الحشائش النضرة و الأشجار الظليلة، و لا حديقة تنبت لهما الزهور و الخضروات التي يشعران بأنها أبهي و أحلي لأنها من زرع أيديهما. بل يجب أن يخفيا أنفسهما خجلا كأنهما في زنزانة سجن، في حجرات ضيقة لا يمكن أن تستبقيهما فيها طويلا، و لا يعنيان بتحسينها و تزيينها بما يعبر عن شخصيتهما. ليس هذا المسكن شيئا روحيا كالبيت الذي كان يتخذ مظهرا و يكسب روحا قبل ذلك بعشرين عاما (الكتاب مكتوب سنة 1929) بل مجرد شي‌ء مادي فيه من الجفاف و البرودة ما تجده في مارستان. فهو يقوم وسط الضوضاء و الحجارة و الحديد حيث لا ينفذ اليه ربيع، لا ينبت لهما الصيف الزرع النضر بل سيلا من المطر. و لا يريان مع ورود الخريف قوس قزح في السماء او أي ألوان علي أوراق الشجر، بل المتاعب و الذكريات الحزينة. «و تصاب المرأة بخيبة أمل. فهي لا تجد في هذا البيت شيئا يجعل جدرانه تحتمل في الليل و النهار، و لا تلبث الا قليلا حتي تهجره في كل مناسبة و لا تعود اليه الا قبل مطلع الفجر. و يخيب أمل الرجل، فهو لا يستطيع أن يتجول في أنحاء هذا البيت، يعزي شعوره ببنائه و اصلاحه ما تصاب به أصابعه من دق المطارق. و يكتشف بعد قليل ان هذه الحجرات تشبه تمام الشبه تلك التي كان يعيش فيها و هو أعزب، و أن علاقاته مع زوجته تشبه شبها عاديا تلك العلاقات غير البريئة التي كان يعقدها مع المستهترات من النساء. فلا جديد في هذا البيت، و ليس فيه ما ينمو، و لا يمزق سكون الليل صوت الرضيع، و لا يملأ مرح الأطفال النهار بهجة، و لا أذرع بضة تستقبل الزوج عند عودته من العمل و تخفف عنه و طأته. اذ اين يمكن أن يلعب الطفل؟ و كيف يمكن للزوجين تخصيص حجرة أخري للأطفال و توفير العناية بهم و تعليمهم سنين طويلة في المدينة؟ و الفطنة فيما [ صفحه 78] يظنان أفضل جوانب الحب... فيعتزمان منع النسل... الي أن يقع بينهما الطلاق! «و لما زواجهما ليس زواجا بالمعني الصحيح - لأنه صلة جنسية لا رباط أبوة - فانه يفسد لفقدانه الأساس الذي يقوم عليه، و مقومات الحياة. يموت هذا الزواج لا نفصاله عن الحياة و عن النوع. و ينكمش الزوجان في نفسيهما وحيدين كأنهما قطعتان منفصلتان. و تنتهي الغيرية الموجودة في الحب الي فردية يبعثها ضغط حياة المساخر. و تعود الي الرجل رغبته الطبيعية في التنويع، حين تؤدي الألفة الي الاستخفاف. فليس عند المرأة جديد تبذله أكثر مما بذلته» [106] . «و لندع غيرنا من الذين يعرفون يخبرونا عن نتائج تجاربنا. أكبر الظن أنها لن تكون شيئا نرغب فيه أو نريده. فنحن غارقون في تبار من التغيير، سيحملنا بلا ريب الي نهايات محتومة لا حيلة لنا في اختيارها. و أي شي‌ء قد يحدث مع هذا الفيضان الجارف من العادات و التقاليد و النظم، افلآن و قد أخذ البيت في مدننا الكبري في الاختفاء، فقد فقد الزواج القاصر علي واحدة جاذبيته الهامة. و لا ريب أن زواج المتعة سيظفر بتأييد أكثر فأكثر حيث لا يكون النسل مقصودا. و سيزداد الزواج الحر، مباحا كان أم غير مباح. و مع أن حريتهما الي جانب الرجل أميل، فسوف تعتبر المرأة هذا الزواج أقل شرا من عزلة عقيمة تقضيها في أيام لا يغازلها أحد. سينهار «المستوي المزدوج» و ستحث المرأة الرجل بعد تقليده في كل شي‌ء علي التجربة قبل الزواج. سينمو الطلاق، و تزدحم المدن بضحايا الزيجات المحطمة. ثم يصاغ نظام الزواج بأسره في صور جديدة أكثر سماحة. و عندما يتم تصنيع المرأة، و يصبح ضبط الحمل سرا شائعا في كل طبقة، يضحي [ صفحه 79] الحمل أمرا عارضا في حياة المرأة، أو تحل نظم الدولة الخاصة بتربية الأطفال محل عناية البيت.. هذا كل شي‌ء!..» [107] .

شهادة المودودي و آثار الصهيونية و البهائية

و بعد ما تقدم نقدم هنا شهادة الأستاذ أبي الأعلي المودودي في بعض جوانب هذه الحضارة، التي أفسدتها الصهيونية و روافدها البهائية و ما أنشأته من آثار تنطوي علي تهديد مدمر للحياة الانسانية ذاتها فضلا علي الخصائص الانسانية. من كتاب «الحجاب»: «أن اساطين الفلسفة و الأدب و أقطاب العلوم الطبيعية الذين رفعوا لواء الاصلاح في القرن الثامن عشر، كانوا - كما سبق لنا الاشارة اليه - يجابهون نظاما للتمدن فيه أنواع من القيود و السدود، و فيه صلابة من غير مرونة، و عسر من غير يسر، طافحا بالتقاليد التي لا يقبلها الطبع و الضوابط الجامدة، و الطرق المناقضة للفطرة و العقل. و زاد طينه بلة انحطاط القوم المتواصل علي طول القرون فجعله عقبة كأداء في كل طريق للرقي. فبجانب، كانت النهضة العلمية و العقلية الجديدة تبعث في نفوس الطبقة المتوسطة أشد الميل الي التقدم و النبوغ بالعمل و الاجتهاد الذاتي. و بجانب آخر كانت علي رؤوسهم طبقة الأمراء و الزعماء الدينيين تبالغ في شدهم بالأغلال التقليدية. فمن الكنيسة الي الجندية و القضاء، و من قصور الامارة الي المزارع و دور التجارة.. كل شعبة من شعب الحياة، و كل مؤسسة للتنظيمات الاجتماعية، كانت تجري علي نظام يتبح لبعض الطبقات المخصوصة بحجة امتيازاتها القديمة و حقوقها المتوارثة، أن تعسف و تجور علي من لا [ صفحه 80] ينتمي اليها من العاملين الناهضين، فتذهب بثمار أعمالهم، و تستأثر بنتاج مواهبهم و كفاءاتهم. فكل محاولة يقوم بها القائمون لاصلاح تلك الحال كانت تخفيف و تفضل، بازاء أثرة الطبقات المسيطرة و جهالتها.. «لهذه الأسباب كلها غدت الطبقات الناشدة للاصلاح تثور في نفوسهم مع الأيام ثائرة الانقلاب الجامحة، حتي غلبت عليهم و عمتهم، آخر الأمر، نزعات البغي و الثورة علي هذا النظام الاجتماعي بجميع شعبه و أجزائه.. و راج بين الناس نظرية متطرفة في الحرية الشخصية، ترمي الي اعطاء الفرد الحرية التامة، و الاباحية المطلقة بازاء المجتمع. فأصبحوا ينادون بأنه يجب أن يكون للفرد الحق المطلق في عمل ما يشاء، و الحرية الكاملة في ترك ما يشاء، و ليس للمجتمع أن ينتزع منه الحرية الشخصية... الخ [108] . «من غرائب الاتفاق أنه قد واتت هذا الانقلاب الفكري - و هو في صدر شبابه - أسباب تمدنية أخري. ففي هذا العصر قامت الثورة الصناعية الشهيرة، و أعقبتها تغيرات هامة في الحياة الاقتصادية، كان من آثارها المترتبة علي الحياة التمدنية ما هو عون علي تحويل وجهة سير الاجتماع الحديث الي حيث تريد الآداب الانقلابية أن تحولها. و ذلك أن تصور الحرية الشخصية، الذي نشأ عليه النظام الرأسمالي، جاءت الاختراعات الميكانيكية، و امكانات و فرة الانتاج الصناعي تحكمه و تقويه. فأقامت الطبقات الرأسمالية مؤسسات صناعية و تجارية كبري، و تحولت المراكز الجديدة للصناعة و التجارة الي مدن عامرة، أصبح ينجر اليها من القري و الأرياف أضعاف الملايين من النفوس. و غلت تكاليف الحياة غلاء فاحشا، و ارتفعت أسعار الحاجيات للحياة، من المطعم و الملبس و المسكن، الي ما فوق طاقة العامة، زد علي ذلك أن أضيف [ صفحه 81] الي حاجات الحياة ما لا يحصي من وسائل المعيشة المتجددة لأسباب راجع بعضها الي ارتقاء التمدن و بعضها الي مساعي أهل الثروة. «و لكن النظام الرأسمالي لم يوزع الثروة بين الناس بما يكفل للجميع وسائل الحصول علي تلك المتع و اللذات، و أدوات الزينة و الزخرفة التي أدخلها في لوازم الحياة، بل هو لم يهيي‌ء للعامة من وسائل المعاش ما يسدون به عوزهم بسهولة من حاجات الحياة الحقيقية - و هي السكني و الطعام و اللباس - في تلك المدن التي قد زج بهم اليها.. كان من نتائج ذلك كله أن أصبحت المرأة كلا علي زوجها، و أصبح الولد عبثا علي أبيه، و تعذر علي كل فرد أن يقيم أود نفسه، فضلا عن أن يعول غيره من المتعلقين به. و قضت الأحوال الاقتصادية أن يكون كل واحد من أفراد المجتمع عاملا مكتسبا. فاضطرت جميع طبقات النساء - من الأبكار و الأيامي و الثيبات - أن يخرجن من بيوتهن لكسب الرزق رويدا. «و لما كثر بذلك اختلاط الصنفين، و احتكاك الذكور و الاناث، و أخذت تظهر عواقبه الطبيعية في المجتمع، تقدم هذا التصور للحرية الشخصية، و هذه الفلسفة الجديدة للأخلاق، فهدأ من قلق الآباء و البنات، و الاخوة و الأخوات، و البعولة و الزوجات، و جعل نفوسهم المضطربة تطمئن الي أن الذي هو واقع أمام أعينهم، لا بأس به، فلا يوجسون منه خيفة، اذ ليس هبوطا و ترديا، بل هو نهضة و ارتقاء و ليس فسادا خلقيا، بل هو عين اللذة و المتعة التي يجب أن يقتنيها المرء في حياته، و أن هذه الهاوية التي يدفع بهم اليها الرأسمالي، ليست بهاوية النار، بل هي جنة تجري من تحتها الأنهار [109] . [ صفحه 82] «و ما وقف الأمر عند هذا الحد. بل جاء النظام الرأسمالي الذي دفعت قواعده علي هذا التصور للحرية الشخصية، فمنح الفرد حقا مطلقا من كل قيد أو شرط في اكتساب الثروة بكل ما أمكنه من الطرق. و تبعته فلسفة الأخلاق فأباحت له كل وسيلة يمكن أن تتخذ لجميع الأموال، و ان كان اثراء الفرد الواحد بتلك الوسائل و الطرق مهلكة أفراد كثيرين.. و بذلك تألف نظام التمدن، من أوله الي آخره، علي صورة تؤثر الفرد علي الجماعة من كل وجهة، و ليس فيها ضمان للمحافظة علي مصالح الجماعة بازاء أثرة الفرد. فانفتحت السبل علي اخوان الطمع و الأثرة ليغيروا و يعتدوا علي المجتمع كيف يشاءون. فعمد هؤلاء الي الغرائز الانسانية يتحسسون فيها مواطن الضعف و الخلل، و راحوا يتفننون في استغلالها لأغراضهم. فقام واحدهم، و روج في الناس سيئة الخمر جلبا للثروة الي جيبه، و لم ينهض منهم من ينقذ المجتمع من غوائل هذا الطاعون. و قام آخر و ابتلي خلق الله بآفة الربا، و نصب شبكته في القاصية و الدانية، و ما هناك من بدفع عن دماء الناس ضر هذا العلق، بل حافظت القوانين علي مصلحة هذه الدويبة الفتاكة، كي لا يسلم منها أحد بقطرة من دمه. و جاء ثالث و أشاع في المجتمع طرقا مبتكرة للقمار، حتي لم تسلم شعبة من شعب التجارة من عنصره، و ما ثمة من يتقدم لحفظ الحياة الاقتصادية من هذه الحمي المحرقة. «و ما كان من الممكن في هذا العصر من الأنانية و البغي و العدوان الفردي أن يعزب عن اخوان الأثرة و الطمع، ذلك الضعف الانساني الأكبر.. الشهوة الجامحة.. التي يمكنهم باستثارتها جلب كثير من المنافع. فلم يفتهم ذلك فعلا، بل استخدموا غريزة الشهوة العارمة في الانسان ما وسعهم و ما أمكنهم. اذ أصبح مدار العمل و العناية كلمة في المراقص و المسارح و مراكز اخراج الأفلام، علي أن تستخدم لها الغيد الحسان، و يعرضن علي المنصة في صورة أكمل من التبرج، و في هيئة أقرب اي العري، و يجلب الذهب من جيوب الرجال بأكثر ما يمكن من اضرام نار الشهوة فيهم.. جاء قوم فمهدوا الأسباب لاكراء النساء، و تقدموا [ صفحه 83] بحرفة البغاء الي أن أصبحت تجارة دولية منظمة.. و جاء آخرون فتفننوا في صنع أدوات الزينة و الزخرفة، ثم عمموها في المجتمع ليزيدوا من غريزة التبرج التي جبلت عليها المرأة الي أن يجعلوها فيهن هوسا، و يجمعوا بذلك الذهب و الفضة مل‌ء أكفهم.. و جاء فئة أخري فاخترعوا لملابس النساء أزياء كاشفة مغرية، و استخدموا كل فاتنة الجمال لتلبسها و تغشي بها النوادي و الحفلات، حتي يقبل عليها الشباب و يفتنوا بها، فتغرم الفتيات بتلك الأزياء الجديدة من اللباس، و تربح تجارة مخترعيها. و تذرع آخرون باشاعة الصور العارية و القصص الغرامية، و المقالات الخليعة، الي استدرار الأموال، و أخذوا كذلك يملأون جيوبهم باصابة العامة بالجذام الخلقي. حتي انتهت الحال، علي مضي الأيام، الي أن لم تبق ناحية من نواحي التجارة خالصة من عنصر الاغراء. و ها أنت ذا صرت لا تري في زمانك هذا اعلانا من الاعلانات التجارية في الجرائد و المجلات، الا و سمته الملازمة البارزة، صورة امرأة عارية أو في حكم العارية، كأنه لم يعد من الممكن أن يكون اعلان ما وافيا بالغرض بدون وجود المرأة [110] و لا تجد كذلك فندقا من الفنادق و لا مقهي، و لا صالة عرض الا و قد استخدمت فيها المرأة لتعمل عملها المغناطيسي في الرجال. «و كأن المجتمع المسكين المخذول لا يملك - حيال ذلك كله - الا وسيلة واحدة للمحافظة علي مصالحه. و هي أن يستعين بتصوراته الخلقية علي دفع تلك الغارات عن نفسه، و يتحفظ من استيلاء غريزة الشهوة عليه.. و لكن النظام الرأسمالي لم يكن من الضعف و الهوان بحيث يمكن رد حملته بسهولة. و انما كان من ورائه فلسفة كاملة الأداة، و عسكر شيطاني عرموم، من العلوم و الآداب، كانا لا يزالان يعملان عملهما في نسخ النظريات الخلقية و محوها من النفوس. [ صفحه 84] «و من براعة القاتل - و الله - أن يحمل قتيله علي الاستسلام للقتل بطيب خاطره و رضاه» [111] . ... «و هذه حال المرأة عندهم.. و أما الرجال فما تزيدهم كل هذه المظاهر الخلابة من الجمال النسوي الا شوقا و طموحا و نهمة. لأن نار الشهوة و العاطفة البهيمية المتأججة في الصدور، لا تخمد بكل منظر جديد من الخلاعة و السفور، بل تزداد لهيبا، و تتطلب منظرا آخر أكثر منه سفورا و حسورا و تكشفا. و مثلهم في ذلك كمثل من تصيبه لفحة من السموم، فيكاد لا يسكن ظمؤه. كلما ازداد شربا ازداد عطشا و ظما. فهم دائما في اعداد أدوات، و تهيئة أسباب و ظروف لاطفاء أوار شهوتهم المبرح بهم، و لا يهدأ لهم دون ذلك بال، و لا هم يستقر لهم قرار. و ما هذه الصور العارية، و هذا الأدب المكشوف و هذه القصص الغرامية و هذه المراقص و المباذل، و المسرحيات المشحونة بالانفعالات و النزعات العارمة.. ما هذه كلها الا نماذج من جهودهم و حيلهم التي يتعاطونها لا خماد الشهوات الجامحة - و لكن في الحقيقة لاستثارتها و النفخ فيها - التي أججها هذا المجتمع الماجن، و تلك الحياة الاجتماعية الضالة، في صدر كل فرد من أفرادهم.. و لكنهم سموها بالفن لاخفاء هذا الضعف الكامن في نفهوسهم و في حياتهم. «و لا يزال هذا الداء الوبيل - من غلبة الشهوات البهيمية - ينخر في كيان الأمم الغربية، و يتنقص من قوة حياتها بسرعة هائلة. و التاريخ يشهد أنه ما سري هذا الداء في مفاصل أمة، الا أوردها موارد التلف و الفناء. ذلك بأنه يقتل في الانسان كل ما آتاه الله من القوي العقلية و الجسدية لبقائه و تقدمه في هذه الحياة. و أني للناس - لعمر الله - ذلك الهدوء و تلك الدعة و السكينة، التي لابد لهم منها لمعالجة أعمال الانشاء و التعمير، ما دامت تحيط بهم محركات شهوانية من كل جانب، و تكون عواطفهم عرضة أبدا لكل فن جديد من الاغراء و التهييج، [ صفحه 85] و يحيق بهم وسط شديد الاستثارة، قوي التحريض، و يكون الدم في عروقهم في غليان مستمر بتأثير ما حولهم من الأدب الخليع، و الصور العارية، و الأغاني الماجنة، و الأفلام الغرامية، و الرقص المشير، و المناظر الجذابة من الجمال الأنثوي العريان، و فرص الاختلاط باصنف المخالف. أستغفر الله - بل أني لهم و لأجيالهم الناشئة - أن يجدوا في غمرة هذه المهيجات الجو الهادي‌ء المعتدل الذي لا مندوحة عنه لتنشئة قواهم الفكرية و العقلية، و هم لا يكادون يبلغون الحلم حتي يغتالهم غول الشهوات البهيمية و يستحوز عليهم. و اذا هم وقعوا بين ذراعي هذا الغول فأني لهم النجاة منه و من غوائله و عواديه؟» [112] . «كان أكثر الأمم تأثر بحركة منع التناسل هي فرنسا. فكانت نسبة المواليد فيها الي الانخفاض منذ أربعين سنة علي التوالي (عند نشوب الحرب العالمية الاولي) و لم تكن الا عشرين مقاطعة من مقاطعات فرنسا السبع و الثمانين تربو فيها نسبة المواليد علي نسبة الوفيات. و اما المقاطعات السبع و الستون الباقية، فكانت نسبة الوفيات فيها اكبر من نسبة المواليد. و كان معدل الوفيات في بعض مقاطعاتها يتراوح بين 170، 130 بازاء كل مئة مولود. فلما نشبت الحرب العالمية الأولي، و دفعت الأمة الفرنسية الي موقف حرج بين الموت و الحياة، أدرك فكرها بغتة أن هذه الأمة البائسة تفتقر الي شباب مقاتلين، و رجال محاربين، و أنه أن ضحي - علي الفرض - بذلك العدد القليل من شباب الأمة و فتيانها في الدفاع عن الوطن في تلك الآونة، فانه لن تمكن النجاة من كرة العدو الثانية. فكان من انبعاث هذا الشعور في نفوس الفرنسيين أن تملكت مشاعرهم فكرة الاستزادة من النسل حتي خبلتهم، و جعل الكتاب و الصحفيون و الخطباء - و حتي أهل الجد من رجال الدين و السياسة - كلهم يهيبون بالناس، من كل جانب، و بصوت واحد: ان يكثروا من التوليد و التناسل، و لا يبالوا بالقيود [ صفحه 86] التقليدية من النكاح و الزواج. و نادوا ان العذراء التي تتبرع برحمها للتوليد خدمة للوطن، تستحق العز و الكرامة لا العتب و الملامة! و كان هذا العصر المضطرب بطبيعة حاله حافزا قويا لدعاة الحرية و الاباحية، فانتهزوا الفرصة السانحة، و بثوا جميع ما كان قد بقي في جعبة فكرهم الشيطاني من النظريات» [113] . «ان أول ما قد جر علي الفرنسيين تمكن الشهوات منهم، اضمحلال قواهم الجسدية، و تدرجها الي الضعف يوما قيوما. فان الهياج الدائم قد أوهن أعصابهم، و تعبد الشهوات يكاد يأتي علي قوة صبرهم و جلدهم، و طغيان الأمراض السرية قد أجحف بصحتهم. فمن أوائل القرن العشرين لا يزال حكام الجيش الفرنسي يخفضون من مستوي القوة و الصحة البدنية المطلوب في المتطوعة للجند الفرنسي، علي فترة كل بضع سنين، لأن عدد الشبان الوافين بالمستوي السابق من القوة و الصحة لا يزال يقل و يندر في الأمة علي مسير الأيام. و هذا مقياس أمين يدلنا - كدلالة مقياس الحرارة في الصحة و التدقيق - علي كيفية اضمحلال القوي الجسدية في الأمة الفرنسية» [114] . «و النكبة الثانية العظيمة التي قد جرها علي التمدن الفرنسي طغيان الشهوة المطلقة، و رواج الأباحية و قبولها: هي خراب النظام العائلي و تقوض بنيانه.....» [115] . «و الأمة الفرنسية - كما أسلفت - لا تزال تهبط فيها نسبة المواليد منذ ستين عاما متوالية. ففي بعض السنين تزيد نسبة الوفيات علي نسبة المواليد و في [ صفحه 87] الأخري تتساويان، و في الثالثة لا تزيد علي نسبة الوفيات الا بقليل جدا. و بجانب آخر لا يزال عدد الجالية المهاجرين في فرنسا ينمو و يكثر، فكانوا قرابة ثلاثة ملايين من بين اثنين و أربعين مليونا من سكان فرنسا الاصليين سنة 1931. و ان استمرت الحال علي ما هي عليه الآن، فلا يستبعد أن تعود الأمة الفرنسية عند ختام القرن العشرين أقلية في وطنها هي...» [116] . «و لا يحسبن أحد أن الأمة الفرنسية تنفرد بذلك كله و تشذ عن غيرها في هذا الباب بل الأمر أن جميع الأمم التي قد آمنت بما ذكر آنفا من نظريات الأخلاق و مبادي‌ء الاجتماع المتطرفة تماثلها و تجاريها في تلك الحال».... [117] .

و شهادة لصحيفة امريكية

نشر في جريدة Free Press بدوترويت Detroit الامريكية مقال جاء فيه: «ان ما قد نشأ بيننا الآن من قلة الزواج و كثرة الطلاق و تفاحش العلاقات غير المشروعة - الدائمة و العارضة - بين الرجال و النساء، يدل كله علي أننا راجعون القهقري الي البهيمية. فالرغبة الطبيعية في النسل الي التلاشي، و الجيل المولود حيله علي غاربه، و الشعور بكون تعمير الأسرة و البيت لازما لبقاء المدنية و الحكم المستقل، يكاد ينتفي من النفوس. و بخلاف ذلك أصبح الناس ينشأ فيهم الاغفال لمآل المدينة و الحكومة و عدم النصح لهما...» [118] . «كل هذا الاتباع لأهواء النفس، و النفور من تبعات الزوجية و التبرم بالحياة العائلية، و الارتخاء في الروابط الزوجية، يكاد يذهب في المرأة عاطفة الأمومة الفطرية، التي هي أشرف العواطف الروحية و اسماها في النساء، و التي لا يقف [ صفحه 88] عيها بقاء الحضارة و التمدن فحسب، بل بقاء الانسانية جمعاء. و ما نجمت سيئات منع الحمل و اسقاط الجنين، و قتل الأولاد، الا بنضوب هذه العاطفة في نفس المرأة. فالمعلومات عن تدابير منع الحمل موفورة لكل فتي و فتاة في الولايات المتحدة الأمريكية علي الرغم من قيود القانون. و الآلات و العقاقير المانعة للحمل معروضة للبيع في الحوانيت كالسلعة المباحة، تستصحبها دائما بنات المدارس و الكليات - بله عامة النساء - لكي لا تفوت احداهن لذات عشية من عشيات الشباب، ان نسي خديتها أن يأخذ أدواته معه. فيكتب القاضي «لندسي» (في محكمة دنفر): « 495 بنتا في السن الباكرة من بنات المعاهد الثانوية اعترفن لي بأنهن كن قد جربن العلاقة الجنسية مع الصبيان، الا أنه لم تحمل منهن الا خمس و عشرون. و اما الباقيات فسلم بعضهن من الحمل بمحض الاتفاق. و لكن كانت لأكثرهن خبرة كافية بتدابير منع الحمل. و هذه الخبرة قد عمت فيهن الي حد لا يكاد الناس يصبيون في تقديره...» [119] . «و قد ذكرت في مجلة أمريكية هذه الأسباب التي لا تزال تؤدي الي رواج الفحشاء و قبولها هناك، بالكلمات الآتية: «عوامل شيطانية ثلاثة يحيط ثالوثها يدنيانا اليوم. و هي جميعها في تسعير لأهل الأرض: أولها الأدب الفاحش الخليع الذي لا يفتأ يزداد في وقاحته و رواجه بعد الحرب العالمية (الاولي) بسرعة [ صفحه 89] عجيبة.. و الثاني الأفلام السينمائية التي لا تذكي في الناس عواطف الحب الشهواني فحسب، بل تلقنهم دروسا عملية في بابه.. و الثالث انحطاط المستوي الخلقي في عامة النساء الذي يظهر في ملابسهن بل في عريهن، و في اكثارهن من التدخين، و اختلاطهن بالرجال بلا قيد و لا التزام.. هذه المفاسد الثلاثة فينا الي الزيادة و الانتشار بتوالي الأيام. و لا بد أن يكون مآلها زوال الحضارة و الاجتماع النصرانيين و فناءهما آخر الأمر. فان نحن لم نحذ من طغيانها، فلا جرم أن يأتي تاريخنا مشابها لتاريخ الرومان و من تبعهم من سائر الأمم الذين قد اوردهم هذا الاتباع للشهوات و الأهواء موارد التهلكة و الفناء مع ما كانوا فيه من خمور و نساء و مشاغل و رقص و غناء»... [120] .

و شهادة د. بنت الشاطي‌ء

و يقدم لنا الاستاذ سيد قطب بعد ذلك شهادة الطبيبة التي تحدثت عنها الدكتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطي‌ء» بعنوان «جنس ثالث في طريقه الي الظهور» من مشاهداتها في «فيينا»: «.. و شاءت الظروف أن أذهب في عطلة الأحد، لزيارة صديقة لي طبيبة باحدي ضواحي «فيينا» - بعد أسبوع مرهق قضيناه بين أوراق البردي العربية في دار الكتب - و كنت أحسب أن يوم الأحد هو أنسب وقت لمثل تلك الزيارة. فما كان أشد عجبي، حين فتحت لي صديقتي باب بيتها معجلة، و في يدها «بطاطس» تقشره. ثم قادتني في لطف الي مطبخها لنأخذ مجلسنا هناك. و لم يغب عنها ما شعرت به من دهشة، فابتدرتني قائلة: ما كنت تتوقعين هذا المنظر: طيبة في المطبخ، يوم الأحد! [ صفحه 90] قالت ضاحكة: «أما العمل يوم الأحد فربما فهمته. و أما اشتغالك بالطبخ مع ما أعرفه من ارهاق مهنتك، فهذا ما لم أنتظره.. فردت: «لو عكست لكنت أقرب الي الصواب، فالعمل في عطلة الأحد هو المستغرب عندنا. لولا أنه فرصتي الوحيدة لكلي أقف هنا حيث ترين. و أما اشتغالي بالمطبخ، فلعلي لم اتجاوز به نطاق مهنتي. اذ هو من نوع العلاج لحالة قلق أعانيها و تعانيها معي سيدات أخريات من المشتغلات بالأعمال العامة. «و لما سألتها عن سر هذا القلق - مع استقرار الوضع الاجتماعي للمرأة الغربية - أجابت بأن ذلك القلق، لا صلة له بمتاعب الانتقال المفروضة علي جيل الطليعة من نساء الشرق! و انما هو صدي شعور ببدء تطور جديد يتوقع حدوثه علماء الاجتماع و الفسيولوجيا و البيولوجيا في المرأة العاملة، و ذلك لما لحظوا من تغير بطي‌ء في كيانها، لم يثر الانتباه أول الأمر، لولا ما سجلته الاحصاءات من اطراد النقص في المواليد بين العلامات. و كان المظنون أن هذا النقص اختياري محض و ذلك لحرص المرأة العاملة علي التخفف من أعباء الحمل و الوضع و الارضاع، تحت ضغط الحاجة و الاستقرار في العمل. و لكن ظهر من استقراء الاحصاءات أن نقص المواليد للزوجات العاملات، لم يكن أكثره عن اختيار، بل عن عقم استعصي علاجه. و بفحص نماذج شتي منوعة من حالات العقم اتضح أنه في الغالب لا يرجع الي عيب عضوي ظاهر. مما دعا العلماء الي افتراض تغير طاري‌ء علي كيان الأنثي العاملة نتيجة لانصرافها المادي و الذهني و العصبي - عن قصد أو غير قصد - مشاغل الأمومة، و دنيا حواء، و تشبثها بمساواة الرجل، و مشاركته في ميدان عمله. «و استند علماء الاحياء في هذا الفرض - نظريا - الي قانون طبيعي معروف، و هو ان «الوظيفة تخلق العضو» و معناها فيما نحن فيه أن وظيفة الأمومة هي التي خلقت في حواء خصائص مميزة للأنوثة، لا بد أن تضمر تدريجيا بانصراف المرأة عن وظيفة الأمومة و اندماجها فيما نسميه «عالم الرجل». [ صفحه 91] «ثم تابع العلماء هذا الفرض، فاذا التجارب تؤيده الي أبعد مما كان منتظرا، و اذا بهم يعلنون - في اطمئنان مقرون بشي‌ء من التحفظ - عن قرب ظهور «جنس ثالث» تضمر فيه خصائص الأنوثة التي رسختها الممارسة الطويلة لوظيفة حواء. «و ثارت اعتراضات.. منها: أن كثرة العاملات ينفرن من العقم و يشتهين الولد. و منها: أن المجتمع الحديث يعترف بالعاملة الأم و يحمي حقها في العمل، و يتيح لها بحكم القانون، فرصة الجمع بين شواغل الأمومة و واجبات العمل. و منها: أن عهد المرأة بالخروج من دنياها الخاصة لا يتعدي بضعة أجيال، علي حين يبلغ عمر خصائص الانوثة فيها ما لا يحصي من دهور و أحقاب. «و كان الرد علي هذه الاعتراضات: أن اشتهاء الزوجة العاملة للولد يخالطه دائما الخوف من أعباثه، و الاشفاق من أثر هذه الأعباء علي طمأنينة مكانها في محل العمل. ثم ان الاعتراف بالعاملة الأم قلما يتم الا في حدود ضيقة، و تحت ضغط القانون. و ما أكثر ما يجد أصحاب العمل فرصتهم لتفضيل غير الأمهات. و أما قصر عهد المرأة بالخروج، فيرد عليه بأن هذا الخروج - علي قرب العهد به - قد صحبه تنبه حاد الي المساواة بالرجل، و اصرار عنيد علي التشبه به، مما عجل ببوادر التغيير، لعمق تأثير فكرة المساواة علي أعصاب المرأة وقوة رسوخها في ضميرها. «و ما يزال المهتمون بهذا الموضوع، يرصدون التغيرات الطارئة علي كيان الأنثي، و يستقرثون في اهتمام بالغ دلالات الأرقام الاحصائية لحالات العقم بين العاملات، و العجز عن الارضاع لنضوب اللبن، و ضمور الاعضاء المخصصة لوظيفة الأمومة».. [121] . [ صفحه 95]

المرأة.. و دين الفطرة

تمهيد

يقول رسول الله صلي الله عليه و سلم: كل مولود يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمحسانه. و قد قام الشيخ عبدالعزيز جاويش رحمه الله بترجمة هذا الحديث الشريف لعدد من كبار المثقفين الانجليز شارحا لهم أن الذي يفهم من الحديث أن التهويد أو التنصير صفة تطرأ علي الانسان بكسب أبويه كالجدع الذي بصيب الشاة بعد أن تولد علي الفطرة سليمة لا عيب فيها. و يدلل علي ذلك بما نص عليه الشرع الاسلامي من عدم تكليف القاصرين و ألا يؤاخذوا بما فعل آباؤهم من التهويد و التنصير، حتي يبلغوا راشدين راضين بدين آبائهم فيؤاخذوا اذ ذاك و قد ألقيت علي كواهلهم اعباء التكاليف بما كسبت أيديهم، «فتري الاسلام قد اعتبر القاصرين، حتي أبناء النصاري أو اليهود أو المجوس، مسلمين ناجين حتي يكلفوا. فالدين الفطري لكل مولود هو الاسلام الا فيما يتعلق ببعض المعاملات الدنيوية كالارث و نحوه، فان الأطفال في ذلك تابعون لآبائهم» [122] ، و يوضح لنا الشيخ جاويش كون الاسلام دين الفطرة، و انه لو ترك الطفل و شأنه حتي كبر غير مهود و لا منصر لما اختار بفطرته الا الاسلام، و لا يمكن توضيح ذلك الا بالبحث في بعض أصول الاسلام و قواعده [ صفحه 96] و الأغراض التي يرمي اليها الشارع في تكاليفه، فيقول: [123] «كل انسان يشعر بفطرته أن ثمة واحدا قد نظم هذا العالم و دبره، لا يمكن أن يشابه الممكنات في شي‌ء من صفاتها، فليس بجسم و لا عرض و لا محدود و لا متحيز، و لا يستطاع ادراكه الا بآثاره الشاخصة، و هو غير قابل للحلول و لا للصعود و لا للنزول. كان معاند و اليهود و المشركين يسألون الرسول عليه الصلاة و السلام أن يثبت دعواه النبوة بشي‌ء من المعجزات الخارقة للعادة، فكان صلي الله عليه و سلم يرجع بهم الي الجواب عما هو من حدود وظيفة الرسل، اذ لا علاقة عقلية بين دعوي الرسالة و القدرة علي شق الأرض و نحوه من المعجزات، و لقد نقل عن ابن رشد أن الآيات الاقتراحية الخاصة بطلب المعجزات لا تدل دلالة قطعية علي دعوي الرسالة اذ جاءت منفردة لأنها ليست من أفعال الصفة التي سمي بها النبي نبيا أو الرسول رسولا، و لذا كان النبي عليه‌السلام يرجع بالقوم الي ما هو من حدوده و الي تدبر ما جاء به القرآن الكريم من الهداية، فان دلالة القرآن علي هذه الصفة كدلالة الابراء علي الطب لمن يدعيه. قال الله تعالي: (و قالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل انما الآيات عند الله و انما أنا نذير مبين - أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب بتلي عليهم ان في ذلك لرحمة و ذكري لقوم يؤمنون) [124] ، و لطا لما أرشد النبي الي ما قصد من شريعته و هو اصلاح شأن العالم الانساني و القضاء علي ما كان سائدا فيهم من الضلال المبين. قال الله تعالي: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب و لا أقول لكم اني ملك ان أتبع الا ما يوحي الي قل هل يستوي الأعمي و البصير أفلا تتفكرون) [125] ، و جاء في سورة الاسراء: (و قالوا لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا - أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها [ صفحه 97] تفجيرا - أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا - أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقي في السماء و لن نؤمن لرقيك حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا) [126] . كم حذر النبي صلي الله عليه و سلم الناس من اللجاج في طلب المعجزات و بين لهم و خاصة عواقبها و سوء نتائجها، و لم يكن طلب المعجزات تاشئا عن ترو من العرب و صدق رأي و سلامة فطرة و اصرار منهم علي ألا يقبلوا شيئا الا ببرهان، و لكنهم كانوا يقترحونها أما عبثا أو عنادا أو عملا بما تلقفوه عن الجاهلية الاولي و ما أملت عليه نفوسهم التي أخذ الضلال بتلابيبها، فكان النبي عليه‌السلام يدعوهم الي العمل بمقتضيات الفطرة الانسانية و يطلب ما لا يخالف سنة الله التي لن تجد لها تبديلا، قال تعالي: (و أقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل انما الآيات عند الله و ما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون - و نقلب أفئدتهم و أبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة و نذرهم في طغيانهم يعمهون - و لو أننا أنزلنا اليهم الملائكة و كلمهم الموتي و حشرنا عليهم كل شي‌ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله و لكن اكثرهم يجهلون) [127] . أراد الله الحكيم أن يبين للناس أن تلك الآيات التي يطلبونها لا تصلح مفحما لهم و حجة قائمة تلزمهم اتباع شرعه. و اننا لنري في غير موضع من كتاب الله ان القرآن يؤذن في أرباب العقول بالتدبير و ألا يشطوا في مطالبهم و لا يعتسفوا في اقتراحاتهم، بل أوجب عليهم أن يسلكوا الجادة الموصلة الي ما يريدون من الغايات. و من المبين أن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة الأبدية التي جاء بها ذلك النبي الأمي عليه. [ صفحه 98]

القرآن الكريم و خلاص الانسانية

و لقد نزل القرآن الكريم ليؤدي ما قصد منه حسب الفطرة البشرية و السنة الالهية من الهداية. و ما زال القرآن الكريم اماما يتبع و فيصلا يحكم في النوازل، و فيه الخلاص للانسانية مما تعانيه؛ و لقد رأينا فيما تقدم من «شهادات» كيف أن الانسانية التي بلغت قمة الحضارة قد أوشكت علي الخطر الداهم؛ و جاءت البهائية لتعيش في أعراض الجنون و الأمراض العصبية و النفسية و الشذوذ و الاجرام و هبوط مستوي الذكاء، و ضعف العقل و الاحتمال الجسدي و العصبي و النفسي. و نجيب هنا دعوة الدكتور «كاريل» «لأولئك الذين يجدون من أنفسهم شجاعة كافية ليدركوا - ليس فقط ضرورة أحداث تغييرات عقلية و سياسية و اجتماعية، بل أيضا ضرورة قب الحضارة الصناعية و ظهور فكرة أخري للتقدم البشري». نجيب الدكتور كاريل و أبناء الحضارة المعاصرة فتقول: ان الخلاص في دين الفطرة، الذي قال عنه واحد من أظهر أعلامها العلامة «حب» في كتابه «مستقبل الاسلام»: «انه ليس دينا بالمعني المحدود الخاص الذي نفهمه اليوم من هذه الكلمة. بل هو مجتمع بالغ تمام الكمال يقوم علي أساس ديني و يشمل مظاهر الحياة الانسانية». و هذا ما جعل الاستاذ ليبري يقول «لو لم يظهر العرب علي مسرح الحياة لتأخرت نهضة اوربا الحديثة عدة قرون». و هذا ما دفع بالفيلسوف الألماني - شيلنجر - الي أن يؤلف كتابا باسم «أقوال الغرب» يقول: «ان حضارة جديدة أوشكت علي الشروق في أروع صورة، هي حضارة الاسلام الذي يملك اليوم أقوي روحانية عالمية نقية». [ صفحه 99]

سلام جارودي و الفطرة النقية

و هذه الفطرة النقية هي التي دفعت بالمفكر الفرنسي الكبير روجيه جارودي الي اعتناق الاسلام، بعد دراسة عميقة استمرت اكثر من عشر سنوات، ضمن مسيرة و رحلة شاقة، بل و تجربة فكرية و روحية متباينة متناقضة.. فمن العمل المسيحي البروتستانتي المتحرر.. الي ليبرالية يسارية اجتماعية، الي التزام ماركسي كامل متقيد بالنظرية و الحزب ثم تخل كامل عن الماركسية و المادية.. الي عودة للدين في جوهره الصافي.. الي اهتمام متزايد بدين الفطرة.. الاسلام كنظام شامل لكل مناهج الحياة، هذا الاسلام الذي «يمكن في مستقبلنا اكثر مما يكمن في ماضينا.. مع رفض الصيغة الراهنة للحضارة العالمية المادية.. الي اعتناق كامل و علني للاسلام دين الفطرة». يقول جارودي، ما يصلح ردا علي السؤال الذي طرحه ابن حضارته الدكتور كاريل عن سبيل الخلاص للحضارة العالمية المادية و ما يقتضيه ذلك من «علوم الانسان؛ و اعادة انشاء الانسان»: «و أخيرا يمكن للاسلام و بربطه كل شي‌ء بالله، أو بنظرته القائمة علي ارتباط كل شي‌ء بالله. اي نظرته الي كل ملكية أو سلطة أو معرفة أو محاكمة عقلية، نظرة نسبية، انطلاقا من ربطها بالغائية الكبري التي تسمو علي كل شي‌ء في هذا الوجود. و علي هذا يمكن للاسلام أن يكون خميرة تحرر و نظال ضد كل أشكال التسلط و العبودية المفروضة علي الانسان بحجة اطروحات مزيفة تبعده عن أصالته و مركزه» [128] فالاسلام اذن لأنه يخاطب الفطرة الانسانية؛ فيه علاج الحضارة العالمية المادية التي عاقبت الفطرة؛ لأنها لجأت الي حلول من وضع الانسان الذي لا يعرف أبعاد هذه الفطرة الانسانية، و التي لا يعرفها الا الذي خلقها سبحانه و تعالي.. فالعلاج اذن هو في الرسالة [ صفحه 100] الالهية التي بعثها الله الي خلقه؛ مخاطبا فيها فطرة الانسان؛ و في هديها تستطيع الحضارة الجديدة أن «تعيد انشاء الانسان في تمام شخصيته. الانسان الذي أضعفته الحياة العصرية و مقاييسها الموضوعة» كما يريد دكتور كاريل من علوم الانسان أن تفعل؟ «فاعادة انشاء الانسان لا يقدر عليها الانسان.. سواء كان ماركسيا أم بهائيا أم علمانيا الخ.. ان الذي خلق الانسان هو الذي يملك أن يعيده، و الذي أنشأه في أحسن تقويم هو الذي يملك أن يرده الي تقويمه، بعد أن يكون قد هبط الي أسفل سافلين» [129] يقول الله تعالي: «لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم - ثم رددناه أسفل سافلين - الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات» [130] . ان الذي يحاوله د. كاريل و العلماء المؤمنون من أمثاله، أو الغيورون علي «الانسان» بصفة عامة - اكبر من طاقة الانسان. و هيهات أن ينهض البشر بما هو من خصائص الله..

المجتمع الانساني و نداء الفطرة

«و المجتمع الاسلامي هو طريق الخلاص الوحيد للبشرية المهددة بالدمار و البوار.. انه الاستجابة الوحيدة لنداء الفطرة في ساعة العسرة. و الفطرة في ساعة الخطر تتنبه و تعمل، مهما تكن في خمار أو دوار! انه ضرورة انسانية و حتمية فطرية.. و من ثم فان الدوافع لبروزه أقوي من كل قوة معوقة. أقوي من الصهيونية الماكرة و الصليبية المستعمرة. و البهائية المصنوعة منهما.. و أقوي من الأجهزة المسلطة في كل زاوية من زوايا الأرض. و أقوي كذلك من جهل أهل الاسلام بالاسلام» [131] . [ صفحه 101] و لكي نظل في سياق الحديث عن المرأة و مشكلاتها في الحضارة المعاصرة؛ لا بد أن تكون المناقشة في ضوء النظر الي الفطرة الانسانية؛ حتي يتبين لنا تخبط المذاهب الوضعية من ماركسية و بهائية؛ في النظر الي الانسان و الي المرأة؛ و حتي يتبين لنا كيف يقوم المجتمع الاسلامي علي رعاية الطبيعة البشرية للأفراد رجالا و نساء؛ ذلك أن المجتمع الاسلامي - بانتسابه الي الاسلام - لم يخرج عن كونه مجتمعا بشريا، يتكون من أفراد لهم ميول فردية توحي بها طبائعهم، ككائنات حبة لها من فطرتها غرائز مختلفة، بجانب ما تميزت به من قدرة علي التفكير. و دور الاسلام ازاء هذه الطبائع البشرية «لا يتعدي توجيها أو تهذيبا. لا يتعدي حملها - عن طريق الاقناع و الايمان - علي أن تحقق في حياتها الخير و السلام. و لأن دور الاسلام لا يتعدي التوجيه أو التهذيب لطبائع الأفراد - فهو يعترف بما لها من ميول عديدة. لا يحاول أن ينكر واحدا منها أو يتجاهله. كما لا يحاول أن يعمل علي افناء بعضها و اماتته حتي لا يظهر هذا البعض من الميول فيما بعد، في أجياله القادمة. و الا - لو حاول هذا أو ذاك - لكانت وظيفته تبديل خلق الله، و تحويل خصائصه. و ليس ذلك من رسالة أي دين سماوي، فضلا عن أن تكون رسالة الاسلام» [132] . و لننظر الآن في قيام المجتمع الاسلامي علي رعاية الطبيعة البشرية للأفراد؛ و كيف حاولت «البهائية» أن تبدل خلق الله لتخبط في فهم الفطرة الانسانية.. فالاسلام يقر: ميل الانسان الي التملك، و ميله الي النسل، و ميله الي الاطلاع و المعرفة، و ميله الي الاجتماع. يقر الاسلام ميل الانسان الي حب الذات و كذلك ميله الي مشاركة الغير مشاركة وجدانية. يقر الاسلام هذه الميول للانسان، و يقر غيرها مما له من طبيعته. [ صفحه 102] «و من هنا لا يحرم عليه الملكية الفردية. و لكنه فحسب لا يتركه يتحكم عن طريق ما يملك في اذلال غيره و امتهانه، أو في حرمانه من حق الحياة، أو في التضييق عليه في العيش بوسيلة أو بأخري. و لكي لا يصير المؤمن بالاسلام، أو لكي لا يندفع الي هذا التحكم في غيره عن طريق الملك، أيقظ الاسلام فيه روح البذل لغيره، و حبب اليه المنح و الاعطاء لصاحب الحاجة، سواء أكان ذلك في صورة فردية شخصية مؤقتة، أم في صورة عامة مستمرة. كاقامة المؤسسات التي تكفل العمل لأصحاب الحاجة، و في الوقت نفسه تسهم في زيادة رفع مستوي الحياة الاجتماعية. و قول الله تعالي: «يمحق الله الربا و يربي الصدقات» [133] ، يصور لنا مدي عناية الاسلام بتربية روح المنح للغير لدي الأفراد الاثرياء، و مدي عنايته بالترغيب في ذلك. فتصويره الصدقات - و هي اعطاء أو تنزيل و تنقيص حسي من رأس المال - بأنها ارباء أي زيادة في رأس المال الذي أخرجت منه الصدقات، يحمل صاحب رأس المال علي البذل بنفس راضية و برغبة انسانية في الاحسان، انسان بحكم فطرته كما يميل الي الملك، يميل الي تنمية ما يملك. و زيادة رأس مال المتصدق ليست هي الزيادة الرقمية الحسية، و انما هي الزيادة باستمتاعه بماله، و الوقاية من شرور الحاسدين و الحاقدين من المعوزين، أو ممن هم أدني منه في اليسار و القدرة علي دفع الحاجة. و الاسلام له - وراء هذه الصورة - في الترغيب في الاعطاء و المنح - صورة أخري. مرة يجعل هذا المال الذي هو بأيدي أصحابه مال الله. فيقول الله تعالي: «و آتوهم من مال الله الذي آتاكم» [134] ، و يقول جل شأنه: «و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه» [135] ، و مرة يجعل النصيب الذي يعطيه صاحب المال للمحتاج اليه حقا مشروعا في المال الذي بيد مالكه. فيقول: «و في أموالهم حق للسائل [ صفحه 103] و المحروم» [136] و هكذا لا ينكر الاسلام علي الانسان حق التملك - لأن حب التملك فيه ميل طبيعي لا ينكر - و لكنه ينكر عليه فقط أن يتحكم به في حياة غيره في صورة ما، من صور التحكم» [137] .

البهائية و اغتصاب الأموال

و في مقابل هذه الصورة التكريمية للانسان؛ نجد البهائية تعادي الفطرة الانسانية - عن جهل بطبيعة الحال - فتأمر أتباعها بنهب الآخرين، و اغتصاب أموالهم جزاء رفضهم خرافاتها و خز عبلاتها؛ فهذا هو الشيرازي يقول في «البيان»: «فلتأخذن من لم يدخل في البيان ما ينسب اليهم (أي ما يملكون) ثم أن آمنوا لتردون الا في الأرض التي أنتم عليها لا تقدرون» (الباب الخامس من الواحد الخامس من البيان العربي). و لقد حاول حسين علي صاحب البهائية و يدعي الالوهية أن يحاكي الاسلام فيما يدعيه؛ و لكنه لم يستطع لأنه بشر محدود قاصر الفهم للفطرة الانسانية؛ و من ذلك أنه أوجب الزكاة علي البهائيين مثلما أوجبها الاسلام علي المسلمين و قال في الزكاة: «قد كتب عليكم تزكية الأموات و ما دونها بالزكاة هذا ما حكم به منزل الآيات في هذا الرق المنيع» (الأقدس الفقرة 350) و لكن السؤال الذي يطرحه كل قاري‌ء لمثل هذا القول: من تجب عليه الزكاة؛ و لمن تعطي؛ و كم تؤخذ و متي؟ ان الشريعة البهائية الدعية قد سكتت تماما؛ و لما سئل حسين علي عن هذا أجاب: «سوف نفصل لكم نصابها اذا شاء الله و أراد، انه يفعل ما يشاء بعلم من عنده انه لهو العلام الحكيم» (الأقدس الفقرة 351). [ صفحه 104] و «العلام الحكيم» في الأقدس هو حسين علي نفسه، ذلك انه كما نعلم قد اوعي الربوبية؛ و لكنه لم يعلم و لم يقل شيئا في الأقدس أو في غيره من الكتب؛ حتي يتسني لهم - أي للبهائيين - أن يجمعوا ما شاءوا من أموال الناس - لتذهب بعد ذلك الي اسرائيل؛ وفقا لما يريده «بيت العدل» البهائي. و البهائية تحرم الصدقة علي الفقراء و المسالكين؛ بل تحرمهم من العطاء.

التخبط في المواريث

فالبهائية تعادي الفطرة الانسانية - لأنها تجهلها - و لا تستهدي بكتاب الله - لأنها تريد تدمير الانسانية وفقا لمخطط حكماء صهيون؛ و من ذلك ما جاء فيها تخبط حول أحكام المواريث التي لم تستهد فيها بما شرعه الاسلام تأسيسا علي أن الأسرة كيان يعيش و يتصل بعد انقضاء أعمار أعضائه. و لا اعتراض علي نظام الميراث من وجهة النظر الي طبائع الأحياء و لا من وجهة النظر الي المصلحة الاجتماعية، فان الابناء يرثون من آبائهم ما أرادوه و ما لم يريدوه، و حق لهم أن يرثوا ما خلفوا من عروض كما ورثوا عنهم ما خلفوه من خليقة لافكاك منها، و لا غبن علي المجتمع في اختصاص الابناء بثمرة العمل الذي توفر عليه الآباء، لأن هذه الثمرة اذا بقيت في المجتمع كان الورثة أحق بها من سواهم، و كان الغبن في النهاية أن يتساوي العامل لغده و العامل الذي لا ينظر الي غير يومه و ساعته، أو يتساوي من يعمل و يبني للدوام و من لا يعمل و لا يبالي ما يصيب المجتمع بعد يومه الذي يعيش فيه [138] . و يتحقق وئام الأسرة و امتدادها بما فرضه الاسلام من حقوق لكل عضو من أعضائها، فلا حق لانسان علي انسان أعظم من حق الآباء و الأمهات في الاسلام علي الابناء و الذرية. و بحسبك انه كان أن يكون البر بهم مقرونا بالايمان [ صفحه 105] بوحدانية الله. (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا و بالوالدين احسانا) [139] ، و ربما سبق الي الخاطر في عصرنا ان «البر بالابناء لا يحتاج اي وصية دينية كوصية الأبناء بالآباء، لما ركب في طباع الأحياء من حب البنين و الرقة لصغار الأطفال علي العموم. الا أن أحوال الامم و أحكام شرائعها قبل الاسلام تتبي‌ء عن مسيس الحاجة الي هذه الوصية، لأن أخطاء العرف الشائع فيها كانت أشد من أخطاء العرف الشائع في معاملة الأبناء للاباء. فكان الولد في شريعة الرومان بمثابة العبد الذي يملكه والده و يتصرف فيه برأيه في كل ما يرتضيه له قبل بلوغ رشده، و كانت شريعة حمورابي توجب علي الأب الذي يقتل ولدا لغيره أن يقدم ولده لأبي القتيل يقتص منه بقتله، و كان اليهود يقتلون الأبناء و البنات مع أييهم اذا جني الأب جناية لم يشتركوا فيها و لم يعلموها» [140] . و البهائية جاءت لترث هذه الأخطاء في نظرتها للانسان؛ فجاءت أحكام المواريث أخلاطا و أمشاجا من الشرائع الجاهلية القديمة. يقول البهاء في كتابه «الأقدس» و هو يذكر أحكام المواريث: «قد فرض لكل نفس كتاب الوصية و له أن يزين رأسه بالاسم الأعظم و يعترف فيه بوحدانية الله في مظهر ظهوره و يكون له كنزا عند ربه الحافظ الأمين» (الأقدس ف 255). و له أن «يوصي بكل ماله لأحد من الورثة و يحرم الآخرين أو أن يوصي لشخص غير وارث شرعا و أن يحرم الجميع من تركته» [141] . و ان لم يوص يكون آثما و يكون تقسيم التركة علي الورثة المذكورين في «الأقدس» كما ذكره حسين علي المازندراني»: «قد قسمنا المواريث علي عدد [ صفحه 106] الزاء، منها قدر لذرياتكم من كتاب الطاء علي عدد المقت، و للأزواج من كتاب الحاء علي عدد التاء و الفاء، و للآباء من كتاب الزاء علي عدد التاء و الكاف، و للأمهات من كتاب الواو علي عدد الرفيع، و للاخوان من كتاب الهاء عدد الشين، و للأخوات من كتاب الدال عدد الراء و الميم: و للمعلمين من كتاب الجيم عدد القاف و الفاء.. من مات و لم يكن له ذرية ترجع حقوقهم الي بيت العدل» (الأقدس ف 51). فيكون تقسيم التركة كالآتي: للذرية 9 / 60 - للأزواج 8 / 60 - للأباء 7 / 60 - للأمهات 6 / 60 - للأخوان 5 / 60 - للأخوات 4 / 60 - للمعلمين 3 / 60 و في الوقت الذي تدعي فيه البهائية أنها تدعو الي المساواة بين النساء و الرجال فرق بينهما في الأم و الأب و في الأخ و الأخت و فرقوا بين البهائيين و غير البهائيين حيث قالوا! «ان غير البهائي لا يرث البهائي» (خزينة صدو ص 120). و ذلك علي الرغم من ادعائهم عدم التعصب لمذهب واحد و الدعوة الي «وحدة الأديان»! و ان مات المعلم قبل تلميذه يعطي نصيبه لذريته بعد دفع ثلث النصيب لبيت العدل [142] . و من الطريف أن نذكر هنا أن حسين علي مدعي الالوهية قد زاد نصيب الذرية عما قرره والده الشيرازي مدعي الالوهية أيضا معللا ذلك بقوله: «انا لما سمعنا ضجيج الذريات في الأصلاب زدنا ضعف ما لهم و نقصنا عن الأخري انه لهو المقتدر علي ما يشاء يفعل بسلطانه كيف أراد» (الأقدس ف 52). [ صفحه 107] و لا ندري «كيف لم يسمع ضجيج الآخرين الذين نقص حقوقهم و خاصة المعلمين الذي أنقص نصيبهم الي النصف عما ذكر في البيان (الباب الثالث من الواحد الي العاشر) [143] . و من أخلاط الجاهليات في عقل البهاء؛ أن أخذ عن النظام الاقطاعي؛ جعل الدار المسكونة لأكبر أولاد المتوفي دون الآخرين، حيث يقول: «و جعلنا الدار المسكونة و الألبسة المخصوصة للذرية من الذكران دون الاناث. و الوارث انه لهو المعطي الفياض» (الأقدس). و هكذا يفرق مرة أخري بين النساء و الرجال علي عكس ما يدعي البهائيون؛ حيث يقصر الدار المسكونة علي الذكران دون الاناث؛ و علي اكبر «الذاكران»؛ كما يقول عبدالبهاء عباس: «الدار المسكونة فهي للولد البكر خاصة مع توابعها من اصطبل و مضيف أو خلوة» (خزينة حدود و أحكام ص 126).

الميراث و التكريم الاسلامي للمرأة

و في هذه النظرة البهائية للميراث تحقير للانسان بعامة؛ و للمرأة بصفة خاصة؛ بعد أن كرمها الله و كرم الانسانية في كتابه الكريم؛ فالاسلام جعل التوريث اجباريا بالنسبة للموروث و بالنسبة للوارث، فليس للموروث سلطان علي ماله بعد وفاته الا في الثلث، ليتدارك تقصيرا دينيا فانه، و أراد أن يفتديه بالمال، أو ليوسي من يستحق المواساة ممن تربطه بهم مودة أو قرابة بعيدة لا يستحق معها ميراثا، أو لينفقه في جهات البر و مصالح الجماعة التي يعيش فيها، أما الثلثان فليس له فيهما سلطان، و الملكية بعد الوفاة فيهما يتولاه الشارع، ليوزعها بين أسرته [ صفحه 108] بالقسطاس المستقيم، كل بقدر حاجته أو بقدر قرابته، و ليس للوارث أن يقول لا أقبل الميراث، فانه من المقررات الشرعية ألا يدخل شي‌ء في ملك الانسان جبرا عنه غير الميراث [144] . و لقد تولي الشارع الاسلامي توزيع الثلثين ان أوصي بالثلث، و توزيع الكل ان لم يوص، و جعل الملكية في أسرته لا تخرج عنها، بل توزع في دائرتها، و ذلك لأن منافع الاسرة متبادلة بين آحادها، فالقوي فيها يحمي الضعيف، و الغني يمد الفقير بماله، و يعينه علي نوائب الدهر. و قد أوجب الشارع للفقير العاجز عن الكسب نفقة في مال قريبة الموسر، فكان من مقتضي التبادل الذي أقره الاسلام أن يجعل له الحق في ميراثه اذا كان له مال. و ان جعل الميراث في الاسرة بطريق الاجبار سواء أراد صاحب المال أم لم يرد، بل سواء أرضي أم سخط فيه حماية للأسرة، و توثيق للعلاقات بين آحادها، حتي لا يكون نزاع اذا ترك له أمرها يوزع بين آحادها كما يشاء أو تكون البغضاء الشديدة له اذا وزع المال علي غيرها [145] . و مع أن الأسرة تستحق الثلثين علي الأقل ميراثا أراد المورث أم لم يرد، ليس كل آحاد الأسرة درجة واحدة في الاستحقاق بل بعضها أولي من بعض في الترتيب و في المقدار، و ان التوزيع العادل الذي بينه القرآن الكريم يقوم علي ثلاث قواعد» [146] . أولا: انه يعطي الميراث للأقرب الي المتوفي الذي يعتبر شخصه امتدادا في الوجود لشخص المتوفي، من غير تفرقة بين صغير و كبير. و مع ان الأولاد اكثر الورثة حظا في الميراث في الأسرة، لا يستأثرون به، بل يشاركهم غيرهم، [ صفحه 109] فتشاركهم أرملة المتوفي و يشاركهم والده و أمه، و قد يشاركهم في بعض الأحوال أخوته، و لكن في الجملة لا يكون ما يستحق الأولاد أقل من النصف في اكثر الأحوال. ثانيا: ملاحظة الحاجة، فكلما كانت الحاجة أشد كان العطاء اكثر، و لعل ذلك هو السر في أن نصيب الاولاد كان اكثر من نصيب الابوين، مع أنهما درجة واحدة من القرابة، و مع ان للأبوين في مال ولدهما نوع ملك، و لكن لأن حاجة الأولاد كانت أشد كان الميراث لهم اكثر، اذ هم في الغالب ذرية ضعاف يستقبلون الحياة، و لها تكاليفها المالية، و الأبوان في الغالب لهما من المال فضل، و هما يستدبران الحياة فحاجتهما ليست كحاجة الذرية الضعاف، و فوق ذلك فان ما يرثانه يكون لأولادهما، و لا يكون للذرية من ما لهما شي‌ء، لأن أباهم مات و هما علي قيد الحياة، فكان لابد أن يكون حظ الذرية و فيرا. و ان ملاحظة الأكثر احتياجا هي التي جعلت للذكر ضعف الانثي، ذلك لأن التكليفات المالية التي تطالب بها المرأة دون التكليفات المالية التي يطالب بها الرجل، و ذلك في كل الأمم في غالب الأحوال، فهو المطالب بنفقة الأولاد و اصلاحهم، و يمدها بحاجاتهم، و ان الفطرة الانسانية هي التي جعلت المرأة قوامة علي البيت، و الرجل كادحا لتوفير القوت، فكان هذا داعيا لأن يطالب هو بتقديم المال، و تطالب هي بتدبير البيت، و هذا بلا شك يجعل حاجة البنت الي المال دون حاجة الابن، و حاجة الأخ الشقيق أو الأب دون حاجة الأخت الشقيقة أو الأب [147] . و ان «الاعطاء علي مقدار الحاجة» كما يقول الامام أبوزهرة هو «العدل و المساواة عند تفاوت مقدار الحاجة هو الظلم، فأولئك الذين يتكلمون في مساواة [ صفحه 110] المرأة بالرجل في الميراث لا يسيرون وراء المساواة العادلة، يسيرون وراء الظلم» [148] . ثالثا: ان الشرع الاسلامي في توزيعه التركة يتجه الي التوزيع دون التجميع، فهو لم يجعل وارثا يستبد بها دون سواه، فلم يجعلها للولد البكر، و لم يجعلها للأبناء دون البنات، و لا للأولاد دو الآباء، و لم يطلق ارادة المورث يختص بها من يشاء من أقاربه، بل وزع التركة بين عدد من الورثة و الصور التي ينفرد فيها وارث بالتركة كلها نادرة جدا، و هي حيث يقل الاقارب، و ما كان نظام التوريث يخلق القرابة، بل ليوزع بينها بمقدار قربها و قوتها [149] . و من ذلك يتضح لنا ان الاسلام قد جاء ليكرم المرأة؛ التي تهينها البهائية؛ فالمرأة في شريعة الاسلام انسان «مرعي الحقوق و الواجبات» [150] يقول الله تعالي: «و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة» [151] . فللنساء من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات، و لكن للرجال درجة زائدة علي النساء، هي قوامتهم عليهن، لأن الرجال مطالبون بالانفاق علي الأسرة، و العمل بكل وسيلة لاسعادها و التكفل بمطالبها. و الحياة معقدة تتطلب التعاون بين الرجل و المرأة فكلاهما يجب أن يسعي و يعمل لاسعاد الآخر، و اذا قام الرجل بواجبه، و قامت الزوجة بواجبها، و تعاونا معا علي الحياة، استطاعا أن يكونا بيتا سعيدا و أسرة سعيدة هانئة راضية، متعاونة متآلفة [152] . [ صفحه 111] لقد منح الاسلام المرأة حقوقا انسانية و مدنية و اقتصادية و اجتماعية لم تمنحها قبل الاسلام أو بعده. و حافظ علي كرامتها و شرفها، و عاملها معاملة الاجلال و الاحترام. فالمرأة المسلمة قد أعطيت من الحقوق ما لم تعطه المرأة الفرعونية و اليونانية و الرومانية و الفارسية قديما، و المرأة الاوربية و الامريكية حديثا. أعطيت المرأة في الاسلام ما لم تنله في ديانة موسي و عيسي [153] . يقول المرحوم الاستاذ الامام محمد عبده: «هذه الدرجة التي رفع الله النساء اليها لم يرفعهن اليها دين سابق، و لا شريعة من الشرائع، بل لم تصل اليها أمة من الأمم قبل الاسلام و لا بعده. و هذه الأمم الاوربية التي كان من تقدمها في الحضارة أن بالغت في احترام النساء و تكريمهن، و عنيت بتربيتهن و تعليمهن الفنون و العلوم، لا تزال دون هذه الدرجة التي رفع الاسلام النساء اليها، و لا تزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف في مالها بدون اذن زوجها، و غير ذلك من الحقوق التي منحتها اياها الشريعة الاسلامية من نحو (اكثر من أربعة عشر قرنا) و قد كانت النساء في أوربة (اكثر من) خمسين سنة بمنزلة الارقاء في كل شي‌ء. كما كن في عهد الجاهلية عند العرب، بل أسوأ حالا... و قد صار هؤلاء الافرنج الذين قصرت مدنيتهم عن شريعتنا في اعلاء شأن النساء يفخرون علينا، بل يرموننا بالجهل في معاملة النساء، و يزعم الجاهلون منهم ان ما نحن عليه هو أثر ديننا» [154] . و يكفينا ما قاله الرسول صلي الله عليه و سلم: «ما زال جبريل يوصيني بالنساء حتي ظننت أنه سيحرم طلاقهن» و لا نبالغ اذا قلنا «ان المرأة المسلمة قد أعطيت من الحقوق ما لم تعطه المرأة الاوربية و الامريكية في القرن العشرين. و ان الاسلام قد أنصفها، و عاملها معاملة انسانية كريمة، منذ أربعة [ صفحه 112] عشر قرنا، فكان لها منزلة رفيعة، و درجة سامية في العصور الاسلامية الذهبية. فالاسلام مفتري عليه بالكذب و البهتان من متعصبين و محترفين و كتاب لا يعرفون الحق؛ لأنهم لا يرونه، و لا يعرفون العدالة و الانصاف و لا يفهمون الاسلام علي حقيقته. و يجهلون مثله العليا، و مبادثه و قواعده. و آراؤهم كلها افتراءات و أكاذيب» [155] .

جارودي و التكريم الاسلامي للمرأة

و لسنا نحن الذين نقول ذلك وحدنا؛ بل ان المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي يقول: «ان المثال النموذجي لهذا التعصب في الغرب (ضد الاسلام) يظهر في المجادلات حول المرأة في الأسلام، و من المفيد أن نميز مرة أخري بين التعليم القرآني، و بين تطبيق الدول الاسلامية من جهة و من جهة أخر مقارنة عادلة بين تطبيق الشعوب المسيحية الحقيقي، وبين التطبيق الحقيقي عند الشعوب الاسلامية. و ليس بين نظرية الطرف الأول، و تطبيق الطرف الثاني. «و علي المستوي اللاهوتي لم يشر القرآن الكريم الي علاقة عبودية و خضوع بين المرأة و الرجل. فالمرأة في القرآن الكريم خلقت من نفس واحدة: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء» [156] . من الصحيح ان القرآن مثل التوراة و الانجيل قد منح للرجل سلطة علي المرأة و هذا التباين هو سمة ثابتة في كل المجتمعات الأبوية و لم يختف حتي في يومنا هذا في أي بلد من البلدان، لكن اذا قارنا القوانين القرآنية مع قوانين المجتمعات [ صفحه 113] السابقة فانها تشير الي تقدم ملموس قياسا لقوانين مدينتي (أثينا و روما) حيث كانت المرأة تعتبر قاصرة الي الأبد. «أما في القرآن الكريم فان المرأة لها الحرية الكاملة في التصرف بأموالها و ممتلكاتها. «ان هذا الحق الموجود في غالبية التشريعات الغربية، و خاصة في فرنسا لم يعترف فيه للمرأة الا في القرن التاسع عشر أو القرن العشرين. «فالقرآن الكريم و السنة الشريفة يمنحان للمرأة حق طلب الطلاق (عند الضرورة). و هذا الحق لم تنله المرأة في الغرب الا بعد ثلاثة عشر قرنا. «لقد أقر القرآن الكريم تعدد الزوجات، لكنه لم ينشئه فهو موجود من قبل، و المتطلبات التي فرضها القرآن هي التالية: عدالة تامة، اقتصادية، عاطفية، جنسية بين مختلف النساء. و بهذه الشروط جعلت الأنظمة القرآنية تعدد الزوجات أمرأ صعبا. «علاوة علي ذلك فان الفصل و دم التمييز بين الناحية القانونية في الزواج المرتبط بمجموعة القوانين الاجتماعية، و بين العلاقات الشخصية في الحب و الجنس، هو نفاق مفضوح. فالزواج الواحد المتشدد الذي أوجد في قانون نابليون بتشريع الزواج الذي كان هدفه الأساس الحفاظ علي شكل من الملكية و الأرث، هذا التشريع لم ينل من التطبيق الفعلي الا النادر القليل فقط. «في تقاليدنا الغربية الزواج الأحادي موجود في القوانين فقط، و هو حبر علي ورق. بينما المعمول به فعلا هو تعدد الزوجات، و هذا يتوضح في توجه جوهر الأدب الغزلي في الغرب كما في أماكن أخري الي تمجيد الحب، غير حب الزوجة الشرعية» [157] . [ صفحه 114]

الفطرة الانسانية أساس العلاقة بين الرجل و المرأة

تلك هي شهادة شاهد علي عصره و حضارته؛ و هي شهادة تنبع من الانصاف؛ و التدبر فيما عني به الاسلام - دين الفطرة - من تصحيح النظر الي المرأة؛ و اقامة العلاقة بينها و بين الرجل علي أساس من حقائق الفطرة الانسانية؛ و بتوضيح هذه العلاقة في كل فرع من فروعها النفسية و العملية، بحيث لا تضطرب و لا تتأرجح، و لا يكتنفها الغموض في زاوية من زواياها» [158] . عني - أولا - ببيان وحدة الزوجين و تساويهما (من الناحية الانسانية) ليقضي علي جميع النظريات الخاطئة التي كانت تزعم أن المرأة جنس منحط بذاته عن جنس الرجل.. «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء» [159] . و عني - ثانيا - ببيان وحدة الزوجين و تساويهما (من ناحية علاقتهما بربهما و جزائهما عنده): «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض» [160] . «ان المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما» [161] . [ صفحه 115] و عني - ثالثا - ببيان نوع الصلة بين شقي النفس الواحدة، و أهدف هذه الصلة المتنوعة، سواء ما يختص منها بالزوجين، و ما يختص منها بالمجتمع الانساني كله.. «و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة» [162] . «هن لباس لكم و أنتم لباس لهن» [163] . «نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم» [164] . و عني - رابعا - بتنظيم الصلة بين الجنسين في كل أحوالها و أطوارها، و ما يشتركان فيه، و ما ينفرد به كل منهما - وفقا لتكوينه الفطري و وظيفته في المجتمع الانساني القائم عليهما كليهما... «ا» فبين حقهما معا - في أصل الملكية و الكسب و الميراث - مع خصوصية كل منهما في بعض الفروع. و ذلك للقضاء علي جميع النظريات و الأنظمة الخاطئة التي كانت تحرم المرأة حقها هذا: «للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن» [165] . «للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا» [166] . «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» [167] . [ صفحه 116] «و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلأمه الثلث فان كان له اخوة فلأمه السدس» [168] «و ان كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس» [169] . «و آتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شي‌ء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا» [170] . «ب» و بين نظام قيام الأسرة، و نظام التعامل بينهما في الأسرة، و حقوق كل منهما علي الآخر، و حقوق الأطفال الناشئين ثمرة التقائهما كذلك. فالعلاقة تبدأ زواجا بمهر. «و أحل لكم ما وراء ذلكم [171] أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ان الله كان عليما حكيما» [172] . و المرأة لا تورث كالمتاع و لا تمنع من الزواج بعد وفاة زوجها لتفتدي نفسها من أهل الزوج - و لا تمسك بعد الطلاق ضرارا حتي تفتدي نفسها من الزوج - كما كان الحال في الجاهلية: «يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها، و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا أن يأتين بفاحشة مبينة و عاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئا [ صفحه 117] و يجعل الله فيه خيرا كثيرا - و ان أردتم استبدال زوج مكان زوج، و آتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا و اثما مبينا؟!» [173] . و للرجل القوامة في البيت و عليه الانفاق. و له مزاولة حقوق القوامة في المحافظة علي كيان الأسرة من التفكك في مهب النزوات العارضة، و المحافظة علي العش الذي تتعلق به حقوق الأطفال، و حقوق المجتمع البشري الذي يعتمد علي مؤسسات الأسرة في تموه الاجتماعي و رقيه.. «الرجال قوامون ذلي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض و بما أنفقوا من أموالهم فالطالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا» [174] . فأما حين يخشي علي مؤسسة الأسرة التصدع و الانهيار فهناك اجراءات أخري: (و ان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ان الله كان عليما خبيرا) [175] . و حين لا تجدي هذه المحاولة فهناك الطلاق اذن ليبحث كل منهما عن شريك يقيم معه مؤسسة الأسرة علي أساس أقوي: «و ان يتفرقا يغن الله كلا من سعته، و كان الله واسعا حكيما» [176] . و الطلاق شروطه و عدد مراته و نظام المراجعة فيه و نظام النفقة.. كل شي‌ء مبين بوضوح. و ليس هنا مكان تفصيله. [ صفحه 118] و للأطفال حقوقهم عند تفرق الوالدين: «و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة و علي المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده و علي الوارث مثل ذلك فان أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور فلا جناح عليهما و ان أردتم تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف و اتقوا الله و اعلموا أن الله بما تعملون بصير» [177] . و لا نستطيع أن نمضي أكثر من هذا في تفصيل النظرة الي المرأة و الي علاقات الجنسين في المنهج الالهي. فقد أفرد له المرحوم سيد قطب فصلا كبيرا في كتاب «نحو مجتمع اسلامي». فحسبنا معه أن نشير الي أن هذا الأمر مبين بوضوح و دقة و توكيد - في كل جزئية من جزئياته - و أنه كله مبني علي حقائق الفطرة في تكوين الجنس الانساني أولا، و في تكوين كل من زوجيه ثانيا. و أن توزيع الاختصاصات بينهما مراعي فيه دقائق الفطرة، التي يعلم بها بارئها، و لا يعلم الانسان عنها الا قليلا. فجهالتنا بها مطبقة كجهالتنا بالانسان كله! و لكن الذي ينبغي توكيد - في اختصار - هو أن طبيعة نظرة الاسلام الي الانسان لا تسمح بأن تكون العلاقة بين الجنسين هي مجرد العلاقة الحيوانية القائمة بين أزواج الحيوان. فالانسان مخلوق فذ في تكوينه. فذ في غاية وجوده. فذ في مآله و مصيره.. و هذه الخصوصية من شأنها أن تجعل لعلاقات الجنسين فيه غاية أبعد و أشمل و أكبر من غاية الالتقاء الحيواني و اللذة الحيوانية. غاية تتفق مع غاية وجوده كما تتفق مع طبيعة تكوينه، التي ألمحنا اليها في الصفحات السابقة باختصار [178] . [ صفحه 119] و ليس تفصيل المنهج الالهي لعلاقة الجنسين موضوعنا هنا. انما موضوعنا هو ذلك التخبط الذي عانت منه البشرية في أطوارها المختلفة، و هي تشرد عن الله، و تتخذ لنفسها مناهج تقوم علي الجهل و الهوي و الضعف و الشهوة في أطوارها المتلاحقة؛ ولا تستقر علي وضع معتدل هادي‌ء مطمئن في طور من الأطوار. و نجتزي‌ء بالتخبطات التي تداولت المجتمع الأوربي منذ عهد الامبراطورية الرومانية - التي علي أساس حضارتها تقوم الحياة الأوربية المعاصرة - كما فعلنا في الكلام عن النظرة الي الانسان و فطرته و استعداداته. يقول المرحوم سيد قطب: «لقد تأرجحت النظرة الي المرأة بين اعتبارها كائنا منحطا أشبه بالأشياء منه بالأحياء! الي اعتبارها شيطانا رجيما يوسوس بالشر و الخطيئة! الي اعتبارها سيدة المجتمع و الحاكمة في أقداره و أقدار حاكميه! الي اعتبارها عاملة عليها أن تكافح و تشقي لتعيش.. ثم تحمل و تضع و تربي! كما تأرجحت العلاقة بين الجنسين بين اعتبارها علاقة حيوان بحيوان. الي اعتبارها دنسا و رجسا من عمل الشيطان. الي اعتبارها مرة أخري علاقة حيوان بحيوان! أما أن المرأة شطر النفس الانسانية، و أنها صانعة الجنس البشري، و أنها حارسة العش الذي تدرج فيه الطفولة.. و أنها الأمينة علي أنفس عناصر هذا الوجود.. «الانسان».. و أن عملها في اتقان هذا العنصر لا يعدله عملها في اتقان أي عنصر آخر أو أي جهاز... الي آخر هذه الاعتبارات الفطرية الانسانية الكريمة.. فهذا ما لم يعتدل به الميزان قط، في تلك المناهج الجاهلية. و أما أن العلاقة بين الجنسين أداة لخدمة النوع البشري، بانشاء المحضن الآمن النظيف الواعي المتخصص، لانتاج صناعة البشر - و هي أئمن و أغلي صناعة في هذه الأرض - و اعتبار «الواجب» - لا اللذة - هو عماد هذه العلاقة، لتعلق [ صفحه 120] المستقبل البشري كله بها، و قيام التمدن البشري عليها... أما هذا الاعتبار فلم يعتدل به الميزان كذلك قط في مناهج الجاهلية القديمة أو الحديثة. و قد مضت الجاهلية الاغريقية القديمة علي ذلك النمط، و لا مجال للحديث عنها هنا خوف الاطالة. «و الذين تسنموا ذروة المجد و الرقي في العالم - بعد اليونايين - هم الرومان. و في هذه الأمة أيضا نري تلك السلسلة من الصعود و الهبوط. التي قد شاهدناها في اليونان. فحينما خرج الرومان من عصر الوحشية و ظلم الجهل، و ظهروا علي مسرح التاريخ لأول مرة، كان الرجل رب الأسرة في مجتمعهم، له حقوق الملك كاملة علي أهله و أولاده. بل بلغ من سلطته في هذا الشأن، أن كان يجوز له حتي قتل زوجه في بعض الأحيان [179] . «و لما تخففت فيهم سورة الوحشية، و تقدموا خطوات في سبيل المدنية و الحضارة، تخففت القسوة في تلك السلطة، و جعلت الكفة تميل الي الاستواء و الاعتدال شيئا فشيئا و ان بقي نظام الأسرة القديم ثابتا علي حاله [180] . [ صفحه 123]

البهائية.. و تدمير الحياة الأسرية

بروتوكولات حكماء صهيون و تدمير الحياة الأسرية

جاء في بروتوكولات حكماء صهيون (البروتوكول العاشر) النص التالي: 1 - «فاذا أوحينا الي عقل كل فرد أهميته الذاتية فسوف ندمر الحياة الأسرية بين الامميين (غير اليهود)، و نفسد أهميتها التربوية، و سنعوق الرجال ذوي العقول الحصيفة من الوصول الي الصدارة، و ان العامة - تحت ارشادنا - ستبقي علي تأخر أمثال هؤلاء الرجال، و لن نسمح لهم أبدا أن يقرروا لهم خططا. «لقد اعتاد الرعاع أن يصغوا الينا نحن الذين نعطيهم المال لقاء سمعهم و طاعتهم. و بهذه الوسائل سنخلق قوة عمياء الي حد أنها لن تستطيع أبدا - أن تتخذ أي قرار دون ارشاد و كلائنا الذين نصبناهم لفرض قيادتها» [181] . و في البروتوكول الحادي عشر من بروتوكولات حكماء صهيون نقرأ النص التالي: [ صفحه 124] 2 - «أي سبب أغرانا بابتداع سياستنا، و بتلقين الامميين (غير اليهود) اياها؟ لقد أوحينا الي الأمميين هذه السياسة دون أن ندعهم يدركون مغزاها الخفي. و ماذا حفزنا علي اختيار هذا الطريق للعمل الا عجزنا و نحن جنس مشتت عن الوصول الي غرضنا بالطرق المستقيمة، بل بالمراوغة فحسب؟ هذا هو السبيل الصحيح، و الأصل في تنظيمنا للماسونية التي لا يفهمها أولئك الخنازير Swine من الأمميين (أي غير اليهود أيضا)، و لذلك لا يرتابون في مقاصدها. و لقد أوقعناهم في كتلة محافلنا التي لا تبدو شيئا اكثر من ماسونية كي نذر الرماد في عيون رفقائهم» [182] . و في البروتوكولات اشارات كثيرة الي الصلة بين الماسونية الصهيونية؛ بل ان مؤلفيها من الماسونيين الصهيونيين، كما جاء في آخرها. ثم نقرأ اعتراف الحاخام دراهما بانتظام الهيئات اليهودية السرية المختلفة تحت شعار واحد، و هدف موحد، أيا كان نشاطها، و في أي مكان تباشره. يقول في كتابه «التناسق»: 3 - «ان جميع الجميعات السرية موسومة بطابع واحد، اذ كلها تعمل تحت قيادتنا» [183] .

البهائية، منظمة، صهيونية

و من المنظمات الصهيونية السرية التي اكتشف أمرها: الماسونية و البهائية، و جمعية شهود يهوه، و نادي الصلبان المزدهرة، و نوادي الروتاري و الليونز.. و بواعث انشاء البهائية هي نفسها بواعث انشاء الماسونية فالبروتوكول الحادي [ صفحه 125] عشر يقول ان الأهداف التي ترمي اليها الصهيونية من افساح المجال لغير اليهود للانضمام الي المحافل الماسونية العالمية و (البهائية) كذلك؛ ترجع الي أن اليهود «جنس مشتت و ليس في وسعهم بلوغ غرضهم بوسائل مباشرة، بل بوسائل غير مباشرة فحسب». و اتفاق البواعث يبين أيضا من اتفاق الأهداف بين المخطط الصهيوني (الأصل) و بين المخططات الماسونية و البهائية و غيرها (الفروع) و لكننا نكتفي هنا بالاتفاق في الهدف الذي بدأنا به هذا الفصل؛ و الذي أعلنت عنه بروتوكولات حكماء صهيون؛ و نعني بنصهم «تدمير الحياة الأسرية»؛ كهدف أساسي من أهداف الصهيونية؛ اذ نجد أن الماسونية و البهائية انما تعملان أساسا علي افساد الأسرة و انحلالها؛ و انفصام عراها، عن طريق تمزيق القيم الأخلاقية و اطلاق عنان الغرائز و الشهوات. فكانت المرأة بطبيعة الحال أول الأهداف التي استهدفها مخطط تدمير الأسرة؛ و لذلك يقول كبير من كبراء الماسونية «يجب علينا أن نكسب المرأة فأي يوم مدت الينا يدها فزنا بالحرام و تبدد جيش المنتصرين للدين». و قالت الخطة في البروتوكول الأول من بروتوكولات حكماء صهيون: «ان المسيحيين قضت عليهم المسكرات فأصبحوا عجما أمام خططنا ذلك بما ندرسه من فساد الأخلاق بالدروس الكلاسيكية حيث يحقنهم اياه معلمونا و معلماتنا خادمونا و خادماتنا في دور الأغنياء. و مستخدماتنا في كل مكان، و نساؤنا في قاعات الملاهي و من يحسن اقتناصهم من الطبقة العليا من نساء المسيحيين». و قال دورفويل أحد كبار الماسونية: «ان العفة المطلقة مرذولة عند الماسونيين و الماسونيات لأنها ضد ميل الطبيعة». و البهائية شكل آخر للماسونية؛ يستدرج اليه هواة الأديان؛ في حين تستدرج الماسونية هواة العلمانية؛ و لكنهما في النهاية يصبان في مستنقع الصهيونية و ينفذان [ صفحه 126] مخططاتها في هدم الحياة الأسرية و الحياة الانسانية؛ حتي لا يبقي علي الأرض الا «شعب الله المختار»! و البهائية - كما نعلم - أعلنت صراحة انتهاء حكم الاسلام بقيامها و قيام زعيمها الكذاب الملقب بالباب، و من بعد الزعيم الأكذب الملقب بالبهاء.

البهائية و الغاء العبادات

و لقد الغي الباب الصلوات الخمس و صلاة الجمعة و الجماعة الا في الجنازة و أباح - عليه اللعنة - نكاح الأخت من أخيها.. و لقد أقام البابيون مؤتمرا عاما في «بدشت» و هي بلدة فارسية تقع بين خراسان و مازندران، و دعوا في هذا المؤتمر الي استماع البشائر التي وردت من قبل الامام المنتظر الذي ظهر، و كل ما ارادوه من هذا المؤتمر هو نسخ البابية للشريعة الاسلامية، و في خلال المناقشات اندفعت «قرةالعين» و لهذه المرأة تاريخ أسود في جبين البهائية نمسك هنا عن ذكره أدبا و حياء.. قد اندفعت هذه المرأة مسفرة تتلهب أنوثتها الفاجرة و تقتل بفتنتها الطاغية فاعتلت منصة الخطابة و قالت: «اسمعوا أيها الأحباب و الاغيار، اعلموا ان أحكام الشريعة المحمدية قد نسخت الآن بظهور الباب، و أن أحكام الشريعة الجديدة البابية لم تصل الينا، و ان اشتغالكم الآن بالصوم و الصلاة و الزكاة و سائر ما أتي به محمد كله عمل لغو، و فعل باطل و لا يعمل بها بعد الآن الا كل غافل و جاهل. ان مولانا الباب سيفتح البلاد، و يسخر العباد و ستخضع له الأقاليم السبع المسكونة و سيوحد الأديان الموجودة علي وجه البسيطة حتي لا يبقي الا دين واحد و ذلك الدين الحق هو: دينه الجديد و شرعه الحديث و بناء علي ذلك أقول لكم: و قولي هو الحق و لا أمر اليوم و لا تكليف و لا نهي و لا تعنيف فاخرجوا من الوحدة الي الكثرة و مزقوا هذا الحجاب الحاجز بينكم و بين نسائكم بأن تشاركوهن [ صفحه 127] بالأعمال، و تقاسموهن بالأفعال و اصلوهن بعد السلوة، و اخرجوا من الخلوة الي الجلوة فما هن الا زهرة الحياة الدنيا و ان الزهرة لا بد من قطفها و شمها، لأنها خلقت للضم و الشم، و لا ينبغي ان يعد أو يحد شاموها بالكيف و الكم فالزهرة تجني و تقطف و للأحباب تهدي و تتحف، و أما ادخار المال عند أحدكم و حرمان غيركم من التمتع به و الاستعمال فهو أصل كل وزر و أساس كل و بال ساو وا فقيركم بغنيكم و لا تحجبوا حلائلكم عن أحبابكم اذ لا ردع الآن و لاحد و لا منع و لا تكليف و لا صد فخذوا حظكم من هذه الحياة فلا شي‌ء بعد الممات». هذه الخطبة العينية تمثل جوهر الديانة البهائية التي أنشئت في القرن الماضي لتعمل ضمن الجماعات الصهيونية غير العلنية؛ و يمكن تلخيص مبادي‌ء البهائية فيما يلي: [184] . 1 - ابطال الجهاد و رفع شعار السلام بين الظالم و المظلوم و ضرورة الخضوع لكل حاكم و لو كان ظالما أو مستعمرا أجنبيا، و في هذا يقول «عبد البهاء» للبهائيين: «.. و تكونوا خاشعين للسدة الملكية لكل ملك، و ان تخدموا الملوك بنهاية الصداقة و الأمانة، و تكونوا مطيعين لهم و محبين لخيرهم، و ألا تتدخلوا في الأمور السياسية من غير ارادتهم و اجازتهم». 2 - فصل الدين عن الدولة و الدعوة للنظم العلمانية و الخضوع لها. 3 - اباحة الربا: فيقول الميرزا حسين - و هو ما يسمي بالبهاء الذي أعلن نفسه الها بعد ادعائه انه هو المسيح الذي عاد الي الدنيا بعد رفعه حيا الي السماء - يقول هذا الا له المزيف في اباحة الربا: «.. لذا فضلا علي العباد قررنا الربا كسائر المعاملات المتداولة بين الناس أي ربح النقود، فمن هذا الحين نزل فيكم الحكم المبين من سماء المشيئة صار ربح النقود حلالا طيبا طاهرا» [185] . [ صفحه 128] 4 - اباحة الخمر و الخنزير و الغاء أصول الذبح الاسلامي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم و بث الاستخفاف بها عند المسلمين رغم صريح الآية الكريمة: «و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه و انه لفسق و ان الشياطين ليوحون الي اوليائهم ليجادلوكم و ان اطعمتموهم انكم لمشركون» [186] . 5 - تحريم الحجاب و الدعوة الي السفور مع اطلاق العلاقات الكاملة بين الجنسين من دون حدود [187] - نلاحظ بعد اكتمال السفور حتي العري الكامل في ملابس البحر و الرقص و السهرة كان التكثيف بين الكتاب و الا كاديميين مدعي العلمية هو الترويج لاطلاق العلاقات الحرة - الزنا - بين الجنسين مع التحوط من النسل تحت الشعار البراق: «الصدق مع المشاعر» [188] . 6 - الانسلاخ من التراث الاسلامي و اللحاق بركب التبعية الاوربية، يقول عبدالبهاء «أصبحت المدنية الغربية متقدمة عن الشرقية و أصبحت الآراء الغربية أقرب الي الله من آراء الشرقيين [189] . 7 - انكار القيامة و البعث بعد الموت فيقول كتابهم «البيان»: «.. تكون الدنيا هكذا الي الأبد... و كل ظهور هو عبارة عن قيام و نشور.. اتحسبون ان الحساب و الميزان في غير هذا العالم قل سبحان الله عما يظنون..» [190] . و ننظر هنا في العلاقة بين النصوص التي أوردناها فيتبين لنا ما يلي: اولا: ان الصهيونية تستهدف هدم الكيان الأسري للأمميين «غير اليهود» في مخططها من قديم؛ باعتبار ان الأسرة هي الأمة الصغيرة، و منها [ صفحه 129] تعلم النوع الانساني أفضل أخلاقه الاجتماعية، التي تعد بدورها أجمل أخلاقه و أنفعها.. «من الأسرة تعلم النوع الانساني الرحمة و الكرم، و ليس في أخلاقه جميعا ما هو أجمل منهما و أنفع له من مجتمعاته. فالرحمة في اللغة العربية من الرحم أو القرابة، و هي كذلك في اللغات الهندية الجرمانية. لأن كلمة (كايند Kind) مأخوذة كذلك من الرحم، و كلمة الطفل التي تتمثل الرحمة كلها في العطف عليه مأخوذة منها.. و الكرم في اللغة العربية مأخوذ من النسب الصريح الذي لا هجنة فيه، و هو في اللغات الهندية الجرمانية مأخوذ كذلك من «الجائر Genre».. و المنسوب اليها هو الكريم.. و اذا تتبعنا سائر الفضائل و المناقب الخلقية المحمودة بلغنا بها في أصل من أصولها علي الأقل مصدرا من مصادر الحياة في الأسرة فالغيرة و العزة و الوفاء و رعاية الحرمات كلها قريبة النسب من فضائل الأسرة الأولي، و لا تزال من فضائلها بعد تطور الأسرة في أطوارها العديدة منذ عشرات القرون...» [191] . و لا بقاء لما كسبه الانسان من أخلاق المروءة و الايثار اذا هجر الأسرة و فكك روابطها و وشائجها.

البهائية و معاداة النوع الانساني

و لكن الصهيونية العالمية بروافدها المتنوعة؛ و منها البهائية لا تريد للانسان أن يحتفظ بهذه المكاسب من أخلاق المروءة و الايثار.. و حينما ينطبق عليها وصف معاداة النوع الانساني في ماضيه و مستقبله؛ فان هذا الوصف في بروتوكولات حكماء صهيون؛ يستثني اليهود؛ الذين تعمل لهم الروافد البهائية و الماسونية سواء كانت تدري أولا تدري. [ صفحه 130] و الثابت أن من يعادي الكيان الأسري انما يظهر عداوته للنوع الانساني؛ فلولا الأسرة «لم تحفظ صناعة نافعة توارثها الأبناء عن الآباء ثم توارثها أبناء الأمة جمعاء، و لو لا الأسرة ما اجتمعت الثروات التي تفرقت شيئا فشيئا بين الوارثين و غير الوارثين من الأعقاب، و لو لا الأسرة لاستجاب لدعوة الهدم و التخريب كل من لا خلاق له من حثالات الخلق و نفاياتهم في كل جماعة بشرية. فالأسرة هي التي تمسك اليوم ما بناه النوع الانساني في ماضيه، و هي التي تؤول به غدا الي أعقابه و ذراريه حقبة بعد حقبة و جيلا بعد جيل..» [192] . «لا أمة حيث لا أسرة» كما يقول العقاد رحمه الله؛ بل لا آدمية، حيث لا أسرة.. و لن ينسي الناس أنهم أبناء آدم و حواء الا نسوا أنهم أبناء رحم واحد و أسرة واحدة، كائنا ما كان تأويلهم لقصة آدم و حواء.. [193] . ثانيا: ان خطة بروتوكولات حكماء صهيون - التي تضمنها البروتوكول العاشر حول تدمير الحياة الأسرية بين الأمميين (غير اليهود)؛ تنفذ اليوم بنجاح عظيم، و الجماهير التي لا تحسن تقدير الأمور التي فوق مستواها، لا يعنيها الا اللفظ بما يقال لها دون تمييز، بل كلما انحط الشي‌ء - و لو كان كذبا أو خطأ - كان أقرب الي ذوقها و أرضي لها [194] . و لقد حاول اليهود في روسيا تحطيم نظام الأسرة لأنه أقوي عقبة ضد نظامهم؛ بل يحاربونه علميا - عن طريق البهائية و غيرها - في كل مكان.

الشيوعية و البهائية و تدمير الكيان الأسري

فالشيوعية - و ان كانت تنكر الأديان - هي رافد من الروافد الصهيونية؛ [ صفحه 131] شأنها شأن «البهائية» التي تحاول أن تضفي علي نفسها صبغة «الدين» لاستهواء هواة الأديان؛ و سيجد القاري‌ء أن هناك اتفاقا في الرأي حول الأسرة بين الشيوعية و بين البهائية: فالبيان الشيوعي الذي يعتبر من أشهر أجزاء الأدب الماركسي يقول: علي «أي أساس تقوم الأسرة الحالية أي الأسرة البورجوازية؟ علي رأس المال و الكسب الخاص. سوف تزول الأسرة البورجوازية. بزوال رأس المال». و في كتابه «أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة» كتب فردريك انجلز صديق ماركس و زميله و رفيقه: تقوم الأسرة الفردية الحديثة علي أساس العبودية المنزلية، من سافرة و مستترة، التي تعيش فيها الزوجة. و المجتمع الحديث عبارة عن كتلة مكونة من هذه الأسرات الفردية بوصفها جزيئياتها. و في معظم الحالات اليوم، و عي الأقل في الطبقات المالكة، يضطر الزوج الي أن يكسب عيشه و يعول اسرته. و هذا في حد ذاته يجعل له مركز السيادة بدون أية حاجة الي حقوق و مزايا، فهو يمثل البورجوازي في داخل الأسرة، و الزوجة تمثل البروليتاريا. و في رأي كانتون روسيتر [195] من تعليقات ماركس و انجلز عن الأسرة و الزواج، نستطيع ان نستخلص هذه المعتقدات الجوهرية: (1) الاسرة تشغل مركزا في الصرح العلوي من المجتمع، و هذا معناه أنها أصلا استجابة للمطالب التي يفرضها أسلوب الانتاج. (2) الأسرة البورجوازية، شأنها شأن المجتمع البورجوازي، فاسدة بصورة أساسية و خاصة من حيث الاعتراف الضئيل بالنساء و الأطفال. [ صفحه 132] (3) ان انتهاء الملكية الخاصة و قدوم الشيوعية سوف يولدان نوعا جديدا من الأسرة تكون فيها لجميع اعضائها حقوق متساوية بصورة صحيحة. مرة أخري تربط الماركسية وجود الأسرة و زوالها بوجود الملكية الخاصة و زوالها، علي نحو ما تراه هذه الايديولوجية بالنسبة الي الدين. و البهائية لا تختلف عما دعت اليه الماركسية اليهودية، فاليهود صناع المذاهب الهدامة؛ من وراء كل فتنة في العالم. فالبهائية؛ لا تختلف عما دعت اليه الماركسية اليهودية؛ ذلك أن «البهاء» قد عالج نظام الأسرة، و خالف المقررات الاسلامية فيها؛ فمنع تعدد الزوجات الا في صور استثنائية، و في هذه الصور الاستثنائية لا يبيح الجمع الا بين اثنتين، و منع الطلاق الا في حال الضرورة التي لا يمكن أحد الزوجين فيها أن يعاشر الآخر. و لم يعتبر المطلقة ذات عدة تنتظر فيها فلا تتزوج بعد الطلاق. حتي تنتهي بل لها أن تتزوج. هذا هو نظام الأسرة المعلن؛ أما النظام الأسري غير المعلن؛ فهو الذي يستهدف تدمير الكيان الأسري؛ و هو الذي عبرت عنه قرةالعين في قولها: «.. و مزقوا الحجاب الحاجز بينكم و بين نسائكم، و واصلوهن بعد السلوة، و أخرجوهن من الخلوة الي الجلوة، فما هن الا زهرة الحياة الدنيا، و أما ادخار المال عند أحدكم و حرمان غيركم منه فهو أصل كل وزر، لأنه حق مشاع غير مقسوم، فليشارك بعضكم بعضا في الأموال، ليرفع الفقر الفقر عنكم و يزول الوبال، ساووا فقيركم بغنيكم، و لا تحجبوا حلائلكم عن أحبابكم، اذ لا ردع الآن و لا حد، فخذوا حظكم من هذه الحياة، فانه لا شي‌ء بعد الممات». تلك اذن هي الاباحة السافرة التي تدعو اليها البهائية؛ و هي اباحية تستهدف أول ما تستهدف تدمير الكيان الأسري؛ علي نحو ما يريد المخطط الصهيوني العالمي؛ و هو التدمير الذي ظهر في روسيا الشيوعية؛ و الذي تريد البهائية أن تحدث له مثيلا تحت قناع «ديني» في البلاد الاسلامية. لنقارن بين نص «قرة [ صفحه 133] العين» البهائية؛ و نص «ماركس» اليهودي: «مهما بدا فظيعا و داعيا الي الاشمئزاز، الانحلال الذي أصاب الروابط العائلية القديمة في ظل الرأسمالية، الا أن الصناعة الحديثة اذ تخصص دورا هاما في عملية الانتاج خارجا عن المجال المنزلي للنساء و الشباب و الأطفال من الجنسين، فانها تخلق أساسا اقتصاديا يقوم عليه شكل أرقي من الأسرة و العلاقات بين الجنسين من السخافة بالطبع ان ننظر الي الشكل المسيحي التيوتوني للأسرة باعتبار أنه شكل مطلق و نهائي، كما أنه من السخف تطبيق ذلك الطابع علي الأشكال الرومانية القديمة و الاغريقية القديمة و الشرقية، و التي أخذناها جميعا لتكونت منها سلسلة من التطور التاريخي». و هنا نلاحظ علي البهائيين و الماركسيين معا أنهم يسخرون من التشديد علي احتفاظ الفتاة ببكارتها قبل الزواج، قائلين أن هذا التشديد انما يعكس النظام الرجعي الذي يجعل للرجل السيطرة. فالرجل يعتبر المرأة جزءا من ملكيته الخاصة، و من هنا فانه وحده الذي يتصرف في هذه الملكية الخاصة؛ كما صرح شقرة العين في النص السابق؛ و هم - الماركسيون و البهائيون - يرون رأي قرةالعين في ان هذه الظاهرة تعتبر من التقاليد البالية. و بدعوي تحقيق «المساواة بين النساء و الرجال» في البهائية و الماركسية؛ لا يصبح هناك مكان للأسرة ذات الكيان الخاص.

و نتساءل هنا الي أي حد تحققت الصورة الأسرية البهائية

للاجابة عن هذا السؤال فاننا يجب أن نلاحظ مظاهر الهدم الأسري في الشرق و الغرب علي السواء؛ حيث تتستر الدعاية البهائية تحت مسميات التقدمية و العلمانية و تحرير المرأة. و هنا نذكر قول المرحوم محمد طلعت حرب ياشا في كتابه «المرأة و الحجاب»: «ان رفع الحجاب و الاختلاط، كلاهما أمنية تتمناها اوربا من [ صفحه 134] قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف علي مقاصد أوربا بالعالم الاسلامي». و لما كانت البهائية تعمل لتحقيق المخططات الصهيونية؛ فانها مع الروافد الأخري هي التي أوعزت للاستعمار الاوربي بهذه البواعث. يقول طلعت حرب في نفس الكتاب أيضا: «انه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الاسلامي - في المشرق.. و لا في مصر وحدها - الا أن يطرأ علي المرأة المسلمة التحويل.. بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق». لذلك لم يكن عجبا أن تكون الحركة النسائية في مصر - و هي تهدف في جوهرها الي «تغيير النظام الاجتماعي للأسرة المسلمة - وثيقة الصلة بالاستعمار البريطاني «الذي احتضن البهائية»، و ان يبدأ ظهورها، بعد سنوات قليلة من احتلال الانجليز للبلاد.. و استقرارهم فيها» [196] . و يذكر الاستاذ حسين محمد يوسف [197] أن النواة لهذه الحركة بدأت عندما عادت «نازلي فاضل» الي مصر بعد الاحتلال، و وثقت روابط ودها مع اللورد كرومر و فتحت ناديها لطائفة من الخشصيات المشهورة كالشيخ محمد عبده، و سعد زغلول، و اللقاني، و محمد بيرم، و قاسم أمين، و كانت تؤيد هؤلاء في قصر الدوبارة ضد قصر عابدين، و تسعي لترقيتهم، و هم يعتمدون عليها في كل أمر [198] . هكذا كان تكوين هذا الصالون بمثابة ايجاد المركز الضروري لتعبئه أذناب الاحتلال و تنظيم جهودهم ضد الآداب و التقاليد الاسلامية. [ صفحه 135] و في سنة 1894 ظهر أول كتاب في مصر، يتضمن أول حملة علي النظام الاسلامي و يدعو الي التحرير منه. هذا الكتاب هو «المرأة في الشرق» لمؤلفه مرقص فهمي المحامي، و قد دعا فيه لأول مرة في تاريخ البلاد الي ما يأتي: أولا: القضاء علي الحجاب الاسلامي. ثانيا: اباحة الاختلاط للمرأة المسلمة بالأجانب عنها. ثالثا: تقييد الطلاق و وجوب وقوعه أمام القاضي. رابعا: منع الزواج بأكثر من واحدة. خامسا: اباحة الزواج بين المسلمات و الاقباط [199] . و لم يمض خمس سنوات حتي كان قاسم أمين يردد من هذه الآراء الأربعة الاول، في كتابه الأول «تحرير المرأة» الذي وضعه بايعاز من الأميرة نازلي فاضل، و بتشجيع من المغفور له الشيخ محمد عبده. و قصة تأليف هذا الكتاب يذكرها الأستاذ داود بركات في مقاله عن الحركة النسائية في عدد خاص من الأهرام حيث يقول: «الف الكونت داركور كتابا حمل فيه علي نساء مصر، فتصدي له قاسم أمين، ورد عليه مبينا فضائل المرأة المصرية، و استنكر خطة بعض السيدات المصريات اللاتي يتشبهن بالاوربيات فاقتنص الخصوم الفرصة. فلما كانت ذات ليلة قال لها أحدهم: ان قاسم الذي يؤيده اخواته يعنيها هي وحدها بذم المصريات اللاتي يقلدن الافرنجيات، و يسرن سيرتهن، لأنها المصرية الوحيدة التي تقابل الرجال و تجالسهم في ناديها، فغضبت نازلي فاضل غضبا شديدا، كان من نتيجته ان يوجه قاسم أمين لاصلاح خطئه بكتاب ينشره، حتي لا يفقدوا تعضيد هذه السيدة و هكذا أخرج مؤلفه «تحرير المرأة» عام 1899 [200] . [ صفحه 136] كان من الطبيعي ان يكون لذلك الكتاب دويه الشديد في الأوساط الاسلامية و الوطنية، لأنه كان بمثابة تحد صريح للرأي الاسلامي العام، و هجوم سافر ضد الاسلام في الصميم. لذلك لم يكن عجبا.. أن يقف الحزب الوطني - أو بمعني أصح يقف مصطفي كامل - من هذه الحركة موقف المقاومة و العناد، لأنه يعلم علم اليقين ان وراءها الأصابع البريطانية، و ان مقرها الأول هو ذلك النادي الذي يجمع أذناب الاستعمار فضلا عما تخفيه هذه الحركة من أهداف بعيدة ترمي الي القضاء علي مقومات الأمة، و الابتعاد بها عن الاسلام، الذي هو أكبر دافع لها للكفاح في سبيل حريتها و استقلالها و بذل كل مرتخص و غال لاسترداد حقوقها، و تحرير بلادها. و هكذا سارع الزعيم الشاب الي مقاومة هذه الحركة، و تحذير الأمة منها فأشار اليها في أول اجتماع عام عقده عقب صدور ذلك الكتاب، في 5 شعبان سنة 1317 - 18 سبتمبر سنة 1899 حيث قال: «اني لست ممن يرون أن تربية البنات يجب أن تكون علي المبادي‌ء الاوربية فان في ذلك خطرا كبيرا علي مستقبل الأمة فنحن مصريون و يجب أن نبقي كذلك و لكل أمة مدنية خاصة بها، فلا يليق بنا أن تكون قردة مقلدين للأجانب تقليدا أعمي. بل يجب أن نحافظ علي الحسن من أخلاقنا، و لا نأخذ عن الغرب الا فضائله. فالحجاب في الشرق عصمة و أي عصمة فحافظوا عليه في نسائكم و بناتكم. علموهن التعليم الصحيح. و ان أساس التربية التي بدونه تكون ضعيفة ركيكة غير نافعة.. هو تعليم الدين». و قد بلغ بمصطفي كامل الاهتمام بمقاومة هذه الحركة المسمومة الي الحد الذي جعله يفتح صدر صحيفة اللواء منذ أول ظهورها سنة 1900 لكل طاعن علي قاسم أمين و أفكاره [201] . [ صفحه 137]

بين البهائية و الماسونية

ثالثا: ان البهائية من الأشكال الساذجة التي ابتدعتها الصهيونية العالمية؛ و ان كانت تختلف مع الماسونية شكلا؛ الا أنها تتفق معها مضمونا و أهدافا؛ بل يمكن القول ان الماسونية التي يذهب بعض الدارسين الي أنها نظمت تنظيمها الحديث في القرن السابع عشر أو الثامن عشر الميلادي؛ هي التي خططت للباب ثم البهاء؛ لكي تخاطب أصحاب الأديان؛ و تستهويهم الي مبادئها الصهيونية، بهدف هدم الأديان السماوية، و خاصة المسيحية و الاسلام لنبقي اليهودية بكيانها الصهيوني. و لقد جاء في نشرة رسمية ما يلي: «نحن الماسون لا يمكننا أن نتوقف عن الحرب بيننا و بين الأديان، لأنه لا مناص من ظفرنا أو ظفرها، و لن نرتاح أبدا الا بعد أن نغلق جميع أبواب المعابد». و يقول «بوله» الماسوني سنة 1879: «تأكدوا تماما أننا لسنا منتصرين علي اليدن الأيوم تشاركنا المرأة فتمشي في صفوفنا». و قال أصحاب مؤتمر بولونيا سنة 1890 م: «يجب علينا أن نكسب المرأة فأي يوم تمد الينا يدها نفوز بالمرام و يندد بجيوش المنتصرين». و جاء في نشرة سرية: «ليس من بأس بأن نضحي بالفتيات في سبيل الوطن القومي و ماذا عسي أن نفعل مع قوم يؤثرون البنات و يتهافتون عليهن و ينقادون لهن». و قال بهائي معاصر: «لابد أن نجعل المرأة رسولا لمبادئنا و نخلصها من قيود الدين في العالم العربي و الاسلامي». و جاء في كتب البهائيين: «ان العفة المطلقة مرذولة عند البهائيين و البهائيات وفقا لقرة العين لأنها ضد ميل الطبيعة و من ثم تبطل كونها فضيلة». [ صفحه 138] و يؤكد الدارسون ان «جمعيات النهضة النسائية التي تنادي بتحرير المرأة من ظلمات الرجل و استعباده لها فان الماسونية الخفية (تعضدها البهائية) هي التي تدير هذه الجمعيات بادارة خفية سرية، بأنها تبعث اليهن نسوة يتظاهرن بالحب و الاخلاص، و تحرير المرأة. تعلمهن الخياطة و الطهي و التطريز، و بهذه الأعمال يستغلهن تمام الاستغلال، كما نري في جمعيات النهضة في مصر و بما وصلت المرأة المسلمة في مصر و سورية، و الدول التي تسمي نفسها متقدمة. فهذه هي هدي شعراوي و هي أول امرأة في مصر تنادي بتحرير المرأة تلقت دعوة الي حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي بروما عام 1923، و لما رجعت طبقت تعاليم أسيادها بتكوين اتحاد نساني مصري عام 1923 ثم تعاقبت بعدها فتيات خصصن وقتهن لتحرير المرأة [202] .

هدي شعراوي

و «السيدة هدي شعراوي هي ابنة محمد باشا سلطان الذي كان يرافق جيش الاحتلال في زحفه علي العاصمة، و يدعو الأمة الي استقباله و عدم مقاومته، و يهيب بها الي تقديم كافة المساعدات المطلوبة له، و قد سجل له التاريخ صفحة خالدة حينما تقدم مع فريق من الخبراء بهدية من الأسلحة الفاخرة الي قادة جيش الاحتلال شكرا لهم علي انقاذ البلاد» [203] . و لقد قوبلت خدمات سلطان باشا من الانجليز بالانعام عليه بنيشان «سان ميشيل و سان جورج» الذي يخول صاحبه القب سير، و أشاروا علي الخديوي فمنحه عشرة آلاف من الجنيهات الذهبية. لذلك لم يكن عجبا أن يعمل الاتحاد النسائي للأهداف التي يحرص الاحتلال علي الوصول اليها، و ان يردد في عام 1923 نفس المبادي‌ء التي نادي بها مرقص فهمي من قبل، و نقلها عنه قاسم [ صفحه 139] أمين، و في مقدمتها تعديل قوانين الطلاق، و منع تعدد الزوجات، علاوة علي المطالبة للمرأة بالحقوق الاجتماعية و السياسية وفقا لما يتصورون [204] .

البهائية.. و التبشير الصليبي

رابعا: و قد يتساءل البعض.. اذا كانت البهائية تحقق أهداف المخطط الصهيوني.. فما شأن الاستعمار الأوربي و هو استعمار صليبي؟! الاجابة علي هذا السؤال تتلخص في اتفاق الأهداف بين المخططين منذ زمن طويل؛ و كل منهما يتصور أنه يوظف الآخر للعمل لحسابه الشخصي؟ و يتحين الفرصة للقضاء علي غريمه في الوقت المناسب. فالاستعمار الصليبي؛ مثلا هو الذي أيد دعوة الباب ثم البهاء في ايران؛ و فيما يلي نص و ثائقي يوضح المآرب المشتركة في هدم الكيان الأسري المسلم؛ كتبه [205] أ. لو. شاتليه A. Le Chatelet في كتاب «الغارة علي العالم الاسلامي»: La Conquete du Monce Musulman. «... و بعد أن انتهي البحث عن الحالة في السلطنة العثمانية انتقل المؤتمر الي البحث في الانقلابات السياسية في فارس فألقي القسيس (اسيلستين) الذي مضي عليه 23 سنة في هذه البلاد تقريره في هذا الموضوع فوصف الحالة الحاضرة السياسة و الحركة الاجتماعية في فارس و قال: ان عصر الحرية الدينية سيزيد في عدد البابيين أو البهائيين، و انه يوجد ألوف من الفارسيين ينبذون الاسلام و يندمجون في بعض المذاهب أو يظلون بلا عقيدة دينية فظهر علي أثر ذلك توتر في العقائد الدينية الاسلامية في كل أقاليم فارس و هذه حملت صاحب التقرير علي القول بأن الاسلام ينحط في فارس و قال: ان أعمال التشير في هذه البلاد [ صفحه 140] توجب مزيدا من الحيطة و التستر نظرا للأحوال الخاصة التي يمتاز بها فارس و هو يشير علي المبشرين ببذل قصاري الجهد للاقناع و استجلاب القلوب الا أنه يحذرهم من السب في الاسلام أو ذكر انحطاطه من حيث أصوله الدينية، خصوصا و أن موقف الفارسيين تجاه المبشرين هو موقف حسن في الغالب اذ كثيرون منهم يرغبون في تربية أولادهم في مدارس المبشرين مع علمهم أنهم يتعلمون الانجيل لكن هذه الرغبة لا تدل علي أنهم يودون اعتناق المسيحية بل ان تشوقهم الي التعليم صادر عن علمهم انه هو الدواء الناجح لاتقاء الصعاب التي نتخبط فيها فارس الآن فهم لا يرغبون في المسيحية بل جل ما يتوخونه هو اقتباس مبادي، الحضارة العصرية» [206] . هذا ما كتبه المسيو شاتليه في مطلع هذا القرن؛ و في كتابه «الغارة علي العالم الاسلامي» نقرأ كذلك هذا النص الوثائقي: «و يرجع عهد التبشير في بلاد فارس الي سنة 1811 و سنة 1834 حيث ابتدأ المبشرون الامريكيون بالتبشير بين النسطوريين ثم بين المسلمين و قد اتضح للمبشر (يروس) سنة 1869 أن المسلمين في أصفهان يميلون الي المجادلات الدينية فجاء الي (جولفة) و مكث فيها حتي فتح مدارس. ثم شدت أزره جمعية التبشير الكنسية الانجليزية و اتسع بذلك تطاق التبشير اذ أسست مدارس و مستشفيات ضمنها مستشفي للبنات. و فتحت مدرسة للبنات في أصفهان. «و قد قالت الجمعية ان الثورة الفارسية مهدت السبل للحصول علي حرية الأديان، الا أن نفوذ العلماء لم يزل ثابتا و الفوضي منتشرة في عرض البلاد حيث يدأب الأشرار و السلابون علي قطع طرق المواصلات» [207] . و تاريخ التبشير في فارس تاريخ لافت للنظر؛ ذلك ان عهده كما جاء [ صفحه 141] في كتب أصحابه يرجع الي سنة 1811 و سنة 1834؛ و بين هذين التاريخين ولد ميرزا علي محمد الشيرازي سنة 1820 م. و انعقد مؤتمر «قرةالعين» في بيداء «بدشت» الواقعة علي نهر «شاهرود» بين «اخراسان» و «مازندران» في يونيو 1848 م، و الذي حضر فيه جميع زعماء البابية و أقطابها و كانوا زهاء واحد و ثمانين شخصا [208] من بينهم أم سلمي رزين تاج قرةالعين التي أشرنا اليها فيما سبق؛ و بطلة هذا المؤتمر و مدبرته الحقيقية [209] . و قبل أن نواصل مناقشة هذا المؤتمر لأهميته بالنسبة للمرأة؛ ننظر في التاريخ اللافت للنظر بين اقتران البابية و البهائية و التبشير في مرحلة زمنية واحدة؛ هل جاء الاقتران التاريخي مجرد مصادفة؟ أم أن التوقيت كان محسوبا بدقة لهدم الاسلام؛ و هدم كيان الأسرة الانسانية عامة. نعود الي النصوص الوثائقية في كتاب «الغارة علي العالم الاسلامي» لنقرأ ما يلي: «و أوسعت جمعية التبشير الكنسية مكانا من تقريرها لمقدمة صغيرة استهلت بها أقوالها عن البلاد الاسلامية، و ذكرت فيها مزايا الدين الاسلامي من حيث الاعتقاد بوحدانية الله تعالي ثم بحثت في هذه الوحدانية فقالت: انها تحتك من بعض الأوجه بمذهب اللا أدرية و من وجه آخر بمذهب وحدة الوجود القائل ان الله و الكون واحد! و تقرب أيضا من مذهب تعدد الآلهة و الشرك! حتي ان لهذه العقيدة صلة بالمذهب الحيوي القائل بوجود روح في نفس الحيوان و وجود عامل حر في النبات و الجماد و ان هذا هو علة الأعمال الحيوية و لا تأثير للقوي الكيماوية أو المادية و تقول أيضا انه يجب أن ينكر علي الاسلام سماحه لكل مسلم أن يعمل ما شاء لأنه سيكون في آخر الأمر مظهرا للرحمة الالهية. و قالت: ان في الاسلام عيبا فاحشا و هو حطه من شأن المرأة!» [210] و دعمت ما عزته الي [ صفحه 142] الاسلام بما تدعيه البابية و البهائية؛ و كأنما كانت قرةالعين تمهد السبيل أمام التبشير ضد الاسلام.. تلك هي حقيقة البهائية؛ و ما تريده من هدم لكيان الأسرة المسلمة؛ و الأمة الانسانية؛ و نذكر هنا ما كتبه المستشرق الانجليزي براون؛ و هو معروف بحبه للبابيين؛ مما أفاد منه المبشرون كثيرا في مطاعنهم ضد الاسلام؛ و لا سيما ما يخص المرأة و مكانتها في الاسلام.. يقول هذا المستشرق: «ان المؤرخين البهائيين حذفوا بعض وقائع مؤتمر بدشت من الكتب التي ألغوها في تاريخ البابيين. و منها المطاعن التي طعن بها المسلمون و شنعوا عليهم من الحركات الشنيعة و الأطوار الغريبة التي ما جعلت المسلمين وحدهم أن يهجموا عليهم و يقولوا فيهم ما قالوه بل البابيون أنفسهم قبحوا تلك الأفعال حتي ان الملآ حسين البشروئي الملقب بجناب باب الباب قال: «أنا أقيم الحد علي المجتمعين في بدشت». و هذا دليل صدق علي أن القذف الذي يقذف به المسلمون البابيين من الاباحية و الاشتراك في النساء و غير ذلك ليس بافتراء محض و بهتان صرف أتي المسلمون به عداوة و اختراعا بل كان هنالك أشياء فقالوها، و ارتكب الناس أمورا فأنكروها» [211] . و من تلميحات المرزة جاني الكاشاني؛ يتضح لنا كيف بدأ مخطط هدم الكيان الأسري في مؤتمر بدشت: «ان قرةالعين لما فرت من (قزوين) بعد قتل عمها الي خراسان و وصلت الي (شاهرود). ففي نفس الوقت وصل جناب الحاج - محمد علي القدوس - من (مشهد) و صارا مصداق (و جمع الشمس و القمر) لذلك لما اقترن سماء المشيئة (القدوس) بأرض الارادة (قرةالعين) ظهر أسرار التوحيد!!! و سر العبادة، و ارتفع الحجاب، حجاب الكثرة عن وجه المعشوق المقصود...!!! و اعطيا كؤوسا من جوهر الخمر لذة للشاربين حتي فقدت جماعة [ صفحه 143] شعورها من و فور السرور و النشوان و تغنوا بألحان بديعة و ظهر معني (هتك السر لغلبة السر) و تجاوبت أصواتهم الفرحة المسرورة ببصائر السموات السبعة» [212] . و نقل البستاني عن السيد جمال الدين الأقغاني و هو يذكر مؤتمر بدشت: «فوقع الهرج و المرج و فعل كل من الناس ما كان يشتهيه من القبائح» [213] . و من أجل ذلك «هجم عليهم المسلمون من أهل القري المجاورة لهذه البيداء و قلعوا خيامهم و جرحوهم و نهبوا أموالهم و طردوهم من هناك» [214] و يذكر الكاشاني اكثر من ذلك و يقول: «افترق الناس في بيداء «بدشت» بجماعات، جماعة افتقدوا شعورهم في تلك البيداء النقية الجميلة، و طائفة تحيرت، و فريق جن جنونهم، و فرقة فرت من قيلهم و قالهم، فاضطرب الأهالي المجاورون لتلك البيداء من أحوالهم و حركاتهم لما رأوا منهم أمورا لم يروا مثلها من أحد غيرهم، فهاجموهم ليلا و أغاروهم و رجموهم بالأحجار الكثيرة الثقيلة، فتفرقوا وهب كل واحد من هناك الي جهة، فذهب جماعة الي «أشرف» و جمع الي «آمل» و البعض الي «بار فروش» و سافر القدوس خفية من الناس الي «بار فروش» ايضا و سافرت القرة معه، ثم ارتحلت الي «نور» قريب من «طبرس» (قرية حسين علي البهاء) فانتشرت أخبارهم الصحيحة منها و الغير الصحيحة في مازندران كلها و سارت سببا لفضيحتهم و ذلهم» [215] . و «سافرت قرةالعين مع البار فروش الشاب المحبوب الي مازندران في هودج واحد أعده حسين علي البهاء لهما، كما كانت القرة تعطي قصيدة غزلية يوميا للحداة كانوا يتغنونها في السفر» [216] . [ صفحه 144] و يقول آواره «و اذا ثبت ان السيدة سافرت حقيقة الي (خراسان) فلابد و أن يكون ذلك مع حضرة القدوس، فانه الوحيد الفريد الذي كانت تلك الزهراء تعتمد عليه و تركن اليه في بث أسرارها و مكنونات اطلاعاتها، و لم يتحاش مؤرخو البابية ذكر هذه الرحلة الا تفاديا عن وهم الواهمين و قطعا لدابر أقوال المفترين و أفكارهم الساقطة المنحطة» [217] . و «دخلت معه في قرية (هزار جريب) في حمام واحد للاستحمام، و لما سمع أهل القرية ما هم عليه من الفجور العلني و عدم العفة و الحياء، و الجهر باقتراف الكبائر هجموا عليهم جماعات و وحدانا فقتلوا البعض و مزقوا جمعهم الباقي و شتتوا شملهم، ففر كل واحد علي وجهه مرة أخري لا يعرف الثاني طريقه، كما افترقت هذه... أيضا من عشيقها و زميلها في الخلوة و الجلوة» [218] . و في هذا المؤتمر قالت قرةالعين بين جماعة الأصحاب: «ان ارتداد النساء في الشريعة الاسلامية لا يستوجب حد القتل، بل يستلزم بذل النصائح اللازمة لهن و استتابتهن و تفهيمهن ما يرجع الي ورود التوبة و الايمان، فلا يتعسر علي اذن أن أميط اللثام و ارفع الستار عن أسرار هذه المسائل حين غياب القدوس عن باحة المجلس، حتي اذا وقعت تصريحاني موقع القبول و صادفت محل الاستحسان من الأحباب ثم المرام و بلغنا الغاية، و لا فعلي القدوس أن يباشر نصحي لأعود عن هذا الجنون، و أنفض اليد من الكفر و أتوب و أرجع الي أحضان الاسلام، فاستحسن الأصحاب هذا الاقتراح - و لبثوا يتحينون سانح الفرص الي أن ألم بحضرة بهاء الله زكام، و تمارض القدوس «من أجل العرض المسرحي لهدم قواعد الاسلام»، فعند ذلك شرعت الطاهرة في تفهيم الأحباء حقيقة المقصود، و كشف السر المكنون من تبديل الفروع و تغيير الأحكام، فلما رنت في آذان [ صفحه 145] الجميع هذه التصريحات دار التهامس و التناجي بينهم، ففريق أعجب بأفكارها، و آخر أخذ بأطراف انتقادها» [219] . و يذكر «آواره» في «الكواكب الدرية في مآثر البهائية» أن «حضرة بهاء الله (حسين علي) تدخل في المسألة و تلا سورة (الواقعة) و أخذ في تفسيرها و تأويلها و أفاض في شرحها و بيانها و ان القرآن نفسه أشار الي ذلك (النسخ و التغيير) و أنبأ بوقوعه حتي اطمأنت قلوب الجميع و علموا بأنه لابد من وقوع هذه الواقعات و حدوث هذه الحادثات كلها» [220] . و يقول آواره ايضا: «و في خاتمة المجلس تقرر تحرير هذه المسألة الي حضرة الباب في «ماه كو» و التماس اصدار الحكم الفاصل الجازم منه فيها، و هذا ما قد كان، و مما علم فيما بعد و تبين ان خواص الاحباء كانوا علي حق، و ان رأي حضرة بهاء الله كان متفقا مع حكم حضرة الباب علي وجوب تغيير الشريعة، و ان القدوس و باب الباب و الطاهرة! كانوا أيضا قائمين علي سواء السبيل و جادة اليقين في ادراكهم و فهمهم أسرار الأمر» [221] . خامسا: السؤال الآن: لماذا اقترن عند البابيين و البهائيين تنزيل البيان و نسخ القرآن كما يزعمون بمؤتمر قرةالعين الاباحي؟ و الاجابة تتلخص في هدم الكيان الأسري أو «تدميره» علي حد تعبير بروتوكولات حكماء صهيون. و هو الكيان الذي نظمت النصوص الاسلامية مجتمعه من حيث العلاقة بين الزوجين، و علاقة الآباء بأولادهم، و ربطت ما بين الأقارب، و فصلت الحقوق و الواجبات لكل واحد قبل أقاربه الأقربين و غيرهم، و تعرضت للواجبات الأدبية و الحقوق [ صفحه 146] المادية، فنظمت التوارث، و تصدت لبيانه علي نحو ما نجد تفصيلا في القرآن الكريم، و نظمت العلاقة بين الفقير و الغني في الأسرة، فأوجبت علي الغني النفقة علي الفقير، و جعلت أساس الحقوق و الواجبات في الأسرة المودة و الرحمة و التواصل، و بينت أنها اذا فقدت الرحمة أو المودة تقطعت أوصالها، و غير ذلك مما سنناقشه في الفصل التالي. [ صفحه 149]

البهائية.. و اباحة المحرمات

اشاره

جاء في رسالة بيكار الي الدكتور عبد العزيز شرف ان البهائية جاءت لتعيد تنظيم العالم؛ و لتعطي المرأة في الحقوق ما لم يكن لها من قبل في أي دين سماوي؛ الخ ما جاء من المزاعم البراقة التي تستخدمها البهائية في الدعاية لنفسها و ستر مخططاتها في هدم الأديان و الكيان الاجتماعي العام.

الاسلام و الكيان الاجتماعي

و لذلك حرصت الشريعة الاسلامية علي تحقيق أهدافها الاجتماعية في كل مجتمع، و لو بين الآحاد بعضهم مع بعض «اذا جمعتهم بيئة، و لو كان جوارا في سفر، أو جلوسا في مركب، أو اجتماعا في معبد، أو استراضة في ناد أو لقاء عابرا، لا استقرار فيه. كما تتحقق هذه الأهداف في المجتمعات المستقرة كالأسرة، و المجتمع الصغير، و المجتمع الكبير في الأمة الواحدة، أو في الأسرة الانسانية كلها. و لذلك تتجه الشريعة الاسلامية في كل أحكامها الي تحقيق هذه الأهداف الاجتماعية، و هي المقاصد العليا للشريعة الاسلامية، فقد جاءت لتكوين مجتمع فاضل يضم الأسرة الانسانية كلها، قاصيها و دانيها، و ابتدأت فاتجهت الي تربية المسلم ليكون عضوا في مجتمع، و العبادات الاسلامية، و الفضائل التي دعا اليها الاسلام تتجه نحو تحقيق هذه الأهداف و توجيهه اليها. «فالعبادات شرعت لتهذيب النفوس، و تربية روح المساواة، و روح الاجتماع الذي لا اعتداء فيه، و اذا كانت العبادة لا تحقق تلك الأهداف، فهي [ صفحه 150] ليست عبادة و لا يقبلها الله، و هي تجلب الذم لصاحبها، و لنضرب لذلك مثلا بالصلاة التي هي أوضح العبادات الشخصية، فقد وصفها القرآن الكريم بأنها تنهي عن الفحشاء و المنكر. فقال سبحانه: «ان الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر» [222] فان لم تؤد هذه الغاية فهي ليست مقبولة، فاذا كان يصلي و يأكل مال الغير، فهي ليست مقبولة و هو محاسب عليها، و الويل له من الله. ولذ قال سبحانه و تعالي «فويل للمصلين - الذين هم عن صلاتهم ساهون - الذين هم يراءون - و يمنعون الماعون» [223] أي يمنعون الزكاة التي بها العون من الغني للفقير» [224] . و يرد مؤلفا كتاب «وجها لوجه» [225] علي زعيم البهائيين في مصر بتساؤل يرتبط بالفهم الاسلامي لروح العبادات و أثرها في تهذيب النفوس، و تربية روح المساواة: - أين المحبة و الاجتماع في البهائية و قد ألغيتم صلاة الجمعة و الجماعة مع ما فيها من حكم كثيرة. و يذكر البهائيين بما ورد في الأقدس، عن الصلاة: «قد فصلنا الصلاة في ورقة أخري».. أي و الله هكذا وردت أيها القاري‌ء الكريم. يقول الأستاذ صالح عبدالله كامل في رده علي البهائيين: «فهل وجدتم الورقة الأخري التي ذكرها أم ابتدع لكم عبد البهاء صلوات حقيقية لذيذة حتي انك أنت و أنت زعيمهم في مصر ذكرت في التحقيق هل أنت لا تمارس الصلاة الكبري و لا تعرف تفاصيلها و انك تكتفي بالصلاة الصغري. و الأعجب زكاتكم و التي هي 19 % من ماذا من رأس المال أو رأس المال و الربح و كم سيكون الربح لكي تكون الزكاة 19 %. [ صفحه 151] شتان ما يشرعه خالق البشر و بين ما يشرعه البشر. أما العجب قولك أنه لا كهنوت و لا احتراف في الدين البهائي ألم يجعل البهاء عليكم ابنه عباس أفندي وصيا يفسر و يغير علي مزاجه ألم يجعل لكم بيت عدل يعدل في الأحكام علي هواه و يفسرها كيف شاء هل في الاسلام شي‌ء من ذلك؟ محمد صلي الله عليه و سلم لم يوص لعلي بن أبي‌طالب كرم الله وجهه و جعل أمر المسلمين لهم فهل فعل بهاؤكم مثله؟ و عند ذكر المواريث لم توضح الحقيقة و قد أوضحناها لك آنفا بأن المساواة لم تحصل كما ذكرت و افتخارك بأنه جعل جزءا للمعلم مسألة لا تدعو للفخر و انما للحيرة فأي معلم نعطيه هل معلم الابتدائي أم الاعدادي أم الثانوي أم الجامعة و لمن؟ لمدرس الحساب أم لمدرس اللغات أم لمدرس الدين؟ و حجكم هل له موضوع معين أم أنه الي بيت البهاء في بغداد أو بيت الباب في شيراز أم قبورهم في عكا؟ أي لا مكان واحد و لا زمان واحد أيضا فما الحكمة منه؟ و أين هو من حج المسلمين في زمن واحد لمكان واحد في لباس واحد ليشهدوا منافع لهم و ليتعارفوا هذا هو طريق التعارف الحقيقي و المحبة الحقيقية لا حجكم الذي ليس له حكمة. و لو رجعنا الي مواضع في الألواح ذكر فيها البهاء أنه منزل البيان (و أظن أنه نسي ذلك هنا) فمعني ذلك أنه هو لا يريد المحبة و اتحاد العباد فتأمل يا أستاذ بيكار و تذكر قول الله تعالي «و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» [226] . و ما دمتا في الزواج و أحكامه لديكم و يظهر اما أنك غير مطلع عليها أو أنك [ صفحه 152] تستحي عن ذكرها كما استحي ربك عن ذكر حكم الغلمان فاليك آية من الأقدس توضح أنه ما ذكرته أنت غير صحيح من أنه منصوص في الكتاب علي ذات المحرمات المقررة في الشريعة الاسلامية و قلتم أن الأقدس هو كتاب العصر لرسول العصر معني ذلك أن الزواج بالأخت و البنت و الخالة و العمة و الجمع بين الأختين أصبح مباحا لأنه لم يحرم الا زوجات الأب. فما الذي يحاول هذا الدين أن يقودكم اليه؟ و بعد ذلك تبدأ في اعطاء لمحة عن ما ورد في الأقدس فتبدأ بشرح التقويم البهائي و ان السنة 19 عشر شهرا و تنسي الآية الكريمة «ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة و اعلموا أن الله مع المتقين» [227] . فهل بهاؤكم بغير حكم الله أم أن القرآن مفترر؟ و عندما يتورط بهاؤكم في ذلك التقويم يجعل خمسة أيام سماها أيام البهاء حتي يساوي بين التقويم الذي خلقه الله و جعل دورة الشمس و القمر بموجبه. و صلاتكم ثلاثة أنواع حسب الاستعداد الروحي حتي الكسلان له صلاة صغري صغري آية واحدة.. ما أعجب هذا الدين الذي يعطي الشخص ما يريد علي حسب مزاجه. لقد قرأت في البهائية أكثر مما قرأت أنت و قرأت ما كتب ضدها فوجدت أنكم معذورون لأنه لم يحاول أحد أن يفتح معكم نقاشا و يوضح لكم الحقائق و انما كانت كتابات عاطفية متجنية تناولت المصالح التي تتخفي حول البهائية من اليهودية و حكومات استعمارية و تهجم دون نقاش و لا أعلم ربما تكونون أنتم ترفضون الحوار فلعبد البهاء قول مشهور (أخف ذهابك و ذهبك و مذهبك). [ صفحه 153] لقد جاءنا محمد صلي الله عليه و سلم رسولا من ربنا و لم يجعل بيننا و بين الله شيئا الا كتاب الله و سنة رسوله نعرف ربنا رأسا و نتوجه لله تعالي بدون ولي و أبدي أو خلافه و بدون محفل يفسر لنا. باب الاجتهاد مفتوح للمسلم يفهم رأسا من القرآن و السنة و ليس لدينا عبد البهاء أصحبت خطبه و مكاتيبه دستورا لكم.

تطهير المجتمع من مفاسد البهائية

و لقد حثنا الاسلام - رجالا و نساء - في سبيل تطهير المجتمع من المفاسق العلنية التي تبيحها البهائية و تدعو اليها؛ حثنا الاسلام علي الحياء الذي هو أساس اللياقة في المجتمعات «فالحياء يوجب علي المرء ألا يظهر منه ما ينفر منه الذوق الخلقي السليم، و لقد قال النبي صلي الله عليه و سلم «لكل دين خلق، و خلق الاسلام الحياء». و قال عليه‌السلام: «الحياء خير كله». و قال عليه‌السلام: «اذا لم تستح فاصنع ما شئت». و ان أولئك الذين يروجون للبهائية و يعتقدون في سخافاتها؛ التي لا يراعي فيها حق الغير؛ و تنافي الذوق و اللياقة؛ هؤلاء قد فقدوا الحياء، و ان هؤلاء يدلون علي نفس غير متآلفة مع المجتمع، و ما حدث في مؤتمر بدشت يؤكد ما نقول عن افتقادهم للحياء الذي اذا تربي في النفس كان الشخص ممن يألف و يؤلف، و لذا فقد البهائيون من صفات المؤمن التي قال عنها الرسول الخاتم عليه‌السلام: «المؤمن مألف، فلا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف». و لا بناء يقوم علي أساس اجتماعي سليم الا اذا كانت لبناته جميعها متآلفة. يتماسك بعضها في بعض. الأمر الثاني الذي حثنا الاسلام عليه في سبيل تطهير المجتمع من المفاسق العلنية، و الذي صنعتم ضده؛ ان الاسلام أوجب ألا تعلن الجرائم فلا تكشف أستارها أمام الملأ من الناس كما صنعتم في «بدشت» و كما صنعت «قرة [ صفحه 154] العين» و كما تدعو مبادي‌ء البهائية الي الاباحية؛ التي تفسد الجو الخلقي للمجتمع، و تجعل الشر معلنا، و اعلانه يغري باتباعه، و يشيع فساده بين الناس «فالفاحشة اذا أعلنت أتبعت، و كل نفس تميل اليها، و تجد من ينمي ذلك الميل، تأخذ مما أعلن سبيلا للتنفيذ، و لذلك اعتبر الاسلام من يرتكب جريمة و يعلنها - مثلما صنغ البهائيون في بدشت و غيرها - قد ارتكب جريمتين: جريمة الارتكاب و جريمة الاباحية. و لقد قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: «ان من أبعد الناس منازل عن الله يوم القيامة المجاهرين، قيل: و من هم يا رسول الله؟ قال: ذلك الذي يعمل بالليل و قد ستره الله عليه، فيصبح و يقول فعلت كذا و كذا يكشف ستر الله» [228] .

الاباحية البهائية و هدم الكيان الاجتماعي

و القاري‌ء للكتب البهائية لا يجدهم يتورعون عن نشر هذه الاباحية بهدف هدم الكيان الاجتماعي العام؛ الذي نظمت النصوص الاسلامية العلاقة فيه بين المستظلين بظل علي أساس من الفضيلة و من العدل و من التعاون و من المساواة في الحقوق و الواجبات بحيث يكون كل حق في مقابله واجب، و اعتبرت الجميع سواء أمام القانون و أمام القضاء، لا فضل لمسلم علي غير مسلم، و لا لعربي علي أعجمي، و العقوبات الاسلامية تشمل الكبير كما تشمل الصغير، لا يعفي منها كبير لكبره، و لا تنزل بصغير لصغره، بل الجميع أمامها سواء. و قد نظمت التعاون بين الغني و الفقير، و عملت علي تهيئة الفرص لكل عامل علي أرض الدولة، و سهلت السبيل لمزاولة نشاطه في الطاقة التي يستطيعها، و تيسرها له مواهبه. كما نظمت العلاقة بين الحاكم و المحكوم، و بني الحكم في الدولة الاسلامية علي أساس العدل و المساواة، و أن يكون اختيار الحاكم علي أساس الشوري. و حكمه علي أساس الشوري، كما أن علي الحاكم أن يلاحظ مصلحة [ صفحه 155] الجماعة المادية و الأدبية، فلا يرهق أحدا من أمره عسرا، و دعا الي رفق الوالي برعيته، و أن علي الحاكم أن يحمي المجتمع من الرذائل، و المفاسد، و هكذا نجد تلك النصوص قد أقامت المجتمع في الدولة الاسلامية التي تضم المسلم و غير المسلم علي أساس من العدالة، و الرفق، و الشوري، و المصلحة و التعاون، و منع الفساد و الآثام التي تفتك بالمجتمع» [229] .

البهائية من أكبر الآثام المعاصرة

و في تقديرنا أن البهائية من اكبر الآثام المعاصرة التي تحاول الفتك بالمجتمع الانساني؛ الذي أقامه الاسلام؛ و نظمت النصوص الاسلامية العلاقة فيه بين بني الانسان أمميين و غير أمميين، بعضهم مع بعض، و علاقات الدولة الاسلامية علي أساس من التكريم للانسان لمجرد انه انسان، لا فرق بين لون و لون، و جنس و جنس، و عالم و جاهل، و متقدم و متخلف، فان كان فيهم تخلف، كان علي المتقدم أن يأخذ بيده، لا أن يجعله مستغلا و مغنما له و لا يضن عليه بحق الحياة العزيزة الكريمة التي هي حق للانسان بمقتضي انسانيته، و اذا كان العلم له فضل، فهو يفرض واجبا علي صاحبه أيضا، لأنه ما من حق في الاسلام الا تعلق به واجب. و قررت النصوص الاسلامية وجوب العدالة مع الأعداء من الدول، و وجوب دفع الاعتداء بحيث لا يتجاوز دفع الأعداء المقاتلين الذين يحتلون السيوف، فلا يتجاوزهم الي غيرهم، فلا يقتل زارع في أرضه، و لا عامل في عمله، و لا امرأة في بيتها، و لا صالب في معهده، فلبست الحرب خرابا و دمارا، و لكنها دفع للخراب و الدمار. و لقد فصلت النصوص الاسلامية ما فصلت من حقوق و واجبات بين الآحاد بعضهم مع بعض، و بين الأسرة التي تعد اللبنة الاولي في البناء، ثم في [ صفحه 156] المجتمعات الصغري و الكبري، حتي تضمنت التنظيم الاجتماعي للأسرة الانسانية كلها، في مثل قوله تعالي: «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثي و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم» [230] . و لأن الأسرة هي اللبنة الأولي في البناء الاجتماعي؛ وجدنا البهائية حريصة علي تدميرها تحقيقا لمخططات حكماء صهيون؛ و لأن البهائية و من وراءها يدركون أن الدين الاسلامي الخاتم قد فصل كل شي‌ء و جاء للانسانية بالنظام الأمثل في الحياة؛ فقد جاء التخطيط لتدمير الأسرة وفقا لهذا الفهم. ذلك أن الاسلام اعتبر أساس العلاقات الانسانية كلها الرحمة و المودة، فالمودة الانسانية قانون شامل لكل العلاقات الانسانية، و لقد اعتبرها الاسلام الصلة التي تربط كل من في هذه الأرض من بني الانسان، سواء أكانوا متصلين بالشخص بمقتضي روابط الأسرة، زوجية أو قرابة، أم كانوا متصلين به بحكم الجوار، أم كان اللقاء في المجتمع الصغير أو الكبير، أو في المجتمع الانساني العام. و لذلك اعتبر النبي صلي الله عليه و سلم شعار الاسلام الاسلام و اطعام الطعام فقد سئل عليه الصلاة و السلام عن أحسن الاسلام، فقال النبي الكريم: «أحسن الاسلام أن تطعم الطعام و أن تقرأ السلام علي من عرفت و من لم تعرف»، فحق علي المسلم أن يلقي السلام علي من عرفه، و من لم يعرف ليلقي اليه بالمودة، و ليستدر مودته [231] . و من هنا كان علي البهائية أن توجه الضربة في الصميم للمودة الانسانية؛ فيما جاءت به من سخافات و «مبادي‌ء» تؤدي بالناس الي العناد و الحجود و قطع المودة التي أمر الله سبحانه و تعالي بوصلها، و في شأن هؤلاء قال الله تعالي: «و الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار» [232] . [ صفحه 157] و لأن المودة تحكم الأسرة، و لا رابطة أقوي منها في الأسرة؛ فان النظم و القوانين مهما كانت موثقة محكمة لا تحكم الأسرة. و لذا قال الله تعالي في محكم كتابه الكريم: «و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة و رحمة» [233] . و قد قال تعالي في الارتباط بين الزوجين: «هن لباس لكم و أنتم لباس لهن» [234] ، فاذا لم تسد المودة بين الأسرة تقطعت أوصالها، و اذا عدمت المودة بين الزوجين كان الواجب انهاء العلاقة الزوجية، ان لم يكن سبيل الي اعادة المودة و الرحمة بينهما [235] فهل ما تدعيه البهائية من مبادي‌ء و أحكام و معاملات يحقق هذه المودة الانسانية.. قلنبدأ من المبتدأ: ان الأسرة في الاسلام تقوم علي أنها كيان دائم تراد له السعة و الامتداد و الوثام. و تحقق سعة الأسرة و امتدادها و وثامها بنظامين من النظم التي شرعها لها الاسلام، و هما «نظام المحارم في الزواج و نظام الميراث.. فالاسلام يحرم الزواج بالأقربين و لا يبيح من ذوي القرابة الآمن أوشكوا أن يكونوا غرباء، فالزواج يجمع منهم في الأسرة من أوشكوا أن يتفرقوا كأبناء العمومة و الخؤولة» [236] . يقول الله تعالي في كتابه الكريم: «حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم و أخواتكم و عماتكم و خالاتكم و بنات الأخ و بنات الأخت و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة و أمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن قلا [ صفحه 158] جناح عليكم و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم و أن تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف ان الله كان غفورا رحيما» [237] . و المقاصد من هذا التحريم منوعة؛ نذكر منها «أجلها و أجداها و هو توسعة الأسرة و وقايتها من شواجر الخصومة و البغضاء، و ان يتحقق بالزواج من أسباب المودة و النسب ما لم يتحقق بالقرابة، فيرجع الي الأسرة من أوشك أن ينفصل عنها، و يحرم الزواج بذوي القرابة الحميمة التي لا حاجة بها الي توثيق النسب و المصاهرة [238] ، و هما في القرآن الكريم من آيات خلق الانسان كما جاء في سورة الفرقان: «و هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و كان ربك قديرا» [239] . هذا النظام الكامل الذي وضعه القرآن الكريم للبشر علي الأرض؛ يكشف لنا أضاليل البهائية؛ فهي لا تحرم في الزواج علي الرجل غير زوجة الأب؛ و أما بقية النساء فحلال للرجل سواء كانت أختا أو خالة أو عمة، أو أما في الرضاع؛ أو بنتا للابن؛ أو أما للأم، أو ابناء ابنة الأخت أو الأخ.. و عبارة (الأقدس) صريحة في هذا الباب حيث اقتصر التحريم فيها علي أزواج الآباء فقط، يقول حسين علي الملقب ببهاء الله في دستوره الذي جعله شريعة للبهائيين: «قد حرمت عليكم أزواج آبائكم»، (الأقدس الفقرة 235 خزينة حدود و أحكام ص 186). و اذا كان الظن أن الكتب البهائية قد فصلت ما توقف عنده الأقدس؛ بالاقتصار علي تحريم أزواج الآباء؛ فهو ظن في غير محله؛ اذ لم يوجد في جميع [ صفحه 159] الكتب البهائية بيان المحرمات في النكاح لغير زوجات الأب؛ لا في كتب البهاء المازندراني و لا في كتب ابنه العباس و لا في كتب حفيد العباس شوقي أفندي الزعيم الثالث للبهائية. و دليل ذلك أن عباس عبد البهاء، خليفة البهاء المازندراني و نائبه؛ سئل أكثر من مرة عن الزواج من المحرمات، فلم يجب علي ذلك، و لما أجبر علي الجواب لم يستح من أن يقول: «لا يحرم نكاح الأقارب (من المحرمات) مادام البهائيون قلة و ضعفاء و لما تتقوي البهائية و ازدادت نفوسها عندئذ يندر وقوع الزواج بين الأقارب» [240] . و في اجابة أخري قال ردا علي سؤال لسائل: «يا عبد البهاء سألت عن طبقات المحرمات فلا حرام الا ما بين في آيات الكتاب - الأقدس - و الي تكوين بيت العدل يبقي هذا الحكم ساري المفعول، و المتفرقات لا تبين الي ذلك اليوم» [241] . و قال: «النكاح من الأقارب الغير المنصوص يرجع حكمه الي بيت العدل (الذي لم يكون بعد هلاك البهاء الي ثلثي قرن)، فالذي يري بيت العدل مطابقا بالقواعد المدنية و مقتضي الطب و استعداد الطبائع البشرية آنذاك يكون هو الحكم القطعي و الأمر الالهي» [242] . و «بيت العدل» المشار اليه هنا لم يكون الا في سنة 1963 م و بعد تكوينه الي هذا الحين لم يصدر أي قرار في هذا الشأن تبعا للبهاء، و ابنه، و حفيد ابنه؛ فللبهائيين ما يشتهون من الفجور بالمحرمات و الفسوق في دورهم. [ صفحه 160]

المرأة البهائية بين التحرير و العبودية

هل في ذلك «تحرير للمرأة» كما يدعي البهائيون؟! هل تصبح البهائية دعوة «تقدمية» كما يروج لها أصحابها من ذوي العاهات؟! أم أن هذه «التقدمية» ردة الي عصور الجاهلية «الشاذة» لا الجاهلية «السوية» ان جاز التعبير و نقصد بذلك أن البهاء كان أمامه النموذج الذي أقام عليه أحكامه في الزواج؛ و نعني بهذا النموذج «مزدك» في فارس قبيل ظهور الاسلام؛ حينما شرع لأتباعه اباحة الأموال و النساء. و قد قال الطبري في مذهب مزدك هذا: قال (مزدك) ان الله تعالي انما جعل الأرض ليقسمها العباد بينهم بالتساوي، و لكن الناس تظالموا فيها، و زعموا أنهم يأخذون للفقراء من الأغنياء، و يردون من المكثرين علي المقلين. و من كان عنده فضل من الأموال و النساء و الأمتعة فليس هو بأولي من غيره، فافترض السفلة ذلك و اغتنموه و كاتفوا مزدك و أصحابه و شايعوهم، فابتلي الناس بهم و قوي أمرهم حتي كانوا يدخلون علي الرجل في داره فيغلبونه علي منزله و نسائه و أموال، و حملوا قباز (ملك الفرس) علي تزيين ذلك و توعدوه بخلعه، فلم يلبثوا الا قليلا حتي صار لا يعرف الرجل منهم ولده، و لا المولود أباه و لا يملك الرجل شيئا مما يتسع به». و انهار المجتمع الفارسي - قبيل ظهور الاسلام - بهذا المذهب الفوضوي الذي لم ينظم فيه شي‌ء و لم ترتب فيه حقوق و واجبات، و قد خلعت فيه كل القبود الاجتماعية و الخلقية، و انطلقت فيه الشهوات و النزوات، و تفاقم الشر، و اشتدت البغضاء و العداوة. و لم تخف حدة الفوضي الا بعد قتل مزدك.

فتوي القضاء الاداري ضد البهائية

و انه مما يذكر في هذا المقام ان القضاء الاداري المصري قد قرر أن هذه البهائية ليست ديانة سماوية. بل ليست ديانة مطلقا و انما هي آراء قصد بها هدم [ صفحه 161] الاسلام، و نشر الفوضي و الالحاد بين المسلمين. و لذلك قد جاء في فتوي لمجلس الدولة بشأن توثيق عقود زواج لئلاثة بهائيين، بعد الاطلاع علي المادة الأولي من القانون الخاص بالجمعيات الخيرية، و المؤسسات الاجتماعية و بعد أن تبين أن تعاليم الطائفة البهائية، كما هو ظاهر من كتبها و ما سبق ان استظهرته محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة في حكم سابق من أنها ترمي الي بث عقائد فاسدة تناقض أصول الدين الاسلامي و عقائده و تنتهي الي تشكيك المسلمين في آيات كتبهم و نبيهم بل انها تخالف الأديان السماوية و من حيث أن محاولة نشر هذه العقائد الفاسدة و اذاعة كتبها و تعاليمها في بلد دينه الرسمي الاسلام. و ما يترتب علي ذلك من تكدير للسلم العام و اثارة الخواطر و اهاجة الشعور، لما يؤدي اليه فعلا من تعرض للأديان القائمة و اثارة للمؤمنين به مما يدفع أغراض هذه المؤسسة بعد مشروعيتها و مخالفتها للنظام و الأمن العام، و استنادا الي ما بينته وزارة الداخلية من أنها لا تعترف بالطوائف المذكورة كطائفة دينية - من كل ما تقدم تري ادارة الفتوي و التشريع بمجلس الدولة أن ذلك يبعد بالعقد المراد بوثيقة عن الصحة، و يدمغه بالباطل لمخالفة أغراض هذه المؤسسة للنظام القائم في مصر. و الأصل في هذه الفتوي كما يبدو من عبارتها أن محاميا تقدم بطلب توفيق عقود زواج نصوا فيها علي أن ديانتهم البهائية. فامتنع الموثق ليعلم هل لهذه الطائفة وجود، و هل لها نظام للأحوال الشخصية معترف به قانونا من الدولة، فأجابت وزارة الداخلية بالسلب، و قامت مصلحة التوثيق ببحث حال هؤلاء، فانتهت الي أن البهائية مذهب هدام و خصوصا للاسلام، و ليست بدين معترف به من الدولة، و انها لا تصلح أن تكون ديانة، و لذا لا تظفر بالحماية، و لا يمكن مصلحة التوثيق أن توثق الا اذا كان للبهائية صيغة طائفية تسوغ التوثيق. و قد أشارت مصلحة التوثيق الي أن توثيق الطوائف التي ليس لها مجالس بالنسبة لعقود الزواج كان أمام المحاكم الشرعية، و مصلحة التوثيق قائمة مقام المحاكم الملغاة في ذلك، و قد تولت اختصاصها الذي ما زال قائما متميزا. [ صفحه 162] و لكن بعد أن دمغوا بهذا تقدموا باعتبار أنهم جمعية خيرية روحية و طالبوا بتطبيق قانون المؤسسات، و قد كانت الفتوي دامغة هذا أيضا. و الحق ان البهائية يشتد نشاطها في الديار الاسلامية في عهود الدعوات الانحلالية التي يغذيها أعداء هذا الدين، فقويت عقب الحرب العالمية الأولي، و قويت عقب الحرب العالمية الثانية، و هي الآن ترفع رأسها، و لابد من قطعه، أو عودته الي شيكاغو موطن دعايته. و تأني البهائية بعد ظهور الاسلام بقرون لا لتسبب في انهيار المجتمع الفارسي فحسب؛ بل و المجتمع الانساني كذلك؛ بدعايتها الرجعية؛ التي تعيد الانسان الي الجاهلية الشاذة مستخدمة أخلاطا من الجاهليات القديمة؛ في احتقار المرأة و الحط من شأن انسانيتها.

المحرمات في الشريعة الاسلامية

ان النظر في نقطة المحرمات في الشريعة الاسلامية لا يعرف علي وجه اليقين مدي التكريم الاسلامي للمرأة؛ و الحفاظ علي الكيان الأسري و الاجتماعي العام. فلا يصح عقد الزواج الا اذا كانت الزوجة يحل للرجل أن يتزوجها، و يحل لها أن تتزوجه، و لا يحل للرجل أن يتزوج ممن يأتي: 1 - أمه وجداته من أي جهة كانت الجدات من جهة أبيه أو من جة أمه. 2 - و لا يحل له أن يتزوج من ابنته، و لا من فروع أولاده سواء أكانوا فروع بناته أم كانوا فروع أبنائه. 3 - و لا يحل له أن يتزوج من اخوته، و لا من فروع أخواته و أخوته سواء أكانوا فروع الذكور أم فروع الأناث. 4 - و لا يحل له أن يتزوج من عماته و خالاته، أو عمات أبيه أو خالات أبيه أو أمه، و لكن يحل له أن يتزوج بنت عمه و بنت خاله أو بنت خالته أو بنت [ صفحه 163] عم أبيه أو بنت خال أمه. و هؤلاء سبب تحريمهن القرابة: و هناك من يكون سبب تحريمهم هو المصاهرة، و هؤلاء: 1 - أم امرأة كانت زوجته وجداتها، سواء أدخل بها أو لم يدخل. 2 - بنت امرأة كانت زوجته و فروعها، و ذلك بشرط أن يكون قد دخل بزوجته التي فارقها. 3 - امرأة كانت زوجة أبيه أو زوجة جده سواء أكان جده من جهة أمه أم كان من جهة أبيه، و سواء أدخل بها أم لم يدخل. 4 - امرأة كانت زوجة لابنه أو لفرع من فروعه سواء أدخل بها أم لم يدخل. و هناك تحريم انفردت به الشريعة الاسلامية، و هو التحريم بسبب الرضاعة، و ذلك لأن الله تعالي يقول في آية التحريم: «و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة» [243] ، و يقول النبي صلي الله عليه و سلم يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب و المصاهرة، فيحرم ثماني الطوائف السابقة اذا كان سبب العلاقة هو الرضاعة دون القرابة. و الرضاعة المحرمة تكون في سن الرضاعة، و جمهور الفقهاء يجمع علي أن سن الرضاعة السنتان الاوليان من حياة الطفل، و أي قدر من الرضاعة يكون سببا للتحريم، و قال الشافعية و الحنابلة لا يحرم الا اذا رضع خمس رضعات مشبعات في سن الرضاعة [244] . و علي ذلك يحرم علي الشخص أن يتزوج ممن أرضعته، و لا من أولاد امرأة رضع منها، سواء أكان قد رضع من لبن من يريد الزواج منها أو رضع من لبن أحد أخواتها فاذا رضع من فاطمة من لبن ابنها محمد، ثم أتت ببنت بعد عشر [ صفحه 164] سنين لا يحل له أن يتزوجها، لأنها أخته رضاعا [245] . و الأمر الذي لاحظه الاسلام في التحريم بسبب الرضاعة أن «الرضاعة يتكون منها جسم الطفل، فكما أنه يتغذي من دم أمه و هو في بطنها يتغذي أيضا من لبن أمه الرضاعية و هو في حجرها، فهو جزء منها، و كما أن أمه التي ولدته تحرم عليه و أخواتها خالاته و أولادها أخواته أخواته و أخواته» [246] . و هناك محرمات علي وجه التوقيت؛ لأن سبب التحريم يقبل الزوال، و هؤلاء هن من يأتي: 1 - من تكون في عصمة زوج فانه لا يحل لشخص أن يتزوجها و لكن ان مات عنها أو طلقها يحل لشخص آخر أن يتزوجها بعد أن تنتهي عدتها، فزوجة الغير و من تكون في العدة لا يحل الزواج منها. 2 - لا يصح أن يجمع الرجل أختين في عصمته، فمن كان متزوجا امرأة لا يحل له أن يتزوج أختها الا بعد أن يطلقها و تنتهي عدتها. كما لا يحل له أن يتزوج عمتها و لا خالتها، و لا ابنة أخيها أو ابنة أختها. 3 - و من يكون متزوجا أربعا من النساء لا يجوز له أن يتزوج خامسة الا بعد أن يطلق واحدة، و تنتهي عدتها أو تموت. 4 - و من يطلق امرأته مكملة للثلات لا يصح له أن يتزوجها ثانية الا بعد أن يتزوجها شخص آخر، و يعاشرها معاشرة الأزواج و تنتهي عدتها. 5 - و لا يصح لمسلم أن يتزوج و ثنية أو أي امرأة لا تدين بدين سماوي و يحل للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية لأنهما يدينان بدني سماوي. 6 - و لا يحل للمسلمة أن تتزوج غير المسلم. [ صفحه 167]

تعدد الزوجات

تمهيد

يحرم البهائيون تعدد الزوجات فوق الاثنتين «قد كتب الله عليكم النكاح، اياكم أن تتجاوزوا عن الاثنين»، (الأقدس للبهاء الفقرة 142). و يصرح عبد البهاء في خطابه الي الآنسة روز نبرك «ان التعدد بنص الكتاب الأقدس ممنوع لأنه اشترط بشرط لا يمكن وجوده» [247] . و في كتابه الي الطبيب داود قال «ان العدالة شرط في التعدد، و العدالة لا تحصل البنة، و معناه أن الشرط الذي اشترط؛ الزواج الثاني شرط ممتنع و يتعذر وجوده، لذلك لا يجوز الزواج من اثنتين في وقت واحد» [248] و هو بذلك يحرم الزواج الحلال؛ و يحلل للرجال المتعة غير الشرعية، ففي الوقت الذي يدعي البهائيون أنهم جاءوا المساواة الرجال و النساء؛ جعلوا المرأة لعبة للرجل البهائي و ملهاة يتسلي بها؛ «فحرام الاتيان الي المرأة الثانية أو الثالثة بطريق الحلال و بالحقوق الكاملة، و حلال اتيانها بصورة غير شرعية،، و من اتخذ بكرا لخدمته لا بأس عليه، كذلك كان الأمر من قلم الوحي بالحق مرقوما» [249] . [ صفحه 168] و هكذا سقطت البهائية في شرك الزنا؛ فأباحته علنا و جهرا و بدون زواج؛ و لو فوقت مثل نكاح المتعة؛ يقول البهاء في كتابه المزعوم بالأقدس: «قد كتب الله عليكم النكاح اياكم أن تتجاوزوا الاثنتين و الذي اقتنع بواحدة من الاماء استراحت نفسه و نفسها، و من اتخذ بكرا لخدمته لا بأس عليه كذلك الأمر من قلم الوحي بالحق مرقوما، تزوجوا يا قوم ليظهر منكم من يذكرنا بين عبادي هذا من أمري عليكم اتخذوه لأنفسكم معينا» [250] . و لا يندهش القاري‌ء أو القارئة من هذا الأسلوب الركيك في الكتاب المسمي بالأقدس؛ ذلك أن البهاء لم يكتف بادعاء النبوة بل ادعي الألوهية و أنزل علي نفسه هذا الكتاب؛ الذي وجدناه يقول فيه ذلك النص؛ حيث ذكر استخدام الابكار في فقرة واحدة، فأولا ذكر النكاح و وجوبه، ثم جوازه بالاثنتين و عدم التجاوز، و بعد ذلك مباشرة ذكر الاستخدام بدون النكاح، و جوازه بكلمة «لا بأس به» ثم بعد هذه الفقرة كل الفقرات التسع تقريبا تشتمل علي أحكام النكاح و الطلاق ليس فيها أي شي‌ء سواهما، و معناه لا يجوز التجاوز عن الاثنتين بالنكاح و أما بدون النكاح و بالايجار فلا بأس فيه، ان من يضلل الله فما له من هاد [251] . تلك هي حقيقة البهائية من نصوصها الأصلية؛ التي تحاول أن تصور نفسها للناس علي أنها جاءت لتحقيق «المساواة بين النساء و الرجال» و لتحرير المرأة؛ فهل أرادت بالمساواة و التحرير العودة الي رق العبودية الجاهلي؟ و العودة بها الي الحالة التي كانت عليها قبل الدعوة الاسلامية؛ و هي التي رفعها الاسلام من الهوان الذي ران عليها من ركام العادات الخالية، و أقام حقوقها الزوجية علي الأساس الذي يحسن في جميع الأحوال أن تقام عليه. [ صفحه 169]

الاسلام و تعدد الزوجات

ان الاسلام لم يمنع الاكتفاء بزوجة واحدة بل استحسنه و حض عليه، و لم يوجب تعدد الزوجات بل أنكره و حذر منه، و لكنه «شرع لأزواج يعيشون علي الأرض و لم يشرع لأرواح تعيش في السماء، و لا مناص في كل تشريع من النظر الي جميع العوارض و التقدير لجميع الاحتمالات، و في هذه الاحتمالات و لا ريب ما يجعل اباحة التعدد خيرا و أسلم من تحريمه بغير تفرقة بين ظروف المجتمع المختلفة أو بين الظروف المختلفة التي يدفع اليها الأزواج» [252] . يقول المفكر الاسلامي الكبير عباس محمود العقاد ما يصلح للرد علي المخدوعين بدعاية البهائية حول «المساواة بين الرجال و النساء» دون أن يعرفوا حقيقتها؛: «و ينبغي أن تنبه الي و هم غالب بين الجهلاء و المتعجلين من المثقفين عن سنن الاسلام في تعدد الأزواج قبل الاسلام.. اذ الغالب علي أوهامهم ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي أباح تعدد الزوجات أو أنه أول دين اباحه بعد الموسوية و المسيحية. و ليس هذا بصحيح كما يبدو من مراجعة يسيرة لأحكام الزواج في الشرائع القديمة، و في شرائع أهل الكتاب، فلا حجر علي تعدد الزوجات في شريعة قديمة سبقت قبل التوراة، و الانجيل. و لا حجر علي تعدد الزوجات في التوراة و الانجيل بل هو مباح مأثور عن الأنبياء أنفسهم من عهد ابراهيم الخليل الي عهد الميلاد، و لم يرد في الأناجيل نص واحد يحرم ما أباحه العهد القديم للآباء و الأنبياء و لمن دونهم من الخاصة و العامة و ما ورد في الأناجيل يشير الي الاباحة في جميع الحالات و الاستثناء في حالة واحدة. و هي حالة الأسقف حين لا يطيق الرهبانية فيقنع بزوجة واحدة اكتفاء بأهون الشرور. و قد استحسن القديس أو غسطين أن يتخذ [ صفحه 170] الرجل سرية مع زوجته اذا عقمت هذه و ثبت عليها العقم، و حرم مثل ذلك علي الزوجة اذا ثبت عقم زوجها لأن الأسرة لا يكون لها سيدان [253] و اعترفت الكنيسة بأبناء شرعيين للعاهل شرلمان من عدة زوجات، و قال و ستر مارك Westermark العالم الثقة في تاريخ الزواج ان تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي الي القرن السابع عشر و كان يتكرر كثيرا في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة و الدولة، و عرض جروتيوس Grotius العالم القانوني المشهور لهذا الموضوع في بحث من بحوثه الفقهية فاستصوب شريعة الآباء العبرانيين و الأنبياء في العهد القديم. «فالاسلام لم يأت ببدعة فيما أباح من تعدد الزوجات و انما الجديد الذي أتي به أنه أصلح ما أفسدته الفوضي من هذه الاباحة المطلقة من كل قيد، و انه حسب حساب الضرورات التي لا يغفل عنها الشارع الحكيم، فلم يحرم أمرا قد تدعو اليه الضرورة الحازبة و يجوز أن تكون اباحته خيرا من تحريمه في بعض ظروف الأسرة أو بعض الظروف الاجتماعية العامة. اما أن هذه الظروف قد تضطر أناسا الي الزواج بأكثر من واحدة فالأمر فيها موكول الي الذين يعانون تلك الضرورات من الرجال و النساء، و من تلك الضرورات أن يحتفظ الرجل بزوجته عقيما أو مريضة لا يريد فراقها و لا تريد فراقه، و منها أن يتكاثر عدد النساء علي عدد الرجال في كثير من الأوقات، فاذا رضيت المرأة في هذه الأحوال أن تتزوج من ذي حليلة فذلك أكرم لها من الرضا بعلاقة الخليلة التي لا حقوق لها علي زوجها و اكرم لها كثيرا من الرضا بابتذال الفاقة أو بذل النفس في سوق الرذيلة. و من حسنات التشريع في جميع هذه الضرورات ان يحسب حسابها و لا ينسي الحيطة لا تقاء ما يتقي من اضرارها و من سوء التصرف فيها.. و كذلك صنع الاسلام بعد اباحة تعدد الزوجات للضرورة القصوي، فانه اشترط فهي العدل و نبه الرجال الي صعوبة العدل بين النساء مع الحرص عليه. [ صفحه 171] قال الله تعالي: «فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة» [254] . «و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم» [255] . و اشترط علي الأزواج القدرة علي تكاليف الحياة الزوجية و التسوية في السكن و الرزق بينهم و بين الزوجات. «.. أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم» [256] . «.. و علي المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف» [257] . و لا يسقط عن الزوج واجب الاحسان في المعاملة سواء اتصلت بينه و بين حليلته آصرة الزواج أو انتهت بينهما هذه الآصرة الي الفراق يغير رجعة: «الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان و لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا أن يخافا ألا يقيما حدود الله» [258] . بل لا يسقط عنه هذا الواجب حتي في حالة الطلاق بعد زواج لم تنعقد فيه الصلة بين الزوجين: «يا أيها الذين آمنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا» [259] . و قد يقول قائل: أليس الأمثل هو الزواج المفرد؟ نقول مع الامام أبي زهرة رحمه الله: ان ذلك بلا شك هو الاولي و الأجدر و الأحسن توفيقا، و لكن أمثل الزواج انما يكون لأمثل الرجال، و أمثل الرجال دائما عدد قليل، و ان هذه [ صفحه 172] الشريعة جاءت للأحمر و الأسود و الأبيض، و للذين تتحكم فيهم شهواتهم، و الذين يعتدلون و تحكمهم عقولهم، و هي علاج لكل هذه النفوس، و ان الذين تتحكم فيهم شهواتهم لو أغلق عليهم باب التعدد لفتحوا لأنفسهم باب الحرام اذا كان التعدد في ذاته مصيبا، فحلال معيب خير من حرام لا شك فيه.

هل في التعدد ظلم للنساء

و قد يقول قائل: ان في التعدد ظلما للنساء، و نقول مع الامام أبي زهرة كذلك: انه اذا كان ضارا بالتي يتزوج عليها، فان منفعته مؤكدة للزوجة الجديدة، لأنه لا يقبل الزواج من متزوج الا امرأة مضطرة للقبول، و الضرر الذي يلحقها بالترك اكثر من الضرر الذي يلحق الزوجة الاولي بادخال أخري عليها، و الضرر الكثير يدفع بالضرار القليل، كما هو حكم الشرع و حكم العقل [260] . و قد وجدت منذ سنة 1926 «أي بعد المؤتمر النسائي» فكرة تقييد تعدد الزوجات بأن يكون باذن القاضي. و القاضي لا يأذن الا اذا تحقق من العدالة و القدرة علي الانفاق علي زوجتيه و علي من تجب عليه نفعته، و قد أخذت بذلك تونس في تشريعها الأخير، و اخذت به سوريا علي سبيل الجواز بالنسبة للقاضي، أي أنه يجوز له ألا يأذن بالتعدد لا أنه يجب عليه ألا يأذن، كما جاء في قانون الأحوال الشخصية [261] . و ما زالت دعوات نسائية و غير نسائية تنادي به؛ و نحن نري مع الامام أبي زهرة أنه لا يصح أن يكون هذا التشريع لما يأتي: [262] . اولا: ان التعدد يقل من تلقاء نفسه فقد نزلت نسبته الي أقل من 4 % من وقائع الزواج، و لا يصح الالتجاء الي سن قانون لنسبة ضئيلة الي هذا الحد و لو أنه [ صفحه 173] سن مثل هذا القانون لكان من يريد أن يتزوج علي زوجة يفر من توثيق العقد الي عقد عرض، و في الغالب تزيد النسبة، لأن العقد الصرفي لا يجعل الرجل مسئولا أمام المحكمة، لأنه لا يمكن أن ترفع به دعوي، فيقدم علي الزواج من لم يكن بقدم، و تعدد المشاكل القضائية، و المرأة هي الفريسة في هذه الاحوال. (و ما قانون الأحوال الشخصية منا ببعيد). ثانيا: ان هذا النوع من التقييد بدعة دينية اجتماعية لم تقع في عصر النبي صلي الله عليه و سلم و لا في عصر الصحابة و لا في عصر التابعين، و من التهجم علي الحقائق الدينية أن نبتدع أمرا لم يحدث في عهد من عهود الاسلام. ثالثا: أنه لوحظ في هذا العصر أحجام الشبان عن الزواج، حتي انه لا يتزوج من الشبان الصالحين للزواج عدد يتجاوز الستين في المائة منهم، و لا شك انه يقابل هؤلاء مثل هذه النسبة من النساء الصالحات للزواج، فأين تذهب هؤلاء النسوة المقضي عليهن بعدم الزواج، أم تفتح لهن أبواب الشيطان، لا شك أن الأولي أن يفتح الباب الحلال لهن. رابعا: «لهذا نري أن تقييد التعدد ضار بالمرأة، و يتبين ذلك من يدرس الأمور دراسة فاحص خبير، لا دراسة من يأخذ بظواهر الأمور، و تستولي علي نفسه أحوال جزئية لبعض النساء، و لا ينظر الي المصلحة الحقيقية لكل النساء» [263] . و هناك حيطة تعدل سلطان التشريع كله في أمر تعدد الزوجات - علي حد تعبير الأستاذ العقاد - «لأنها تكل القول الفصل فيه الي اختيار المرأة فان شاءت قبلته و ان لم تشأ رفضته فلا يجوز اكراهها عليه و لا يصح الزواج اذا بني علي الاكراه. و في الحديث الشريف: «لا تنكح الأيم حتي تستأمر و لا البكر حتي تستأذن». [ صفحه 174] و فيه: «ان الشيب أحق بنفسها من وليها و البكر تستأمر و أذنها سكوتها». فالاسلام عمل علي حماية الزوجية من الفرقة؟ و من التدمير البهائي أو الصهيوني؛ و ذلك بما اشتمل عليه الاسلام من وصايا فيها: [264] . 1 - انه أوصي باختيار الزوج و اختيار الزوجة، علي اعتبار أن اختيار العشير أعظم الأمور خطرا في حياة الرجل و المرأة، فان هذا العقد هو عقد الحياة، و من و فقه الله تعالي فيه كان له حظ الدنيا و الآخرة، و من لم يوفقه فيه نال الشقاء الي أن يرحمه الله، و لذلك كان لابد من العناية باختيار العشير، و الخضوع في اختياره لحكم العقل، لا لحكم الهوي، و ان الارواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، الرجل و المرأة، كنصفي الدائرة، كل نصف يسبح في هذا الوجود، حتي يلتقي بتوفيق الله بالنصف الذي يلائمه و يتحد قطراهما، فيتكون منهما دائرة كاملة، و تلك هي دائرة الأسرة التي تكون دعامتها الحياة الزوجية. و انه في سبيل اختيار الزوج الأمثل الذي ترجي معه عشرة صالحة يقطعان بها هذه الحياة الدنيا في هدوء و اطمئنان و ارضاء الله تعالي قدس الاسلام نظما محكمة تمنع الشطط في الاختيار، و تمنع أن يكون الاختيار لأسباب وقتية سريعة الزوال، و مع زوالها يكون انحلال الحياة الزوجية. ذك أن البواعث الحسية سريعة الزول، علي حد تعبير الامام أبو زهرة، فمن تختار زوجا لجماله الجسمي من غير ملاحظة الجانب المعنوي من حسن الطباع، و قوة الأخلاق تكون حياتها الزوجية عرضة للاضطراب، و وراء الاضطراب انحلال الحياة الزوجية، و كذلك من يختار زوجته ملاحظا فيها الجانب الحي من غير ملاحظة الجانب المعنوي، يجعل الحياة الزوجية عرضة للزوال، و ذلك لأن [ صفحه 175] الاعجاب الحسي قد ينتهي. أما النواحي المعنوية، فان الاعجاب بها يتجدد بتجدد الزمان، و لذلك حث النبي صلي الله عليه و سلم علي اختيار المرأة الصالحة في الزواج فقال عليه‌السلام: «ألا أخبركم بخير ما يكثر المرء؟ المرأة الصالحة، اذا نظر اليها سرته، و اذا غاب عنها حفظته و اذا أمرها أطاعته». و حث علي الزواج من ذات الدين، فقال صلي الله عليه و سلم: «تنكح المرأة لمالها و لجماها و لحسبها و لدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك». و لقد ورد عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال: «لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسي حسنهن أن يرديهن، و لا تزوجوهن لأموالهن، فعسي أموالهن أن تطغيهن، و لكن تزوجوهن علي الدين، و لأمة سوداء ذات دين أفضل». و لقد نهي النبي صلي الله عليه و سلم عن الزواج من المرأة الجميلة التي نبتت في منبت سوء. فقال عليه‌السلام: «اياكم و خضراء الدمن».

علم النفس التجريبي و العودة الي الدين

من افضل الكتب التي قرأت، ذلك الكتاب الذي ألفه عالم النفس الامريكي الكبير الدكتور هنري لئك، و الذي حصل علي الدكتوراه من جامعة يبل بأمريكا عام 1916 م، و عرضت عليه الجامعة منصبا من مناصب التدريس، و لكنه آثر التفرغ لأبحاثه و دراساته لحالة الآلاف من الناس. و لقد أنفق الدكتور هنري لنك خمسة عشر عاما في هذه الدراسات، ختمها باصدار الكتاب الذي أتحدث عنه الآن و هو كتاب «العودة الي الدين» و الذي قام بترجمته الي العربية الدكتور ثروت عكاشة. و قبل ان أعالج موضوع هذا الكتاب، ينبغي أن نشير الي أن مؤلفه تعزي اليه المبتكرات في الاختيارات النفسية العديدة، مثل اختبارات الذكاء و اختبارات الشخصية، و مدي ما اكتسبه الشخص من العادات و المهارات في خدمة الغير و اسعادهم. و فوق هذا كله، فهو بهذا الكتاب صاحب نظرة أصيلة [ صفحه 176] نحو الدين، تجمع بين الدراسة العلمية لنفسية الفرد و نفسية الجماعة.. فلا غرو اذن ان ينال كتابه عن «العودة الي الدين» رواجا واسعا في اوربا و أمريكا.. و لا غرو ان أعتمد عليه اليوم في الرد علي الأستاذ بيكار، علي البهائيين من الذين ضلوا عن الفطرة السرية، و أغوتهم غوايات الأفعي الصهيونية، التي تتلون كل يوم بلون، و بمذهب، حتي تضل الناس عن طريق الله. فالاستاذ: يقول من رسالته الموجهة الي: «كنت يا سيدي ظمآنا (ظمآن) للمعرفة، متعطشا الي ردود كثيرة تروي العقل و القلب، و تجنبني شر التردي في هاوية الالحاد و تنتشلني من متاهات «الميثولوجيا» التي يطالعنا بها المفسرون الاجلاء كل يوم فلم أجد الا تأويلات سرابية لا تروي ظمأ و لا تشبع جوعا».. و اذا كان الحديث عن الفطرة النقية، لم يهد الاستاذ بيكار الي الدين القويم، فانني أهدي اليه هذا الكتاب لعالم غيري و غير مسلم عسي أن يجد في قوله دليلا يعيده الي طريق الحق، الي الاسلام أو السراط المستقيم علي حد تعبير علماء افاضل غير عرب و غير مسلمين. فالدكتور هنري لنك يقول: «لا مناص من أن نعود الي ايماننا القديم - يقصد حينما يتعرض الانسان لمثل حالة الأستاذ بيكار التي فصلها بقلمه [265] - نعود الي ايماننا القديم متجردين من شوائب الشك طارحين شوارد القلق بعيدين عن شطحات الجموح، كي ترتد الينا راحتنا و يرتد الينا اطمئناننا. عندها سوف نقوي علي أن نستقبل الحياة و ادعين، مطمئنين الي الحق، مرتاحين الي الخير، موصولين بالفضيلة مستمتعين بالجمال. و عندها سوف تتصل أنفسنا بالمجتمع عن رضي بما تمليه روح الجماعة، و ما تشيعه بين الأفراد من طمأنينة و استقرار». [ صفحه 177] و الاستاذ بيكار - كما صرح هو في موضع آخر [266] - ولد لأبوين مسلمين، أي انه لم يقع في الحيرة التي يقع فيها غير المسلمين؛ فكان عليه ان يعود الي دينه القديم - كما يوصي بذلك عالم النفس الكبيرد. هنري لنك - و كان سيجد فيه هذا الخلاص و هذه القيم التي ينشدها و يبحث عنها. و لكنه - فيما يبدو - وقع تحت برائن المبشرين بالبهائية [267] و هؤلاء أخطر أنواع المبشرين، لأنهم يدخلون لكل انسان بالمدخل الملائم له، و بما أن الأستاذ بيكار «فنان» فقد دخلوا اليه من مدخل الفن و ما يرتبط به من قيم عليا.. [ صفحه 178] و تناسي ساعتها ان هذه القيم العليا انما هي التي دعا اليها الاسلام، و هذا الذي وقع للأستاذ بيكار، و لأمثاله ممن وقعوا في شراك البهائية، وقع لكثيرين - علي هذا النحو أو ذاك - فقد امتحن الجنس البشري بهذا - و لا سيما في الغرب - علي أثر الكشف عن العلوم الطبيعية، و اذا بهؤلاء يقعون في تجربة من القلق قاسية كادت أن تودي بالعلاقات و القيم و المثل و تأتي علي أسسها و أصولها و تطوح جانبا بما يسود العالم من استقرار و هدوء، علي نحو ما يفصل الأستاذ بيكار ضاربا الأمثلة في رسالته. و لم يبرأ الدين - عند هؤلاء - بما مني به غيره من شك و ريبة، و استغلت المذاهب الهدامة - مثل البهائية - هذا المناخ لزلزلة عقائد الانسان مسيحيا أو مسلما - بالتحالف مع اليهودي لصالح الصهيونية العالمية - و لكن الله سبحانه و تعالي وجه الانسانية الي وجهة الحق، فكانت العودة الي الدين أقوي ظاهرة يعرفها هذا القرن الميلادي الذي يولي الي المغيب، و أنبري علماء النفس التجريبي يتبعون الدليل بالدليل علي الا تناقض بين الدين و العلم، فان الدين حين يبلغ مبلغه من النفوس يحقق للبشرية أوفر حظ من العدالة الاجتماعية. و كان لهذا أثره في عودة الناس الي الدين و الي الايمان و الاستمساك بما في الدين من مثالية. و أقدم اليوم للأستاذ بيكار و للبهائيين، و لكل من تعرضوا للهزات الالحادية، كتاب د. هنري لنك الذي يقدم الدليل بعد الدليل لهذا التطور في حياة البشر، بعودتهم الي الدين. فهو يروي للقراء قصة انحرافه هو نفسه عن الدين، و عن العودة الي الايمان به، و كيف أخذ يتلمس بنفسه تأثير الدين في نفوس مرضاه، و كيف كان للايمان فضل علاجهم، علي حين كانت تخفق ألوان العلاج الأخري. فهو لم يجد وسيلة يعالج بها الآلاف من الحالات التي عرضت له الا أن يعيدها اي موازينها الجماعية، بالدين و الايمان و ألوان النشاط الاجتماعي. و ظل هذا دأبه، فاذا هو يجد نفسه تعود بدورها الي الايمان، بعد أن تبين له بالدليل انه لا مناص للانسان من الايمان النقي. [ صفحه 179] يقول د. هنري لنك بعد أن يعرض لحالة قام بعلاجها: «في هذه الحادثة بالذات وجدت نفسي - أنا الملحد المنكر للبعث الكافر بالله (كما تصنع البهائية و القديانية و المذاهب الهدامة) - أتحمس بشدة مدافعا عن مبدأ الاتجاه الديني في الحياة.. أخذت مثل هذه الحوادث تدفعني خطوة أثر أخري، حتي اقتنعت تماما بأن كل مكتشفات علم النفس لتقويم الشخصية و الوصول الي سعادة النفس و رضاها تنتهي الي التمسك بالحقائق الدينية القديمة و التعلق بها. و كما جرفني العلم قديما بعيدا عن الدين، كانت عودتي اليه أيضا عن طريقه هو، و من هنا كان وجه التناقض». و لو كان مسلما أو مطلعا علي النصوص الاسلامية، لوجد ألا تناقض بين العلم و الدين، و لوجد دعوة القرآن الكريم للناس أن يسوقوا عقولهم الي آفاق النظر في هذا الوجود، ليطالعوا في صحفه ما سطر من آيات الله، الدالة علي بديع صنعه، و روعة حكمته، و سلطان قدرته و محيط علمه. فاذا ورد العقل هذا المورد استدل بالمخلوقات علي الخالق، و بالمبدعات علي المبدع، فينشرح لذلك صدره بالايمان بالله، و يخفق قلبه خفقات الولاء و الخشوع لله رب العالمين. يقول الله تعالي، موجها عقول العقلاء الي موارد العلم، باسطا بين يديها كتال الكون كله، عي حد تعبير د. عبدالكريم الخطيب لتقرأ، و تتدبر و تتعظ و تؤمن: «ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخربين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون» [268] . و يقول سبحانه و تعالي: «و الله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، ان في ذلك لآية لقوم يسمعون - و ان لكم في الانعام لعبرة [ صفحه 180] نسقيكم مما في بطونه من بين غرث و دم لبنا خالصا سائغا للشاربين - و من ثمرات التخيل و الأعناب تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا، ان في ذلك لآية لقوم يعقلون» [269] . و يقول تبارك اسمه: (و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون) [270] . و يقول سبحانه و تعالي: (ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب) [271] . و لقد شدد الله تعالي علي اولئك الذين أهملوا عقولهم و شردوا في مناهات الضلال، يقول سبحانه و تعالي: (و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء و نداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) [272] . و يقول جل شأنه: (ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) [273] . و يقول تبارك اسمه: (و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الانس لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) [274] . و يقول الله تعالي في أصحاب النار الذين عطلوا المعرفة التي منحها الله تعالي اياهم، فضلوا و كفروا: (و الذين كفروا بربهم عذاب جهنم و بئس المصير - [ صفحه 181] اذا القوا فيها سمعوا لها شهيقا و هي تفور - تكاد تميز من الغيظ كلما القي فهيا فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير - قالوا بلي قد جاءنا نذير فكذبنا و قلنا ما نزل الله من شي‌ء ان أنتم الا في ضلال كبير - و قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير - فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير) [275] . و من هنا كانت التكاليف الشرعية منوطة بأصحاب العقل من الناس فمن زايله العقل لمرض أو جنون، أو كان صغيرا لم يبلغ الحلم فلا تكليف عليه [276] . و اذن فان الدين مرتبط بالعقل أشد الارتباط و أوثقه، و انه لا دين بغير عقل، اذ الدين أساس المعرفة، و لا معرفة اذا لم يكن هناك عقل يدرك و يميز بين المدركات، خيرها و شرها. صحيحها و سقيمها، و حقها و باطلها [277] . و مع الدكتور عبدالكريم الخطيب نقول: [278] (اذا كان بعض الناس قد غالي بسلطان العقل، و جعله الحاكم علي أحكام الدين المنزلة من عند الله، بمعني أنه يعرض أحكام الدين علي عقله أولا فما قبله هذا العقل اجازه و ارتضاه، و ما رده العقل طرحه و لم يأخذ به - نقول: اذا كان بعض الناس يذهب بالعقل هذا المذهب، فان ذلك يعد ظلما للعقل نفسه، اذ يحرمه التلقي من صدر العلم كله المنزل من عند الله علي رسول الله، فيكون أشبه بالصبي الذي يقدم نفسه علي أستاذه، أو كالمريض الذي يري أنه أقدر من الطبيب علي معرفة الداء، و وصف الدواء.. و هذا من الغرور الذي يلقي يصاحبه في التهلكة!! [ صفحه 182] و يبدو ان الأستاذ بيكار و أمثاله، قد تصوروا أنهم أقدر من الطبيب علي معرفة الداء الذي يصوره في رسالته، فذهب الي اختراع دين جديد ينضوي تحت الوائه هو و أمثاله من الذين اطلقوا علي أنفسهم اسم «البهائيين»، فكان في عبادة «المازندراني» البشر الضعيف أكبر دليل علي احتقار العقل و الفطرة النقية. و هذا الانقلاب من النقيض الي النقيض.. من البحث العقلي الذي يفضي الي الايمان بالله الواحد الاحد.. الي اهمال العقل و الاندفاع وراء الغرور و عبادة البشر.. هذا الانقلاب أسوأ حالا من المغالاة في سلطان العقل، ذلك ان هؤلاء يهملون عقولهم و لا يشعرون بمكانها منهم، و لا يردون بها مورد العلم و المعرفة، و اذا هم يصبحون - كما أصبح البهائيون جميعا - مجرد «أمعات» يقادون لكل من يقودهم و لو الي الهاوية! و في المأثور: «لا يكن أحدكم امعة، يقول أنا مع الناس، ان أحسنوا أحسنت، و ان اساءوا أسأت، و لكن ليقل أنا مع الحق حيث كان». و النتائج العلمية لعلم النفس التجريبي تظهرنا علي أن خير الناس و أهداهم سبيلا من كان معه عقله حيث كان، ينظر به في كل أمر يعرض له، نظرا و اعيا متدبرا. فاذا كان هذا الأمر من الله تعالي أسلم عقله له، و أخضعه لما جاء الله تعالي به، موقنا ان ذلك هو الحق الذي لا ينازع فيه، سواء و افق عقله أولم يوافقه.. أما اذا كان هذا الأمر مما تتوارد عليه عقول الناس، فهو شريك لهم بعقله فيه، يحاجهم بما عنده، طالبا للحق، من غير تعصب لرأيه، أو طلب للغلبة، أو اتباع للهوي و ذلك هو شأن العقلاء الراشدين من الناس. يقول الدكتور محمود حسب الله: «و الاسلام دين عقلي، لأنه قد راعي قوانين العقل، في كل ما جاء به من شرائع و عقائد، ثم تحاكم اليه فيها، فقضاياه، و أحكامه، و تكاليفه، و أوامره و نواهيه، و كل ما جابه به، معقولة كلها، و موجبة للعقل، و معروضة عليه، و يقبلها حيبن يقبلها عن بيتة و تدبر، و اختيار. و ذلك لأنه [ صفحه 183] مطمئن الي صحة كل ما فيه، من شرائع، و عقائد، و واثق من أنه ليس فيها ما يأباه العقل، و يستعصي علي الفهم. و ليس علي المرء أن ينظر فيه بتدبر و امعان، مجردا عن الهوي و التعصب، و من كل الأفكار المغرضة، ليري كيف أنه أي الاسلام يتفق و قوانين العقل الخالص، و يستجيب للمنطق العام و السنن العامة، و ليس علي الجماعة أو الدعاة الا ان تهيي‌ء للمرء سبيل هذا النظر، حتي يؤمن - ان شاء - عن بينة، أو يكفر - ان شاء - عن بينة كذلك، و كلا من الكفر و الايمان عمل عقله و ارادته، و نتيجة تدبره و اختياره، و لذا كان مسئولا عنهما، و لذا صح أن يثاب أو يعاقب، و لذا لم يكلف كل من المجنون و الصبي، و المضطر، بل من يعقل الخطاب، و يقدر علي التنفيذ» [279] . يقول الله تبارك و تعالي: (و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) [280] . و قال جل شأنه: (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها) [281] . و قال سبحانه لنبيه الكريم عليه‌السلام: (فذكر انما أنت مذكر - لست عليهم بمسيطر) [282] . و قال تبارك اسمه: (فانما عليك البلاغ و علينا الحساب) [283] . [ صفحه 184] و قال سبحانه و تعالي: (أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين) [284] . و نحن لا نكره الأستاذ بيكار علي أن يكون مؤمنا، و لا نكره البهائيين علي العودة الي الحق، ذلك ان الدين الاسلامي عقيدة ترفض الاكراه، و تريد لمن يعتنقها أن يقوم هذا الاعتناق علي العقل، و انشراح الصدر، و اطمئنان القلب، فاذا كانت البهائية تكره الناس علي اعتناقها - كما تبين من تاريخ صانعيها في القرن الماضي - بالقوة و الاغتصاب العقلي، فان الاسلام لا يقبل هذا الاكراه، و انما يقبل الايمان العقلي، الذي يهدي الي الله تعالي، و الي الاقرار بوحدانيته، و الي رفض عبادة البشر، سواء كان «بهاء الله» مدعي الربوبية أو غيره من أصنام المذاهب الوضعية الهدامة. و نذكر في هذا السياق ما قاله «أحد العقلاء المشهود لهم بسداد الرأي و حسن التقدير للأمور و ان كان من غير «المسلمين» علي حد تعبير د. الخطيب، و الشاهد الذي نورد أقواله هنا هو السياسي الايطالي المعروف: ما تزيني» الذي كان من رجالات اوربا المعدودين في القرن الماضي: يقول «ما تزيني» في مقام الحديث عن «الله» سبحانه و تعالي: «ان الله موجود.. و لست أحاول اليوم البرهنة علي وجوده.. «الله موجود لأننا موجودون، و هو موجود فينا، و في شعور الانسانية جمعاء، و في كل ما يحيط بها من عوالم.. و أنا لنشعر بذلك في كل الأوقات.. فنشعر به في ساعات الضيق و الشدة، كما نشعر به في حالات السرور و النعمة.. «و لم يكن أول ملحد في الأرض، الا أحد المجرمين الذين أخفوا اجرامهم عن كل الناس، و ظنوا أنهم يتخلصون بانكارهم لوجود الله من شهادة الشاهد الذي لا تخفي عليه خافية.. [ صفحه 185] و لعل هذا الملحد كان من الجبارين الذين يعيثون فسادا في الأرض، فتحكموا في أرواح الناس و في حرياتهم و حاولوا أن يتحكموا كذلك في توجيه خضوعهم و عباداتهم، فألهوا أنفسهم، أو الهوا ما شاءوا من المواد و الطبائع. «و لقد جاء بعد هذا الصنف من الناس، آخرون، أدي بهم الانحراف الفلسفي، و قصر النظر الي تكوين نظريات الحادية، و كانوا من القلة يمكان فمنحهم الخجل و الحياء من الظهور!! (و ان كان الخجل و الحياء لم يمنع الباب و البهاء اللذين ادعيا النبوة فالألوهية من أكاذيبهما الملفقة للتغرير بأصحاب العقائد). «و جاء بعد هؤلاء آخرون، انكروا وجود الله، لما رأوا من الأفكار البدائية و المبادي‌ء اللامعقولة التي تحيط باسمه، و التي تنسب اليه (و هو يشير بهذا الي ما يدخل علي الدين الحق من ضلالات الضالين و سفاهات السفهاء، و أصحاب الاهواء و البدع كأصحاب البابية و البهائية و الفاديانية) و لكن لم يكن ذلك الانكار الا لأجل محدود، لم يتخلصوا اثناءه من كل أنواع العبادات، بل عبدوا الطبيعة أو العقل، «و يبغض الآن كثير من الناس الأديان، لما اتصل بها من فساد و انحطاط من غير تفرقة بين الخبيث و الطيب (كتب هذا الكلام في القرن «19» الذي ظهرت فيه البهائية، و ما تزيني يتحدث عما كان يراه من متناقضات في الديانة المسيحية التي تسلط عليها رجال الدين، فأفسدوها بتأويلاتهم، طلبا للتسلط علي اتباعهم. و لا ندري ماذا كان يمكن أن يقول لو أطلع علي التأويلات و التحريفات التي جاءت بها البهائية لتلمس معالم الأديان السماوية و لا سيما الاسلام و المسيحية). ثم يواصل «ما تزيني» الحديث قائلا: «فلما رأوا أن من القسيسين و رجال الدين من يدنس اسم الله لقاء دراهم معدودات، و يفاضل بين الله [ صفحه 186] و الانسان، و يفضل جانب الأخير عندما يدعوه النظر القاصر الي ذلك (علي نحو ما صنعت البهائية)، و رأوا ان رجال الدين قد استغلوا القوة أداة بطش و جبروت اخضاع الضعفاء و ذوي الحاجة، لما رأوا ذلك و أمثاله أنكروا الأديان، و لكنهم لم يكونوا علي حق في ذلك، فليس لنا أن ننكر وجود الشمس، و أثرها في الحياة الأرضية، حين يحجبها عنا البخار المتكاثف، و ليس لنا أن نرفض الحرية الشخصية و نلعنها لأن بعض الأشخاص يستغلونها استغلالا سيئا، و ليس لنا أن ننكر الأديان كذلك لأنه قد اسي‌ء استعمالها أو دخلها كثير من الأباطيل و الأكاذيب، بفعل الانسان. (و علي نحو ما تحاول البهائية دسه علي الأديان السماوية من اسرائيليات و تعريفات و تأويلات بهدف القضاء عليها - و لن تستطيع -). ذلك لأن هذه الاديان السماوية لها من القوي الذاتية ما يضمن لها الخلود، علي الرغم مما يلصقه الناس بها من أباطيل و أوهام. و لابد أن يموت الكذب يوما و لابد أن تقتضح الأباطيل، و ينكشف أمرها، و يبقي اسم الله مطهرا من جميع الأرجاس، و خالدا أبد الآبدين». هذا ما يقرره رجال من العقلاء، تجرد من الهوي، و نشد الحق فانكشف له - ما نرجو أن ينكشف اللأستاذ بيكار و لكل بهائي - ما في دينهم المصنوع من زيف، و من تأويلات لا يقبلها عقل عاقل، مثل ادعاء البهاء أنه رسول و قد ختمت الرسالة بمحمد عليه الصلاة و السلام، و بمثل ادعائه الربوبية بعد ذلك، و هو ادعاء لا يقبله عقل سليم و لا فطرة نقية. و اذا كان ما تزيني يشير الي الصراع بين العلم و الدين المسيحي الذي أخرجه رجال الكنيسة من دائرة العقل، بما اولوا و حرفوا، فان الاسلام يفسح في رحابه مكانا مكينا للعقل، و يدعوه اليه، مكرما له، حتي يشهد وجه الحق مشرفا، فيقبس من أنواره و يقطف من ثماره ما يمد، بأسباب القوة، و يبلغ به مبلغ الرشد، و اذا هو قبس من أقباس العلم المستمد من نور الله. [ صفحه 187] و نقابل شهادة «ما تزيني» بشهادة «د. هنري لنك» الذي أشرنا الي كتابه (العودة الي الدين)، لمالها من دلالة في هذا السياق، و هي الشهادة التي جعلته يؤيد هذا الصراع بين العلم و الدين المسيحي يقول: «كنت عندما التحقت بالجامعة و رعا تقيا، فأنا مولع بديني منذ نعومة أظفاري، أتأثر بتعاليمه و أواظب علي مناسكه، و لا اتخلف عن مواقيت الصلاة، و لا أتواني عن تقديم كل معونة في سبيله حتي بلغ بي الأمر أن صرت ألقي دروسا دينية بين وقت و آخر، و بمعني آخر كنت شابا متدينا متطرفا، قد تناول جرعة دينية بالغة القوة. «و قد اشتهرت الكلية التي التحقت بها بأن ثمانين في المائة من خريجيها يلتحقون عادة بالوظائف الدينية. و لقد لمست فيها شدة النشاط الديني و عنفه، و لما كنت شغوفا بالعلم و المعرفة و البحث عن الحقيقة شعرت أن الجو العقلي السائد هناك خانق. و مما زاد الطين بلة انتشار فضيحة العلاقة الغرامية بين عميد الكلية و رئيسة الراهبات، فأججت هذه القصة كثيرا من الشكوك التي كانت تنتاب ذهني المكدود، فالتحقت في السنة التالية بكلية أخري من كبريات الكليات في شرق أميركا، حيث بدأت أدرس تاريخ الفلسفة و التربية الدينية، أما تاريخ الفلسفة فهو قصة تحرر العقل البشري من الخرافات و الأوهام الدينية المضللة. و قد لازم ميلاد العلوم و ظهورها استشهاد تلك الجمهرة من العلماء التي اجترأت فتطاولت علي الكنيسة مسفهة عقائدها. و قد قامت هذه الدراسة علي تمجيد العقل أي ربط الأسباب بالمسببات. فكل حادث ما هو الا حلقة من سلسلة الأسباب و المسببات [285] التي لا تنقطع بعكس الميل السائد لدي كبار رجال الكنيسة الاولي أمثال ترتوليان Tertullian الذي قال «لابد لي من الايمان بتعاليم الكنيسة يرغم سخافتها»، فأظهرت هذه الدراسة التناقض بين زهد المسيحيين الأولين [ صفحه 188] و انكارهم لسرمدية الحياة، و بين وثنية الاغريق و اغراقهم في اشباع شهواتهم و تحقيق مبدأ اللذة و الامتاع، و أظهرت كيف تطورت الطقوس الدينية و النظريات و المذاهب الكنسية تبعا لمجريات القوي السياسية، و ظهور الشعوب و اندثارها. كما أسهبت في وصف أثر كل من علوم الطبيعة و الكيمياء و الاحياء و طبقات الأرض، الواحد تلو الآخر، في تزويد الأذهان، و تبديد الأوهام، فأزاحت الستار عن مغالطة العقائد الدينية و سفسطتها. لذلك كان هذا الشوط من الدراسة هو أمتع و أبهر ما تلقيت، و أعظمها تأثيرا علي، لأنه كان الجواب الكامل عن تلك الشكوك الدينية المختلفة التي ساورتني من قبل، و لم أهتد الي حل لها يقنعني، فخرجت من ذلك كله باحترام عميق لقوة العقل، و لمكتشفات العلم الحديث. أما عقيدتي الدينية فهوت لما لم تجد ما تستند عليه، و لما لم تصادف من يتلقفها. و في العالم الدراسي نفسه درست التربية الدينية، و كانت هذه الدراسة عرضا تاريخيا للتطور، الذي حل بالكتاب المقدس، فعرفنا الطريقة الفاسدة التي اكتمل بها هذا الكتاب، و لمسنا في الأسفار التي درسناها الدلائل القاطعة علي أن رجال الدين الواحد تلو الآخر، أخذوا يعبثون بالكتاب، فيعيدون كتابة بعض أجزائه مضيقين اليه ما يعن لهم، و لذلك قسمت محتويات «العهد الجديد» الي ثلاثة أقسام متساوية: تلك المقطوع بصدقها أي التي جاءت عن لسان المسيح، و تلك المشكوك فيها، و تلك التي زيفت علي مر الأيام. فكانت هذه الدراسة - التي جعلت كل ما سبق ان اعتنقته من مبادي‌ء الكتاب المقدس يبدو صبيانيا أمام ناظري - خير مثل لما كانوا يدعونه و قتئذ: «النقد العالي». و ليس هناك ما يدعو بطبيعة الحال الي ذكر كل ما درسته بالجامعة، غير أن هناك مادة واحدة تستحق الذكر، و هي مادة علم دراسة الأجناس، و قد كانت [ صفحه 189] هذه المادة أكثر المواد شيوعا و أشدها هدما، أكثرها شيوعا لسهولة تمضية امتحاناتها، و أشدها هدما لأنها كانت بعيدة الأثر في قلب عقائد الطلبة الدينية راسا علي عقب. و قد بلغت هذه المادة الذروة في الهدم خلال تلك المحاضرة التي رسم فيها الأستاذ دائرة صغيرة تحوطها دائرة أكبر ثم قال: «تشتمل هذه الدائرة الصغيرة علي مملكة الحقائق العلمية التي نلم بها الماما تاما، و تستطيع اثباتها، أعني حقائق علوم الطبيعة و الكيمياء و الرياضيات، فمثلا يمكننا اثبات وجود عناصر كيميانية معينة. أما هذه المساحة الكائنة بين الدائرتين الكبري و الصغري فهي ميدان الحقائق الثابتة ثبوتا جزئيا، و أنصاف المعلومات، و مثل ذلك أننا نعتقد بوجود عناصر أخري يرغم أن هذه المعرفة غير مؤكدة. أما ما هو خارج عن هذه الدائرة الكبري فهو مملكة الخرافات و العقائد و الأوهام التي لا نملك لها برهانا، ففكرة الله و المعتقدات الدينية تسبح في هذه المنطقة غير المحدودة، و نحن لا يمكننا اثبات وجود الله كما لا يمكننا اثبات عدم وجوده، و قياسا علي ذلك لا يسع المرء اللبيب الا أن يقول «أنا لا أعرف» أعني أن يكون لا ادريا. و لوضع الحق في نصابه اعترف أن بعض أساتذتي كانوا متدينين الي أبعد حد، و كانت الكنيسة التي نتردد عليها يوم الأحد مرغمين، تكتظ بالوعاظ الممتازين، و مع ذلك كان ربط الأسباب بالمسببات، و تحرير عقولنا، هو هدفنا الأسمي، فانقسم الطلبة قسمين: اما أحدهما فغبي لا يهتم كثيرا بما يقوله الأساتذه، و بمعني آخر لا يفهم ما يتلقاه، و أما الثاني فمتفتق الذهن يسعي مجدا وراء الحقيقة، فكلما زاد غباء الطالب بقيت عقيدته ثابتة لا تتزعزع في زاوية محكمة الأغلاق لا تتسرب اليها نفحات الدراسة التي يتلقاها، و كلما كان مقياس ذكائه [286] عاليا نفض عن نفسه غبار العقيدة، و لجأ الي التحليل الصادق سعيا وراء الحقيقة. [ صفحه 190] و لما تخرجت في هذه الجامعة بعد أن نلت شهادة «في بيتا كابا» [287] كنت ملحدا و مقتنعا تمام الاقتناع بالحادي، و مستمدا لاقناع غيري به، و هكذا في العشرين سنة التالية كنت أبالغ في احتقار التعاليم الكنسية و أومن بأن الدين هو ملجأ العقول الخاملة. و من هذا يتضح أن علم النفس الحديث القائم علي أساس الرياضيات و الأرقام، و الذي يطبق علي البشر لا علي الورق، هو الذي قلب آرائي و مبادئي رأسا علي عقب دون أن أشعر بالتطور الذي حل بي من مدة طويلة. و هنا لا يجوز الخلط بين هذا العلم، و بين التحليل النفسي، الذي أدي الي ظهور نظريات تأملية لا يمكن الجزم بصحتها كلها كالتعبير عن الذات و القمع و الأحلام و العقل الباطن و اللبيدو [288] و عقدة النقص و التربية التقدمية.. الخ. و ما أقل ما يعرفه الناس عن علم النفس العلمي الذي بلغت دقته الدرجة التي وصلت اليها الكيمياء و الطبيعة منذ قرن من الزمان، و برغم أنهم سمعوا عن اختبار الذكاء أو مقايس الذكاء، الا أن القليلين منهم هم الذين يدركون أن هناك أكثر من 10000 اختبار نفسي أجراها رجال علم النفس، و ان معظم هذه الاختيارات تستخدم الان في الحياة العامة و القليلون أيضا يعلمون أن مؤسسة رو كفلر قد وهبت جماعة من علماء النفس نصف مليون دولار لاكتشاف اختبارات التعاون المستخدمة الآن بمعظم المدارس، و قد قضي أساتذه علم النفس في جامعة مينيسوتا خمس سنوات في بحث متواصل حتي اهتدوا الي استنباط ثلاثة [ صفحه 191] اختبارات لقياس مدي كفاية المرء الآلية، و استعداده الطبيعي لاستخدام الأجهزة الآلية، أنفقت فيها مائة ألف دولار تبرع بها مجمع الأبحاث الوطني و غيره من المؤسسات. و يكاد الجمهور الذي ينفق ملايين الدولارات علي دراسة الموسيقي لا يعرف شيئا كذلك عن دقة اختبار سيشور لاكتشاف المواهب الموسيقية الفطرية في الانسان، و قد وضعه بعد بحث مجهد دام خمسة و عشرين عاما، بمعاونة عدد من رجال علم النفس المساعدين. و قليلون أيضا هم الذين سمعوا عن الجهاد العنيف الذي بذله أمثال و دورث و ثيرستون و ألبورث و ولز و روث و برنوويتر في مجال الشخصية وحدها. و هكذا ظهر تحسن ملحوظ في القدرة علي تفهم الشخصية، و ترقيتها، و التقدم بها، بواسطة الاختبارات المتقدمة الذكر و استخدامها في علاج المرضي بالعيادات الطبية، فقد أجري اختبار قياس الشخصية وحده علي حوالي نصف مليون نفس عام 1935 في عيادات الولايات المتحدة و مدارسها. هذا الفرع من علم النفس هو الذي أدت مكتشفاته الي تبديل معتقداتي الدينية، و هي - كما سبق أن أوضحت - تختلف عن تلك النظريات الجذابة الشائعة بين الناس. كما أني قد قدمت الي هذا النوع من علم النفس العلمي الكثير من المعونة فحازت القبول، أما مكتشفاتي التي سيرد ذكرها فيما بعد فلم تكن ممكنة التحقيق بدون تلك التجارب العملية التي قام بها غيري من العلماء النفسيين، و أما كون النتائج المستخلصة من هذه الدراسات تؤيد بل تطابق بعض المعتقدات الدينية الاساسية فهذا ما سيلمسه الجميع حتما بمرور الزمن. و لقد طبقت مكتشفات علم النفس تطبيقا واسع النطاق علي معظم المشكلات الانسانية، فقد أجرت مصلحة تشغيل المتعطلين بمدينة نيويورك اختيارا نفسيا علي 15321 نفسا من الرجال و النساء المتعطلين في فترة لا تتجاوز سنة عشر شهرا. [ صفحه 192] و في ضوء هذه الاختبارات أمكن توجيه كل منهم الي المهنة المناسبة و التدريب المطلوب له حتي يصير لائقا لهذه المهنة. و في كثير من الأحيان كانت هذه النصيحة تقدم استنادا علي المشكلات و العقد المكتشفة في شخصية كل منهم، و التي تكون عادة السبب الأساسي في تعطلهم، و قد تكلفت هذه العملية أكثر من مائة ألف دولار، تبرعت بمعظمها مؤسسة كارنيجي، و جمعية مساعدة العمال العاطلين بمدينة نيويورك. و لما كنت قد عينت مستشارا خاصا في هذه العملية و نيط بي وضع الخطط و مراقبة الدراسات الاحصانية المستخلصة العشرة آلاف نفس، ممن أجري عليهم الاختبار، فقد أجريت عليهم ما قدره 73226 اختبارا نفسيا، و سجلت تقريرا شخصيا شاملا لكل فرد منهم، و في هذا الوقت بالذات بدأ ادراكي لأهمية العقيدة الدينية بالنسبة لحياة الانسان، و وجدت من نفسي استعدادا لمضاهاة تجاربي السابقة علي مرضاي، بالنتائج الباهرة التي أتت بها تلك الاختيارات العظيمة التي توليت الاشراف عليها، و قد استخلصنا من هذه الاختبارات نتيجة هامة و لو أنها لم تنشر في التقرير النهائي. و هذه النتيجة هي أن كل من يعتنق دينا أو يتردد علي دار العبادة يتمتع بشخصية أقوي و أفضل من لا دين له أو يزاول أية عبادة. و علي ذلك لم تكن رجعتي الي الدين رجعة الضال الذي اهتدي الي دين صائب، أعني أن هذه الرجعة لم تصاحب شعورا متوقدا أو تعرة عاطفية، لكنها كانت رجعة عن طريق العقل فحسب لسوء الحظ! و لاأظن أن كافة المتدينين يقرون هذه الحقيقة، حتي أنا نفسي لا أعتقد أنها الطريقة المثلي، ففكرتي عن الدين تتضمن بضع معتقدات لا تؤيدها مذاهب دينية معينة، و تنبذ بعض الآراء التي تراها مذاهب معينة جوهرية، اذن.. فما هو الدين؟ الدين هو الايمان بوجود قوة عظمي كمصدر للحياة، هذه القوة هي قوة الله، مدبر الكون، خالق السماوات، و هو الاقتناع بالدستور الخلقي الالهي الذي سنه [ صفحه 193] الله في كتبه المتعاقبة، و اعتبار التعاليم السماوية أثمن كنز تغترف منه الحقائق الدينية التي هي أسمي في مرماها من العلوم كلها مجتمعة، و القيم الخلقية هي أقوي في أساسها من نظرية العقل أو السببية السالفة الذكر. فأنا مثلا أومن بصدق رواية مولد السيد المسيح، و لكن ليس تصديقي لهذه الرواية نتيجة لمقارنة عقيدتي الدينية بغيرها من العقائد، و لكنه ايمان خالص جاء في أعقاب اهتدائي الي المزايا الصحيحة في ديني، الذي سبق أن نبذته لما كنت عاجزا عن اكتشاف ما به من الخير. و كثيرا ما كنت أحث مرضاي من الكاثوليك ليكونوا أشد كثلكة، و خصوصا في مسألة الاعتراف التي أراها فريدة في فائدتها النفسية. و كنت أشجع مرضاي من غير المسيحيين علي التردد علي معابدهم و منشآتهم الدينية، فكنت أنحو هذا النحو في كل هذه المراحل، علي أساس مطالب الأفراد و ضرورة استخدام الوسائل الممكنة في هذا السبيل. و من هنا تري أن عودتي الي الدين كأحد أفراد المجتمع ليست بذات أهمية في حد ذاتها، انما المهم هو مكتشفات علم النفس العلمي الحديث التي كانت السبب في هذا التحول. و بالرغم من المزايا العظيمة التي اسبغتها العلوم الطبيعية علي المجتمع البشري سواء في اعانته علي اطالة العمر أم علي توفير سبل الراحة، أم علي تخفيف آلام الأمراض، أم علي مل‌ء الحياة بهيئات التسلية و السرور، أم علي تعميم فرض التعليم، فلن تجد أي دليل علي أن الناس أصبحوا أوفر سعادة، او أن الأسر صارت أشد ارتباطا، و او أن الحكومات و الدواثر السياسية باتت أكثر حكمة و تعقلا، او أن الأمم أضحت أكثر تجنبا للحروب. ان الدليل الملموس يقودنا الي الاعتقاد بعكس هذه النتيجة، فمثلا، فاق عدد الشعوب و الجنود التي كانت مشتركة في القتال بين عامي 43 و 1945 أي رقم سجلته الحروب منذ خلق هذا الكون. [ صفحه 194] و بينما العلم كله يتلظي بجحيم هذا الأتون الملتهب، كانت الولايات المتحدة تعاني من الاضرابات و حرب الطبقات و الصراع الدني‌ء للوصول الي الحكم، كما كانت تعاني كذلك من تفكك عري الأسرة الأمريكية و انفصام الروابط الزوجية من جراء حوادث الطلاق العديدة التي سجلتها المحاكم. و قد ثبت خلال عام 1938 ان 47 درصد من أسرة المستشفيات بالولايات المتحدة كانت تشغلها حالات عقلية. و مثل هذه الحالات هي التي تبين مدي الاخفاق الذي لحق بالمجتمع، و ان كنا نلمس آثار هذا الاخفاق و أعراضه في استمرار السعي الحثيث للعثور علي ترياق السعادة و الهناء، حتي ليكاد عصرنا الذي نعيش فيه يتميز بأنه عصر البحث عن السعادة. و اذا كنت سأتناول بعض هذه المساعي بالبحث فيما بعد في فصلي «الحياة الوفيرة» و «التدبير الاجتماعي» الا أني لن أحيد عن الدور الذي يلعبه رجل علم النفس في مثل هذه الأحوال، و حسبي ان أبين معناها النفسي بالنسبة الي أفراد المجتمع. لقد أدت دراستي العميقة للأفراد الي مشاهدتي ذلك القبس المضي‌ء من نور الهداية، و سواء كان أمل الانسان هو في الحصول علي الوظيفة اللاثقة أم الأمن الاقتصادي أم الاطمئنان الاجتماعي أم السعادة الزوجية، فلن يعم الرخاء الا اذا حارب الناس أسلوب الحياة الراهنة و المجتمع الحالي حربا لا هوادة فيها، توقد جذوتها عدة من المثل العليا العملية الصادقة. فالدين الذي أتكلم عنه ليس ملجأ الضعفاء، و لكنه سلاح الأقوياء، فهو وسيلة الحياة الباسلة التي تنهض بالانسان ليصير سيد بيئته المسيطر عليها، لا فريستها و عبدها الخانع.. [289] . [ صفحه 195] هذا الدين الذي ينشد فيه الدكتور هنري لنك، أن يكون سلاحا للأقوياء، و وسيلة للحياة الباسلة التي تنهض بالانسان ليصير سيد بيئته المسيطر عليها، لا فريستها و عبدها الخائع، انما هو دين الاسلام، الذي جاء في كتابه الكريم قول الله تعالي: (و اعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) [290] (و ان جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل علي الله انه هو السميع العليم). [291] . آيتان تدعوان الي القوة في مظهريها، الحرب و السلم، لا تناقض فكما ان الحرب مظهر ما أي للقوة، فان قرار السلم قوة، نزولا علي أمر الله تعالي.. و يفصل الشيخ عبد اللطيف السبكي أسباب نزول هاتين الآيتين التي تكشف عن حكمة القرآن في بناء مجتمعه علي القوة، و السلم فقد كان في المدينة و حولها يهود يعيشون الي جانب المسلمين في رغد، و في أمن، و لهم قدم راسخة في هذا الوطن. و ما استقر الاسلام في المدينة تظاهروا بالمسالمة أكثر، و عقدوا مع النبي عهودا علي الأمان، و ألا يظاهروا علي المسلمين عدوا من أعداء الاسلام و ما كادت غزوة بدر تنتهي بنجاحها علي قريش مع قلة من جيش المسلمين و كثرة الكافرين حتي ثار الحقد في نفس اليهود، و استكثروا علي محمد أن يظهر شأنه، و هو عربي و ليس من بني اسرائيل. و نوجسوا أن هذا الانتصار الباهر، له ما بعده من نجاح الاسلام، فهونت عليهم الأحقاد، و خبث الطباع أن نقضوا عهودهم طائفة بعد أخري. أ) فبنو قينقاع يبدءون بالسفه علي النبي و أصحابه، و يتهيئون لحرب المسلمين معتصمين بالحصون المنيعة، فحاصرهم النبي في حصونهم هذه، [ صفحه 196] وضيق عليهم، حتي رضوا ان ينزلوا من الحصون علي حكم النبي فيهم بما يري. فحكم بتجريدهم من أموالهم غنيمة للمسلمين، و باخراجهم سالمين من القتل الي جهة اذرعات من بلاد الشام بعيدين عن الحجاز كله، و ظلوا هناك حتي بادوا جميعا. ب) و بنو النضير- و هم الطائفة الثانية من اليهود- ينتهزون جلوس النبي عندهم للتفاهم معهم علي أمر، مطمئنا الي عهدهم، فيدبرون الحيلة العاجلة لقتله غيلة بالقاء حجر عليه من فوق منازلهم. و لكن الله - تعالي - يعصم رسوله من خيانتهم، و يخبره الوحي بتدبيرهم، فينصرف عنهم، و ينجو من شرهم، ثم يجاهرون بالاستعداد لحربه، فيحاصرهم كذلك أياما كانت نحسات عليهم، حتي ارتضوا ان يخرجوا من المدينة بقليل من أموالهم - دون سلاح - الي أرض خيبر مع زعيمهم حسين بن أخطب. ج) و كذلك فعلت قريظة - و هي أشد اليهود عداوة للاسلام و أهله. حضر اليهم من خيبر - زعيم النضير: حسين بن أخطب.. ثم دلفوا الي قريش في مكة و سواها، و حالفوهم علي تكوين جيش منهم و من أحزابهم الحرب المسلمين في المدينة. فكان من أثر صنيعهم هذا غزوة الاحزاب و هي غزوة الخندق. و لما تبين للمسلمين تكاتف الاحزاب مع قريش و من يواليها حفروا حول المدينة خندقا يعوق عن دخولها، و اكتفوا بالدفاع من داخل الخندق. و لما اجتمع القوم و وجدوا ذلك الحاجز في طريقهم رابطوا علي جانبه، و منعوا المسلمين من الخروج عن المدينة الي أسفارهم، أو مراعيهم، و متاجرهم. و صاروا يناوئونهم بالسهام و النبال حتي أحس المسلمون بشي‌ء من الجهد. [ صفحه 197] ثم سلط الله علي الأحزاب أسباب الهزيمة المفاجئة، فعصفت بهم الريح، و اجتاحتهم زوابعها، و أطاحت بخيامهم، و امتعتهم، و بددت شملهم علي شر ما وقت بهم من خزي و هوان (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا و كفي الله المؤمنين القتال و كان الله قويا عزيزا) [292] و في نفس اليوم، و عقب فراغ النبي من الخندق نزل عليه الوحي ألا يضع سلاحه، فان الملائكة لم تضع أسلحتها. أمر النبي صلي الله و سلم بلالا أن يؤذن في الناس: من كان سميعا فلا يصلين العصر الا في بني قريظة. ثم حاصرهم النبي صلي الله عليه و سلم خمسا و عشرين ليلة حتي رضوا أخيرا أن ينزلوا علي حكمه فيهم، فتوسطت الأوس لدي الرسول مجاملة لقريظة و كانوا حلفاء لهم من قبل. فرضي النبي صلي الله عليه و سلم ان يحكم فيهم زعيم الأوس سعد بن معاذ، ففرحت قريظة بذلك و ظنوا أنهم سيظفرون بالخروج مع شي‌ء من المال، أو سالمين بأنفسهم علي الأقل، و لكن سعد بن معاذ كان أو في لدينه من هولاءالخونة الذين أسرفوا أكثر من سواهم في الكيد للمسلمين، فقال لبني قريظة: أترضون بحكمي؟ قالوا: نعم.. فحكم يقتل الرجال جميعا - و كانوا ألفا - و أن تقسم الأموال بين المسلمين، و ان تسبي النساء والأطفال، و حينئذ قال له النبي صلي الله عليه و سلم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات ثم نفذ الحكم، و طهرت المدينة من خبثها، و حقا - هي كما قيل فيها: تنفي خبثها كما ينفي الكسير خبث الحديد. [ صفحه 198] بل طهرت أرض الجزيرة كلها من أهل الكتاب جميعا، و ثم هذا في عهد عمر رضي الله عنه تنفيذا لوصية النبي صلي الله عليه و سلم الا يجتمع في جزيرة العرب دينان، فلم يعد يهودي و لا نصراني بالجزيرة منذ عهد عمر رضي الله عنه و الجزيرة يومذاك مكة و المدينة و خبير و اليمامة. و كانت قريظة شر الجميع و لعنة الله علي الجميع. 3- ازاء هذا الانتفاض علي العهود، و التحالف علي المسلمين كان الأمر بحاجة الي رسم سياسة منيعة تحفظ علي المسلمين حياتهم و تكفل سير دعوتهم الاصلاحية، فلا تتعثر في حواجز التضليل، و مقاومة المبطلين. فالآية الاولي - تطلب الاستعداد للعدو بتوفير أدوات الحرب دون وقوف عند غاية، أو اكتفاء بنوع من معدات النضال، بل بكل ما تشمله القوة لفظا، و مدلولا من جنود، و فنون و أدوات، و تخطيط و كل ما يعتبر مجديا في النضال، و تهدي اليه سياسة الحروب. و لما كانت الخيل أهم ما يستعان به قديما في المصاولة، و خفة الحركة صرح بذكرها القرآن: لا علي سبيل الحصر فيها. بل للاهتمام بها اكثر من سواها، كالابل، و الأفيال مما كان يستخدم في احمل و الهجوم علي العدو قديما. و القرآن يحض علي اعداد القوة دون تحديد، فيمتد مفهومها الي كل ما يستحدث علي طول الزمن بواسطة العلم، و الاختراع. و اذا لاحظنا ان عداوة أولئك الخصوم قد تأرثت في نفوسهم، و في أعقابهم، و ان الاسلام غلب حيلهم، و محاولاتهم حتي صار غير مقدور لهم أن يدرءوا نشاطه، و لم يعد في مطمعهم أن ينالوا منه مأربا.. اذا لحظنا ذلك أدركنا حاجته الي الحيطة منهم، و الاستعداد لهم.. و الوقاية من الشر سلامة من الوقوع فيه. [ صفحه 199] و هذا ما صرح به القرآن في قوله تعالي: (ترهبون به عدو الله و عدوكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم). [293] . و أنت تري في هذا التوجيه حرصا علي تربية المهابة للاسلام في نفوس أعدائه جميعا، فيكف عنه المناوئون له، و يخشاه المتسترون في أحضان النفاق، و يتربصون به الدوائر و الأحداث. و بهذا ينبه الله أهل دينه الي أن لهم خصوصا يختفون في عدواتهم، و لكن الله يعلمهم وحده، فلا يحسن بنا الاستسلام للغفلة، و المخادعة، و تحسين الظن. و عند ما يكون الاسلام في أهبة يخشاها عدوة تتاح للمسلمين حياة مستقرة الأوضاع، واضحة المعالم، و لا يهابون سفراء الشيطان الذين يحركون العداوات و يبغون الافساد في الأرض، و هي حياة أجدي علي الدنيا من حياة تضطرب فيها الوثنية، أو العصبيات المختلفة، و لا توجد بينها و شائج روحية تقضي علي الفوارق الجنسية، و الاقليمية بل تكون حياة تقتلع الأنانية، و تركز فيهم نزعة الاخاء الانساني كما يفعل كل ذلك الاسلام. فاتجاه الاسلامي الي ناحية القوة علانية بأنه لا يتعفف عن و لوج الحرب، و لا يقتصد في اقتحامها عندما يقتضيه أمر من جانب أعدائه. و من هذه الناحية- زعم خصومه أنه دين يفرض نفسه علي الناس بالعنف، و انه ليس دين تفاهم بالعقل و الحجة كما يدعي أهله. 4- و في الحق أن هذا زعم البلداء و الذين لم يتصلوا بتعاليمه، و لم يعطوه من وعيهم قليلا، بل هم يتخبطون في رجم بالغيب، فيستبيحون متابعة المرجفين فيه. [ صفحه 200] و كثيرا ما تنبه أناس من خصومه الي النظر في آياته، و استطلاع مقاصده، فهداهم البحث و الموازنة بين ما فهموه و ما سمعوا عنه الي اعتناقه عن بينة، و اطمئنان، بل شرعوا أقلامهم في وجوه الآخرين منصفين لهذا الدين العام، الخير للانسانية، و بينوا أن الاسلام دين دعوة سلمية، و لا يبغي من القوة الا أن يحمي نفسه بين موجات صاخبة من مطامع الشعوب، تتفاذف الغواة من شياطين الأنس يمينا و شمالا. و هذا تحقيق مستمد من نسق الكتاب نفسه. 5- فبينما يحض علي القوة في آيتنا هذه يردفها بآية الترغيب في السلم و الحض علي الأخذ به (و ان جنحوا للسلم فاجنح لها، و توكل علي الله). [294] . فأنت تري القرآن يطفي‌ء وقود الحرب بقبول الصلح مع خصومه اذا طلبوا المسالمة و اقلعوا عن التثبث بالحرب، و العداوة. و هذا أسلوب الرحمة يكفكف به نيران الحروب و هذه دعوة الانسانية يرطب بها و هج الخصومة، و يجذب الأنفس الي التقارب في ظلال السلام.. و في ذلك خير للجميع فاذا لم يكن اقتناع بالدين الذي يحاربونه فليكن سلام ترف ظلاله علي الحياة و أهلها و تستقر في أمنه الأرواح.. ثم حسابهم فيما بعد ذلك الي الله الذي يتولي الجزاء. و بهذا التوجيه الرحيم يعلمنا الله أن الامر ليس أمر حرب تقام، أو صلح يعقد، فهذه وسائل عرفية جرت عليها شئون الدنيا. أما الانتصار و غيره فتدبير من الله وحده، و قد ينصر الله القلة، و يهزم الكثرة دون قياس بالعدد، أو الوسائل. [ صفحه 201] و بهذا يطمئن الله رسوله و المؤمنين فيقول له: (.. و توكل علي الله انه هو السميع العليم) ثم يطمئنه ثانيا الي أن الراغبين في السلم حقا هم في رعاية الله، و ان المخادعين في صلحهم هم في خصومة مع الله. (و ان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله) يتكفل الله بك فينصرك علي مخادعيك، و لك سابقة النصر علي الكفار بما جمع الله حولك من الأنصار و المهاجرين في المدينة حتي ألف بين قلوبهم جميعا فأصبحوا قوة متآخية لا يستهان بها، و بهذه القوة زلزل الله الشرك و أهله، و قوض حصونهم، و معالم كفرهم. و هذه سنة الله مع أوليائه المؤمنين: يؤلف بينهم، و يشد من أزرهم، و يهيي‌ء لهم حياة طيبة بقدر ما يكون اخلاصهم لله. أفبعد هذا الترغيب في السلام، و طرح الخصومة يظن من يظن أن الاسلام غير رحيم بالناس، و انه يتهافت علي أرافة الدماء و اشعال الحروب، أهم ينسون ما يفعله يهود اليوم.. 6- كثرت في القرآن آيات القتال، و كثر فيه الأمر يقتال المشركين كافة، و بقتالهم حتي لا تكون فتنة منهم يتغلبون علي دعوة الله عند من يتمكنون من فتنتهم. و مع هذا فانك تجد القرآن في موقف الدفاع، فان الحرب قائمة عليه من جهة أعدائه دائما و ما كانوا يهادنونه الا ريثما يستعدون لمهاجمته. فعلوا ذلك حينما أخرجوا الرسول و صحبه من مكة، و فعلوه يوم أفلتت عيرهم في عودتها من طريق المدينة، ثم ألفوا جموعهم لحرب المسلمين فكانت الدائرة عليهم في بدر. و فعلوا ذلك يوم الأحزاب و يوم الحديبية و كل هذه الأحداث استمرار لحرب عدائية مع المسلمين.. و قديما يقول الناس: الشر بالشر و البادي‌ء أظلم. [ صفحه 202] و ها هو الاسلام ازاء خصومه اليوم يلاقي منهم الغدر و الفتك، و التألب، و الايذاء.. و ليت حكام المسلمين المعاصرين يفطنون الي ما ينبغي الأخذ به؛ تضامن في الخير و يقظة من مخادعة خصومهم.. و لا نقول بحرب و لا عصبية، و انما نقول بحيطة و عبرة. و اذا لم يكن فيما نتلوه من كلام الله زاجر لنا، و لفتة الي تنظيم صفوفنا فلن يستقيم للعود الأعوج ظل، و لن يبقي علي الفساد و مجانبة الدين ملك، و الله لا يصلح عمل المفسدين. أجل.. لو قرأ الدكتور هنري لنك في رحلته الي الدين، ما جاء في القرآن الكريم لتعرف علي سلاح الأقوياء، و كيف يجعل الاسلام من المسلمين أسيادا لبيئاتهم، لا عبادا خانعين لها، فهم لا يعبدون الا الله تعالي جل شأنه، و يمنحهم التوحيد قوة ما بعدها قوة، و يصبح بين الله تعالي و خلقه و شائج ثلاث: روحية - و مادية - و خلقية. هذه الوشائج تصل الانسان بربه و تكشف للعقول عن مبلغ رعاية الله لعباده، حتي يصبحوا أقوياء، و عن تكريمه للأدمية علي سواها مما في الأرض جميعا.. يقول الله تعالي: أ) اليوم اكملت لكم دينكم ب) و اتممت عليكم نعمتي ج) و رضيت لكم الاسلام دينا). [295] .

پاورقي

[1] سورة الاحزاب، الآية 35.
[2] بهاء الله و العصر الجديد، ص 48.
[3] الاقدس، فقرة 298.
[4] سورة الهيكل - لحسين علي (نقلا عن بهاء الله و العصر الجديد، ص 50).
[5] الاقدس، لحسين علي البهاء، فقرة 282.
[6] الشيخ عبدالعزيز جاويش: الاسلام دين الفطرة و الحرية، ص 16...
[7] المرجع نفسه، ص 16 و ما يعدها...
[8] سورة النساء، الآية 153.
[9] سورة البقرة الآية 255. [
[10] See the essay on milton.
[11] سورة الاخلاص، الآيات 4 - 1.
[12] الاسلام و مشكلات الحضارة، ص 171 و ما بعدها...
[13] المرجع السابق ص 174.
[14] المرجع السابق، من ص 49 - 37.
[15] بهاء الله و العصر الجديد، ص 148.
[16] الكواكب، ص 284.
[17] سورة الهيكل، الحسين علي كتابه «لوح ابن ذئب»، ص 42.
[18] احسان الهي ظهير: البابية - عرض و نقد - القسم الاول. دائرة المعارف الادبية، ص 91 ج 5 عن المستشرق براون.
[19] بهاء الله و العصر الحديد، ص 70.
[20] انظر ما اورده البروتوكول الثاني من بروتوكولات حكماء صهيون عن نيشة و داروين و ماركس من تروج اليهود مذاهبهم.. ص 122. من خليفة التونسي: الحظر اليهودي.
[21] انظر للأستاذ خليفة التونسي في الرسالة مقالا بعنوان (أبطال اليهوديين القرآن و العهد القديم) العدد 926 في 2 / 4 / 1951 و نظر البروتوكول 14 هنا.
[22] من جريدة الاساس في 21 / 4 / 1950. من خليفة التونسي: السابق.
[23] سيد قطب: السابق ص 75.
[24] الاسلام علي مفترق الطرق، ص 33.
[25] الاسلام علي مفترق الطرق، ص 37 - 36.
[26] الاسلام علي مفتوق الطرق، ص 154.
[27] تحت الطبع.. راجع الاسلام و مشكلات الحضارة ص 82.
[28] من كتاب سيد قطب «امريكا التي رأيت»...
[29] هذه هي المملكة العلوية الفاضلة التي يعد اليهود بها العالم ليكون لهم فيها خدما اذلاء، مقابل حياتهم و نظمهم الحاضره، فليذكر ذلك الغافلون.
[30] يدعي اليهود بهذا أنهم واضعو شعار الثورة الفرنسية و انهم المشيرون لها. (الهوامش للأستاذ محمد خليفة التونسي في تعريب حكماء صهيون).
[31] ان هذه المبادي‌ء لا تتناقض الا حين يفهم كل منها مطلقا من حدوده، و هذا فهم خطأ، كما لا يسو، استعمالها الا حين لا يقف مزاولوها عن حدودها الحقيقية العملية، و لكن اذا عرف كل واجبه و مقامه، و استعمل حريته في القيام بواجباته حسب الطريقة المناسبة لمواهبه و ظروفه، و عرف لذي الفضل فضله و لمن دونه واجب تقويمه و انصافه كأنه من أسرته، لم يكن ضرر في هذه المبادي‌ء و لم يكن هناك تناقض بينها و اليهود يسلمون بذلك (أنظر البروتوكول الرابع)، و من ذلك يطهر تناقضهم.
[32] ان هذا الاختلاف لا يناقض مبدأ المساواة كما يفهمها العقلاء: مساواة في حرية الحياة و الملك و الفوز يثمرات العمل و المواهب و نحو ذلك، فأما ما وراء ذلك من اختلاف في العقل و الشخصية و الطاقة و العمل و نحو ذلك فهو خير للناس و معروف عندهم، لا ريب فيه و لا مهرب منه، و لكنه لا يحول بينهم و بين المساواة في حق الحياة و الامتلاك و نحو هما مما ذكرنا.
[33] ينشأ عن احتكار الحكام للأسرار السياسة كلها و أسبابها قصور المحكومين عن فهم الحوادث و أسبابها الحقيقية ببساطة فهما صحيحا، فتلتوي لذلك أمامهم الحقائق أو يضربون في مناهات من الخيالات، و لو اكتفي الحكام باحتكار الأسرار العليا وحدها و مرنوا المحكومين علي النظر في الحوادث و أسبابها الهلة مدة طويلة و شاركوهم في الحكم و تحمل المسنونيات لكفاهم ذلك و كفي الناس متاعب كثيرة، لأن تمرين المحكومين عن ذلك سيربيهم تربية سياسية صحيحة كما يجري الآن في بربطانيا.
[34] في أوراق اللعب (الكوتشينة) أوراق ممتازة أعلاها الاس، فانه يغلبها جميعا و المعني أن اليهود تغلبوا علي امتيازات المختارين من غير اليهود كما بغلب الاس سائر الأوراق الممتازة.
[35] الارستقراطية حكومة الأقلية الفاضلة العادلة، كما عرفها أرسطو.
[36] اي الحكم علي أساس الغني و الثروة، فالبلو تقراطية حكومة الاقلية الغنية التي تملك معظم الثروة، او هي حكومة الاغنياء و هؤلاء لا تعنيهم الا الثروة و جمعها من أي سبيل دون رعاية لأي مبدأ أو عاطفة شريفة.
[37] المراد بالعلم الذي يروجه علما و هم علم الاقتصاد السياسي، و قد دسوا فيه نظريات لا تعتمد علي أساس من واقع الحياة (انظر البروتوكول 20).
[38] اليست هذه هي الطريقة الشيوعية اليهودية التي يوقع بها الشيوعيون ضحاياهم في أحابيلهم؟ فهم لا يستغلون في الانسان عاطفة كريمة، بل يستثبرون اخس عواطفه و شهواته ليسلطوه علي المجتمع.
[39] المراد بطليعة الشعب الممتازون الذين يتقدمون طوائف الشعب و يتزعمونها و يقضون أمورها. و اليهود يركزون ضرباتهم علي هؤلاء المتزعمين، فاذا دمروهم تحطمت دون مشقة الطوائف التي تسير وراءهم بلا تفكير.
[40] المعني ان الفساد الحالي سيشعر الناس بالحاجة الي الحكم (الاسرائيلي الحازم، و يحملهم علي ترقبة و معرفته و الخضوع له عند مجيته).
[41] سياسة البروتوكولات هنا تعترف اعترافا مما كتبه مكيا قلي في كتاب (الامير) بل هذه كلماته ينصها أحيانا لا بروحها و معناها فحسب.
[42] فضل مترجم البروتوكولات تعريب الكلمة علي ترجمتها لأنها مشهورة يعرفها حتي العامة، و معني الاستراتيجية في فيادة الجبوش و ما تستتبعه هذه القيادة و لا توجد كلمة في العربية تؤدي معناها كاملا. و معني الفقرة ان موقفنا في حربنا ضد العالم و حكمه قد وضع أساسه ابطالنا الا قدمون، و سعي في تنفيذة حكماؤنا منذ قرون حتي الان فاذا سالمنا العالم أفدنا كل أعمالهم الماضية.
[43] الا و توقراطية نظام الحاكم الفرد المستبد الطلق و قد فضل التوني تعريب الكلمة علي ترجمتها و هم يريدون بذلك مثل مملكتهم و ملكها المسيح المخلص.
[44] هذه مغالطة، لأن الممتاز في مواهبه السياسية لابد أن يكون حاكما ممتازا، و منشأ الخلط هنا و في سياسة الهيئات، هو وضع الحكم في أيدي رجال لهم امتيازاتهم في غير ميادين السياسة أو ليست لهم مواهب سياسة ناضحة.
[45] اقرب نظام يشبه النظام المرسوم هنا هو نظام الحكم في روسيا الشيوعية التي يحكمها طاغية مطلق، و النظام الشيوعي وضعه و ينفذه اليهود (انظر كتاب الرت الحرية).
[46] يريد ان الخطة التي تنشأ عن التوفيق بين آراء أعضاء البرلمان خطة مركبة فاسدة، علي عكس الفكرة الموحدة المتماسكة التي يديرها حاكم مستبد وحده (انظر البروتوكول العاشر و هوامشه).
[47] الدراسات الاديبة القديمة كالتراث اليوناني و الروماني و ما يجري مجراه.
[48] أي صنائعنا الذين نتخدهم آلات لتنفيد أغراضنا.
[49] وضع المترحم كلمة قهرمانات لكلمة covernemesses و القهرمانه هي القيمة علي شئون المنزل، أو علي شئون الأطفال فيه، و هي المربية (الدادة) و قلما تخلومنها البيوت الكبيرة.
[50] اخترنا هذا الجمع لأنه المعروف بيننا لمن يكتبون الرسائل و الحسابات و نحوها في البيوت التحارية و دواوين الحكومة و ما اليها، و قد حصص لفظ الكتاب جمع كاتب ايضا للأدباء مقابل كلمة writers.
[51] هكذا تحكم روسيا الآن كما يدل علي ذلك كتاب (أثرت الحرية) و النظام الاداري الذي رسمه حكماء اليهود هنا هو الذي طبقه خلفاؤهم اليهود في روسيا.
[52] لقد تم ما أراد اليهود و تحقق ما تنبأ به نيلوس و هو سقوط الملكيات في البلاد الاوربية الملكية عقب الحربين العالميتين: كروسيا و المانيا و ايطاليا.
[53] ليلاحظان كثير من زعماء الامم المشهورين فيها كالعلماء و الفتانين و الادباء وقادة الجيوش و رؤساء المصالح و الشركات لهم زوجات أو خليلات أو مديرات لمنازلهم من اليهوديات. يطلعن علي أسرارهم و يوجهن عقولهم و جهودهم لمساعدة اليهود أو العطف عليهم أو كف الأذي عنهم و هن سلاح بعد أخطر الاسلحة. من تعقيبات الاستاذ محمد خليفة التونسي السابق.
[54] كان اليهود يشترون الاراضي من عرب فلسطين بأئمان غالية، ثم يسلطون نساءهم و خمورهم علي هؤلاء العرب حتي يبتزوا منهم الأموال التي دفعوها لهم و علي هذا النحو و أمثاله يعملون في كل البلاد.
[55] يجب أن يلاحظ ان الشريعة الموسوية لا يرعابها اليهود الابين بعضهم و بعض و لهم في معاملة الامميين و الغرباء عنهم طريقة خاصة، فهم ينظرون اليهم كالحيوانات تماما و لا يرعون لهم حركة و اكثرهم يلتزم شريعة التلمود اليهودية و هي شريعة أشد وحشية و اجراما من شريعة الغاب.
[56] الخريطة التي يشير اليها نيلوس هنا لم توضح في نسختنا الأنجليزية - التونسي ص 286.
[57] بهاء الله و العصر الجديد ص 32 - الكواكب الدرية في مآثر البهائية ص 257.
[58] دائرة المعارف الادبية ص 785 الجزء الثالث.
[59] «الكواكب الدرية في مآثر البهائية»، ص 218 ط عربي.
[60] انظر لذلك «البابية تاريخها و منشئها» في كتاب «البابية».
[61] انظر لذلك «البابية و تاريخها و منشئها، و الكواكب الدرية ص 131 ط فارسي.
[62] المرجع السابق، ص 138.
[63] انظر لذلك أسفار العهد القديم و الكتب الأخري للشيعة.
[64] «الكواكب» ص 271 و 272.
[65] «مطالع الانوار» لنبيل الزرندي البهائي، ص 298 ط انجليزي.
[66] مطالع الانوار، ص 299.
[67] كتاب «قرةالعين» للداعية البهائية مارتاروث ص 67 ط ازدو پاكستان.
[68] مفتاح باب الأبواب، ص 176.
[69] مفتاح باب الأبواب، ص 176.
[70] خطاب عن البهاء عباس أفتدي في مؤتمر حرية المرأة في لندن نقلا عن كتاب (بهاء الله و العصر الجديد)، ص 149.
[71] البروتوكولات ص 77.
[72] من كتاب (الحجاب) للأستاذ المودودي ص 23 - 20.
[73] المرجع السابق ص 55 - 53.
[74] الاولي ان نعبر دائما «بالنظرية الكنسية» لبعد ما بين حقيقة النصرانية و «التصورات الكنسية» سيد قطب: السابق ص 73.
[75] كتاب الحجاب للأستاذ المودودي ص 28 - 25.
[76] لوح زين المقربين للمازندراني نقلا عن كتاب «الحدود و الأحكام» لاشراق الخاوري، البهائي، ص 164.
[77] الباب السابع من الواحد السادس من «البيان العربي».
[78] سورة النساء، الآية 82.
[79] الباب السابع من الواحد السادس من «البيان العربي».
[80] «الاقدس» للمازندراني.
[81] المصدر نفسه.
[82] سورة يونس، الآية 32.
[83] «الاقدس» للمازندراني.
[84] الأقدس للمازندراني.
[85] كتاب عهدي لحسين علي نقلا عن «البابيون و البهائيون» للحسني، ص 44، 43.
[86] «وصايا عبدالبهاء عباس»، ص 11.
[87] «الاقدس» للمازندراني الفقرة 123.
[88] الأقدس، الفقرة 122.
[89] «اشرافات» للمازندراني.
[90] مجموعه حدود و أحكام للخاوري البهائي ص 219.
[91] سيد قطب: السابق.
[92] سيد قطب: السابق، ص 87.
[93] كون كل فرد انساني له خصائص ذانية - غير الخصائص الانسانية الانسانية المشتركة - تجعله كائنا بذاته أو عالما بذاته.
[94] هو علم ما وراء الطبيعة.
[95] الانسان ذلك المجهول، ص 8 - 5.
[96] تعريب شفيق اسعد فريد. منشورات مكتبة المعارف بيروت - سيد قطب السابق ص 12.
[97] لعله يشير الي ما وقع من هذا في أواخر أيام الحضارة لاغريقية، و اواخر أيام الحضارة الرومانية. وادي في كلتا الحالتين الي سقوطها واند ثارها، سيد قطب: السابق ص 32.
[98] هذا ما يقوله عالم متخصص، أما جهلاء الصحفيين عندنا، و كتاب القصص الجنسي، و مجلات الاغراء الرخيص من البهائيين المتسترين فتوحي كلها للشبان أن يفرغوا طاقتهم الجنسية ليحصلوا علي الراحة و الاستقرار!!! سيد قطب، السابق، ص 126.
[99] يلاحظ هنا اعترافه بأن حرارة الايمان الديني قد اوجدت «انزان العقل» و ان هذا الاضطراب كله الذي يصفه انما نشأ من تتحية الزواجر العلوية.. و مع هذا فهو يهاجم الدين جملة و الاسلام بصفة خاصة في تتايا كناية. و بماذا يريد أن يستبدل الدين؟ بالفلسفة أو كما يسميها الحكمة! و الارض لم تخل من الفلسفة في أي عصر و لكنها لم تقم أبدا مقام الايمان الديني في قيادة المجتمع الي التوازن، و الي التسامي الخلقي. كذلك يلاحظ تشبيه المغرض للدين الذي شردوا عنه الوئتية التي كانت قبل سقراط، و التي انهارت فأنشأت لعصر سقراط تلك المشكلة التي يتحدث عنها فالتسوية بين الديانات السماوية و الوثنية و الاغريقية لا تعبر الا عن الهوي، سيد قطب: السابق. [
[100] يلاحظ ميله - و هو امر يكي - الي اعتبار قواعد المذهب الماركسي في التفسير الاقتصادي للتاريخ و قد دفعه هروبه من الدين الي هذا المأزق. فهو لا يريد أن يعترف ان شروذهم عن الدين هو الذي ادي بهم الي هذه القوضي... انما هو مجرد الانتقال من العهد الزراعي الي العهد الصناعي، سيد قطب: السابق ص 137.
[101] هذا في الحقيقة هو السر، «في عالم خلقه الانسان» في معزل عن الله و هداه! و هذا هو سبب البلاء.. سيد قطب: السابق ص 137.
[102] ويل ديورانت: السابق ص 117 - 128.
[103] يعترف هنا بسوء الاثر الذي أحدثه تحطيم الايمان بالعناية الالهية و انتزاع سند العقيدة الدينية من الضمير. بينما هو في كتابه كله لا يستهدف غرضا أظهر من تحطيم الايمان بالعناية الالهية و انتزاع سند العقيدة الدينية من الضمير، و الزراية علي الايمان بالغيب و علي زواجر العلوية!!! سيد قطب: السابق ص 139.
[104] يشير الي وسائل منع الحمل و الوقاية من الأمراض السرية، الأمران اللذان و فرتهما الحضارة.. سيد قطب: السابق ص 139.
[105] ويل ديورانت: السابق ص 136 - 135.
[106] ويل ديورانت، المرجع السابق، ص 225 - 223.
[107] المرجع نفسه ص 236 - 235.. يلاحظ ان هذا كله قد ثم في امريكا كما توقع الكاتب، و ان هذا البلاء يزحف علينا زحفا نكدا كتيبا: سيد قطب: السابق ص 142.
[108] ابوالأعلي المودودي: كتاب الحجاب، ص 61 - 60.
[109] كانما هذا الرجل الفاضل العميق النافذ يصف ما تقوم به صحافة و كتاب قصة و أجهزة توجيهية كثيرة في بلادنا، في دأب و اصرار.. ان بروتوكولات صهيون تقول: انها ستقوم بهذا التدمير في جميع الأمم، لتسقط في يد ملك صهيون في النهاية.. سيد قطب: السابق، ص 145.
[110] يعقب الاستاذ سيد قطب علي ذلك يقوله «اقرأ هذا، و اقرأ صفحات (المرأة) في صحافتنا كلها، فأجد كانما الرجل يصف ما عندنا، لا ما هو واقع في ذلك العالم الرأسمالي و أعود الي «بروتوكولات صهيون» فأجد فيها النص علي اتباع هذه الحظة. و اعلم - اذن - من أين تستقي صحافتنا مناهجها، و ما هي الخطة التي تنفذها في مجتمعنا..؟!.
[111] المودودي السابق، ص 87 - 82.
[112] السابق ص 39 - 37، راجع في كتاب سيد قطب ص 149: شهادة الدكتور كاريل السابقة في ضرورة الكبت فترة، ضمانا للنهو العقلي، علي عكس ما يهتف به دعاة الاباحية و النحلل و البهائي للشباب المسكين، تنفيذا لبروتوكولات صهيون!.
[113] السابق (المودودي) ص 73 - 72.
[114] و قد علق الاستاذ سيد قطب علي ذلك بقوله: و مثل هذه الظاهرة اخذت تنجلي في الشباب الامريكي. فقد أعلن رئيس الولايات المتحدة ان أكثر من مليون شاب امريكي لم يصلحوا للخدمة العسكرية من بين ستة ملايين تقدموا للتجنيد. و عزا ذلك الي ضعف بنية الشعب الامريكي بصفة عامة، نتيجة حياة الترف التي انغمس فيها.. «سيد قطب: السابق ص 150».
[115] المودودي: السابق، ص 114.
[116] المودودي: السابق، ص 132.
[117] المودودي: السابق، ص 123.
[118] المرجع نفسه ص 137.
[119] يعلق الاستاذ سيد قطب يقوله: كتب القاضي هذا الكلام في ستة 1922 و هذه الحالة تعتبر رجعية! فالتقدم لا يتوقف، و لعل هذا ما تريده بعض الصحف من صحافتنا، و تعتبره رسالة لها و لكنها ليست رسالة لحساب هذا البلد، و انما لحساب صهيون، و بروتوكولات صهيون.. ان واحدة من هذه الصحف تحدثت عن عدم كفاية الجيش التركي لأن طائفة «الدونما» الصهيونية قد اشاعت فيه الانحلال، فأصبح الضابط التركي يصلح لكل شي‌ء الا للقتال بعد ما ضيعته الصهيونية و علمته التكسع في شارع أتاتورك لمغازلة الفتيات.. فما الذي تصنعه هذه الصحف من شعوبنا؟ و هل تصنع الا ما صنعته الدونما في تركيا؟ لذلك يحق لا أن نسأل: لحساب من نعمل و تنشر في شبابنا التميع و الفساد؟ سيد قطب: السابق ص 153.
[120] المودودي: السابق، ص 153.
[121] جريدة الاهرام.
[122] الشيخ عبدالعزيز جاويش: الاسلام دين الفطرة و الحرية ص 15.
[123] المرجع لنفسه، ص 16 و ما بعدها.
[124] سورة العنكبوت، الآيتان 50 و 51.
[125] سورة الانعام، الآية 50.
[126] سورة الاسراء، الآيات 93 - 90.
[127] سورة الانعام، الآيات 111 - 109.
[128] راجع كتاب «رجاء جارودي و حضارة الاسلام» تأليف أمينة النصاري و عبدالعزيز شرف، القاهرة مكتبة مصر.
[129] سيد قطب: السابق، ص 181.
[130] سورة التين، الآيات 5 - 3.
[131] نفسه ص 183.
[132] د. محمد البهي: الاسلام في حياة المسلم، ص 337.
[133] سورة البقرة، الآية 276.
[134] سورةالنور، الآية 33.
[135] سورة الحديد، الآية 7.
[136] سورة الذاريات، الآية 19.
[137] د. محمد البهي، الاسلام في حياة المسلم، ص 339.
[138] العقاد: السابق، ص 168.
[139] سورة الانعام، الآية 151.
[140] العقاد، ص 170.
[141] مكاتيب عبدالبهاء، ج 3، ص 270.
[142] خزينة حدود و احكام ص 120.
[143] احسان الهي ظهير: السابق، ص 216.
[144] الامام محمد ابوزهرة: السابق، ص 33.
[145] نفسه، ص 34.
[146] نفسه ص 134.
[147] الامام محمد أبوزهرة، ص 135.
[148] الامام محمد أبوزهرة، ص 135.
[149] نفسه، ص 177.
[150] العقاد: المرأة ذلك اللغز، ص 194.
[151] سورة البقرة، الآية 228.
[152] محمد عطية الابراش: مكانة المرأة في الاسلام، ص 27.
[153] محمد عطية الأبراش: مكانة المرأة في الاسلام، ص 29.
[154] تفسير المنار، ج 2، ص 376 - 375.
[155] محمد عطيه الابراش: السابق، ص 30.
[156] سورة النساء، الآية 1.
[157] راجع جارودي: السابق.
[158] سيد قطب السابق، ص 64.
[159] سورة النساء، الآية 1.
[160] سورة آل عمران، الآية 195.
[161] سورة الاحزاب، الآية 35.
[162] سورة الروم، الآية 21.
[163] سورة البقرة، الآية 187.
[164] سورة البقرة، الآية 223.
[165] سورة النساء، الآية 7.
[166] سورة النساء، الآية 7.
[167] سورة النساء، الآية 11.
[168] سورة النساء، الآية 11.
[169] سورة النساء، الآية 12.
[170] سورة النساء، الآية 4.
[171] أي فيما عدا المحرمات المذكورات في آيات سابقة.
[172] سورة النساء، الآية 24.
[173] سورة النساء، الآيتان 20 - 19.
[174] سورة النساء، الآية 34.
[175] سورة النساء، الآية 35.
[176] سورة النساء، الآية 130.
[177] سورة البقرة، الآية 233.
[178] يراجع هذا الموضوع بتوسع كاف في كتاب «الحجاب» للسيد أبي الأعلي المودودي. و كذلك في كتاب «الانسان بين المادية و الاسلام» لمحمد قطب. سيد قطب: السابق، ص 69.
[179] و بيع أولاده كذلك....
[180] سيد قطب: السابق، ص 70.
[181] بروتووكولات حكماء صهيون. ترجمة محمد خليفة التونسي، ص 198.
[182] المرجع نفسه، ص 209.
[183] دفائن النفسية اليهودية للرغبي، ص 158.
[184] صافي ناز محمد كاظم: في مسألة السفور و الحجاب.
[185] د. محسن عبدالحميد: حقيقة البابية و البهائية ص 142.
[186] سورة الانعام، الآية 121.
[187] المصدر السابق ص 81، 162، 163.
[188] صافي ناز محمد كاظم: السابق، ص 16.
[189] المصدر السابق ص 178.
[190] المصدر السابق ص 94.
[191] عباس محمود العقاد: حقائق الاسلام و أباطيل خصومه، ص 164.
[192] العقاد، حقائق الاسلام، و أباطيل خصومه، ص 166.
[193] نفسه، ص 166.
[194] محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي، ص 198.
[195] الخطر اليهودي، ص 153.
[196] حسين محمد يوسف: صلة الحركات النسائية بالاستعمار، ص 186.
[197] المصدر نفسه، ص 186.
[198] داود بركات في عدد الاهرام الخاص بمرور 75 عاما علي تأسيسه.
[199] المرأة و الحجاب للمرحوم محمد طلعت حرب باشا.
[200] المرجع نفسه، ص 188.
[201] المرأة و الحجاب للمرحوم محمد طلعت حرب باشا، ص 188.
[202] احمد عبدالعزيز الحصين: المرأة و مكانها في الاسلامي، ص 180.
[203] نفسه، ص 191.
[204] الحصين، المرأة و مكانها في الاسلام، ص 192.
[205] انظر لشاتليه: الغارة علي العالم الاسلامي، ترجمة محب الدين الخطيب و مساعد الباقي، ص 75.
[206] الحصين، المرأة و مكانها في الاسلام، ص 76.
[207] نفسه، ص 92.
[208] مطالع الأنوار، ص 231.
[209] احسان الهي ظهير: البابية، ص 56.
[210] الغارة علي العالم الاسلامي، ص 92.
[211] بروفسور براون: مقدمة نقطة الكاف ص «ما» و «سب».
[212] نقطة الكاف ص 144 - للبابي المقتول في البابية المرزة جاني الكاشاني.
[213] دائرة المعارف للبستاني، ص 28 ج 5.
[214] الكواكب ص 131 ط فارسي.
[215] نقطة الكاف، ص 154.
[216] مطالع الانوار، ص 298.
[217] الكواكب، ص 227.
[218] مفتاح باب الأبواب، ص 181.
[219] احسان الهي ظهير: السابق، ص 82 نقلا عن الكواكب الدرية في مآثر البهائية لعبد الحسين آواره، ص 129 ط فارسي.
[220] المرجع السابق، ص 218 ط عربي.
[221] نفسه، ص 219.
[222] سورة العنكبوت، الآية 45.
[223] سورة الماعون، الآيات 4 - 7.
[224] الامام محمد ابوزهرة: تنظيم الاسلام للمجتمع، ص 20.
[225] صالح عبدالله قابيل و د. عبدالعزيز شرف: وجها لوجه بين مسلم و بهائي، القاهرة، مكتبة مصر، 1986.
[226] سورة النساء، الآية 82.
[227] سورةالتوبة، الآية 36.
[228] محمد أبوزهرة: تنظيم الاسلام للمجتمع، ص 22.
[229] أبوزهرة، تنظيم الاسلام للمجتمع، ص 18.
[230] سورة الحجرات، الآية 13.
[231] تنظيم الاسلام للمجتمع، ص 49.
[232] سورة الرعد، لآية 25.
[233] سورة الروم، الآية 21.
[234] سورة البقرة، الآية 187.
[235] تنظيم الاسلام للمجتمع، ص 50.
[236] عباس محمود العقاد، السابق، ص 166.
[237] سورة النساء، الآية 23.
[238] العقاد مرجع سابق، ص 167.
[239] سورة الفرقان، الآية 54.
[240] مكاتيب عبدالبهاء ص 370، ج 3 و خزينة حدود و أحكام، ص 186.
[241].
[242] نفسه، ص 186 - 185.
[243] سورة النساء، الآية 23.
[244] الامام محمد أبوزهرة: السابق ص 73.
[245] المرجع نفسه، ص 73.
[246] المرجع نفسه، ص 73.
[247] مكاتيب عبدالبهاء، نقلا عن خزينة حدود و أحكام، ص 176.
[248] خزينة حدود و أحكام، ص 177.
[249] الاقدس الفقرة 142.
[250] الاقدس الفقرة 142 و 143 و 144.
[251] احسان الهي ظهير: السابق، ص 188.
[252] العقاد: السابق، ص 177.
[253] العقاد: السابق، ص 177، كتاب الزواج الأمثل Bono Conjugali.
[254] سورة النساء، الآية 3.
[255] سورة النساء، الآية 129.
[256] سورة الطلاق، الآية 6.
[257] سورة البقرة، الآية 233.
[258] سورة البقرة، الآية 229.
[259] سورة الاحزاب، الآية 49.
[260] الامام ابوزهرة: السابق، ص 76.
[261] نفسه، ص 76.
[262] نفسه، ص 77.
[263] الامام أبوزهرة، ص 77.
[264] الامام محمد ابوزهرة: السابق، ص 86 و ما بعدها.
[265] انظر رد الاستاذ بيكار علي المؤلف في الفصل الاول.
[266] في الحوار الذي أجرته صحيفة المسلمون - العدد 25 - 44 ربيع‌الاول - 1406 ه / 7 ديسمبر 1989 م سئل الاستاذ بيكار: هل أنت بهائي بالوارثة أي انك نشأت في أسره بهائية فأجاب: لقد نشأت نشأة اسلامية محافظة و متدينة، و حوالي سنة 1928 ميلادية حضرت الي القاهرة للالتحاق بكلية الفنون الجميلة. و كان للعائلة صديق يدعي محمد زين‌العابدين، و كان بهائيا فكنت أحضر جلساته و استمع الي ما يقال فيها و التي كانت تضم مسلمين و مسيحين كانوا يأتون بأدلة من القرآن و الكتاب المقدس علي أن هناك ظهورا جديدا آسيائي و في الكتاب المقدس ما يؤكد مجي‌ء محمد عليه الصلاة و السلام و كذلك في الكتب السماوية كلها ما يؤكد بأن بعد محمد سيجي‌ء ظهور اله آخر و هو ما يطلق عليه المهدي المنتظر و هو ما يتمثل حاليا حسبما تعتقد - في بهاء الله و رسالته. و كنت أولا اعترض علي هذا الفكر اعتقاد بأن محمدا هو خاتم الانبياء و ان الاسلام هو خاتم الاديان الا أنه عن طريق قراءاتي المتأنية في الكتب المقدسة سواء الانجيل أو التوراة أو القرآن الكريم أمنت بما لا يقبل الشك و باليقين الكامل بأن محمدا حق و موجود و موعود في جميع الرسالات السماوية السابقة، كما ان بهاء الله أبضا موجود بنفس الوضوح في جميع آيات الكتاب المقدس و القرآن الكريم باعتباره الظهور الالهي الذي سيأتي بعد محمد، و ان من يكفر بهذا الظهور الالهي الجديد التمثل في شخص بهاء الله كأنه كافر بجميع الديانات السابقة. اذ أن بهاء الله حق وارد في هذه الديانات. و عندما اصبحت بهائيا بدأت اتردد علي المحفل البهائي، في العباسية بحظيرة القدس و انتظمت في مجالسهم من سنة 1942، و انتخبت في المحفل المحلي لمدينة القاهرة، و كنت رئيسا له في يوم من الأيام، و انتخبت عضوا بالمحفل المركزي حتي صوت نائبا لرئيس المحفل المركزي لمصر و السودان و شمال افريقيا و الي أن صدر قانون 1960 بالقرار الجمهوري الذي حق هذه المحافل فامتنع نشاط المحفل البهائية. و لكن استمر البهائيون كأصحاب عقيدة و مواقع، و هم يتزاورون و يودون بعضهم و يتزاوجون من بعضهم حتي أصبح المجتمع البهائي في مصر أسرة واحدة.
[267] من هذا النص علي لسان الاستاذ بيكار يتضح معني ما تقول.
[268] سورة البقرة، الآية 164.
[269] سورة النحل، الآيات 67 - 65.
[270] سورة العنكبوت، الآية 43.
[271] سورة آل عمران، الآية 190.
[272] سورة البقرة، الآية 171.
[273] سورة الانفال، الآية 22.
[274] سورة الاعراف، الآية 179.
[275] سورة الملك، الايات 11 - 6.
[276] د. عبدالكريم الخطيب: التصوف و المتصوفة في مواجهة الاسلام، ص 31.
[277] نفسه، ص 31.
[278] نفسه، ص 31.
[279] من كتاب «الحياء الوجدانية و العقيدة الدينية للدكتور محمود حسب الله، ص 278، و قد كان رحمه الله مدير المركز الاسلامي بواشنظن ثم أمينا عاما للمجلس لأعلي للبحوث الاسلامية بالأزهر.
[280] سورة الكهف، الآية 29.
[281] سورة البقرة، الآية 256.
[282] سورة العاشية، الآيات 22 -21.
[283] سورة الرعد، الآية 40.
[284] سورة يونس، الآية 99.
[285] قال الله تعالي في كتابه الحكيم: (و آتيناه من كل شي‌ء سببا فأتبع سببا). يقول د. ثروت عكاشة في تعقيبه: في هذا النص الكريم ما يكفي لاثبات أن الدين لا يتناقض مع العلوم - هامش ص 19 (من كتاب د. هنري لئك - العودة الي الدين - ترجمة د. عكاشة).
[286] Inteligence Quotient.
[287] Phi Beta Kappa هو اسم أقدم مؤسسة صحيفة للأدب الاغريقي تأسست عام 1776 م شعارها «الفلسفة دليل الحياة» و هي لا تعدو الآن ان تكون منظمة شرقية فقدت قيمتها الاجتماعية و صار اسمها الآن يمتح كدرجة علمية للطلبة الممتازين المتفوفين - د. عكاشة ص 22.
[288] Libido هي الطاقة الحيوبة في الانسان قصد بها فرويد الحرمان الجنسي أو الجانب العقلي للغريزة الجنسية، و لكن يونيج توسع في معني التعبير و أطلفه بصفة عامة علي الطاقة الحيوية بأسرها. د. عكاشة ص 23.
[289] د. هنري لنك: العودة الي الدين - السابق، ص 29 - 20.
[290] سورة الانفال، آية 60.
[291] سورة الانفال، الآية 61.
[292] سورة الاحزاب، الآية 25.
[293] سورة الانفال، الآية 60.
[294] سورة الانفال، الآية 61.
[295] سورة المائدة، و الآية 3.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.