الاشارة الي مذهب اهل الحق‌

اشارة

نام كتاب: الاشارة الي مذهب اهل الحق
نويسنده: ابو اسحاق شيرازي
موضوع: كلام اشاعره
تاريخ وفات مؤلف: 476 ق
زبان: عربي
تعداد جلد: 1
ناشر: دار الكتب العلمية

ترجمة المؤلف‌

اشارة

ترجمة المؤلف
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أبي إسحاق الشيرازي 393- 476 ه هو الإمام إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد اللّه الفيروزآبادي الشيرازي و كنيته أبو إسحاق ولد سنة 393 ه في إحدي قري فارس يقال لها جور، ثم انتقل بعد ذلك إلي شيراز فنسب إليها، و نقل ابن كثير أن مولده كان سنة 393 ه بخوارزم.
نشأ محبا للعلم يسعي إلي تحصيله و يرتحل في طلبه من مكان إلي مكان آخر ما بين خراسان و نيسابور.
تتلمذ الشيرازي علي أئمة كبار، فجلس بشيراز إلي مجلس شيخه أبي عبد اللّه البيضاوي و أبي أحمد بن عبد الوهاب بن رامين، ثم قدم البصرة فتتلمذ علي يد الخرزي.
و دخل بغداد في شوال سنة 415 ه فلازم بها شيخه أبا الطيب الطبري، و برع في الفقه الشافعي و ذاع صيته فيه حتي جلس مجلس شيخه في التدريس و التعليم كما قرأ الفقه أيضا علي الزجاجي و أخذ الأصول عن أبي حاتم القزويني، و سمع الحديث من أبي بكر البرقاني ببغداد و جلس للحديث و الفتيا في بغداد و نيسابور و همذان. و عرف بين أبناء عصره بأنه أعلم أهل العصر في الفقه الشافعي و الحديث، و أصبح مجلسه مقصدا يؤمه طلبة العلم من كل مكان حتي قال فيه العقيلي مادحا فضله و علمه:
كفاني إذا عنّ الحوادث صارم ينيلني المأمول في الإثر و الأثر
يقدّ و يفري في اللقاء كأنّه لسان أبي إسحاق في مجلس النّظر
و ذكر الذهبي في العبر أنه كان أنظر أهل زمانه و أفصحهم و أكثرهم ورعا و تواضعا و بشرا و انتهت إليه رئاسة المذهب و توفي و له ثلاث و ثمانون سنة.
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 364

مذهبه:

مذهبه:
من المعروف أن أبا إسحاق قد جمع في مذهبه في أصول الدين و فروعه بين الأشعرية و الشافعية. فكان علي مذهب أبي الحسن الأشعري عقيدة، و علي مذهب الشافعي فروعا، و كانت قدمه ثابتة في تاريخ المذهبين، فكان مرجعا في مسائل الخلاف سواء في قضايا الأصول أو في قضايا الفروع، و يتضح من الكتاب الذي بين أيدينا تمسكه الشديد بالمذهب الأشعري و دفاعه عنه و انتصاره لرأي أبي الحسن في قضايا الخلاف بينه و بين القدرية.
و قد وقع في عصره خلاف بين الحنابلة و القشيري و هو خلاف مشهور بين المذهبين في قضايا أصول الدين، و شكا الحنابلة من الفيروزآبادي لأنه كان ينتصر لمذهب الأشاعرة و للقشيري ضد الحنابلة، و بلغ ذلك نظام الملك حيث قيل له إن أبا إسحاق يريد إبطال مذهب الحنابلة، فأرسل إليه نظام الملك في ذلك حتي يكف عن النيل من الحنابلة فكتب إليه أبو إسحاق يشكو من عنف الحنابلة و يذكر له سبهم له و أن الحنابلة يثيرون الفتن بين المسلمين و يسأله المعونة علي الحنابلة، فكان جواب نظام الملك يحمل الإنكار الشديد و التعنيف لخصوم القشيري من الحنابلة و كان ذلك سنة 469 ه و هدأت الأحوال بعد ذلك.
ثم تكلم بعض الحنابلة فنال من الشيخ أبي إسحاق فجمع الخليفة بينه و بين الحنابلة و أصلح ما كان بينهم من خصومات بعد أن كانت الفتنة قد بلغت في ذلك حدا كبيرا قتل فيها نحو عشرين قتيلا.
و ينقل بعض المؤرخين لما وقع الصلح، و سكن الأمر، أخذ الحنابلة يشيعون أن الشيخ أبا إسحاق تبرّا من مذهب الأشعري فغضب الشيخ لذلك غضبا لم يصل أحد إلي تسكينه، و كاتب نظام الملك، فقالت الحنابلة: إنه كتب يسأله في إبطال مذهبهم، و لم يكن الأمر علي هذه الصورة، و إنما كتب يشكو أهل الفتن، فعاد جواب نظام
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 365
الملك، في سنة سبعين و أربعمائة إلي الشيخ، باستجلاب خاطره و تعظيمه، و الأمر بالانتقام من الذين أثاروا الفتنة، و بأن يسجن الشريف أبو جعفر، و كان الخليفة قد حبسه بدار الخلافة، عندما شكاه الشيخ أبو إسحاق.
قالوا: و من كتاب نظام الملك إلي الشيخ «و إنه لا يمكن تغيير المذاهب، و لا نقل أهلها عنها، و الغالب علي تلك الناحية مذهب أحمد، و محله معروف عند الأئمة، و قدره معلوم في السنة ...» من كلام طويل، سكن به جأش الشيخ.
و أنا لا أعتقد أن الشيخ أراد إبطال مذهب الإمام أحمد، و ليس الشيخ ممن ينكر مقدار هذا الإمام الجليل، المجمع علي علوّ محلّه من العلم و الدين، و لا مقدار الأئمة من أصحابه أهل السنة و الورع. و إنما أنكر علي قوم عزوا أنفسهم إليه و هو منهم برئ، و أطالوا ألسنتهم في سبّ الشيخ أبي الحسن الأشعري. و هو كبير أهل السنة بعده، و عقيدته و عقيدة الإمام أحمد- رحمه اللّه- واحدة، لا شك في ذلك و لا ارتياب، و به صرح الأشعري في تصانيفه، و كرر فير مرة «أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجّل أحمد بن حنبل» هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه.
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 366

علمه و ورعه‌

علمه و ورعه
كان الشيخ أبو إسحاق ممن انتشر فضله في البلاد، و فاق أهل زمانه بالعلم و الزهد و السداد، و أقر بعلمه و ورعه الموافق و المخالف و المعادي و المحالف ...، و حاز قصب السبق في جميع الفضائل و تعزّي بالدين و النزاهة عن كل الرذائل، و كان سخي النفس، شديد التواضع، طلق الوجه، لطيفا ظريفا، كريم العشرة، سهل الأخلاق، كثير المحفوظ للحكايات و الأشعار.
كان عاملا بعلمه، صابرا علي خشونة العيش، معظما للعلم، مراعيا للعمل بدقائق الفقه و الاحتياط، فقال عنه القاضي أبو العباس الجرجاني صاحب (المعاياة) بتحقيقنا محمد فارس: كان أبو إسحاق الشيرازي لا يملك شيئا من الدنيا، فبلغ به الفقر حتي كان لا يجد قوتا و لا ملبسا و لقد كنا نأتيه و هو ساكن في القطيعة، فيقوم لنا نصف قومة- ليس يعتدل قائما من العري- كي لا يظهر منه شئ.
قال السرخاني: قال أصحابنا ببغداد: كان الشيخ أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئا، صعد إلي النصرية و له بها صديق، فكان يثرد له رغيفا و يشربه بماء الباقلاء، فربما صعد إليه و قد فرغ، فيقول أبو إسحاق: تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (النازعات:
من الآية 12).
قال أبو بكر الشاشي: أبو إسحاق حجة اللّه علي أئمة العصر.
و قال الموفق الحنفي: أبو إسحاق أمير المؤمنين في الفقهاء.
قال القاضي محمد بن الماهاني: إمامان ما اتفق لهما الحج، أبو إسحاق الشيرازي، و قاضي القضاة أبو عبد اللّه الدامغاني. أما أبو إسحاق فكان فقيرا، و لو أراده لحملوه علي الأعناق. و الآخر لو أراده لأمكنه علي السّندس و الاستبرق.
و قال القاضي محمد بن الماهاني: ما اتفق للشيخ الحج ذلك أنه ما كان له استطاعة الزاد و الراحلة.
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 367
و عن ورعه و إخلاصه و تحريه الدقة في كل شئ ما قيل عنه أنه كان يتوضأ يوما و كان يشك في غسل وجهه، و يكرر حتي غسله عدة مرات، فوصل إليه بعض العوام، و قال له يا شيخ، أما تستحي! تغسل وجهك كذا و كذا نوبة، و قد قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «من زاد علي الثلاث فقد أسرف»؟ فقال له الشيخ: لو صح لي الثلاث ما زدت عليها.
فمضي الرجل و خلّاه، فقال له واحد: ماذا قلت لذلك الشيخ الذي كان يتوضأ؟
فقال الرجل: ذاك شيخ موسوس، قلت له: كذا علي كذا.
فقال له: يا رجل، أما تعرفه؟
فقال: لا.
قال له: ذاك إمام الدنيا، و شيخ المسلمين، و مفتي أصحاب الشافعي؛ فرجع ذلك الرجل خجلا إلي الشيخ، و قال: يا سيدي اعذرني، فإني قد أخطأت و ما عرفتك.
كما روي عن الشيخ أنه كان يمشي يوما مع بعض أصحابه فعرض له في الطريق كلب فزجره صاحبه فنهاه الشيخ و قال: أما علمت أن الطريق بيننا مشترك.
و دخل يوما مسجدا ليأكل فيه شيئا علي عادته فنسي دينارا فذكره في الطريق فرجع فوجده فتركه و لم يمسه و قال ربما وقع من غيري و لا يكون ديناري.
حكي عنه أنه قال: كنت نائما ببغداد، فرأيت النبي صلي اللّه عليه و سلم و معه أبو بكر و عمر، فقلت: يا رسول اللّه: بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك حديثا أتشرف به في الدنيا، و أجعله ذخرا للآخرة، فقال لي يا شيخ!- و سمّاني شيخا، و خاطبني به.
و كان يفرح بهذا- قل عني: من أراد السلامة، فليطلبها في سلامة غيره. قال السمعاني سمعت هذا بمرو من أبي القاسم حيدر بن محمود الشيرازي، أنه سمع ذلك من أبي إسحاق ذاته.
و قد أورد الذهبي في أخباره عن الشيخ أنه مات و لم يخلّف درهما و لا عليه درهم. و كذا فليكن الزهد، و ما تزوج فيما أعلم.
و قد بني له الوزير نظام الملك مدرسة علي شاطئ دجلة أخذ يدرس بها بعد تمنع
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 368
شديد، و بدأ العمل بها يوم السبت مستهل ذي الحجة سنة 459 ه و ظل يدرس بها إلي أن وافته المنية سنة 476 ه. و كان كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات التي رواها عنه بعض تلامذته.
لبست ثوب الرّجاء و الناس رقدوا و قمت أشكو إلي مولاي ما أجد
و قلت يا عدّتي في كلّ نائبة يا من عليه لكشف الضّرّ أعتمد
و قد مددت يدي و الضرّ مشتمل إليك يا خير من مدّت إليه يد
فلا تردّنّها يا ربّ خائبة فبحر جودك يروي كلّ من يرد

من أهم مؤلفاته‌

من أهم مؤلفاته
1- التبصرة في أصول الفقه.
2- تلخيص علل الفقه.
3- التنبيه في فروع الشريعة.
4- الحدود.
5- رسالة الشيرازي في علم الأخلاق.
6- الطب الروحاني.
7- طبقات الفقهاء.
8- عقيدة السلف.
9- كتاب القياس.
10- اللمع في أصول الفقه.
11- المعونة في الجدل.
12- الملخص في الجدل في أصول الفقه.
13- ملخص في الحديث.
14- المهذب في المذهب.
15- نصح أهل العلم.
16- النكت في المسائل المختلف فيها بين الإمامين أبي حنيفة و الشافعي.
17- الوصول إلي مسائل الأصول أو شرح اللمع.
18- الإشارة إلي مذهب أهل الحق و هو كتابنا.
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 369

وصف النسخة الخطية

وصف النسخة الخطية
لقد اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب بالإضافة إلي المطبوعة علي نسخة معهد المخطوطات العربية تحت رقم [19- توحيد] و تقع في أربعين لوحة.
() طرة النسخة الخطية
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 370
() الورقة الأولي من النسخة الخطية
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 371

[مقدمة المؤلف]

[مقدمة المؤلف]
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم «1» قال الشيخ الإمام أبو إسحاق بن علي بن يوسف الفيروزآبادي- رحمه اللّه- أما بعد ... فإني لما رأيت قوما ينتحلون العلم و ينسبون إليه، و هم من جهلهم لا يدرون ما هم عليه، ينسبون إلي أهل الحق ما لا يعتقدونه، و لا في كتاب هم يجدونه، لينفروا قلوب العامة من الميل إليهم، و يأمرونهم أبدا بتفكيرهم و لعنهم، أحببت أن أشير إلي بطلان ما ينسب إليهم، بما أذكره من اعتقادهم و أنا مع ذلك مكره لا بطل، ولي دعوي لا عمل، و لكن شرعت فيما شرعت مع اعترافي بالتقصير، و علمي بأن ناصر الحق كثير، ليرجع الناظر فيما جمعته عن قبول قول المضلين، و يدين اللّه عز و جل بقول الموحدين المحققين.
فقد روي عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: «إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم ككاتم ما أنزل اللّه عز و جل علي محمد» «2».
و مقصدي بذلك النصيحة.
فلن يكمل المؤمن إيمانه حتي يرضي لأخيه ما يرضاه لنفسه. و يروي عنه صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: «من كتم أخاه نصيحة أو علما يطلبه منه لينفع به حرمه اللّه فضل ما يرجو» «3» نسأل اللّه تعالي أن لا يحرمنا رحمته، و أن يدخلنا جنته.
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 372

النظر أول الواجبات‌

النظر أول الواجبات
فمن ذلك: أنهم يعتقدون أن أول ما يجب علي العاقل البالغ المكلف القصد إلي النظر و الاستدلال المؤديين إلي معرفة اللّه عز و جل «1»؛ لأن اللّه عز و جل أمرنا بالعبادة، قال عز و جل: وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (البينة: من الآية 5) و العبادة لا تصح إلا بالنية، لقوله علية الصلاة و السلام «إنما الأعمال بالنيات» «2»، و النية هي القصد. تقول العرب: نواك اللّه بحفظه أي قصدك اللّه بحفظه. و قصد من لا يعرف محال، فدل ذلك علي وجوب النظر و الاستدلال، و لأن ما لا يتوصل إلي الواجب إلا به يكون واجبا كالواجب، ألا تري أن الصلاة لما كانت واجبة ثم لا يتوصل إليها إلا بالطهارة صارت الطهارة واجبة كالواجب. فكذلك أيضا في مسألتنا، لأنه إذا كانت معرفة الرب عز و جل واجبة ثم بالتقليد لا يتوصل إليها دل علي وجوب النظر و الاستدلال المؤديين إلي ذلك. فقد أمرنا اللّه عز و جل بذلك، و دعا إليه، فقال عز و جل: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (يونس: من الآية 101). أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ* أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (الواقعة: 58، 59) أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (الواقعة: 68، 69) أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَي الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَ إِلَي السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (الغاشية: 17، 18) الآية، و قال عز و جل إخبارا عن إبراهيم- عليه الصلاة و السلام-: فَلَمَّا جَنَ
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 373
عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأي كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (الأنعام: 76) الآيات. و أمرنا باتباعه فقال عز و جل: فاتبعوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ (الحج: من الآية 78).
فمن أنكر النظر و الاستدلال لا يخلو: إما أن ينكر بدليل، أو بغير دليل، أو بالتقليد فإن أنكره بغير دليل لا يقبل منه، و إن أنكره بالتقليد، فليس تقليد من قلده بأولي من تقليدنا، و إن أنكره بدليل فهو النظر و الاستدلال الذي أنكره و النظر لا يزول بالتفكير فبطل دعواه و ثبت ما قلناه.

إيمان المقلد

إيمان المقلد
ثم يعتقدون أن التقليد في معرفة اللّه عز و جل لا يجوز، لأن التقليد قبول قول الغير من غير حجة «1»، و قد ذمه اللّه تعالي فقال عز و جل: أَ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدي مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ (الزخرف: من الآية 24) إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلي أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلي آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (الزخرف: من الآية 23) و لأن المقتدين تتساوي أقوالهم، فليس بعضهم بأولي من بعض، و لا فرق بين النبي و المتنبي في ذلك.
و إذا كان الأنبياء مع جلالة قدرهم و علو منزلتهم لم يدعوا الناس إلي تقليدهم من غير إظهار دليل و لا معجزة، فمن نزلت درجته عن درجتهم؛ أولي و أحري أن لا يتبع فيما يدعو إليه من غير دليل، فعلي هذا لا يجوز تقليد العالم للعالم، و لا تقليد العامي للعامي، و لا تقليد العامي للعالم، و لا تقليد العالم العامي. فإن قيل: لم جوزتم تقليد العامي للعالم في الفروع و لم لا تجيزوها في الأصول؟.
قيل: لأن الفروع التي هي العبادات دليلها السمع، و قد يصل إلي العالم من السمع ما لا يصل إلي العامي، فلما لم يتساويا في معرفة الدليل جاز له تقليده، و ليس كذلك الأصل الذي هو معرفة الرب عز و جل فإن دليله العقل، و العامي و العالم في ذلك سواء، فإن العالم إذا قال للعامي: واحد أكثر من اثنين لا يقبل منه من غير دليل، فإن الفرق بينهما ظاهر «2».
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 374

حدوث العالم‌

حدوث العالم
ثم يعتقدون أن لهذا العالم صانعا صنعه، و محدثا أحدثه، و موجدا أوجده من العدم إلي الوجود لأنه حال وجوده و هو شي‌ء موجود موصوف بالحياة و السمع لا يقدر أن يحدث في ذاته شيئا ففي حال عدمه و هو ليس بشي‌ء أولي و أحري ألا يوجد نفسه، و لأنه لو كان موجدا لنفسه لم يكن وجوده اليوم بأولي من وجوده غدا، و لا وجوده غدا بأولي من وجوده اليوم، و لا كونه أبيض بأولي من كونه أسود، فدل علي أن له مخصصا يخصصه و موجدا يوجده. قال اللّه تعالي: وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ (الروم: من الآية 22).

صفة الوحدانية

صفة الوحدانية
ثم يعتقدون أن محدث العالم هو اللّه عز و جل، و أنه واحد أحد؛ لأن الاثنين لا يجري أمرهما علي النظام، لأنهما إذا أرادا شيئا لا يخلو إما أن يتم مرادهما جميعا أو لا يتم مرادهما جميعا أو يتم مراد أحدهما دون الآخر.
فإن لم يتم مرادهما جميعا؛ بطل أن يكون إلهين، و محال أن يتم مرادهما جميعا، لأنه قد يريد أحدهما إحياء جسم و الآخر يريد إماتته، و الإنسان لا يكون حيا أو ميتا في حالة واحدة.
و إن تواطآ فالتواطؤ أيضا لا يكون إلا عن عجز، و إن تم مراد أحدهما دون الآخر، فالذي لم يتم مراده ليس بإله؛ لأن من شروط الإله أن يكون مريدا قادرا؛ فدل علي أن اللّه عز و جل واحدا أحد.
قال اللّه عز و جل: وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (البقرة: من الآية 163). و قال عز و جل:
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 375
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (الأنبياء: من الآية 22).

صفة القدم‌

صفة القدم
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل قديم أزلي أبدا كان، و أبدا يكون؛ لأنه لو كان محدثا، لافتقر إلي محدث آخر، و ذلك المحدث إن كان محدثا، افتقر إلي محدث آخر، و يؤدي ذلك إلي التسلسل، و عدم التناهي، و ذلك محال.

مخالفته- تعالي- للحوادث‌

مخالفته- تعالي- للحوادث
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل لا يشبهه شي‌ء من المخلوقات، و لا يشبه شيئا منها؛ لأنه لو أشبهه شي‌ء لكان مثله قديما، و لو أشبه شيئا لكان مثله مخلوقا و كلا الحالين محال. قال اللّه عز و جل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشوري: من الآية 11).

اللّه تعالي ليس بجسم‌

اللّه تعالي ليس بجسم
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل ليس بجسم لأن الجسم هو المؤلف و كل مؤلف لابد له من مؤلف. و ليس بجوهر لأن الجوهر لا يخلو من الأعراض كاللون و الحركة و السكون، و العرض الذي لا يكون ثم يكون و لا يبقي وقتين. قال اللّه تعالي: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا (الأحقاف: من الآية 24) أي لم يكن فكان، و ما لم يكن فكان فهو محدث، و ما لا ينفك من المحدث فهو محدث كالمحدث.

صفاته تعالي أزلية

صفاته تعالي أزلية
ثم يعتقدون أن اللّه تعالي المحدث للعالم موصوف بصفات ذاتية، و صفات فعلية، فأما الصفات الذاتية فهي ما يصح أن يوصف بها في الأزل و في لا يزال كالعلم و القدرة، و أما الصفات الفعلية فهي ما لا يصح أن يوصف بها في الأزل و في لا يزال كالخلق و الرزق؛ لا يقال إنه أبدا كان خالقا و رازقا؛ لأن ذلك يؤدي إلي قدم المخلوق و المرزوق، بل يقال إنه أبدا كان قادرا علي الخلق و الرزق، عالما بمن يخلقه و يرزقه، فإن قيل إنه أبدا الخالق و الرازق بالألف و اللام جاز.

صفة العلم‌

صفة العلم
ثم يعتقدون أن اللّه تعالي عالم بعلم واحد قديم أزلي يتعلق بجميع المخلوقات فلا يخرج مخلوق عن عمله؛ لأنه لو لم يكن موصوفا بالعلم لكان موصوفا بضده و هو الجهل، ثم يكون الجهل صفة له قديمة، و القديم يستحيل عدمه، فلا يكون أبدا عالما،
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 376
و ذلك نقص، و الرب عز و جل موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص «1»؛ قال اللّه عز و جل: وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ (الحجرات: من الآية 16)، و قال تعالي: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ (النساء: من الآية 166).

صفة القدرة

صفة القدرة
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل قادر بقدرة واحدة قديمة أزلية تتعلق بجميع المقدورات، فلا يخرج مقدور عن مقدوراته، لأن ضد القدرة العجز فلو لم يكن في الأزل موصوفا بالقدرة لكان موصوفا بضدها و هو العجز، ثم يكون العجز صفة له قديمة، و القديم يستحيل عدمه كما ذكرنا في العلم فلا يكون أبدا قادرا، و ذلك آفة، و الرب عز و جل منزه عن الآفات. قال اللّه عز و جل: وَ اللَّهُ عَلي كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: من الآية 29). و الكلام في إثبات جميع صفاته الذاتية كالكلام فيما ذكرناه من إثبات العلم و القدرة.

صفة الإرادة

صفة الإرادة
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل مريد بإرادة قديمة أزلية، فجميع ما يجري في العالم من خير أو شر أو نفع أو ضر أو سقم أو صحة أو طاعة أو معصية فبإرادته و قضائه، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لم يرده؛ لأن ذلك يؤدي إلي نقصه و عجزه. قال اللّه تعالي فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (البروج: 16) و قال تعالي فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً (الأنعام: من الآية 125).
و الكلام في هذه المسألة مع القدرية يطول لأنهم لا يثبتونها علي أصلهم، و هو أن العقل عندهم يوجب و يحسن و يقبح، و عند أهل الحق العقل لا يوجب و لا يحسن و لا يقبح، بل الحسن ما حسنته الشريعة و القبيح ما قبحته الشريعة «2». قال اللّه عز و جل وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّي نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء: من الآية 15). فأخبرنا تعالي أنهم آمنوا من العذاب قبل بعث الرسول إليهم، فالواجب فعله ما لا يؤمن أمن في تركه عذاب، فعلم بهذه الآية أن اللّه تعالي لم يوجب علي العقلاء شيئا من جهة العقل، بل أوجب ذلك عند مجي‌ء الرسل من قبل اللّه تعالي، و لأن العقل صفة للعاقل و هو محدث
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 377
مخلوق للّه تبارك و تعالي، و ليس بقائم بنفسه و لا حي و لا قادر و لا عالم و لا متكلم، و ما هذه حالته فلا يصح أن يوجب علي العقلاء و لا علي غيرهم شيئا و لا أن يحرم شيئا و لا يقبح شيئا، و لا يعلم به غير المعلومات التي لا تتعلق به كجميع العلوم. إذا كان الأمر كذلك لم تصر الأفعال حسنة واجبة بإيجابه، و لا محرمة قبيحة بتحريمه، و لا مباحة كسائر الحوادث لأنه محدث مخلوق كسائر العلوم و الحوادث، و لو وجب عليهم شي‌ء من جهة العقل قبل مجي‌ء الرسل فكان حجة عليهم مجردة في ذلك لما قال:
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ (النساء: من الآية 165) بل كان الواجب أن يقول لئلا يكون للّه حجة بعد العقل. و لما بطل ذلك دل علي أن العقل ليس له تأثير في شي‌ء مما ذكرناه.
فإن قيل: لم قلتم إن اللّه عز و جل مريد للمعاصي خالق لها فبأي شي‌ء يستحق العبد العقوبة؟
يقال لهم: هل تثبتون أن اللّه عز و جل مريد للطاعة خالق لها أم لا؟
فإن قيل ليس مريدا لها و لا خالق أيضا فلا كلام معهم و الأولي السكوت عنهم؛ لأنهم قد كذبوا الرب في خبره، و قال عز و جل خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ (الأنعام: من الآية 102).
و إن قيل: إنه مريد لإيجادها و خالق لها يقال: فالعبد بأي شي‌ء ينال الثواب و الدرجات، و كل دليل لهم هنا هو دليل لنا هناك فكما أنه يقدرنا علي فعل الطاعة و يخلقها لنا ثم يثيبنا عليها بفضله فكذلك أيضا يقدرنا علي المعصية، و يخلقها لنا ثم يعاقبنا عليها بعدله لأنه متصرف في ملكه علي الإطلاق. و قد روي في الخبر أن اللّه عز و جل أوحي إلي أيوب: «لو لم أخلق لك تحت كل شعرة صبرا لما صبرت» ثم بعد ذلك يمدحه و يثني عليه بقوله إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ (ص: من الآية 44) فإذا كان الرب عز و جل خلق الصبر له فبأي شي‌ء نال هذا المدح و الثناء فدل علي أن الأمر ما ذكرناه لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ (الأنبياء: 23).
فإن قيل: وجدنا أحدنا إذا قال لغلامه: اكسر هذا الإناء فكسره ثم عاقبه يكون ظالما، فإذا قلنا إن اللّه عز و جل مريد للمعاصي ثم يعاقب عليها يكون ظالما؟.
يقال: حقيقة الظلم هو تجاوز الحد، فالسيد إذا قال لغلامه اكسر هذا الإناء و عاقبه يكون ظالما لأن فوقه آمرا و هو اللّه عز و جل أمره أن لا يتجاوز مع عبده الحد فإذا تجاوزه يكون ظالما، ثم يقال لهم: هذا السيد أمر عبده بكسر الإناء فكان عقوبته ظلما له و الرب عز و جل لم يأمر بالمعاصي قال اللّه عز و جل إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 378
بِالْفَحْشاءِ (الأعراف: من الآية 28) بل يقول إنه مريد للمعاصي و الأمر بخلاف الإرادة و نحن مخاطبون بالأمر لا بالإرادة.
فإن قيل: الأمر و الإرادة سواء فما أمر به فقد أراده، و ما أراده فقد أمر به.
قيل: هذا ليس بصحيح و الدليل عليه إذا قال رجل لغيره إن غلامي هذا لا يطيعني فيما آمره به و لا ينصحني ثم قال لغلامه افعل كيت و كيت فقد أمره بالفعل و هو يريد أن لا يفعل ليبين لذلك الرجل صدق قوله، فدل علي أن الأمر بخلاف الإرادة. أمر إبليس بالسجود، و هو لم يرد منه السجود، و لو أراد أن يسجد علي رغم أنفه، و نهي آدم عن أكل الشجرة و أراده أن يأكل منها، و عندهم أن اللّه عز و جل، أراد إبليس أن يسجد و إبليس ما أراد أن يسجد يكون علي قولهم إبليس وصل إلي مراده و الرب عز و جل ما وصل إلي مراده. ثم يقال لهم: هل الرب عز و جل قادر علي أن يحيل بين هذا العاصي و بين المعصية أم لا؟ و هل هو عالم بأنه إذا رزقه رزقا يتوصل به إلي المعصية أم لا؟ فإن قيل ليس بقادر و لا عالم فقد عطلوا و أبطلوا و نفوا القدرة و العلم و هو أصل مذهبهم، و ينتقل الكلام معهم إلي إثبات الصفات.
و إن قيل: إنه عالم و قادر. قيل لهم: لو لم يكن مريدا للمعصية من العاصي مع كونه عالما بأنه سيعصي و قادر أنه يحيل بينه و بينها لما وجدت، و إذا ثبت بأنه عالم بما يكون من العاصي قبل المعصية و قادر أن يحيل بينه و بينها ثم يتركه علي المعصية فلا يوصف بالظلم عند عقوبته، فكذلك أيضا يريد المعصية ثم يعاقب عليها و لا يوصف بالظلم و لو لم يكن مريدا للمعصية مع وجودها لكان عاجزا لأن من يجري في ملكه ما لم يرد لا يكون إلا عاجزا مغلوبا. و لهذا قال بعض أصحابنا: القدرية أرادت أن تعدل الباري فعجزته، و المشبهة أرادت أن تثبت الباري فشبهته. و هذا خلاف النص و الإجماع. قال اللّه تعالي: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (الإنسان: من الآية 30) و أجمعت الأمة علي ما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لم يكن. و قال عز و جل:
إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (الرعد: من الآية 27) وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (إبراهيم: من الآية 27) فأضاف إلي الإضلال إليه.
و قال عز و جل إخبارا عن نوح: وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (هود: من الآية 34) فأضاف الغواية إليه. و قال إخبارا عن موسي: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ (الأعراف: من الآية 155) و قال عز و جل وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً (الأنبياء: من الآية 35) فأضاف الخير و الشر إليه. و قال عز و جل إخبارا عن إبليس: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي (الحجر: 39) فلو كان إضافة ذلك إلي الرب
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 379
عز و جل لا يجوز لذم اللّه عز و جل إبليس علي ذلك كما ذمه و لعنه عند امتناعه عن السجود. و قد حكي عن بعض أصحابنا أنه قال: إن قوما إبليس أفقه منهم السكوت عنهم أولي من الكلام معهم.
فإن قيل قال اللّه عز و جل وَ لا يَرْضي لِعِبادِهِ الْكُفْرَ (الزمر: من الآية 7) قيل لهم: أراد به لا يرضي لعباده المؤمنين دون الكافرين.
فإن قيل: قد قال اللّه إخبارا عن موسي: قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ (القصص: من الآية 15) قيل: أراد به هذا مما يخلقه الشيطان بدليل قوله: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ (الأعراف: من الآية 155)، و الفرق بين ما نورده من الآيات و بين ما يوردونه إن ما نورد غير محتمل للتأويل و ما يوردونه محتمل لذلك ثم يقال لهم: جميع أعمال الخلق أعراض، فلو كان للمخلوق قدرة علي خلق بعضها لكان له قدرة علي خلق جميعها، ثم لا فرق بين خلق الأعراض و بين خلق الأجسام فإن الأعراض التي لا تكون ثم تكون و تفتقر إلي محدث يحدثها و يوجدها، و الأجسام كذلك أيضا فلو كان لمخلوق قدرة علي خلق الأعراض لكان له قدرة علي خلق الأجسام، فمن وصف المخلوقين بالقدرة علي خلق جميعها و هذا يؤدي إلي إثبات خالق غير اللّه تعالي قال اللّه تعالي: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (فاطر: من الآية 3).
و هذا القول من القدرية أعظم من قول اليهود و النصاري لأن اليهود أثبتت مع اللّه عز و جل العزير، و النصاري أثبتت المسيح، و القدرية أثبتت مع اللّه خالقين لا يحصي عددهم بقولهم: إن العبد يخلق و يريد و الرب يخلق و يريد و قد شبههم النبي صلي اللّه عليه و سلم بالمجوس بقوله: «القدرية مجوس هذه الأمة».
فإن قيل: إنهم القدرية لأنكم تقولون الرب عز و جل يقدر علي خلق المعاصي.
يقال لهم هذا لا يصح لأن من وصف غيره بالحياكة لا يصير حائكا بالحائك من فعل الحياكة. فقولنا إن اللّه يقدر لا نسمي بالقدرية بل القدرية الذين يصفون أنفسهم بالقدرة، و قد شبههم النبي صلي اللّه عليه و سلم بالمجوس و لأن المجوس يقولون بإلهي النار و النور، و القدرية يقولون بخالقين لأن العبد عندهم يخلق و الرب يخلق فلهذا شبههم بالمجوس.
و قد حكي أن بعض أهل التوحيد تناظر مع قدريّ و كانا بقرب شجرة فأخذ القدري ورقة من الشجرة و قال أنا فعلت هذا و خلقته.
فقال له الموحد: إن كان الأمر كما ذكرت فرده كما كان فإن من قدر علي شي‌ء قدر علي ضده، فانقطع في يده. و قد ذكرنا أن الكلام معهم في هذا يطول و لم يكن غرضي بما ذكرت الرد علي المخالف لاعترافي بالتقصير بل كان غرضي بما
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 380
ذكرت الرد علي المخالف لاعترافي بالتقصير بل كان غرضي أن أشير إلي مذهب أهل الحق لأبين ما هم عليه من التوحيد و اتباع السنة، و أرجو أن يكون قد حصل المقصود إن شاء اللّه تعالي.

صفة السمع و البصر

صفة السمع و البصر
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل يسمع بسمع قديم أزلي «1»، و يبصر ببصر قديم أزلي أبدا «2» كان موصوفا بهما و أبدا يكون، لأن عدمهما يوجب إثبات ضديهما و هما الصمم و العمي و ذلك آفة، قال اللّه عز و جل: وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (الحج: من الآية 61) و قال عز و جل: أَسْمَعُ وَ أَري (طه: من الآية 46).

صفة الكلام‌

صفة الكلام
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل متكلم بكلام قديم أزلي أبدي غير مخلوق و لا محدث و لا مفتر و لا مبتدع و لا مخترع بل أبدا كان متكلما به و أبدا يكون، لاستحالة ضد الكلام من الخرس و السكوت عليه، قال اللّه عز و جل: وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسي تَكْلِيماً (النساء: من الآية 164)، و قال: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَي النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي (الأعراف: 144)، و قال عز و جل فَأَجِرْهُ حَتَّي يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ (التوبة: من الآية 6) فأثبت لنفسه الكلام بهذه الآيات، فإذا ثبت أنه متكلم، فكلامه قديم أزلي، و الدليل قوله عز و جل الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ (الرحمن 1- 3) فلو كان مخلوقا لقال: الرحمن خلق القرآن، و خلق الإنسان، فلما لم يقل ذلك؛ فدل علي أن الإنسان مخلوق، و القرآن ليس بمخلوق.
و يدل عليه قوله عز و جل: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ (الأعراف: من الآية 54).
بالواو و الأمر كلام اللّه، فلو كان مخلوقا لقال الإله: الخلق و الخلق، و يكون تكرارا من الكلام، فلما فصل بينهما بالواو، دل علي أن الخلق مخلوق، و الأمر كلام قديم أزلي قال اللّه عز و جل: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‌ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (النحل: 40) فلو كان قوله كن مخلوقا لافتقر إلي قول قبله، و كذلك ما قبله، و يؤدي ذلك إلي
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 381
التسلسل، و عدم التناهي، و يؤدي ذلك إلي عدم المخلوقات، و لأن الرب عز و جل لا يخلق الخلق بالخلق و إنما خلقه بصفته القديمة، و هي قوله" كن" فدل علي ما قلناه.
فإن قيل" كن" كاف و نون، و دليل الحدوث فيما بين، لكونهما أحرفا فإن الأحرف لا تخرج إلا من مخارج، فالميم مخرجها من الشفتين، و انطباق عضو علي عضو، و الحاء مخرجها من الحلق، و كذلك سائر الحروف، فإذا كانت الحروف، فإذا لا تخرج إلا من مخارج، و الرب عز و جل منزه عن ذلك، لأنه ليس ذا لفظ و مخارج يتقدم بعضها علي بعض، فإنه في حال ما يتكلم بالكاف النون معدومة، و في حال ما يوجد النون و يتكلم بها الكاف معدومة، و ما هذه صفته لا يكون إلا مخلوقا، و لأن من الكاف و النون نشاهدهما في مصاحفنا أجساما مخلوقة، فتارة تكون بالحبر، و تارة تكون باللازورد، و تارة تنقش بالجص و الآجر علي المساجد و غيرها، فإذ قلنا بقدمها و نحن لا نشاهد هذه الأجسام، و الألوان المخلوقة، فقد قلنا بقدم العالم، و لأن القديم لا يحل في المحدث، و لأن القول بهذا يؤدي إلي القول بما يعتقدونه النصاري لأنهم يقولون إن كلمة اللّه القديمة حلت في عيسي، فصار عيسي قديما أزليا، بل يكون هذا القائل أعظم قولا من النصاري، لأنهم لم يقولوا بقدم عيسي، و القائل بأن الكاف و النون قديمة يقول بقدم أكثر المخلوقات. و إذا ثبت أن هذه الكاف و النون و جميع الحروف مخلوقة بمشاهدتنا لها في دار الدنيا لأنها لو كانت قديمة لما فارقت الموصوف لأن الصفة لا تفارق الموصوف، لأنها إذا فارقته يكون موصوفا بضدها بطل ما ادعيتموه من القدم.
يقال لهم: إنما يصح لكم التعليق بهذا مع المشبهة الحلولية القائلين بقدم هذه الأحرف و الأصوات، لأنهم يوافقونكم في المعني و يقولون إن كلام اللّه أحرف و أصوات ثم يوافقوننا في التسمية، و يقولون بقدم القرآن. و المعول علي الاعتقاد بالقلب لا علي التسمية باللسان، و يحملهم علي ذلك الجهل بالفرق بين القديم و المحدث. ثم يقولون: جهلهم بالسبب حملهم علي الخطأ. و قال بعض الأدباء: أهتك الناس من إذا لزمه الحق ثقل عليه، و إذا سنح له الباطل أسرع إليه.
و الأولي بمن تكلم معهم من أهل الحق في ذلك أن لا يطالبهم في الابتداء إلا بالفرق بين القديم و المحدث، فمن كان جاهلا بذلك فالسكوت عنه أولي من كلامه، و يؤمر بمعرفة ذلك فإن أصل هذه المسألة مبني علي ذلك، و أما نحن فلا نوافقهم بأن كلام اللّه أحرف و أصوات، لأن الأحرف و الأصوات نعتنا و صفتنا و منسوبة إلينا نقرأ بها كلام اللّه تعالي، و نفهمه بها، و الكاف و النون و جميع الحروف، القراءة و المقروء و المفهوم بها كلام اللّه تعالي أفهمنا بها كلام اللّه القديم الأزلي، كما أفهم موسي
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 382
بالعبرانية، و عيسي بالسريانية، و داود باليونانية، و لا يقال إن كلام اللّه عز و جل لغات مختلفة، لأن اللغات صفات المخلوقين بل المفهوم من هذه اللغات كلام اللّه القديم الأزلي، كما أن العرب يسمونه اللّه، و غيرهم من العجم و الترك خداي و أبودو شكري و لا يقال إن هذا الاختلاف عائد إلي الرب، لأنه واحد لا خلف فيه، فكذلك كلامه أيضا، بل الاختلاف عائد إلي أفهامنا و لغاتنا. فمن قال بقدم هذه اللغات فلجهله و حمقه؛ لأن المتكلم في حال ما تكلم بالعربية و العبرانية معدومة، و كذلك السريانية و اليونانية و ما يوجد و يعدم لا يكون قديما.
فإن قيل: إذا قلتم إن كلام اللّه ليس بصوت و لا حرف و لا تدرك أسماعنا إلا ما هذه صفته فمن ينفي كيف يسمع و كيف يسمع يقال لهم: سماعنا لكلامه كعلمنا به.
فكما أننا لا نملك موجودا إلا جسما أو جوهرا أو عرضا ثم إن اللّه عز و جل معلوم لنا بخلاف ذلك، فكذلك أيضا سماعنا لكلامه خلاف سماعنا لكلام المخلوقين فنقيس سماعنا لكلامه علي العلم به مع القدرية، و أما المشبهة فنقيس معهم سماعنا لكلامه علي رؤيتنا له لأنهم يوافقوننا في الرؤية بخلاف القدرية: فيقال لهم: كما أن اللّه عز و جل يري لنا غدا و ليس يري جسم لا محدود بخلاف جميع المرئيات التي نشاهدها اليوم فخلق الرب عز و جل لنا بصرا نبصر به، فكذلك خلق لنا سمعا نسمع به كلامه علي ما هو عليه بخلاف المسموعات التي ندركها اليوم، و الدليل علي ما نذكره أن الرب عز و جل يخلق لنا سمعا نسمع به كلامه و بصرا نبصره به بخلاف ما نبصره اليوم و نسمعه، أن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان ينزل عليه جبريل عليه السلام، و الصحابة جلوس فيراه النبي صلي اللّه عليه و سلم و يسمع منه، و الصحابة لا يبصرونه و لا يسمعون منه، و بصره و بصرهم في الصورة سواء، و كذلك ملك الموت أيضا، فإن الميت يشاهده عند قبضه لروحه، و أهله حضور لا يشاهدونه، و كذلك الجن يروننا و لا نراهم فدل علي أن العلة في ذلك، أن اللّه عز و جل يخلق للبصير بصرا يدرك به ما لم يدركه غيره، فكذلك يخلق له سمعا يسمع به كلامه، و فهما يفهمه به كما أفهم سليمان منطق الطير و خصه بذلك، و سمعنا و سمعه في الصورة سواء.
فإن قيل: أنتم تثبتون شيئين مختلفين قراءة و مقروءا أحدهما قديم و الآخر محدث، و نحن لا نعقل إلا شيئا واحدا، و في هذا شبهة القدرية و المشبهة، فالقدرية يقولون:
نحن لا نعقل إلا هذه القراءة و هي محدثة، و المشبهة يقولون نحن لا نعقل إلا هذه القراءة و هي محدثة القرآن ثم يثبتون قدمها؟ يقال لهم: لا يمنع أن يكون الإنسان في حال السماع فيسمع الشيئين المختلفين شيئا واحدا، ثم بالدليل يفرق بينهما، كالناظر
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 383
إلي السواد و الأسود، فإنه في حال المشاهدة لا يشاهد إلا شيئا واحدا، ثم بالدليل يفرق بينهما فيعلم أن السواد عرض لا يقوم بنفسه، و الأسود الموصوف بذلك السواد جسم بخلافه، فكذلك في ملتنا أيضا. و نحن قد ثبت عندنا أن كلام اللّه تعالي قديم أزلي بالأدلة التي قد ذكرنا بعضها، و القديم أبدا ما كان موجودا و يكون أبدا موجودا، و لا يوصف تارة بالوجود و تارة بالرداءة، و لا يضاف إلي المخلوقين، ثم وجدنا القراءة بخلاف ذلك، ففرقنا بينهما، و كما أن الذكر غير المذكور، و العلم غير المعلوم، فإن أحدنا إذا ذكر اللّه عز و جل، لا يقال إن ذكره قديم لقدم المذكور، و لا علمه قديم لقدم المعلوم، بل هما شيئان مختلفان، فالذكر مخلوق لأنه صفة المخلوق لم توجد قبله، و علمنا أيضا باللّه عز و جل كذلك، فإن الصفة لا تتقدم علي الموصوف، فكذلك أيضا قراءتنا و كتابتنا مخلوقة، لأنهما صفتان لم تتقدم علينا، فمن زعم من المشبهة الحلولية أن الكتابة قديمة موجودة قبل الكاتب، و القراءة قديمة موجودة قبل القارئ، يقال له:
فعلي ماذا يستحق القارئ العقوبة إن كان جنبا، و ينال الثواب إن كان طاهرا و هو ما لم يأت بشي‌ء؟ فدل علي أن الذي يأتي به و يستحق عليه ما ذكرناه هو القراءة المأمور بها عند الطهارة. قال اللّه تعالي: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (المزمل: من الآية 20) و المنهي عنه عند النجاسة لما روي ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلي اللّه عليه و سلم قال «لا يقرأ الجنب و لا الحائض شيئا من القرآن» و القديم لا يكون تارة طاعة، و تارة معصية؛ لأن الطاعة و المعصية هي ما يكون للمخلوق علي فعلها قدرة، و الصفة القديمة الذاتية لا توصف بأنها مقدورة للّه عز و جل، فأولي و أحري أن لا تكون مقدورة للمخلوق، و قد أخبر الرب عز و جل أن ما بين السماء و الأرض مخلوق، فقال عز و جل: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما (الفرقان: من الآية 59) و هذه الكتابة نشاهدها بين السماء و الأرض، فمن قال بقدمها كذب الرب عز و جل في خبره، و لأن الرب عز و جل أخبر أن كلامه لا ينفد و لا يفني، فقال عز و جل: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ (لقمان: من الآية 27) فأخبر أن كلامه لا يفني، و لا ينفد، و لا يكون له أول و لا آخر، ثم نجد هذه القراءة تفني و تنفذ، و لها أول و آخر، و الكتابة في المصاحف كذلك أيضا.
و لقد حكي أن عثمان رضي اللّه عنه أحرق جميع المصاحف المخالفة لمصحفه، أ تري أنه أحرق القرآن؟.
و من الدليل علي أن كلام اللّه قديم أزلي ما يروي عن علي بن أبي طالب كرم اللّه
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 384
وجهه، حين أنكر عليه الخوارج التحكيم فقال: و اللّه ما حكمت مخلوقا، و إنما حكمت القرآن، قال اللّه تعالي: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها (النساء: من الآية 35) و قال عز و جل: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ (المائدة:
من الآية 95) فإذا كان في شقاق يقع بين الزوجين أمر بالتحكيم، و في أرش قيمته نصف درهم يقتله المحرم أمر بذلك ففي شقاق يقع بين طائفتين من المسلمين التحكيم أولي و أحري، و جميع الصحابة يسمعون قوله و لم ينكر عليه منكر، و سكتوا عنه كسكوتهم عند حرق عثمان المصاحف ففعل عثمان حجة لنا بأن الكتابة مخلوقة، و قول علي كرم اللّه وجهه حجة لنا بأن المكتوب قديم، و الاقتداء بعلي و عثمان رضي اللّه عنهما أولي و أحري من اقتداء بالقدرية و المشبهة.
و من الدليل علي أن كلام اللّه تعالي قديم أزلي، أنه لو كان مخلوقا لكان لا يخلو إما أن يكون قد خلقه في ذاته، أو خلقه في غيره، أو خلق الكلام قائما بذاته لا في محل، بطل أن يقال خلقه في ذاته، لأنه تعالي ليس بمحل للحوادث، و بطل أن يقال خلقه في غيره لأنه يكون كلام ذلك الغير، و كما لا يجوز أن يقال إنه يخلق علمه و قدرته، فكذلك أيضا لا يخلق كلامه في غيره، لأنه يكون كلام ذلك الغير، و لا يجوز أن يقال إنه خلقه لا في محل لأن الكلام صفته، و الصفة لا تقوم إلا بموصوف، و إذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة دل علي أنه قديم أزلي.
فإن قيل: المتكلم إنما يتكلم ليسمع غيره، أو يتكلم ليستأنس، أو يتكلم ليحفظ، و إذا كان المتكلم خاليا من هذه الثلاثة أقسام يكون كلامه هذيانا و لغوا. و الرب عز و جل لم يكن معه في الأزل أحد ليسمع كلامه، و لا يجوز أن يقال إنه تكلم ليحفظ أو تكلم ليستأنس، و إذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة، دل علي أنه ليس متكلما في الأزل.
يقال لهم: مقصودكم و غرضكم أن تثبتوا لصفاته الذاتية علة و غرضا إذا كانت أفعاله لا لعلة و لا غرض، لأنه لو فعل فعلا لعلة كانت تلك العلة لا تخلو، إما أن تكون قديمة أو محدثة، فإن كانت محدثة افتقرت إلي علة قبلها، و كذلك ما قبلها، و يؤدي ذلك إلي التسلسل و عدم التناهي، و يؤدي ذلك إلي عدم المعلول، و هذا محال أيضا؛ فدل علي أن اللّه عز و جل يفعل ما يفعله لا لعلة و غرض، بل يفعل ما يشاء بما شاء لا لعلة. و إذا ثبت أن صفات فعله لا لعلة و غرض، فصفات ذاته أولي و أحري أن لا تكون لعلة و غرض و بطل ما قاله.
فإن قيل قد قال اللّه تعالي: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (الزخرف: من الآية 3) و الجعل بمعني الخلق، يقال لهم الجعل هاهنا بمعني التسمية و الدليل عليه قوله عز و جل:
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 385
وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً (الزخرف: من الآية 19) و معلوم علي أنهم لم يخلقوا الملائكة فدل علي أن الأمر بالجعل هاهنا التسمية، و كذلك قوله عز و جل: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (الحجر: 91) لم يرد بها الخلق فدل علي ما قلناه.
فإن قيل قد قال اللّه عز و جل: وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (الأحزاب: من الآية 37) وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (الأحزاب: من الآية 38) فدل علي أن أمر اللّه مقدور و مفعول، و هذا دليل الحدث.
يقال لهم: الأمر علي ضربين، فتارة يقتضي الكلام و هو قوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‌ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (النحل: 40)، و قوله عز و جل لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ (الروم: من الآية 4) أي من قبل كل شي‌ء و من بعد كل شي‌ء، و هذا دليل واضح علي قدمه، و تارة يقتضي الفعل و هو قوله وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها (الإسراء: من الآية 16) فهذا الأمر يقتضي الفعل، جاء في التفسير أن الأمر هاهنا بمعني كثرنا لأن الرب عز و جل لا يأمر بالفحشاء، و إذا كان الأمر كذلك بطل ما قالوه، و يكون المراد بقوله:
وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (الأحزاب: من الآية 37) وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (الأحزاب: من الآية 38) فعله.
فإن قيل: الدليل علي خلق القرآن أنه معجز النبي صلي اللّه عليه و سلم و تحدي الأمة به. فالتحدي إنما يكون بما للمتحدي عليه قدرة كإلقاء العصا، و إبراء الأكمه و الأبرص، و القديم لا يكون للمخلوق عليه قدرة و لا يكون له في التحدي به حجة؛ فدل علي ما قلناه.
يقال لهم: التحدي إنما كان بالقراءة لا بالمقروء و قد بينا الفرق بينهما. فإن قيل:
فقد قال اللّه تعالي: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ (الأنبياء: من الآية 2).
يقال لهم الذكر قد يكون بمعني القرآن فقال عز و جل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر: 9) و يكون الذكر بمعني الرسول قال اللّه عز و جل:
وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ* وَ ما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (القلم: من الآيتين 51: 52) قال اللّه عز و جل ذِكْراً* رَسُولًا (نهاية الآية: 10 و بداية الآية: 11 من سورة الطلاق) فالذكر المحدث هاهنا النبي صلي اللّه عليه و سلم، و الدليل علي آخر الآية قوله عز و جل: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (الأنبياء: من الآية 3) و معلوم أن الكلام ليس ببشر و يحتمل أن يقال إن المراد بالذكر المحدث هذه القراءة لا المقروء.
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 386
فإن قال قائل من المشبهة: إذا قلتم إن الكتابة مخلوقة يؤدي ذلك إلي أن المصحف ليس له حرمة.
يقال لهم إن الحرمة لا تثبت إلا بما هو قديم ثم لم يكن للمسجد حرمة بحيث يمنع الجنب من اللبث فيه و المرور علي مذهب بعض الفقهاء فكما أن المسجد بجميع أجزائه مخلوق و له حرمة لأجل المعهود فيه فكذلك إنما المصحف بجميع أجزائه مخلوق و له حرمة لأجل المكتوب فيه.
فإن قيل: إذا قلتم إن هذه الأحرف محدثة و ليست القرآن، فالقرآن أين هو؟.
يقال لهم: فإذا قلتم إن هذه الأحرف هي القرآن، فالقديم أين هو؟.
فإن قيل فقد قال اللّه عز و جل: الم، طه، طسم، فدل علي أن القرآن هو هذه الأحرف.
و يقال لهم: لا فرق بين هذه الآيات و غيرها فإن الألف التي في الحمد و الطاء التي في طه كالطاء التي في الطاغوت فجميع الأحرف التي في السور سواء، فما ثبت لبعضها من القدم أو الحدث ثبت لكلها.
ثم يقال لو أن هذه الأحرف قديمة لأجل تخصيصها بالذكر لكان الشمس و القمر و النجوم قديمة لتخصيصها بالذكر قال اللّه تعالي: وَ النَّجْمِ إِذا هَوي (النجم: 1)، و قال عز و جل: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها* وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها (الشمس: 1، 2) فكما لا يقال إن هذه الأشياء قديمة لتخصيصها بالذكر فكذلك الأحرف أيضا.
ثم يقال لهم: هذه الأحرف التي تثبتون قدمها في القرآن هل هي أحرف أ ب ت ث أم لا؟ فإن قيل غيرها فهذا دفع للضرورة و إن قيل هي يقال لهم فهل هي التي يكتب بها شعر المتنبي و حسان و النقال أم لا؟.
فإن قيل: غيرها تكتب ما ذكرتموه فهذا محال و دفع لما نعلمه ضرورة، و إن قيل إن الأحرف التي يكتب بها القرآن هي التي يكتب بها ما ذكرناه. فيجب القول بقدمها و أن يكون لها حرمة كحرمة المصحف و هذا خلاف الإجماع، و لو أن هذه الأحرف قديمة و هي القرآن لكان المصلي إذا أتي بها في الصلاة و قال في الصلاة أ ب ت ث ج ح خ د ذ لا تبطل صلاته فإن الإتيان بالقرآن في الصلاة في موضعه لا يبطلها، و لكانت تجزئة عن قراءة غيرها، و لكان لها حرمة بحيث لا يجوز للجنب الإتيان بها، فلما لم يصح ذلك دل علي أنها مخلوقة، و إذا ترتب بعضها علي بعض فهم منها المكتوب بها، فإن كان القرآن صار لها حرمة، و إن كان غير القرآن لم يكن لها حرمة، فالذي يتجدد هو الحرمة لا القدم، فإنه لو جاز أن يصير المحدث قديما لجاز أن يصير
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 387
القديم محدثا و هذا محال.
و من الدليل علي أن الكتابة غير المكتوب قوله تعالي: النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ (الأعراف: من الآية 157) فالنبي عليه الصلاة و السلام مكتوب علي هذه الحقيقة في التوراة و الإنجيل غير حال في التوراة و الإنجيل، بل هو مدفون في المدينة أو رفع إلي السماء علي اختلاف العلماء في ذلك، فلو أن الكتابة هي المكتوب لكان النبي صلي اللّه عليه و سلم موجودا في التوراة و الإنجيل هي الأحرف المفهوم بها النبي صلي اللّه عليه و سلم، فهي غيره و هو غيرها، لأن حقيقة الغير لا يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر و الكتابة مفارقة المكتوب منفصلة منه، و لو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب زيد علي عمرو وثيقة بدين و شهد فيها الشهود بذلك ثم قبضها يكون قد استوفي دينه فلما لم يصح ذلك دل علي أن الكتابة يفهم بها المكتوب و ليست هي المكتوب فالشهود مكتوبون في الوثيقة علي الحقيقة غير حالين فيها، و كذلك الدين، و لو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا قرأ القارئ يا يَحْيي خُذِ الْكِتابَ (مريم: من الآية 12) و أراد به القرآن، ثم قال يا يحيي خذ الكتاب و أراد به إعلام المسيح، أن يفرق بينهما عند السماع، و كذلك في الكتابة أيضا فلما لم يكن ذلك دل علي أن الكتابة مخلوقة لا تختلف و المفهوم بها يختلف، ثم يقال لهم إذا قرأ القارئ هل يسمع منه القرآن كما يسمع من الرب عز و جل أم لا؟ فإن ورد الشرع بأن كلام اللّه تعالي صوت و حرف سميناه بذلك و إلا فلا.
و إن قيل ليس بينهما فرق و ذا ذاك، و ذاك ذا فهذا هو التشبيه بعينه و يكون القرآن علي قولهم حكاية، لأن المحاكاة المماثلة و المشابهة و لا شبه لكلام اللّه و لا مثل له، كما أن اللّه عز و جل لا مثل له و لا شبه له، و لو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب أحدنا في كفه ألف لام ها ما يكون اللّه عز و جل حالّا في كفه، و لما لم يصح ذلك دل علي أن الكتابة غير اللّه عز و جل، و لما جاز علي الرب جاز علي صفة ذاته، فكما أن الرب عز و جل مكتوب في مصاحفنا، و معبود في مساجدنا و معلوم في قلوبنا و مذكور بألسنتنا غير حال في شي‌ء مما ذكرناه فكذلك كلامه أيضا مقروء بألسنتنا علي الحقيقة قال اللّه عز و جل: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (المزمل: من الآية 20) و متلو في محاريبنا علي الحقيقة، قال اللّه عز و جل: وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ (الكهف: من الآية 27) و محفوظ في صدورنا علي الحقيقة قال اللّه عز و جل: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (العنكبوت: من الآية 49) و مسموع مَحْفُوظٍ (البروج: 21) بآذاننا علي الحقيقة قال اللّه عز و جل: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 388
مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ (21، 22) غير حال في شي‌ء مما ذكرناه.
و للمصحف حرمة عظيمة و رعاية وكيدة بحيث لا يجوز للمحدث الأصغر و الأكبر مس ما فيه و حواشيه و لا كتابته و لا دفتيه و لا حمله و لا مسه و لا بعلاقة احتراما قال اللّه عز و جل: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة: 79) و الأدلة في ذلك أبين من عين الشمس لمن تدبر و عقل لا من اتبع هواه و جهل. فإن كنت قد أكثرت مما لا يحتاج إليه فلا ملام لما قدمت من الاعتراف و السلام.

صفة الحياة

صفة الحياة
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل حي بحياة أزلية قديمة لأن الصفات التي ذكرناها لا تقوم إلا بمن هو حي، قال اللّه عز و جل: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (البقرة:
من الآية 255).

علاقة الصفات بالذات‌

علاقة الصفات بالذات
ثم يعتقدون أن صفات ذاته لا يجوز أن يقال هي هو، و لا هو هي، و لا هو غيرها، و لا هي غيره؛ لأنها لو كانت هي هو لكانت الصفة الواحدة موصوفة بجميع الصفات التي ذكرناها و الصفة لا تقوم بالصفات. و لو كان هو هي لم يكن موصوفا بها لأن الصفة معني زائد علي الموصوف و لو كانت غيره و هو غيرها لجاز لأحدهما أن يفارق الآخر لأن حقيقة الغيرين ما يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر. بل يقال إنها صفات قائمات بذاته لم يزل موصوفا بها و لا يزال.

صفة الاستواء

صفة الاستواء
ثم يعتقدون أن اللّه عز و جل مستو علي العرش قال اللّه عز و جل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوي عَلَي الْعَرْشِ (الأعراف: من الآية 54)، و أن استواءه ليس باستقرار و لا ملاصقة لأن الاستقرار و الملاصقة صفة الأجسام المخلوقة، و الرب عز و جل قديم أزلي أبدا كان و أبدا يكون، لا يجوز عليه التغيير و لا التبديل و لا الانتقال و لا التحريك، و العرش مخلوق لم يكن فكان، قال اللّه عز و جل: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (النمل: 26) فلو أن المراد بالاستواء و الملاصقة لأدي إلي تغيير الرب و انتقاله من حال إلي حال و هذا محال في حق القديم، فإن كل متغير لابد له من مغير، و لأن العرش مخلوق محدود فلو كان الرب عز و جل مستقرا عليه لكان لا يخلو إما أن يكون أكبر أو أصغر منه أو مثله، فلو كان أكبر منه يكون متبعضا بعضه خال من العرش، و البعض صفة الأجسام
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 389
المؤلفة، و إن كان أصغر منه فيكون العرش مع كونه مخلوقا أكبر منه و ذلك نقص، و إن كان مثله يكون محدودا كالعرش فإن كان العرش مربعا فيكون الرب مربعا، و إن كان مخمسا فيكون الرب مخمسا و ما هو محدود له شبه، و له مثل و لا يكون قديما، فدل علي أنه كان و لا مكان، ثم خلق المكان و هو الآن علي ما عليه كان.
فإن قيل: إذا قلتم إنه ليس علي العرش و لا في السماوات و لا في جهة من الجهات فأين هو؟
يقال لهم: أول جهلكم وصفكم له بأين، لأن أين استخبار عن المكان و الرب عز و جل منزه عن ذلك.
ثم يقال لهم: هل تثبتون خلق العرش و السماوات و جميع الجهات أم لا؟
فإن قالوا ليست مخلوقة فقد قالوا بقدم العالم، و ينتقل الكلام معهم إلي القول بحدث العالم، و إن وافقوا أهل الحق و قالوا بخلق جميع الجهات، يقال لهم فهل كان الرب موجودا قبل وجودها و هو الذي أوجدها من العدم إلي الوجود أم لا؟
فإن قيل: لم يكن موجودا قبلها و لا أوجدها فقد قالوا بحدث الرب عز و جل، و هذا هو الكفر الصراح، و إن وافقوا أهل الحق في القول بوجوده قبل وجود المخلوقات من العالم العلوي و السفلي. قيل لهم: فأخبرونا عما كان عليه قبل وجودها فكل دليل لهم قبل وجودها هو دليل لنا بعد وجودها، فإن الرب عز و جل بعد وجود جميع المخلوقات علي ما كان عليه قبل وجودها لا يجوز علي الرب التغيير من حال إلي حال و لا الانتقال من مكان إلي مكان. قال اللّه عز و جل في قصة إبراهيم عليه السلام:
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأي كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ- أي انتقل من جهة إلي جهة و تغير من حال إلي حال- قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (الأنعام: 76) أي لا أحب المنتقلين المتغيرين، فمن وصف القديم بما نفاه عنه إبراهيم فليس من المسلمين.
فإن قيل: إذا لم يكن في جهة فما فائدة رفع الأيدي إلي السماء في الدعاء و عروج النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي السماء؟.
يقال لهم: لو جاز لقائل أن يقول إن الرب عز و جل في جهة فوق لأجل رفع الأيدي إلي السماء في الدعاء لكان لغيره أن يقول هو في جهة القبلة لأجل استقبالنا إليها في الصلاة أو هو في الأرض لأجل قربنا من الأرض في حال السجود، و قد روي في الخبر عن النبي صلي اللّه عليه و سلم: «أقرب ما يكون العبد من اللّه عز و جل إذا سجد» قال اللّه عز و جل:
وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ (العلق: من الآية 19) فلو كان في جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه إذا سجد فكما أن الكعبة قبلة المصلي يستقبلها في الصلاة، و لا يقال إن
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 390
اللّه عز و جل في جهة الكعبة، و مستقبل الأرض بوجهه في السجود، و لا يقال إن اللّه عز و جل في الأرض، فكذلك أيضا جعلت السماء قبلة الدعاء، لا أن اللّه عز و جل حال فيها، و كذلك أيضا عروج النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي السماء، لا يدل علي أن اللّه عز و جل في السماء، كما أن عروج موسي عليه الصلاة و السلام إلي الجبل، و سماعه لكلام اللّه تعالي عنده، لا يدل علي أن اللّه عز و جل حال في الجبل، فعروج النبي صلي اللّه عليه و سلم إنما كان زيادة في درجته، و علوا لمنزلته ليتبين الفرق بينه و بين غيره في المنزلة و علو الدرجة.
فإن قيل: إذا لم يكن الاستواء بمعني الاستقرار فما معناه؟.
يقال لهم: قد اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: إن الاستواء بمعني القهر و الغلبة و احتج علي القائل بهذا، و قال لو كان المراد القهر و الغلبة، لأدي ذلك إلي أن يكون قبله مقهورا مغلوبا، و ذلك محال.
و منهم من قال: الاستواء بمعني الاستيلاء، استوي علي العرش أي استولي عليه يقال: استوي فلان علي الملك، أي استولي عليه.
و منهم من قال: المراد به العلو فقوله: الرَّحْمنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوي (طه: 5) يريد به الرحمن علا، و العرش به استوي، و هذا أيضا محال؛ لأنه لو كان الأمر كذلك، لكان العرش مرفوعا لا محفوظا، فدل علي أن علي من حروف الصفات، لا من العلو.
و منهم من قال: المراد به القصد، كقوله: ثُمَّ اسْتَوي إِلَي السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ (فصلت: من الآية 11) أي قصد إلي السماء، و علي بمعني إلي، لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، و تأويلهم في ذلك كثير و كلامهم في ذلك يطول، و الواجب من ذلك، أن ننفي عنه ما يؤدي إلي حدوث الرب عز و جل، ثم لا نطالب بما عدا ذلك، كما أنا نعتقد أن اللّه شي‌ء موجود موصوف بصفاته. ثم ننفي عنه ما يؤدي إلي حدوثه، من صفة الأجسام و الجوانيب و الأعراض ثم لا نطالب بما عدا ذلك.
فإن قيل: نحن نجهل هذه الآية و ما أشبهها من الآيات كاليدين و الوجه و من الأخبار المرورية عن النبي صلي اللّه عليه و سلم من النزول و الصورة و القدم، و نحملها علي الظاهر و لا نتأولها قال اللّه عز و جل: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا (آل عمران: من الآية 7) فنؤمن بها و لا نتأولها.
يقال لهم: هذه الآية دليل علي القول بالتأويل، لا علي نفي التأويل، و الدليل عليه قوله عز و جل: وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ (آل عمران: من الآية 7) و الإيمان هو التصديق و التصديق بالشي‌ء لا يصح مع الجهل، فدل علي أن
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 391
وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ أي يعلمونه و يقولون آمنا فيعلمونه مضمر لقوله عز و جل: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ (الرعد: من الآيتين 23، 24) أي يقولون سلام عليكم، و إذا كانت الآيات و الأخبار التي يقتضي العمل بها، تتأول و لا تحمل علي الظاهر كقوله عز و جل: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها (النساء: من الآية 93) فظاهر الآية يقتضي أن أهل الكبائر يخلدون في النار، و يؤدي ذلك إلي القول بمذهب القدرية، فلابد من تأويل هذه الآية فيكون المراد، و من يقتل مؤمنا متعمدا لقتله، مستحلا لدمه، و كذلك في قوله صلي اللّه عليه و سلم «بين الإسلام و بين الكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر» «1» يتأول علي مذهب أكثر الأئمة، و لا يحمل علي الظاهر، فالآيات و الأخبار التي ظاهرها التشبيه و لا يقتضي العمل بها بل يقتضي العلم أولي و أحري لأن تتأول، لأنا إذا قلنا علي العرش استوي، لا يقتضي العمل و لا له تأويل، فظاهره يقتضي حدوث الرب عز و جل، و تشبيهه بالخلق، فما فائدة إعلامنا به، كذلك قوله صلي اللّه عليه و سلم: «خلق آدم علي صورته» إذا قلنا ليس لها تأول و لا تقتضي العمي فيكون هذيانا و إغواء، و نكون قد صدقنا الكفار في قولهم: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (الدخان: من الآية 14) أي يأتي بشي‌ء لا معني له، و غرضهم من نفي التأويل بقاؤهم علي التشبيه، فإن لم يقولوا بالتأويل، و نفوا التشبيه لم يطالبوا بغيره، و لم يجب عليهم أكثر من ذلك، لأن الذي يحوجنا و يدعونا إلي التأويل قول المخالف: لا أدري و لا أتأول، أنا أحمل هذا الاستواء علي الظاهر و لا أدري هل هو استقرار أو غير استقرار. و كذلك قوله عز و جل: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (ص: من الآية 75) أحملها علي الظاهر، و لا أدري هل هما جارحتان أو غير جارحتين، و هذا جهل منهم بالرب عز و جل، و ذلك يؤدي إلي كفره لأن من جهل صفة من صفات معلومة، لم يعرف المعلوم علي ما هو به، و قوله لا أدري شك في اللّه عز و جل، و قلة علمه بما يجوز في حقه و ما لا يجوز، لأن حمل هذه الآيات و الأخبار التي ظاهرها التشبيه علي ظاهرها إنما تصح بعد نفي التشبيه، و هو أن يعتقد أن هذا الاستواء ليس بجلوس و لا استقرار و لا لاصقة. ثم بعد ذلك هو مخير إن شاء تأول، و إن شاء حمله علي الظاهر، و كذلك قوله عز و جل: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 392
لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ و قوله عز و جل: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (يس: 71) يعتقدون أن هذه اليد ليست بجارحة و لا تلمس، فما هي؟.
يقال لهم: قد اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال اليد هاهنا يد قدرة، و المراد بالتثنية الواحد كقول الشاعر خليلي و صاحبي، و الدليل عليه أن جميع الموجودات و المخلوقات بقدرته، و خص آدم بالذكر، كما أن المساجد كلها للّه، و خص الكعبة بالذكر، و النوق كلها، و خص ناقة صالح بالذكر، فكذلك أيضا خلق آدم و جميع المخلوقات بيده، و خصّ آدم بالذكر تشريفا و تخصيصا، و منهم من قال: اليد هاهنا صفة زائدة علي القدرة خصّ بها آدم و خلقه بها، و احتج علي القائل بهذا. و قيل: لو أن المراد باليد هاهنا صفة زائدة علي القدرة؛ لأدي للرب صفات كثيرة لا نعلمها و هذا يؤدي إلي الجهل بالرب، و الواجب من ذلك ما ذكرته، و هي نفي التشبيه، و الاعتقاد بأن هذه اليد ليست بجارحة، و لا تلمس، و كذلك جميع الأخبار التي ظاهرها يقتضي التشبيه، كقوله صلي اللّه عليه و سلم: «خلق آدم علي صورته» «1»، و قوله صلي اللّه عليه و سلم «إن النار يلقي فيها و تقول هل من مزيد حتي يضع الجبار قدمه فيها» «2»، و قوله عليه الصلاة و السلام «رأيت ربي في أحسن صورة» «3». فالواجب في ذلك الاعتقاد بأن الهاء في قوله خلق آدم علي صورته عائدة إلي آدم أو إلي المصورة لا إلي الرب عز و جل؛ لأن الرب عز و جل ليس بصورة، لأن الصورة لابد لها من مصور، و الرب عز و جل منزه عن ذلك، و كذلك القدم أيضا عائد إلي قدم الجبار الكافر قال اللّه عز و جل: وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (إبراهيم: من الآية 15) أو عائد إلي من قدمه الرب عز و جل في السابق أنه من أهل النار. قال اللّه عز و جل: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (يونس: من الآية 2) أي سابقة صدق لا إلي الرب عز و جل، قال اللّه عز و جل: لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها (الأنبياء: من الآية 99) فمن يعتقد و يؤمن بأن اللّه إله، و مع ذلك لا تمتلئ جهنم إلا به، فالسكوت عنه أولي من الكلام معه و مناظرته؛ لأنه لم يستفد من عقله غير التكليف الذي به يستحق العقوبة و التخليد في النار، و إنما العاقل
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 393
علي الحقيقة من يتوصل بعقله عند نظره و استدلاله إلي الحق، كما بينا أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام استدل علي خلق الكوكب و الشمس و القمر بالتغيير و الأفول و الانتقال من حال إلي حال، و أمرنا الرب عز و جل باتباعه لإصابته الحق، لا من يعتقد و يصف الرب بالنزول، و الانتقال، و التغيير من حال إلي حال و يمر هذه الأخبار علي ظاهراها من غير تأويل و لا نفي تشبيه، بجهله و حماقته، و قلة علمه و بصيرته، و تأويل هذه الأخبار يطول شرحه، و ليس هذا موضوعه.

نبوة محمد صلي اللّه عليه و سلم إلي قيام الساعة

نبوة محمد صلي اللّه عليه و سلم إلي قيام الساعة
ثم يعتقدون أن النبي صلي اللّه عليه و سلم نبوته باقية بعد وفاته؛ كبقائها حال حياته إلي أن يرث اللّه عز و جل الأرض و من عليها، و أن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، و جميع الخلق يخاطبون بها، قال اللّه عز و جل: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ (سبأ: من الآية 28) و معجزة باقية، و هو القرآن قال اللّه عز و جل: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ (هود:
من الآية 13) فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (البقرة: من الآية 23) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ (الإسراء: من الآية 88) و أن معراجه صحيح، و كان في اليقظة لا في المنام، فأسري به إلي بيت المقدس، قال اللّه عز و جل: سُبْحانَ الَّذِي أَسْري بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَي (الإسراء: من الآية 1) و محال أن يقول أسري به و لم يسر به، و عرج به إلي السماوات السبع، و إلي العرش، و عرض عليه جميع المخلوقات، قال اللّه عز و جل: لَقَدْ رَأي مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْري (النجم: 18) و سمع كلام اللّه القديم الأزلي بلا واسطة، كما سمع موسي عليه الصلاة و السلام بلا واسطة، قال اللّه تعالي:
فَأَوْحي إِلي عَبْدِهِ ما أَوْحي (النجم: 10) فالفرق بين نبينا و بين موسي عليهما الصلاة و السلام، أن موسي عليه الصلاة و السلام سمع كلام الرب عز و جل و هو علي وجه الأرض من وراء حجاب، و نبينا عليه الصلاة و السلام سمع كلام اللّه عز و جل، و هو بالأفق الأعلي لا من وراء حجاب، بل مع المشاهدة، قال اللّه عز و جل: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأي (النجم: 11) أي ما كذب الفؤاد ما رأي بعين رأسه، و أن جميع ما أخبر به صدق، من قوله عليه الصلاة و السلام «أشرفت علي الجنة فوجدت أكثرها البله» «1»، «و أشرفت علي النار فوجدت أكثرها النساء» «2»، و هذا دليل
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 394
علي أن الجنة و النار مخلوقتان قال اللّه عز و جل: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران: من الآية 133)، و أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (البقرة: من الآية 24) محال أن يقول أعدت فمن أنكر ذلك فقد كذب اللّه عز و جل، و رسوله صلي اللّه عليه و سلم فيما أخبرا به، و ذلك كفر.
و المعراج و الإسراء غير مستحيل في العقل، فالإيمان به واجب و المنكر له مكذب للشفاعة أيضا، و الحوض، و الصراط، و الميزان قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» «2».
و روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال: «تخرج طائفة من أمتي من النار بشفاعتي و قد صاروا كالحممة» «3». و الأخبار الواردة في الحوض «4» و الميزان «5» و الصراط «6» و عذاب القبر «7» مشهورة معروفة فمن رد خبرا منها كمن رد كلام اللّه تعالي، قال اللّه عز و جل: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر: من الآية 7).

ترتيب الصحابة في الفضل‌

ترتيب الصحابة في الفضل
ثم يعتقدون أن أفضل الناس بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي اللّه عنهم، و أن المقدم في الخلافة هو المقدم في الفضيلة؛ لاستحالة تقديم المفضول علي الفاضل، لأنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل، و الدليل عليه أن أبا بكر لما نص علي عمر، قام إليه طلحة رضي اللّه عنه فقال: ما تقول إذا لقيت ربك و قد وليت علينا فظا غليظا؟ فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه كرّكت لي عينيك، و ذللت لي عقبيك و حمتني تلفتني عن رأيي، و تصدني عن ديني، بل أقول له إذا سألني: خلفت عليهم خير أهلك. فدل
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 395
ذلك أنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل، و أن النبي صلي اللّه عليه و سلم لم يصرح بالنص علي أحد، و إنما ثبتت الخلافة بالإجماع لا بالنص. و قد قيل إنها ثبتت بالنص، و لكنه نص خفيّ يحتاج إلي تأويل و تأمل مثل قوله عليه الصلاة و السلام «مروا أبا بكر فليصل بالناس، لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدمهم غيره اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر» «1»، و كقوله في علي رضي اللّه عنه: «أنت مني بمنزلة هارون و موسي» «2» «من كنت مولاه فعلي مولاه» «3» و الصحيح أنه لم ينص علي أحد، و الدليل عليه قوله عليه الصلاة و السلام: «إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفا في نفسه قويا في أمر اللّه، و إن تولوها عمر تجدوه قويا في بدنه قويا في أمر اللّه، و إن تولوها عثمان تجدوه هاديا مهديا، و إن تولوها عليا يهدكم إلي الصراط المستقيم» «4» فأخبر أن كل واحد منهم يصلح للإمامة علي الانفراد، و لم ينص علي أحد لأنه لو نص علي أحد لما قال إن تولوها، و لما قالت الأنصار منا أمير و منكم أمير، فدل علي أن الخلافة بعد النبي صلي اللّه عليه و سلم لأبي بكر رضي اللّه عنه بالإجماع لا بالنص، و الإجماع حجة. قال اللّه عز و جل: وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدي وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّي وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً (النساء: 115).
فإن قيل: عليّ أولي بالخلافة لأنه أعلم من أبي بكر و أشجع، و كان أقرب إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم من أبي بكر؛ لأنه كان ابن عمه.
يقال لهم: هذا ليس بصحيح، و الدليل علي أن أبا بكر كان أعلم الصحابة بعد النبي صلي اللّه عليه و سلم و أشجعهم قوله يوم الردة: و لو منعوني عقالا أو عناقا مما أعطوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لقاتلتهم عليه و لو خلاني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي. فقال عمر رضي اللّه عنه سمعت النبي صلي اللّه عليه و سلم يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا اللّه فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم» «5». فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه: سمعته يقول إلا بحقها، و الزكاة من
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 396
حقها، و اللّه لا أفرق بين ما جمع اللّه عز و جل، قال اللّه عز و جل: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (البقرة: من الآية 43)، و كان النبي صلي اللّه عليه و سلم قبل وفاته قد جهز جيشا ثم مات، و الجيش مجهز لم يسر، و ارتد الناس ثم مات، فقال عمر لأبي بكر رضي اللّه عنهما: الناس قد ارتدوا، و حماة الإسلام في هذا الجيش، و من الرأي رده من المسير لما قد جهز له، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: أشجاع في الجاهلية و خوّار في الإسلام، و اللّه لا رددت جيشا جهّزه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، قال عمر رضي اللّه عنه: لم يبق أحد- أنا و لا غيري- إلا و دخله فشل إلا ما كان من أبي بكر رضي اللّه عنه. و من الدليل علي أن أبا بكر أشجع من عليّ رضي اللّه عنه «أن النبي صلي اللّه عليه و سلم أعلم عليا بموته فقال له: ابن ملجم يقتلك» «1»، فكان عليّ رضي اللّه عنه إذا لقي ابن ملجم يقول: متي تخضب هذه من هذه يعني لحيته من دم رأسه، فكان إذا دخل الحرب فلاقي الخصم يعلم أن ذاك الخصم لا يقتله فهو معه كأنه نائم علي فراشه و أبو بكر رضي اللّه عنه كان إذا دخل الحرب و لاقي الخصم لا يدري هل يقتل، فمن يدخل الحرب و هو لا يدري هل يقتل أم لا و يقاسي من الكرّ و الفرّ و الجزع و الفزع ما يقاسي، يكون كمن يدخل الحرب و هو نائم كأنه علي فراشه؛ فدلّ علي أن أبا بكر رضي اللّه عنه كان أشجع.
ثم يقال لهم: الشجاعة ليس فيها فضل، الدليل عليه لو أن الشجاع تخلف عن الجهاد و جاهد الجبان لكان الفضل للجبان لا للشجاع المتخلف، ثم لو جاهدا جميعا و قلنا الفضل للجبان كان غير بعيد، لأن الجبان يقاسي من المشقة ما لا يقاسيه الشجاع الذي له دربة بالحرب، فإذا قلنا إن الجبان أفضل لما يناله من المشقة في كر و فر يكون غير بعيد، و كذلك القرابة أيضا ليس فيها فضل لأن الإنسان يكسب الفضل بما يفعله بنفسه قال اللّه عز و جل وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعي (النجم: 39) و القرابة شي‌ء إلي اللّه عز و جل، ليست مما يكتسب العبد فضلا و غيره، و الدليل عليه أن والد النبي صلي اللّه عليه و سلم و والدته في النار، فلو أن القرابة تفيد شيئا لأفادتهما، لأنهما أقرب من غيرهما. و قد روي في الخبر عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال-: لفاطمة- عليها السلام- «إن أردت اللحوق بي فعليك بكثرة السجود» «2» أحالها علي العمل لا علي النسب و القرابة، و لو أن القرابة ينال بها فضلا لكان العباس أفضل من عليّ، لأن العباس عم النبي صلي اللّه عليه و سلم، و علي ابن عمه و العم أقرب من ابن العم، و عليّ أفضل من العباس فدل علي
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 397
أن الفضل بمعني آخر ليس بالقرابة، و هو ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: «إن ربكم واحد و إن أباكم واحد كلكم لآدم و آدم من تراب ليس لعربي فضل علي عجمي» «1» إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات: من الآية 13).
فإن قيل: عليّ أعلم من أبي بكر رضي اللّه عنهما لأن النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: «أنا مدينة العلم، و عليّ بابها، فمن أراد المدينة فليقصد الباب» «2» يقال لهم: هذا الخبر إما أن يكون عليّ رواه أو غيره؟ فإن كان غير عليّ رواه فهذا علم من العلوم قد علمناه من غير الباب و إذا جاز أن يعلم علم من العلوم من غير الباب جاز أن يعلم جميعها أو أكثرها من غير الباب، و إن كان عليّ قد رواه فهذه شهادته لنفسه و شهادة الرجل لنفسه لا تقبل، فدلّ علي أن الخبر له معني غير ما ذهبوا إليه و قوله عليه الصلاة و السلام: «أنا مدينة العلم و علي بابها» «3» لم يرد علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه، و إنما أراد بقوله «علي بابها» أي رفيع بابها و عظيم شأنها كقوله تعالي: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ الحجر (41) بقراءة يعقوب الحضرمي، أي رفيع مستقيم، فيكون علي هاهنا بمعني عال كما قال امرؤ القيس:
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
أي من عال، و إذا كان بمعني عال فلا حجة لهم فيه.
و الدليل علي أن أبا بكر رضي اللّه عنه أعلم و أفضل قوله صلي اللّه عليه و سلم: «يؤمكم أعلمكم و أفضلكم» «4».
ثم لما وقع صلي اللّه عليه و سلم في النزع و حضر وقت الصلاة قال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» «5» يقول عليّ رضي اللّه عنه: كنت حاضرا بين يدي النبي صلي اللّه عليه و سلم و ما كنت غائبا فقال:
مروا أبا بكر فليصل بالناس و تركني، رضينا لدنيانا ما رضيه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لديننا.
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 398
فإن قيل عليّ أولي بالخلافة من أبي بكر لقول النبي صلي اللّه عليه و سلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي» «1» يقال لهم هذا الخبر أيضا لا حجّة لكم فيه لأنه إن أراد بقوله:
أنت مني بمنزلة هارون من موسي أنت أخي، كما أن هارون أخو موسي، فهذا لا يصحّ؛ لأن عليا كان ابن عمه لم يكن أخاه، فإن أراد به أنك الخليفة بعدي كما أن هارون كان الخليفة بعد موسي عليهما الصلاة و السلام فهذا فاسد أيضا، لأن هارون مات قبل موسي، فلم يكن الخليفة بعده، فلو كان المراد به الخلافة لقال منزلتك مني منزلة يوشع بن نون، لأن الخليفة بعد موسي كان يوشع بن نون، فدل علي أن الخبر له معني غير ما ذهبوا إليه، و ذلك أن النبي صلي اللّه عليه و سلم خرج إلي بعض الغزوات، و استخلف عليا في أهله، فقال المنافقون إنما خلفه ...، فلحق عليّ رضي اللّه عنه النبي صلي اللّه عليه و سلم و قال: إن المنافقين قالوا كيت و كيت، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم كذبوا، خلفتك كما خلف موسي هارون، أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي، لأن موسي لما توجه لميقات ربه استخلف هارون في قومه، و إذا كان المراد به الخلافة في حال الحياة، فهذا لا حجة لهم فيه، فإن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان يستخلف علي أهله في كل غزوة يغزوها رجلا من أصحابه، كابن أم مكتوم، و غيره.
فإن قيل: فقد قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، يريد من كنت أولي به فعلي أولي به، يقال لهم مولي هاهنا بمعني الناصر، أي من كنت ناصره فعلي ناصره، قال اللّه عز و جل: وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ (التحريم: من الآية 4) أي ناصره، و قال الشاعر: إذا ذل مولي المرء فهو ذليل أي إذا ذل ناصره، و إذا كان المراد به من كنت ناصره فعلي ناصره فإن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان ناصرا لأبي بكر رضي اللّه عنه، و لم يكن خاذلا له: بل كان كل واحد منهما ناصرا لصاحبه، و مؤنسا له قال اللّه عز و جل: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ (التوبة: من الآية 40) و علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قد كان ناصرا له أيضا، فإن أبا بكر رضي اللّه عنه لما قال: أقيلوني أقيلوني لم يقم غير علي رضي اللّه عنه فقال: و اللّه ما نقيلك و لا نستقيلك، قدمك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فمن الذي يؤخرك، رضيك لديننا أ فلا نرضاك لدنيانا؟ و جاهد بين يديه و تسري بالحنفية في أيامه، و ولدت له محمد بن الحنفية، و لم يظهر غير الموافقة، و النصرة.
فإن قيل: لو كان أهلا للخلافة لما قال أقيلوني أقيلوني، لأن الإنسان لا يستقيل
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 399
من الشي‌ء إلا إذا لم يكن أهلا له، يقال لهم: أقيلوني يدل علي زهده و ورعه، و خوفه من الزلل في أمر الأمة، يطلب الاستقالة لأجل ذلك، و لأنه سمع النبي صلي اللّه عليه و سلم «يلعن إماما أم قوما و هم له كارهون» «1» فخشي أبو بكر رضي اللّه عنه أن يكون فيمن ولي عليهم من هو كاره له، فقال: أقيلوني أقيلوني، فلما أجابوه بالقبول و الاستبشار، و لم ينكر عليه منكر خف عنه بعض ما توهم من كراهة كاره، و هذا روي أنه رأي جبلا فقال للجبل: لو كان بك مثل ما بي لتقطعت. و لأن كل إنسان يطالب بأمر نفسه، و الإمام يطالب بأمر نفسه الأمة، فطلب الاستقالة لأجل ذلك.
و قد روي في الخبر عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: «من ولي علي المسلمين رجلا و هو يعلم أن في المسلمين من هو خير منه، فقد خان اللّه و رسوله» «2»، فلو كان في الصحابة من هو أفضل من أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، لما أجمعوا علي خلافته؛ لأن ذلك يؤدي إلي خيانة اللّه و رسوله، و الأمة لا تجتمع علي ضلالة، للخبر المروي عن النبي صلي اللّه عليه و سلم في ذلك، و من الدليل علي أن أبا بكر رضي اللّه عنه أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قوله عليه الصلاة و السلام: «ما طلعت الشمس و لا غربت علي رجل بعد النبيين و المرسلين أفضل من أبي بكر رضي اللّه عنه» «3». و هذا صريح كما تري.
فإن قيل أخبرونا بما جري بين عليّ و معاوية رضي اللّه عنهما، مع من كان منهما؟.
يقال لهم: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: الحق كان مع علي لقول النبي صلي اللّه عليه و سلم «عليّ علي حق، و الحق معه حيث دار» «4» و منهم من قال: كل واحد منهما كان مجتهدا مصيبا، لقول النبي صلي اللّه عليه و سلم: «كل مجتهد مصيب» «5» و أنهما لم يختلفا في الفروع كاختلاف الشافعي رضي اللّه عنه و أبي حنيفة و الناس في ذلك علي قولين: فمنهم من
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 400
يقول إن الحق في جهة، و إن المخالف في تلك مخطئ له أجر لا أنّه خطأ يؤدي إلي كفره، و لا فسقه؛ لقوله عليه الصلاة و السلام «من اجتهد فأصاب فله أجران، و من اجتهد فأخطأ فله أجر» «1»، و منهم من يقول كل منهما مصيب للخير، و حملوا أمر معاوية و علي رضي اللّه عنهما علي ذلك، و ذلك أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه كان الخليفة، و هو ابن عم معاوية، فقتل مظلوما، و ولي بعده الخلافة علي رضي اللّه عنه فجاء معاوية و طالبه بدمه، فقال علي رضي اللّه عنه: من قتل عثمان؟ فقام الخلفاء كلهم فأدي اجتهادهم إلي تركهم ذلك اليوم؛ لأنه لا يمكنه قتل جميعهم، و خشي علي نفسه أيضا أن يقتلوه، كما قتلوا عثمان رضي اللّه عنه، فلما تركهم ظن معاوية و أصحابه أنهم قد تركوا شرطا من شروط الإمامة، و بطلت إمامته؛ لأن من شروط الإمامة استيفاء الحقوق، فإذا لم يستوف الحقوق، فقد ترك شرطا من شروط الإمامة و بطلت إمامته، و العصر لابد له من إمام، فعقدوا لمعاوية بهذا الاجتهاد، فكل واحد منهما كان مجتهدا مصيبا، و الدليل علي أنه لم يجر بينهم ما يؤدي إلي الكفر و الفسق، أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كان إذا قاتل الكفار يظهر الفرح و الاستبشار، و في حال قتاله أبو الحسن:
كل هذا بيننا؟ إلي اللّه أشكو عجري و بجري أي همومي و أحزاني، يا ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة و كان يقول لأصحابه: ألا لا يتبع مول و لا يدفف علي جريح. فلو وجد منهم ما يؤدي إلي كفرهم و فسقهم، لما أمر أصحابه بذلك.
و روي أن بعض أصحابه قال له: أ كفار هم؟ فقال: لا، هم إخواننا بغوا علينا، قال اللّه تعالي: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَي الْأُخْري فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّي تَفِي‌ءَ إِلي أَمْرِ اللَّهِ (الحجرات: من الآية 9) فسماهم اللّه في حال القتال مؤمنين، لم يقل: و إن طائفتان مؤمنة، و كافرة قال عز و جل:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (الحجرات: من الآية 10)، و الصلح لا يكون إلا بعد القتال، و إذا كان إخوة يوسف- مع كونهم أنبياء- و الأنبياء أفضل من الصحابة يفعلون بيوسف ما فعلوا- و يوسف أخوهم و شقيقهم- حسدا، فيما يتعلق بأمور الدنيا فمن نزلت درجته عن درجتهم، لا يستبعد منهم ما يجري بينهم من قتال أو غيره فيما يتعلق بأمور الدين، و الدليل علي أن ما جري بينهم لم يتعلق بأمور الدنيا، أن عمرو بن العاص كان وزير معاوية، فلما قتل عمار بن ياسر، أمسك عن القتال و تابعه علي ذلك خلق كثير، فقال له معاوية: لم لا تقاتل؟ فقال: سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 401
يقول لعمار بن ياسر: (تقتلك الفئة الباغية) «1» و نحن قتلناه؛ فدل علي أن نحن بغاة.
فقال معاوية: ما نحن قتلناه، قتله من أرسله إلينا يقاتلنا، أما نحن دفعنا عن أنفسنا فقتل، فبلغ ذلك عليّا رضي اللّه عنه، فقال: إن كنت أنا قتلته فالنبي صلي اللّه عليه و سلم قاتل حمزة حين أرسله إلي قتال الكفار و لهذا قال بعض أصحابنا إن عليا كان مجتهدا مصيبا فله أجران، و معاوية كان مجتهدا مخطئا فله أجر «2».
و الواجب في ذلك الإمساك عما شجر بينهم، و ذكر محاسنهم لما روي عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: «سيجري بين أصحابي هنيهة يغفرها اللّه لهم لسابقتهم، فإياكم و ما شجر بينهم، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدكم و لا نصيفه» «3» و قال عز و جل: وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ (الحشر: من الآية 10) و قال عز و جل: وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ (التوبة: من الآية 100) فأسأل اللّه
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 402
البديع أن يحشرنا في زمرتهم، و أن يغفر لنا و لهم بمحبتهم، و يبغض إلينا من يبغضهم، فقد روي في الخبر عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم «أن اللّه عز و جل إذا علم من عبد أنه يبغض صاحب بدعة غفر اللّه له و إن قل عمله»، و روي أن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: «من انتهر صاحب بدعة ملأ اللّه قلبه إيمانا و أمنا» «1».
و عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال: «من أهان صاحب بدعة أمنه اللّه من الفزع الأكبر» «2» فليس يبغضهم إلا مشرك كافر لما روي عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال لعلي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه: (يا علي يخرج قوم من قبل المشرق يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فاقتلهم فإنهم مشركون) «3».
و علامة ذلك أنهم يسبون أبا بكر و عمر رضي اللّه عنهما، و حكي أن أبا نواس روئي في المنام فقيل له ما فعل اللّه بك؟
فقال: غفر لي. فقيل له: بم؟
فقال: بأربعة أبيات قلتها. فقيل له: و ما هي؟ قال هي:
إني رضيت أبا حفص و شيعته كما رضيت عتيقا صاحب الغار
و قد رضيت عليا قدوة علما و ما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة عندي قدوة علما فهل عليّ بهذا القول من عار
إن كنت تعلم أني لا أحبهم إلا بوجهك فأعتقني من النار
فكما أن محبتهم و اتباعهم توصل إلي الجنة، و إن كثرت الذنوب، فكذلك بغضهم و ترك اتباعهم و الاقتداء بهم يكون سببا للخلود في النار، و إن كثرت الطاعة، فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق، المنتمين إلي الإمام أبي الحسن الأشعري رضي اللّه عنه فهو كافر بتكفيره لهم، لما روي عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: (ما كفّر رجل رجلا إلا باء
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 403
به أحدهما إن كان كافرا إنه لكما قال، كان مسلما لقد كفر بتكفيره إياه) «1»، فمن كان هذا اعتقاده و دينه، فكيف يسجل المسلم أن يغتابه، فضلا أن يكفره و يلعنه، و هل في هذه الاعتقادات ما يجحده أحد، أو يستمر عليه عالم أو عابد إلا ملحد دهري، أو موهم حشوي بدعي، نعوذ باللّه من الخذلان، و سوء التوفيق و الحرمان، فليت شعري هذا الذي ينسب إليهم في أي كتاب وجدوه لهم؟ و متي سمعوه منهم؟ و من هذا الذي نقله عنهم؟ فاللّه عز و جل حسبنا و حسبهم.
فإن قيل: أنتم تقولون هذا في الظاهر، و تعتقدون خلافه في الباطن، يقال لهم: لا فرق بيننا و بينكم، و ليس في ذلك لبعضنا من بعض إلا الظاهر، و ليس مكتوب بين أعيننا صادق و لا كاذب. فإذا قلتم أنتم تعتقدون في الباطن بخلاف أن اللّه ثالث ثلاثة، فليس تصديقكم فيما تدعونه، بأولي من تصديقنا. و إذا كان النبي صلي اللّه عليه و سلم لم يعلم حال المنافقين، و حملهم علي الظاهر، حتي نزل عليه جبريل عليه السلام بقوله عز و جل:
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (المنافقون: 1) لو لم يعلم الرب عز و جل بما هم عليه من الباطن، ما علم و كذلك حال بيت أمها مرضت من الهم و الغم، و كان النبي صلي اللّه عليه و سلم يجي‌ء إلي البيت؟، و يقف علي الباب، و يقول كيف تيكم؟ و لا يقول عائشة، لما ثقل قلبه عليها حتي نزل براءتها من السماء فإذا كان النبي صلي اللّه عليه و سلم يحمل هذه الأمور علي ظاهرها، و لو لم يعلمه الرب عز و جل باطنها، لما علم فكيف من نزلت درجته عن درجته؟ و نحن اليوم، النبي ليس هو عندنا، و جبريل لا ينزل علينا، فليس لبعضنا من بعض إلا الظاهر، و الدليل عليه لو أن يهوديا أو نصرانيا جاء و أسلم، حكم بإسلامه و لم يكن لقائل أن يقول له: أنت في الباطن بخلاف ما أظهرت من الإسلام، فإذا كان اليهودي و النصراني الذي قد تحقق منه الكفر، إذا أظهر الإسلام يحمل منه علي الظاهر و يقبل منه، فمن لم يتحقق منه إلا الإيمان في عمره كله أولي و أحري أن لا يكفر بالظن.
فإن قيل: كل دين مكتوب دين مشؤوم، و لو أن ما تعتقدونه حق لأظهر تموه.
يقال لهم هذا يتعلق به من لا عقل له و لا علم؛ فإن النبي صلي اللّه عليه و سلم لما كان في دار الخيزران و معه ذلك النفر القليل، لا يقدرون أن يظهروا ما هم عليه من الإسلام، لا يدل ذلك أنهم علي الباطل، بل هم علي الحق، بل يدل علي ضعفهم و قلتهم، و قوة أهل الباطل و كثرتهم، و قد روي في الخبر عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: «بدأ الإسلام غريبا
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 404
و سيعود كما بدأ» «1»، و روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال: «لا تقوم الساعة إلا علي أشرار أمتي» «2» فإظهارهم لما هم عليه من التشبيه، و لغة المسلمين و تكفيرهم، لا يدل أنهم علي الحق، كما أن كثرة الروافض و إظهارهم لما هم عليه و سب أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في بلاد الشام و غيرها، و سكوت أهل السنة عنهم، لا يدل أنهم علي الحق و أن أهل السنة علي الباطل بل يدل علي ذلك بجهل اقتراب الساعة و تصديق النبي صلي اللّه عليه و سلم، فيما أخبر به من قوله صلي اللّه عليه و سلم بدأ الإسلام غريبا و سيعود كما بدأ، و قوله: «لا تقوم الساعة إلا علي أشرار أمتي» «3» و من شرهم لعنهم لأهل الحق و غيبتهم لهم، و تقبيح اسمهم عند العامة، و تلقيبهم لهم بالأشعرية، و قد روي في الخبر عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أن رجلا لعن الريح فقال له النبي صلي اللّه عليه و سلم «لا تلعنها فإنها مأمورة»، و إن من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنه عليه. و روي في الخبر: «أن رجلا يعطي كتابا يوم القيامة، فلا يري فيه حسنة، فيقول يا رب أين صلاتي، و صيامي، فيقال ذهب عملك كله باغتيابك للناس» «4»، قال اللّه عز و جل: وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ (الحجرات: من الآية 11)، و أما تلقيبهم لهم بالأشعرية،؟ فإن هذه التسمية لا توجب تكفيرهم، و لا لعنهم، فإنه اسم قبيلة من قبائل العرب، كقيس و فزارة و سليم، و قد روي في الخبر عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أنه قال: «الأزد و الأشاعرة هم مني و أنا منهم طيبة أفواههم لا يغلون، و لا يجبنون» «5» و روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال: «يقدم عليكم أقوام هم أرق منكم قلوبا» «6»، فقدم الأشعريون فيهم أبو موسي الأشعري، فلما اقتربوا من المدينة كانوا يرتجزون، و يقولون:
و روي أن النبي صلي اللّه عليه و سلم لما نزل عليه قوله عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ (المائدة: من الآية 54) بقوم يحبهم و يحبونه. فقال بقضيبه الممشوق في ظهر أبي موسي الأشعري رضي اللّه عنه: هم قومك
الاشارة الي مذهب اهل الحق، ص: 405
يا أبا موسي أهل اليمن. و معلوم بأدلة العقول أنه لم يظهر أحد من أولاد أبي موسي الأشعري إلا رد علي جميع المبتدعة من المعتزلة و الرافضة و المشبهة، و أبطل شبههم و ما هم عليه غير الإمام أبي الحسن الأشعري، فأنبأ النبي صلي اللّه عليه و سلم به في الغيب، كما أنبأ عن الإمام الشافعي رضي اللّه عنه بقوله: «لا تسبوا قريشا فإن اللّه عز و جل يظهر فيهم رجلا يملأ الأرض علما» «1». و روي فإن عالمها يملأ الأرض علما. و اتفق العلماء كلهم علي أنه الإمام الشافعي رضي اللّه عنه، لأنه لم يكن في الأئمة قرشي غير الشافعي رضي اللّه عنه، فأنبأ في الغيب كما أنبأ عن الإمام أبي الحسن الأشعري رضي اللّه عنه، فمن كان في الفروع علي مذهب الشافعي، و في الأصول علي اعتقاد الأشعري، فهو معلم الطريق و هو علي الحق المبين كما أنشد بعض الأصحاب.
فأما قول الجهلة: نحن شافعية الفروع، حنبلية الأصول، فلم يعتد به لأن الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه، لم يصنف كتابا في الأصول، و لم ينقل عنه في ذلك شي‌ء أكثر من صبره علي الضرب و الحسن حين دعته المعتزلة إلي الموافقة بخلق القرآن، فلم يوافق، و دعي إلي المناظر، و الاقتداء بمن صنف في ذلك، و تكلم المبتدعة بالأدلة القاطعة و الحجج الباهرة، أولي و أحري، و إذا كان النبي صلي اللّه عليه و سلم مع جلالة قدره، و علم منزلته، و إظهاره المعجزات و الدلائل و الآيات لم يخل من عدو منافق، و حاسد فاسق ينسب إليه ما ليس هو عليه و أصحابه المقطوع لهم بالجنة، فكذلك فيمن نزلت درجتهم أولي و أحري أن لا يسلم من ذلك. ينبغي للعاقل المكلف إذا سمع عن هذه الطائفة- أعني الأشعرية- ما ينفر قلبه عنهم، أن لا يبادر بالتصديق لذلك، فليس تصديق من يصدقه أولي من تصديقهم في إنكارهم فيما ينسب إليهم من خلق القرآن و غيره، و لأن المسلم لا يجوز له أن يكفر المسلم بالتقليد من غير نص في حاله، و لا تثبت في أمره، قال اللّه تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا- بقراءة من قرأ- أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين). فمن كان مقصوده معرفة ما أهل الحق عليه، و الرجوع عن تكفيرهم و لعنهم، فليدبر ما أشرت إليه يصل إلي مقصوده.
و الحمد للّه وحده و صلي اللّه علي سيدنا محمد و علي آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين، و اللّه الموفق و عليه التكلان و به المستعان.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.